أسفرت انتخابات الكنيست الخامسة والعشرون التي أُجريَت في الأول من نوفمبر من العام الحالي (2022) عن عودة رئيس الوزراء السابق والمعارضة الحالي بنيامين نتنياهو للإمساك بدفة الحكم في “إسرائيل” من جديد، بعد أزمة سياسية عنيفة استمرت ثلاث سنوات، شهدت الحياة السياسية الإسرائيلية خلالها خمسة انتخابات تشريعية مبكرة، في ظاهرة غير مسبوقة؛ فقد حصل التحالف الانتخابي الذي يقوده نتنياهو على أربعة وستين مقعداً في الانتخابات الأخيرة، وهي أغلبية مريحة تمكنه من تشكيل حكومة مستقرة خلال السنوات الأربع القادمة.
ولكن أكثر ما يلفت الانتباه في هذه الانتخابات لم يكن عودة نتنياهو إلى صدارة المشهد السياسي، إنما حصول كتلة “الصهيونية الدينية” التي تتبنى مواقف شديدة التطرف على أربعة عشر مقعداً في الكنيست، لتصبح بذلك ثالث أكبر الكتل السياسية داخل الكنيست.
ولأن نتائج هذه الانتخابات كشفت شبه انهيار تام لأحزاب اليسار وقواه، بدليل فشل حزب “ميرتس” في تحقيق نسبة الحسم التي تؤهله للحصول على مقاعد في الكنيست وتراجع عدد المقاعد التي حصل عليها حزب “العمل” إلى أربعة مقاعد فقط، فقد بات واضحاً أن الكيان الصهيوني يشهد حالة مخاض جديدة، ويمر بانعطافة كبرى تدفعه نحو تبني سياسات تتسم بالمزيد من التطرف والعنف والعنصرية، ما سيكون له انعكاسات خطرة على استقرار المنطقة في المرحلة القادمة.[1]
وتُسلِّط هذه الورقة الضوء على نتائج الانتخابات العامة في إسرائيل، وتُحلل العوامل التي أدت إلى هذه النتائج، وتداعيات هذه النتائج علي المستوي الإسرائيلي والفلسطيني والاقليمي والدولي.
أولًا: نتائج الانتخابات الإسرائيلية ودلالاتها:
أفرزت نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة فوزاً كبيراً لمعسكر المعارضة اليميني بقيادة بنيامين نتنياهو الذي يتكون من أحزاب الليكود برئاسة نتنياهو ، وحزب الصهيونية الدينية برئاسة بتسلئيل سموتريتش (وهو تحالف بين حزب الصهيونية الدينية، وحركة قوة يهودية برئاسة إيتمار بن غفير)، والأحزاب الدينية الحريدية (شاس برئاسة أرييه درعي، ويهدوت هتوراة برئاسة موشيه غافني)، حيث حصلت هذه القوائم مجتمعة على 64 مقعداً من إجمالي 120 مقعدًا مقارنة ب 52 مقعدًا في انتخابات 2021.
حيث حصل حزب الليكود علي 32 مقعدًا (مقارنة ب30 مقعدًا في انتخابات 2021)، والصهيونية الدينية علي 14 مقعدًا (مقارنة ب6 مقاعد في انتخابات 2021)، وحركة شاس علي 11 مقعدًا (مقارنة ب9 مقاعد في انتخابات 2021)، ويهدوت هتوراه علي 7 مقاعد (مقارنة ب7 مقاعد في انتخابات 2021).
في حين حصل المعسكر المناهض لنتنياهو برئاسة رئيس الوزراء الحالي يائير لابيد على 56 مقعداً، مقارنة ب 68 مقعدًا في انتخابات 2021.
حيث حصل حزب يوجد مستقبل برئاسة لابيد علي 24 مقعدًا (مقارنة ب 17 مقعدًا في انتخابات 2021)، والمعسكر الرسمي برئاسة بيني غانتس علي 12 مقعدًا (مقارنة ب 14 مقعدًا في انتخابات 2021)، وإسرائيل بيتنا برئاسة أفيغدور ليبرمان علي 6 مقاعد (مقارنة ب7 مقاعد في انتخابات 2021)، والقائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس علي 5 مقاعد (مقارنة ب 4 مقاعد في انتخابات 2021)، والقائمة المشتركة برئاسة النائب أيمن عودة (وهي تحالف بين الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة والحركة العربية للتغيير برئاسة أحمد الطيبي) علي 5 مقاعد (مقارنة ب 6 مقاعد في انتخابات 2021)، وحزب العمل برئاسة ميراف ميخائيلي علي 4 مقاعد (مقارنة ب 7 مقاعد في انتخابات 2021)، فيما لم تحصل حركة ميرتس برئاسة زهافا غالون علي أي مقعد (مقارنة ب 6 مقاعد في 2021)، كما لم يحصل التجمع الوطني الديمقراطي بقيادة سامي أبو شحادة علي أي مقاعد سواء في تلك الانتخابات أو انتخابات 2021، أيضًا لم يحصل البيت اليهودي برئاسة ييليت شاكيد علي أي مقاعد (مقارنة ب 7 مقاعد في 2021)[2].
وتُظهِر تلك النتائج هيمنة واضحة لأحزاب اليمين وأحزاب أقصى اليمين، مع تراجُع واضح لأحزاب الوسط والأحزاب اليسارية، وكذا الأحزاب العربية، وهو ما يحمل الكثير من الدلالات التي يمكن إجمالها على النحو التالي:
1- محورية الليكود ونتنياهو في السياسة الإسرائيلية: تؤكد نتائج انتخابات الكنيست محورية حزب الليكود في الحياة السياسية الإسرائيلية، الذي يُصنف باعتباره الحزب الرئيسي في يمين الوسط الإسرائيلي؛ حيث يُهيمن الحزب بشكل شبه كامل على السياسة في إسرائيل منذ الانتصار التاريخي عام 1977 لمناحم بيجن على شمعون بيريز من حزب العمل، وهي أول هزيمة للحزب الأخير منذ إقامة إسرائيل.
كما تؤكد نتائج الانتخابات محورية الدور الذي يلعبه نتنياهو أو “الملك بيبي” كما يناديه أنصاره في النظام السياسي الإسرائيلي؛ ففضلاً عن كونه صاحب أطول مدة حكم كرئيس وزراء في إسرائيل في التاريخ – حيث تولى رئاسة الحكومة في الفترة من 1996 إلى 1999 وكذلك في الفترة من 2009 إلى 2021 – يُعتبر نتنياهو رجل السياسة الأول في إسرائيل في العقدين الأخيرين؛ حيث تمحور التنافس في الانتخابات الخمسة الأخيرة للكنيست بين المعسكر الداعم لنتنياهو والمعارض له[3].
وإن كان البعض يري أن عودة نتنياهو لرئاسة الحكومة الإسرائيلية تؤشر على عودة النهج الذي كرسه على مستوى الحكم وهو ما سيؤثر بالسلب علي حزب الليكود في النهاية.
فخلال مسيرته الطويلة في سدة الحكم، اتسم نهج نتنياهو بالاصطدام مع كل مؤسسات الدولة تقريباً، بدءاً من مستشار الحكومة القانوني، ومروراً بقضاة المحكمة العليا والجهاز القضائي بشكل عام (علي خلفية محاكمته في قضايا فساد)، والشرطة والأجهزة الأمنية، ووسائل الإعلام، وانتهاء بإدارات مهنية في عدد من الوزارات مثل وزارة الخارجية التي غيبها مثلاً عن الاتصالات التمهيدية بشأن التطبيع مع دول عربية وإسلامية.
كما أن نتنياهو تسبب بتحول حزب الليكود من حزب لديه مؤسسات نظامية وهيئات مقررة ويتنافس فيه أقطاب بارزون إلى حزب الزعيم الواحد الأوحد، فضلاً عن قيامه بتنحية قادة الحزب من الصف الأول واحداً تلو الآخر حيث حل محلهم أشخاص هم أقرب إلى كونهم أعواناً له لخوض حتى معاركه الشخصية. ويمكن التقدير بأن كل هذا سيؤثر في مستقبل حزب الليكود عند تنحي نتنياهو[4].
