قراءة تحليلية في المواقف اللبنانية والإسرائيلية من مقترح المبعوث الأمريكي هوكشتاين لترسيم الحدود البحرية بينهما

تتزايد احتمالات الوصول إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، بعد عامين تقريباً من انطلاق الوساطة الأمريكية الجارية حالياً.

إذ أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون، في 11 أكتوبر الجاري (2022)، أن “مسودة الاتفاق النهائي تلبي مطالب بيروت”، وهى المسودة التي تولت واشنطن عبر مبعوثها آموس هوكشتاين صياغتها وتبادلها بين البلدين، حول خط الحدود البحرية الذي يسمح بالاستخراج الآمن للغاز من الحقول المتنازع عليها في المنطقة الحدودية وأبرزها حقلي قانا وكاريش.

كما رأى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري -والمقرب للغاية من حزب الله- أن التقدم في المفاوضات يسير بشكل إيجابي وأن الوصول لاتفاق بات وشيكاً.

بينما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد أن إسرائيل توصلت إلى “اتفاق تاريخي” مع لبنان، واعتبر المقترح المقدم من الوسيط الأمريكي لائق ويحافظ على أمن إسرائيل ومصالحها الاقتصادية في المنطقة المتنازع عليها.

تعتبر هذه التصريحات مؤشراً حقيقياً لتقدم المفاوضات بين البلدين، خاصة بعد التوتر الذي تصاعد خلال شهور الصيف مع توالي التهديدات بإشعال حرب على خلفية التنازع على حقول الغاز.

إذ كانت إسرائيل قد أعلنت سابقاً عن الاتفاق مع شركة بريطانية للبدء في التنقيب واستخراج الغاز من حقل كاريش – المتنازع عليه- ومع وصول بواخر التنقيب بالقرب من الحقل المذكور بدأت طائرات حزب الله المسيرة تحوم فوقه لتقوم إسرائيل بإسقاطها الواحدة تلو الأخرى في يوليو الماضي.

وفي أغسطس الماضي، قام الإعلام العسكري التابع لحزب الله بإصدار شريط فيديو يظهر تفاصيل إحداثيات ومواصفات منصات الغاز الإسرائيلي مع لقطات مصورة لتجهيز منصات إطلاق الصواريخ في إشارة إلى أن عملية استخراج الغاز ستكون مهددة بالقصف ما لم يتم التوصل لاتفاق مع لبنان بشأنها.

ثم أكد الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله هذه التهديدات في تصريحات مباشرة ومتتالية منذ أغسطس الماضي، مما دفع إسرائيل للأخذ بهذه التهديدات بجدية وأعلنت حالة تأهب قصوى على حدودها الشمالية، وقامت بتأجيل البدء في استخراج الغاز من حقل كاريش والذي كان مقرراً في بداية شهر سبتمبر 2022.[1]

 

أولًا: نقاط الخلاف بين إسرائيل ولبنان حول ترسيم الحدود البحرية:

تشير الوقائع إلى أن طاولة المفاوضات غير المباشرة بين لبنان و”إسرائيل” حول ترسيم الحدود البحرية بينهما، والتي بدأت منذ عام 2010، قد شهدت حديثاً حول ثلاثة خطوط متباينة لهذه الحدود:

الأول: خط 23، الذي تبنته الحكومة اللبنانية رسمياً منذ عام 2011، وقامت بإيداع كل الخرائط المتعلقة بترسيمه لدى الأمم المتحدة، وهو خط يتيح للبنان إمكانية استخراج الغاز المتوفر بالفعل داخل البلوكات 8 و9 و10، ووفقًا لهذا الخط، فإن المنطقة المتنازع عليها تبلغ مساحتها 860 كم مربع.

الثاني: خط 1 الذي يطلق عليه أحياناً خط فريدريك هوف، نسبة إلى أحد المبعوثين الأميركيين، وهو خط يقتطع من المساحة المحددة بالخط 23 منطقة بحرية تبلغ مساحتها 400 كم مربع، وبالتالي يخرج البلوكات 8 و9 و10 الغنية بالغاز من نطاق السيطرة اللبنانية.

الثالث: خط 29 الَّذي تم ترسيمه استناداً إلى أبحاث ودراسات قامت بها قيادة الجيش اللبناني عقب انطلاق مفاوضات الناقورة، بعدما تبين لها أن الترسيم المستند إلى خط 23 يحتوي أخطاء فنية واجبة التعديل، وهو خط يضيف إلى سيطرة الحكومة اللبنانية مساحة جديدة تصل إلى نحو 1430 كم مربعاً، ويضع حقل كاريش الإسرائيلي ضمن المناطق المتنازع عليها، في حين تؤكد تل أبيب أن الحقل بأكمله يقع في منطقتها الاقتصادية الخالصة[2].

 

ثانيًا: مقترح المبعوث الأمريكي هوكشتاين لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل:

انطلقت مفاوضات غير مباشرة بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البحرية بينهما في قاعدة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة في الناقورة بلبنان، في أكتوبر 2020، برعاية الأمم المتحدة ووساطة أميركية، واستمرت 5 جولات حتى مايو 2021، ولكن دون التوصل لاتفاق[3].

وأرسلت الولايات المتحدة عدة وسطاء في المفاوضات بين لبنان وإسرائيل، لعل أبرزهم هو المبعوث الأول فريدريك هوف، وفى البداية تم إعلان اتفاق الإطار وتم تبنيه رسميًا من إسرائيل وواشنطن والأمم المتحدة، ولكنه فشل نتيجة تمسك لبنان بالخط 29 وبأحقية حقل غاز كاريش[4] .

ومؤخرًا، عندما تولى بايدن منصبه، عين آموس هوكشتاين المبعوث الأمريكي لشؤون الطاقة في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، بما يضمن الاتفاق حول مستقبل التنقيب عن الغاز واستثماره في حقلي قانا وكاريش المتنازع عليهما.

وعلى الرغم من فشل هوكشتاين في محاولاته الأولية للتوصل إلى حل وسط، لكن عرضه الأخير حقق ما لم يستطعه الآخرون، حيث حصل على استجابة إيجابية من كل من لبنان وإسرائيل، وتأكيد الطرفين أن المقترح قد أخذ بملاحظاتهما[5].

