قبل زيارة السيسي لقطر؛ تداولت أخبار عن صدور عفو رئاسي عن متمرد تشادي يُدعى توم أرديمي كان مُعتقلًا في مصر بتهمة التعاون مع متطرفين مسلحين في ليبيا لزعزعة الاستقرار في مصر.
فمن هو توم أرديمي؟ ولماذا تم اعتقاله في مصر؟ ولم تم الإفراج عنه؟ وما علاقة ذلك بالمصالحة التشادية والعلاقات المصرية القطرية؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير..
من هو توم أرديمي؟ توم أرديمي، هو أكاديمي وسياسي تشادي، وهو شقيق توأم لمؤسس اتحاد قوى المقاومة التشادي تيمان أرديمي. والأخوان أرديمي اللذان تربطهما صلة قرابة بالرئيس التشادي السابق إدريس ديبي إيتنو، كانا في تسعينات القرن الماضي شخصيتين رئيسيتين في نظام ديبي الذي حكم البلاد ثلاثين عامًا.
وكان توم أرديمي مدير مكتبه في 1991 ثم كُلِّف ببعض الأنشطة النفطية للدولة. لكن تيمان وتوم أرديمي تمردا على الرئيس في 2005، وقادا هجمات تهدف إلى الإطاحة بالسلطة في 2008 و2019، مما أدى إلى الحكم عليهما غيابيًا بالإعدام بينما كانا خارج البلاد.[1]
وتتهم السلطات التشادية أرديمي بتنظيم هجوم مسلح عليها بدعم من قطر، وعلى إثر ذلك، ترك أرديمي تشاد في 2005 بعد خلافاته مع الحكومة، وتوجَّه إلى الولايات المتحدة الأمريكية طالبًا اللجوء، إلا أن طلبه رُفض بسبب انضمام شقيقه للمعارضة المسلحة، فسافر إلى مصر في نوفمبر 2014 وسجَّل نفسه في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في إبريل 2015، وحصل على بطاقة طالب لجوء في ديسمبر 2019.[2]
اعتقال أرديمي في مصر: في أكتوبر 2020؛ كشفت لطيفة أرديمي، ابنة المعارض التشادي توم أرديمي أن والدها اختفى بعدما ألقت أجهزة الأمن المصرية القبض عليه، وأوضحت الابنة أن آخر رسالة تلقَّتها من والدها قبل اختفائه في مصر، كانت في 25 سبتمبر.
في لقاء مُسجَّل مع الأسرة عبر راديو فرنسا الدولي في يوليو 2021، قالت الإذاعة إنها تواصلت مع السلطات المصرية، دون تحديد الجهة المقصودة، وجاءها الرد أن توم “إرهابي خطير زعزع استقرار ليبيا لصالح قطر” دون نفي أو تأكيد القبض عليه. ونظَّمت الأسرة احتجاجات أمام السفارة المصرية في العاصمة التشادية نجامينا، والعاصمة الكندية أوتاوا، والعاصمة الفرنسية باريس، تسعى حاليًا للتوجُّه إلى المحكمة الجنائية الدولية، بحسب لطيفة، التي قالت إن الاحتجاجات في تشاد تم فضها بالقوة، لكن أفراد الأسرة هناك استمروا في التظاهر أمام منشآت مصرية في العاصمة، مثل شركة مصر للطيران وشركة المقاولون العرب، بهدف الضغط على الحكومة المصرية للإفصاح عن مكان توم أو إطلاق سراحه.
الابنة المُقيمة في فرنسا، أوضحت بأن شقيق والدها تيمان أرديمي سعى بالتعاون مع بعض الأشخاص من الحكومة التشادية، للتفاوض من أجل إطلاق سراح والدها، دون أي نتيجة.[3]
حيث تتهمه السلطات المصرية بالتعاون مع جماعات إرهابية ومتطرفين ينشطون في جنوب ليبيا ويدعمون نظراء لهم في مصر.
