يعبر الخلاف المتصاعد على الساحة الاقليمية بين مصر واليونان من جهة، والحكومة الليبية المعترف بها دوليا في طرابلس، عقب توقيعها اتفاق للتنقيب عن الغاز والنفط في البحر المتوسط مع تركيا، عن استمرار الأزمات السياسية، بين أنقرة والقاهرة، حيث يبدو أن جهود المصالحة المتنامية بين الجانبين، لم تعد ترضي النظام المصري على ما يبدو، ولم تحقق كل ما كانت تصبو إليه ادارة السيسي، من تضييق واسع على المعارضين المصريين، المقيمين في تركيا، حيث توقفت الضغوط فقط عند التضييق التركي على المنافذ الاعلامية، دون التوسع في تسليم قيادات مطلوبة من جماعة الإخوان المسلمين، تريد القاهرة إعادتهم إليها.
كما تعبر أيضا عن حجم التباعد بين رؤيتي القاهرة وأنقرة حول مسار الأزمة الليبية، وتعثر مفاوضات السلام بين الفرقاء الليبيين وكذا التفاهمات التركية الأمريكية والاسرائيلية في قضايا شرق المتوسط وقضايا الشرق الأوسط في سوريا وروسيا والعديد من الملفات الدولية، وهو ما يثير حفيظة نظام السيسي، الذي يعاني الانكسارات على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني، في الملفات الاقتصادية والسياسية بالمنطقة، سواء في علاقاته مع الفلسطينيين والسودان ودول الخليج.
وعقب الإعلان عن الاتفاقية الجديدة، سارعت القاهرة لإعلان رفضها لها، معتبرة الحكومة الليبية في طرابلس غير شرعية ومنتهية الصلاحية، ثم جاء الموقف المشترك المعلن من القاهرة وأثينا لرفض الاتفاقية التركية، ليضع العديد من علامات الاستفهام حول مسار تطبيع العلاقات بين القاهرة وأنقرة، وحول طبيعة الأدوار المصرية في الملف الليبي في المرحلة المقبلة..وهو ما تستعرضه الورقة التالية.
أولا:الاتفاق التركي الليبي:
وأعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، يوم 3 أكتوبر الجاري، عن توقيع مذكرة تفاهم بين بلاده وليبيا، في مجال الموارد الهيدروكربونية (النفط والغاز الطبيعي).
1- بنود الاتفاق:
بنود مذكرة التفاهم التي لم تعلن بالكامل رسمياً، كشف عن بعض ملامحها رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية خلال مؤتمر في طرابلس، حيث تنص على تعاون تركيا وليبيا في “تنمية قطاعات الهيدروكربون الخاصة بالطرفين، وفي القضايا القانونية والتنظيمية، وكذا في العمليات التعاقدية وتدريب الموارد البشرية”، إضافة إلى العمل المشترك في “المشاريع المتعلقة باستكشاف وإنتاج ونقل وتكرير وتوزيع وتجارة الهيدروكربونات، وإنتاج وتجارة النفط والغاز والبتروكيماويات والمنتجات البترولية المتنوعة، وكذلك مشاركة الخبرات وتنظيم النشاطات التدريبية على هيكل سوق النفط والغاز الطبيعي، بما في ذلك الدراسات التشريعية”.. أما المادة الثالثة فتتعلق بالاستثمار، حيث اتفق الطرفان على العمل المشترك لتعزيز الشراكات العامة والخاصة لإنشاء مشاريع مشتركة، والحفاظ على سرية مخرجات نتائج التعاون وتتيح المذكرة للشركات التركية والليبية إمكانية التعاون في المناطق الغنية باحتياطيات النفط والغاز الطبيعي في البر والبحر، وضمن مناطق الصلاحية البحرية لكلا البلدين، كما تهدف المذكرة إلى توسيع وجود تركيا في البحر المتوسط.
وبناء على تعليمات من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أجرى وفد تركي رفيع المستوى، برئاسة وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو، زيارة إلى ليبيا يوم الاثنين 3 أكتوبر، ضم الوفد وزراء الطاقة والدفاع والتجارة ورئيس دائرة الاتصال والمتحدث باسم الرئاسة.. وشهدت الزيارة اتخاذ خطوات مهمة لتعزيز التعاون بين البلدين، وتوقيع مذكرات تفاهم عدة.
وفي تصريحات أدلى بها على هامش الزيارة، قال تشاووش أوغلو، إن تركيا تقف دون تردد إلى جانب ليبيا، مؤكدا أنه “لا يحق لدول أخرى التدخل في اتفاقية موقعة بين بلدين ذوي سيادة” وبدوره قال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية تانجو بيلغيتش، إن التصريحات الصادرة عن اليونان، والمتحدث باسم الاتحاد الأوروبي بشأن مذكرة التفاهم الموقعة بين تركيا وحكومة الوحدة الوطنية الليبية، التي تنص على تطوير التعاون الثنائي العلمي والتقني والتكنولوجي والقانوني والإداري والتجاري في البر والبحر، في مجال الموارد الهيدروكربونية، “ليس لها أهمية أو قيمة بالنسبة لتركيا”.
وأشار بيلغيتش إلى أن جهود اليونان التي تحاول اغتصاب الحقوق المشروعة لتركيا وليبيا أيضا من خلال المطالبة بمناطق بحرية مرخصة “لن تسفر عن أي نتائج”.
ثانيا: سجالات سياسية حول الاتفاقية:
وتسبب توقيع الاتفاق في إعلان معارضة مصر واليونان لأي نشاط في المناطق المتنازع عليها في شرق البحر المتوسط كما قوبل الاتفاق التركي- الليبي بالرفض أيضاً من البرلمان الليبي، الذي يتخذ من شرق ليبيا مقراً له، ويدعم إدارة فتحي باشاغا، بدلاً من سلطة حكومة الوحدة الليبية التي يقودها عبد الحميد الدبيبة.
ومن جهته قال السفير الإيطالي السابق لدى باكستان ستيفانو بونتيكورفو، في تعليقه على مذكرة التفاهم الجديدة، إن “الأتراك يعززون وجودهم العسكري والسياسي والمالي في ليبيا. ويجب ألا ننسى أن ليبيا ظلت تابعة للسيادة التركية عدة قرون. الأتراك لديهم روابط تاريخية مع ليبيا”..
