في استغلال اسرائيلي لانشغال الوسيط الأمريكي في ازماته الداخلية وحرب أوكرانيا، واشتعال الأزمات الداخلية اللبنانية وعدم اتفاق اللبنانيين على بدء أعمال التنقيب في مياه البحر المتوسط عن النفط والغاز، وفتور الشركات الدولية عن النشاط بلبنان المضطرب اقتصاديا وسياسيا، في حين تستطيع إسرائيل فعل ذلك عبر شركاتها الخاصة، وهي طبعاً تستفيد من الحماية الأمريكية، ولن تتعرض لأي ضغط أمريكي أو أوروبي، اذ تتوسع في اعمال التنقيب بالمياه اللبنانية، وهو ما يهدد بانفجار الوضع الأمني، واشتعال مواجهات عسكرية.
وعاد الخلاف بين لبنان وإسرائيل على ترسيم الحدود البحرية إلى الواجهة، مع سعي تل أبيب لفرض الأمر الواقع بإرسال سفينة تنقيب عن الغاز إلى المنطقة المتنازع إليها في يونيو الماضي..
وكانت إسرائيل قد أرسلت، الأحد 5 يونيو الجاري، سفينة تنقيب تابعة لشركة إنرجيان اليونانية، مقرها لندن، إلى حقل غاز كاريش قبالة الساحل في شرق المتوسط، وهو حقل غاز تقول بيروت إنه يقع في مياه متنازع عليها مع تل أبيب، وسط اتهامات متبادلة وتهديدات بالحرب.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد سعت منذ عام 2020 للتوسط بين بيروت وتل أبيب لحل النزاع بينهما وترسيم الحدود، بغرض مواصلة جهود اكتشاف الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط. وقدمت بالفعل مقترحات في هذا الشأن لا تزال قيد الدراسة.
ومع قدوم المبعوث الأمريكي إلى لبنان، حاليا، لصياغة اتفاق مشترك لترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، تلوح بالأفق السياسي الكثير من فرص الاستقرار السياسي، وتثبيت الأوضاع المشتركة على ما هي عليه، خاصة في ظل الأزمات السياسية في اسرائيل، واقتراب موعد الانتخابات المبكرة وعدم التوصل لائتلاف حكومي ناجع قادر على الاستمرار في الحكم في اسرائيل…وأيضا اضطرابات السياسة والاقتصاد اللبناني الذي يدفع بدوره نحو انهاء النزاع وتثبيت الأوضاع الأمنية والسياسية على ما هي عليه..
الورقة التالية، تدرس ازمة الحدود البحرية والموقف اللبناني والدولي، وتجليات اللحظة السياسية الراهنة بالداخل اللبناني وانعكاساتها على الأزمة..
أولا: ما هية أزمة الحدود البحرية وبداياتها:
وفق موق Middleeasteye البريطاني، تعود جذور النزاع الحدودي البحري بين لبنان واسرائيل، بدأت قصة النزاع على الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل عام 2007، عندما وقَّعت الأولى اتفاقية فتح الحدود البحرية مع قبرص، وهو ما فتح الباب أمام احتمال تعديل حدود المنطقة البحرية بين إسرائيل ولبنان. وعلى الرغم من أن البرلمان القبرصي صدَّق على الاتفاقية عام 2009، فإن لبنان لم يصدّق عليها حتى الآن. وفي عام 2010، وقَّعت إسرائيل وقبرص اتفاقية تنفيذية لتحديد المنطقة الاقتصادية الحصرية بينهما، واعتمدت قبرص فيها على اتفاقيتها مع لبنان عام 2007 في تحديد الحد الشمالي لحدودها البحرية.
وكنتيجة لهذه الاتفاقية، حدث تداخُل بين الحدود البحرية الشمالية التي تقول إسرائيل إنها حدودها من جهة وبين الحدود البحرية الجنوبية للبنان من جهة أخرى، وانتقد لبنان الاتفاقية البحرية بين إسرائيل وقبرص معتبراً إياها اعتداءً على حقوقه السيادية الخالصة في تلك المنطقة.
ورغم ذلك قامت إسرائيل بإيداع تلك الإحداثيات البحرية المتنازع عليها لدى الأمم المتحدة على أنها حدود تل أبيب البحرية، وكان ذلك في يوليو 2011. وتبلغ مساحة المنطقة المتنازع عليها 860 كيلومتراً مربعاً، يوجد فيها حقل كريش للغاز الطبيعي.
وفي عام 2017 اكتسب النزاع الحدودي البحري أهمية خاصة بعد أن وقَّع لبنان اتفاقاً لاستكشاف وإنتاج الغاز الطبيعي مع تحالف من الشركات الدولية مكون من توتال الفرنسية وإيني الإيطالية ونوفاتيك الروسية، وذلك في المربعين 4 و9.
وجاءت نتيجة التنقيب في بلوك 4 سلبية؛ إذ إن كميات الغاز الموجودة لا تكفي للإنتاج التجاري وتغطية التكاليف، بينما جاءت النتائج في بلوك 9 مبشِّرة أكثر، وكان لا بدَّ من بدء الحفر فعلياً لتأكيد تلك النتائج.
