وصل عبد الفتاح السيسي، في 13 سبتمبر 2022، إلى العاصمة القطرية الدوحة، في أول زيارة رسمية له، ستستمر ليومين، بدعوة من أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وقد أفاد المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، بسام راضي، بأن الزيارة تأتي “تتويجاً للمباحثات المكثفة المتبادلة خلال الفترة الأخيرة بين البلدين، بهدف تعزيز أطر التعاون الثنائي المشترك على جميع الأصعدة”. وتأتي الزيارة بعد ثلاثة أشهر من زيارة أجراها الشيخ تميم للقاهرة، في يونيو الماضي، واستمرت يومين، بحث خلالها مع السيسي تطوير العلاقات وعدداً من القضايا ذات الاهتمام المشترك. وكان أمير قطر قد وجه دعوة رسمية للسيسي، في مايو من العام الماضي، وذلك في سياق إعادة العلاقات إلى ما كانت عليه قبل 2013[1].
أولًا: سياق الزيارة ودوافعها:
بعد تدهور العلاقات بين مصر وقطر بشكل حاد في أعقاب إطاحة الرئيس المصري السابق محمد مرسي في يوليو 2013 بانقلاب عسكري قاده السيسي، ومع اتهام مصر للإعلام القطري (قناة الجزيرة علي وجه الخصوص) بزيادة هجومه على النظام الجديد في مصر، فقد سحبت القاهرة سفيرها لدى الدوحة في مارس من عام 2014؛ احتجاجًا على ما اعتبرته “تدخلًا قطريًا في الشأن الداخلي المصري”، بعدما انتقدت قطر آنذاك تصنيف السلطات المصرية جماعة الإخوان المسلمين “جماعة إرهابية”. ولتقوم قطر هي الأخري في عام 2015 بسحب سفيرها لدى القاهرة للتشاور بعدما اتهم مندوب مصر لدى الجامعة العربية دولة قطر بدعم الإرهاب.[2]
ولتثور بعد ذلك قضية “التخابر مع قطر”، في 19 يونيو 2016، عندما أصدرت محكمة جنايات القاهرة أحكامًا بالإعدام والسجن المؤبد والغرامة المالية موزعة على المتهمين في القضية المعروفة إعلاميًا باسم “التخابر مع قطر”، وعددهم 11 شخصًا في مقدمتهم الرئيس الراحل محمد مرسي.
وشهدت الأحكام الصادرة في قضية التخابر ستة إعدامات و240 سنة سجنًا بحق 11 متهمًا كانوا يواجهون عشرة اتهامات، وثمانية أحكام بالبراءة على أشخاص تمت إدانتهم وأُصدرت بحقهم أحكام إما بالإعدام أو بالسجن المؤبد أو بالسجن والغرامة[3].
فيما قضت محكمة النقض في مصر في سبتمبر 2017 بتأييد أحكام بإعدام ثلاثة متهمين في قضية «التخابر مع قطر»، وأيدت «النقض» حكمًا سابقًا بحبس مرسي بالسجن المؤبد (25 عامًا) في «التخابر مع قطر»، وطالبت المحكمة، التي تصدر أحكامًا نهائية باتة، النائب العام باتخاذ الخطوات القانونية بالتحقيق والتصرف في الأفعال المنسوبة لرئيس الوزراء القطري السابق، حمد بن جاسم، تغطية قناة الجزيرة التابعة لحكومته للشأن المصري؛ فضلًا عن «التصرف في وثائق دولة أجنبية، والمساس بالأمن القومي المصري، والإضرار بمصلحة البلاد القومية، وبمركزها الحربي، والسياسي، والدبلوماسي، والاقتصادي، وإعطاء مبالغ مالية كرشوة بقصد ارتكاب عمل ضار بالمصلحة القومية للبلاد»[4].
وقد وصل الخلاف بين قطر ومصر إلى قمته حين قطعت الأخيرة العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل منتصف عام 2017.
وهو الإجراء نفسه الذي اتخذته الإمارات والسعودية والبحرين. كما أغلقت الأجواء البرية والبحرية والجوية أمام قطر. وقدمت الدول الأربع إلى قطر 13 مطلبا شروطا لإنهاء الحصار.