2- تصاعد اليمين المتطرف في السياسة الإسرائيلية: تدلِل نتائج الانتخابات الأخيرة بشكل واضح على عمق التحولات التي شهدتها إسرائيل في السنوات الأخيرة وأدت إلى صعود وربما هيمنة اليمين الديني المتطرف المعادي للعرب على المجتمع الإسرائيلي، وهو ما ترجم إلى حصول كتلة “الصهيونية الدينية” بقيادة إيتمار بن غفير وبتسليل سموترتش على المركز الثالث بعد الليكود ويش عتيد (يوجد مستقبل)؛ فوفقاً للنتائج النهائية، حصدت الكتلة 14 مقعداً في الكنيست بعدما كان لديها 6 مقاعد في الكنيست المُنحل، كما عزز حزب شاس لليهود الشرقيين المتدينين مكاسبه بـ11 مقعداً بعدما كان لديه 9 مقاعد[5].
ويمكن إرجاع نجاح معسكر نتنياهو، وصعود اليمين المتطرف في انتخابات الكنيست الأخيرة إلى مجموعة من العوامل والأسباب، أهمها الآتي:
أ- لا يمكن إغفال حقيقة أن نتائج هذه الانتخابات تمثل تجسيدًا للتحولات التي طرأت على الواقع الديمغرافي في إسرائيل. فوفقًا لبعض الدراسات الإسرائيلية، فإن 60 % من الناخبين الإسرائيليين من اليمين؛ فيما يعد 12-14% من اليسار والبقية مما يسمى بالوسط[6]؛
ويعود ذلك بصورة رئيسية إلي أن التيار الحريدي الذي يشهد أعلى نسبة تكاثر طبيعي، حيث يبلغ متوسط عدد ولادات المرأة الحريدية 8 ولادات، بات يمثل خزانًا انتخابيًا لقوى اليمين الديني المتطرف. وبسبب هذا الواقع، فإن جولات الانتخابات القادمة ستسفر فقط عن تعاظم قوة الأحزاب الدينية واليمينية المتطرفة[7].
وقد شهدت الانتخابات الأخيرة ارتفاع نسبة التصويت في المجتمع اليهودي، بعدما بذل نتنياهو جهداً كبيراً في إقناع الناخبين من القواعد اليمينية للخروج للتصويت، مُستعملاً خطاب التخويف من عودة حكومة “لبيد-غانتس-عباس-طيبي”، إذ كانت نسبة التصويت في هذه الانتخابات من الأعلى منذ أكثر من عشرين عاماً.
وقد ارتفعت نسبة التصويت، تحديداً، في البلدات التي تؤيد اليمين الإسرائيلي. فعلى سبيل المثال، ازداد عدد المصوتين للقوائم الثلاث في معسكر نتنياهو (من دون الليكود) في القدس بحوالي 27 ألف صوت، وهكذا في أغلب المدن الداعمة لليمين[8].
ب- تدخل نتنياهو بقوة في الشؤون الداخلية للكتل الانتخابية المنضوية تحت معسكره. مثلاً، أدى نتنياهو دوراً قوياً في ائتلاف إيتمار بن غفير وبتسلال سيموترتش في كتلة واحدة “الصهيونية الدينية”، ومن المؤكد أنه نجح في ذلك من خلال تقديم الوعود لهما بعد الانتخابات.
كما أنه تدخل بقوة داخل الأحزاب الحريدية، وخصوصاً يهدوت هتوراة، لقطع الطريق على تحالف غانتس مع الحريديم، رغم قبول السياسي الحريدي موشيه غافني هذا الحلف، وهذا أيضاً تطلب إغراءات لقيادة الحريديم أكبر من المعتاد، وهو ما كان واضحاً من التسريبات التي صدرها الإعلام الإسرائيلي عن وعود بتمويل المدارس الحريدية الخارجة عن منظومة التعليم الرسمي[9].
ت- الإنجاز التاريخي الذي حققه حزب الصهيونية الدينية، ويمكن تفسير الأسباب المركزية التي أدت إلى صعود هذا الحزب على النحو الآتي:
- تزايد انخراط شبان الصهيونية الدينية في الجيش، وبالأساس في وحدات النخبة القتالية، وبالتالي حصلوا على رتب عسكرية عالية وتولوا مواقع قيادية في الجيش، وفي الأعوام الأخيرة وصل أحد الضباط من أبناء هذا التيار، اللواء يائير نافيه، إلى منصب نائب رئيس هيئة الأركان العامة للجيش[10]، وفي هذا السياق، يمكن تفسير حصول قائمة اليمين الفاشي المشكلة من تحالف حزب الصهيونية الدينية وحزب القوة اليهودية، على 20 في المئة من أصوات الجنود في معسكرات الجيش الإسرائيلي[11].
- مخاطبة المشاعر اليهودية عبر القول بأن السيادة اليهودية والهوية اليهودية للدولة في خطر، بسبب صعود تأثير قوة العرب في النظام السياسي الإسرائيلي عبر مشاركة الأحزاب العربية في حكومة لابيد.
- الوعود التي أطلقها بن غفير وحزب الصهيونية الدينية لمعالجة تهديد أو تآكل الفوقية اليهودية في الدولة كما زعموا، وتعزيز الأمن الشخصي. ومن هذه الوعود، محاربة تغلغل الجريمة “العربية” في المدن اليهودية بطرق مختلفة، مثل السماح بتنظيم مجموعات مدنية مسلحة فيها، وحتى إمكانية ادخال دبابات للمدن إذا حدثت مواجهات بين العرب واليهود. بمعنى أن حزب الصهيونية الدينية أطلق وعوداً بسياسات جديدة تخاطب مشاعر الشارع اليميني لم يسمعها من قبل من الأحزاب اليمينية الأخرى.
- حصل حزب الصهيونية الدينية على شعبية كبيرة في صفوف الشباب اليهودي من جيل 17-25، والذين رأوا في بن غفير شخصية تمثل الكرامة الوطنية، والكلام غير المنمق سياسياً تجاه العرب واليسار. وقد أحسن بن غفير استعمال وسائل التواصل الاجتماعي في الوصول إلى قطاع الشباب بخطاب شعبوي يدغدغ مشاعرهم القومية والدينية.
- التغطية الإعلامية التي حظي بها بن غفير في الإعلام الإسرائيلي، بوصفه ممثلاً لليمين المتطرف، حيث أسهمت هذه التغطية في “تطبيع” مواقفه وسلوكه في الجمهور اليهودي اليميني، وتحول بن غفير إلى واحدٍ من أكثر الشخصيات حضوراً في تغطية الإعلام الإسرائيلي بعد لابيد ونتنياهو[12].
3- تراجع اليسار الإسرائيلي: على الجانب الآخر، نجد أن الأحزاب اليسارية واجهت صعوبات كبيرة في الانتخابات الأخيرة؛ حيث تراجع حزب العمل من 7 مقاعد إلى 4 فقط، وهو الحزب المُؤسس لدولة إسرائيل، كما فشل حزب “ميرتس” لأول مرة في تخطي نسبة الحسم 3.25% من الأصوات الصحيحة للبقاء في الكنيست. جدير بالذكر أن “ميرتس” كان ممثلاً في الحكومة الإسرائيلية المنتهية ولايتها بوزيرَين أحدهما عربي[13].
ولعل أبرز الأسباب التي تقف خلف تراجع تمثيل أحزاب اليسار في الانتخابات؛ هو أنه في حين نجح نتنياهو في حشد أحزاب معسكره خلفه في قائمة انتخابية واحدة، لكي تتمكن جميعها من اجتياز عتبة الحسم، دب الخلاف في صفوف المعسكر المناوئ الذي يقوده لابيد بشأن جملة من القضايا، أبرزها:
أ- رفض لابيد طلب أعضاء أحزاب ائتلافه الحكومي عشية حل الكنيست تعديل القانون الخاص بعتبة الحسم وتخفيضها من 3.25 في المئة إلى 2 في المئة لضمان نجاح عدد من الأحزاب المناوئة لمعسكر نتنياهو من اجتياز عتبة الحسم.
ب- فشل جهود توحيد حزبَي العمل وميرتس في قائمة انتخابية واحدة، لتجنب خطر عدم اجتياز أحدهما أو كليهما عتبة الحسم[14]؛ وذلك بسبب موقف رئيسة حزب العمل ميراف ميخائيلي بعدم وسم حزبها بأنه يسار راديكالي مثل حزب ميرتس، معتبرة حزب العمل يسار – مركز[15].
ت- تشير جميع الدلائل إلى حصول تفاهم بين لابيد وقيادة قائمة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحركة العربية للتغيير (عودة والطيبي)، لإبعاد حزب التجمع الوطني الديمقراطي، وحثهما في الساعات الأخيرة قبل تقديم القوائم الانتخابية في 15 سبتمبر الماضي، على إقصاء حزب التجمع من القائمة العربية المشتركة، لكي يكون في مقدوره تسويق اعتماده على دعم القائمة أمام الرأي العام الإسرائيلي بعد إبعاد حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يلتزم بثوابت وطنية فلسطينية، ويرفض الدخول في لعبة المعسكرات الصهيونية، كما يرفض الدخول إلى الائتلاف الحكومي أو دعمه من الخارج، ويرفض أيضًا التوصية على أي مرشح من قادة الأحزاب الصهيونية لتشكيل ائتلاف حكومي[16].
