آفاق التصعيد الصيني ضد واشنطن وتايوان بعد زيارة بيلوسي تايبيه

 أزمة جديدة فجرتها زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، إلى تايوان بطريقة استفزازية مقصودة، رافقها استعراض عسكري بحري وجوي أميركي، في تحذير لبكين من التدخل المباشر في تايوان، وأن واشنطن لن تسمح بظهور عالم متعدّد الأقطاب تحت زعامة الصين.

أولا: سياق الزيارة:

الثلاثاء 2 أغسطس الجاري، وصلت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان، في زيارة لأعلى مسؤولة أمريكية للجزيرة منذ عام 1997، وفي وقت حساس بالنسبة للرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي يستعد للترشح لولاية ثالثة في مؤتمر الحزب الشيوعي القادم.

وخلال أرفع زيارة لمسؤول أمريكي للجزيرة منذ 25 عاماً، أشادت بيلوسي بديمقراطية تايوان وتعهدت بالتضامن معها، مما أغضب الصين.

وقالت من تايوان إن “الحقيقة هي، كما قلت مراراً وتكراراً، أننا إذا لم نتكلم صراحة دفاعاً عن حقوق الإنسان في الصين بسبب المصالح التجارية، فإننا نفقد أي سلطة أخلاقية للتحدث بصراحة عن حقوق الإنسان في أي مكان بالعالم.

كما أضافت: “الصين لديها بعض التناقضات، بعض التقدم فيما يتعلق برفع معنويات الناس، وبعض الأشياء المروعة التي تحدث فيما يتعلق بالإيغور. في الواقع، تم تصنيفها على أنها إبادة جماعية.

وفي أول بيان رسمي للصين، قالت وزارة الخارجية إن نهاية الزيارة لن تكون “جيدة”، كما أضافت: “إذا أصرت واشنطن على اتباع النهج الخاطئ فيجب أن تكون مسؤولة عن أي عواقب خطيرة.

وكانت الصين أعلنت، الخميس 4 أغسطس، بدء أكبر تدريبات عسكرية تجريها على الإطلاق، وذلك رداً على زيارة بيلوسي للجارة تايوان، التي تعتبرها بكين جزءاً من أراضيها.

-خلاف داخل الادارة الأمريكية:

منذ أعلنت بيلوسي عن زيارتها، لتايوان، سعى كبار مسؤولي الأمن القومي الأمريكي لإثناءها عن زيارتها تلك، أو تأجيلها على الأقل، بدعوى أن الفوائد المحققة منها لا تتناسب مطلقًا مع مخاطرها المحتملة، في ظل أن أولوية واشنطن في الوقت الراهن تتمحور حول تقليل خطر أي سوء تقدير في علاقات البلاد الخارجية وعلى رأسها الصين، حسبما أشار المحلل السياسي الأمريكي جوش روجين في مقاله بصحيفة “واشنطن بوست” الذي كشف فيه عن التأثير الأكبر للزيارة سيظهر بعد عودتها إلى بلادها، وأن الأمر قد يستغرق شهورًا وسنوات، بما يعزز من توتير الأجواء الصينية الأمريكية فيما تقع تايوان في المنتصف لتصبح الضحية الكبرى لردة فعل الصين المحتملة.

-توتر بالساحة الدولية:

أدت الزيارة، إلى ارتفاع سخونة الأجواء بما ينذر بتصعيد ربما يدفع بالمنطقة إلى آتون حرب شاملة قد تفوق في مخاطرها تلك المشتعلة الآن في أوكرانيا. ورغم أن زيارة بيلوسي لم تتجاوز بضع ساعات، التقت خلالها رئيسة تايوان تساي إنغ ون وعددًا من المسؤولين البارزين، فإنها وصفت بالتاريخية كونها لأعلى مسؤول أمريكي منتخب يزور تايبيه منذ 25 عامًا التي تعتبرها بكين جزءًا من أراضيها، متوعدة بـ “إعادة توحيدها” بالقوة إذا لزم الأمر.

-خرق السيادة الصينية:

ويرى الصينيون أن الزيارة – رغم التحذيرات الاستباقية منها – تمثل خرقًا كبيرًا لسيادة بلادهم وتهديدًا مباشرًا لأمنهم القومي، وهو ما أثار غضب السلطات الصينية التي توعدت بالرد الحاسم على تلك الخطوة التي وصفتها بالاستفزازية، فيما تعهد وزير الخارجية الصيني وانغ يي بأن “الذين يسيئون للصين سيعاقبون حتمًا”، وذلك على هامش اجتماع لرابطة دول جنوب شرق آسيا في “بنوم بنه” عاصمة كمبوديا الأربعاء 3 أغسطس 2022.