وفي مواجهة الانتقادات المصرية اليونانية، شدد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، على أن بلاده تعتزم المضي قدما في استكشاف النفط والغاز في المياه الليبية بعد الاتفاق الأخير مع حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، وذلك يوم 4 أكتوبر الجاري، بعد اجتماع لمجلس الوزراء، حسبما نقلت وكالة “بلومبرج”.
مشيراً إلى أن تركيا خلقت مجالا جديدا للتعاون بخصوص استخراج النفط ومشتقاته في الجرف القاري لليبيا عبر اتفاقية النفط والغاز الموقعة معها ورفض “أردوغان” انتقادات الاتحاد الأوروبي والداخل الليبي لسعيه لتوسيع التعاون في مجال الطاقة مع إحدى الإدارتين المتنافستين في الدولة الواقعة شمالي أفريقيا.
يشار إلى أنه فور الإعلان عن توقيع الاتفاق، سارعت مصر واليونان لاتخاذ موقف مشترك، حيث أجرى وزيرا خارجية البلدين اتصالاً هاتفياً أكدا خلاله أن “حكومة الوحدة المنتهية ولايتها في طرابلس لا تملك صلاحية إبرام أي اتفاقات دولية أو مذكرات تفاهم”، بحسب بيان لوزارة الخارجية المصرية.
كما شهدت القاهرة مباحثات بين وزير الخارجية المصري سامح شكري ونظيره اليوناني نيكوس ديندياس بعد أسبوع من توقيع الاتفاق، وقرر الوزيران في مؤتمر صحفي عبارات الرفض والاستنكار للخطوة التركية مع حكومة الدبيبة
وقال الوزير اليوناني إن أنقرة “تمارس ضغوطاً” على الأطراف السياسية الليبية، مؤكداً أن بلاده “ستواصل الحفاظ على حقوقها”، كما اعتبر شكري أن حكومة الدبيبة “لا شرعية لها” منذ 24 ديسمبر الماضي.
فيما رفضت حكومة الوحدة الوطنية الليبية، انتقادا وجهته مصر واليونان لمذكرة التفاهم الليبية- التركية ، مؤكدةً أنها لن تقبل التفريط في حقوق الشعب الليبي في منطقة شرق البحر المتوسط بحجة الوضع الانتقالي للبلاد.
وردا على الانتقاد المصري اليوناني، قال المتحدث باسم حكومة الوحدة محمد حمودة، خلال مؤتمر صحفي، الإثنين: “لا نقبل التسليم في حقوق ليبيا والشعب الليبي بشرق المتوسط بحجة الوضع الانتقالي للبلاد”.
وأضاف أن “الاتفاق السياسي الليبي هو ملكية ليبية خالصة وبرعاية أممية لا تفرض على الليبيين أي شكل محدد للحل دون موافقتهم أو رغما عنهم”.
وشدد على أن “تكرار محاولات الإشارة لانتهاء صلاحية الاتفاق السياسي الليبي هو تدخل مرفوض في الشأن الليبي ودعوة للفراغ والانقسام والحرب”.
مشيراً إلى وزير خارجية مصر، قال حمودة: “يبدو أنه يتجاهل عن قصد موقف الأمم المتحدة والأطراف الدولية الفاعلة الواضح بأن يكون هناك انتخابات وطنية في ليبيا والرفض الواسع لأي حلول تلفيقية أخرى”.
وتطرق إلى تكليف مجلس النواب لحكومة بديلة برئاسة باشاغا، مشددا على رفضه عملية “خلق إدارات موازية تعمق الأزمة”.
وأردف حمودة: “هناك إجماع بالاتحاد الأوروبي حول أن استقرار ليبيا هو مصلحة أوروبية، ولا نعتقد أن الموقف المصري الفردي يمكن أن يؤثر أو يشوش على مصالح الدول الأوروبية في تحقيق تفاهمات شاملة حول القضايا المتعلقة بالتطورات في شرق البحر المتوسط”.
وأعرب عن دعم حكومته وتعاونها “الوثيق مع الاتحاد الأوروبي وخاصة في قطاع النفط والغاز”، مشيرا إلى أن دول الاتحاد “أبرمت أكثر من 15 اتفاق وشراكة مع ليبيا”.
وزاد بقوله: “أنصح الخارجية المصرية بالتمتع بمزيد من الحيوية السياسية لمواجهة التطورات المتسارعة في المواقف الدولية إزاء الأوضاع في ليبيا” وختم بأنه “من المثير للاستغراب أن يكون موقف جارتنا (مصر) معاكس للموقف الأممي الداعم لاستقرار ليبيا”.
ثالثا: الأهمية الاستراتيجية للاتفاق:
1-تفعيل اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المشتركة بين تركيا وليبيا:
يشار إلى أن مذكرة التفاهم تستند إلى اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، التي وقعها أردوغان مع رئيس حكومة المجلس الرئاسي الليبي آنذاك فايز السراج، ولاقت معارضة مصرية كبيرة وتحركات دبلوماسية مع اليونان وفرنسا تنديداً بذلك الاتفاق الذي وصفوه بغير الشرعي.
كما أن الاتفاقية، تدعم وتمتين العلاقات السياسية والأمنية، بين أنقرة وحكومة الدبيبة، وذلك في سياق العلاقات التركية – الليبية المستمرة منذ أن مدت تركيا يد العون لليبيا عام 2019 بصفتها “قوة ضامنة للاستقرار” في ظل حرب أهلية.
وفي إطار الربح المتبادل، وقع الجانبان مذكرة التفاهم المتعلقة بمجال الموارد الهيدروكربونية، وتشكل هذه الخطوات بداية بالنسبة إلى تركيا التي تستعد لتوقيع اتفاقيات مهمة قريبا مع دولتين أوروبيتين في المتوسط.
ومن المتوقع أن تتخذ تركيا خطوات كبيرة فيما يخص ملف جزيرة قبرص وجزر بحر إيجه المتنازع عليها مع اليونان، وفق تقديرات استراتيجية نقلتها وكالة الأناضول التركية.