لكن شركة توتال الفرنسية أعلنت أنها لن تبدأ عمليات الحفر واستخراج الغاز الطبيعي فعلياً إلا بعد أن يتم حل النزاع على الحدود البحرية بين بيروت وتل أبيب.
عندما أعلنت إسرائيل، في يونيو 2020، عن بدء التنقيب عن النفط والغاز في بلوك 72، الذي يقع ضمن المنطقة المتنازع عليها مع لبنان، بدأت الوساطة الأمريكية وتم بالفعل عقد أربع جولات من الحوار بين الجانبين برعاية أممية ووساطة أمريكية، دون أن يتوصل الجانبان لاتفاق نهائي، لكن الأمور بينهما لم تصل إلى طريق مسدود.
ويزعم الإسرائيليون الآن أنهم وحدهم لديهم الحق في استغلال حقل كاريش للغاز؛ لأنه يقع عند الخط 23، الذي لا يتداخل مع الحقل الغني بالغاز، لكن الجانب اللبناني يرفض تلك الرواية الإسرائيلية ويصر على أن الخط 29 هو نقطة التقاء الحدود البحرية بين الجانبين وليست النقطة 23.
إلا أن عاد اللبنانيون مؤخرا، ليقولوا إن خط 23 هو حدودهم، بعد تدخل سري ايراني، على ما يبدو.
وتتبلور رؤى بعض الخبراء الدوليين، حول إن الحسابات الإسرائيلية واللبنانية في تحديد الحدود البحرية لكل منهما غير دقيقة، اذ أن كليهما قام بحساب حدوده البحرية من عند الشاطئ مباشرة وهذا غير دقيق. “رسم لبنان الخط 23 بداية من البحر على بُعد نحو 60 متراً من الشاطئ، بينما رسمت إسرائيل خطها على بعد 30 متراً فقط، وهذه الحسابات خاطئة من الناحية الفنية، وأثبتت التكنولوجيا الحالية أن ادعاءات إسرائيل غير صحيحة.
لكن فريدريك هوفر، الدبلوماسي الأمريكي الذي كان مكلفاً بالوساطة بين إسرائيل ولبنان من عام 2010 حتى 2012، قال لميدل ايست آي، إن ما يقوله الجانبان يعتبر وجيهاً وله ما يبرره: “قبل أكثر من 10 سنوات، قضيت أنا وفريقي في الخارجية الأمريكية وقتاً طويلاً للغاية لدراسة كيف توصل لبنان وإسرائيل إلى تلك الإحداثيات، واقتنعنا أن كلاً منهما لديه وجهة نظر سليمة على الرغم من استخدامهما معايير مختلفة”.
وقال هوف إنه عرض على نجيب ميقاتي عام 2011، الذي كان رئيساً لوزراء لبنان وقتها، أن تحصل بيروت على 55% من عائدات المنطقة المتنازع عليها وتحصل تل أبيب على 45%، لكن تم رفض المقترح من جانب الطرفين، وكان ذلك الاقتراح يعرف بعدها بأنه “خط هوف”. “أشعر أنه لو نجح ميقاتي وقتها في قبول الخط الوسط الذي اقترحته لاستفاد لبنان من عشرات المليارات من الدولارات من دخل الغاز الطبيعي”، بحسب هوف.
يشار الى أنه قبل أشهر من بداية مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين، رفع الجيش اللبناني إلى حكومة حسان دياب، عبر وزارة الدفاع، مذكرةً تتضمن لوائح بتعديل إحداثيات الحدود الجنوبية والجنوبية الغربية للبنان، وتفيد بوجود مساحة إضافية تعود إلى لبنان عن الإحداثيات التي كانت قد وُضعت عام 2011.
وبالفعل أقر رئيس حكومة تصريف الأعمال وقتها حسان دياب مرسوماً يوسع المنطقة التي يطالب بها لبنان في خلافه بشأن الحدود البحرية مع إسرائيل، ويعدل المرسوم الحدود البحرية جنوباً، عبرَ إضافة 1430 كيلومتراً مُربعاً إلى المنطقة اللبنانية، جنوبي ما يُعرف بالمساحة المتنازع عليها مع إسرائيل، وكان ذلك في أبريل 2021.
وأُحيل مشروع المرسوم الخاص بتعديل المرسوم الأولي رقم 6433 لسنة 2011 إلى الرئاسة لإقراره قبل تقديم طلب للأمم المتحدة للمطالبة الرسمية بتسجيل الإحداثيات الجديدة للمنطقة البحرية، لكن الرئيس ميشال عون لم يوقّع عليه، وهو ما أثار تساؤلات بل واتهامات طالت الرئيس ولا تزال.
إذ تسبَّب عدم توقيع عون على المرسوم في أزمة على الساحة اللبنانية، ووصف ناشطون موقفه بـ “الخيانة العظمى” خدمةً لمصالح سياسية، اذ ان توقيع الرئيس عون عشرات المراسيم بشكل استثنائي، أي من دون انعقاد مجلس الوزراء، بينما يتمنّع عن توقيع تعديل المرسوم 6433، على الرغم من أهميته البالغة في حفظ ثروة لبنان النفطية!!!!
