وصلت الديون المصرية لأرقام قياسية غير مسبوقة في التاريخ، إذ بلغت 157.8 مليار دولار بنهاية الربع الأول من 2022، متأرجحة بين قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل، ويتعين على مصر خلال النصف الثاني من العام الحالي سداد 8.5 مليار دولار أقساط وفوائد دين، وفي العام القادم مطالبة بسداد 17.6 مليار دولار (9.3 مليار دولار في النصف الأول و8.3 مليار في النصف الثاني) وفي 2024 مطالبة بسداد 24.2 مليار دولار (10.9 مليار في النصف الأول و13.3 مليار في النصف الثاني)، كما يتعين على الحكومة المصرية سداد 15.1 مليار دولار في 2025 (9.3 مليار في النصف الأول و5.8 مليار دولار في النصف الثاني) نظير 16.8 مليار دولار في 2026 (6.6 مليار دولار في النصف الأول و10.2 مليار في النصف الثاني).
كما تراجع الاحتياطي النقدي لمصر من العملات الأجنبية (سلة من العملات الدولية الرئيسية، هي الدولار واليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني واليوان الصيني) بنحو 20% خلال الأشهر السبع الأولى من العام الحالي (2022)، حيث وصل إلى 33.14 مليار دولار نهاية يوليو، مقابل 40.93 مليار دولار في نهاية ديسمبر الماضي، وفق بيانات البنك المركزي المصري.
وتلقت العملة المحلية (الجنيه) ضربات موجعة خلال الآونة الأخيرة حيث انخفض سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي بنسبة 21.9% منذ تخفيض قيمته في مارس الماضي، ليصل إلى مستوى 19.24 جنيه مقابل الدولار، فيما تتوقع أسواق العقود الآجلة أن تنخفض العملة المحلية بنسبة 22% خلال العام المقبل، هذا بجانب تراجع عائد أذون الخزانة المحلية لأول مرة منذ 24 مايو الماضي بواقع خمس نقاط أساس في عطاء أذون 91 يومًا.
الأزمة زاد تفاقمها بعد هروب الأموال الساخنة من السوق المصري، فمنذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير الماضي ولجوء واشنطن إلى سياسة رفع سعر الفائدة لجذب الاستثمارات الخارجية، خرج ما لا يقل عن 20 مليار دولار من مصر، ما تسبب في اتساع عجز الحساب الجاري.
هذا الواقع الرمادي دفع شبكة “بلومبرغ” الأمريكية للحديث عن احتمالية فشل الحكومة المصرية في سداد ديونها، لافتة أن تلك الاحتمالية قفزت إلى أعلى مستوياتها منذ 2013[1]. وبناءً علي ذلك، سنحاول في هذا التقرير محاولة الوقوف علي حقيقة أزمة الديون الخارجية التي تواجهها مصر، ومدي إمكانية الحكومة المصرية في مواجهة وحل تلك الأزمة.
أولًا: حقيقة أزمة الديون الخارجية التي تواجهها مصر:
تعددت تقديرات المؤسسات الدولية حول حجم الديون الخارجية المصرية الواجب سدادها خلال العام الحالي (2022)، فقد توقع بنك جولدمان ساكس، احتياج مصر إلي 33 مليار دولار لدفع مستحقات ديون خارجية في عام واحد من مارس 2021 حتى مارس 2022[2]. فيما كشفت إحصائية للبنك الدولي احتياج مصر إلى 31 مليار دولار لسداد جزء من التزامات الديون الخارجية عليها، من فترة يوليو 2022 حتى مارس 2023، غير 16 مليار دولار كانت مستحقة الدفع ما بين إبريل حتى يونيو 2022 (أي بإجمالي 47 مليار دولار خلال عام كامل).
ووفقاً لموقع “مدى مصر” فتشير آخر الجداول المتاحة حول التزامات الديون، والتي يعدها البنك الدولي، أن مصر عليها الالتزام بسداد نحو 16 مليار دولار في الربع الثاني من العام الحالي (من بداية إبريل وحتى نهاية يونيو) يتبعها 12 مليار دولار في الربع الثالث، ثم حوالي ستة مليارات دولار في الربع الرابع، وأخيراً أكثر من 13 مليار دولار في الربع الأول من العام القادم (2023)[3].
ومؤخرًا، فقد أشارت وكالة “بلومبيرغ” لتزايد مخاطر تخلف مصر عن سداد ديونها الخارجية، والتي ارتفعت قيمتها منذ تولي الجيش السلطة منتصف عام 2013، من 43.2 مليار دولار إلى 157.8 مليار بنهاية مارس 2022، مع الاستمرار بالاقتراض بالشهور الأخيرة من البنك الدولي وبنك الاستثمار الأوروبي وغيرهما، واستمرار التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد.
وهو الدين الذي توزع وفق جهات الإقراض ما بين 52 مليار دولار من 20 مؤسسة إقليمية ودولية أبرزها الصندوق والبنك الدولي، و36 مليار دولار من 22 دولة، و29 مليار دولار إصدارات سندات بالأسواق الخارجية، و12 مليار دولار من بنوك قُطرية أجنبية وخليجية، إلى جانب 26 مليار ديون قصيرة الأجل من دول ومؤسسات إقليمية.
وقد انقسم ذلك الدين ما بين قروض متوسطة وطويلة الأجل (والذي تبدأ مدته من العامين وحتى الخمسين) بقيمة 131.4 مليار دولار، وديون قصيرة الأجل لمدة عام بقيمة 26.4 مليار دولار، وتمثل قصيرة الأجل نسبة 17% من الإجمالي، وهي نسبة ارتفعت مؤخرًا بعد الودائع قصيرة الأجل البالغة 13 مليار دولار، والتي حصلت عليها مصر من السعودية والإمارات وقطر بالربع الأول من العام الحالي (2022)، ومن مظاهر خطورة هذا الدين أنه مثل نسبة 71% من احتياطيات النقد الأجنبي في مارس الماضي.