وشملت المطالب إغلاق قناة الجزيرة وغيرها من المنافذ الإخبارية التي تمولها قطر، وخفض العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وإغلاق قاعدة عسكرية تركية في قطر، وإنهاء “التدخل” في شؤون الدول الأخرى. ورفضت قطر وقالت إنها لن توافق على “التنازل” عن سيادتها وإن “الحصار” من قبل جيرانها ينتهك القانون الدولي.
وبعد وساطات، كان أبرزها من دولة الكويت، انعقدت في محافظة العلا بالسعودية، في 5 يناير 2021 أعمال القمة الخليجية الحادية والأربعين بحضور أمير قطر، الذي استقبله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعناق حار، وشارك عن الجانب المصري وزير الخارجية سامح شكري، لتطوي قمة العلا خلافات الماضي وتنهي المقاطعة.[5] ومنذ قمة العلا، فقد أخذت العلاقات بين البلدين في التحسن، سواء علي المستوي السياسي أو الاقتصادي.
فعلي المستوي السياسي؛ فقد أعلنت الخارجية المصرية في نفس الشهر الذي انعقدت فيه قمة العلا -يناير 2021- عن تبادل مذكرتين رسميتين بين القاهرة والدوحة، اتفقت بموجبها الدولتان على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وهو ما تم تأكيده عبر تعيين القاهرة في يونيو 2021 السفير عمرو كمال الدين الشربيني سفيرًا فوق العادة مفوضًا لدى حكومة قطر، وتعيين الدوحة في سبتمبر من نفس العام السفير سالم بن مبارك آل شافي سفيرًا فوق العادة مفوضًا لدى الحكومة المصرية، وهو تبادل دبلوماسي له دلالاته؛ بالنظر إلى ان “السفير فوق العادة”، هي المرتبة الأعلى في مراتب التمثيل الدبلوماسي بين الدول، وتعكس إيجابية العلاقات بين الجانبين.
بعد إعادة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وقطر، تواصل الجانبان بشكل مكثف على عدة مستويات؛ فعلى المستوى الرئاسي، تبادل عبد الفتاح السيسي وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد عدة اتصالات هاتفية، بدأها الشيخ تميم في أبريل 2021 لتهنئة السيسي بحلول شهر رمضان، وكان آخرها اتصال أجراه الشيخ تميم أغسطس الماضي بالسيسي تباحث فيه كلا الطرفين حول الشأن الإقليمي والدولي.
والتقى كل من السيسي والشيخ تميم بشكل مباشر للمرة الأولى بعد قمة العلا، خلال قمة التعاون والشراكة، التي انعقدت في العاصمة العراقية في أغسطس 2021. تتالت منذ ذلك التوقيت اللقاءات بينهما، بداية من اللقاء الذي جمعهما في جلاسكو خلال قمة تغير المناخ في نوفمبر الماضي، مرورًا بلقاء آخر خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي انعقدت في فبراير الماضي في الصين. ذلك وصولًا إلى زيارة الأمير تميم إلى القاهرة في يونيو الماضي تلبية لدعوة من الرئاسة المصرية.
وهي زيارة كانت لها دلالات مهمة في سياق العلاقات بين الجانبين؛ إذ كانت الأولى للأمير تميم إلى مصر منذ عام 2015، حين شاركت قطر في أعمال القمة العربية في مدينة شرم الشيخ.
على المستويات الحكومية، استضافت القاهرة في مايو 2021 وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني سلم فيها السفير القطري دعوة موجهة السيسي لزيارة قطر.
ردت القاهرة على هذه الزيارة عبر إرسال وزير خارجيتها سامح شكري إلى الدوحة في الشهر التالي لزيارة وزير الخارجية القطري -يونيو- وهي الزيارة الأولى لوزير خارجية مصري إلى الدوحة منذ عام 2013.