وبينما لم يتم الإفصاح رسميًا عن مضمون العرض الأميركي المؤلف من 10 صفحات، لكن بحسب ما سرب منه، وفقًا لتقارير إعلامية[6]، يمكن تلخيص أبرز بنوده في 6 نقاط:

  • الاعتراف بحدود لبنان البحرية على أساس الخط 23 وملكية لبنان لحقل قانا الجنوبي.
  • عدم توسيع الترسيم البحري إلى بري كما سعت إسرائيل. وتاليا تكريس ملكية لبنان للنقطة “بي-1” (B-1) الواقعة في خليج رأس الناقورة، وعدها جزءا من حدوده البحرية.
  • ترتيبات أمنية تبدأ من نقطة بحرية تبعد نحو 5 كيلومترات عن البر تتولاها من الجانب اللبناني قوات “اليونيفيل”.
  • حصول إسرائيل على نسبة من الأرباح من شركة “توتال” الفرنسية من حقل قانا إذا تحقق اكتشاف تجاري مشترك فيه، وليس عبر دفع لبنان ما سُميت “بتعويضات” لإسرائيل، ووفق ترتيبات فرنسية أميركية مع الشركة التي وقع معها لبنان للتنقيب بقانا.
  • التزام “توتال” ببدء الحفر الاستكشافي في بلوك 9 لصالح لبنان.
  • تأجيل الاستخراج والنقل من حقل كاريش نحو 15 يوما بطلب من شركة “إنرجيان”، لحين إنجاز الترسيم لضمان عملها بمنطقة آمنة[7].

وعليه؛ فإن الاقتراح الأميركي يقسم الحدود البحرية إلى قسمين: حيث سيتم تعيين أول خمسة كيلومترات من الشاطئ على طول الخط الذي حددته إسرائيل كحدود لها منذ سنوات وحددته بالفعل بصف من العوامات.

وفيما وراء ذلك، ستتبع الحدود الخط الذي اقترحه اللبنانيون في البداية والمشار إليه بالخط 23. وعلى هذا الأساس يتم ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل بلد. وتبعًا للمقترح الأمريكي ستحتفظ إسرائيل بجميع الحقوق الحصرية لحقل غاز “كاريش”، في حين سيحصل لبنان على حقل “قانا” بأكمله[8].

ووفقًا للعرض الأمريكي سيتم إعلان المنطقة الواقعة بين “خط العوامات” والخط 23 منطقة آمنة، ولكن تحت السيادة اللبنانية، لأنها تابعة للمنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية، على أن تكون هذه المنطقة تحت إشراف قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان[9].

جدير بالذكر هنا، أن هناك إصرار كبير من قبل إدارة بايدن علي ضروة إنجاح مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين الطرفين، ويمكن إرجاع هذا الإصرار الأمريكي لمجموعة من الأسباب، تتمثل أبرزها في:

– إذا نجحت الاتفاقية، فستكون أول انتصار كبير لسياسة الرئيس جو بايدن في الشرق الأوسط.

ومع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي في نوفمبر المقبل، فلا يمكن أن تأتي تلك الاتفاقية في وقت أفضل من ذلك.

ويمكن تلمس ذلك في سعي بايدن فيما يخص بتسريع وتيرة المفاوضات والمطالبة بضرورة توقيع الاتفاق الأيام المقبلة وبالتحديد قبل موعد الانتخابات.

– قد يساعد حل المشكلة بين لبنان وإسرائيل في تهدئة الأسواق وتأمين المزيد من الغاز الطبيعي لأوروبا، التي من المتوقع أن تواجه ضغوطاً في تأمين الطاقة هذا الشتاء في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا[10].

– تأكيد الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، حيث تسعي الولايات المتحدة إلي التأكيد علي أنها لا تزال فاعلاً رئيسياً ومحورياً، ليس في منطقة الخليج العربي فقط، ولكن أيضاً في منطقة البحر الأبيض المتوسط، بعد أن واجه نفوذُها العديدَ من الأزمات، ولا سيما في الملفين السوري والليبي.

وترى العديد من التحليلات الأمريكية أن نجاح الإدارة الأمريكية في التوصل لاتفاق ينهي النزاع البحري بين إسرائيل ولبنان سيمثل انتصاراً كبيراً لاستخدام إدارة بايدن الدبلوماسية لتعزيز استقرار منطقة الشرق الأوسط التي تشهد العديد من الأزمات[11].

– أن هذا الاتفاق قد يخلق حالة من الهدوء بين الجانب اللبناني والإسرائيلي مما ينعكس على تراجع أهمية حزب الله وقد لا يكون هناك سببًا لإثارة التوتر مع تل أبيب، وبالتالي تصب نتائج هذا الاتفاق في ملف آخر مهم وهو الورقة الإيرانية لأنه سيؤدي إلى تحجيم دورها في المنطقة نتيجة سحب أهم أوراقها التي تتفاوض بها مع الغرب[12].

– أن حل نزاع الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل من شأنها التأثير على نتيجة الانتخابات الإسرائيلية، حيث يتنافس رئيس الوزراء الحالي لابيد مع الزعيم السابق بنيامين نتنياهو، ويفضل البيت الأبيض تحقيق لابيد للفوز، من أجل تعزيز أهدافه المتمثلة في تحسين العلاقات مع الفلسطينيين، والحفاظ على الوضع الراهن في الضفة الغربية بحسب رؤيتها.

ويؤكد الخبراء أنه “مهما كانت البنود النهائية لاتفاقية بحرية مع لبنان، فإن التوصل إلى اتفاق من شأنه أن يصقل أوراق اعتماد لابيد في السياسة الخارجية، وربما يساعده في الاقتراع”[13].

 

ثالثًا: الموقف اللبناني من مقترح هوكشتاين:

أبدت كلًا من إسرائيل ولبنان ملاحظات علي المسودة الأولية لمقترح هوكستين، التي سلمها لهم في مطلع أكتوبر 2022. وتمحورت التعديلات اللبنانية في:

1- تغيير البند الذي ينص على وجوب الاعتراف “بخط العوامات” كحدود دولية، وأكد مسؤولون لبنانيون في تصريحاتهم أنهم لن يقبلوا بأن يعترفوا بشرعية خط العوامات، ودعا إلى الاكتفاء بالإحداثيات العلمية في الظروف الراهنة في انتظار الاتفاق على المنطقة المتنازع عليها على اليابسة، وامتدادها على الشاطئ والتي تحدد نقطة انطلاق الإحداثية البحرية.

وخط العوامات العائمة هو خط كانت قد قامت إسرائيل بتركيبه عام 2000 إثر انسحابها من جنوب لبنان، ويبلغ طوله ثلاثة أميال، يمتد من ساحل ​رأس الناقورة​ إلى البحر الأبيض المتوسط​.

