خلال الأيام الأخيرة ألقى الجنرال عبدالفتاح السيسي خطابين في احتفالين مختلفين:
الأول، خطابه يوم الثلاثاء 04 أكتوبر 2022م، خلال الندوة التثقيفية الـ36 للقوات المسلحة بمناسبة ذكرى انتصارات أكتوبر الـ49، التى عقدت بمركز المنارة الدولى بالتجمع الخامس تحت عنوان «أكتوبر.. إرادة وطن».
والثاني، يوم الأربعاء 05 أكتوبر 2022م، بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف بمركز المنارة الدولي للمؤتمرات أيضا.
أولا المضامين المشتركة
أولا، استخدام الشكل البلاغي في العبارات والألفاظ وانتقاء الكلمات وصياغتها على نحو أدبي لإقناع المواطنين بصحة المسار الذي اختطه النظام منذ انقلاب 03 يوليو 2013م.
وأمام تآكل الأحلام والطموحات والفجوة الواسعة بين الوعود التي تبخرت والواقع الأليم حاول السيسي ردم هذه الفجوة الكبيرة بخطابات بلاغية تستخدم الألفاظ والعبارات التي تنشر التفاؤل وسط أكوام اليأس والإحباط التي استحوذت على المصريين مثل: (جوهر حرب أكتوبر المجيدة هو الكفاح من أجل تغيير الواقع من الهزيمة إلى النصر ومن الظلام إلى النور ومن الانكسار والمرارة والألم إلى الكبرياء والعزة والفخر ــ العبور إلى الجمهورية الجديدة التى نتطلع إليها والتى تلبى طموحات طال انتظارها جيلًا بعد جيل فى مستقبل أفضل لهذا الوطن يكون بقدر عراقة حضارته، وعظمة تاريخه ــ سنحقق معجزة العبور الآمن والثابت إلى الجمهورية الجديدة التى أراها عين اليقين ــ الجمهورية التى تهدف إلى تحقيق تطلعات هذا الجيل، والأجيال القادمة ــ تصبح مصر دولة حديثة متطورة ينعم فيها المصريون، بمستويات معيشية كريمة ـ تغيير الواقع لم يكن ولن يكون بالكلمات والشعارات والأمانى، إنما بالرؤية المتكاملة بعيدة المدى والتخطيط العلمى، وتوفير آليات وعوامل النجاح ثـم العمـل الدؤوب).
ثانيا، امتلاء الخطابين بالأسلوب الإنشائي البلاغي يعكس حالة الإفلاس التي يعاني منها السيسي؛ فهو لا يجد شيئا له قيمة يمكن أن يقدمه للجماهير اليائسة المحبطة؛ كما أن الهدف من هذه النزعة الإنشائية البلاغية في الخطابين قد يكون بهدف التغطية على خلو الخطابين من أي مضامين ودلالات ذات قوية ترتبط بالسياسات العامة للدولة وترتبط بالناس ارتباطا وثيقا، فقد خلا الخطابان من أي أرقام باستثناء رقمين، الأول هو (15) الذي استخدمه السيسي خلال تشبيه الوضع الراهن في مصر تحت حكمه بالحالة التي كانت عليها مصر في أعقاب هزيمة 05 يونيو 1967م، مطالبا الناس بالتحمل كما تحملوا من قبل خلال فترة الحرب.
مدعيا أن مظاهر الحياة توقفت في مصر خلال الفترة من 1967 حتى 1982م (15 سنة) يقول السيسي: «الشعب المصري تحمل في الفترة من 1967 لـ 1982 الكلفة والتضحيات اللي قدمتها الدولة علشان تتجاوز أزمتها.. هل الشعب مستعد يتحمل دلوقتي ولا هنيجي دلوقتي وراء الشائعات والأكاذيب اللي بتتقال كل يوم».[[1]]
و الرسالة المباشرة من هذه المقارنة وهذه المزاعم حول توقف الحياة والإنتاج في مصر خلال هذه الفترة هو إقناع المصريين بالمزيد من الصبر على النظام بعدما أخلف كل وعوده بشأن تحسن مستويات المعيشة وثمار برنامج الإصلاح الاقتصادي التي تبخرت تماما في ظل تدهور الأوضاع على نحو لافت.
