اندلعت المواجهة بين الصهاينة وحركة الجهاد الاسلامي، بلا سبب مباشر، ذلك عقب اعتقال القيادي بالحركة بسام السعدي الذي ألقت شرطة الاحتلال القبض عليه عقب اقتحام مخيم جنين في 9 يوليو الماضي.
واعتمدت حكومة لابيد على تكهنات، اذ كانت تجري وساطات تهدئة بين الجهاد الاسلامي واسرائيل، على خلفية اعتقال اسرائيل للقيادي بالجهاد الاسلامي من الضفة الغربية، واستمرار اضراب بعض الأسرى من الحركة بالسجون الاسرائيلية، وحققت الوساطة المصرية، قبل اندلاع المواجهات، تفاهمات معتبرة ، الا ان اسرائيل وبلا سابق انذار ، قامت بقصف مقر الجهاد الاسلامي بغزة واغتالت القائد تيسير الجعبري، وهو ما ردت عليه الجهاد بزخات صواريخ، فيما هددت الفصائل المقاومة بالانضمام للمواجهة واطلاق الصواريخ وتنفيذ العمليات ضد اسرائيل..
فيما صادق وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس على أمر عسكري استثنائي باستدعاء 25 ألفًا من قوات الاحتياط، وتعزيز قواته على الحدود مع قطاع غزة بقوات من اللواء الـ 36 ولواء جولاني ولواء المدرعات.
وبعد 56 ساعة من القصف الصهيوني لقطاع غزة، أسفر عن ارتقاء 44 شهيدا وجرح مئات الفلسطينيين وهدم عشرات المنازل، وتصاعد ردود المقاومة الفلسطينية بزخات متواصلة من الصواريخ، التي شلت الحياة في مناطق غلاف غزة المحتل، وصلت لعمق تل أبيب..
ووفق تقديرات اسرائيلية، فقد فشلت الخطة التي هندسها رئيس الوزراء بالإنابة لبيد، لانجاز صورة انتصار سياسي، قبيل شهور من الانتخابات البرلمانية المبكرة، في اسرائيل، في نوفمبر المقبل..
أسفرت الجهود الاممية والقطرية والمصرية، عن اعلان وقف إطلاق النار بين الجانبين. ووصفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية العملية العسكرية في غزة بأنها فشل ذريع للسياسة الإسرائيلية في القطاع، منددة بتكرار هذه العمليات العسكرية، وما ينجم عن ذلك من تعطيل لحياة الإسرائيليين اليومية وتحويل لحياة الفلسطينيين في غزة إلى كابوس مستمر.
أولا: أهداف التصعيد الاسرائيلي:
-تقليم أظافر المقاومة وتفريق لحمتها:
وعبر ضربات الصهاينة، حاولت حكومة الاحتلال تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب، السياسية والعسكرية، من تلك العملية دون التورط في حرب مفتوحة داخل القطاع الملتهب بطبيعة الحال، إذ لا تزال أجواء معركة “سيف القدس” عالقة في أذهان الإسرائيليين، قادة وشعبًا، وعليه تنتهج إستراتيجية مغايرة تمامًا لما اعتادته قبل ذلك، تستند في المقام الأول إلى سياسة “فرق تسد
حيث ركزت بيانات اسرائيل خلال العملية، على التأكيد على ان هدفها الأوحد، هو حركة الجهاد الاسلامي. وكانت اسرائيل تحشى دخول حماس على خط المواجهة، خشية تحول المسار من هجمات تستهدف مواقع للجهاد إلى حرب شاملة في القطاع وكان من الواضح أن إقصاء حركة الجهاد الإسلامي من المشهد الفلسطيني وتقليم أظافرها انتقامًا من عملياتها الأخيرة ضد الإسرائيليين هو الهدف الأول والأبرز من وراء تلك العملية، وبسياسة “فرق تسد” تحاول حكومة الاحتلال زرع الفتنة بين حماس والجهاد وتوسيع الهوة بينهما في ضوء الحسابات المعقدة، بما يسقط جدار “التوحد واللحمة” الذي كان عامل الحسم الأبرز في نجاح المقاومة طيلة السنوات الماضية
-جرجرة إيران للمعترك الفلسطيني:
ومنذ اللحظة الأولى للعملية الاسرائيلية، توالت التهديدات والتحذيرات لقادة الجهاد الاسلامي بالاستهداف، رابطة بين قادة الجهاد الاسلامي المقيمين بايران، ومحاولة فرض معادلة على اسرائيل في قطاع غزة.