وقد استقبلت القاهرة وزير الخارجية القطري مرة أخرى في مارس الماضي، يرافقه علي بن أحمد الكواري وزير المالية القطري، وعبد الله الخليفي رئيس جهاز أمن الدولة القطري، وقد أعلن الوزير سامح شكري خلال فعاليات هذه الزيارة عن تشكيل لجنة مشتركة مصرية – قطرية برئاستهما؛ لبحث سبل تعزيز العلاقات بين البلدين تشمل كافة الموضوعات الخاصة بالتعاون بينهما.
المناخ الإيجابي في العلاقة بين الجانبين شمل كذلك مبادرات تظهر من خلالها رغبة القاهرة والدوحة الواضحة في تصعيد مستوى التعاون بينهما بشكل آني وإيجابي، منها مثلًا احتفال مصر باليوم الوطني لقطر في ديسمبر الماضي عبر إضاءة برج القاهرة بالعلم القطري، وتوجيه الدعوة لقائد القوات البحرية القطرية اللواء عبد الله بن حسن السليطي لحضور حفل افتتاح قاعدة 23 يوليو البحرية، وكذا الاستئناف الكامل للرحلات الجوية بين الجانبين منذ منتصف يناير 2021.[6]
وعلى المستوى الاقتصادي؛ ففي البداية يجب التأكيد علي أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين لم تعرف القطيعة؛ فللدولتين مصالح مشتركة تجمعهما بغض النظر عن الخلافات السياسية، حيث أن العلاقات بين البلدين ترتكز على أسس راسخة؛ فوفقًا لتصريحات وزارة الصناعة والتجارة المصرية توجد شراكات بين الدولتين بحوالي 4500 شركة مصرية وقطرية، والتي يأتي على رأسها استثمارات قطر في قطاع البنوك (بنك قطر الوطني الأهلي مصر) والعقارات (شَرِكَة ديار العقارية)، وفندق “سانت ريجيس”[7]. فضلًا عن وجود نحو 350 ألف مصري في قطر، يرسلون مئات ملايين الدولارات في شكل تحويلات مالية إلى بلادهم سنويًا[8].
هذا بجانب التعاون المتصاعد بين مصر وقطر في مجال الغاز، وربما يكون هذا التعاون من أهم دوافع المصالحة بينهما، حيث تتلاقى اهتمامات قطر باعتبارها أكبر مصدر للغاز المسال في العالم مع الجهود المصرية لترسيخ مكانتها كمركز إقليمي لتداول الطاقة في المنطقة.
وعليه، تنامى الاهتمام القطري بالاستثمار في قطاع الطاقة بمصر، وهو ما يمكن الاستدلال عليه عبر توقيع شركة قطر للطاقة اتفاقية مع شركة “شل”، حصلت الأولى بموجبها على حصة 17% في كل من الامتيازين (بلوك 3 وبلوك 4) المدارين من جانب شركة شل في منطقة البحر الأحمر، وفي مارس 2022، حصلت الشركة القطرية أيضًا على حصة 40% في منطقة استكشاف تتم إدارتها من قبل شركة “إكسون موبيل” بالبحر المتوسط[9]. يأتي ذلك إلي جانب مساهمة قطر للطاقة عبر شركة التكرير العربية باستثمارات في مشروع مصفاة الشركة المصرية للتكرير[10].
وبرغم عدم تأثير حالة الخلاف السياسي بين البلدين علي انقطاع تلك العلاقات الاقتصادية بينهما، إلا أن عودة الوفاق السياسي يمثل دافعًا رئيسًا لأن تشهد تلك العلاقات نموًا مطردًا، وزيادة الاستثمارات بين البلدين. ففي مارس الماضي، تم خلال زيارة وزير الخارجية القطري إلى القاهرة الإعلان عن الاتفاق على مجموعة من الاستثمارات والشراكات القطرية في مصر، بإجمالي 5 مليارات دولار[11].