أما الرقم الثاني هو (25) في إشارة إلى زيادة حجم السكان في مصر خلال الفترة من 2011 إلى 2022 بنسبة 25 مليو نسمة. في إشارة إلى شماعة الزيادة السكانية التي دائما ما يستخدمها لتعليق فشله عليها.
ثالثا، توظيف شماعة الإرهاب وتحميلها بعض الفشل الذي أحرزه النظام خلال السنوات الماضية، يقول السيسي: « كان من الممكن أن نقول إننا فى حالة حرب على الإرهاب ولم ننته بعد ولا نفعل شيئا ونقوم بحشد للإعلام ونتحدث عن هذه القضية بأحداثها كل يوم».
وهنا نجد السيسي يريد أن يساوي بين المعركة الحقيقية بين مصر والكيان الصهيوني وحربه المفتعلة على الإرهاب؛ دون إدراك من جانبه للفوارق الضخمة بين حرب حقيقية وأخرى وهمية.
ويضيف «وقت حرب أكتوبر كان كل قرش موجها لصالح «اقتصاد الحرب» من أجل استرداد الكرامة والكبرياء وتحقيق النصر الذى نحتفل به اليوم، متابعا «أنه كان من الممكن أن نفعل ذلك أيضا وسيكون مُبررًا.. لكننا حاربنا الإرهاب الذى كان يستهدف تعجيز البلاد وإفقارها وتخلفها ونحن لم ولن نمكنه من ذلك، وسوف نواصل البناء!..
رابعا، الهجوم على ثورة يناير والمعارضة واستخدام مصطلح أهل الشر من جديد والتحذير من خطورة الشائعات، وهذه الرسالة تحديدا اختصها مقال “راي الأهرام” في اليوم التالي بالاهتمام، وأن ما يجري حاليا هو عبور ثان إلى الجمهورية الجديدة شبيه بالعبور الذي تلى هزيمة يونيو 1967م.[[2]]
يقول السيسي في خطاب أكتوبر: «في ظل هذه الأحداث وتلك الظروف مازالت هناك قوى شر تضمر بـداخلها كـل معانـى الحقد والكراهـيـة، فراحت تبث سمومها فى شرايين الوطن من خلال نشر الأكاذيب والافتراءات والضلالات بهدف إفقاد المواطن الثقة واغتيال معنوياته».
ويتساءل: «هل الشعب مستعد يتحمل دلوقتي ولا هنيجي دلوقتي وراء الشائعات والأكاذيب اللي بتتقال كل يوم؟”.
ويضيف : “والله الشائعات دي ولا بتخوفني ولا بتقلقني». وفي موضع آخر يقول: « الجيش والشرطة فى سيناء ظلا يقاتلان أهل الشر والتطرف منذ عام 2011 ولمدة ثمانى سنوات تالية، لافتا إلى أن الثمن كان باهظا لحماية سيناء».
وقال إنه كان يتمنى من الشئون المعنوية تقديم أحد المواقف التى ضحى فيها أبناؤنا واستشهدوا من أجل حماية البلاد من قوى الشر التى كانت تتمنى «كسر المصريين».