وجاء التصعيد في محاولة لجرجرة إيران، بصورة مباشرة نحو مواجهة اقليمية مع اسرائيل، التي تسعى لتوجيه ضربة عسكرية للمشروع النووي الايرني، والذي يحظى بفيتو امريكي ودولي حاليا، في سبيل الوصول لاتفاق دولي متعثر منذ شهور في فيينا.
واستهدف الاحتلال الجهاد الإسلامي تحديدًا، ذات العلاقات الجيدة مع طهران، دون حماس، كمحاولة واضحة لاستفزاز الدولة الإيرانية وجرجرتها نحو مزيد من العنف في محاولة لاستغلال ذلك لتحقيق العديد من المكاسب السياسية والعسكرية لدولة الاحتلال التي تتعامل مع إيران كـ “شماعة” لتبرير انتهاكاتها لتحقيق أجندتها الإقليمية
اذ تحاول حكومة لابيد تحقيق انتصار عسكري من خلال استنزاف قدرات الجهاد العسكرية، وإخراجها قدر الإمكان عن المعادلة المؤثرة في المشهد الفلسطيني، بما ينعكس على نفوذ طهران في المنطقة ويقوض من حضورها الإقليمي ويدفعها لاتخاذ ردود فعل تهدد أمنها القومي وتشتت تركيزها وتجهض أي خطوات تقدمية في ملفاتها الحساسة
وتعاني العلاقات الإيرانية الإسرائيلية – رغم التنسيق غير المباشر بينهما والتعاون الواضح في كثير من المجالات – من توترات حادة في الآونة الأخيرة، استثمرتها تل أبيب في تعزيز علاقاتها مع دول الخليج والشرق الأوسط، وحققت عبر فزاعتها ما لم تحققه في حربها الممتدة لسنوات، وعليه تحاول من خلال عمليتها الأخيرة إخراج إيران من التشكيل الرسمي للاعبين المؤثرين في الملف الفلسطيني، حتى لو نظريًا
وفي المقابل فإن التصعيد الحاليّ في مضمونه ربما يخدم الأهداف الإيرانية إلى حد كبير، فطهران التي تعاني من تآكل أجندتها في العراق ولبنان وسوريا، تبحث عن موطن جديد لشرعنة أجندتها الإقليمية، وليس هناك أفضل من الساحة الفلسطينية لاستعادة شعبيتها في المنطقة العربية، وإعادة فرض حضورها الدولي مرة أخرى بما يخدم مصالحها في مسار الاتفاق النووي المتعثر مع الجانب الأمريكي مؤخرًا وسعت اسرائيل عبر خطابها الاعلامي، خلال العملية العسكرية، لفصل الجهاد عن كافة الفصائل الفلسطينية المقاومة خاصة حماس، لخلق فتنة فلسطينية، الا ان غرفة العمليات المشتركة للمقاومة عقدت عدة اجتماعات، في رسالة لاسرائيل بوحدة العمل المقاوم.