سياقات الإفراج عن أرديمي: نال توم أرديمي بيتشي، عفوًا رئاسيًا، وفق ما نشرته الجريدة الرسمية المصرية الثلاثاء 13 سبتمبر. وبحسب القرار، فإن السيسي، قرر العفو عن 3 أشخاص محكوم عليهم في قضايا مختلفة، بينهم توم أرديمي المحكوم عليه في القضية (رقم 1004 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا).
وقال إعلامي تشادي مقيم في القاهرة أن “الإفراج عن أرديمي يأتي متناغمًا مع مطالب المعارضة بالإفراج عن منتسبيها سواء في السجون التشادية أو في الخارج لدى الدول الحليفة، كشرط لقبول المشاركة بالحوار الوطني الشامل، الذي أطلقه المجلس العسكري الحاكم الشهر الماضي”.
وتابع “ما زال الحوار يواجه عقبات كبيرة ودعوات للمقاطعة”. وكان رئيس المجلس العسكري الانتقالي، محمد إدريس ديبي، الذي تولى السلطة في إبريل 2021 بعد وفاة والده إدريس ديبي، افتتح منتدى للحوار الوطني في 20 أغسطس الماضي، بهدف تسليم السلطة إلى المدنيين خلال مهلة 18 شهر قابلة للتجديد مرة واحدة.
لكن الحوار ما زال منقوصًا بمقاطعة كبرى الحركات المسلحة وأعضاء في المجتمع المدني. كما أرجئت أعماله أكثر من مرة. ويرفض التجمع الرئيسي في المعارضة “واكيت تاما” إلى جانب إحدى المجموعتين الرئيسيتين من المتمردين المسلحين جبهة التناوب والتوافق (فاكت)، المشاركة في الحوار الوطني إلى حين تلبية مطالبها، ومن بينها إطلاق سراح سجناء تم أسرهم خلال القتال.[4]
الإفراج عن أرديمي والحوار الوطني في تشاد: بعدما عاد تيمان أرديمي إلى بلاده في منتصف أغسطس الماضي بعد 17 عامًا قضاها في المنفى، للمشاركة في المحادثات الوطنية؛ كان الإفراج عن توم أرديمي أحد شروط انضمام “اتحاد قوى المقاومة” إلى الحوار الوطني الشامل الذي يُعقد حاليًا في نجامينا بين ممثلي المجتمع التشادي بناءً على وعد من الرئيس الانتقالي الحالي محمد إدريس ديبي إيتنو. وأكد المتحدث باسم الحكومة التشادية عبد الرحمن كلام الله أن توم أرديمي “أطلق سراحه ومُحاط حاليًا بأبنائه”، مؤكدًا أن محمد إدريس ديبي “سهّل إطلاق سراحه”.
ويأتي ذلك ضمن بادرة تهدئة في نوفمبر 2021، حيث أصدر المجلس العسكري الحاكم “عفوًا عامًا” عن المتمردين، مؤكدًا أنه يريد “إزالة الآثار الموروثة من الفترات المظلمة لبلدنا”.
وكان قد وقع أكثر من 30 فصيل من فصائل التمرد والمعارضة اتفاق سلام مع السلطات الانتقالية التشادية وذلك بالعاصمة القطرية الدوحة في 8 أغسطس الماضي، ووافقوا على الانضمام إلى محادثات أوسع في بلادهم بينما رفضت “جبهة التحرير والوفاق” المجموعة المسلحة الأبرز المشاركة في المحادثات.[5]
الإفراج عن أرديمي والعلاقات المصرية القطرية: في الوقت الذي قرأ فيه مراقبون إشارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني تنصّل بلاده من العلاقة مع جماعة الإخوان على أنها إشارة إيجابية تجاه القاهرة، قرأ هؤلاء قرار عبد الفتاح السيسي بالإفراج عن أحد قيادات المعارضة في تشاد على أنه عربون صداقة جديدة للدوحة لتعزيز وساطتها لحل الأزمة بين السلطة التشادية وقوى المعارضة.
وكانت السلطات التشادية قد اتهمت تيمان أرديمي بتنظيم هجوم مسلح عليها بدعم من قطر ما أدى إلى قطع العلاقات بين نجامينا والدوحة قبل أن تستأنف وتعيد قطر تفعيل وساطتها للتوصل إلى تسوية سياسية.