وفي خطاب المولد يقول: «كما يتعين علينا أن ننتبه في ذات السياق، إلى خطورة بث الشائعات فلقد قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) فالشائعات جريمة ضد أمن المجتمع وصاحبها أثم في حق نفسه ودينه ومجتمعه ساعيًا إلى الاضطراب والفوضى؛ ولهذا يتعين علينا جميعًا الانتباه إلى ضعاف النفوس الذين لا يسعون إلى النقد البناء، بهدف التعمير والإصلاح، وإنما إلى إثارة الفتن والأكاذيب، بهدف الهدم والإفساد».[[3]]
ينطوي تحت هذه النقطة أيضا الهجوم على ثورة 25 يناير، حيث يزعم السيسي أنه لا يعادي أحدا، لأن العدو الحقيقي في تقديره هو الفقر والجهل والتخلف، مشيرا إلى أن الفقر يعنى الضعف والعجز، مستشهدا بالقول المأثور «لو كان الفقر رجلا لقتلته»؛ لافتا إلى مخاطر الجهل التي تجعلك تخطئ وتؤذى كل من حولك، واستدل على ذلك بما حدث في عامي 2011 و2013، مشيرا إلى أنه تحدث في هذا الموضوع كثيرا وتأثيره على البلاد.
خامسا، تقمص دور الواعظ الديني، حيث امتلأ خطابا السيسي بذكرى أكتوبر والمولد النبوي بكثير من العبارات والألفاظ الدينية مثل:[[4]]
- بقول دايما إن الله بالغ أمره.. مفيش حاجة هتتعمل غير بإرادة ربنا.. إحنا مؤمنين بالله وراضيين بقدره.. ونسعى للبناء والتنمية والتعمير وتغيير حياة الناس للأفضل بأمانة وشرف بعيدا عن ألاعيب السياسة!
- «لقد تعلمنا من ذي الخلق العظيم، في سيرته العطرة أن مجمل حياته وأخلاقه، كانت ترجمة حقيقية وتطبيقية، لأخلاق وقيم القرآن الكريم
- احتفالنا اليوم بذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين يمثل مناسبة طيبة للتأمل في جوهر ومقاصد رسالته السمحة واتخاذه قدوة في الأخلاق الكريمة وأن نكون جميعًا على دربه القويم حيث كان«صلى الله عليه وسلم» أحسن الناس خلقًا وأصفاهم نفسًا وأحسن معاملة، كان خير الناس لأهله، وخير الناس لأزواجه، وخير الناس لأبنائه، وخير الناس لأصحابه، وهو القائل«صلى الله عليه وسلم»: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي».
- «ما أحوجنا ونحن نحتفي بذكرى مولده »صلى الله عليه وسلم« أن نقتدي بأخلاقه »عليه الصلاة والسلام«؛ فنحرص على مكارم الأخلاق من الصدق، والأمانة، والوفاء بالعهود والمواثيق، والرحمة، والتكافل، والتراحم، وأن نترجم تلك المعاني السامية النبيلة إلى سلوك ودستور عملي، وواقع ملموس في حياتنا ودنيانا ونبتعد عن كل مساوئ الأخلاق التي لا تليق بنا، ولا بديننا، ولا بحضارتنا».
ثانيا، مركزية المؤسسة العسكرية
من أهم المضامين التي انطوى عليها خطاب السيسي عن حرب أكتوبر، الاستمرار في سرد الرواية العسكرية عن حرب أكتوبر، والتأكيد على أنها كانت نصرا عظيما ساحقا، مع تمسح السيسي بجيل حرب أكتوبر باعتباره الجيل العظيم الذي حقق النصر.
يقول السيسي: «إن يوم السادس من أكتوبر 1973 «كان يوما مقدرا له أن يظل خالدا ليس فقط فى وجدان مصر وشعبها، وإنما فى ضمير الأمة العربية بأسرها وشعوب العالم المحبة للسلام. فمصر لم تحارب فقط دفاعا عن أرضها، وإنما من أجل تحقيق السلام وهو ما نجحت فيه وحافظت على مكتسباته».
وراح السيسي يقدم التحية للرئيس الأسبق أنور السادات ووصفه ببطل الحرب والسلام؛ لأنه اتخذ قرارات مصيرية غيرت خريطة التوازنات الإقليمية والدولية.