ووضعت غرفة العمليات المشتركة للمقاومة في غزة نفسها في حالة استنفار وانعقاد دائم، لتنسيق الجهود واتخاذ القرارات المناسبة، حسب تطورات الأحداث في الميدان، وقال المتحدث باسم حماس حازم قاسم لـ”الجزيرة نت” إن “المقاومة تخطط وتعمل من خلال غرفة العمليات، وإدارة المعركة تجري بتوافق فصائلي” وفي ظل التحريض الإسرائيلي على حركة الجهاد الإسلامي والزعم بأنها ذراع إيران في غزة والضفة الغربية، اعتمدت تقديرات اسرائيلية ، على أن العملية الاسرائيلية كانت تستهدف استدراج حزب الله في المعركة إلى جانب الجهاد الاسلامي، في محاولة لخلط الأوراق، وتصعيد المواجهات ضد ايران. الا أن الخشية من محاولة استهداف حزب الله منصات “كاريش” للغاز بالمناطق الشمالية، عرقل ذلك المسار، وسرع باتفاق وقف إطلاق النار.
-ألبحث عن شعبية انتخابية للبيد:
ولعل ما يؤكد انطلاق عملية “الفجر الصادق” وفق التسمية الصهيونية، استهدف تحقييق أهداف سياسية، أكثر منها عسكرية، في ظل الهدوء المتبادل بين اسرائيل وحركات المقاومة الفلسطينية، هو خطة لابيد، نفسه، والتي تقوم على تعزيز إعادة إعمار غزة وتصدر المزيد من التصاريح لجلب مواد البناء وغيرها من البضائع إلى القطاع، لتحسين الوضع الاقتصادي والمدني في غزة، إذ إن ذلك “مصلحة إسرائيلية من الدرجة الأولى“
وتقوم خطة لابيد، على مرحلتين، وفق ما اقترحه يائير لبيد الذي كان وزيراً للخارجية في سبتمبر 2021 وهو الآن رئيس الوزراء، والتي أطلق عليها خطة “الاقتصاد من أجل الأمن“وتنطوي المرحلة الأولى على إعادة الإعمار الإنساني، وتسمح بموجبها إسرائيل لغزة بإعادة تأهيل نظام الكهرباء لديها، وربطه بأنابيب الغاز، وبناء محطات تحلية للمياه وتحسين نظامها الصحي مقابل هدوء طويل الأمد
أما المرحلة الثانية فذهبت أبعد من ذلك، ودعت لبناء جزيرة اصطناعية قبالة القطاع يمكن أن يشيد عليها ميناء بحري، فضلا عن تشجيع الاستثمار الدولي والمشاريع الاقتصادية المشتركة التي تشارك فيها إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية
-حلحلة الأزمات الداخلية والاقليمية لإسرائيل:
وبقراءة سياقات العملية وأجوائها العامة، البداية مع الأزمة الداخلية التي تواجهها تل أبيب، حيث الإعداد لانتخابات خامسة من أجل تشكيل حكومة توافقية، في ظل الفوضى السياسية التي تعاني منها دولة الاحتلال طيلة السنوات الماضية، بجانب رفض واشنطن دعم المخطط الإسرائيلي لشن حرب على إيران ووقف مسار الاتفاق النووي، وهو ما يتطلب ردة فعل إسرائيلية اعتراضًا على الموقف الأمريكي من جانب آخر فإنه رغم موجة التطبيع التي شهدتها الفترة الأخيرة وانخراط 4 دول عربية في اتفاق “إبراهام” التطبيعي، فإن “إسرائيل” فشلت في تحقيق الهدف الأبرز من هذا التطبيع وهو بناء تحالف عسكري مع القوى العربية يعزز من حضورها الإقليمي، وهو ما تحاول دولة الاحتلال تدشينه بأي ثمن ممكن
ومن ثم أجمع محللون سياسيون وعسكريون ومختصون في الشأن الإسرائيلي أن “الفجر الصادق” تأتي في سياق التنافس لانتخابات الكنيست وأزمة الحكم في “إسرائيل”، فيما يرى الكاتب والمحلل السياسي القريب من “الجهاد” حسن عبده، أن أزمات “إسرائيل” الداخلية تدفع قادتها لتصدير أزماتهم نحو غزة، واستخدام “الدم الفلسطيني في ماكينة الانتخابات والمنافسة”.