2- تمتين العلاقات السياسية التركية الليبية وتعزيز مكانة حكومة الوحدة الوطنية بقيادة الدبيبة:
وتأتي الاتفاقية الحالية، ضمن سلسلة مهندسة من قبل تركيا، لتطوير مكانتها وتعزيز حلفائها في ليبيا وفي شرق المتوسط وقد سبقت الخطوة الحالية، العديد من الخطوات التركية المدروسة والتي يبنى بعضها على بعض ففي نوفمبر 2019، وقعت تركيا اتفاقا للتفاهم مع حكومة السراج في العاصمة الليبية طرابلس.
وشمل الاتفاق مذكرتين تفاهم، تتعلق الأولى بترسيم الحدود البحرية بين البلدين، في حين تنص الثانية على تقديم تركيا للدعم والاستشارات والتدريبات العسكرية للحكومة في حربها ضد قوات شرق ليبيا بقيادة خليفة حفتر، وكذلك تقديم الدعم العسكري التركي المباشر إذا طلبته الحكومة في طرابلس.
وعلق وزير الخارجية المصري، سامح شكري، على الاتفاق بأنه يزيد التعقيدات في الملف الليبي، وقال في منتدى روما للحوار المتوسطي إنه “لا يوجد مساس بمصالحنا في مصر من اتفاق تركيا وحكومة طرابلس، لكنه يمس مصالح دول أخرى في المنطقة.
وأصدرت مصر واليونان وقبرص مذكرة مشتركة لاحقا، قالت فيها إن الاتفاق الليبي التركي “ليس له أثر قانوني” وفي يناير 2020، وافق البرلمان التركي على إرسال قوات إلى ليبيا لدعم حكومة طرابلس في حربها ضد قوات شرق ليبيا واعتبرت مصر هذه الخطوة تهديدا لأمنها القومي.
وذكر بيان للخارجية المصرية أن التحرك التركي يخرق قرارات مجلس الأمن “وينذر بمزيد من تدويل الأزمة الليبية” كما ذكر البيان المصري أن الدعم العسكري يهدد جهود المجتمع الدولي لإيجاد حل سياسي للأزمة.
وحددت مصر خطا أحمر في سرت والجفرة، وقالت إنها ستتصدى لأي تجاوز لهذه المنطقة، وأعلنت استمرارها لدعم الجيش الليبي “في حربه ضد الإرهاب والتدخلات الإقليمية وفي يونيو 2020، أعلنت مصر مبادرة “إعلان القاهرة” لدعم الحل السياسي للأزمة في ليبيا، بحضور القائد العسكري خليفة حفتر ورئيس برلمان طبرق عقيلة صالح.
ونصت المبادرة على إعلان وقف إطلاق النار بدءا من الثامن من يونيو 2020، وإلزام جميع الأطراف بخروج المرتزقة الأجانب من ليبيا، وتفكيك الميليشيات وتسلم أسلحتها للجيش الليبي وفي غياب ممثل لحكومة طرابلس، يرى بعضهم أن إعلان القاهرة محاولة لإنقاذ حفتر بعد تراجعه عسكريا، وسرعان ما رفضت حكومة طرابلس الإعلان وقالت إن “ليبيا ليست في حاجة إلى مبادرات جديدة”.
كما أعلن المتحدث باسم الخارجية التركية اعتراض بلاده على اتهامها بعرقلة جهود السلام في ليبيا واستمر الوجود العسكري التركي في ليبيا رغم الإعلان عن حكومة جديدة.
وقالت الرئاسة التركية إن قواتها ستبقى في ليبيا ما دام الاتفاق العسكري ساريا بين الجانبين وتعزز المواقف التركية من قوة ومكانة حكومة الدبيبة في مواجهة الخطط المصرية، لدعم حليفها اللواء خليفة حفتر في شرق ليبيا.
3-نزع فعالية الاتفاقات اليونانية المصرية في شرق المتوسط:
كما يُعد التفاهم الليبي التركي، تحديا للاتفاقات الأخيرة بين قبرص واليونان من جهة والقاهرة، حول ترسيم الحدود البحرية ، الذي يتجاوز أية حقوق تركية في مياه المتوسط، ويوقف أي جهود مصرية يونانية لاستكشاف الغاز في البحر المتوسط.
كما يُشكل أساسا قانونيا تنطلق منه تركيا، في مواجهة المصالح المصرية اليونانية، في شرق المتوسط، والهادفة لعزل تركيا وحصارها في حدود ضيقة، ترفضها تركيا منذ حرب التحرير عقب الحرب العالمية الأولى.
رابعا: حلفيات الموقف المصري اليوناني الرافض للتقارب التركي الليبي:
ويعبر الموقف المصري من الاتفاقية الليبية التركية، عن تباطؤ وتيرة تحسن العلاقات المصرية التركية مؤخرًا بسبب خلافات حول قضايا إقليمية ودولية وداخلية مصرية.
-تباطؤ المصالحة المصرية التركية:
وتعاني العلاقات المصرية التركية من تباطؤ في مسار المصالحة والتقارب، الذي دفعته نحو أطراف خليجية، كالسعودية والإمارات، اللتين توجهت بعلاقات إيجابية مع أنقرة، على رغم حجم الخلافات والإشكالات الكبيرة بينهم، وُتمثل الأوضاع في ليبيا إحدى المسائل الاساسية العالقة في علاقات تركيا ومصر.
وطلبت مصر من تركيا سحب قواتها من ليبيا وعدم التدخل في شؤون الدول العربية والتعاون في ملف غاز شرق المتوسط ووقف دعم جماعة الإخوان المسلمين، في المقابل طالبت تركيا مصر بعدم إعطاء مساحات في أي قنوات لتمثيل جماعة فتح الله غولن التركية، والتنسيق فيما يخص غاز المتوسط وترسيم الحدود البحرية.
وأمرت تركيا مؤخرًا إعلاميين مصريين معارضين بعدم بث برامجها على وسائل التواصل الاجتماعي من داخل أراضيها، بعدما توقفت قبلها برامجهم على قنوات فضائية تبث من تركيا.