وتبلغ مساحة المنطقة المتنازع عليها 860 كيلومتراً مربعاً بحسب الخرائط المودعة من جانب لبنان وإسرائيل لدى الأمم المتحدة، وهي تعد غنية بالنفط والغاز، وفي حال تم تعديل “المرسوم” من جانب السلطات اللبنانية، تزيد مساحة لبنان في البحر 1430 كيلومتراً مربعاً إضافياً، وتصبح بذلك المساحة المتنازع عليها هي 2290 كيلومتراً مربعاً. وهذه هي المسافة بين الخطين 23 و29.
ثانيا: الموقف اللبناني وتبدلاته:
على الرغم من امتداد أزمة الحدود البحرية اللبنانية والمنتهكة اسرائيليا، لسنوات، إلا أن العالم تفاجأ في فبراير 2022، بإعلان الحكومة اللبنانية تراجعها عن الخط الحدودي البحري 29 إلى 23، وهو ما مثل مفاجأة كبيرة قد تمهِّد لإتمام مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وذلك بعد أيام قليلة من زيارة الموفد الأمريكي آموس هوكشتاين إلى بيروت.
وزار هوكشتاين لبنان في 8 فبراير 2022، حيث التقى مسؤولين لبنانيين، وقال في أحد اللقاءات الصحفية إن مفاوضات ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل “في نهايتها” وإن التفاوض هو بين الخط 1 و23.
وجاءت زيارة الموفد الأمريكي في محاولة لإعادة تحريك المفاوضات بين الجانبين التي انطلقت في أكتوبر 2020، ثم جُمِّدت في مايو 2021، عُقد خلالها 4 جلسات محادثات برعاية الأمم المتحدة ووساطة أمريكية، دون التوصل إلى اتفاق.
وما بين الخطين 1 و23 منطقة بحرية متنازع عليها بين بيروت وتل أبيب، تبلغ مساحتها 860 كلم مربع وتعد غنية بالنفط والغاز، إلا أن الوفد اللبناني قدم خلال إحدى جلسات التفاوض خريطة تقول إن حدود بلاده هي الخط 29 وتدفع باتجاه 1430 كلم إضافي لصالح لبنان.
إلا أن الموقف اللبناني المستجد جاء وفق رئيس البلاد ميشال عون في 12 فبراير الماضي، حيث أعلن أن “حدود لبنان البحرية هو الخط 23 وهو خط تفاوضنا الذي نتمسك به، وأن البعض طرح الخط 29 من دون حجج لبرهنته”، وفق ما نقلت عنه صحيفة “الأخبار” اللبنانية..
ثالثا: التأثيرات الاقليمية على الموقف اللبناني:
وقد جاء موقف عون مناقضاً لما نُقل عنه سابقاً عن تمسكه بالخط 29، كما يخالف رأي الجيش اللبناني ووفده المفاوض الذي أصر سابقاً على اعتماد الخط 29 كمنطلق للمفاوضات، ما دفع برئيس الوفد المفاوض العميد الركن الطّيار بسام ياسين، في اليوم ذاته الى إصدار بيان ردّ حول ذلك.
وقال ياسين في بيانه حينها إن “الرئيس عون كان يؤكد دائماً خلال كافة الاجتماعات التي عقدها مع الوفد ضرورة التمسّك ببدء المفاوضات من الخط 29، وكان يرفض حصر التفاوض بين الخط 1 و23 كما يطالب العدو الإسرائيلي”.
كما اعتبر ياسين أن “الخط 23 غير تقني وغير قانوني وتشوبه الكثير من العيوب” ووفق تقديرات استراتيجية، فأن ثمة “تسوية إقليمية” تلوح بالأفق، قد تكون وراء التبدل المفاجئ بالموقف اللبناني، ويرجح أن تكون المصالح السياسية الداخلية وراء هذا التطور الذي يأتي على أعتاب الانتخابات في لبنان. ولربما تكون إيران وراء هذا التبدل، كورقة اقليمية على طاولة المفاوضات الدولية حول الملف النووي.. اذ يمثل موقف عون إعلانا رسميا بالتخلي عن 1430 كلم من المياه اللبنانية..
وقد قام الجيش اللبناني مستخدما تقنياته برسم الخط 29 كحد فاصل بين لبنان وفلسطين المحتلة، وهذا كان رأي المعهد البريطاني للعلوم ومياه البحار، وكذلك اتفاقية بوليه نيوكومب (الحدودية) بين فرنسا وبريطانيا عام 1921، واتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل عام 1949..
ثالثا: موقف حزب الله الملتبس:
وعلى الرغم من أن طرح عون يتعارض مع صل المصالح اللبنانية، ويمثل تنازلا وخصما من سيادة لبنان على حدودها، جاء موقف حزب الله، مستغربا بإعلانه اصطفافه خلف الحكومة اللبنانية، بالتمسك بخط الحدود عند خط 23، ما نازلا عن مساحات بحرية لصالح اسرائيل..
وقد أعلن الحزب أنه يقف خلف الحكومة بهذا الملف، على الرغم من خلافاته العديدة مع الحكومة في كافة الملفات. وهو ما يثير التساؤلات ت حول الموقف. والغريب أن الحزب، أكد عدة مرات التزامه مقترح المبعوث الأمريكي، محاولا تحسين صورته، بإعلانه أن الاتفاق يشمل التزامًا إسرائيليًا بعدم عرقلة أي عمليات تنقيب أو استخراج للغاز الطبيعي ما بعد هذا الخط في إطار حقل قانا.