-زيارة خاطفة لكوريا الجنوبية لترسيم النفوذ الأمريكي:

كما زارت بيلوسي كوريا الجنوبية في وقت متأخر، الأربعاء 3 أغسطس بعد تايوان، والتقت بمسؤولي السفارة الأمريكية في سول، الخميس، قبل محادثات مع كيم ومشرعين آخرين. بينما تهرب الرئيس الكوري الجنوبي من لقائها، خشية اغضاب الصين، متذرعا بعطلته الصيفية، واعدا بلقائها بأمريكا حينما يزورها، وأعلنت في بيان مشترك، دعم واشنطن لكوريا الجنوبية في مواجهة مخاطر الصواريخ التي تتوسع بها كوريا الشمالية.

ثانيا: أهداف أمريكا من الزيارة:

ووفق السياق العام للزيارة وتجلياتها الاقليمية والدولية، يمكن استنباط أهداف واشنطن من تلك الزيارة، والتي تتمحور حول:

-ترسيم النفوذ الدولي بين أمريكا والقوى الدولية:

حيث رغبت واشنطن في ايصال رسالة بأنها لن تسمح بإحداث فراغ في المنطقة تستغله الصين وروسيا، لكن “البنتاغون”، من خلال زيارة بيلوسي، ومن ورائهما لولبيات تروّج زيادة تصدير أسلحة ومعدّات إلى تايوان، سعياً إلى تخويف آسيا من نفوذ الصين، خصوصاً أن الصين ردّت باستعراض قوتها وخرقت أجواء تايوان، وإنْ لم تتبعها بخطوات أخرى، فلا الصين ولا أميركا تنشدان حرباً عسكرية، لكن ما حدث ويحدث هو ترسيم حدود النفوذ بينهما، من دون حرب وخسائر أو إراقة دماء.

-تعزيز الهيمنة الأمريكية المتراجعة إثر الحرب الروسية على أوكرانيا:

كما أن مسار الحرب في أوكرانيا أجبر واشنطن على محاولة تأكيد هيمنتها على الشرق الأوسط وشرق آسيا، خصوصاً بعد أن غيّرت مسار معاركها وتراجعت عن محاولة السيطرة على محيط كييف، والتركيز بنجاح على إخراج القوات الأوكرانية من محيط الدونباس، وبالتالي خرق الحصار على مدينة دونيتسك. ولكن الأهداف الأميركية سبقت حرب أوكرانيا، بل إن قرار إدخال كل الدول المحيطة بروسيا، الذي اتخذه واضعو سياسات ما بعد الحرب الباردة في عام 1992، إلى حلف الأطلسي، بهدف حصار روسيا، هدف إلى تقليص قوة موسكو ومنع بكين من الصعود قوة منافسة بدعم روسيا قوية.

-اضعاف النفوذ الصيني الروسي بالشرق الأوسط والشرق الأدنى:

وعلى الرغم من ترحيب بايدن بزيارة بيلوسي إلى تايوان، إلا أنه لم يرد مواجهة مع الصين، أو تشتيت الجهود الأميركية لبناء تحالفاتٍ قوية في منطقة الشرق الأوسط، وفي جنوب شرق آسيا، مدركاً، هو أو من ينصحه، أن للصين علاقات اقتصادية قوية واستثمارات في دول يعتبرها حليفة. ففي الشرق الأوسط يريد دمج إسرائيل وتثبيت تحالف اقتصادي عسكري أمني بقيادة أميركا وإسرائيل، لإضعاف النفوذين، الصيني والروسي في المنطقة، فتغيير الخرائط السياسية وتعزيز التحالفات، يعكس توجهات داخل الخارجية الأميركية والبيت الأبيض بعكس “البنتاغون”، وكذلك بيلوسي ومجموعة من الحزب الديمقراطي، بتأييد وترحيب حارّين من الحزب الجمهوري.