وتتمسك إسرائيل بضرورة الاعتراف بخط العوامات لإتمام الاتفاق، حيث من وجهة نظرها فإنه مسألة رئيسية في مصلحة أمنها القومي؛ حيث سيصبح ساحل إسرائيل الشمالي معرضاً لتهديدات من الجنوب اللبناني، وفقاً لما صرح بعض المسؤولين الإسرائيليين.

2- طالب المسؤولون اللبنانيون بتغيير عبارة (الأمر القائم) في سياق خط العوامات في المسودة بعبارة (أمر واقع)، على اعتبار أن كلمة “الأمر القائم” تعني إقراراً لبنانياً بهذا الخط فيما كلمة “الأمر الواقع” تعني استمرار النزاع حول هذا الخط البحري. ولذلك استعمل المقترح لفظ (الأمر الراهن).

3- يرفض الجانب اللبناني أيضاً البند الذي يمنح إسرائيل (حق النقض) على بدء التنقيب عن الغاز في المنطقة المتنازع عليها، وتعد إسرائيل هذا البند في المسودة كشرط أساسي لضمان حقوقها الاقتصادية مستقبلاً؛ حيث نص الاتفاق على تعويض إسرائيل عن حصتها في  حقل “قانا” المحتمل في بنسبة تتراوح بين (20 و30) في المائة، والتي تبلغ قيمتها 200-300 مليون دولار[14].

4- عدم ربط حصة لبنان في حقل قانا بالتعويض من قبل شركة “توتال” لإسرائيل عن عائدات الجزء الواقع تحت سيادتها (يقارب الـ 30 بالمئة) منه. وهو موقف مبدئي يتفادى أي نوع من الاعتراف بالتعامل المالي مع الدولة العبرية، الذي يعتبره “حزب الله” الذي يواكب المفاوضات عن قرب “تطبيعاً مع العدو”.

أما التعوضات للجانب الإسرائيلي من شركة “توتال”، فلا علاقة للبنان بها.

ولذلك جرت محادثات بين الجانب الإسرائيلي وبين الشركة في فرنسا حول هذا الأمر من دون مشاركة لبنان فيها، كما طالبت لبنان بضمانات فرنسية أميركية على بدء “توتال” أعمالها في الحقول اللبنانية فور إتمام الاتفاق.

5- الفصل بين ترسيم الحدود البحرية والبرية، حيث هناك نزاع بين البلدين على بعض المناطق التي يرفض لبنان حلها عبر الوساطة الأميركية في شأن الحدود البرية، ويصر على معالجتها عبر القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان، وبالتالي يرفض ربط الاتفاق على الحدود البحرية بالاتفاق على البرية.

وهذا أدى إلى تحديد نقطة انطلاق رسم الخط البحري من مسافة معينة عن اليابسة، ما يجعل مساحة صغيرة غير محددة المعالم في البحر القريب من الشاطئ تتولاها قوات الأمم المتحدة مؤقتاً، إلى أن يتم حل الإشكال الحدودي البري.

6- تناولت الملاحظات الأخرى مسائل لوجستية تتعلق بكيفية التوقيع على الاتفاق في الإطار التفاوضي الرسمي غير المباشر.

فمن المتوقع أن يتبع إنجاز الوسيط الأميركي المسودة بعد إطلاع المسؤولين الإسرائيليين على الملاحظات اللبنانية، اجتماعاً للوفدين اللبناني والإسرائيلي في مركز قيادة القوات الدولية في بلدة الناقورة الحدودية، بحضور الوسيط الأميركي ورعاية الأمم المتحدة (مكتب ممثل الأمين العام للمنظمة الدولية).

وأصر لبنان على ألا يوقع مندبوه إلى المفاوضات غير المباشرة على النص نفسه إلى جانب المندوب الإسرائيلي، بل أن يوقع كل من الوفدين على نص منفصل، حتى لا يُعتبر التوقيع المشترك على وثيقة واحدة، نوعاً من “التطبيع” [15].

في حين تضغط «إسرائيل» لعقد اتفاق بين دولتين يكرس تطبيعاً للعلاقات بينهما[16].

ووفقًا لتصريحات المسئولين اللبنانيين، فأن المقترح الأمريكي قد حافظ بالفعل علي معظم هذه المطالب اللبنانية.

فعقب اجتماع رئيس الجمهورية (ميشال عون)، ورئيس مجلس النواب (نبيه بري)، ورئيس الوزراء (نجيب ميقاتي) في قصر بعبدا لدراسة المقترحات المقدمة من المبعوث الأمريكي عاموس هوكستين.

وقد أكد ميقاتي​، في تصريح له بعد الاجتماع، أنه كانت لدى لبنان بعض الملاحظات بشأن الاتفاق، موضحًا أن اللجنة التقنية أخذت بها.

وأوضح ميقاتي أنه سيكون لدى لبنان رد يرسل إلى الوسيط الأمريكي أموس هوكشتاين، مشددًا على أن الأعمدة الأساسية التي يريدها لبنان في الاتفاق موجودة، وأن الأمور تسير على الطريق الصحيح في ملف ترسيم الحدود وموقف لبنان موحد[17].

من جهتهما، وصفا الرئيس اللبناني، ميشال عون، وكبير المفاوضين اللبنانيين نائب رئيس مجلس النواب، إلياس بو صعب، الاتفاق بالتاريخي. وقال بو صعب إن لبنان تسلم المسودة النهائية لاتفاق بوساطة أمريكية لترسيم الحدود البحرية مع الاحتلال الإسرائيلي تفي بجميع متطلبات لبنان، ويمكن أن تؤدي قريبًا إلى اتفاق تاريخي.

وقال الرئيس عون إنه يأمل إنجاز كل الترتيبات المتعلقة بترسيم الحدود البحرية الجنوبية خلال الأيام القليلة المقبلة، وذلك بعدما قطعت المفاوضات غير المباشرة التي يتولاها الوسيط الأميركي شوطًا متقدمًا، وتقلّصت الفجوات التي تم التفاوض في شأنها خلال الأسبوع الماضي[18].

ويمكن إرجاع الترحيب اللبناني الرسمي بالمقترح الأمريكي إلي مجموعة من الأسباب لعل أهمها:

– أن هذا المقترح الذي توافقت عليه الرئاسات اللبنانية الثلاث (رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان) يتيح للحكومة اللبنانية سيطرة كاملة، ليس على كامل المساحة البحرية التي يرسمها خط 23 الذي أصرت “إسرائيل” على رفضه من قبل فحسب، ولكن أيضاً على كامل حقل قانا الذي أصبح وفقاً للنص الذي اقترحه هوكستين حقلاً لبنانياً خالصاً.