وابلغ الحزب المسؤولين اللبنانيين بأنه في حال لم يتم التوصل لاتفاق مع نهاية الشهر المقبل، فإن القوة العسكرية للحزب لن تسمح لإسرائيل أن تجري أي عمليات تنقيب للغاز حتى حدود النقطة 29، على الرغم من تسليمه بالنقطة 23!!! وكرر وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب، موقف عون بالتخلي عن خط الحدود 29، قائلا لصحيفة “الجمهورية” اللبنانية، إن “خط 23 هو الذي يحقق مصلحة لبنان، وإن التمسك بالخط 29 لن يؤدي إلى نتيجة”.
ونقلت الصحيفة عن بو حبيب أنه تواصل مع مسؤولين في “حزب الله” قبل زيارة هوكشتاين الأولى إلى لبنان في نوفمبر2021 وسمع منهم أن “ملف الحدود البحرية هو شأن الحكومة” وأكثر من مرة، أكد أمين عام “حزب الله” حسن نصر الله، أن جماعته لا تتدخل بعملية ترسيم الحدود، وتمضي بما تقرر الحكومة اللبنانية بهذا الشأن.
وفي 8 فبراير الماضي، قال نصر الله في حديث تلفزيوني: “نحن مقاومة لا نتدخل في موضوع ترسيم الحدود، لأنه بالنسبة لنا، لا يوجد شيء اسمه إسرائيل، لنذهب ونجون جزءاً من الترسيم معها”وأضاف حينها أن “موضوع ترسيم الحدود تقرره الدولة اللبنانية، ونحن كمقاومة نلتزم بهذه الحدود التي تقبل بها وتقررها مؤسسات الدولة”. ويأتي موقف حزب الله متوافقا مع الرؤية ايرانية، بجعل مسألة الحدود البحرية اللبنانية اسرائيلية، كزرقة تفاوض على طاولة مفاوضات الملف النووي.
خامسا: محفزات التوصل لاتفاق ترسيم الحدود:
-حاجة لبنان لتحقيق انجاز اقتصادي وسياسي قبل الانتخابات المقبلة:
وتعد حلحلة ملف ترسيم الحدود البحرية، من شأنه تجنيب لبنان تعقيدات سياسية وأمنية محتملة يمكن أن تُضاف إلى الأزمة السياسية الداخلية، في ظل عدم قدرة البلاد على إقرار حكومة منذ انتهاء الانتخابات البرلمانية، فيما تبقى حكومة ميقاتي حكومة تصريف أعمال بصلاحيات مُقيدة دستوريًا، فضلًا عن صعوبات الاتفاق على بديل لعون في ظل خلافات بين الكتلتين المسيحيتين الأكبر في لبنان، صاحبتي الحق في مقعد الرئاسة.
ينضاف إلى تعقيدات المشهد اللبناني، تعقيدات تتعلق بالبُعد التمويلي، فلم يصل لبنان بعد إلى اتفاق مع البنك الدولي حول التمويل، لأن الأخير يرغب في تفاهمات واضحة مع حكومة لبنانية مفعلة، وليست حكومة تصريف أعمال، قبل التحرك بهذا الصدد. وه أوضاع تدفع الأطراف اللبنانية للسعي نحو تحقيق أي انجاز سياسي، يحسب للحكومة الحالية، ومحاولة توجيه رسالة لبنانية للعالم. إلا أنه من غير المتوقع أن يتم الترسيم بتوقيع لبناني إسرائيلي مشترك، على الأقل حتى الآن. فالخطة المُتفق عليها حاليًا تشمل قيام كل من إسرائيل ولبنان بإرسال خطابين منفصلين للأمم المتحدة، تعترف كل دولة في خطابها، منفردة، بالخط المقبول حدًا لمياهها البحرية دون أي مراسم مشتركة.
– الرغبة الحكومية في بدء التفاوض الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي:
وبالمقابل فإن الرئيس ميقاتي كذلك حريص على إنجاز الترسيم والتشكيل والدخول لبرامج صندوق النقد بهدف تمهيد مرحلة إعادة تكليفه كونه لا بديل سُني عنه طالما الحريري خارج اللعبة.
-الدعم العربي للبنان المشروط بترسيم الحدود:
ومما يحفز لبنان نحو التوصل لاتفاق ترسيم الحدود البحرية ع اسرائيل، الوعود العربية لها بالحصول على الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر سوريا، سيكون مرتبطاً بإتمام عملية ترسيم الحدود البحرية. وكان وزراء الطاقة والنفط في لبنان والأردن ومصر وسوريا اتفقوا مطلع سبتمبر2021، على “خريطة طريق” لإمداد لبنان بالكهرباء، لحل أزمة طاقة حادة يعاني منها منذ شهور. كما أن إعفاء لبنان والدول المصدِّرة للطاقة أي مصر والأردن من عقوبات قانون “قيصر” (تفرضه واشنطن على النظام السوري) مرتبط بإتمام ملف ترسيم الحدود.
وكان الموفد الأمريكي آموس هوكشتاين، أبلغ بطريقة أو بأخرى المسؤولين اللبنانيين موقفاً واضحاً، مفاده أن ترسيم الحدود يؤدي إلى تسهيل إيصال الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان”.