كذلك نجد أن قيمة القروض متوسطة وطويلة الأجل البالغة 131.4 مليار دولار، سيتم سدادها بقيمة 170.8 مليار دولار، أي أن الدين الخارجي الذي سيتم دفعه شاملًا (متوسط وطويل وقصير الأجل) سيزيد على 197 مليار دولار، وذلك بالـ50 عامًا القادمة وحتى عام 2071.
ووفق بيانات البنك المركزي المصري تصل تكلفة الدين الخارجي متوسط وطويل الأجل في العام الحالي (2022) إلى 15.547 مليار دولار، موزعة ما بين 5.7 مليارات دولار للدول الخليجية الثلاثة الكويت والإمارات والسعودية، و4.7 مليارات دولار للمؤسسات الدولية والإقليمية، و3.7 مليارات دولار لدول أجنبية أخرى، و1.4 مليار لإصدارات السندات المصرية بالخارج، فإذا أضيف لتكلفة تلك القروض متوسطة وطويلة الأجل 26 مليار دولار تمثل القروض قصيرة الأجل، فإن مجمل تكلفة الدين في العام الحالي (2022) تصل إلى 41.5 مليار دولار[4].
وقد أشارت وكالة “ستاندرد آند بورز” العالمية للتصنيف الائتماني في تقرير لها في شهر أبريل 2022 أن مصر تستحوذ على 0.6% من إجمالي الديون التجارية في العالم، وهي نسبة مرتفعة إذا ما قورنت بالعديد من الدول المماثلة لمصر، أو إذا ما قورنت بالاقتصادات الناشئة، حيث تشكل تركيا مثلاً 0.3% فقط من إجمالي الديون التجارية في العالم، وكذلك باكستان تُشكل النسبة ذاتها.
ويتوقع التقرير أن تقترض مصر 73 مليار دولار أمريكي خلال العام الحالي (2022)، كما يقول التقرير إن القروض السيادية الإجمالية لمصر ستبلغ مع نهاية العام الحالي 391.8 مليار دولار، مقارنة مع 348.4 مليار مع نهاية عام 2021، أي إن الديون السيادية سوف ترتفع بواقع 43.4 مليار دولار، على الرغم من أن مصر ستقترض 73 ملياراً، وهذا يعني أن نحو 30 ملياراً من الديون الجديدة ستذهب للوفاء بديون سابقة.
وبهذه الأرقام فإن مصر ستصبح أكبر دولة مدينة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وسوف تكون أحد أكبر طالبي الديون في العالم، بحسب تقرير “ستاندرد آند بورز”. وفي ظل هذه المؤشرات التحذيرية بشأن الديون المصرية، فقد زاد مخاوف المستثمرين من أن القاهرة قد تتجه نحو التخلف عن السداد، بحسب تقرير لوكالة (بلومبرغ) الأمريكية[5].
ورغم تباين التقارير الدولية حول تقدير حجم الديون الخارجية المصرية الواجب سدادها خلال العام الحالي – وهي تباينات ضفيفة -، إلا أن هناك اتفاق بين تلك التقارير علي وجود أزمة حقيقية علي مصر فيما يتعلق بديونها الخارجية، ويرجع العديد من المراقبين والمحللين الاقتصاديين أزمة الديون الخارجية المصرية وتفاقمها إلي عدة عوامل، منها:
1- ظاهريًا عند البحث في مواجهة أزمة الموارد الدولارية تبدو محدودية القدرة على التعامل معها من خلال جانبي الموازنة العامة للدولة (الإيرادات والنفقات)، فجانب الإيرادات ضعيف المرونة للغاية في اقتصاد 55% منه اقتصاد ظل، ونسبة لا يستهان بها من الرسمي منه داخل في صناديق سوداء غير معلنة ولا تضاف للموازنة العامة في مخالفة صريحة لمبدأ وحدة الموازنة والقانون الذي يقرر ذلك، وما تبقى من الاقتصاد الرسمي مأزوم فعليًا بشح الدولار وتقييد الواردات من مستلزمات الإنتاج والمنافسة غير العادلة مع النشاط الاقتصادي للجهات السيادية، الامر الذي يعني انعدام القدرة على زيادة الإيرادات أو زيادة الإنتاج والصادرات وتخفيف الضغط عن الميزان التجاري.
وعلى الجانب الآخر فإن النفقات الحكومية معظمها ذات بنود ثابتة لا يمكن تخفيضها علاوة على كونها بالعملة المحلية، كما أن الاقتراب من مخصصات الحماية الاجتماعية في ظل موجة التضخم الحالية والناجمة عن انخفاض قيمة الجنيه يعد انتحارًا حقيقيًا للنظام في ظل الاضطرابات الحادة التي تشهدها العديد من الدول ذات الظروف المماثلة.
ولكن التدقيق والعمق في تحليل هذا الجانب يشير إلى أن جزءًا من النفقات الحكومية والمتمثل في استيراد آلات ومعدات وأجهزة وتجهيزات للمشروعات الكبرى (سواء كان من داخل أو من خارج الموازنة) يضغط بشدة على موارد النقد الأجنبي، وهنا يبرز السؤال هل يمكن للسلطة أن توقف ولو مؤقتًا الانفاق على تلك المشروعات؟
من المرجح ألا يحدث ذلك في المدى القريب، ففي خضم الأزمة الحالية أبرمت الحكومة التعاقد الرسمي على القطار الكهربائي السريع وبدأت إجراءات إنشاء المحطة النووية، واستمرت أعمال الإنشاء في العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين الجديدة وغيرها، ولازالت على تنفيذها لمخطط الهدم للمباني وتوسعة الطرق، وغيرها الكثير من المشروعات التي لا تضيف شيئًا يذكر للطاقة الإنتاجية.