كما قدم التحية للمؤسسة العسكرية «تحية إعزاز وتقدير للقوات المسلحة، المؤسسة العسكرية الوطنية التى أتشرف أن أكون ابنا من أبنائها».
وفي هذا ملاحظتان:
- الأولى هي الإصرار على ترويج السردية العسكرية عن حرب أكتوبر بوصفه انتصارا مجيدا قل أن يكون له نظير؛ وهي السردية التي اعتمدتها المؤسسة العسكرية من اليوم الأول للحرب حتى يومنا هذا؛ وهو ما يتسق مع حرص المؤسسة العسكرية على تمجيد نفسها حد القداسة؛ وعبر توظيف جميع الأدوات الدعائية والدرامية والإعلامية والتحكم في جميع مفاصل الدولة من الألف إلى الياء، يتم الإنفاق بسخاء بالغ في تمجيد دور المؤسسة العسكرية؛ فهزيمة 5 يونيو 1967 المذلة تحولت إلى “نكسة” في محاولة للتقليل من مرارتها، أما حرب أكتوبر فالإعلام يتوقف عند الأسبوع الأول منها فقط والذي عبرت خلاله قواتنا المسلحة قناة السويس وحطمت خط بارليف وأنزلت بالعدو الصهيوني هزائم مذلة؛ لكن الأسبوع الثاني وما تلاه فلا ذكر له؛ حيث أمر الرئيس الأسبق محمد أنور السادات بتوسيع الهجوم البري خارج غطاء مظلة صواريخ الدفاع الجوي رغم المعارضة الشديدة من رئيس الأركان اللواء سعد الدين الشاذلي وقادة الجيشين الثاني والثالث؛ ما أدى إلى خسائر فادحة وخسرت مصر مئات الدبابات في أيام قليلة ثم حدثت ثغرة الدفرسوار وتمكن العدو أيضا من عبور قناة السويس ثم حصار محافظة السويس؛ ولولا المقاومة الشعبية التي حالت دون احتلال المدينة لما كان هناك أي معنى لوصف أكتوبر بالانتصار، ورغم ذلك اختفت أي إشادة بالدور الشعبي في مقابل المبالغة الشديدة في تمجيد الدور العسكري! وهذا أمر لم يعد ينطلي على أحد في زمن الإنترنت والفضائيات والسماوات المفتوحة؛ والإصرار على هذه الرواية الركيكة وغير الحقيقية من جانب المؤسسة العسكرية هو بحد ذاته عدم احترام لعقول المصريين، وعدم اكتراث بالشعب؛ يؤكد على ذلك أن المؤسسة العسكرية لم تفرج حتى اليوم عن الوثائق الرسمية الخاصة بهزيمة يونيو أو تطورات حرب أكتوبر وثغرة الدفر سوار وحصار السويس.
- بخلاف طمس أدوار مجيدة لرموز عسكرية مصرية لأسباب سياسية بحتة كما جرى مع الفريق سعد الدين الشاذلي و المشير «أحمد اسماعيل على»، والمشير «محمد عبدالغنى الجمسى» مدير العمليات أثناء الحرب ووزير الدفاع بعدها، والمشير «محمد على فهمى» قائد الدفاع الجوي، والفريق فؤاد ذكرى، قائد البحرية وقيادات أخرى لها وزن ودور وقيمة.
- الملاحظة الثانية، هي التأكيد على قدسية المؤسسة العسكرية باعتبارها حامي هذا الوطن والضامن لاستقراره والتأكيد على انتمائه لهذه المؤسسة بوصفه مندوبا عنها في قصر الرئاسة.