– مصالح داخلية:
ووفق تقديرات سياسية، فإن تراجع لبنان عن الخط 29، جاء وفقا لحسابات سياسية داخلية قد تكون خلف ذلك، لتسريع ترسيم الحدود، خصوصاً أن لبنان على مشارف الانتخابات النيابية والرئاسية. فالرئيس عون، يريد أن ينجز عملية ترسيم الحدود في عهده الذي ينتهي أواخر أكتوبر 2022، كي يعلن إطلاق عمليات التنقيب عن النفط والغاز.
– رفع العقوبات عن باسيل:
كما أن لرئيس البلاد عون هدفا اساسيا، وهو رفع العقوبات الأمريكية عن (صهره) جبران باسيل، واستعادة عدد من الأوراق القوية داخلياً قبيل موعد الانتخابات. ويسعى التيار الوطني الحر (حزب عون) للحفاظ على مقاعده ووجوده في الانتخابات النيابية والرئاسية المقبلتين، أو حصول تمديد للمجلس النيابي ولولاية رئاسة الجمهورية، أي أنها حسابات ومصالح سياسية بحتة خلف ذلك التوجه لترسيم الحدود عند خط 23، وليس 29. وعلى اية حال، فإن التسوية قد اقتربت حالياً، مع اقتراب وصول مسار المفاوضات في فيينا، والاتفاق النووي بين الدول الكبرى وإيران..
-الموقف الأمريكي:
وبحسب تقرير “ميدل إيست آي”، يقوم المقترح الأمريكي بالأساس على اعتماد الخط 23 على أنه نقطة التقاء الحدود البحرية بين الجانبين، وهذا هو السبب الرئيسي وراء عدم تصديق الرئاسة اللبنانية على مرسوم تعديل الحدود البحرية لاعتماد الخط 29 بدلاً من 23. وتسعى الولايات المتحدة إلى الوساطة بين لبنان وإسرائيل، ليس فقط بسبب احتمال أن يتحول النزاع بينهما إلى صراع مسلح، ولكن أيضاً بسبب احتمال اشتعال الموقف في منطقة شرق المتوسط بشكل عام، وهي منطقة حولتها اكتشافات الغاز في السنوات الأخيرة إلى قنبلة موقوتة، جميع أطرافها حلفاء لواشنطن بطبيعة الحال.
كما أعطت الحرب الروسية في أوكرانيا بُعداً آخر من الأهمية لأزمة الحدود البحرية بين بيروت وتل أبيب، فالخارجية الأمريكية تسعى بشتى الطرق لتأمين بدائل للطاقة الروسية من نفط وغاز، وبالتالي فإن اشتعال صراع مسلح الآن في منطقة شرق المتوسط سيكون بمثابة ضربة قاصمة لأسواق الطاقة بطبيعة الحال. وبعد 5 جولات تفاوضية تقنية غير مباشرة بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية ورعاية أممية باءت بالفشل -بين أكتوبر 2020 ومايو 2021- زار هوكشتاين بيروت في مارس 2022، وقدم مقترحا يعكس رؤية تل أبيب حول ترسيم الحدود، ورفضه الجانب اللبناني؛ ومفاده الانطلاق من بداية الخط 23 متعرجا، عبر اقتطاع نحو 20% من حقل قانا وجزء من البلوك 8، الذي يفترض أن يكون للبنان كاملا.
مضمون الموقف اللبناني -الذي تبلغه الوسيط الأميركي- يتمثل في تمسك لبنان بالخط 23 مستقيما كما ثبته لدى الأمم المتحدة عام 2011 مع حقل قانا، كما بلغ هوكشتاين أنه إلى حين الاتفاق على خط ترسيم بحري، فعلى الوسيط الأميركي أن يلزم الجانب الإسرائيلي بوقف أي نشاط استثماري أو استخراجي للغاز والنفط من المناطق المتنازع عليها، وتجميد أي نشاط بحقل كاريش.
كما تبلغ المبعوث مطلب لبنان لبدء عمليات التنقيب والاستثمار “بالبلوكات” اللبنانية غير المتنازع عليها، وفتح باب التراخيص للشركات، بعد حصولها على تطمينات أميركية لتعمل بحرية. وأن لبنان يريد جوابا سريعا على موقفه، مع العودة إلى المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود إذا كان هناك جواب إيجابي من الجانب الإسرائيلي.
سادسا: معوقات التوصل لاتفاق ترسيم الحدود:
-صراعات القوى السياسية اللبنانية:
وتمثل تشابكات الساحة السياسية اللبنانية، تحديا كبيرا أمام اتمام الاتفاق مع اسرائيل حول الحدود البحرية. اذ أن الصراع الحكومي المستمر بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، اذ أنه لا يبدو أنه يحمل أي مؤشرات للحلّ. فخلال الأسبوع الماضي شهدت الساحة اللبنانية نقاشات متعددة حيال ملف ترسيم الحدود والردود المنتظرة من الوسيط الأمريكي في ملف الترسيم آموس هوكشتاين؛ حيث جرى إرساء أجواء إيجابية من خلال توقعاتها بالتوصل إلى اتفاق قريب على الرغم من أنها لم تحمل جديداً يوحي بالشكل النهائي للحل الذي بات مبنياً على الموقف الإسرائيلي من الطرح اللبناني.