وقد أثرت تلك الخلافات بصورة سلبية علي نتيجة الانتخابات في غير صالح هذا المعسكر؛ فرغم فوز اليمين الإسرائيلي المتطرف بعدد مقاعد أكبر، فإن ذلك لا يعني حصوله علي النسبة الأكبر من الأصوات الانتخابية. ففي انتخابات العام 2021، حصل الليكود مع قائمتي اليمين الاستيطاني المتطرف، “يمينا” (الحزب المنحل) و”الصهيونية الدينية” على نسبة 35.52% من الأصوات عامة، في حين حصلت القوائم الثلاث في انتخابات 2022 على 35.42%. في المقابل، فإن أحزاب الطرف الثاني: “يوجد مستقبل” و”أزرق أبيض” والعمل وميرتس حصلت على 31.24% من الأصوات في انتخابات العام 2021، مقابل نسبة 33.71% في الانتخابات الأخيرة.
إلا أن ما قلب توزيع المقاعد هو الكم الهائل لأصوات القوائم التي لم تعبر نسبة الحسم، وبلغت نسبتها قرابة 8.8%، مقابل قرابة 1.5% في انتخابات العام 2021[17].
ويرجع ذلك بصورة رئيسية إلي انقسام المعسكر المناوي لنتنياهو وعدم توحد قوائم صغيرة فيه ما أدى إلى ضياع مئات الآلاف من الأصوات بسبب عدم عبور هذه القوائم نسبة الحسم. فمثلاً، خسرت حركة ميرتس تمثيلها الانتخابي بسبب 5000 صوت فقط، ولو فازت لحصل معسكر نتنياهو على 60 مقعداً[18].
عملياً، فإن حزب يوجد مستقبل هو الحزب الوحيد الذي ازدادت قوته من المعسكر المناهض لنتنياهو، فقد ازدادت شعبيته بشكل كبير خلال العام الماضي من 17 مقعداً إلى 24 مقعداً في الانتخابات الحالية، ويعود ذلك بالأساس إلى خطاب لابيد الذي يعبر فيه عن توجهات المركز السياسي الإسرائيلي، الذي يريد الحفاظ على الوجه الديموقراطي للمؤسسات في إسرائيل ضد توجهات اليمين، ويؤيد النزعة الأمنية في التعامل مع الموضوع الفلسطيني على عكس اليسار.
بالإضافة إلى تقلده منصب رئيس الحكومة وخطابه الرسمي في هذا المنصب، وكونه كان الأكثر حظاً بتشكيل حكومة، لذلك عمل لابيد على فكرة تعزيز قوة حزبه لينافس الليكود، وهو الأمر الذي أدى إلى إضعاف باقي قوائم المعسكر المعارض لنتنياهو[19].
4- تزايد نسبة التصويت العربي: تنافست في الانتخابات الحالية ثلاث قوائم عربية؛ القائمة المشتركة برئاسة النائب أيمن عودة، وهي تحالف بين الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة والحركة العربية للتغيير.
وقائمة التجمع الوطني الديموقراطي برئاسة النائب سامي أبو شحادة، والتي خرجت من القائمة المشتركة في اللحظات الأخيرة قبل تقديم القوائم الانتخابية للجنة الانتخابات. والقائمة العربية الموحدة برئاسة النائب منصور عباس.
وقد وصلت نسبة التصويت في المجتمع العربي إلى نحو 54%، وهي نسبة لم يتوقعها أحد، ففي انتخابات 2021 تراجعت نسبة التصويت إلى 43%، وبدا واضحاً أن حالة الإحباط من التأثير على السياسات الإسرائيلية، وتفكك القائمة المشتركة بشكل نهائي عشية الانتخابات سوف تؤدي إلى عزوف الناس عن التصويت، أو بقاء النسبة المنخفضة كما في دورة الانتخابات الماضية[20].
ولكن ما حدث هو العكس، فقد ارتفعت نسبة التصويت، وهو ما يمكن إرجاعه إلى عدة عوامل، أبرزها؛ التنافس الشديد بين القوائم الثلاث، الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير، والتجمع الوطني الديمقراطي، والقائمة العربية الموحدة، يضاف لهذا وصول تهديدات اليمين الاستيطاني المتطرف بزعامة إيتمار بن غفير إلى المجتمع العربي، وتكشف مخطط الليكود وزعيمه بنيامين نتنياهو، في برامج تلفزيونية إسرائيلية، لإحباط التصويت عند العرب، وهذا شكل عامل استفزاز للعرب[21].
ويتمثل العامل الثالث في خوض التجمع الوطني الديموقراطي لانتخابات الكنيست وحده، فقد حفّز التجمع قطاعات عربية للتصويت له كتيار لديه خطاب سياسي مختلف في الكنيست لا يقبل لعبة التأثير ضمن المعسكرات الإسرائيلية، مما دفع قطاعات في المجتمع العربي تؤيد هذا التوجه للتصويت بعد غياب إطار سياسي يخاطب العرب بهذا الخطاب، بالإضافة إلى التضامن مع التجمع بسبب ما اعتُبر “مؤامرة” عليه من الجبهة الديموقراطية والحركة العربية للتغيير.
ويتمثل العامل الرابع في استجداء القوائم العربية للناس في يوم الانتخابات للخروج للتصويت، لا سيما بعد ما ورد من معطيات ومعلومات عن ارتفاع نسبة التصويت في المجتمع اليهودي والخطر الذي يتهدد جميع القوائم العربية.
وقد أسفرت زيادة التصويت العربي عن ازداد تمثيل القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس من أربعة مقاعد في انتخابات 2021 إلى 5 مقاعد في الدورة الحالية، وحصل تحالف الجبهة والعربية للتغيير على 5 مقاعد، بعد أن حصلت القائمة المشتركة (كان التجمع ضمنها) على 6 مقاعد في انتخابات 2022.
وتشير هذه النتائج إلى أن القائمة العربية الموحدة تحولت إلى القوة السياسية العربية البرلمانية الأولى في المجتمع العربي، ويمكن تفسير صعود الموحدة إلى تأييد قطاعات من المجتمع العربي لنهج منصور عباس الذي يصرح بشكل واضح ومباشر أنه يريد أن يكون جزءاً من الحكومة الإسرائيلية، والتأثير من الداخل[22].
كما شهدت تلك الانتخابات، تراجع الأحزاب الصهيونية بشكل ملحوظ في الشارع العربي، وحصلت على ما بين 13% إلى 14%، من مجمل الأصوات، أكثر من نصفها من البلدات العربية الدرزية، التي تشكل نحو 8% من ذوي حق التصويت العرب، والتي نمطية التصويت فيها معكوسة تمامًا عن باقي البلدات العربية، وفيها نحو 95% من الأصوات تذهب للأحزاب الصهيونية[23].
ثانيًا: التداعيات المحتملة للانتخابات الإسرائيلية:
من المتوقع أن يكون لنتائج الانتخابات الإسرائيلية الكثير من التداعيات الداخلية والخارجية؛ وذلك على النحو التالي:
1- التداعيات علي المستوي الإسرائيلي:
يمكن الإشارة إلي مجموعة من التداعيات التي قد تسفر عنها هذه الانتخابات علي مستوي الداخل الإسرائيلي، كما يلي:
أ- تشكيل حكومة يمينية: من المتوقع أن يتمكن نتنياهو خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وقبل نفاد المهلة المخصصة (45 يومًا)، من تشكيل حكومة ائتلافية تقتصر على معسكره.
خاصة بعد أن أفرزت نتائج الانتخابات خياراً واحداً، هو تشكيل حكومة يمين برئاسة نتنياهو. وفي هذا الصدد مِن المستبعد أن تنضم قوائم أخرى خارج معسكر نتنياهو لهذه الحكومة، أولاً لعدم حاجة نتنياهو لذلك، وثانياً بسبب رفض القوائم المناهضة الانضمام لحكومة تكون فيها الصهيونية الدينية مكوناً مركزياً، فضلاً عن رفض بعضها تولي نتنياهو رئاسة الحكومة أصلاً[24].