مما يعني ببساطة أن يستمر الانفاق الحكومي في ضغطه على موارد النقد الأجنبي، وهو الأمر الذي يتعزز في ظل تنفيذ وإدارة الجهات السيادية لتلك المشروعات وهي الجهات التي لن تتقيد بأية قيود على استخدام موارد النقد الأجنبي التي تفرض من قبل البنك المركزي[6].
2- استمرار تراجع قيمة العملة المصرية، فمع اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قروض، كان لا بد من الرضوخ لشروطه، وفي مقدمتها تعويم العملة الوطنية، ورفع الدعم المقدم من الدولة. نتيجة هذه الشروط، فقد الجنيه المصري الكثير من قيمته، فأصبح الدولار يساوي حوالي 16 جنيهًا مصريًا في مارس الماضي، لكنه وصل حاليًا إلى ما يقارب 21 جنيهًا، وهناك توقعات بتوجه البنك المركزي إلى تعويم الجنيه بصورة أكبر، ليتجاوز سعر الدولار 25 جنيهًا.
وبينما ذكرت “بلومبيرغ”، في تقريرها، أن مصر تحتاج 41 مليارًا لسد عجز الحساب الجاري وخدمة الديون المستحقة للقروض بنهاية عام 2023، أي بما يعادل 656 مليار جنيه، حينما كان سعر صرف الدولار يعادل 16 جنيهًا في مارس الماضي. والآن، ومع الانخفاض المستمر لقيمة الجنيه المصري، ليصل إلى 21 جنيهًا، ارتفع هذا المبلغ الإجمالي ليصل إلى 861 مليار جنيه مصري، بما يعني وجود فرق يعادل 205 مليارات جنيه مصري، وهذا دليل على زيادة الأعباء الداخلية بنسبة 31%، أي ما يعادل الثلث، ما يعني أن الحكومة ستقوم بالاقتراض بمعدلات ضخمة على المستوى الداخلي[7].
3- استمرار العجز التجاري، فقد بلغت قيمة مصادر النقد الأجنبي المختلفة في عام 2021 حوالي 31 مليار دولار لتحويلات المصريين العاملين بالخارج، و23.5 مليار دولار للصادرات السلعية غير البترولية، و13 مليار دولار للصادرات النفطية والغازية والتي تسترد الشركات الأجنبية حوالي نصفها، و9 مليارات دولار للسياحة المتأثرة بالحرب الروسية الأوكرانية، و6.4 مليارات دولار لقناة السويس التي زادت إيراداتها بعد الحرب الروسية، و5 مليارات دولار صافي الاستثمار الأجنبي المباشر، و3 مليارات دولار للصادرات الخدمية الأخرى بخلاف السياحة والنقل، و2 مليار دولار من خدمات النقل التي يتم تقديمها للطائرات والسفن الأجنبية بالموانئ المصرية.
حيث أن تلك الموارد لا تفي بمتطلبات مدفوعات النقد الأجنبي للواردات السلعية والخدمية، ببلد يعتمد في غذائه على الاستيراد، كما أن صادراته فيها بنسبة 60% مكون أجنبي، ولهذا بلغت قيمة الواردات السلعية غير البترولية العام الماضي (2021) 70 مليار دولار، ومدفوعات فوائد دخل استثمار الأجانب بمصر 15 مليار دولار. والواردات البترولية والغازية 11 مليار دولار ومدفوعات الخدمات الأخرى بخلاف السياحة والنقل 5.5 مليارات دولار، والسياحة الخارجية من مصر 3.3 مليارات دولار، وخدمات النقل المدفوعة للطائرات والسفن المصرية بالخارج 2.3 مليار دولار، والمصروفات الحكومية من بعثات وتدريب 2 مليار دولار.
والمعروف أن هناك عجزًا تجاريًا سلعيًا مزمنًا يصل عمره لحوالي 50 عامًا متواصلة، وأن كبر هذا العجز التجاري يستوعب الفائض التجاري الخدمي وتحويلات المصريين بالخارج، ويحقق ميزان المعاملات الجارية المصري عجزًا دائمًا منذ سنوات بلغ العام الماضي 18.6 مليار دولار، وهو ما يمثل فجوة دولارية يصعب سدها خلال السنوات القليلة المقبلة.
وهكذا تجد السلطات المصرية نفسها محاصرة بمدفوعات عديدة مطلوبة منها، تجعلها تركز أولًا على شراء الغذاء والوقود ومستلزمات الإنتاج والمواد الخام والسلع الوسيطة، مما يجعل تدبير قيمة الأقساط والفوائد أمرًا متعذرًا، الأمر الذي يدفعها للاقتراض من جديد لدفع أقساط القروض القديمة، بل وفوائدها أيضًا بعد أن أصبحت قيمة الفوائد كبيرة، ففي الربع الأول من العام الحالي، بلغت تكلفة الدين الخارجي 6.3 مليارات دولار؛ منها 5 مليارات للأقساط و1.3 مليار للفوائد[8].
ثانيًا: مدي إمكانية الحكومة المصرية في حل أزمة الديون الخارجية:
تعمل الحكومة المصرية حاليًا علي مواجهة تلك الأزمة عبر اللجوء إلي مجموعة من السياسات والإجراءات تتمثل أبرزها في:
– اللجوء لصندوق النقد الدولي: في ظل تآكل نسبة كبيرة من الاحتياطي النقدي خلال أشهر معدودة وفي ظل محدودية أثر ونجاعة السياسات النقدية والمالية في مواجهة أزمة موارد النقد الأجنبي الحالية، تبرز القروض الخارجية كحل سريع وناجز، لا سيما في ظل استسهال السلطة الحالية للاقتراض الخارجي واعتمادها المفرط عليه كأحد أهم مصادر النقد الأجنبي[9].
وفي السنوات الست الأخيرة، حصلت مصر على 3 قروض من صندوق النقد الدولي، الأول في عام 2016 بقيمة 12 مليار دولار لتمويل برنامج للإصلاح الاقتصادي، والثاني بقيمة 2.77 مليار دولار لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، واستكملت بقرض ثالث بقيمة 5.2 مليارات دولار ضمن برنامج الاستعداد الائتماني. فيما تتفاوض مصر حاليًا مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد قدرته وكالات اقتصادية أجنبية بنحو 15 مليار دولار وهو ما نفته وزارة المالية المصرية[10].