ثانيا: تداعيات التصعيد:
-خلافات اسرائيلية اسرائيلية:
أقدمت إسرائيل في الخامس من أغسطس الجاري على شن سلسلة من الغارات السريعة بطائرات مسيرة على قطاع غزة أسفرت عن مقتل قائد في حركة الجهاد الإسلامي ووفق مجلة الايكونومست ، فقد شنت إسرائيل الهجوم الأخير على غزة لاعتبارات سياسية، فرئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد يائير لبيد، الذي لم يمض على استلامه منصب رئاسة الوزراء سوى 5 أسابيع فقط، يواجه معركة صعبة لإعادة انتخابه في الانتخابات المقبلة التي ستجري في الأول من نوفمبر المقبل وخلافا للمرشحين الرئيسيين المنافسين له في الانتخابات (رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الحالي بيني غانتس)، يفتقر لبيد إلى سجل عسكري وخبرة في قيادة بلاده خلال الحروب لذلك تقول إيكونوميست إنه إذا نجحت الحملة العسكرية القصيرة على غزة في إضعاف حركة الجهاد الإسلامي وإبقاء حركة المقاومة الإسلامية (حماس) خارج المعركة من دون أن تتسبب في سقوط قتلى في صفوف الإسرائيليين، فإن ذلك من شأنه تعزيز الثقة في قدرات لبيد الأمنية
-وقف إطلاق النار بعد 56 ساعة انتصار للمقاومة:
وعلى الرغم من الخسائر المادية والبشرية التي طالت قطاع غزة، إلا أن قبول اسرائيل بوقف عاجل لاطلاق النار، يبرهن على صلابة المقاومة الفلسطينية، وقدرتها على تفعيل معادلة الرعب مقابل الرعب والتهدئة مقابل التهدئة.
وقد جاء اتفاق وقف إطلاق النار، الذي رعته مصر وقطر، ليؤكد على التعهد بالإفراج عن الأسير خليل العواودة ونقله للعلاج، وكذلك العمل على الإفراج عن الأسير بسام السعدي في أقرب وقت ممكن. وكانت وزارة الصحة في غزة أعلنت ارتفاع عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على القطاع إلى 44، بينهم 15 طفلاً و4 نساء، إضافة إلى 360 إصابة.
فيما اعتبرت الجهاد الاسلامي، أنها حققت نصرا عسكريا وسياسيا، اذ لم تلتزم بأي شيء أمام الاسرائيليين، مؤكدة على حقها في الرد على الاعتداءات الصهيونية في أي وقت. وحسبما قال الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، زياد النخالة، في مؤتمر صحافي بالعاصمة الإيرانية طهران، إن “الشعب الفلسطيني والمقاومة في قطاع غزة سجلوا إنجازاً تاريخياً في مواجهة العدوان الكبير”، مشددا على أنه “في حال لم يتم الالتزام بالشروط التي فرضناها، سنعتبر الاتفاق لا غيا وسنستأنف القتال“مضيفا أن “الاحتلال كان يريد تصفية حركة الجهاد الإسلامي، واليوم بعد توقف إطلاق النار، نرى المشهد واضحًا أن حركة الجهاد الإسلامي بقيت قوية رغم سقوط الشهداء“
وأوضح أن الاحتلال لم يستطع أن يفرض أي شرط على “الجهاد”، وفي المقابل استطاعت الحركة فرض شروطها، ومنها “الإفراج عن الأسير خليل العواودة والشيخ بسام السعدي” وعقب الهجوم، الذي استمر من عصر الجمعة إلى منتصف ليل الأحد/الاثنين “5 إلى 8 أغسطس”، أدخلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، الاثنين، عبر معبر كرم أبو سالم التجاري، شاحنات الوقود المخصص لتشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة، بعد ستة أيام من المنع، الذي أدى، إلى توقف المحطة عن العمل كلياً عند ساعات الظهيرة
-نجاح معادلة المقاومة
وقد اتبعت المقاومة الفلسطينية خطة متدرجة، تقوم من خلالها بتحقيق هدفين أساسيين، الأول: “إدارة قدراتها العسكرية وعدم استنفادها دفعة واحدة”، والثاني حرمان إسرائيل من امتياز تحديد التوقيت والطريقة التي اختارتهما للتصعيد الحالي ويبدو أن إسرائيل تريد من وراء هذه “المباغتة بالتصعيد” الانتقام لما لحق بها على يد المقاومة الفلسطينية، التي كانت لها الأفضلية بـ “كلمة البداية” في “معركة سيف القدس” مايو الماضي.. ولكن صمود المقاومة وقدراتها المتطورة في فرض معادلة توازن الرعب، عبر صواريخ وصلت الداخل المحتل.