صحيح أن هذا النص لا يحقق كل الطموحات اللبنانية التي استهدفت السيطرة على كامل المساحة البحرية التي يرسمها الخط 29، لكن الجميع يسلم ويعترف بأن الخط 29 كان، وفقاً للرؤية الرسمية اللبنانية، “تفاوضياً”، وليس محدداً لما يعتبره لبنان “حقوقه السيادية”[19].

– يمكن أن يكون للاتفاق مكاسب سياسية كبيرة لحكومة تصريف الأعمال؛ إذ يتمسك فريق رئيس الجمهورية بالدرجة الأولى بضرورة إتمام الاتفاق في الأيام القليلة المقبلة، وذلك قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشيل عون في 31 أكتوبر الجاري، لوضعه ضمن خانة “إنجازات العهد”، وذلك بعد ست سنوات شهدت أقسى الأزمات، أبرزها الاقتصادية والنقدية، عدا عن جريمة انفجار مرفأ بيروت، الذي كان يعلم المسؤولون، ومنهم عون (باعترافهم الشخصي)، “بوجود النيترات”، ولم يتحركوا بالجدية المطلوبة لإزالة الخطر[20].

كما يرى البعض أن صهر الرئيس اللبناني، جبران باسيل، والذي يطمع في أن يخلفه في كرسي الرئاسة، قد شجع على تعمد لبنان في تأخير المطالبة بالخط 29، كي يسهل عملية إتمام الاتفاق مع الإسرائيليين، ومن ثم يكافئه الأمريكيون ويسمحون له بالترشح للرئاسة بعد رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليه منذ نوفمبر 2020[21].

وفي هذا السياق، فقد صرح مساعد وزير الخارجية الأمريكى الأسبق لشؤون الشرق الأدنى، دافيد شينكر عن وجود صفقة ترسيم الحدود مقابل رفع العقوبات عن باسيل والتنازل عن خط 29[22].

–  تعول النخبة اللبنانية الحاكمة على هذا الاتفاق لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية الخانقة، ففي غضون سنوات قليلة فقط، هبط الناتج المحلي الإجمالي للبنان بنحو 60%، وفقدت العملة اللبنانية 95% من قيمتها؛ مما أدى إلى زيادة هائلة في معدلات الفقر.

كما يعاني لبنان ديونًا خارجية تصل إلى نحو 100 مليار دولار، دفعته إلى إعلان عجزه عن تسديد فوائدها.

ويقول الخبراء إن الوصول إلى إمدادات كبيرة من الغاز الطبيعي يمكن أن يساعد في قلب هذه المشكلات الاقتصادية[23].

فالغاز المحتمل استخراجه بموجب هذا الاتفاق سيضمن للبنان طاقة كهربائية مستقرة لعدة سنوات قادمة، وينهي مرحلة اعتماد توليد الكهرباء في لبنان من الوقود التي تسببت في عجز ضخم في الميزانية لسنوات طويلة.

كما أن الاتفاق سيعطي انطباعاً بتدعيم استقرار الأوضاع في لبنان مما قد يشجع على ضخ المزيد من الاستثمارات الأجنبية فيه، خاصة أن الشرط الأمني أساسي لاستثمار الشركات.

كما أنه سيعطي بيروت نفوذاً أفضل في صفقته المحتملة مع صندوق النقد الدولي.

بجانب أنه قد يكون مقدمة لرفع الفيتو الأمريكي علي المساعدات الخارجية للبنان بدعوي أنها تذهب في النهاية إلي حزب الله.

فضلًا عن أن هذه الاتفاق قد يكون مقدمة لإعادة الودائع اللبنانية المجمدة والتي تقدر بحوالي 80 مليار دولار[24].

كما تشير التقديرات إلى أن الموافقة والتمهيد لترسيم الحدود يرتبط بشكل وثيق بتمرير الغاز المصري من الأردن عبر سوريا لإمداد لبنان بالغاز وحل أزمة الطاقة والكهرباء التي يعانى منها لبنان في الفترات الماضية، وإذا تم هذا الاتفاق ستعفى كل من لبنان والاردن ومصر من العقوبات التى تفرضها واشنطن على النظام السوري فى حالة تمرير الغاز عبر سوريا[25] .

– بالنسبة لحزب الله، سيعمل الحزب علي استثمار هذا الاتفاق لتعزيز مكاسبه الحكومية، فهذا الاتفاق يجدد ثقة الأطراف الحليفة له خصوصًا والشعب اللبناني عمومًا بسلاحه؛ لأن استخدم الحزب معادلة الردع ضد إسرائيل هي من أنتجت هذا الاتفاق، وبالتالي لن يسمح بطرح السلاح على طاولات البحث، خصوصاً أنه سيجد له مهمة مستقبلية وهي حماية عمليات التنقيب والاستخراج والبيع وتحصيل حقوق في مساحات أخرى، وعلى صعيد العلاقة بالقوى الخارجية والتي ستعتبره الطرف الأبرز، وإصرار الحزب على قول كلمته في الترسيم يشير إلى تقديم نفسه على أنه القادر على الانخراط في تسويات أو اتفاقيات عندما تسمح الظروف، وأنه أيضاً قابل للالتزام بمعادلة الاستقرار، طالما الشروط التي يراها مناسبة ومتوفرة.

أضف إلي ذلك، يشير مطلعون إلى أنه لا يمكن التعاطي مع اتفاق الترسيم وكأنّه نتاج اتفاق بين لبنان وإسرائيل وحدهما، بل هو نتاج مفاوضات غير مباشرة شاركت بها الولايات المتحدة وإيران (الحليف الاقليمي لحزب الله) برعاية دولة قطر وفرنسا.

ولا يمكن إغفال تزامن هذا الملف وتطوراته مع إعادة الاتصالات الجارية بين واشنطن وطهران لاستئناف الحوار النووي، وهذا الملف تقوم قطر بتحريكه في إطار جهودها الإقليمية لتخفيض النزاع، ونتج عن جهود قطر اتفاق توصل فيه الإيرانيون والأمريكيون لتحرير السجناء وتحرير أموال إيرانية بقيمة 7 مليارات دولار[26].

بجانب، وجود تقارير إعلامية عن إعطاء ضوء أخضر أمريكي لإيران من أجل تصدير مزيد من نفطها إلى الخارج، وفي هذا السياق، عبَّر مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، في تصريح صحفي، عن اعتقاده بأن الإدارة الأمريكية الحالية لن تعاقب لبنان في حال استيراده الوقود من إيران.