وفي ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعيشها مصر حاليًا؛ علي خلفية أزمتي كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، وفي ظل هروب نحو 22 مليار دولار من الأموال الساخنة من مصر خلال الربع الأول من العام الجاري (2022)، وهبوط الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي المصري وتفاقم أزمة العملة[12]، وتزايد حجم الديون (فمصر صاحبة أكبر قيمة من الدين العام (الديون الخارجية + الديون الداخلية)، إذ بلغ نحو 409.5 مليار دولار، بما يعادل 94% من إجمالي الناتج المحلي، هذا بدون تكاليف خدمة الديون أي الفوائد التي تزيد كل سنة، والتكاليف الإضافية لارتفاع قيمة الدولار مقابل العملة المحلية)[13]. وعجز النظام عن سداد قروض بأكثر من 30 مليار دولار بحلول نهاية 2022، وفي ظل تعقد المفاوضات بين مصر و«صندوق النقد الدولي» على خلفية رفض الأخير منح موافقته على إقراض الأولى ما بين 10 و12 مليار دولار[14].
فقد دفع كل ذلك، الحكومة المصرية لإطلاق وثيقة سياسة ملكيتها والتي حددت أهدافًا تتعلق بجذب استثمارات أجنبية بحوالي 10 مليارات دولار سنويًا ولمدة أربع سنوات بإجمالي قيم 40 مليار دولار، وزيادة حجم القطاع الخاص في الاقتصاد المصري ليصل إلى نسبة 65% خلال الخمس سنوات القادمة، والاستعداد لطرح شركات مملوكة للحكومة في البورصة[15].
وقد نتج عن هذا القرار الحكومي سباق بين الصناديق الخليجية على شراء شركات مصرية بأسعار رخيصة أو على الأقل مميزة مقارنة بإيراداتها وتدفقاتها النقدية وحجم أصولها.
والمحصلة حتى الآن تشير إلى أن الصندوقين السياديين السعودي والإماراتي اشتريا أصولاً مصرية تجاوزت قيمتها 3.3 مليارات دولار خلال الفترة الماضية.
فقد اشترى صندوق أبوظبي السيادي حصصاً مملوكة للدولة في خمس شركات مدرجة في البورصة بقيمة إجمالية بلغت 1.8 مليار دولار في شهر إبريل الماضي. واستحوذ الصندوق الإماراتي على 20% من أسهم شركة موبكو، و21.5% في أبو قير للأسمدة، و32% في الإسكندرية لتداول الحاويات، كما اشترى حصصاً رئيسية في مؤسستين عملاقتين، هما البنك التجاري الدولي CIB- مصر (17.5%) وشركة فوري للمدفوعات الإليكترونية (11.8%).
ودخل الصندوق السيادي السعودي السباق، إذ استحوذ على حصص رئيسية في أسهم أربع شركات مصرية كبرى مقابل 1.3 مليار دولار. كما يتفاوض الصندوق أيضاً لشراء المصرف المتحد، وهو بنك تابع للبنك المركزي المصري، كما يتفاوض لشراء أصول أخرى، منها ثلاث صفقات استحواذ كبيرة، في مقدمتها شراء نحو 25% من أسهم شركة مصر للألومنيوم، وشراء حصة كبيرة من أسهم الشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي.
الاستثمارات السعودية المتدفقة على أصول مصر تأتي ضمن 10 مليارات دولار تعهد الصندوق التابع لحكومة المملكة بضخها في مصر كجزء من الدعم للاقتصاد المحلي، وتوفير السيولة الدولارية التي تمكن الدولة من سداد أعباء الديون الخارجية وشراء الأغذية والوقود ودعم الاحتياطي الأجنبي[16].
أما جهاز قطر للاستثمار، الصندوق السيادي القطري، فيجري الحديث حاليًا حول عدد من الصفقات المزمع إنشاؤها بين جهاز قطر للاستثمار ووزارة قطاع الأعمال المصرية، والتي تستهدف النظر في شراء حصص حكومية بعدد من الشركات المصرية، يدور معظمها في نطاق 10 – 20% من أسهم تلك الشركات. ومن بين تلك الشركات؛ شركة الشرقية للدخان، وشركة مصر لإنتاج الأسمدة – موبكو، وشركة الإسكندرية لتداول الحاويات، و شركة فودافون مصر المملوكة لشركة المصرية للاتصالات[17].