وعلي الرغم من ترجيح أغلب المراقبين لإمكانية قبول الصندوق لطلب القاهرة الحصول علي القرض الجديد، إلا أن الكثير من المستجدات قد ساهمت في تغيير بيئة وواقع الاقتراض من الخارج مقارنة بالأعوام الماضية، وهو الأمر الذي تجلى بوضوح في مماطلة صندوق النقد الدولي للحكومة في مطالبتها بالقرض الجديد (المفاوضات بدأت منذ مارس 2022)، وهي المماطلة التي تجلت في المطالبة باشتراطات مثل تخفيض كبير أو تعويم لسعر صرف الجنيه، ووقف برامج القروض المدعومة من البنك المركزي، وتسريح ملايين من موظفي الدولة، وتقليص الدعم، وإبعاد الجيش عن الحياة الاقتصادية، وغير ذلك من المطالبات التي لا تزال محل نقاش، وهو الأمر الذي يعني بوضوح ان أبواب المؤسسات الدولية قد تكون موصدة أمام مصر بصورة شبه كلية، إما لاستنفاذ أرصدة مصر الممكنة من الاقتراض منها بالفعل، أو للاشتراطات الصعبة لإبرام قروض جديدة، أو لأسباب سياسية أخرى.
وغني عن الذكر أن صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية الأخرى هي أذرع الهيمنة الرأسمالية العالمية الممثلة في أمريكا وأوروبا، مما يعني أن أبواب الاقتراض من تلك الكتلة وبمبالغ مؤثرة في حجم فجوة الموارد الدولارية أصبحت من الصعوبة بمكان، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار المأزق الكبير الذي تعانيه اقتصادات تلك الدول التي لم تكد تقترب من التعافي من كورونا حتى عاجلتها الحرب الأوكرانية وأزمة الطاقة والتضخم، ولازالت جميعها تصارع من أجل النجاح في الخروج بأقل الخسائر[11].
– الاعتماد علي الودائع الخليجية: أعلنت السعودية في مارس 2022، إيداع وديعة بقيمة 5 مليارات دولار لدى المصرف المركزي المصري. كما أعلنت الحكومة المصرية الموافقة على مشروع اتفاقية مع السعودية بشأن قيام صندوق الاستثمارات العامة السعودي بالاستثمار في مصر. وفي الشهر ذاته، اتفقت مصر وقطر على عقد استثمارات وشراكات في مصر بقيمة 5 مليارات دولار.[12]
في موازاة ذلك، فقد بدأت القاهرة مفاوضات مع المسؤولين في كل من الإمارات والكويت، في الوقت الذي يحل فيه موعد استحقاق وديعة كويتية في المصرف المركزي المصري تقدر بملياري دولار، أول سبتمبر المقبل. وأن المفاوضات المصرية “تدور حول مطلبين: أولهما تحويل تلك الوديعة إلى استثمارات بعد الإطلاع على المشاريع التي حددها صندوق مصر السيادي لطرحها على الصناديق السيادية الخليجية، أما المطلب الثاني فهو تمديد أجل استردادها عاماً إضافياً، في حال فشلت في التوصل إلى اتفاق بشأن تحويل قيمتها إلى استثمارات”. وفي الوقت ذاته “هناك مفاوضات مماثلة مع المسؤولين في دولة الإمارات، في شوطها الأخير، لمد أجل وديعة إماراتية مستحقة في يوليو الحالي”.
وتمتلك الكويت وديعتين لدى المصرف المركزي المصري بقيمة 4 مليارات دولار، من المقرر سداد الأولى منها في سبتمبر المقبل، فيما كانت تستحق الوديعة الثانية في إبريل2021، قبل أن تسفر مفاوضات بين البلدين في تمديد أجلها. وتمتلك الإمارات 5 ودائع دولارية في المصرف المركزي المصري بقيمة إجمالية تصل إلى 5.6 مليارات دولار، ويحين موعد استحقاق الوديعة الأولى، والتي تبلغ قيمتها مليار دولار، في يوليو. أما فيما يخص باقي الودائع الإماراتية، فسيجرى سدادها على شرائح وأقساط تستحق في إبريل 2023 وأخرى في إبريل 2024، ومايو في كل من 2024 و2025 و2026[13].
وعلي الرغم من أن الودائع الجديدة من كل من السعودية والإمارات وقطر وتأجيل الودائع القديمة لعام واحد من الإمارات والكويت ولخمس سنوات من السعودية قد يسهم في حل أزمة سداد الديون المصرية، ولكنها تعكس من جانب أخر أن فكرة القروض لم تعد مقبولة خليجيًا وأن الودائع بلغت ذروتها، وأن المساندة من الأشقاء أصبحت مدفوعة الأجر، ليست فقط في صورة فوائد على القروض أو الودائع، بل أصبحت في صورة الاستحواذ على أصول سيادية في مقابل الودائع والديون السابقة[14].
– تنويع العملات الأجنبية: مدد البنك المركزي المصري، في مارس 2022، اتفاقية مبادلة العملات مع بنك الشعب الصيني لمدة 3 أعوام بقيمة 20 مليار يوان. بما يوازي 2.8 مليار دولار. وكان المركزي قد وقع، في ديسمبر 2016، اتفاقية مع بنك الشعب الصيني لـ”مبادلة العملات” بقيمة 18 مليار يوان. بما يوازي 2.62 مليار دولار حينها، على أن تكون مدتها 3 أعوام. ويتفق المحللون على أن تلك الاتفاقية تعمل على خفض الطلب على الدولار، خاصة أن حجم التبادل التجاري بين مصر والصين ضخم جدًّا.