وستكون مهمة نتنياهو في المرحلة المقبلة توزيع الحقاب الوزارية على القوائم المشاركة في الائتلاف الحكومي، وكان نتنياهو قد أعلن أن حقائب الدفاع والمالية والخارجية ستبقى في الليكود.
في المقابل، أعلن بن غفير كل الوقت عن رغبته في الحصول على حقيبة الأمن الداخلي (التي تتضمن المسؤولية عن الشرطة).
وفي هذا الصدد، من المتوقع أن يتوجه نتنياهو في هذه الحكومة إلى خص نفسه أو حزبه بإدارة الشؤون الخارجية والدفاع، بينما يترك لشركائه في الحكومة إدارة الأمور الداخلية، وذلك ليؤكد أن القضايا الخارجية والاستراتيجية ستبقى تحت سيطرته وأنه الذي يقرر فيها.
وبناءً على ذلك، من المتوقع أن يمنح نتنياهو شركاءه الوزارات الداخلية التي تهمهم، مثل وزارة الداخلية، والأمن الداخلي، والصحة، والتعليم، والمواصلات، إذ إن صعود قوة شركائه، وبالذات حركة شاس وحزب الصهيونية الدينية، جاء على خلفية طرحهم للقضايا الداخلية؛ فحركة شاس طرحت موضوع القضايا الاجتماعية والرفاه، فيما شدد حزب الصهيونية على مسائل الأمن الداخلي والهوية اليهودية، أما يهدوت هتوراة فركَّز على التعليم الديني والحفاظ على الهوية الدينية اليهودية.
وقد طرحت القوى المكونة للحكومة الجديدة الكثير من المشاريع لتنفيذها خلال الحملة الانتخابية، ويمكن إجمال أهمها في النقاط الآتية:
- تشريع قانون يُقيد تدخل المحكمة العليا في الكنيست، ويمنعها من إلغاء قوانين سنت فيها (الليكود).
- إلغاء الإصلاحات التي أقرتها حكومة بينيت-لابيد بشأن حقوق المثليين، لاسيما في قطاع الصحة والتي كان وزيرها مثلياً، وإلغاء الإصلاحات الدينية المتعلقة بالطعام الحلال (كوشير)، والتهود (غيور)، وإعادة كامل الدعم المالي للمؤسسات التعليمية الدينية (الأحزاب الدينية الحريدية).
- شرعنة البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية (الصهيونية الدينية).
- تعزيز البناء الاستيطاني في الضفة الغربية (الليكود والصهيونية الدينية).
- تعزيز الأمن الشخصي في المدن اليهودية (الصهيونية الدينية).
- اتخاذ سياسة أمنية متشددة أكثر تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهناك من طرح فكرة ضم مناطق في الضفة الغربية (الصهيونية الدينية والليكود).
- السماح لليهود بالصلاة في الحرم القدسي الشريف، وتشجيع ذلك (الصهيونية الدينية)[25].
وعلي الرغم من أن مهمة نتنياهو في تشكيل الحكومة تبدو أمرًا سهلًا نظريًا، لكنها على أرض الواقع ستواجه عقبات جدية بسبب ارتفاع مستوى مطالب “الصهيونية الدينية” بالذات، في الحقائب الوزارية، ثم المطالب السياسية، خاصة المتعلقة بالاستيطان والامتيازات المالية المتعلقة به، والقدس المحتلة واستهداف المسجد الأقصى أكثر، إلى جانب مطالب ذات طابع ديني تتعلق بالحياة العامة الإسرائيلية وغيرها.
وبقدر ما يظهر بنيامين نتنياهو بتطرفه السياسي، إلا أنه قد يواجه حرجًا في مستوى المطالب، إن كان في مواجهته لردود الفعل من دول مركزية في العالم، أو تجاه الشارع العلماني الإسرائيلي.
وبالتزامن مع ظهور النتائج، ظهرت أنباء تتحدث عن اتصالات فريق نتنياهو مع رئيس تحالف “المعسكر الرسمي” بيني غانتس، الذي حصلت قائمته على 12 مقعدًا.
ومن الصعب في الوضع الناشئ، تخيل أن نتنياهو سيختار التنازل عن كتلة “الصهيونية الدينية” التي ساهم نتنياهو شخصيًا في بناء تحالفها وتعزيزه، ليختار كتلة في حالة صدام معه، على صعيد شكل إدارة الحكم، ولها موقف من قضايا الفساد المتورط بها؛ وأكثر من هذا فإن غانتس شارك في حكومة نتنياهو قبل عامين، وكانت تجربته فاشلة.
على الأغلب فإن نتنياهو يريد من الاتصالات مع غانتس، حتى وإن كانت شكلية، التلويح لكتلة “الصهيونية الدينية” بأن لديه خيارات أخرى لتشكيل الحكومة؛ وبالتالي الضغط عليها لتقليل مطالبها[26].
ب- تضاؤل احتمالات محاكمة نتنياهو بالفساد الأخلاقي: يخوض نتنياهو معارك قانونية مختلفة؛ نظراً لمواجهته اتهامات مختلفة بالفساد وتلقي رشى، ومن ثم من المتوقع أن يُعزز حصول معسكر نتنياهو على 64 مقعداً نفوذ الأخير في الداخل الإسرائيلي بشكل كبير؛ الأمر الذي دفع الكثير من المراقبين للإعراب عن خشيتهم من أن يسعى نتنياهو لتمرير قانون لإنهاء محاكمته أو إقالة المدعي العام الحالي وتعيين شخص جديد بدلاً منه.
بيد أن شبهة الدخول في أزمة دستورية ربما تُرجح دخول نتنياهو في صفقة يتم بمقتضاها تخفيف الاتهامات الموجهة له، واقتصارها على بعض الإدانات الصغيرة دون قضية الفساد الأخلاقي.
جدير بالذكر أن هناك بعض التصريحات المنسوبة إلى “بن غفير” يؤكد فيها أنه سيطالب بسن قانون بأثر رجعي، يسمح لنتنياهو بالتخلص من محاكماته بتهم الفساد، كما سبق أن أعلن بتسليل سموترتش عن إصلاح شامل لنظام العدالة من شأنه أن يشمل إلغاء جرائم الاحتيال وخيانة الأمانة من القانون الجنائي[27].
ت- المزيد من الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيل: لقد عكست نتائج الانتخابات التوجهات العامة للقوى الاجتماعية الرئيسة في المجتمع الإسرائيلي.
فالأحزاب المؤيدة لنتنياهو حظيت بدعم اليهود من أصول شرقية، الذين يقطنون بشكل أساسي في مدن التطوير، التي تقع في أطراف إسرائيل والأحياء الشعبية داخل المدن الكبرى، وأتباع التيار الديني الحريدي والمستوطنين الذين يقطنون الضفة الغربية والقدس والجولان.
ودلت التجربة على أن الشرقيين والحريديم والمستوطنين يبدون دومًا حماسة واضحة في دعم الأحزاب التي تتبنى مواقف أكثر تطرفاً إزاء الصراع مع الشعب الفلسطيني، وتتمسك برؤى متشددة تجاه العلاقة بين الدين والدولة.
وفي المقابل، فإن المنتمين إلى الطبقة الوسطى وقاطني القرى التعاونية (الكيبوتسات) والذين هاجروا حديثًا، تحديدًا من الدول التي كانت تشكل الاتحاد السوفياتي، يميلون إلى دعم قوى اليمين العلماني.
وستعمق نتائج الانتخابات الاستقطاب الداخلي والصدع المتعاظم في المجتمع الإسرائيلي، حيث إن الأحزاب المرشحة للمشاركة في حكومة نتنياهو القادمة أعلنت أنها ستعمل على إحداث تحول كبير على طابع العلاقة بين الدين والدولة بشكل يمس بقدرة العلمانيين على مواصلة أنماط حياتهم الشخصية عبر إحداث ثورة قضائية تعلي من شأن أحكام الشريعة اليهودية على حساب القوانين الوضعية.
ومن أجل توفير بيئة تسمح لهم بتحقيق هذا الهدف، فإن عددا من ممثلي الأحزاب المؤيدة لنتنياهو أعلنوا أنهم سيعملون على تمرير قانون يسحب من المحكمة العليا -التي تلعب دور المحكمة الدستورية- صلاحية مراقبة القوانين التي يصدرها الكنيست والنظر في دستوريتها
فضلا عن أن سموتريتش وعددا من زملائه أوضحوا عزمهم مواجهة ظاهرة المثلية الجنسية، والتشدد في فرض حرمة السبت، وإخضاع كثير من الخدمات التي تقدمها الوزارات والمؤسسات الرسمية لتعليمات الشريعة اليهودية.