وتلك الشركات ستكون ضمن برنامج الطروحات الحكومية المقررة قبل منتصف الشهر المقبل (أكتوبر)، والتي تتراوح قيمتها ما بين 2.5 و3 مليارات دولار، من أصل طروحات بـ 6 مليارات دولار ستتمّ قبل نهاية العام الحالي[18].
كذلك، فقد دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي الأشقاء العرب إلى تحويل ودائعهم لدى البنك المركزي المصري إلى استثمارات[19].
وقد أعلن البنك المركزي في نهاية أغسطس الماضي حصول مصر على ثلاثة مليارات دولار من قطر، في شكل ودائع قصيرة الأجل، إلى جانب ودائع بقيمة عشرة مليارات دولار أخرى من السعودية والإمارات معًا، خلال الربع الأول من العام الجاري، غير أن البنك المركزي لم يوضح في تقريره «الوضع الخارجي للاقتصاد المصري» موعد سداد مصر لتلك الودائع[20].
وفي هذا السياق، فقد نقلت صحيفة “الأخبار” عن مصادرها، أن محادثات السيسي مع الدوحة ستتطرق إلي إمكانية إيداع الدوحة وديعة جديدة لدى المصرف المركزي المصري، ترغب القاهرة في الحصول عليها من دون فوائد أو بفائدة محدودة، على غرار الودائع السعودية والإماراتية التي باتت تشكل أكثر من نصف الاحتياطي النقدي.
وإن كان هناك إشكالية مرتبطة بسعر الصرف الذي سيتم على أساسه تنفيذ هذه الودائع، وخاصة مع تخفيض مرتقب في قيمة الجنيه خلال الأيام المقبلة، وهو الأمر الذي بات يشكل مصدر إزعاج للصناديق الخليجية بشكل عام، وليس القطرية فقط، بسبب مخاوف الخسارة من ضخ أموال بسعر صرف سيتعرض للتخفيض قريباً، على رغم أن الحكومة المصرية تقدّم حوافز إضافية وتطمينات إلى الخليجيين بتعويضهم عن أيّ خسارة من هذا النوع[21].
أيضًا، يمكن القول أن زيارة السيسي إلي قطر تأتي بهدف التنسيق بين البلدين حول انضمامهما إلي منظمة شنجهاي للتعاون[22].
فبالتزامن مع زيارة السيسي لقطر، فقد أصدرت وزارة الخارجية الأوزبكية، بيانًا، في 14 سبتمبر، أكدت فيه علي أنه “في إطار الاستعدادات لقمة منظمة شنجهاي للتعاون، أقيم حفل توقيع مذكرات تفاهم بشأن منح جمهورية مصر العربية ودولة قطر صفة الشريك في حوار منظمة شنجهاي للتعاون”[23].
ويأتي التنسيق بين البلدين بشأن انضمامهما لمنظمة شنجهاي للتعاون، خاصة وأن انضمامهما لهذه المنظمة قد يثير غضب واشنطن التي تكافح من أجل تحجيم النفوذ الروسي والصيني. وربما يكون القرار الأمريكي، في 14 سبتمبر الجاري، بحجب 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية عن مصر، غير بعيد عن ذلك، رغم أن قرار الحجب جاء متعللًا بفشل مصر في الوفاء بشروط حقوق الإنسان[24].
ثانيًا: نتائج الزيارة وتداعياتها:
أسفرت زيارة السيسي إلي قطر عن مجموعة من النتائج الإيجابية في العلاقات بين البلدين، والتي تمثلت في:
1- ضخ مزيد من الاستثمارات القطرية في مصر، ما يساعد الأخيرة في حل أزمتها الاقتصادية الراهنة. فخلال الزيارة، تم توقيع مذكرة تفاهم بين جهاز قطر للاستثمار وصندوق مصر السيادي للاستثمارات والتنمية، ومذكرة تفاهم في مجال الشئون الاجتماعية بين وزارة التضامن الاجتماعي ووزارة التنمية الاجتماعية القطرية، ومذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال الموانئ بين مصر وقطر[25].
2- حدوث إنفراجة في ملف صحفي الجزيرة المحبوسين في السجون المصرية.