ولكن من الصعب ترحيل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المطلوبين من قبل مصر، ذلك لأن الكثير منهم حصل على الجنسية التركية أو يحمل صفة لاجئ، كما أن تركيا تمانع في تسليم المطلوبين الذين يواجهون أحكاماً بالإعدام.
ووفق محللين، فإن التقارب المصري القطري بدأ أسهل من نظيره المصري التركي، لأن قطر ليست في صراع مع فرنسا وقبرص واليونان، حلفاء مصر الذين قد يشكلون عوامل ضغط لعدم تقدم العلاقات.
– تعثر المصالحة الليبية الليبية:
ولعل استمرار الخلافات الليبية الداخلية بين الشرق والغرب، ما زال محفزاً لمصر في تعاطيها مع القضايا الاقليمية، إذ ترى في الدعم التركي لحكومة طرابلس، عائقاً أمام تدخلاتها وسياساتها المنحازة لخليفة حفتر والشرق الليبي ولاقت حكومة الوحدة الليبية مؤخراً انتقادات واتهامات بانتهاء مدة ولايتها بحلول 21 يونيو الماضي، وهو موعد انتهاء العمل بخارطة طريق وضعها ملتقى الحوار السياسي الليبي، برعاية الأمم المتحدة، في 5 فبراير 2021.
لكن ذلك الجدل حسمته الأمم المتحدة، عبر بيان لنائب المتحدث باسم أمينها العام “فرحان حق”، طالب فيه بـ”الامتناع عن استخدام تاريخ 22 يونيو كأداة للتلاعب السياسي وأوضح أن “خارطة الطريق حددت انتهاء المرحلة الانتقالية في 22 يونيو بشرط إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بحلول هذا الوقت، وهو ما لم يحدث”.
وتعذر إجراء انتخابات ليبية في ديسمبر 2021، جراء خلافات بين مؤسسات الدولة ولاسيما بشأن قانوني الانتخاب كما تعثرت جهود تبذلها الأمم المتحدة لتحقيق توافق ليبي حول قاعدة دستورية تُجرى وفقا لها انتخابات برلمانية ورئاسية يأمل الليبيون أن تقود إلى نقل السلطة وإنهاء نزاعات مسلحة يعاني منها منذ سنوات الليبيون ووفق خبراء استراتيجيين، فإن نجاح جهود تشكيل حكومة جديدة في ليبيا تمثل الأطراف الليبية، بمثابة عنصرً أساس في حل الخلافات المصرية التركية، لأن تلك الحكومة المنتظرة ستنظم علاقة الليبيين بالأطراف الدولية كافة.
ولكن فشل محاولات تغليب حكومة الشرق التي يدعمها البرلمان الليبي، المنتهية ولايته، بقيادة فتحي باشاغا، يبقى هاجس مصر الأكبر في مواقفها من أية تطورات على الصعيد الليبي.
-إمكانات ليبيا النفطية:
وتسعى مصر لاغتنام حالة الانقسام الليبي، لتعزيز مصالحها للحصول على كعكة النفط الليبي، وأيضا إعادة الإعمار، حيث وقعت العام 2021 اتفاقاً مع حكومة طرابلس على مشاريع بنية أساسية وإعادة إعمار في ليبيا، تقدر بـ20 مليار دولار، إلا أن تحيزها ضد الحكومة المعترف بها دولياً، لصالح أجندة إماراتية إقليمية، حالت دون البدء في تلك المشاريع.
وحسب نشرة «أوبك» لعام 2017م، تحتلُّ ليبيا المركز الخامس عربيًا في احتياطي النفط الخام المؤكَّد، الذي يصل إلى 48.5 مليار برميل، وهو ما يعادل 3.76% من الاحتياطي العالمي وبالنسبة الاحتياطي المؤكَّد من الغاز الطبيعي، جاءت ليبيا في المركز الثامن عربيًا باحتياطيٍ يُقدر بـ 1.5 ترليون متر مكعب.
كما تتصدَّر ليبيا الدولَ العربية في احتياطات النفط الصخري، وتحتلُّ المركز الخامس عالميًّا بعد أن ارتفعت احتياطاتها من 48 مليار برميل إلى 74 مليار برميل، ويقع هذا المخزون الضخم من النفط الصخري شمال غرب البلاد وجنوبها الغربي، وترفع هذه الكمية الجديدة من المخزون العمرَ الافتراضي لإنتاج النفط الليبي من 70 إلى 112 عامًا.
كما ارتفعت احتياطات الغاز الليبي إلى ثلاثة أضعاف من 55 ترليون قدمٍ مكعب إلى 177 تريليون قدمٍ مكعب، ويُقدَّر احتياطيها الإجمالي بـ 613 مليار برميل.
وتعد تلك الإمكانات النفطية، مطمعاً كبيراً لحكومة السيسي، التي تعاني أزمات اقتصادية كبيرة، وتعثر على صعيد الاحتياطيات النقدية، وتسعى لاستغلال الأزمة الروسية الأوكرانية، لتوريد كميات من الغاز إلى أوروبا، وهو ما دفعها لتخفيف استهلاك الكهرباء ورفع أسعار غاز المصانع، والعديد من الإجراءات التقشفية بالداخل المصري، لأجل توريد الغاز لأوروبا.
وهو ما يُمثل مجالاً كبيراً للنزاع مع تركيا، التي لها باع طويل في مجال النفط بليبيا، منذ أيام القذافي نفسه، فعمليًّا، بدأت شركة البترول التركية TPAO التي تزيد استثماراتها على 180 مليون دولار في ليبيا، بالتنقيب عن النفط في ليبيا في أوائل عام 2000م، لكنها أوقفت عملياتها عام 2014م. ثم عاودت العمل مرةً أخرى بعد توقيع الاتفاقية الجديدة التي سيتركَّز التنقيب عن النفط وفقًا لها في المنطقة الاقتصادية الخاصة الموقعة بين تركيا وليبيا، من خلال تطوير مشاريع مشتركة للطاقة في المنطقة التي تسمى بالهلال النفطي.