وقد تكون المرة الأولى منذ أن استأنف هوكشتاين مهمته نهاية يونيو الماضي التي يرسل فيها المسؤولون الإسرائيليون رسائل مباشرة وغير مباشرة بهذا السيل من المواقف حول ما هو متوقع من ملف ترسيم الحدود، ما أعاد إلى الأذهان المراحل السابقة التي كانت فيها الساحة اللبنانية مسرحاً للمواقف والنظريات المختلفة قبل توحيد الموقف اللبناني؛ مما هو مطروح في مطلع أغسطس الجاري.
والقيادة اللبنانية المتفقة بالإجماع على موقف واحد بشأن ملف الترسيم البحري مع إسرائيل لن تناقش الأمر أو تطلق موقفاً قبل تسلّمها ورقة مكتوبة تمثّل الردّ الإسرائيلي الرسمي على ما حمله هوكشتاين إلى تل أبيب، لذا فإن الجانب اللبناني بُلغ أن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي إيال حوالتا يتوجه إلى الولايات المتحدة لإجراء محادثات مع مسؤولي ملف الترسيم مع لبنان.
بالتوازي كان السجال المفتوح داخلياً حول تشكيل الحكومة والأسماء المعدلة في تشكيلة ميقاتي المقترحة على رئيس الجمهورية ميشال عون، مسرحاً لتبادل التهم بين رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، حيث لا يشبه السجالات الدائرة حول الترسيم واحتمالية التصعيد بين حزب الله وإسرائيل..
لذا فإن الجانب اللبناني حريص على إتمام الترسيم قبيل 31 نوفمبر منعاً لانزلاق عسكري بحري إضافة لأن رئيس الجمهورية ميشال عون يسعى لتحقيق ولو إنجاز أخير من عمر عهده تعيد تعديل صورة المرحلة الرئاسية بعد انهيار البلاد خلال فترة حكمه مع صهره وتياره وتعوِّض الفشل.
كما يريد من هذا الإنجاز النفطي والغازي تأمين ذخيرة سياسية لمرحلة عودة باسيل للسلطة، ولذلك يتمسك عون بفكرة عدم تسليم موقع الرئاسة تحت أي ظرف، ما لم يراعِ نص الدستور ومقام الرئاسة الأولى لجهة عدم تسليم البلاد لحكومة تصريف أعمال، وما لم يراعِ أيضاً تمثيل الفريق المسيحي في شكل صحيح. وهذا يعني، عملياً، التمسك ببقاء الرئاسة في متناول فريقه السياسي، في محاولة للقول إنه لا يزال المسيحي الأقوى في لبنان.
لذا يسعى عون وفريقه إلى الإسراع في إتمام الصفقة البحرية والتي من شأنها أن تخدم تحقيق هذه الأهداف، ما يتيح بدء الاستفادة من الثروة في الغاز والنفط، والاتفاق مع صندوق النقد الدولي. فأي عهد جديد ينطلق من هذين الإنجازين سيعود إلى ممارسة دور فعال أكبر في مرحلة إعادة تركيب الجمهورية وإعادة تشكيل العقد الاجتماعي، لذا فإن فريق المستشارين الخاص بعون وباسيل يشيرون عليه أنه إذا ما غادر القصر 31 أكتوبر، والبلاد غارقة في مستنقع الأزمات المزمنة، فسيكون ذلك ضربة له وللتيار العوني، وسيستغلها خصومه كالقوات والتغييرين والكتائب والاشتراكي وبري لتعميق خسارته وإضعافه سياسياً. ولذلك، هو يعمل لتجنب هذا السيناريو بأي ثمن معقول.
-صراع الرئاسات الثلاثة:
رئاسياً وأمام دخول البلاد في المهل الدستورية لانتخاب بديل عن عون، لم يوفق حزب الله حتى اللحظة في تعديل موقف رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لإعلان تأييده ترشيح فرنجية. لكن فرنجية لا يزال يراهن على أمرين؛ الأول على الحزب لدفع باسيل بالقبول به، لكن باسيل استغل زيارته للراعي منذ أيام، ليعلن مجموعة من الرسائل وصلت إلى حدّ إلقاء اللوم على حليفه -الحزب- ومعه رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتحميلهما مسؤولية دفع البلاد للذهاب إلى الفراغ الرئاسي. والمقصود برسالة باسيل هنا القول إنّه لن يخضع لضغط الثنائي الشيعي في هذا المجال في حال حصوله.
ولأن باسيل بات مقتنعاً أن حزب الله الذي جيّر قوته الانتخابية الكاملة لمصلحة التيار العوني على حساب بقية الحلفاء وتحديداً حلفاء النظام السوري ما أدى لرسوبهم رسوباً مدوياً، لذا فإن باسيل يقول في كل مجالسه أن حزب الله لن يتخلّى بسهولة عن علاقته معه خصوصاً في هذه المرحلة الإقليمية الدقيقة وخاصة أن الأكثرية في البرلمان ليست دقيقة بيد الحزب وحلفائه، لذا فإن باسيل يراهن على حاجة الحزب له، وهو ما يعني أيضاً أن لقدرة حزب الله بالضغط على باسيل حدوداً معينة في هذا الملف بالتحديد.