واتفاقيات مبادلة العملة هي عملية تبادلية لتداول العملات المحلية الخاصة بالبلدين في عمليات تمويل التجارة والاستثمارات. على أن تكون أسعار تلك العملات محددة مسبقًا لسعر صرف يتفق عليه البلدان. دون استخدام أي عملة أخرى في تقييم سعر صرف العملة. وتدور الفكرة الأساسية لاتفاقية المبادلة على أنها عقد بين شريكين. الأول بنك الشعب الصيني والثاني البنك المركزي المصري. وتنص الاتفاقية على مبادلة كمية معينة من اليوان الصيني مقابل الجنيه بسعر صرف يُحدد ويُنص عليه في الاتفاقية.
وفي حالة مصر هي 3 أعوام. وعلى أساس الاتفاقية يتسلم البنك المركزي المصري كمية اليوان المتفق عليها ثم يقوم بإقراضها إلى البنوك المحلية في مصر مقابل سعر فائدة يتم الاتفاق عليه. على أن يقوم البنك المركزي برد اليوان والحصول على الجنيه الذى قدمه للبنك الصيني. وتتعدد أشكال الاتفاق على أسعار سداد قيمة العملة في وقت الاستحقاق. إذ توجد اتفاقيات تضع أسعارا محددة سلفا لسعر صرف تلك العملات عند ردها في نهاية فترة الاستحقاق. وأخرى تربطها بسعر السوق وقت تنفيذ العملية. فيما يذهب البعض الآخر لتحديدها بناء على معادلة احتساب سعر الفائدة على كل من العملتين لضمان تقليل المخاطر[15].
– بيع أصول الدولة: أعلن رئيس الوزراء المصري، مصطفي مدبولي، في منتصف مايو 2022، أن الدولة تستهدف إتاحة أصول مملوكة للدولة بقيمة 40 مليار دولار للشراكة مع القطاع الخاص المصري أو الأجنبي لمدة 4 سنوات. وفي يونيو 2022، أوضح السيسي خلال لقائه عدداً من الإعلاميين أثناء افتتاح مجمع الإنتاج الحيواني في مدينة السادات، أن حكومته ترغب في تحويل الودائع الخليجية إلى استثمارات في مصر[16]. ولعل إعلان السعودية وقطر ومن قبلهما الإمارات عن صناديق استثمارية كبيرة في مصر يشير بوضوح إلى اتفاقيات مبرمة فعليًا في هذا الاتجاه. وقد تطور الأمر كذلك إلى مناقشة الحكومة المصرية لدول أوروبية (فرنسا وألمانيا) ومع الصين، لمبادلة ديونها المستحقة السداد بأصول مصرية.
وعلي الرغم من أن بيع الأصول لا يلقي أية أعباء على شرائح عريضة من المواطنين، وبأن المشتري سيتمكن بمعاونة القبضة الأمنية رضاءً أو جبرًا من إسكات المتضررين من العمال. ولكن تجدر الإشارة إلى أن آلية التسعير للأصول المباعة وفق سعرها في البورصة لحظة البيع تخطى حدود البخس في الأسعار إلى حالة بيع يشوبها الكثير من الفساد والتفريط، بالإضافة إلى أن اختيار بيع الشركات عالية الربحية يعكس ورطة الاقتصاد التي جعلت المشتري يختار الشركات التي يريد شراءها، وليس الأصول التي تعرضها الحكومة للبيع ولا تجد من يشتريها، حتى ولو كانت تمس الأمن القومي بصورة مباشرة[17].
ناهيك عن أن بيع الأصول يقلل من الفوائض التي كانت تساهم فى موارد الموازنة العامة للدولة، والتي تساعد بتدبير تكلفة الدين المحلي والخارجي، أي أن ذلك البيع يزيد من صعوبة سداد أقساط فوائد الدين[18].
عموما لا يزال خيار بيع الأصول المملوكة للدولة الخيار الأكثر يسرا وسهولة وسرعة للتخفيف من ضغوط فجوة الدولار، ولكنه من المرجح أن تتخطي الخسائر جراء هذا البيع الجوانب المالية إلى جوانب تتعلق بسيادة الدولة واستقلالها السياسي والاقتصادي وأمنها القومي، فتحت ضغط الحاجة والرغبة في تزييف حالة الإفلاس الفعلي الواقع حاليا ستباع أصول استراتيجية شديدة الخطورة على الأمن القومي، وقد بدأ فعليا على سبيل المثال الحديث عن بيع الموانئ، أو ما أشير إليه من باب التضليل بالإدارة والتشغيل من قبل شركات أجنبية أو خليجية، فقط مقابل حق انتفاع، واقتصار طرح الأسهم على المصريين[19].
– تقليل فاتورة الاستيراد: قرر البنك المركزي المصري، في فبراير 2022، وقف التعامل بما يعرف بمستندات التحصيل في دفع قيمة السلع المستوردة، ولجأ لما يسمى الاعتمادات المستندية، وهو القرار الذي تم تطبيقه في مارس 2022. وقد استثنى البنك المركزي من القرار فروع الشركات الأجنبية العاملة في مصر، والشركات التابعة لها، والتي تستورد بضائعها من فروع أخرى خارج البلاد، بالإضافة للبضائع التي بدأ شحنها قبل صدور القرار، والشحنات التي يقل ثمنها عن 5 آلاف دولار.
وتفرض القواعد الجديدة دورًا أكبر للبنوك في عملية الاستيراد، بحيث يكون البنك وسيطا وضامنا للمستورد، بدلا من النظام السابق حيث كان دوره مقتصرا على تحويل الأموال. وكانت مستندات التحصيل الملغاة تسمح للمستوردين بتحويل قيمة بضائعهم للموردين خارج البلاد، بعد تقديم مستندات تطلب سداد مبالغ معينة، يحدد الطرفان قيمتها وموعد تحصيلها. وجرت العادة أن يدفع المستورد قيمة الصفقة التجارية بالكامل للبنك قبل إتمام عملية الاستيراد إذا تعامل عبر الاعتمادات المستندية، على عكس ما كان يحدث عند التعامل بمستندات التحصيل، حيث تسدد قيمة الصفقة على عدة دفعات.