كما أن هناك حضورٌ قوى لعددٍ من شركات النفط العالمية في ليبيا مثل «توتال» الفرنسية و«إيني» الإيطالية و«كونوكو فيليبس» و«هيس» الأمريكيتين و«فينترسهال» الألمانية، وفق بوابة الوسط الليبية إلى ذلك، تُعدُّ ليبيا شريكًا تجاريًا كبيرًا لتركيا في مجال تقديم خدمات المقاولات منذ عام 1974م، وبعد أحداث «الربيع العربي» تراجعت صادرات تركيا إلى ليبيا، وتعثَّرت مشاريعها الاقتصادية التي بلغت قيمتها نحو 19 مليار دولار، وتأثَّرت بذلك العمالة التركية، كما تأثَّر قطاع السياحة بتقلُّص أعداد السياح الليبيين في تركيا، وفي محاولتها إعادةَ أصولها ونشاطها الاقتصادي، والحصول على مزيدٍ من الفُرص الإستثمارية خاصةً في قطاع البناء والإعمار؛ كما تحاولُ تركيا الاستحواذ على جزءٍ كبير من الاستثمارات المتوقَّعة في ليبيا بمجال إعادة الإعمار والبُنية التحتية، بقيمةٍ تصل إلى 120 مليار دولار.
-الخلافات اليونانية التركية حول الحدود والجرف القاري وانسياق مصر خلف أثينا:
وعلى جانب أخر، فإن انسياق مصر خلف الموقف اليوناني، في عدائه لتركيا، يمثل هدرا لإمكانات وأجندات مصر الاقليمية، في غير صالح السياسة المصرية، إذ أن اليونان تسعى تاريخياً للتضييق على تركيا في منطقة شرق المتوسط، وتوسيع مساحات مياهها الإقليمية والاقتصادية في حوض المتوسط، على حساب مصالح وحقوق كافة الأطراف الاقليمية بما فيها مصر، وهو ما يبدو مهدداً استراتيجياً لمصالح مصر، ورغم ذلك تنحاز مصر للجانب اليوناني نكاية في تركيا، خاصةً عقب موقفها الرافض للانقلاب العسكري ضد الرئيس محمد مرسي في العام 2013.
وإلى جانب الخلافات التاريخية بين اليونان وتركيا، والممتدة منذ أيام الخلافة العثمانية والحرب العالمية الأولى وتوغل اليونان على الجزر التركية واستيلائها على العديد من المناطق التركية التاريخية بالبحر المتوسط، عقب هزيمة دول المحور، وإضافة لافتعال اليونان المشاكل الحدودية مع تركيا واستنجادها بالاتحاد الأوروبي، تُطالب اليونان من شركائها في الاتحاد الأوروبي إعداد قائمة بعقوبات اقتصادية موجعة لاستخدامها ضد تركيا المجاورة، إذا مضت قدماً في عمليات التنقيب عن الغاز والنفط قبالة الجزر اليونانية، وفق رؤيتها.
وتعتمد اليونان على الجرف القاري في رسم الحدود مع تركيا ضمن الجزر والمناطق المتنازع عليها في بحر إيجة، ويُعرف الجرف القاري بأنه الامتداد الطبيعي لليابسة داخل البحار والمحيطات، وهو بالنسبة لأي دولة ساحلية قاع وباطن أرض المساحات المغمورة التي تمتد ما وراء البحر الإقليمي، للدولة الساحلية حقوق سيادية على جرفها القاري، لتستفيد من موارده الطبيعية غير الحية كالنفط والغاز والمعادن.
ووفقاً لهذا المبدأ، يُمكن أن يُعطى للجزر مساحة جرف قاري أو منطقة اقتصادية خالصة أقل مقارنةً باليابسة الرئيسية، حتى إن الجزر من الممكن أن تكون محاطة بالكامل، وحينذاك يتم أخذ عوامل عديدة في الاعتبار، مساحة الجزر، وطول جبهتها، ومواقعها، ومدى بعدها عن اليابسة.
وبحسب قانون البحار الدولي الأول في 1958 الصادر عن جنيف، وقانون البحار الدولي الثاني في 1960، فإن منطقة شرق المتوسط هي منطقة اقتصادية خالصة لمصر وتركيا، إلا أنه بعد قانون البحار الدولي الثالث في 1982 أعلنت اليونان جرفاً قارياً لها بعمق 12 ميلاً بحرياً، الأمر الذي أثار حفيظة تركيا.
وتعمل اليونان في السنوات الأخيرة الماضية، على محاولة توسيع جرفها القاري، على الرغم من أن الجزر التي تسيطر عليها أكثر قرباً إلى تركيا منها إلى اليونان..
ووفق الرؤية اليونانية، التي تحرم تركيا من أية مساحات اقتصادية بمياه المتوسط، وقعت اليونان ومصر اتفاقية ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخاصة بالجرف القاري للبلدين، ولم يتم الإفصاح عن تفاصيل النص الرسمي للاتفاقية، ويعتبر الأتراك أن ذلك يهدف إلى محو الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، فضلاً عن تضرر خط الملاحة التركية.
وسبق هذا الاتفاق بعدة أشهر اتفاقية أخرى وقعها قادة قبرص واليونان وإسرائيل، في 2 يناير 2020 في أثينا لمد خط أنابيب الغاز المعروف بـ”إيست ميد”، بطول 1900 كيلومتر لنقل الغاز الطبيعي من منطقة شرق البحر المتوسط إلى أوروبا.
وفي شهر نوفمبر عام 2019، أبرمت الحكومة التركية مع حكومة الوفاق الليبية، اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين في البحر المتوسط، وأكد المسؤولون الأتراك أن هذه الاتفاقية تزود مصر بوسيلة ضغط ضد سلوك اليونان المتشدد، نحو جر مصر إلى اتفاقية مجحفة بحقها مع اليونان، وهو ما أكدته الخرائط التي قدمتها انقرة للقاهرة واقتنع بها قادة عسكريون وقانونيون، طالبوا السيسي الأخذ بها، إلا أنه خالف مقتضيات الأمن القومي المصري، ووقع الاتفاقية تلو الأخرى مع اليونان وقبرص، ما قلص نحو 41 ألف كلم مربع من حدود مصر البحرية لصالح قبرص، ونحو 11 ألف كلم مربع لصالح اليونان!!.