واستطاعت المقاومة إدارة “حرب استنزاف”، لنزع أي ذرائع من إسرائيل لزيادة “ضرباتها التدميرية”، ومن جهة ثانية زيادة الضغط على “الجبهة الداخلية الإسرائيلية” التي لا تحتمل معركة استنزاف طويلة كما أن المشاركة العمليات لحركة حماس في المعركة عبر تشكيلات مسلحة تطلق صواريخ بمحيط ما تسمى “مستوطنات غلاف غزة” ووفق معطيات الواقع الميداني، فإن الصراع سيبقى مفتوحا، حيث إن صورة الانتصار التي تبحث عنها إسرائيل ستبقى ضبابية، وعليه إذا كان رد المقاومة موجعا بالنسبة لإسرائيل فستترتب على ذلك أثمان باهظة للبيد وغانتس في الانتخابات المقبلة.
–عودة اسرائيل لسياسة الاغتيالات:
ومنذ اللحظة الأولى للعدوان الاسرائيلي، يوم الجمعة 5 أغسطس، بدأ المسؤولون الإسرائيليون، سياسيين وعسكريين، يتسابقون لإعلان اغتيال قائد المنطقة الجنوبية لسرايا القدس الذراع العسكرية لحركة “الجهاد الإسلامي”، خالد منصور، مساء السبت، في مخيم الشعوت للاجئين بمدينة رفح جنوب قطاع غزة. كما نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية صوراً ملتقطة من الطائرات المُسيرة لاغتيال منصور وقائد المنطقة الشمالية في “سرايا القدس” تيسير الجعبري الجمعة، وهو الحدث الذي فجر المواجهة الأخيرة.
ووفق خبراء اسرائيليين، فإن إسرائيل، كما فعلت في حرب العام 2014، على كسر التهدئة السارية إذا حصلت على معلومات استخبارية بوجود قيادي من الصف الأول في منطقة ما وتستهدفه. وقد فعلت ذلك في 20 أغسطس 2014 مع القائد العام لكتائب القسام الذراع العسكرية لحركة “حماس” محمد الضيف حين قصفت منزلاً لعائلة الدلو في مدينة غزة بزعم وجوده فيه، واستشهدت في الغارة زوجته وابنه. ورغم الاتفاق على هدنة إنسانية يومها لـ 24 ساعة تذرعت إسرائيل بإطلاق ثلاثة صواريخ عليها، لكن الفلسطينيون نفوا وجود عمليات إطلاق للصواريخ، ما يعني أنّ إسرائيل كانت تحاول تحقيق إنجاز باغتيال الضيف والاحتفاء الإسرائيلي بعمليات الاغتيال يعود إلى رغبة السياسيين الإسرائيليين في تسجيل نقاط في سجلهم السياسي، للاستفادة من هذه النقاط لاحقاً في الانتخابات.
كما تعتمد اسرائيل في غزة سياسة الاغتيالات، لتحقيق أهداف أمنية من خلال الادعاء بنية حركة “الجهاد الإسلامي” تنفيذ هجمات على الحدود، غير أنّ المستوى السياسي ليحقق هدفاً منها يجب أن تنتهي بسرعة، حيث إذا امتدت أكثر فستخسر إسرائيل ما تسميه “الإنجازات” وتتعقد الأمور وقد تنقل لساحات فلسطينية أخرى كما جرى في معركة “سيف القدس” في العام الماضي الا أنّ قائمة الاغتيالات الطويلة في عمر النضال الفلسطيني لم يحقق منها الإسرائيليون شيئاً، فالإسرائيليون “يسبحون في فضاء فارغ لا ينتهي“.، وفق تقديرات اسرائيلية..