في ذلك الوقت كانت العلاقات بين القاهرة والدوحة تشهد توترًا حادًا جراء اتهام الأولى للثانية بدعم جماعات مسلحة ومتشددين للنيل من أمن البلاد واستقرارها عبر أذرع قطر الموجودة في أجزاء متفرقة من الأراضي الليبية، ما أدى إلى القبض على توم بشبهة التورط في التخطيط لأعمال مسلحة تصب في صالح إرهابيين مصريين.
ومع استئناف الدوحة وساطتها بين الحكومة والمعارضة في تشاد واشتراط تيمان الإفراج عن شقيقه المحبوس بالقاهرة لتهيئة الأجواء لمصالحة منتجة مع نجامينا؛ زادت أهمية هذه الورقة.
ومع أن قطر لم تكشف عن أي دور لها، إلا أن السلطات التشادية ألمحت إلى دورها في تسهيل إطلاق سراح توم من خلال اتصالات أجرتها مع الحكومة المصرية.
لكن تزامن الإفراج عنه مع زيارة السيسي إلى الدوحة جعله يصب في كونها تحمل رسالة مزدوجة؛ الأولى رسالة دعم للقيادة القطرية في وساطتها، والثانية إشارة إلى دعم للسلطات التشادية لطي الصفحة القاتمة مع المتمردين، حيث أسهموا بدور كبير في تحويل جنوب ليبيا إلى منطقة غير مستقرة فترة طويلة.
وربما يفتح الإفراج عن أرديمي بابًا لم تطرقه القاهرة علنًا على مدار السنوات الماضية ويتعلَّق بتوظيف معارضي بعض الدول ممن يقيمون على الأراضي المصرية، وإمكانية أن يكون هناك مقابل تتحصَّل عليه القاهرة من الدوحة أو نجامينا.[6]
الخُلاصة؛ يشير قرار العفو عن توم أرديمي المُتمرد التشادي إلى تطورات إيجابية في العلاقات بين الدول الثلاث “مصر وقطر وتشاد”، فمن ناحية؛ جاء قرار العفو عن المتمرد -المُتهم بمحاولة زعزعة الاستقرار في مصر وتشاد بدعم من قطر- بالتزامن مع زيارة السيسي الأولى لقطر بعد أعوام من القطيعة، في مؤشر للتعبير عن النوايا المصرية للتقدم في ملف المصالحة، بعد تطمينات الجانب القطري.
ومن ناحية ثانية؛ يُعد القرار إنجازًا للوسيط القطري الذي يتبنَّى ملف المصالحة التشادية، بعد تأكيد الجانب التشادي أن الإفراج جاء كنتيجة للجهود القطرية.
ومن ناحية ثالثة؛ باعتبار الإفراج عن توم أرديمي كان أحد شروط انضمام “اتحاد قوى المقاومة” التشادي للحوار الوطني؛ فإن هذا الإفراج يُعد خطوة إيجابية على طريق التقدُّم في الحوار، كما أنه يصب في صالح تطور العلاقات القطرية التشادية.
[1] “مصر تفرج عن زعيم تمرد تشادي مسجون منذ أشهر”، ريم أفريك، 15/9/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/yMHn5
[2] “بعد اختفاء توم أرديمي قسريًا في مصر هل يتكرر سيناريو جوليو ريجيني مع المعارض التشادي؟”، جهود، 10/9/2021. متاح على الرابط: https://cutt.us/X04hI
[3] “بعد اختفاء توم أرديمي قسريًا في مصر هل يتكرر سيناريو جوليو ريجيني مع المعارض التشادي؟”، مرجع سبق ذكره.
[4] “مصر تعفو عن معارض تشادي بارز”، الشرق الأوسط، 13/9/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/nPrrN
[5] “مصر تفرج عن زعيم تمرد تشادي مسجون منذ أشهر”، مرجع سبق ذكره.
[6] “قطر تجني ثمار تقاربها مع مصر بتعزيز وساطتها التشادية”، العرب، 18/9/2022. متاح على الرابط: https://cutt.us/e5TBF