كما أن الكاهانية والأحزاب الحريدية تظهر حماسة لتقليص حضور المرأة في الفضاء العام، لا سيما معارضة اندماج النساء في الوحدات القتالية في الجيش بحجة أن ذلك يمس بدافعية الشباب المتدين للانخراط في هذه الوحدات.
ومما سيفاقم الأمور سوءا أمام نتنياهو حقيقة أن قدرة أي حكومة تضم الحريديم والكاهانية على تأمين شرعية داخلية لاتخاذ قرارات بشن عمليات عسكرية أو حروب ستكون متدنية؛ فأتباع التيار الحريدي ومعظم مؤيدي الكاهانية لا يؤدون الخدمة العسكرية، وذلك يجعل قطاعات واسعة من الجمهور الإسرائيلي ترى أن هذه الحكومة تفتقد الأهلية الأخلاقية لإصدار قرارات بشن عمليات عسكرية أو حروب ما دام أتباع الأحزاب المهمة المشاركة فيها لا يؤدون الواجب العسكري.
وستتحمل إسرائيل كلفة اقتصادية باهظة جراء تشكيل الائتلاف الذي يضم الحريديم وتحالف الصهيونية الدينية والكاهانية؛ فقد توعدت الأحزاب الحريدية بأن تضمن أي اتفاق ائتلافي مع الليكود التزاما بزيادة المخصصات المالية لمؤسساتها الدينية والتعليمية والاجتماعية، فضلا عن توسيع مخصصات الضمان الاجتماعي للعائلات الحريدية.
ليس هذا فحسب، بل إن نتنياهو التزم أمام الحريديم بإلغاء قرار حكومة تصريف الأعمال الحالية الذي اشترط زيادة المخصصات المالية للمدارس التابعة للتيار الحريدي بتدريسها المواد الأساسية، وهي: الإنجليزية، والرياضيات، والعلوم، حيث اتخذ هذا القرار من أجل تمكين الشباب الحريدي من الاندماج في سوق العمل، مع العلم أن المرجعيات الحريدية ترفض بشدة تدريس هذه المواد في المدارس التابعة لهذا التيار.
في الوقت ذاته، فإن قادة الأحزاب الحريدية تمكنوا عشية الانتخابات من الحصول على تعهد من نتنياهو بإسقاط كل القوانين التي تربط بين المزايا الاقتصادية التي يحصل عليها التيار الحريدي وبين الخدمة العسكرية؛ حيث إن الأغلبية الساحقة من أتباع التيار الحريدي لا يؤدون هذه الخدمة[28].
2- التداعيات علي المستوي الفلسطيني:
قبل التطرق إلي تداعيات فوز اليمين المتطرف علي الساحة الفلسطينية يجب التأكيد علي عدة نقاط:
أ- أن المحتل بطبيعته متطرف، لا يرى إلا نفسه متحكمًا ومسيطرًا على الأدوات المحتلة من قبل جيشه وقوته الغاشمة. كان المحتلون ينتخبون اليسار لأسباب لا تتعلق بقلة تطرفهم أو جرائمهم ضد الشعب الفلسطيني والعربي، ولكن الأمر يرتبط بتشكيل دولة الاحتلال من قبل عصابات مسلحة أوروبية انتمت لليسار الأوروبي تقليديًا وحملت أفكارًا اشتراكية.
أسست العصابات الصهيونية بعد الاحتلال الكيبوتسات كوحدات عمالية ومجتمعية تحمل مفاهيم اشتراكية، لعبت فيما بعد دورًا كبيرًا في السياسة والانتخابات الإسرائيلية لعقود طويلة، قبل أن يقلل نتنياهو من الدعم الحكومي لها، ما أدى لإضعافها.
ومما يؤكد أن انتخاب اليسار لم يكن يعني ميلًا للاعتدال عند ناخبي الاحتلال، هو أن الحروب الصهيونية مع العرب والفلسطينيين كانت في غالبها تحت قيادة اليسار (بن غوريون/ حزب ماباي 1948، ليفي آشكول/ حزب معراخ 1967، غولدا مائير/ حزب العمل 1973، شمعون بيريز/ العمل خلال العدوان على لبنان ومجزرة قانا 1996، تحالف كاديما- حزب العمل أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة 2008-2009)[29].
فضلاً عن أن ما يسمى بـ” يمين وسط أو اليمين المعتدل” (يضم “يوجد مستقبل” بزعامة يائير لبيد، و”المعسكر الرسمي” بزعامة بيني غانتس، واللذين حصلا علي نحو 31% من أصوات اليهود في الانتخابات الأخيرة) لا يتبنى طروحات بعيدة جداً عن طروحات اليمين المتطرف (حزب الليكود)، ولا سيما في ما يتعلق بالموقف من القضية الفلسطينية، ولم تحد ممارساتهما، في الحكومة المنتهية ولايتها، كثيرا عن نهج اليمين الاستيطاني، خاصة في كل ما يتعلق بالتعامل مع الضفة الغربية والقدس المحتلة وقطاع غزة[30].
وربما ينحصر الفرق فقط في الشكل حين يتحدث لابيد معسول الكلام عن “حل الدولتين” لذر الرماد في العيون، من دون تقديم خطة، وإنما يفعل كل ما من شأنه أن يقضي على أي احتمال بقيام دولة فلسطينية، ولعل التصعيد العدواني بكل أشكاله في الضفة الغربية وضد قطاع غزة خلال الأشهر الأخيرة، يظهر أنها حكومة تزايد على حكومة اليمين من حيث ممارساتها العملية[31].
ب- أن المحتل بطبيعته لا يقبل دورًا أو شراكة مهما كانت ديكورية وهامشية مع الشعب الذي يحتله، ولذلك فإن الناخب المحتل عاقب التحالف الحكومي السابق بسبب إشراكه حزب القائمة الموحدة العربي في حكومته، على الرغم من أن مشاركة منصور عباس رئيس القائمة كانت منبوذة فلسطينيًا وعربيًا، وكانت أيضًا هامشية دون أدنى تأثير سياسي[32].
ت- أن عودة نتنياهو للحكم جاءت في ظل صيغة أو انعطافة سياسية تؤكد أن المجتمع الإسرائيلي بدأ يتماهى مع أكثر الأطروحات الدينية والفاشية تعصباً، وبات على استعداد لتقبل وجود رجال من أمثال إيتمار بن غفير وبتسليئيل سموتريتش.
هذه الشريحة من اليمين الديني المتطرف تعتقد أن الضفة الغربية جزء لا يتجزأ من الأرض الموعودة التي يحق لليهود أن يقيموا فيها ما شاؤوا من مستوطنات، وأن المسجد الأقصى يجب أن يهدم، وأن يقام الهيكل على أنقاضه، وأن إسرائيل دولة يهودية لا مكان فيها للعرب، مسلمين كانوا أم مسيحيين، ومن ثم يحل طردهم أو حتى قتلهم. كما يطالبون بإلغاء اتفاقيات أوسلو، ورفض «حل الدولتين»[33].
وعليه، يمكن الإشارة إلي أبرز الانعكاسات التي ستجد صداها في المشهد الفلسطيني بعد تسلم تحالف أحزاب الليكود والصهيونية الدينية والحريديم، الحكم، على النحو التالي:
- المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني المحتل:
لا يعترف اليمين المتطرف الذي يُهيمن على الحكم بفلسطينيي الداخل، الذين يُسميهم البعض «عرب إسرائيل»، ولا يعترف بحقهم في هذه الأرض، ولا يتعامل معهم على قدم المساواة مع المواطن الإسرائيلي العادي، على الرغم من أنهم يحملون الجنسية الإسرائيلية، ويعيشون على هذه الأرض منذ ما قبل قيام الدولة العبرية في عام 1948[34].
وبالتالي، فمن المتوقع أن تزداد الاحتكاكات والمواجهات بين أجهزة أمن العدو والفلسطينيين في منطقة النقب المحتل، التي تشهد عمليات هدم متواصلة للبيوت العربية في القرى البدوية، في ظل تعهد بن غفير إعادة السيطرة والسيادة على النقب، الأمر الذي سيعزز الصحوة الوطنية في مواجهة العنصرية الصهيونية.