-استغلال زيارة بايدن لإسرائيل:
وقد جاءت عملية العدوان الاسرائيلي على غزة، عقبزيارة الرئيس الامريكي جو بايدن، لاسرائيل والمنطقة، متعهدا بالمزيد من الدعم لاسرائيل، والحفاظ على أمنها.
وكان موقع “يديعوت أحرونوت” قد أكد إن أعضاء في مجلس الكابينت طالبوا بدراسة مسألة وقف العدوان ما دام قد “أنجز أهدافه”، فيما حذر كل من وزير الأمن بني غانتس ورئيس الحكومة السابق نفتالي بينت، الذي يشغل أيضا منصب رئيس الحكومة البديل، من وقف العدوان وسط استمرار إطلاق رشقات الصواريخ، مع التشديد على ضرورة وضع آلية منظمة لإنهاء العدوان يأتي ذلك في وقت يدعي الجيش الإسرائيلي وممثلو المنظومة الأمنية تحقيق مكاسب عسكرية خلال العدوان مع توجيه ضربة قوية لـ”الجهاد الإسلامي“ وتستفيد إسرائيل مما تسميه غياب الضغط الدولي والسياسي عليها، إضافة إلى الدعم المطلق الذي تجده من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، وهو ما تتوقعه من الدولتين خلال الجلسة التي عقدها مجلس الأمن الدولي للبحث في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة
-تغيير نوعي في استراتيجيات المقاومة:
وعلى الرغم ، من التنسيق الاستراتيجي بين فصائل المقاومة الفلسطينية، بشكل سري، الا أن الإسرائيليون يؤمنون بأن دخول حماس على خط المواجهة سيغير الكثير من المعادلة في ظل ما تمتلكه من مقومات وقدرات تسليحية وقتالية قادرة على إحداث الفارق، وهو ما ثبت خلال معركة “سيف القدس” العام الماضي، التي لقنت فيها المقاومة دولة الاحتلال درسًا قاسيًا في فنون القتال والتسليح ورغم ذلك هناك قطاع ليس بالقليل يهدف إلى إشعال الموقف في غزة ودفع حماس للدخول في المواجهة المباشرة، بما يمكن استثماره سياسيًا لدى لابيد الحالم برئاسة الحكومة بشكل رسمي ولمدة أطول، غير أن هذا القطاع يخشى من تكرار سيناريو العام الماضي وأن تكون تلك الحرب شهادة وفاة سياسية لرئيس الحكومة كما حدث مع بنيامين نتنياهو ولا يمكن لـ”الجهاد” الرد على تلك الاعتداءات بأكثر من 150 رشقة صواريخ، استهدفت الداخل الإسرائيلي، دون استخدام البنية التحتية الحمساوية وقدراتها اللوجستية، وهو ما يعني وجود تنسيق وتناغم غير معلن كما أن فريقا كبيرا من المحللين الفلسطينيين والاسرائيليين، يستبعدون إبقاء الحركة على الحياد لفترات طويلة، معتقدًا أن هناك تكتيكًا فلسطينيًا جديدًا في التعامل مع الاعتداءات الإسرائيلية “بمعنى أن الفصائل قررت أنها لن تبدأ كلها بالرد بقوة، هذه المرة هناك حديث عن حرب استنزاف طويلة، وحتى (الجهاد) لم تستخدم قوتها الأساسية.
تضعضع الموقف العربي والمصري:
ومن جملة النتائج وتداعيات العدوان الاسرائيلي على غزة، انكشاف المواقف العربية في التعاطي مع التصعيد والعدوان على الفلسطينيين. وكان لافتا تضعضع الدور المصري، الذي اكتفى بدور الوساطة الموجهة من الطرف المعتدي، والذي لم يراع حجم الجرم على الفلسطينيين، وساوى بين الجاني والمجني عليه. واكتفت ادارة السيسي بممارسة أعمال الوساطة، والتربّح السياسي والمالي من هذه الوساطة بين الشقيق المُعتدى عليه والاحتلال المعتدي، بحسب المحلل السياسي وائل قنديل.