بل إنّ هنالك من يقول إنّ الحزب الذي كان أعطى كلمته بدعم ترشيح سليمان فرنجية، أعطى في المقابل كلمته لباسيل بأن يكون ممراً إلزامياً للاستحقاق الرئاسي وأن يحظى مرشح الحزب للرئاسة بموافقة باسيل. صحيح أنّ ذلك جعل باسيل مقتنعاً بأن لا حظوظ رئاسية جدّية له، لكنه عزز لديه الاقتناع بأنّه سيكون صانع الرئيس المقبل.
وعليه يجد حزب الله نفسه مضطراً للبحث عن تسوية رئاسية في الداخل بالتنسيق مع الخارج، وعلى الرغم من عدم توافر ظروفها حتى الآن فإنه أعاد فتح قنوات تواصله مع الفرنسيين وهو يحاورهم بشكل منتظم، والحزب يدرك أن السعوديين سيكون لهم كلمتهم في اختيار رئيس الجمهورية ومن ثَم رئيس الحكومة وهو بات محتاجاً لغطاء سعودي-عربي لرئيس حكومة مقبل.
كما أن أجواء الاتفاق النووي الايراني الغربي، تدفع نحو مزيد من التهدئة الاقليمية، وهو ما يساعد في خلق توافق سياسي لبناني، على شكل التوازنات السياسية في المعادلة السياسية بالمرحلة المقبلة. قد يكون من ضمن عناوينها الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية الاسرائيلية اللبنانية..
-قرب نهاية ولاية البرلمان اللبناني:
وتقف لبنان أمام تحدي صعب، قبل نهاية سبتمبر المقبل، حيث تسارع الأطراف الاقليمية والدولية الزمن لإقرار اتفاق ترسيم الحدود البحرية وذلك قبل نهاية سبتمبر لأن البرلمان اللبناني المطلوب منه إقرار الترسيم سيحل نفسه مع نهاية شهر سبتمبر المقبل، تمهيدًا للانتخابات الرئاسية المفترضة مع انتهاء ولاية ميشال عون، الثانية والأخيرة، في آخر أيام أكتوبر المقبل ويشمل الاتفاق حصول لبنان بالكامل على حقل قانا للغاز الطبيعي، وهو الحقل الذي لم يُكتشف بعد من خلال عمليات حفر مباشر، وأن تحصل إسرائيل بالكامل على حقل كاريش الذي اكتُشف بالفعل.
-التلاعب الاسرائيلي بالملف:
وبالرغم من قرب عودة الوسيط الامريكي إلى المنطقة، نهاية الشهر الجاري، إلا أن اسرائيل لا تزال تتأرجح في مواقفها إزاء ملف ترسيم الحدود. ومن المقرر أن يعود الوسيط الأمريكي لشؤون أمن الطاقة، آموس هوكشتاين، إلى لبنان، نهاية أغسطس الجاري، حاملاً الجواب الاسرائيلي النهائي. وزار الوسيط الأمريكي 24 أغسطس 2022، وأجرى نقاشاً مع الجانب الإسرائيلي حول مقترح لبنان القاضي بحصول بيروت على حقل قانا مقابل التنازل عن حقل كاريش للجانب الإسرائيلي وينتظر لبنان هذه المرة رداً إسرائيلياً مكتوباً وليس شفوياً عبر هوكشتاين، إذ أن كل الكلام الإيجابي من جانب إسرائيل لم يُترجم بعد إلى ورقة مكتوبة تثبت الكلام الشفهي عن الاستعداد للقبول بمطالب لبنان. اذ أن القيادة اللبنانية متفقة بالإجماع على موقف واحد بشأن ملف الترسيم البحري مع إسرائيل، ولن تناقش الأمر أو تطلق موقفاً قبل تسلّمها ورقة مكتوبة تمثّل الردّ الإسرائيلي الرسمي على ما حمله هوكشتاين إلى تل أبيب.
بالمقابل، فإن الجانب اللبناني أُبلغ أن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، إيال حولاتا، توجه إلى الولايات المتحدة، الثلاثاء 21 أغسطس 2022، لإجراء محادثات مع مسؤولين في ملف ترسيم الحدود مع لبنان. وتلوح بالأفق أحاديث عن مماطلة إسرائيلية عبر اقتراح نص جديد للاتفاق يقضي بقيام فرنسا والولايات المتحدة بإنشاء صندوق مشترك للاستثمار بالحقول المتنازع عليها، وتحديداً قانا، والسماح للبنان بالتفاوض مع الشركات الدولية على البدء بالتنقيب. ويمكن لتل أبيب تأجيل موعد استخراج الغاز الطبيعي من حقل كاريش البحري لعدة أشهر، حتى بعد انتخابات الكنيست، بهدف الدفع نحو خفض التوتر وعدم إفساح المجال أمام إيران وحزب الله لاختلاق حرب أو توتر بحري.