فقد قررت نيابة أمن الدولة، في 13 سبتمبر، إخلاء سبيل الصحفي بقناة «الجزيرة»، أحمد النجدي أبو العلا إبراهيم، المحبوس احتياطيًا على ذمة القضية رقم 864 لسنة 2020. وسبق وقررت النيابة نفسها إخلاء سبيل الصحفي بقناة «الجزيرة» محمود حسين، في فبراير 2021 بعد أيام من توقيع مصر إلى جانب السعودية والإمارات بيان العلا للمصلحة مع قطر. وبذلك يتبقي ثلاثة صحفيين بقناة “الجزيرة” محبوسين احتياطيًا في مصر وهم: ربيع الشيخ، وهشام عبد العزيز، وبهاء الدين إبراهيم[26].
3- تحييد ملف الإخوان المسلمين من التأثير سلبًيا علي العلاقة بين الدولتين.
فقد كانت العلاقات متوترة بشكل خاص بين قطر ومصر، على خلفية هذا الملف، بعد إزاحة الجيش المصري للجماعة من السلطة في 2013، وأسقاط الرئيس المنتخب الراحل “محمد مرسي”، حيث اتهمت القاهرة الدوحة باحتضان قيادات وأفراد جماعة الإخوان، والتآمر على الأمن القومي المصري.
كما كان ملف دعم قطر للإخوان أحد الاتهامات التي وجههتها كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر للدوحة، إبان الأزمة الخليجية التي اندلعت في يونيو 2017، بعدما أعلنت تلك الدول مقاطعة قطر وحصارها[27].
وفي حين تصنف مصر الجماعة على قوائم الإرهاب، ولطالما طالبت قطر وتركيا بتسليم قياداتها، لكن الأخيرتين تعتبران الجماعة حليفةً لهما على مدار السنين الماضية، ما شكل نقطة خلاف رئيسية في العلاقات لمصر مع هاتين الدولتين[28].
ولكن يبدو أن قطر أصبحت تعمل علي تحييد ملف جماعة الإخوان في علاقتها مع القاهرة، وهو ما يمكن تلمسه مع مغادرة قيادات وأفراد من جماعة الإخوان الأراضي القطرية، بعد أحداث 2013 في مصر بسنوات قليلة، رغم عدم إقامتهم فيها بشكل دائم، في تحرك قرئ على أنه محاولة من الدوحة لعدم تحويل هذا الملف إلى نقطة انطلاق لخصومها آنذاك، ضدها.
ومؤخرًا، فقد أكد أمير قطر، الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني” إنه لا علاقة لبلاده مع جماعة الإخوان المسلمين، مشددا على أن قطر لا تتعامل مع أحزاب سياسية أو تنظيمات ولكن مع دول وحكومات. وأكد الأمير “تميم”، خلال حوار مطول مع مجلة “لو بوان” الفرنسية، في 14 سبتمبر الحالي، أنه “ليس هناك أي أعضاء نشطاء من جماعة الإخوان المسلمين أو أية جماعات متصلة بها على الأراضي القطرية”.
وأضاف “بن حمد”: “قطر دولة منفتحة، ويمر عليها عدد كبير من الأشخاص من أصحاب الآراء والأفكار المختلفة”، مشددا على أن بلاده “دولة وليست حزباً”، وتتعامل مع الدول وحكوماتها الشرعية، وليس مع المنظمات السياسية[29].
4- تعزيز حالة التقارب في الرؤي والتعاون الثنائي فيما يتعلق بالملفات الاقليمية.
فهناك تقارب بين القاهرة والدوحة بشكل واضح فيما يتعلق بجهودهما لتقليل معاناة سكان قطاع غزة، وهي جهود كانت خلال أعوام خلت تتم بشكل منفصل وبدون تنسيق أو تواصل، لكن خلال التصعيد الإسرائيلي ضد قطاع غزة في مايو 2021، شهد الملف الفلسطيني خلال تلك الأزمة، عملًا مصريًا قطريًا مشتركًا، وهو ما أسهم في إنجاح جهود الوساطة التي تولتها مصر بين الفصائل الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية.