فلم يتحرّك الوسيط المصري، إلا عندما يكون المعتدي الغاشم في حاجة لها بعد اشتداد ضربات الطرف المقاوم كما أن هناك سبع حكومات عربية، على الأقل، منخرطة في علاقات سياسية وتجارية مع اسرائيل، أي أن سبعة ممن يُفترض أنهم أشقاء الضحية يتمتعون بعلاقاتٍ تتراوح بين الدافئة والساخنة جدًا مع الكيان الصهيوني. وعلى الرغم من ذلك، لم يلمس أحد لهذا العلاقات أثرًا في الضغط على المعتدي لإيقاف عدوانه، الأمر الذي يعني، في حدّه الأدنى، أن هؤلاء السبعة على مسافة واحدة من الشقيق والعدو، وهذا هو الانحياز للاحتلال في أقبح تجلياته الممكنة، وفق قنديل
ولما لا، وقد منع النظام السيساوي الفنانة الفلسطينية ناي البرغوثي من دخول مصر، لغنائها للمقاومة الفلسطينية، ودعمها للمقاومة ومواجهة العدوان الصهيوني!
خاتمة:
جاء التصعيد الاخير ضد قطاع غزة، لمدة 56 ساعة، أجبرت المقاومة الفلسطينية الصهاينة على تقليص العدوان، مستعملة معادلة الرعب مقابل الرعب، والتهدئة قابل التهدئة…وقد نجحت صواريخ المقاومة المطورة في اجبار اسرائيل على انهاء العملية العسكرية، والتراجع عن توسيعها في القطاع، خشية دخول فصائل المقاومة الفلسطينية في معادلة القتال. وخرج لبيد خاسرا في بناء تحالف انتخابي، لخوض انتخابات نوفمبر المقبل. ولكن التصعيد الأخير كشف كثييرا من تضعضع الدور والموقف المصري والعربي في مواجهة صلف اسرائيل، وعدم استغلال قدراتها الاقتصادية والتطبيع المتصاعد في حماية الفلسطينيين، من غشم السياسات الاسرائيلية.
مراجع:
………….
- الخليج الجديد، هآرتس: عملية غزة الأخيرة فشل ذريع لإسرائيل والحل في خطة لبيد، 8/8/2022
- وكالة الأناضول، المقاتلات الحربية الإسرائيلية دمرت العديد من المنازل والوحدات السكنية في غزة وقتلت أكثر من 40 فلسطينيا، 8/8/2022
- العربي الجديد، بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة “الجهاد” والاحتلال الإسرائيلي، 7 اغسطس 2022
- العربي الجديد، الاغتيالات.. سلاح إسرائيل لـ “إنجاز سياسي وصورة نصر“، 7 اغسطس 2022
- الجزيرة نت، “الفجر الصادق” وجه آخر لـ “حارس الأسوار”.. غزة تدفع ثمن أزمة الحكم في إسرائيل، 5/8/2022
- العربي الجديد، لاغتيالات.. سلاح إسرائيل لـ “إنجاز سياسي وصورة نصر“، 7 اغسطس 202
- العربي، وسائل إعلام إسرائيلية: لبيد يعلن أن أهداف العملية تحققت ولا معنى للمواصلة، 7 اغسطس 2022
- نون بوست، الحرب على غزة.. هل تنجح “إسرائيل” في تفتيت صف المقاومة؟، 06/08/2022
- مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، الأبعاد المختلفة للتصعيد الإسرائيلي في غزة، 8 اغسطس 2022
- معن البياري، الحرب حاجةً إسرائيليةً، العربي الجديد،8 اغسطس 2022
- وائل قنديل، أيها الفلسطيني المقاوم: هذا الوسيط غير نزيه، 8 اغسطس 2022