- يقول السيسي: «من هذا المقام كمواطن مصرى وكرئيس لمصر أوجه تحية يملؤها الإجلال والاحترام إلى كل من أسهم فى صنع أعظم أيام مصر فى تاريخها الحديث، وتحية يملؤها الفخار والاعتزاز للقوات المسلحة المصرية تلك المؤسسة العسكرية الوطنية التى أتشـــرف بــأن أكــون مــن أبنائــها، وهى رمز البسالة والإقدام والصمود والتحدى وحصن هذا البلد الأمين وحامى مقدرات شعبها العظيم، وستظل العلاقة الفريدة بين الشعب والجيش بإذن الله أمرًا مقدسًا، وضامنًا أبديًا، لأمن هذا الوطن واستقراره وتحية من أعماق القلب إلى أرواح الشهداء أبطالنا الذين منحونا حياتهم ذاتها كى يحيا الوطن حرًا كريمًا مستقلًا».
- ورغم أن المؤسسة العسكرية تتعامل مع الشعب بوصفها السيد والشعب هو العبيد، وتفرض وصايتها عليها بالحديد والنار، وتذيقه لباس الجوع والخوف والمذلة على الدوام ومنذ نشأة الجيش المصري الحديث على النمط الغربي العلماني في عهد الباشا محمد علي سنة 1815م، إلا أن السيسي استخدم هذه العبارات الإنشائية البلاغية عن العلاقة الفريدة كما يصفها بين الشعب والجيش، بوصفها الضامن لاستقرار هذا الوطن.
- وهي صياغة تنطوي على تدليس وكذب نعم لكن الأهم أنها تستهدف بقاء المعادلة القائمة حاليا(جيش يفرض وصايته ـ أمة مغلوب على أمرها منزوعة السيادة لحساب الجيش ومؤسسات الدولة غير المنتخبة بإرادة الشعب الحرة). تأكيد السيسي على أنه ابن هذه المؤسسة هو رسالة ودلالة أنه محمي ومدعوم من هذه المؤسسة الأقوى في البلاد.
ثالثا، تجاهل مبارك
من أهم الملاحظات الهامشية على الاحتفالين، أن السيسي زار قبري عبدالناصر والسادات، لكنه تجاهل زيارة قبر مبارك. وهو ما تسبب في شيء من الجدل حول أسباب تجاهل وضع إكليل زهور على قبر مبارك. واعتبر كثيرون عدم وضع إكليل على قبر مبارك منطقياً، لأنّه لم يكن رئيساً خلال حرب أكتوبر 1973، فيما رأى آخرون أنّ التجاهل يؤدّي إلى فتح باب كتابة التاريخ وتوثيقه، وإهمال شخصيات وإبراز شخصيات أخرى طبقاً للأهواء والمواقف السياسية، مع التأكيد أن الذاكرة الجمعية عصية على التزييف سواء من جانب مبارك الذي ظل لثلاثين سنة يمجد في دوره بوصفه صاحب الضربة الجوية الأولى في الحرب، وطمس دور الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الأركان وواضع خطة الحرب “المآذن العالية”، أو حتى محاولات السيسي طمس دور مبارك.[[5]]
وفي اليوم التالي، فوجئ قراء مصريون بخبر حذف زيارة جمال مبارك لقبر والده في ذكرى الحرب من جانب منصات ونوافذ إعلامية تابعة للشركة المتحدة المملوكة لجهاز المخابرات العامة مثل موقع “القاهرة 24″،[[6]]
وهي الزيارة التي التف عشرات المواطنين المؤيدين لمبارك حول نجله واصفين إياه بالقائد الرئيس.
وبلغ الأمر بمغردين حد نشر الصورة والتعليق عليها بالقول “جمال مبارك رئيساً لمصر 2024″، وهو عام الانتخابات الرئاسية المقبلة المتوقع أن يخوضها السيسي ليظل رئيساً حتى 2030، بحسب تعديلات رئاسية أجريت عام 2018، مددت رئاسته لمصر حتى يونيو 2024، وكان من المقرر أن تنتهي في يونيو الماضي.
الأمر الذي فهمه البعض بأن أجنحة داخل السلطة تريد تعزيز موقف آل مبارك في ظل فشل السيسي الذريع وعدم قدرته على إدارة البلاد على نحو صحيح.