وتهدف الحكومة من خلال تلك الآلية للحفاظ على الموارد المالية للدولة، وربط البعض حينها بين توقيت تطبيق هذا القرار، وبين مخاوف الحكومة من تناقص احتياطها من النقد الأجنبي، وبالتالي تراجع قيمة العملة المحلية[20]. ويبدو أن تلك الألية قد نجحت في الحفاظ علي الموارد المالية للدولة، حيث ارتفع صافي احتياطي النقد الأجنبي لمصر إلى نحو 37.123 مليار دولار بنهاية أبريل 2022، مقابل 37.082 مليار دولار بنهاية مارس 2022، بزيادة قدرها 41 مليون دولار، بحسب بيانات البنك المركزي المصري[21].
وفي المقابل، يقول مستثمرون إن الطريقة الجديدة تحرمهم من تسهيلات كان يقدمها الموردون لهم، مثل التقسيط وتأجيل موعد دفع ثمن البضائع. فضلًا عن أن قليلا من المستوردين من يمكنهم التعامل بالاعتمادات المستندية، حيث أن الشركات الصغيرة والمتوسطة قد تعجز عن الحصول على تسهيلات بنكية تمكنها من التعامل بالمستندات البنكية، وقد تعجز عن توفير كامل قيمة الصفقة بشكل مسبق. كما أن استثناء الشركات الأجنبية من القرار قد يحد من قدرة الشركات المصرية على منافسة نظيرتها الأجنبية، إضافة إلى أنه قد يؤثر على قدرة الشركات المصرية على تصدير منتجاتها للخارج، فكثير منها تعتمد على خامات مستوردة. وهناك توقعات بأن يتسبب الارتباك الذي قد ينتج عن تغيير الإجراءات، في زيادة أسعار بعض السلع بنسبة 20 في المئة.
وربما كانت تلك الاحتجاجات من قبل المستثمرين علي تلك القرارات الحكومية هي السبب خلف قيام البنك المركزي، بعد أيام من إقرار ضوابط الاستيراد الجديدة، باستثناء 14 سلعة، أبرزها الدواء والشاي ولبن الأطفال وبعض المواد الغذائية، وقرر تخفيض عمولات الاعتمادات المستندية في البنوك لتكون مثل عمولات مستندات التحصيل[22].
– خفض إضاءة الشوارع والميادين: وافقت الحكومة المصرية على مشروع قرار لترشيد استهلاك الكهرباء بما في ذلك تخفيض إنارة الشوارع والميادين العمومية، لتقليل كميات الغاز الطبيعي المستخدم في توليد الكهرباء، واستغلال هذه الكميات في التصدير لتوفير النقد الأجنبي. وأوضحت الحكومة -في بيانها حول ترشيد استهلاك الكهرباء- أن الهدف هو “تحقيق فائض إضافي متوسطه نحو 15% من حجم الغاز الطبيعي الذي يُضخ إلى محطات الكهرباء على مدار العام، بغرض تصديره والاستفادة من العملة الصعبة”. وشددت على “تخفيض إنارة الشوارع والميادين العمومية” وعلى رأسها ميدان التحرير الذي بلغت كلفة إضاءته أثناء تطويره قرابة 60 مليون جنيه (نحو 3.13 ملايين دولار)[23].
كذلك فإن توفير كمية الكهرباء المستخدمة في إنارة الشوارع يأتي فس إطار سعي الدولة لتصدير الكهرباء إلي أوروبا. وفي هذا السياق، فقد أعلن المتحدث باسم الرئاسة المصرية بسام راضي، أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ناقش مع رئيس اتحاد شركات «كوبيلوزيس» اليونانية للكهرباء ديميتري كوبيلوزيس نقل الكهرباء لأوروبا. وصرح بأن اللقاء تناول استعراض تنفيذ مشروع مشترك لإنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة في مصر، ونقلها إلى أوروبا عبر اليونان، من خلال إنشاء كابل بحري للربط الكهربائي بين البلدين[24].
ثالثًا: هل من وسائل بديلة لحل أزمة الديون المصرية:
في مقابل هذه الحلول المكلفة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا التي تطرحها الحكومة لحل أزمة سداد الديون المصرية، يقترح محللين بعض الحلول التي تبدو بسيطة ولكنها قد تكون أكثر نجاحًا وأقل تكلفة، ومنها:
1- التوجه لبيع الكماليات المملوكة للمسئولين بدلًا من بيع أصول الدولة، مثل الطائرات الرئاسية وأساطيل الحكومات من السيارات الفارهة. فالدول تبيع الطائرات الخاصة والسيارات الفارهة عندما تواجه أزمة، والأهم أن تتوقف عن شراء أحدث السيارات من الخارج وبناء أفخم أنواع القصور والفنادق وناطحات السحاب والأنهار الصناعية ودور الأوبرا والمنتجعات السياحية حتى لا تستنزف ما بقي من نقد أجنبي يجب أن يخصص لتمويل واردات البلاد من القمح والذرة والأدوية ومدخلات الصناعة والإنتاج.
وفي ظل هذه الأزمة التي تمر بها مصر، فمن الأولي بيع الطائرة الرئاسية الجديدة بوينغ i8-747 التي من المتوقع تسلمها خلال أيام وتبلغ قيمتها نصف مليار دولار، أي ما يقرب من 10 مليارات جنيه. وقد يزيد الرقم مع التعديلات الجاري إدخالها على الطائرة الرئاسة الفخمة ذات الطابقين التي يصفها البعض بأنها واحدة من أغلى الطائرات في العالم، وأنها بمثابة مقر رئاسي، يضم حجرات نوم فارهة، وقاعة مؤتمرات وأخرى للاجتماعات، وصالة رياضية، ومركزاً لإدارة العمليات العسكرية، بعد تزويدها بنظام حماية متقدمة يعمل بالأشعة تحت الحمراء، ضد الصواريخ، وفرته الولايات المتحدة بنحو 104 ملايين دولار[25].