-تعزيز شعبية الديمقراطيين المتراجعة قبل الانتخابات الأمريكية 2024:

كذلك، سعى “الديمقراطيون” إلى تحقيق مكاسب انتخابية في الانتخابات المقررة 2024، وسط تراجع شغبيه الحزب الديمقراطي، إثر ادارة بايدن الضعيفة والمهتزة، وفق استطلاعات الرأي التي تشير إلى انحدار تأييد رئاسة بايدن، وبالتالي، الحزب الديمقراطي بين الناخبين، فالعد العكسي للتحضير لانتخابات الرئاسة لعام 2024 بدأ، ولا يريد الديمقراطيون الخسارة.

لذا ركزت أغلب الصحف الأمريكية في تغطيتها زيارة بيلوسي، بتمجيد “أسطورة بيلوسي الشجاعة” التي قضت عقوداً في مواجهة الصين.. لإظهار قيادة قوية للحزب الديمقراطي..

-ارضاء اللوبيات التايوانية والتيارات المعادية للصين بالداخل الأمريكي:

ووفق تقديرات استراتيجية، فاختيار تايوان ليس غريباً، فالاجتياح الروسي لأوكرانيا أثار مخاوف تايبيه من أن تتشجع بكين وتجتاح تايوان على اعتبارها جزءاً من أراضيها.

وهو ما دفع الجمهوريون واللوبي التايواني في واشنطن لتلقف هذه المخاوف، وبدأوا بالضغط للتسريع في إقرار قانون يصنف تايوان حليفاً قوياً (من خارج حلف الناتو)، وبالتالي، تشريع تزويدها بأسلحة متطورة، خصوصاً أن “مجلس تايبيه للتمثيل الثقافي والتجاري”، وهو بديل عن سفارة تايوانية في واشنطن، يموّل حملات نواب بشكل علني، ويتبرع لمؤسسات بحثية مؤثرة، مثل “بروكينجز” و”هدسون” و”المشروع الأميركي” و”مجلس أتلانتيك” وغيرها. ولكن مناقشة القانون تأجلت بضغط من البيت الأبيض ونواب لا يريدون مواجهة مباشرة مع الصين، ما حدا، وفقاً لتقارير صحفية، باللوبي التايواني والمتشدّدين في الكونغرس إلى الترتيب لزيارة بيلوسي تايوان، بالرغم من أنها ليست على الجدول، لكن تأييد وزارة الدفاع كان له القول الفصل، فيبدو أنها (الوزارة) ارتأت أنّ من الضروري إظهار قوة أميركا بخطوة “جريئة” تطمئن حلفاء أميركا، فالمطلوب “اتخاذ موقف واضح”، على رأي وزير الدفاع الأميركي السابق، مارك أسبر، الذي انتقد موقف بايدن “المتردّد”، فلا مجال، برأيه ورأي المتشدّدين “لضبابية المواقف“.

ثالثا: التعاطي الصيني مع الزيارة وحدود التصعيد:

وجاءت ردود الفعل الصينية متصاعدة، لكنها في حدود معينة، لم تتجاوز التهديدات والمناورات العسكرية فقط، مع احتمالات أكيدة لتصعيد اقتصادي وتجاري متصاعد..

فقد سعت الصين لتنفيذ اعمال عسكرية بالقرب من مسار طائرة بيلوسي، أثار مخاوف عالمية، فقامت بكين بتنفيذ مناورات عسكرية ضخمة انتهت ألأحد 7 أغسطس الجاري، في محيط جزيرة تايوان، استمرت خمسة أيام وتسببت في زيادة التوترات الأمنية والعسكرية، على نحو أوحى باشتعال فتيل حرب في المنطقة.

فيما كشف الجيش الصيني عن خطط مستقبلية لتدريبات منتظمة على الجانب الشرقي من الخط الوسطي في مضيق تايوان، وهو منطقة بحرية تفصل بين الجزيرة والبر الرئيسي الصيني، وعادة لا تصل إليها الطائرات والسفن الحربية من كلا الجانبين، الأمر الذي يعتبر اختراقاً أمنياً جديداً من جانب بكين.

بالإضافة إلى ذلك، تحويل المناطق البحرية المحددة في محيط الجزيرة إلى مسرح لعمليات عسكرية روتينية من شأنه أن يؤمن مسارات القوات المشتركة في أي غزو محتمل. وكذلك التدرب على الهبوط البرمائي كمحاكاة عملية في مسرح العمليات، ما قد يقلل من حجم الخسائر في أي معركة مقبلة، على اعتبار أن أكثر تحد بالنسبة للقوات الصينية هو مواجهة الدفاعات التايوانية في أثناء الإنزال على ساحل الجزيرة.