فيما بحث وفد لبناني مع مسؤولين إيرانيين في طهران، في 24 سبتمبر الماضي، إمكانية تزويد لبنان بالوقود لتشغيل معامل الطاقة، حيث يعاني لبنان نقصا حادا في هذه الإمدادات[27].

وفي مقابل هذا الترحيب الرسمي بالمقترح الأمريكي، فقد برزت معارضة مدنية كبيرة لموقف لبنان الرسمي في المفاوضات غير المباشرة، إذ تشكلت جمعية “الدفاع عن حقوق لبنان البرية والبحرية”، التي أنذرت بالتحرك قضائياً محلياً وخارجياً، لحماية الثروات اللبنانية وحقوقه البحرية والبرية[28].

وتتمثل أبرز الأسباب التي يقدمها المعارضون لتلك الاتفاقية في:

– في هذا الاتفاق تنازل لبنان عن الخط 29، وبالتالي خسارة ما يقارب 1430 كيلومتر مربع من المياة الإقليمية والتي يقع فيها حقل كاريش، وهو حقل كان جرى التنقيب عن الغاز فيه واكتشف أنه يحتوي على كميات كبيرة منه تقدر ب 32 مليار متر مكعب[29]، واكتفى لبنان بالخط 23 الذي يعطيه الجزء الأكبر من حقل وهمي هو حقل قانا، الذي لم تشير أي دراسات علمية عما إذا كان يحتوي على الغاز أم لا؛ وفي حال احتوى على الغاز، إن كانت الكميات كبيرة أم ضئيلة أم حتى جديرة باستثماره[30].

وفي حالة ما إذا ثبت أن الحقل يحتوي علي الغاز وتم الاستثمار به، فإن استخراجه سيحتاج إلى مدة لا تقل عن حوالي 7 سنوات[31].

أكثر من ذلك، فإن إسرائيل سيكون لها نسبة 17 في المائة من حقل قانا.

فبحسب المدير العام لوزارة الطاقة الإسرائيلية، ليئور شيلات فإن إجمالي العائدات والأرباح المتوقعة من حقل قانا اللبناني للغاز هي ثلاثة مليارات فقط، فيما الحصة الإسرائيلية المتوقعة تبلغ نسبتها 17 في المائة، أي نحو نصف مليار دولار[32].

– خسارة لبنان جزء من المياه الإقليمية (حوالي 5 كيلومتر) بسبب حدود العوامات والتي تم وضعها من الجانب الإسرائيلي[33].

بجانب، تقديم لبنان ضمانات أمنية لإسرائيل، لا سيما في المنطقة البحرية الفاصلة بين “خط العوامات” وبين الخط 23، لتكون هذه المنطقة نوعاً من الدرع لأمن إسرائيل[34].

–  أن لبنان تنازل أكثر ما يمكن أن يتنازل، والسبب أن التفاوض يعكس معادلة القوة بين المفاوضين، إذ يتفاوض مع الولايات المتحدة راعية الاتفاق، وإسرائيل التي هي بأوج الدعم الأميركي لها، في حين أن لبنان يعيش أسوأ الظروف الاقتصادية والسيادية، فيما البلد مصادر من جميع النواحي، وهو ما يتيح إمكانية فرض الحل عليه[35].

وللمفارقة أن حماس الوسطاء الأمريكيين لإحياء مفاوضات ترسيم الحدود بين البلدين يتم في كل مرة تكون فيها الحكومة اللبنانية حكومة تصريف أعمال محدودة الصلاحيات في هذا الصدد[36].

– ذهب بعض المحللين العرب إلى إدراج اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل ضمن إطار اتفاقيات التطبيع، مع الحرص على تشبيهه باتفاقيات كامب ديفيد مع مصر، ووادي عربة مع الأردن وأوسلو مع فلسطين والسلام «الإبراهيمي» مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان[37].

فقبول لبنان المفاوضات حتي لو بصورة غير مباشرة مع إسرائيل يعنى الاعتراف الرسمي اللبناني بدولة إسرائيل، كما أن الاعتراف بالحدود الإسرائيلية هو اعتراف بوجود دولة إسرائيل.

كما أن هذا الاتفاق يعتبر بمثابة تطبيع اقتصادي غير رسمي تلعب فيه شركة توتال الفرنسية الدور الرئيسي. أكثر من ذلك، فإن أحد أبرز الأسئلة المطروحة هو ماذا سيفعل لبنان عند وصوله إلى لحظة الاستخراج؟، وكيف سيعمل على تصدير نفطه، هل سيلتحق بتحالف دول شرق المتوسط؟، علي الرغم من أن ممانعة التطبيع تفرض على لبنان رفض التشبيك مع الأنبوب الإسرائيلي عبر مصر، فيما هناك من يطرح صيغة تقول إن الشركات التي ستعمل على الاستخراج هي التي تشتري الغاز اللبناني، ليصبح ملكاً لها، فتكون حرة بالتصرف فيه. هذا الخيار أيضاً يعني تطبيعاً ضمنياً يتم الدفع باتجاهه على مراحل[38].

 

رابعًا: الموقف الإسرائيلي من مقترح هوكشتاين:

تشير التصريحات الإسرائيلية الرسمية إلي موافقتها علي المقترح الأمريكي، فقد قال رئيس الحكومة الحالية، يائير لبيد، في تصريحات له، في 3 أكتوبر الجاري، أن حكومته ستواصل العمل بهدوء من أجل إتمام الاتفاق لمصلحة إسرائيل، وتحقيق الاحتياجات الأمنية وفق ما تحدده أجهزة الأمن، ومنتقدًا رئيس المعارضة بنيامين نتنياهو وحاشيته الذين يواصلون الحديث عن الاتفاق مع لبنان دون أن يروه أو يعرفوا فحواه [39].

وفي سياق متصل، فقد اتفق مجلس الوزراء المصغر (وقد حصل ذلك بالإجماع)، في 12 أكتوبر الحالي، على ضرورة إقرار اتفاق ترسيم الحدود البحرية بشكل عاجل. وأشار البيان إلى أن “أعضاء مجلس الوزراء الأمني يبدون دعمهم للحكومة للمضيّ قدماً في عمليات إقرار الاتفاق”.

كما أتفقوا علي عرضه على الكنيست خلال مدة 14 يوماً لاطلاع نوابه على بنوده وتفاصيله، من دون التصويت عليه، قبل المصادقة النهائية والرسمية في جلسة مجلس الوزراء[40].

وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء السابق نفتالي بينت في يده استخدام حق النقض ضد الاقتراح لأنه يتقاسم الحكومة مع يائير لبيد، فإنه رأى أنه في ظل الظروف الحالية من الصواب تمرير الاتفاق، وقال بينيت إن هذه الاتفاقية “ليست تاريخية، لكنها ليست اتفاقية استسلام مخزية”.

وفي توضيحه للأمور قال بينت: “ليس كل ما هو جيد للبنان سيئًا لإسرائيل، هناك أوقات يمكن فيها الوصول إلى حالة من الربح لكلا الطرفين، لقد رأيت قيمة في التوصل إلى اتفاق؛ ولكن ليس بأي ثمن، بالتأكيد لا في ظل التهديدات.. الآن توصلوا إلى اتفاق بشروط مختلفة وبطريقة مختلفة عما خططوا له، ومع ذلك، في الظروف الحالية، من الصواب الموافقة”.

مضيفًا أثناء الجلسة أنه قرر دعم الاتفاق بعد دراسة موقف المؤسسة الدفاعية[41].

وعليه، فإن الاتجاه العام للحكومة الإسرائيلية الحالية يدفع باتجاه التوصل إلى اتفاق مع لبنان حول ترسيم الحدود البحرية، وهو ما يرجع إلى جملة من الأسباب، يمكن استعراضها على النحو التالي:

1- تحقيق إسرائيل مصالح اقتصادية وأمنية: يرى الجناح المؤيد لمسودة الاتفاق مع لبنان أن الصفقة المقترحة تحقق المصالح الاقتصادية والأمنية لإسرائيل؛ حيث سيكون حقل كاريش تحت السيطرة الكاملة للجانب الإسرائيلي وهو الحقل الذي قدرت احتياطياته من الغاز الطبيعي بأكثر من حوالي 1.5 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي.

واستغلال حقل كاريش سيزيد من قدرة إسرائيل الإنتاجية والتصديرية من الغاز الطبيعي. وبالفعل أعلنت شركة إنرجيان للطاقة يوم 9 أكتوبر بدء ضخ الغاز لمنصة الإنتاج العائمة في حقل كاريش ضمن اختبارات التدفق العكسي.

وهو ما يدعم استراتيجية إسرائيل بالوصول بإمدادات الغاز الطبيعي إلى حوالي 10% مما كانت تصدره روسيا لأوروبا[42].

وعلي الرغم من أنه في البداية طالب اللبنانيون بـ100% من حقل غاز قانا، إلا أن الاتفاق انتهى بحصولهم على معظمه فيما يذهب لإسرائيل ما يقرب من 30%، أي بمقدار نصف مليار دولار، وعلى الرغم من أنه مكسب ضئيل لإسرائيل إلا أن ذلك يعد مكسبًا اقتصاديًا.

كما أن إسرائيل ستحصل علي تلك العائدات من هذا الحقل قبل عملية الاستخراج[43].

كما أن التنقيب في المنطقة دون اتفاق مع الجانب اللبناني يحمل الكثير من المخاطر بعد تهديدات حزب الله المتكررة باستهداف منصات استخراج النفط الإسرائيلية في حقل كاريش، وهي التهديدات التي وصلت إلى حد تحليق 3 مُسيرات للحزب فوق الحقل في شهر يونيو الماضي، في إشارة إلى جديتها؛ حيث أعلن الجيش الإسرائيلي حينها عن اعتراض هذه المُسيرات[44].

كذلك فأن الاتفاق قد حافظت علي خط العوامات، فبحسب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، إيال هولتا، فإن أحد أسباب تأجيل الاتفاق هو المطالبة الإسرائيلية بالحفاظ على خط العوامات، الذي تعتبره إسرائيل هام من الناحية الأمنية[45].

وستتلقى إسرائيل من الحكومة الأمريكية ضمانات تؤكد التزام واشنطن بكافة حقوقها الأمنية والاقتصادية، حال إن قرر حزب الله أو طرف آخر الطعن في الاتفاقية بشأن ترسيم الحدود البحرية مع لبنان.

تشمل الضمانات، الدفاع عن إسرائيل وحماية حقوقها الاقتصادية في حقل قانا (المحتمل)، بالإضافة إلى منع عائدات الحقل (في حال نجاحه) من الوصول إلى حزب الله وفقًا لنظام العقوبات القائم في الولايات المتحدة الأمريكية[46].

وبوجه عام، فإن هذا الاتفاق يحقق للحكومة الإسرائيلية أكبر قدر من الاستقرار الأمني في الشمال مع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية وتدهور الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية بشكل كبير؛ ما يُسبب “إرهاقاً” للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية[47].

2- سعي الحكومة الإسرائيلية إلى تحقيق مكاسب انتخابية: لا ينفصل الجدل الدائر في إسرائيل بشأن الصفقة مع لبنان عن التجاذبات الانتخابية الحالية بين معسكر اليمين بقيادة نتنياهو والحكومة الحالية بقيادة لبيد وغانتس.

وترى بعض التقديرات أن الحكومة الحالية حريصة على التوصل إلى اتفاق قبل الانتخابات القادمة في نوفمبر المقبل بما يحقق المصالح الأمنية والاقتصادية لإسرائيل ويمنع الانزلاق إلى حرب في الشمال؛ الأمر الذي يعزز المكاسب الانتخابية لها على حساب مُعسكر اليمين.

وفي هذا الصدد وجه لبيد انتقادات حادة لنتنياهو قائلاً: “لمدة 10 سنوات فشلت في محاولة تحقيق هذا الاتفاق. عليك الآن على الأقل ألا تضر بمصالح إسرائيل الأمنية، وألا تساعد حزب الله برسائل غير مسؤولة”.

يأتي هذا فيما اتهم وزير الأمن العام “عومر بارليف” نتنياهو “بالتصرف مثل حسن نصر الله”، فيما اتهم وزير الدفاع الإسرائيلي “بيني جانتس” نتنياهو بأنه ينطلق من “اعتبارات سياسية غير مسؤولة”.

3- تعميق العلاقات مع الإدارة الأمريكية الحالية: يرى الاتجاه الداعم في إسرائيل للوصول إلى صفقة مع لبنان بشأن المناطق البحرية المتنازع عليها أن الصفقة من شأنها أن تساهم في تعميق العلاقات مع الإدارة الأمريكية الحالية التي تبذل قصارى جهدها للتوسط بين لبنان وإسرائيل، لا سيما مع توقعات بأن يُساهم إنتاج حقل كاريش في زيادة صادرات إسرائيل من الغاز إلى أوروبا، وهو ما يتسق مع وعود لبيد بالمشاركة في الجهود الرامية إلى إيجاد بديل للغاز الروسي في أوروبا، وأن إسرائيل تعتزم تزويد أوروبا بـ10% من الكميات التي كانت توفرها روسيا قبل اندلاع الحرب الأوكرانية.