2- اصلاح الملف السياسي، فلا يمكن الفصل بين الملفين، الإصلاح الاقتصادي والسياسي، فحل الأزمة الاقتصادية يتطلب إجراء مصالحة مجتمعية على الفور ودون تأخير أو تلكؤ، مصالحة بين كل القوى السياسية والمدنية، فالمصالحة يعقبها تدفق مزيد من الأموال من المصريين العاملين في الخارج وعودة مليارات الدولارات التي خرجت في السنوات الأخيرة خوفاً من المصادرة أو عدم الاستقرار. تعني أيضًا عودة الاستثمارات الأجنبية الهاربة بعد أن يدرك المستثمر الخارجي أن هناك استقراراً سياسياً حقيقياً في الدولة، وليس استقراراً هشاً أو قائماً على العصا الغليظة فقط. كما تعني المصالحة تعاون جميع أفراد المجتمع في تجاوز الأزمة المالية، فإذا ما تمت مشاركة المواطن في صنع القرار السياسي والاقتصادي فإنه يتحمل أي قرار تقشفي حتى لو كان صعباً ويمس قدرته الشرائية.
حل أزمة مصر الاقتصادية يتطلب أيضاً إصلاحاً برلمانياً، بحيث يتم انتخاب برلمان حقيقي يعبر عن كل المصريين، برلمان يساعد الحكومة ويحاسبها في آن واحد، يحافظ على المال العام ويرشد الإنفاق الحكومي، يغلق ماسورة الفساد التي تتسع يوماً بعد يوم، يشرع القوانين والتشريعات التي تقاوم الفساد والتهرب الضريبي والاحتكارات وسيطرة رأس المال على الحكم، برلمان يراقب أداء الحكومة ويحافظ على أصول الدولة، يراقب أوجه صرف القروض الخارجية وإيرادات الدولة. برلمان يسأل عن جيش المستشارين ومدى حاجة الجهاز الإداري للدولة إليهم، وخاصة أن رواتبهم تتجاوز مليارات الجنيهات، وبعضهم لا يمتلك الخبرة الكافية.
لا احتواء للأزمة الاقتصادية في ظل سيطرة الصوت الواحد على الإعلام، وتحميل العاملين في الإعلام المواطن لا الحكومة مسؤولية أزمات الغلاء والتضخم وضخامة القروض الخارجية، ومعايرة هؤلاء المواطن بأنه سبب أزمات البطالة والفقر والعشوائيات، لأنه “بيخلف كثير” ولا يحدد النسل. ولا حل لتلك الأزمة في ظل إعلام الصوت الواحد الذي يبرر كل قرار يصدر عن السلطة الحاكمة حتى لو كان معيبا وغير مدروس، بل وخطيراً ويمس تراب وحدود الدولة واستقلالية القرار الوطني.
الإعلام في ظل الأنظمة الحرة والديمقراطيات الحقة يسأل ويراقب، ويكشف أوجه الفساد ويسلط الضوء على الأخطاء، يسأل السلطة الحاكمة عن مصير عشرات المليارات من الدولارات التي تم اقتراضها من الخارج خلال السنوات الأخيرة، عن أوجه إنفاق أموال الدولة، ومنها صندوق تحيا مصر والصناديق الخاصة. ليس دور الإعلام تجميل الصورة ونفاق السلطة الحاكمة وتحميل الأزمة الاقتصادية لعامل واحد هو حرب أوكرانيا، نعم الحرب رفعت أسعار الوقود من نفط وغاز وبنزين وسولار، كما رفعت أسعار الحبوب، وكانت للحرب تأثيرات على قطاع السياحة المصري.
لكن في المقابل فإن للأزمة الاقتصادية والمالية التي تعاني منها مصر حالياً أسباباً أخرى بعيدة عن الحرب الدائرة على بعد آلاف الكيلومترات من الأراضي المصرية، منها الإفراط الشديد في الاقتراض الخارجي، وإنفاق مليارات الدولارات على مشروعات لا تمثل أولوية للاقتصاد والمواطن، ولخبطة الأولويات لدى صانع القرار، والتركز في اتخاذ القرار، وتجاهل دراسات الجدوى وغيرها من الأسباب الموضوعية التي يتجاهل ذكرها الإعلام المصري.
حل الأزمة الاقتصادية يتطلب شفافية من قبل أجهزة الدولة، شفافية في كل شيء، بداية من الكشف عن أوجه الصرف على المشروعات القومية الكبرى، مثل العاصمة الإدارية الجديدة والطرق والكباري، ونهاية بالشروط المذلة التي عرضتها الحكومة على صندوق النقد مقابل الحصول على قرض جديد، ومرورا بدور الجهاز المركزي للمحاسبات والأجهزة الرقابية في الرقابة على مؤسسات الدولة والحفاظ على المال العام، ومصير الوفر الذي تحقق من الاكتشافات النفطية والغازية الضخمة في البحر المتوسط[26].
3- تستضيف قطر المونديال الأول لكأس العالم لكرة القدم في الشرق الأوسط في الفترة بين 21 نوفمبر و18 ديسمبر 2022 ويأمل منظّموه في استقبال 1.2 مليون زائر خلال فترة إقامته التي تمتد إلى 28 يومًا. ويطالب خبراء، حاليًا، باستغلال مصر لهذه الفرصة كدولة ترانزيت على خريطة الطيران العالمية عن طريق استغلال قرب المسافة بين القاهرة والعاصمة القطرية “الدوحة” التي تتراوح بين 2.3 و3 ساعات بالطائرة “حسب نوعها”، لتكون مصر نقطة انطلاق للجماهير لحضور مباريات فرقها، والعودة في اليوم ذاته.