في المقابل ردت تايوان بإرسال طائرات مقاتلة لتحذير 22 طائرة صينية عبرت خط المنتصف ودخلت منطقة الدفاع الجوي التابعة لها، حسب وزارة الدفاع.

وقالت الوزارة إن قواتها أطلقت طلقات ضوء في وقت متأخر من مساء الخميس 4 أغسطس؛ لإبعاد أربع طائرات مسيرة حلقت فوق منطقة جزر كنمين التابعة لها قبالة الساحل الجنوبي الشرقي للصين.

كما أشارت إلى أن الصواريخ التي أطلقتها الصين حلقت على ارتفاع كبير في الغلاف الجوي ولم تشكل تهديداً، في رد على مخاوف من المواطنين في تايوان، عما إذا كانت الصواريخ قد مرت فوق الجزيرة الرئيسية لتايوان.

وقالت القيادة العسكرية في شرق الصين، الخميس، إنها نفذت نيراناً بعيدة المدى في ضربات دقيقة على مناطق محددة بالجزء الشرقي من مضيق تايوان في إطار تدريبات مخطط لها.

-رسائل صينية واضحة:

وقد نجحت بكين في توجيه رسالة إلى واشنطن بأن أي تصرفات مستقبلية من هذا النوع (زيارة بيلوسي إلى تايبيه) لن تمر من دون ثمن، وستكون تكلفتها باهظة، وأن الصين لن تحتاج في المستقبل إلى شجب مثل هذه الزيارات، لأنها ستتخذ خطوات عملية بعد تجاوز رد فعلها حدود الأقوال والتصريحات.

في المقابل، تعتبر تايوان إن الصين فشلت في تخويف الجزيرة، وإن ردها كان أقل مما أقدمت عليه حين زار رئيس تايوان “لي تنغ هوي ” الولايات المتحدة عام 1995، وإن الفشل سيعود على قيادة البر الرئيسي بتكثيف وجود وتمركز القوات الأميركية في منطقة المحيطين، وهي خطوة تعتبرها بكين تهديداً لأمنها القومي.

-تصعيد عسكري أمريكي:

وكان المتحدث باسم الأمن القومي الأميركي جون كيربي قد صرح بأن القوات الأميركية ستجري عبوراً جوياً وبحرياً قياسياً عبر مضيق تايوان في الأسابيع القليلة المقبلة، بما يتفق مع نهج بلاده في الدفاع عن حرية البحار والقانون الدولي، وأضاف أنه سيُتخذ المزيد من الخطوات لإظهار التزام واشنطن بأمن حلفائها في المنطقة.

كما أعلن البنتاغون بالتزامن بأن حاملة الطائرات يو إس إس رونالد ريغان، ومقرها اليابان، ستمدد انتشارها المقرر في غرب المحيط الهادئ.

-فائدة غير مباشرة للنظام الحاكم بتايوان:

وضمن الحسابات السياسية، فقد خدمت الخطوة الصينية بشكل مباشر حظوظ الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم في تايوان، في انتخابات الحكومة المحلية المقرر انعقادها في نوفمبر المقبل.

اذ أن التصعيد الصيني لم يؤد إلا إلى تكثيف المشاعر المناهضة لبكين في تايوان، وبالتالي الالتفاف حول الحزب الحاكم بالرغم من إخفاقاته الواضحة على مستوى السياسة الداخلية، ما يعني أن الصين قدمت من خلال عملياتها العسكرية طوق نجاة لحكومة تساي إنغ وين.

-محاولة أمريكية لامتصاص غضب بكين:

وفي اليابان، المحطة الثالثة لبيلوسي، بعد تايزان وكوريا الجنوبية، سعت بيلوسي لتطمين الصين ومحاولة امتصاص غضبها.

حيث قالت بيلوسي، الجمعة 5 أغسطس، إن جولتها الآسيوية التي دفعت الصين إلى إجراء تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية في المياه المقابلة لتايوان، “لم تكن تتعلق قط بتغيير الوضع الراهن في تايوان أو المنطقة.

وفي المؤتمر الصحفي الذي عقدته بطوكيو، تحدثت بيلوسي عن العاصفة الدبلوماسية التي أثارتها زيارة العاصمة التايوانية تايبيه، قائلة: “قلنا من البداية إن تمثيلنا هنا لا يتعلق بتغيير الوضع الراهن في تايوان أو المنطقة.