رابعا، إهانة شيخ الأزهر
من الملاحظة المهمة أن السيسي خلال احتفال المولد النبوي، تعرض لانتقادات حادة حيث تعامل مع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بشيء من الاستخفاف؛ فقد كان الطيب وعدد من الشيوخ الرسميين واقفين في مدخل الفندق الذي استضاف الاحتفال، فدخل السيسي دون أن يسلم على الطيب ودون أن يصافح شيخ الأزهر والشيوخ الواقفين إلى جواره مكتفيا بإماءة بيده.
ولذلك تصدر وسم “شيخ الأزهر” قائمة الأكثر انتشاراً على موقع التواصل الاجتماعي تويتر ، واعتبر مغردون تصرف السيسي إساءة إلى شيخ الأزهر، الذي يعد أكبر مرجعية إسلامية في العالم.[[7]]
وتم تداول مقطع الفيديو المهين للطيب على نطاق واسع. وتساءل بعضهم: هل لو كان البابا تواضروس بابا الكنيسة واقفا مكان شيخ الأزهر أكان السيسي يكتفي بالإماءة أم كان يهرول مبديا أعلى مظاهر اللطف والتأدب؟! واستنكر الكاتب الصحفي جمال سلطان هذا الموقف وكتب «الطريقة التي تعامل بها السيسي مع شيخ الأزهر عندما استقبله قبل احتفالات المولد مشينة، ولا تليق ولا تجوز أبداً، شيخ الأزهر يُستقبل في العالم استقبال الملوك والرؤساء والقادة، ولا يصح أن تهين مصر مقام الشيخ وهيبته بهذه الطريقة المتدنية جداً في الكبر والغطرسة».
الخلاصة أن السيسي في خطابيه باحتفال ذكرى اكتوبر (الثلاثاء) والمولد النبوي الشريف (الأربعاء) اعتمد على الأسلوب الإنشائي البلاغي؛ وهو ما يعكس حالة الإفلاس التي يعاني منها السيسي ونظامه وأجهزته؛ فهو لا يجد شيئا له قيمة يمكن أن يقدمه للجماهير اليائسة المحبطة؛ وبالتالي فالهدف هو التغطية على خلو الخطابين من أي مضامين ودلالات ذات قوية ترتبط بالسياسات العامة للدولة وترتبط بالناس ارتباطا وثيقا، فقد خلا الخطابان من أي أرقام باستثناء مطالبته الجماهير الصبر عليه لمدة “15” سنة كما فعل المصريون من قبل بعد هزيمة يونيو 1967م، بعدما تبخرت وعوده بالرفاهية وحصد ثمار الإصلاح الاقتصادي.
من جهة ثانية فإن تجاهل السيسي الحديث عن الأزمة الاقتصادية التي وصفها بالعالمية بمعنى أنها ليست في مصر فقط، وعدم الإفصاح عن مخططات الحكومة حول مواجهة تغول الدولار والارتفاع الفاحش في الأسعار، وكذلك تجاهل الحديث عن حجم الديون الضخمة والقرض المرتقب مع صندوق النقد، كذلك عدم الإشارة مطلقا إلى تطورات الحوار الوطني الذي دعا إليه في إبريل الماضي.
تجاهل كل هذه القضايا الحساسة يعني أن السيسي لا يضع أي اعتبار للشعب ولا يريد أن يكاشف الناس بالحقائق المرة. فالدولة آيلة للسقوط؛ والسيسي يغطي على ذلك بخطابات إنشائية بلاغية لا تسمن ولا تغني من جوع.
في كلا الخطابين لا يزال السيسي مستغرقا في نظرية “صناعة العدو” ، والإصرار على توظيف الخطاب السياسي والإعلامي وجميع مؤسسات الدولة التنفيذية والقضائية والتشريعية والدينية لنسج الأكاذيب حول هذا العدو “الوهمي” (الإرهاب ـ أهل الشر ــ الأشرار ــ الزيادة السكانية).