ومن ثم فإن مكاسب إسرائيل – وفق الداعمين للصفقة – لن تقتصر على الأبعاد الاقتصادية والأمنية فحسب، بل تمتد إلى الأبعاد السياسية، خاصة مع توتر العلاقات بين تل أبيب وموسكو مؤخراً[48].

وفي مقابل، حماس الحكومة الحالية للتوصل إلى صفقة سريعة مع لبنان، تصاعدت حدة المعارضة اليمينية ضد مسودة الاتفاق المقترحة، وهو ما يُمكن استعراضه على النحو التالي:

– اتهام نتنياهو حكومة لابيد بالخضوع لحزب الله: يُعد زعيم المعارضة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو صاحب الصوت الأعلى في معارضة الاتفاق البحري مع لبنان برعاية أمريكية؛ حيث اتهم نتنياهو رئيس الوزراء الحالي يائير لبيد بـ”الاستسلام لتهديدات حزب الله”، واصفاً الصفقة بأنها “اتفاق العار”، مُعتبراً أن الاتفاق المقترح يتضمن التنازل عن “أراض ذات سيادة إسرائيلية”.

ولم تقف انتقادات نتنياهو عند حكومة لبيد بل وجه انتقادات للولايات المتحدة لتوسطها في النزاع البحري بين لبنان وإسرائيل، معتبراً أن الوساطة الأمريكية ترقى إلى مستوى التدخل في الانتخابات الإسرائيلية.

الأخطر من ذلك أن نتنياهو هدد بأنه “لن يكون مُلزماً بالصفقة” إذا تمكن من تشكيل حكومة يمينية عقب الانتخابات المُزمع عقدها في نوفمبر القادم، وهو ما من شأنه وضع المزيد من الضغوط على حكومة لبيد؛ حيث يرى نتنياهو أن اتفاقاً كهذا يحتاج إلى موافقة الكنيست بأغلبية 80 عضواً أو إجراء استفتاء شعبي، وهو ما يتعذر توفيره في الوقت الحالي؛ إذ تمر إسرائيل بفترة انتخابات[49].

وإن كان مراقبون كثر إسرائيليون وغير إسرائيليين يروا أن معارضة نتنياهو للاتفاق هي مجرد تكتيك انتخابي، وأنه لن ينقضه في حال ألّف حكومة جديدة، بالنظر إلى حاجة «اسرائيل» الماسة لعائدات الغاز المستخرج من منصاتها البحرية، فضلا عن حاجة أمريكا وأوروبا له في صراعهما المرير مع روسيا، بعد قيامها بقطع الغاز عن معظم دول القارة العجوز[50].

– تقديم رئيس المفاوضين الإسرائيليين استقالته: في تطور لافت يؤكد عُمق الانقسام داخل إسرائيل بشأن مسودة الاتفاق المقترح، أكدت وزارة الطاقة الإسرائيلية استقالة رئيس طاقم المفاوضين مع لبنان بشأن النزاع البحري “أودي أديري”.

وعلى الرغم من تأكيد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أن “الاستقالة جاءت احتجاجاً على تجاهل مكانته رئيساً للوفد المفاوض، وتفويض رئيس مجلس الأمن القومي إيلي حولتا مسؤولاً عن المفاوضات، الذي سافر إلى واشنطن على رأس وفد للتشاور مع الوسيط الأمريكي حول مسودة نص الاتفاق”؛ فإن بعض المصادر أشارت إلى أن السبب الحقيقي للاستقالة يعود إلى عدم موافقة “أديري” على مسودة الاتفاق.

– استدعاء المحكمة العليا للنظر في الاتفاق:  حاول الاتجاه الرافض للاتفاق استدعاء المحكمة العليا وإقحامها في حالة الجدل القائم؛ إذ حددت المحكمة جلسة يوم 28 أكتوبر الجاري، للنظر في استئناف ضد اتفاق ترسيم الحدود البحرية.

وقد دفع البعض بأن عرض الاتفاق على المحكمة يعتبر شرطاً ضرورياً على اعتبار أن “الحكومة الحالية ليست مخولة الصلاحية للتوقيع على الاتفاق”.

علاوة على ذلك، اعتبر البعض أن الموعد المحدد لنظر المحكمة في الاتفاق، الذي يأتي قبل أيام قليلة من الانتخابات الإسرائيلية بداية شهر نوفمبر القادم، يضعف قدرة الحكومة الإسرائيلية الحالية على إبرام الاتفاق[51].

[1] “هل اقترب اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل من مرحلته النهائية؟”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 11/10/2022، الرابط: https://bit.ly/3VpLdPZ

[2] “معركة الغاز بين لبنان و”إسرائيل” وحزب الله”، الميادين نت، 6/10/2022، الرابط: https://bit.ly/3SX5FGA

[3] ” لبنان وإسرائيل على خط الترسيم البحري ببنود جديدة.. هل تنزع واشنطن فتيل الانفجار في المنطقة الحدودية؟”، الجزيرة نت، 4/10/2022، الرابط: https://bit.ly/3CORPQG

[4] ” ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل..إلى أين؟”، جسور للدراسات الاستراتيجية، الرابط: https://bit.ly/3CHxzQZ

[5] تفاصيل اتفاق إسرائيل ولبنان المحتمل حول الغاز، وكيف أقنع الأمريكيون الطرفين باقتراح سبق أن رفضاه؟”، عربي بوست (مترجم)، 4/10/2022، الرابط: https://bit.ly/3CIRyPo

[6] “الأناضول تنشر النص الحرفي لاتفاق ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان”، الأناضول، 12/10/2022، الرابط: https://bit.ly/3CyLurv

[7] ” لبنان وإسرائيل على خط الترسيم البحري ببنود جديدة.. هل تنزع واشنطن فتيل الانفجار في المنطقة الحدودية؟”، مرجع سابق.

[8] ” أسئلة وأجوبة حول اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل”، العربي الجديد، 6/10/2022، الرابط: https://bit.ly/3Mzxrqh

[9] “تفاصيل اتفاق إسرائيل ولبنان المحتمل حول الغاز، وكيف أقنع الأمريكيون الطرفين باقتراح سبق أن رفضاه؟”، مرجع سابق.