إلا أن تلك التصريحات لم تلق اهتماما من قبل الصين، التي تعمدت بدورها اسقاط عدة صواريخ في المياة الاقليمية اليابانية، في خدودا الجنوبية مع تايوان، كرسالة بأن التصعيد الصيني قد يشمل جميع المقربين من واشنطن أيضا.

وهو ما قدمت ازاءه الخارجية اليابانية احتجاجا دبلوماسيا لدى بكين..

رابعا: تاريخ الصراع الصيني وقضية تايوان:

وللغوص في جذور الصراع، لابد من التوقف عند جذور أزمة تايوان، والصراع مع الصين الذي يعود للقدم، وامتد لعقود من القتال والقلق والتوتر، ولا يبدو أنه سينتهي في المستقبل القريب.

فقد كانت الحرب الصينية الأهلية، التي بدأت في الربع الأول من القرن العشرين، بمثابة أطول وأغرب الصراعات التي شهدتها تلك المنطقة من العالم، وأفضت لتكوين جمهوريتين على أنقاض الصين القديمة. كل منهما لا تعترف بالأخرى.

فبعد أكثر من 2000 عام من الحكم الإمبراطوري، تمت الإطاحة بآخر سلالة حاكمة في الصين، وهي أسرة تشينغ، في العام 1912، وبذلك أصبحت البلاد جمهورية.

فرض الرئيس الجديد للجمهورية الوليدة، يوان شيكاي، ديكتاتورية وأعلن نفسه إمبراطوراً عليها، لكن وفاته عام 1916 أحدثت فراغاً في السلطة مكَّن أمراء الحرب المحليين من السيطرة على مناطق مختلفة.

وفي عام 1924، انضم الحزب القومي الصيني (الكومينتانغ – KMT)، الذي ساعد في الإطاحة بالنظام الملكي قبل 12 عاماً، إلى الحزب الشيوعي الصيني الوليد، وفقاً لموسوعة بريطانيا البريطانية للتاريخ.

وشكلوا معاً الجبهة المتحدة الأولى في مواجهة أمراء الحرب الذين كانوا يحاولون السيطرة على شمال الصين. وبالفعل انطلقت حملة من الحليفين في يوليو عام 1926، عُرفت باسم “الحملة الشمالية”، بقيادة شيانغ كاي شيك من حزب الكومينتانغ، والجيش الثوري الوطني المُشكل حديثاً.

وفي 12 أبريل 1927، أثناء تواصُل الحملة الشمالية، أمر شيانغ كاي شيك بـ “حملة تطهير” للشيوعيين والجماعات اليسارية الأخرى داخل شنغهاي.

على إثر ذلك القرار قُتل الآلاف من أعضاء الحزب الشيوعي الصيني خلال المجزرة، مما مثل نهاية للجبهة المتحدة الأولى ووسع الهوة بين الفصائل الأيديولوجية التي ظهرت بالفعل داخل حزب الكومينتانغ القومي الصيني.

وسرعان ما انقسم الحزب فعلاً، وشكل شيانغ كاي شيك حكومة من حزب الكومينتانغ في مدينة نانجينغ عام 1928، واحتفظ السياسي وانغ جينغوي (الذي عارض مجازر شنغهاي) بالسيطرة على الإدارة اليسارية لحزب الكومينتانغ في مدينة ووهان.

وكانت الحرب الأهلية الصينية عبارة عن سلسلة من الصراعات بين الحزب الشيوعي الصيني والحكومة القومية في البلاد.

يُنظر إلى الحرب على أنها خاضت مرحلتين أساسيتين، أو فصلين هما المعبران الحقيقيان عن طبيعة الصراع: الفصل الأول كان بين عامي 1927 و1937، والفصل الثاني عندما اندلعت الحرب ثم مرة أخرى بين عامي 1946 و1949.

هذا الفصل الأخير المتزامن مع نهاية الحرب العالمية الثانية غالباً ما يُشار إليه على أنه المرحلة الأخيرة من الثورة الشيوعية الصينية.

أما في الفترة بين هاتين المرحلتين، فقد توقفت الأعمال العدائية إلى حد كبير بين عامي 1937 و1945، حيث شكل الجانبان تحالفاً مضطرباً (مؤقتاً) ضد اليابان، التي غزت الصين وحاولت إنشاء إمبراطورية في المحيط الهادئ خلال الحرب العالمية الثانية.