كما سيساهم فشل الأحزاب العربية في التأثير في سلوك العدو تجاه المواطنين العرب في الداخل المحتل عبر بوابة العملية السياسية الإسرائيلية (“الكنيست” والحكومة) في إعادة قطاع عريض من قاعدتهم الانتخابية التفكيرَ في جدوى المشاركة، التي لم تساهم إلّا في تبييض وجه الاحتلال القبيح، وتصدير صورة عن ديمقراطيته الكاذبة، الأمر الذي سيفتح الباب أمام تفعيل وسائل وأدوات شعبية وإنشاء مؤسسات مدنية تمثّل الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل، وتدافع عن قضاياه الوطنية والمطلبية، بعيداً عن بوابة المشاركة في انتخابات “كنيست” العدو.
- الضفة الغربية والقدس المحتلّتان:
ستشهد الضفة الغربية المحتلة مزيداً من الاعتداءات، وإقامة مزيد من البؤر الاستيطانية، ولاسيما من قطعان المستوطنين، أتباع بن غفير وسموتريتش.
كما ستعمد حكومة نتنياهو إلى القضم المتزايد من مكانة السلطة الفلسطينية، عبر تكثيف عمليات السطو على الأراضي الفلسطينية والاستيطان، وتصاعد عمليات اقتحام المدن الفلسطينية، التي تقع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، وتنفيذ مزيد من عمليات الاغتيال ضد المقاومين الفلسطينيين، الأمر الذي سيُضعف السلطة الفلسطينية وسيضعها أمام تحديات صعبة في الضفة المحتلة أمام الشعب الفلسطيني، الذي سيطالبها بالدفاع عنه وحمايته والتخلي عن التنسيق الأمني، ولاسيما بعد انخراط عناصر من الأجهزة الأمنية في تشكيلات المقاومة العسكرية، وتنفيذ عمليات مسلّحة أدت إلى قتل وإصابة عدد من جنود الاحتلال ومستوطنيه.
كما ستزداد حدة اقتحامات قطعان المستوطنين لباحات المسجد الأقصى، والمضي في سياسة تقسيم المسجد، زمانياً ومكانياً، وتكثيف الاعتداءات على المقدسيين، والسيطرة على بيوتهم، ولاسيما في حيَّي الشيخ جراح وسلوان، والإقدام على عمليات انتقامية من مخيم شعفاط بعد تنفيذ العملية الجريئة للشهيد عدي التميمي، ابن المخيم.
ستساهم السياسة العدوانية لحكومة نتنياهو/بن غفير، تجاه الضفة والقدس المحتلتين، في مزيد من الغليان الشعبي، وقد تُشعل الانتفاضة المسلحة المندلعة منذ عدة أشهر، وتزيد في حدتها ورقعة انتشارها، الأمر الذي سيُفقد العدو السيطرة على الموقف الميداني، الأمر الذي قد يتطوّر إلى اندلاع مواجهات في الداخل الفلسطيني المحتل، الذي بات أكثر قابلية واستعداداً لمواجهة مخططات الاستئصال والترحيل، التي يتبناها بن غفير.
- قطاع غزة:
تمكنت المقاومة الفلسطينية من تطوير قواعد اشتباك مع العدو، تردعه عن استباحة قطاع غزة. وبات المستويان العسكري والسياسي لدى العدو، يتبنيان سياسة أكثر حذراً تجاه قطاع غزة. ومن المستبعد أن تغيّر حكومة نتنياهو سياستها تجاه القطاع، إلّا أنّ تصاعد مستويات العدوان على الضفة الغربية والقدس المحتلتين، سينعكس على جبهة قطاع غزة، الأمر الذي يُبقي سيناريو المواجهة العسكرية قائماً[35].
وما يمكن أن يجعل مثل هذه السيناريوهات المتطرفة أكثر احتمالًا، ما يأتي:
– أن يحصل الجمهوريون في الولايات المتحدة على الأغلبية في الكونغرس خلال الانتخابات النصفية الحالية، وهذا إن حدث سيحول الرئيس الأميركي بايدن إلى بطة عرجاء؛ لأن الكونجرس سيحد من سياسات بايدن المعارضة لنتنياهو. وسيزداد الطين بلة إذا نجح دونالد ترامب أو مرشح شبيه به في الانتخابات التي ستعقد بعد عامين، وهذا الاحتمال قوي ولا يمكن الاستهانة به، وهذا سيفتح الباب للسيناريوهات الأكثر تطرفًا.
– أن يبقى الوضع الفلسطيني في حالة ضعف وانقسام، وهذا يفتح شهية المتطرفين على المزيد من التطرف؛ حيث ينهض الشعب حاليًا للدفاع عن نفسه وأرضه وحقوقه من دون قيادة ولا رؤية، ولا استراتيجيات جديدة بديلة عن الاستراتيجيات التي وصلت إلى طريق مسدود.
– بقاء الوضع العربي على حاله، مع المزيد من التشرذم، وانتشار سياسات التطبيع العربي مع إسرائيل، سيشجع إسرائيل على المزيد من التطرف[36].
وإن كان البعض يري أن هناك بعض المعوقات التي ستحول دون توجه نتنياهو للتصعيد ضد الفلسطينيين، منها:
– ما طرأ على بنية وتجهيز فصائل المقاومة الفلسطينية والمختلف على نحو جذري عما كان عليه سابقاً، وعلى رأسها أسلحة نوعية جديدة من صواريخ ومسيرات، إذ كانت سلسلة المواجهات الأخيرة كمعركتي “سيف القدس” و”وحدة الساحات” بعض نماذج عملها الفعالة، التي أظهرت عجزاً، ولو جزئياً، في قدرات “الدفاع” الإسرائيلية، على مواجهتها أو منعها من الوصول إلى عمق مواقع الكيان ومستوطناته ومدنه.
– وحدة ساحات المقاومة الفلسطينية التي أصبحت حقيقة ثابتة، إذ ارتبطت كل المواجهات أو أعمال المقاومة على كامل تراب فلسطين المحتلة بعضها ببعض ارتباطاً وثيقاً، لتُطلق صواريخ غزة في مقابل أي اعتداء في أحياء القدس المحتلة، أو في مقابل أي توغل للعدو في مخيمات الضفة.
– انتشار عمليات المقاومة في الضفة الغربية ضد المستوطنين وأجهزة الأمن الصهيونية، والتي يشارك بها بعض عناصر أجهزة أمن السلطة الفلسطينية[37].
3- التداعيات علي المستوي الاقليمي:
من المرجح أن تستمر العلاقات الجيدة بين إسرائيل (مثلما كانت تحت حكم لابيد أو حتي تحت حكم نتنياهو في ولايته السابقة) مع كل من مصر والدول المطبعة حديثًا (الإمارات والبحرين والمغرب والسودان)، وربما نشهد دخول دول عربية أخري في مسار التطبيع.
وفي المقابل، فمن المرجح أن تُفاقم عودة نتنياهو إلى السلطة التوترات في الشرق الأوسط، وهو ما يمكن توضيحه كما يلي:
الملف النووي الإيراني: يعارض نتنياهو أي مفاوضات مع إيران، ويعارض عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي الإيراني، ويؤكد على مواصلة إسرائيل منع طهران من التحول إلى قوة نووية[38].
ومن ثم فإن الفترة القادمة قد تشهد تصاعد لهجة التهديدات الإسرائيلية الموجهة لإيران، ومزيد من الاختراقات الإسرائيلية للداخل الإيراني، كما يُتوقع أن تتزايد الضربات الإسرائيلية في سوريا[39].
وربما يجد نتنياهو الظروف الحالية مهيأة لشن عملية عسكرية ضد طهران تتمثل في:
– لناحية إسرائيل، ستكون الحرب على إيران فرصة تاريخية بهدف إنهاء التهديد الأكبر للكيان، بوجود تطور في الموقف النووي الإيراني أو من دونه، إذ إن القدرات الصاروخية والمسيرة، هي موضع الخوف الإسرائيلي الحقيقي أكثر من السلاح النووي.
– لناحية واشنطن، ربما بدا الأميركيون اليوم، وبخاصة الديمقراطيون، يميلون، وعلى عكس السابق، إلى أن يحصل اعتداء صهيوني على إيران، إذ الأخيرة لم تقبل بالشروط الأمريكية للعودة إلى الاتفاق النووي، وبقيت صامدة على مواقفها، فضلاً عن أن إيران أيضاً، أصبحت، وفي نظر الغرب الأطلسي، لاعباً فاعلاً في ترجيح كفة موسكو بمواجهتهم في أوكرانيا، وذلك عبر مسيراتها[40].
التطبيع مع تركيا: شهدت العلاقات بين تركيا وإسرائيل خلال غياب نتنياهو عن السلطة تطورات مهمة متلاحقة، من خلال تواصل أردوغان مع هرتسوغ وبينيت ولابيد.