بجانب ما تتسم به الوحدات الفندقية المصرية والشاليهات والفيلات الخاصة برخص أسعار الإقامة الكاملة فيها خلال شهري نوفمبر وديسمبر. وهي لا تتجاوز في متوسطها ألفي دولار طوال فترة المونديال “شهر كامل”. خاصة وأن انعقاده يأتي في فصل الشتاء الذي يمثل الموسم الأفضل للسياحة المصرية.
كذلك يسمح اقتراب العملات المصرية من مستوى معظم الدول اللاتينية في رواج مصر كدولة ترانزيت رخيصة. فالجنيه المصري يعادل البيزو المكسيكي تقريبًا (الأخير أعلى من الجنيه بأربعة قروش فقط)، ونحو 7 “بيزو” أرجنتيني، و0.35 بيزو بوليفي، و0.49 سول بيروفي، و0.27 ريال برازيلي.
فضلًا عن وجود خطان للطيران المباشر من شرم الشيخ والإسكندرية إلى قطر. ما يعطي السائح خيارات سهلة للتحرك والمفاضلة بين الأسعار. خاصة وأن برامج الإقامة الكاملة 4 أيام (3 وجبات يوميًا) في فنادق مصر لا تزيد أسعارها عن 70 دولارًا. وهي أرخص بكثير من ليلة واحدة بفندق قطري[27].
[1] “قشة الإنقاذ الأخيرة.. هرولة مصرية للحصول على قرض صندوق النقد”، نون بوست، 4/9/2022، الرابط:
[2] BLOOMBERG, “Goldman’s $15 Billion View of Egypt IMF Needs Too High for Maait”, August 1, 2022, accessed on 17/2/2022, at: https://bloom.bg/3d1bSl2
[3] ” جحيم «الصندوق» أو الغرق في بحر الديون”، مدي مصر، 25/7/2022، الرابط:
[4] ” أسباب تزايد مخاطر تخلف مصر عن سداد ديونها الخارجية”، الجزيرة نت، 5/9/2022، الرابط:
[5] ““مصر من أفضل دول العالم في عجز الموازنة”.. وزير المالية المصري لا يكذب ولكنه “يتجمّل”!”، عربي بوست، 6/9/2022، الرابط:
[6] “أزمة التزامات مصر من النقد الأجنبي – الأبعاد والمالات”، المعهد المصري للدراسات، 31/8/2022، الرابط:
[7] “الاقتصاد المصري في لحظته الحرجة”، العربي الجديد، 26/8/2022، الرابط:
[8] ” أسباب تزايد مخاطر تخلف مصر عن سداد ديونها الخارجية”، مرجع سابق.
[9] “أزمة التزامات مصر من النقد الأجنبي – الأبعاد والمالات”، مرجع سابق.
[10] “تسريع بيع الأصول.. هل تستطيع مصر سداد 30 مليار دولار التزامات خارجية خلال 6 أشهر؟”، العربي الجديد، 22/8/2022، الرابط:
[11] “أزمة التزامات مصر من النقد الأجنبي – الأبعاد والمالات”، مرجع سابق.
[12] “تنفيذًا لتوجيهات الملك سلمان.. السعودية تودع 5 مليارات دولار لدى البنك المركزي المصري”، سي إن إن عربية، 30/3/2022، الرابط: https://cnn.it/3cPL2fD
[13] ” لأول مرة مصر غير قادرة على سداد أقساط الديون.. السيسي يستنجد بالغرب والخليج”، أخبار الغد، 25/7/2022، الرابط:
[14] “أزمة التزامات مصر من النقد الأجنبي – الأبعاد والمالات”، مرجع سابق.
[15] ” بعد تمديد “مبادلة العملات” بين مصر والصين 3 أعوام.. من ربح أكثر؟”، مصر 360، 8/9/2022، الرابط: https://bit.ly/3TVF9Oo
[16] ” لأول مرة مصر غير قادرة على سداد أقساط الديون.. السيسي يستنجد بالغرب والخليج”، مرجع سابق.
[17] “أزمة التزامات مصر من النقد الأجنبي – الأبعاد والمالات”، مرجع سابق.
[18] ” أسباب تزايد مخاطر تخلف مصر عن سداد ديونها الخارجية”، مرجع سابق.
[19] “أزمة التزامات مصر من النقد الأجنبي – الأبعاد والمالات”، مرجع سابق.
[20] ” قواعد الاستيراد الجديدة في مصر: ما هي، ولماذا تثير مخاوف؟”، بي بي سي عربي، 22/2/2022، الرابط: https://bbc.in/3AU45NS
[21] “الحكومة المصرية تعد بحل أزمة صعوبة استيراد مستلزمات الإنتاج.. ومصنعون يقدمون مقترحات”، سي إن إن عربية، 10/5/2022، الرابط: https://cnn.it/3RzRE0i
[22] ” قواعد الاستيراد الجديدة في مصر: ما هي، ولماذا تثير مخاوف؟”، مرجع سابق.
[23] “مصر تخفض إنارة شوارعها وميادينها لزيادة احتياطها من النقد الأجنبي”، الجزيرة مباشر، 28/8/2022، الرابط: https://bit.ly/3Bjzn1Q
[24] “السيسي يبحث نقل الكهرباء إلى أوروبا «لتأمين النقد الأجنبي»”، الأخبار، 1/9/2022، الرابط: https://bit.ly/3RELSKK
[25] “هل تبيع مصر الطائرة الرئاسية الجديدة؟”، العربي الجديد، 31/8/2022، الرابط: https://bit.ly/3KXSIZU
[26] ” عن الأزمة الاقتصادية وحتمية الاصلاح السياسي في مصر”، العربي الجديد، 7/9/2022، الرابط: https://bit.ly/3qgRIGz
[27] ” كيف تقدم مصر نفسها كدولة ترانزيت في مونديال قطر؟”، مصر 360، 7/9/2022، الرابط: https://bit.ly/3KVsFm3