الحرب الأهلية الأولى (1927 – 1937)

على الرغم من إيلاء اهتمام خاص لفترة الحرب الشرسة من عام 1945 إلى عام 1949، لكن بدأت الحرب فعلياً في أغسطس عام 1927، وذلك بعد انهيار تحالف الكومينتانغ مع الحزب الشيوعي الصيني خلال الحملة الشمالية، واندلاع سلسلة من الانتفاضات الشيوعية الحضرية الفاشلة.

بعد ذلك تم تأسيس القوة الشيوعية بنجاح في المناطق الريفية وكان مؤيدوها قادرين على استخدام تكتيكات حرب العصابات لتحييد القوة القومية المتفوقة. بعد حملة استمرت ثلاث سنوات، تمكن شيانغ كاي شيك أخيراً من تدمير جمهورية الصين السوفييتية الشيوعية بزعامة ماوتسي تونغ في الفترة من 1931 و1935، وتمكن الشيوعيون من إعادة تأسيس أنفسهم في مدينة يانان، شمال البلاد.

إلا أنه سرعان ما تراجعت وتيرة الحرب بين الجانبين بسبب الغزو الياباني عام 1937، وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945، إذ تم الالتزام بهدنة غير مستقرة تمت فيها حملات منفصلة إلى حد كبير ضد العدو المشترك اندلع العنف على الفور من انتهاء الحرب العالمية، واستؤنف على نطاق واسع في أبريل عام 1946، بعد أن فشل الجنرال الأمريكي جورج مارشال، رئيس أركان الجيش الأمريكي خلال الحرب العالمية الثانية، في ترتيب تسوية دائمة بين الطرفين.

وخلال السنة الأولى من الصراع المتجدد، حققت القوات القومية المتفوقة عدديًا مكاسب إقليمية كبيرة، بما في ذلك السيطرة على العاصمة الشيوعية يانان بعد ذلك، بدأت معنويات الكومينتانغ القومية في الانهيار أمام العمليات العسكرية الناجحة من قِبَل الشيوعيين وتراجع الثقة في إدارتهم، وبحلول نهاية عام 1947، نجح الهجوم الشيوعي المضاد.

تأسيس جمهورية الصين في تايوان

وفي نوفمبر 1948، تم غزو منشوريا وفقد القوميون نصف مليون رجل، وانشق الكثير منهم للانضمام إلى الشيوعيين وفي الصين الوسطى، فقد خسر القوميون شاندونغ، وفي يناير عام 1949، هُزموا في معركة هواي هاي وسقطت مدينة بكين في يناير، تلاها مدينتا نانجينغ وشنغهاي في أبريل من العام نفسه.

إلى أن تم إعلان جمهورية الصين الشعبية في 1 أكتوبر عام 1949، واكتمل النصر الشيوعي عندما فرت الحكومة القومية من تشونغتشينغ إلى تايوان في ديسمبر، معلنة جمهورية الصين التي اقتصرت على مدن تايوان، وبنغو، وكيموي، وماتسو والعديد من الجزر النائية.

لم يتم توقيع أي معاهدة سلام أو هدنة بين جانبَي الحرب الأهلية الصينية الوحشية وسنواتها الطويلة وقد أفضت تداعيات الصراع الصيني في كل هذه المعارك العسكرية من عام 1900 إلى عام 1949، أكثر من 8.9 مليون بين جندي ومدني.

ليضاهي رقم ضحايا صراع هذه الدولة الواحدة، عدد القتلى تقريباً لجميع الدول المشاركة في جميع معارك الحرب العالمية الأولى، بحسب كتاب “القرن الصيني الدامي” لتوثيق الحرب الصينية، بمكتبة جامعة هاواي الأمريكية. وهرب تشيانغ إلى جزيرة تايوان وأسس حكومة منافسة هناك، وحدد مدينة تايبيه عاصمة جمهورية الصين المعروفة باسم تايوان اليوم.

لكن بعد أكثر من 70 عاماً من تلك الأحداث الدامية، لا تزال القضية مُعقدة؛ على الرغم من أن جمهورية الصين الشعبية تعتبر تايوان مقاطعة انفصالية يجب استعادتها، فإن العديد من الناس في الجزيرة الآن يعتبرونها دولة منفصلة ومستقلة تماماً – على الرغم من عدم إعلان الاستقلال رسمياً إلى يومنا هذا.