وذلك بعد أن تدهورت العلاقات التركية – الإسرائيلية في عهد نتنياهو. فعلي سبيل المثال؛ في العام 2018، تبادل الجانبان طرد كبار الدبلوماسيين بسبب استشهاد أكثر من 60 فلسطينيًا خلال احتجاجات على حدود قطاع غزة، ووصم أردوغان دولة الاحتلال بـ”الإرهاب”.
وعندما بدأت تركيا اتخاذ خطوات لتحسين علاقاتها مع دول المنطقة في عام 2020، كان التساؤل البارز حول إذا كان سيمتد هذا الانفتاح إلى “إسرائيل” أيضا، ومع ذلك لم يتحقق أي تقدم ملموس على الجبهة الإسرائيلية، والسبب الرئيس لعدم تحسن العلاقات في ذلك الوقت، هو بنيامين نتنياهو.
ولم تتحسن العلاقات إلا بعد انتخابات الكنيست التي أجريت في 23 مارس 2021، مع تشكيل تحالف معارض لنتنياهو للحكومة في 13 يونيو من العام ذاته.
أما التطور الرئيس الآخر، يكمن في انتخاب إسحاق هرتسوغ رئيسا لدولة الاحتلال في 7 يوليو، والذي تدخل بقوة للدفع بالتقارب مع تركيا.
وبعد رسائل متبادلة في النصف الثاني من عام 2021، اتخذ هرتسوغ الخطوة التي أزالت الجمود في العلاقات مع زيارته لتركيا في مارس 2022، والتي خلقت جوا يسهل البدء بعملية التطبيع، وصل إلي التعاون بين موساد الاحتلال والمخابرات التركية في فك شفرة استعدادات المخابرات الإيرانية للقيام بأعمال ضد إسرائيليين في إسطنبول مطلع يونيو الماضي، والقبض على الخلية ما ولد ارتياح كبيرًا لدي الاحتلال.
ولتتطور العلاقات منذ ذلك التوقيت، حيث زار وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو دولة الاحتلال في مايو الماضي، تلتها زيارة من نظيره يائير لابيد إلى أنقرة في يونيو.
ومع قرار إجراء انتخابات مبكرة في دولة الاحتلال، وتولي لابيد منصب رئاسة وزراء الحكومة الائتلافية قبيل الانتخابات، التقى لابيد الرئيس أردوغان في نيويورك في أكتوبر الماضي، فيما وصلت وزيرة الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية أورنا باربيفاي، إلى تركيا أواخر أكتوبر الماضي، تلتها زيارة من وزير الجيش بيني غانتس إلى أنقرة. ولتتحرك حكومة الاحتلال الائتلافية بوتيرة سريعة لتطبيع العلاقات مع تركيا، وتقرر رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى السفراء.
وعقب الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة وفوز نتنياهو، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن بلاده ترغب أن تكون علاقاتها مع تل أبيب على أرضية مستدامة وعلى أساس الاحترام المتبادل للحساسيات والمصالح المشتركة مهما كانت نتيجة الانتخابات.
وأضاف أن بلاده تحافظ على أملها في تطوير العلاقات الثنائية مع تل أبيب بجميع المجالات من خلال مواصلة المسار عبر الاتصالات المتبادلة. وأردف: “طالما يجري احترام القيم فإن المنطقة برمتها ستخرج رابحة من الدبلوماسية القائمة على الربح المتبادل وليس تركيا وإسرائيل فحسب”.
وهذه التصريحات تشير إلى أنه إذا شكل نتنياهو الحكومة فإن أردوغان يريد الحفاظ على العلاقات دون الخوض بالماضي، والمضي قدمًا في عملية التطبيع، لكنه سينتظر ردود فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد تجاه أنقرة[41].
ترسيم الحدود البحرية مع لبنان: على الرغم من تأكيد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية “نجيب ميقاتي” أن “الضمانات الأمريكية ستحمي اتفاق الحدود البحرية مع إسرائيل في حال فوز رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق المحافظ بنيامين نتنياهو بأغلبية في الانتخابات”؛ فإن هذا الملف قد يحمل الكثير من التوترات في الفترة القادمة، خصوصاً مع تهديد نتنياهو بإبطال الاتفاق في حال فوزه في الانتخابات، واعتباره بمثابة خيانة وتنازل عن السيادة الإسرائيلية أمام حزب الله، قائلاً: “سأتعامل معه (الاتفاق) تماماً كما تعاملت مع اتفاق أوسلو”[42].
ورغم تصريحاته الانتخابية بشأن إلغاء الاتفاق البحري، لكن يصعب تصديق أنه سيكون هدفًا رئيسيًا فور عودة نتنياهو للسلطة، خاصة وأن الاتفاق حظي بتأييد كبير في أوساط الجمهور؛ ما دفعه لتغيير رأيه ووصفه بأنه غير مناسب، دون التهديد بإلغائه، كما أن نتنياهو لن يكون مستعجلا في مواجهة بايدن، الذي أشاد بالاتفاق[43].
عودة التوتر مع الأردن: تثير عودة نتنياهو تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين الأردن وإسرائيل، والذي أنهى حقبته في ظل علاقات متوترة بينه وبين الملك الأردني عبد الله الثاني. وساءت العلاقات بين المملكة الهاشمية و”إسرائيل” أثناء فترة ولاية نتنياهو لعدة أسباب، أبرزها الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأماكن المقدسة التي تخضع لوصاية الملك عبد الله الثاني، وإعلان نتنياهو في يوليو 2020 عن خطة استيطانية لضم غور الأردن وأجزاء واسعة من الضفة الغربية، ومنع ولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبد الله من زيارة المسجد الأقصى في مارس الماضي، وما تبعها من منع عمان مرور طائرة نتنياهو عبر الأجواء الأردنية لزيارة الإمارات، فضلًا عن محاولة نتنياهو اللعب بقضية المياه، والتسويف في الموافقة على بيع الأردن 50 مليون متر مكعب من المياه[44].
ولا يبدو أن العلاقات الإسرائيلية–الأردنية ستكون في أحسن أحوالها، لا سيما مع حديث العديد من التقارير عن تحذيرات من نتنياهو للأردن من مغبة التدخل في انتخابات الكنيست لدعم معسكر لابيد عبر تشجيع عرب الـ48 للمشاركة بفعالية في الانتخابات، حتى يقللوا من فرص عودة نتنياهو، كما يبدو أن هناك خشية أردنية حقيقية من سعي نتنياهو لإحياء ما تسمى “صفقة القرن” وتبني المزيد من التصعيد في القدس؛ الأمر الذي يُهدد بتقويض الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس[45].
وعليه فمن المتوقع، أن يعطل نتنياهو القنوات الدبلوماسية التي خلقها لابيد وبينيت مع الأردن، لأنه غير معني بها. وربما تلجأ الأردن إلي الاعتماد على العلاقة مع رئيس دولة الاحتلال إسحاق هرتسوغ، وتنشيط هذه القناة، والتركيز على التنسيق الأمني من خلال الأمريكيين؛ بهدف الحفاظ على مستوى معين من التصعيد في الأراضي الفلسطينية.
وإن كان إمكانية تأزم العلاقة بين نتنياهو والرئيس الأمريكي جو بايدن؛ سينعكس سلبا على الأردن، وذلك لضعف قدرة واشنطن على التأثير في شخص نتنياهو، ما يمكن أن يؤدي إلى حالة من الجمود في الاتفاقات الاقتصادية القائمة والمنوي إبرامها بين الأردن وإسرائيل، كاتفاق الطاقة مقابل المياه، وذلك لكون واشنطن تتمتع بدور كبير في عقد ورعاية هذه الاتفاقيات[46].
4- التداعيات علي المستوي الدولي:
أ- العلاقات مع واشنطن: لم يعد سرًا أن نتائج الانتخابات الإسرائيلية ستترك تأثيراتها الكبيرة على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، فمن جانب، قد تجد أمريكا وإسرائيل صعوبات في كيفية تجاوز التباينات الناشئة بين حكومة يمينية كاهانية لا تخفي تطلعاتها الفاشية، وبين إدارة ديمقراطية تسعى لتبريد التوترات في المنطقة، لاسيما على الساحة الفلسطينية، للتفرغ لمواجهات أعنف تجري مع الدب الروسي في أوكرانيا.
ومن جانب ثان، فإن إدارة بايدن تشعر بخيبة أمل ليس فقط من فوز نتنياهو، بل أيضًا من جانب شركائه المتطرفين في الائتلاف الحكومي القادم، خاصة حزب الصهيونية الدينية بزعامة بيتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، رغم أن ردود الأفعال الأمريكية الرسمية على نتائج الانتخابات الإسرائيلية أكدت علي عمق العلاقة بين الدولتين، لكن ذلك لا يخفي نفورها منها.