على الجانب الإنساني، تواصلت الدوحة مع القاهرة للمشاركة في جهود إعادة إعمار القطاع، وأعلن وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية، سلطان بن سعد المريخي، خلال مشاركته في اللقاء الوزاري للجنة الاتصال المخصصة لتنسيق المساعدات الدولية للشعب الفلسطيني، والذي عقد في نوفمبر الماضي بالعاصمة النرويجية أوسلو، عن توقيع قطر اتفاقيات مع القاهرة لتوريد الوقود ومواد البناء الأساسية لصالح قطاع غزة.
كذلك فهناك بوادر تعاون بين مصر وقطر فيما يتعلق بالأزمة الليبية، فقد استضافت الدوحة منذ بداية الشهر الجاري (سبتمبر) كلًا من رئيس حكومة طرابلس عبد الحميد الدبيبة، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وتتسم زيارة المستشار صالح إلى الدوحة بأهمية خاصة؛ نظرًا إلى أنها الأولى من نوعها لمسؤول ليبي من المنطقة الشرقية إلى قطر منذ عام 2012، ما يؤشر إلى تغير أساسي في موقف قطر من مكونات شرق ليبيا[30].
ومن المتوقع أن يطلب السيسي من أمير قطر دعم حكومة فتحي باشاغا، أو الدفع نحو حل وسط يضمن الإسراع في التوجه إلي حكومة تصريف أعمال بديلة عن حكومتي باشاغا والدبيبة. كما سيَطلب السيسي من تميم استثمار علاقته مع تركيا من أجل العمل على إنهاء الدعم العسكري والمالي المقدم إلى حكومة الدبيبة[31].
وعلى صعيد الرؤى المتعلقة بالأزمة السودانية، فلا تبتعد الرؤى المصرية القطرية كثيرًا، حيث يتفق البلدين على دعم المؤسسة العسكرية بقيادة عبدالفتاح البرهان، فيما فضلت أبوظبي على سبيل المثال دعم قائد قوات الدعم السريع حمدان دقلو الشهيربحميدتي[32].
هذا بجانب تبني قطر موقفًا إيجابيًا وداعمًا لمصر والسودان في قضية سد النهضة، حيث أكدت الدوحة في أكثر من مناسبة على رفضها لأي إجراءات أحادية من شأنها تهديد الأمن المائي للبلدين، بل إنها تبنت بعض التحركات التي سعت من خلالها إلى لعب دور الوسيط وإيجاد حل تفاوضي بين أطراف الأزمة[33].
[1] ” السيسي يصل الدوحة وأمير قطر في مقدمة مستقبليه”، الخليج أونلاين، 13/9/2022، الرابط: https://bit.ly/3xrDPt5
[2] ” زيارة السيسي إلى الدوحة.. دلالات التوقيت وملفات التقارب”، مصر 360، 13/9/2022، الرابط: https://bit.ly/3BFDgyo
[3] ” بعد زيارة السيسي.. ناشطون: ماذا عن معتقلي “التخابر مع قطر”؟”، عربي21، 14/9/2022، الرابط: https://bit.ly/3DxAIn8
[4] “السيسي يبدأ زيارته الأولى إلى قطر”، مدي مصر، 13/9/2022، الرابط: https://bit.ly/3RChoJP
[5] “زيارة السيسي إلى الدوحة.. دلالات التوقيت وملفات التقارب”، مرجع سابق.
[6] “القاهرة والدوحة.. آفاق جديدة للتعاون السياسي والدبلوماسي”، المرصد المصري، 13/9/2022، الرابط: https://bit.ly/3ePERZk
[7] “جهود مثمرة: تعظيم العوائد الاقتصادية للعلاقات المصرية القطرية”، المرصد المصري، 13/9/2022، الرابط: https://bit.ly/3BF5TeZ
[8] ” السيسي في الدوحة.. صافي يا لبن؟”، نون بوست، 13/9/2022، الرابط: https://bit.ly/3qAIlld
[9] “مصر وقطر.. خطوات جادة على طريق التقارب”، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 27/6/2022، الرابط: https://bit.ly/3y22dRo
[10] “جهود مثمرة: تعظيم العوائد الاقتصادية للعلاقات المصرية القطرية”، مرجع سابق.