مع التخويف المستمر من أكذوبة “هدم الدولة” والفوضى والتحذير من تكرار ثورة يناير.
والخلط العمد بين مفهومي الدولة والنظام والتلاعب بهذه المفاهيم لتكريس حالة من اللاوعي تضع الرئيس ومؤسسات الحكم موضع الدولة والوطن بحيث تصير المعارضة للنظام معارضة للدولة ذاتها وخيانة للوطن.
وكان السيسي في خطابات سابقة قد كشف عن ذلك بقوله: “الجديد في الصراع بين الدول ليس مبنيا على صدام مباشر بين الدولة ودولة أخرى، الجديد في الموضوع النهارده أنه يتم تفكيك الدول من الداخل، وهو أصعب إجراء؛ لأن من يقوم به هم شعوب تلك الدول”. «الشعوب» إذا هو العدو الجديد الذي يراه السيسي يستحق المواجهة.
بمعنى آخر فإن العدو هو تحرك الناس، وليس شيئا آخر! وهنا لا يهم لماذا تحرك الناس، بل الأهم أن لا يتحركوا أبدا.
التأكيد على مركزية دور المؤسسة العسكرية والإشادة بالعلافة الفريدة بين الشعب والجيش، يعني أن السيسي لا يحترم عقول المصرين فهو يتجاهل عمدا أن المؤسسة العسكرية إنما تعامل الشعب منذ عقود باستعباد كامل وتفرض وصايتها عليه بالغصب والإكراه.
وتسببت أطماع قادتها وجنرالاتها في تدمير مصر تدميرا كاملا حتى باتت في قاع الأمم تعتمد على التسول والمساعدات والقروض. فهل يفيد بعد ذلك أي حديث عن شعب عظيم وحضارة عظيمة في ظل هذه الأوضاع البائسة وانتشار الفقر والجوع في كل مكان؟
[1] أحمد علاء/ الرئيس السيسي: هل الشعب مستعد للتحمل زي ما تحمل 15 سنة بعد حرب 1967/ بوابة الشروق ــ الثلاثاء 4 أكتوبر 2022
[2] درس أكتوبر.. و«العبور» إلى الجمهورية الجديدة/ رأي الأهرام ــ الأربعاء 9 من ربيع الأول 1444 هــ 5 أكتوبر 2022 السنة 147 العدد 49611// خير راغب, داليا عثمان, إيمان مبروك, أماني حسن/ الرئيس: قادرون على تحقيق العبور لـ«الجمهورية الجديدة»..السيسى فى احتفال «يوم النصر»: قوى الشر تبث سمومها من خلال نشر الأكاذيب/ مانشيت المصري اليوم ــ الأربعاء 05 أكتوبر 2022
[3] فاطمة محمد/السيسي: الشائعات جريمة ضد أمن المجتمع وصاحبها أثم في حق نفسه ودينه ومجتمعه/ المصري اليوم ــ الأربعاء 05 أكتوبر 2022م
[4] إسماعيل جمعة/ أثق فى توفيق الله لتحقيق حياة كريمة آمنة للشعب.. الرئيس فى كلمته خلال الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف: الرسول علمنا مواجهة الصعاب بالعمل الدءوب والكفاح المستمر/ الأهرام اليومي ــ الخميس 10 من ربيع الأول 1444 هــ 6 أكتوبر 2022 السنة 147 العدد 49612
[5] صفية عامر/ مصر: جدل على “تويتر” بسبب تجاهل السيسي زيارة قبر مبارك/ العربي الجديد ــ 04 أكتوبر 2022
[6] جدل متجدد حول حذف خبر زيارة قبر حسني مبارك/ العربي الجديد ــ 06 أكتوبر 2022
[7] فيديو للسيسي “يتجاهل” شيخ الأزهر أمام الكاميرات.. مصريون انتقدوا تصرف الرئيس/ عربي بوست ــ 05 أكتوبر 2022م