-توقف الدعم الأمريكي لخط “ميدل ايست” لنقل الغاز لأوروبا:
ولعله من أبرز محفزات الموقف المصري اليوناني ضد الاتفاقية التركية، هو انصراف أمريكا عن دعم خط الغاز الإسرائيلي اليوناني، وانصياع لوجهة النظر التركية التي ترفض استبعادها من اتفاقية الغاز ومشاريع الطاقة بشرق المتوسط.
وقد سبق أن أعلن الرئيس أردوغان في العام 2019: “لا يمكن قبرص الجنوبية ومصر واليونان وإسرائيل إنشاء خط نقل غاز طبيعي من المناطق التي حددها الاتفاق مع ليبيا دون موافقة تركيا، لن نتساهل بهذا الصدد، وكل ما نقوم به متوافق بالتأكيد مع القانونين البحري والدولي”..
الأمر الذي يعني أن خطط مصر لإنشاء خط أنابيب مع إسرائيل واليونان وقبرص مهدد، وكذا تنقيب هذه الدول في البحر المتوسط في المناطق التي تعتبرها تركيا خاضعة لحدودها البحرية بعدما طوّق أردوغان الجميع ووسع حدود بلاده وفي يناير 2022، تلقت اليونان ضربة استراتيجية، بسبب قرار الإدارة الأمريكية وقف دعم مشروع خط أنابيب الغاز شرق المتوسط “إيست ميد”، الذي كان سيتجاوز تركيا ويوصل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا..
ووقعت اليونان وإسرائيل جنباً إلى جنب مع قبرص، اتفاقية في عام 2020 لبناء خط أنابيب بطول 1180 ميلاً من شأنه أن يشحن الغاز الإسرائيلي والقبرصي إلى البر الرئيسي لأوروبا عبر اليونان؛ لكن يوم الثلاثاء 18 يناير 2022 ذكرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية أن إدارة بايدن أبلغت الدول الثلاث أن واشنطن لم تَعُد تدعم خط أنابيب الغاز الطبيعي “إيست ميد”.
وكان موقع ميدل إيست آي قد ذكر في 12 يناير أن واشنطن تخلت بصمت عن المشروع، وأرسلت إلى اليونان مخاوفها بشأنه في مراسلات دبلوماسية غير رسمية..
وعلى إثر ذلك، وصفت الصحف اليونانية القرار الأمريكي بأنه “انتصار للدبلوماسية التركية”، ونقلت صحيفة Aydinlik التركية عن المجلة العسكرية اليونانية “ميليتاري” قولها، إن الولايات المتحدة بقرارها هذا تغير الخطط القائمة في شرق المتوسط وتضع حداً مشروع خط الأنابيب، مشيرةً إلى أن “السياسة التركية انتصرت ويجب على أثينا انتظار عواقب ذلك”.
وعلى الرغم من أن الخط المقترح كان يستبعد مصر من فوائده التجارية والاقتصادية، إلا أن الخلاف السياسي بين القاهرة وأنقرة الذي ما زال قيد التفكيك، دفع بالقاهرة للانحياز للموقف اليوناني، على حساب مصالحها الاستراتيجية التي يوفرها لها الاتفاق التركي الليبي، بتوسيع نطاق منطقتها الاقتصادية في البحر المتوسط..
وأيدت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مشروع خط الغاز كوسيلة لتنويع اعتماد أوروبا في مجال الطاقة بعيداً عن منافسين مثل روسيا، لكن المشروع أثار غضب تركيا، التي لطالما شهدت منافسة بحرية محتدمة مع اليونان.
خامسا: توترات وقضايا خلافية قد تقود لصراع عسكري:
وأمام الرفض المصري اليوناني للتحركات التركية في ليبيا، يبدو أن منطقة شرق المتوسط، قد تتحول لبؤرة صراع عسكرية في المرحلة المقبلة ومن ضمن التوترات المتصاعدة، تثور قضايا غاز شرق المتوسط، والتصعيد العسكري التركي اليوناني وتجلياته المتسارعة.
1- تصاعد الصراعات السياسية والاقتصادية حول غاز شرق المتوسط:
ويعد هذا الملف الأكثرَ خطورة بالنسبة للجانب التركي، لأنه يتعلق بثروات هائلة من الغاز الطبيعي والهيدروكربونات، وتتداخل فيه أطراف على خلاف تاريخي مع تركيا، هي اليونان وقبرص وتنص معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 على أن تمتد المياه الإقليمية للدول إلى مسافة 12 ميل بحري من الساحل (بما في ذلك سواحل الجزر)، في حين تمتد المنطقة الاقتصادية الخالصة إلى مسافة 200 ميل بحري، يحق فيها للدول القيام بأنشطة التنقيب والاستكشاف.
وكانت تركيا من بين الدول الرافضة لتوقيع هذا الاتفاق، إذ يقع عدد من الجزر اليونانية قبالة مسافات كبيرة من السواحل التركية، وعلى مسافة أقل من الحدود البحرية الإقليمية والاقتصادية، وهو ما تراه تركيا إجحافا في حقها من ثروات هذه المنطقة.
وتشهد منطقة شرق المتوسط بشكل عام أزمة مزمنة في ترسيم حدودها البحرية والاقتصادية، كونها منطقة حوض مائي ضيق تتقاطع فيه حدود الدول البحرية، ما يجعلها في حاجة إلى اتفاقيات خاصة لترسيم الحدود.
وكان هذا الملف من أوائل الأوراق التي استخدمتها مصر في مواجهة تركيا، إذ وقعت اتفاقا ثنائيا لترسيم الحدود مع قبرص في ديسمبر 2013، عُرف بـ الاتفاقية الإطارية لتنمية الخزانات الحاملة للهيدروكربون.
وصدق السيسي على الاتفاقية لاحقا في سبتمبر 2014 وأعلنت تركيا رفضها وعدم اعترافها بهذا الاتفاق، لأنه يقلص الحدود البحرية التركية في مناطق حقول الغاز لصالح قبرص، في حين ردت مصر بأنه “واحد من حقوق مصر السيادية في المنطقة.”