[11] “القاهرة والدوحة.. آفاق جديدة للتعاون السياسي والدبلوماسي”، مرجع سابق.
[12] ” ماذا يتبقى من أصول مصر بعد صفقات الخليج؟”، العربي الجديد، 13/9/2022، الرابط: https://bit.ly/3RIl0tH
[13] ” شاهد | ما هي أعلى دولة عربية في حجم الديون الخارجية؟”، ميدان، 10/8/2022، الرابط: https://bit.ly/3dlsZOm
[14] ” «النقد الدولي» يخيّب مصر: لا قرض جديداً”، الأخبار، 10/9/2022، الرابط: https://bit.ly/3BHUdII
[15] “جهود مثمرة: تعظيم العوائد الاقتصادية للعلاقات المصرية القطرية”، مرجع سابق.
[16] ” ماذا يتبقى من أصول مصر بعد صفقات الخليج؟”، مرج سابق.
[17] “جهود مثمرة: تعظيم العوائد الاقتصادية للعلاقات المصرية القطرية”، مرجع سابق.
[18] ” السيسي في قطر: «الفلوس» أولاً”، الأخبار، 13/9/2022، الرابط: https://bit.ly/3BD8fey
[19] “زيارة السيسي إلى الدوحة.. دلالات التوقيت وملفات التقارب”، مرجع سابق.
[20] “السيسي يبدأ زيارته الأولى إلى قطر”، مرجع سابق.
[21] ” السيسي في قطر: «الفلوس» أولاً”، مرجع سابق.
[22] وهي منظمة دولية تأسست عام 2001، وتشارك فيها الهند وكازاخستان والصين وقيرغيزستان وروسيا وطاجيكستان وباكستان وأوزبكستان. والدول المراقبة أفغانستان، وبيلاروسيا، وإيران ومنغوليا، والدول الشريكة أذربيجان، وأرمينيا، وكمبوديا، ونيبال، وتركيا وسريلانكا.
[23] ” قطر ومصر تحصلان على صفة “شريك حوار” في منظمة شنجهاي للتعاون”، الخليج الجديد، 14/9/2022، الرابط: https://bit.ly/3RZIM4g
[24] ” أمريكا تقرر حجب 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية عن مصر.. واشنطن علّلت قرارها”، عربي بوست، 14/9/2022، الرابط: https://bit.ly/3Dxtekp
[25] ” الرئيس السيسي وأمير قطر يعقدان جلسة مباحثات ويشهدان توقيع مذكرة تفاهم بين صندوق مصر السيادي وجهاز قطر للاستثمارات”، المرصد المصري، 14/9/2022، الرابط: https://bit.ly/3DqCGpw
[26] “بالتزامن مع زيارة السيسي إلى قطر.. إخلاء سبيل صحفي «الجزيرة»”، مدي مصر، 14/9/2022، الرابط: https://bit.ly/3Uf6M5e
[27] ” أمير قطر: لا علاقة لنا بالإخوان ومنفتحون أمام أصحاب الأفكار المختلفة”، الخليج الجديد، 14/9/2022، الرابط: https://bit.ly/3LeQANs
[28] “السيسي في الدوحة.. صافي يا لبن؟”، مرجع سابق.
[29] ” أمير قطر: لا علاقة لنا بالإخوان ومنفتحون أمام أصحاب الأفكار المختلفة”، مرجع سابق.
[30] “القاهرة والدوحة.. آفاق جديدة للتعاون السياسي والدبلوماسي”، مرجع سابق.
[31] ” السيسي في قطر: «الفلوس» أولاً”، مرجع سابق.
[32] “زيارة السيسي إلى الدوحة.. دلالات التوقيت وملفات التقارب”، مرجع سابق.
[33] “حقبة جديدة: ما الذي تعبر عنه زيارة الرئيس السيسي إلى قطر؟”، المرصد المصري، 13/9/2022، الرابط: https://bit.ly/3U8zHI6