وأمام المواقف الاسرائيلية غير الحاسمة، أبلغ لبنان بزيارة وفد من شركة توتال إلى بيروت خلال شهر سبتمبر المقبل، لوضع آلية البدء بالعمل، مقابل استمرار الإسرائيليين بالعمل في كاريش، ومن دون توقيع الاتفاق، مع تأجيله حتى انتهاء انتخابات الكنيست. ويتضمن الاقتراح أيضاً، صيغة تتحدث عن تثبيت الخط 23 كاملاً للبنان، مع تعهد إسرائيلي بأن تكون المخزونات في حقل قانا لصالح لبنان، وفيما كان الإسرائيليون قد اقترحوا سابقاً أن تمنح إسرائيل الموافقة لبواخر التنقيب عندما تريد الدخول إلى الحقل.
ورفض لبنان هذه الصيغة، معتمداً صيغة أخرى تنص على أن يتم إبلاغ إسرائيل بدخول البواخر للعمل، وليس انتظار موافقتها أو منحها للإذن. يشار الى أن هوكشتاين كان قد أبلغ كلاً من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ونائب رئيس البرلمان إلياس بوصعب، أن المجلس الوزاري الإسرائيلي اتخذ قراره وأبقاه قيد الكتمان لإبلاغه مباشرة للوسيط الأمريكي. ويتجلى القرار الإسرائيلي، في منح لبنان خط 23 بالإضافة إلى حقل قانا، شرط الحق السيادي لإسرائيل فوق سطح بحر الجزء الجنوبي من حقل قانا، على أن يكون للبنان الحق بالتنقيب في كامل الحقل تحت الماء.
ولكن يبقى السؤال الأهم، هل إسرائيل ستوقع الاتفاق قبل الانتخابات الإسرائيلية أم بعدها؟
وهو ما يمثل تحديا للحكومة الاسرائيلية الحالية والمقبلة..
وتفضل اسرائيل خيارا اخر، أكثر مطاطية، وقد يقود لتصعيد أمني بالمنطقة، لذا تسعى لتأجيل التنقيب عن الغاز والنفط والتوقيع على ترسيم الحدود، لما بعد انتخاباتها. الطرح الذي تريده اسرائيل، هو ألا نتنازل تل ابيب عن مساحة حقل قانا، مقابل تعهد أمريكي بأن يكون الاستثمار بالطاقة في هذا الحقل من حق لبنان. وهو ما يفتح الباب امام اشكاليات أخطر بالمرحلة المقبلة..
سابعا: مستقبل الأزمة:
وأمام حرص تل أبيب على ضمان حقولها وكاريش ضمانا للاستثمار بها، ولرغبتها الشديدة في بيع الغاز لأوروبا في أقرب وقت. ورغم سقوف التهديدات بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، من المستبعد رغبة الطرفين في الذهاب نحو الحرب على خلفية ترسيم الحدود والنزاع على الحقول، وإن كانت خيارا أخيرا مطروحا على طاولة الطرفين. اذ أن إيران وإسرائيل تخوضان حروبا بالواسطة في جبهات عديدة، في حين ما زالت الجبهة اللبنانية مؤجلة، نظرا لخطورتها وحساسيتها. حتى حزب الله يمكن أن يوجه ضربات موجعة لإسرائيل، لكن الثمن مقابلها كبير في ظل انحلال بنية لبنان التحتية.
الخلاصة:
وعلى أية حال، فإن أزمة الترسيم البحري للحدود تعبر عن حجم الخلافات التي تضرب الساحة اللبنانية ، وانصياعها تحت الأجندات الاقليمية المتصارعة، ما يزيد في تأزم المواقف اللبنانية ، لحد التفريط في الحدود والسيادة الوطنية والدهي هو تماهي المواقف الاقليمية والعربية من الأزمة اللبنانية مع الرؤي الغربية بل واحيانا الاسرائيلية…وتبقى عملية الترسيم مرتبطة بموازين القوى على الأرض، سواء اللبنانية أو الإسرائيلية بينما ينحاز الموقف لأمريكي للجانب الاسرائيلي، حتى وان بدا محايدا اذ أن واشنطن تتواطأ مع إسرائيل لدفع لبنان نحو تقديم تنازلات، لأن عرض الوسيط هوكشتاين الذي قدم للرؤساء الثلاثة في مارس الماضل أعطى حقل كاريش كاملا لإسرائيل، واقتطع 20% من حقل قانا الذي يفترض بموجب الخط المتعرج أن يكون للبنان كاملا.
……………..
مراجع:
- مدى مصر، مصدر يتوقع ترسيم حدود لبنان وإسرائيل البحرية آخر سبتمبر، 23 أغسطس 2022
- عربي بوست، الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل.. تحديات الداخل اللبناني فيما بعد الاتفاق، 2022/08/23
- عربي بوست، تسوية داخلية أم صفقة بنووي إيران.. لماذا تراجع لبنان عن حدوده البحرية مع إسرائيل؟، 2022/02/21
- الأناضول، إنشاء فرنسا وأمريكا لصندوق استثمار في حقول النفط المتنازع عليها.. إسرائيل تستعد لاقتراح نص جديد حول ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، 2022/08/22
- رويترز، هل تشتعل “حرب الغاز” بين لبنان وإسرائيل؟ كل ما تريد معرفته عن نزاع ترسيم الحدود البحرية بينهما، 2022/06/13
- الجزيرة نت، إسرائيل تستعد للتنقيب عن الغاز.. هل يخسر لبنان أوراقه التفاوضية في ترسيم الحدود البحرية؟،22 أغسطس 2022