وفي فبراير 2018، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن بلاده تخطط للتنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط وبعد حوالي عام من هذه التصريحات، في يناير 2019، دشنت مصر “منتدى غاز شرق المتوسط”، الذي يضم مصر وإسرائيل والأردن واليونان وقبرص وإيطاليا، بهدف خلق سوق إقليمي للغاز ودعم التعاون الاقتصادي وجهود ترسيم الحدود بين الدول الأعضاء.
ورأت تركيا في إنشاء هذه المنظمة محاولة لعزلها عن ثروات المنطقة، وردت الحكومة التركية لاحقا في مايو 2019 بإعلان تحرك سفنها لبدء التنقيب عن الغاز واستخراجه واعتبرت مصر أن هذه التحركات تهدد أمن المنطقة وسلامتها، في حين قال الإعلام القبرصي إن التحركات التركية تتم داخل الحدود الاقتصادية لقبرص وفي أغسطس 2020، وقعت مصر اتفاقا ثنائيا جديدا لترسيم الحدود البحرية مع اليونان، وصدق عليه السيسي في أكتوبر من العام نفسه.
ويُحدد الاتفاق المناطق الاقتصادية البحرية الخالصة بين البلدين، ما يعني تقسيم ثروات الغاز الطبيعي الموجودة فيها.
وبدورها؛ رفضت تركيا هذا الاتفاق، وقال وزير الخارجية التركي إن المناطق التي تم تقسيمها تقع في منطقة الجرف القاري التركي، إن بلاده تعتبر الاتفاق “لاغيا وباطلا” ولن تسمح بأي أنشطة في المنطقة وفي العام الماضي، ومع بوادر التقارب المصري التركي تحدثت صحف يونانية عن مخاوف من أن تكون مراجعة الحدود البحرية أمرا مطروحا في المستقبل، خاصة مع وجود اتفاق ليبي-تركي يمنح مصر مساحة أكبر من الحدود البحرية وما بها من ثروات للغاز الطبيعي.
2-التصعيد العسكري المحتمل:
وأمام الخلافات السياسية بين تركيا واليونان، تصاعدت حدّة التصريحات حول اتفاقيات ترسيم الحدود هذه التوترات المتزايدة بين تركيا واليونان، باعتبارهما عضوين في حلف شمال الأطلسي تثير المخاوف والتساؤلات بشأن العلاقة بين عضوي الحلف، وموقف الحلف نفسه من احتمالات التوتر العسكري بين بلدين من أعضائه، وانحياز عدد من دول الحلف إلى جانب اليونان، وفي مقدمتها فرنسا التي أعلنت صراحة وقوفها إلى جانب اليونان في مواجهة تركيا، وقد عززت موقفها بإرسال بعض القطع البحرية والطائرات المقاتلة لتكون إلى جانب القوات اليونانية في شرق البحر المتوسط، بينما تحاول برلين تخفيف التوترات بين أنقرة وأثينا بإقناع الطرفين باتخاذ خطوات لبناء الثقة، تعمل باريس على تقويض الجهود الدبلوماسية باستفزاز أثينا على تركيا.
من خلال تصعيد التوتر بين أثينا وأنقرة والقبارصة اليونانيين وأنقرة، يريد ماكرون زيادة وجوده العسكري الاستراتيجي في منطقة شرق البحر المتوسط، وأن تكون فرنسا أحد أصحاب المصلحة في لعبة طاقة شرق البحر المتوسط، وقد بدأت حالة من الاستنفار والتأهُّب في سواحل شرق المتوسط، بالتزامن مع إرسال تركيا سفينة “عروج رئيس” لإجراء مسح زلزالي من أجل التنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط، أعلنت اليونان تأهبها، وأرسلت الفرقاطات البحرية إلى شواطئ جزيرة ميس، وجهزت أيضاً طائرات تابعة لسلاح الجو اليوناني مستعدةً للإقلاع العام الماضي.
وفي نفس السياق أعلنت الحكومة اليونانية انّ القسم الأكبر من أسطولها على أهبة الاستعداد للانتشار،
وهو أمر قابل للتكرار والتطور الكارثي بين الجانبين، خاصة مع استمرار التوغل التركي في ليبيا، خاصة وأن ملف العلاقات التركية الليبية يرتبط بشكل وثيق بأزمة غاز شرق البحر المتوسط، إذ حاولت تركيا من خلاله كسر عزلتها في المنطقة.
سادسا: التداعيات المستقبلية:
1-اثارة الفوضى الأمنية والسياسية بليبيا استراتيجية مصر القادمة:
وأمام الخطوات التركية، يبدو أن مصر قد تتخلى عن حيادها المصطنع في ليبيا، باتخاذ استراتيجية أكثر فجاجة، لاثارة الفوضى في ليبيا وإظهار حكومة الدبيبة غير مؤهلى لاتفاق مع تركيا أو أية أطراف دولية.
وجاءت زيارة مدير المخابرات العامة المصرية، عباس كامل المفاجئة وغير المعلنة، لشرق ليبيا، يوم 12 أكتوبر الجاري، لمحاولة تطويق اتفاقات الدبيبة مع تركيا، حول النفط وجاءت الزيارة متزامنة مع التطورات التي تشهدها الأزمة الليبية، في أعقاب عودة التوتر مجدداً، بعدما وقعت حكومة الوحدة الوطنية، التي تصفها القاهرة بـ”غير الشرعية”، و”منتهية الصلاحية”، الاتفاقية الجديدة مع تركيا.
والتقى عباس قائد قوات شرق ليبيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر، للبحث في التطورات الأخيرة ووفق مصادر دبلوماسية، بحثت الزيارة رؤية متعلقة بكيفية مواجهة حكومة الوحدة، وإقناع القوى الغربية والإدارة الأميركية، بعدم قدرتها على حفظ الاستقرار في ليبيا، في ظل عدم قبول الأطراف الليبية الفاعلة لقراراتها.