[10] المرجع السابق.

[11] “إعادة التوازن: مرتكزات الدور الأمريكي لحلحلة الأزمة في لبنان”، الحائط العربي، 28/9/2022، الرابط: https://bit.ly/3ThkJhI

[12] ” اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.. من المستفيد الأكبر؟”، المرصد المصري، 12/10/2022، الرابط: https://bit.ly/3Vr0LD6

[13] “الصراع على “كاريش”.. جولة خطرة من سياسة حافة الهاوية بين إسرائيل وحزب الله”، مصر 360، 21/9/2022، الرابط: https://bit.ly/3eliACQ

[14] ” ما هي نقاط الاتفاق والاختلاف بين إسرائيل ولبنان بشأن ترسيم الحدود البحرية؟”، عربي بوست، 7/10/2022، الرابط: https://bit.ly/3SOMTRC

[15] “هل يتم اتفاق الحدود البحرية للبنان وإسرائيل بعد 15 يوما؟”، إندبندنت عربية، 5/10/2022، الرابط: https://bit.ly/3CzmvEu

[16] “هل يستطيع لبنان أن يستخرج النفط بدون اتفاق مع إسرائيل؟”، القدس العربي، 10/10/2022، الرابط: https://bit.ly/3rMaypG

[17] “اتفاقية ترسيم الحدود البحرية.. رضا في لبنان وأزمة في إسرائيل”، القاهرة24، 3/10/2022، الرابط: https://bit.ly/3SOKypv

[18] ” اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.. من المستفيد الأكبر؟”، مرجع سابق.

[19] “معركة الغاز بين لبنان و”إسرائيل” وحزب الله”، الميادين نت، 6/10/2022، الرابط: https://bit.ly/3SX5FGA

[20] “لبنان ينتظر الصيغة النهائية من اقتراح هوكشتاين بشأن “ترسيم الحدود البحرية” مع إسرائيل”، العربي الجديد، 10/10/2022، الرابط: https://bit.ly/3yRQHJZ

[21] “هل اقترب اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل من مرحلته النهائية؟”، مرجع سابق.

[22] ” ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل..إلى أين؟”، مرجع سابق.

[23] “تفاصيل اتفاق إسرائيل ولبنان المحتمل حول الغاز، وكيف أقنع الأمريكيون الطرفين باقتراح سبق أن رفضاه؟”، مرجع سابق.

[24] “هل اقترب اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل من مرحلته النهائية؟”، مرجع سابق.

[25] ” ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل..إلى أين؟”، مرجع سابق.

[26] “هل يفتح ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل الباب لتسوية لبنانية شاملة؟”، عربي بوست، 5/10/2022، الرابط: https://bit.ly/3SZsMQE

[27] ” ترسيم حدود لبنان وإسرائيل.. هل يسهم بتراجع دور إيران أم يعززه؟ (تحليل)”، الأناضول، 5/10/2022، الرابط: https://bit.ly/3Mxz6fW

[28] “لبنان ينتظر الصيغة النهائية من اقتراح هوكشتاين بشأن “ترسيم الحدود البحرية” مع إسرائيل”، مرجع سابق.

[29] ” تأثير مشكلة ترسيم مناطق النفوذ البحري اللبنانية في جغرافيا الطاقة السياسية في شرق المتوسط”، رؤية تركية، 31/8/2022، الرابط: https://bit.ly/3yBNBt8

[30] “اتفاق ترسيم الحدود البحرية.. كيف ضرب السيادة اللبنانية وأسقط آخر ورقة توت عن حزب الله؟”، عربي بوست، 12/11/2022، الرابط: https://bit.ly/3Ck0NnG

[31] ” اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.. من المستفيد الأكبر؟”، مرجع سابق.

[32] ” ترويض لبنان مقابل فتات!”، الخليج الجديد، 9/10/2022، الرابط: https://bit.ly/3ECqnqK

[33] ” اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.. من المستفيد الأكبر؟”، مرجع سابق.

[34] “اتفاق ترسيم الحدود البحرية.. كيف ضرب السيادة اللبنانية وأسقط آخر ورقة توت عن حزب الله؟”، مرجع سابق.

[35] “قراءة لبنانيّة في بنود مسودة اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل”، العربي الجديد، 12/10/2022، الرابط: https://bit.ly/3S0aM7g

[36] “هل اقترب اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل من مرحلته النهائية؟”، مرجع سابق.

[37] “اتفاقية الغاز وشبح نتنياهو وحق فلسطين”، القدس العربي، 13/10/2022، الرابط: https://bit.ly/3EMcXIC

[38] ” ما بعد الاتفاق: السلاح زينة المفاوض.. والاقتصاد لـ”التطبيع” المكتوم”، المدن، 12/10/2022، الرابط: https://bit.ly/3Cpof2V

[39] ” ترسيم الحدود.. لبيد ونتنياهو يتبادلان الاتهامات ولبنان يقدم ملاحظاته”، الجزيرة نت، 4/10/2022، الرابط: https://bit.ly/3Mno8JO

[40] “حكومة العدو: توافقٌ على إقرار اتفاق الترسيم «بشكل عاجل»”، الأخبار، 12/10/2022، الرابط: https://bit.ly/3Cza6Aq

[41] “ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.. سيناريو “لوزان” يلوح في “رأس الناقورة””، المرصد المصري، 13/10/2022، الرابط: https://bit.ly/3rSh3rd

[42] ” اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.. من المستفيد الأكبر؟”، مرجع سابق.

[43] “ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.. سيناريو “لوزان” يلوح في “رأس الناقورة””، مرجع سابق.

[44] ” مسودة “هوكستين”: لماذا يؤجج اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان الانقسامات داخل إسرائيل؟”، إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية، 10/10/2022، الرابط: https://bit.ly/3EARFxD

[45] “ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.. سيناريو “لوزان” يلوح في “رأس الناقورة””، مرجع سابق.

[46] ” اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.. من المستفيد الأكبر؟”، مرجع سابق.

[47] ” مسودة “هوكستين”: لماذا يؤجج اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان الانقسامات داخل إسرائيل؟”، مرجع سابق.

[48] المرجع السابق.

[49] المرجع السابق.

[50] “هل يستطيع لبنان أن يستخرج النفط بدون اتفاق مع إسرائيل؟”، مرجع سابق.

[51] ” مسودة “هوكستين”: لماذا يؤجج اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان الانقسامات داخل إسرائيل؟”، مرجع سابق.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022