خامسا: نتائج الزيارة وتداعياتها المستقبلية:

ووفق تقديرات من داخل الادارة الامريكية، تخجثت عنها “واشنطن بوست” أن الرد الصيني سيكون على عدة مراحل وليس مرحلة واحدة كما يتوقع البعض، في إشارة إلى التصعيد العسكري، الذي ربما يكون له تداعيات سلبية على العلاقات بين البلدين ستؤثر على مصالحهما معًا في نفس الوقت.

ومن المتوقع أن تدفع تايبيه كلفة تلك الزيارة من اقتصادها وسيادتها الوطنية وأمنها القومي، إذ إن رد الصين سيكون انتقاميًا بحسب “واشنطن بوست” ولن تجد بكين إلا تايوان للثأر منها ردًا على الخطوة الأمريكية المستفزة، كذلك توجيه رسالة تحذيرية لتجنب مثل تلك الخطوة مستقبلًا

ووفق تقديرات استراتيجية، فإن  بكين تعتبر الزيارة  تمس سيادتها وصورتها أمام العالم، وعليه سيكون الرد مؤكدا، في الفترة المقبلة وربما تتجنب بكين تجاوز الخطوط الحمراء في أي تصعيد مع أمريكا في الوقت الراهن، غير أن الصمت إزاء هذه الخطوة سيقوض صورتها عالميًا، وعليه ربما يكون الاقتصاد التايواني هو الهدف الأول للصينين، وهو ما بدأت إرهاصاته تلوح في الأفق، إذ فرضت الحكومة الصينية حظرًا على أكثر من 100 سلعة كانت تستوردها من تايوان، هذا بجانب تقليل حجم التجارة بين الطرفين، وعرقلة أي حضور اقتصادي للجزيرة خارجيًا، الأمر الذي من المرجح أن ينعكس على الوضع المعيشي الداخلي مما قد ينجم عنه اضطرابات داخلية تهدد أمن واستقرار الحكومة الحاليّة.

وعلى المستوى الأمني، فقد تجري بكين بعض التغييرات في موقفها العسكري إزاء تايوان، بما يوسع الهوة الكبيرة في القدرات العسكرية للبلدين، يتزامن ذلك مع تعزيز حرب الإنترنت والمعلومات عبر الهجمات السيبرانية التي ربما تصيب المواقع الحكومية التايوانية بالشلل التام..

وسياسيًا، فإن استقبال تايبيه لشخصية بحجم رئيسة مجلس النواب الأمريكي، ربما يدفع بكين إلى إعادة النظر في العروض التي تقدمها واشنطن لتخفيف حدة التوتر مع تايبيه وتعزيز التعاون في ضوء تموضوعات جديدة تحافظ على شعب الجزيرة وسيادته فوق ترابه، إذ من الممكن أن تتخذ تلك الزيارة كذريعة لرفض أي وساطات في هذا الملف.

-تأثير سلبي على التجارة العالمية:

ودفعت التدريبات والمناورات العسكرية الصينية في المياه المحيطة بتايوان بعض السفن إلى الإبحار حول مضيق تايوان والابتعاد عن الجزيرة؛ ما تسبَّب في تعطيل طرق رئيسية للبضائع والسلع المنقولة بحراً في جميع أنحاء العالم.

وبالرغم من أن موانئ تايوان تعمل كالمعتاد، فإن بعض سفن الشحن وناقلات النفط تعيد توجيه مسارها حول الجزيرة لتجنب مواجهة مع الجيش الصيني، مما يطيل أمد رحلاتها بنحو نصف يوم.

وتلوح في أفق الاقتصاد العالمي أزمة اقتصادية عالمية، بسبب ما يمكن أن يحدثه أي  نزاع متعلق بتايوان على التجارة العالمية؛ نظراً لأن مضيق تايوان الذي يبلغ عرضه 180 كيلومتراً وممر شحن آخر إلى الشرق من الجزيرة هما ممران رئيسيان للسفن التي تنقل البضائع من شرق آسيا إلى الولايات المتحدة وأوروبا ووفق تصريحات اعلامية لـ”تسفي شرايبر”، الرئيس التنفيذي لمؤشر الشحن فريتوس: “على الرغم من أن تحرك الصين لم يعرقل بشكل كبير عمليات الشحن البحري حتى الآن، فمن المؤكد أن نسخة مطوَّلة (من هذه الأحداث) يمكن أن تتسبب في ذلك بالتأكيد.