وكشف مصدر برلماني ليبي، محسوب على معسكر شرق ليبيا، أن زيارة كامل على رأس وفد من الجهاز لم تقتصر على لقاء حفتر فقط. وقال إن “الزيارة تضمنت لقاء اللواء عباس كامل مع فتحي باشاغا رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب، لبحث تحركات المرحلة المقبلة، حيث ترفض مصر الإقرار بالأمر الواقع الذي اتبعته تركيا حيال ليبيا” بحانب الدفع نحو ترتيبات على الأرض لمحاصرة التحالف بين حكومة عبد الحميد الدبيبة وتركيا، هدفها الأساسي، إبراز الرؤية المصرية بعدم قدرة حكومة الدبيبة على قيادة ليبيا نحو الاستقرار، وأن بقاءها سيقود نحو مزيد من الفوضى.
ويتخوّف خصوم باشاغا وحفتر من أن تشهد الأيام المقبلة محاولة جديدة من حلفاء باشاغا من المجموعات المسلحة في غرب ليبيا ومصراته، المحسوبة عليه، للدخول إلى العاصمة مجدداً ذلك التصعيد المحتمل لن يكون هدفه الأساسي إدخال باشاغا لطرابلس، كما كان يحدث في المحاولات السابقة، ولكن بهدف إثارة الفوضى وإظهار حكومة الدبيبة في صورة المغلوبة على أمرها.
كذلك يُخشى من تحركات وترتيبات يقودها حفتر خلال الأيام المقبلة بشأن تحريك مجموعات قبلية، في المناطق التي تسيطر عليها قواته، نحو الحقول النفطية لتعطيل عملها بدعاوى سياسية، وذلك بهدف الضغط على القوى الغربية والإدارة الأميركية لدفعها إلى اتخاذ موقف ضد حكومة الدبيبة.
وتشهد الفترة الحالية استمرار التنسيق المصري الفرنسي، بهدف تحريك ملف اختيار رئيس جديد لحكومة ليبية يكون محل توافق خلال الأيام القليلة المقبلة وفي هذا السياق، فإن اللقاء الذي جمع باشاغا بعباس كامل بحث تلك الخطوة، بعدما استنفدت مصر كافة المحاولات الخاصة بدعمه في مواجهة الدبيبة، ما كلفها خسائر كبيرة.
وقد جرت مباحثات مصرية أميركية، خلال الأيام القليلة الماضية بشأن الأزمة الليبية، عبرت القاهرة خلالها عن صعوبة قبولها بالوضع الراهن، وضرورة البحث عن حل يحافظ على مصالح كافة الأطراف. وجرى التوافق بشأن رئيس حكومة جديد تتفق بشأنه الأطراف الليبية والقوى الإقليمية.
كما تم التباحث حول القمة العربية المقبلة في الجزائر والتمثيل الليبي، حيث شددت مصر على رفض تمثيل الدبيبة لليبيا خلال القمة، موضحا أن الحل الأمثل للخروج من تلك الأزمة هو تمثيل رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي لبلاده خلالها، معتبرة أن ظهور الدبيبة في القمة سيكون بمثابة تكريس لموقف غير شرعي.
وقالت الخارجية الأميركية، في بيان الأربعاء الماضي، إنه لا يمكن للولايات المتحدة، أو روسيا، أو تركيا، أو أي دولة أخرى، أن تفرض أي حل على الشعب الليبي، مؤكدة أنها تدعم سيادة ليبيا، وأي حل فيها يجب أن يكون بين الليبيين أنفسهم.
وأكدت الخارجية الأميركية أن المبعوث الخاص عبد الله باتيلي على اتصال بكافة الأطراف، وعقد بعض الاجتماعات في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أخيراً.
وأوضحت الخارجية الأميركية أن هناك تحديات، وبدون وجود حكومة أو توافق أو رؤية مشتركة، سيؤدي ذلك إلى فراغ تستغله المليشيات.
وتابعت: “نحن على اتصال بالحكومة المصرية لأننا نعلم أن الفوضى في ليبيا ستؤثر على مصر”.
2-تعثر جهود المصالحة وتطبيع العلاقات المصرية التركية:
وأمام تلك التطورات الدراماتيكية، لا يمكن توقع حصول مصالحة شاملة أو تطبيع للعلاقات المصرية التركية في الوقت الحالي، بل يمكن أن تعود الخلافات للتصاعد مرة أخرى، على الصعد السياسية والعسكرية ويصعد الاتفاق الأخير، القضايا الخلافية بين أنقرة والقاهرة، وأن يؤجل ما كان متوقعاً بشأن مصالحة قريبة بين البلدين، خصوصاً بعد أن عاد الرئيس أردوغان مجدداً إلى طرق باب العلاقات مع القاهرة، معتبراً أنها تتطور على أساس المصالح المشتركة.
وأضاف أن هناك رغبة تركية واضحة لتعزيز علاقتها مع حكومة الدبيبة ودعمها، على حساب الحكومة المكلفة من البرلمان برئاسة فتحي باشاغا، ما يزيد من مخاطر تصادم المصالح بين أنقرة والقاهرة في ليبيا، وهذا بدوره ينعكس سلباً على مسار قطار تطبيع العلاقات بين البلدين.
خلاصة:
الاتفاق الليبي التركي بشأن التعاون الاقتصادي في مجال النفط والغاز، يمثل انتصار للسياسة الليبية وفرض الأمر الواقع، وهو ما تعتبره مصر تحديا لها، خاصة في مجال استكشاف الغاز في شرق المتوسط، الذي يمثل منفذا اقتصاديا لمصر في ظل أزماتها الاقتصادية والمالية، حيث تراهن على توسيع حركة الاستكشافات النفطية في البحر المتوسط..
وذلك على الرغم من أن تركيا تراعي المصالح المصرية بصورة كبيرة، وتمنحها الكثير من المساحات الاقتصادية على عكس الرؤية اليونانية والقبرصية، التي تخصم من حقوق مصر الاقتصادية في البحر المتوسط..
ومن المرجح أن تنعكس التوترات المصرية التركية، على الداخل الليبي بإثارة مصر لقلاقل وأزمات داخلية ضد حكومة الدبيبة، لإفشال قدراتها على صياغة اتفاقات مع تركيا أو أطراف دولية.