شرايبر أضاف: “اندلاع صراع إقليمي قد يجبر السفن على اتخاذ طرق بديلة، ويطيل وقت العبور، ويعطل الجداول الزمنية، ويتسبب في مزيد من التأخير والتكاليف. وألغت شركات الطيران رحلاتها إلى تايبيه وغيرت مسار رحلات أخرى لتجنب المجال الجوي القريب الذي أغُلق أمام حركة المرور المدنية خلال التدريبات العسكرية الصينية.

كما نشرت مجموعات التأمين على الشحن تنبيهات للأعضاء، تحثهم على توخي الحذر في التنقل حول تايوان.

-وعلى الصعيد الاقليمي، أيضا، تشعر اليابان بقلق متنامي، إزاء التصعيد الصيني ضد تايوان، حيث سقطت خمسة صواريخ بالمنطقة الاقتصادية الخالصة لليابان؛ خلال المناورات العسكرية الصينية التي تستهدف تايوان، مما دفع طوكيو إلى تقديم احتجاج قوي عبر القنوات الدبلوماسية.

وتشعر طوكيو، أحد أقرب حلفاء واشنطن، بقلق متزايد إزاء تنامي قوة الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وإمكانية إقدام بكين على عمل عسكري ضد تايوان.

وتحذّر اليابان، التي تقع أبعد جزرها الجنوبية بالقرب من تايوان أكثر من قربها لطوكيو، من أن التخويف الصيني لتايوان يمثل تهديداً متصاعداً للأمن القومي.

خلاصة:

تبدو الممارسات الأمريكية الأخيرة، بمثابة محاولة من الادارة الأمريكية المتضعضعة، محليا واقليميا لاثارةمزيد من القلق العالمي للفت الأنظار الدولية إليها..

حيث تبدو رغبة أمريكية في إشعال النيران في كل مكان حيثما أمكنهم ذلك، فالبداية كانت في أوكرانيا، والآن في تايوان، وبالتوازي تم اغتيال أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة على الأراضي الأفغانية دون أي اعتبار لـ “اتفاق الدوحة”. وأن هَم إدارة بايدن الرئيسي هو إثبات أن الولايات المتحدة هي الدولة الأقوى في العالم، بلا منافس.

وهو ما قد يفاقم الأزمات الدولية، وخاصة مع الصين، التي تمتلك قوة اقتصادية وعسكرية كبيرة، تضاهي الامريكية، الا أن المستقبل لا يحمل كثيرا من التصعيد العسكري، بل تعتمد الادارة الأمريكية سياسات اقتصادية لشل الصين وروسيا، على الصعيد العالمي، وتبقى المخاطر من انزلاق عسكري محتمل في جنوب اسيا، قد يكرس أزمات العالمالاقتصادية والتجارية لفترات زمنية كبيرة مستقبلا.

 

مراجع:

 

  1. العربي الجديد، ما وراء زيارة بيلوسي تايوان؟، 7اغسطس 2022
  2. العربي الجديد، انتهاء المناورات الصينية: حسابات الربح والخسارة لبكين وتايوان، 7 اغسطس 2022
  3. روسيا اليوم، هل تكرر واشنطن سيناريو أوكرانيا مع الصين؟، 3 أغسطس 2022
  4. عربي بوست، الجارة الشريرة تستعرض قوتها عند بابنا”.. تايوان ترد على الصين بحشد طائراتها وسفنها وتنشر أنظمة صواريخ، 4/08/2022
  5. نون بوست، تايوان الضحية الكبرى.. كيف سترد الصين على زيارة بيلوسي؟،7 أغسطس 2022
  6. رويترز، إرباك في ممرات شحن مهمة من تايوان للعالم.. السفن تبحث عن مسارات لتتجنب الجيش الصيني، 5 أغسطس 2022
  7. عربي بوست، بيلوسي تحاول تهدئة ما أشعلته زيارتها.. أوضحت أنها لم تكن تقصد تغيير “الوضع الراهن” في تايوان، 2022/8/5
  8. بي بي سي عربي، تايوان محاصَرة، وبحرية أمريكا تكتفي بالمشاهدة.. لماذا تُعد المناورات الصينية الأخطر بتاريخ الجزيرة؟، 2022/8/4

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022