ومن جانب ثالث، فإن بايدن يدرك حجم ارتباط نتنياهو بالحزب الجمهوري، لاسيما عند وقوف الأخير لصالح الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية السابقة، وتحديه غير المسبوق ضد الرئيس الأسبق أوباما بشأن الملف النووي الإيراني، حين كان بايدن نائبا له.
وبالتالي، فإن الفترة المقبلة قد تشهد تطور في العلاقة بين الدولتين، وسيكون أول امتحان لعلاقة نتنياهو مع إدارة بايدن، من حيث قدرته على كبح جماح سموتريتش وبن غفير، اللذان يعتبران حقل ألغام خطير في العلاقات الثنائية بين تل أبيب وواشنطن، خاصة وأن الأخيرة صنفت الحاخام مائير كهانا، الزعيم الروحي للأخير بأنه عنصري، وعدت منظمته التي أسسها إرهابية.
امتحان ثاني لعلاقة بايدن مع نتنياهو تتعلق بسلوك الحكومة المقبل مع فلسطينيي الـ48، وسياسته إزاء الأماكن المقدسة في القدس المحتلة، خاصة المسجد الأقصى، المكان القابل للانفجار في أي لحظة، وقد سبق أن ألمحت إدارة بايدن أنه إذا تولى ابن غفير وزارة الأمن الداخلي، فلن تتعاون معه.
امتحان ثالث يتعلق بمطالب المتطرفين اليهود بشرعنة البؤر الاستيطانية، وتوسيع المستوطنات القائمة، فضلًا عن استخدام القوة غير المتناسبة ضد الفلسطينيين، وكلها قد تواجه بردود فعل قاسية من إدارة بايدن، وقد يشمل ذلك إعاقة تقديم بعض المساعدات العسكرية، وجعلها أكثر صعوبة[47].
لذلك فمن المتوقع أن يؤكد نتنياهو أن السياسة الخارجية وقضايا الأمن القومي ستكون تحت سيطرته، وأنه لن يقوم بتغييرات عميقة في الاستراتيجية الإسرائيلية على الأقل في المرحلة المقبلة، حتى يتقبل العالم بشكل تدريجي حكومته الحالية.
ويمكن القول في هذا الصدد إن نتنياهو لن يلغي اتفاق ترسيم الحدود مع لبنان رغم نقده الشديد له وهو في المعارضة، لأنه تم بوساطة أمريكية[48].
أضف إلى ذلك، فإن وجود أرئييل درعي رئيس حزب شاس سيؤدي دوراً كبيراً في تهدئة رغبات بن غفير المتطرفة في الحكومة المقبلة. لذلك، بدأ الأميركيون بالتواصل مع درعي باعتباره شخصية معتدلة وبراغماتية تساعد نتنياهو في ضبط تطرف كل من بن غفير وسيموتريتش[49].
ب- العلاقات مع روسيا: يرجح البعض أن يعمل نتنياهو على الحفاظ على علاقته الوثيقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما سيحرص على الحفاظ على الاتصالات العسكرية الوثيقة التي تسمح لإسرائيل بالعمل في المجال الجوي الذي تسيطر عليه روسيا في الأجواء السورية لمواجهة التهديدات الإيرانية[50].
لكنه في الوقت ذاته سيواجه عدة معضلات في علاقاته بروسيا؛ وذلك لأن روسيا استوردت عديد الطائرات المسيرة في إيران وهي التي تستخدمها الآن ضد كييف والخشية من التقارب المتزايد بين الدولتين، وروسيا تأخذ على الكيان دعمه لأوكرانيا عسكرياً ودبلوماسياً، واستمرار الإجراءات الروسية القانونية في قضية الوكالة اليهودية “سخنوت” التي تعمل على مساعدة اليهود الروس بالهجرة إلى تل أبيب[51].
وفي ضوء ذلك، يتوقع البعض أن يقوم نتنياهو بدور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا محاولًا تبني موقفًا محايدًا في الأزمة الأوكرانية. وفي كل الأحوال سيحاول نتنياهو أن يحافظ على العلاقات مع روسيا بشكل متوازن يضمن السماح له بمواجهة إيران و حزب الله من جانب، مع ضمان عدم الإضرار بعلاقة إسرائيل مع الولايات المتحدة من جانب آخر[52].
ت- العلاقات مع الصين: رغم الزخم الإيجابي الذي تشهده علاقات إسرائيل مع بكين خلال السنوات الأخيرة ودرجة الاهتمام بالتعاون في مشاريع البنية التحتية، لكن التوترات الأمريكية الصينية المحتدمة الراهنة تُلقي بظلالها على العلاقات بين “تل أبيب” وبكين في التضييق على الاستثمارات الصينية في البلاد، كما أن هناك تذمراً واسعاً بدأ يستثير عددًا من ضباط جيش الاحتلال وقيادات في جهاز الأمن العام منشأة القلق من اختراق الصين للاقتصاد والسيطرة عليه ومن احتمال استخدام الصين للتكنولوجيا الفائقة في أنشطة تجسس، إلى جانب تأثير تلك العلاقات الثنائية على إثارة مخاوف واشنطن الإستراتيجية الأمنية والعسكرية والاقتصادية[53]
الخلاصات والاستنتاجات:
– أسفرت الانتخابات الإسرائيلية عن تحقيق اليمين المتطرف أغلبية عددية في الكنيست، بعد خمس جولات انتخابية، بعدما حقق قبلها هيمنةً على المجتمع والسياسة وصناعة القرار في إسرائيل. فعدم تمكن نتنياهو وأتباعه من الحصول على أغلبية في الجولات السابقة لا يعني أن هذا التيار لم يملك أغلبية، بل يعني أنه فشل في ترجمتها بعدد المقاعد في الكنيست بسبب الانقسامات داخل المعسكر نفسه.
الجديد في هذه الانتخابات تجند مجتمع الحريديم بشكل كامل لحسم الانتخابات لصالح نتنياهو، وارتفاع كبير في نسب التصويت لديهم، لأنه لا يريد البقاء خارج التحالف الحكومي وخسارة مكتسبات مالية ورمزية حققها في تحالفه مع نتنياهو، وكذلك بسبب جنوح فئة الشباب في المجتمع الإسرائيلي إلى دعم الفاشي بن غفير، وغياب حزب “يمينا” عن المشهد الانتخابي الذي اقتطع من معسكر نتنياهو في الانتخابات السابقة ستة مقاعد، وذهب بها إلى المعسكر المناهض، وعادت كلها في هذه الانتخابات إلى بيتها في اليمين الفاشي[54].
– من المستبعد في تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة انضمام قوائم أخرى خارج معسكر نتنياهو لهذه الحكومة، لعدم حاجة نتنياهو لها، ولأنها قد ترفض الانضمام لحكومة تكون فيها الصهيونية الدينية مكوناً مركزياً، فضلاً عن رفض بعضها تولي نتنياهو رئاسة الحكومة من حيث المبدأ.
– من المتوقع عدم نجاح ائتلاف نتنياهو الحكومي اليميني في تنفيذ أغلب الوعود الأساسية التي أطلقتها مكوناته، بما فيها القيام بتغييرات عميقة وراديكالية خاصة في العلاقة الأمنية مع الضفة الغربية وقطاع غزة، وتمرير مشاريع ضم لأراضي الضفة، وذلك لأسباب عديدة أبرزها الضغوط الدولية التي ستُعارض توجهات كهذه[55].
– يبدو أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة من التوتر مع عودة نتنياهو القوية إلى السلطة وصعود الأحزاب اليمينية المتطرفة الاستيطانية إلى سدة الحكم في تل أبيب؛ الأمر الذي يشي بتزايُد التوترات مع الفلسطينيين وتراجُع فرص السلام، بالإضافة إلى تصاعُد الاحتكاكات بين تل أبيب وطهران في المنطقة، لا سيما مع تراُجع أفق الوصول إلى اتفاق نووي في الفترة الحالية[56].
[1] “الانتخابات الإسرائيلية تكرّس الطابع العنصري للمشروع الصهيوني”، الميادين نت، 10/11/2022، الرابط:
[2] ” تقدير موقف: قراءة في نتائج انتخابات الكنيست الـ 25 وتوجهات الحكومة القادمة”، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 7/11/2022، الرابط:
[3] ” عودة “الساحر”: ماذا يعني فوز “نتنياهو” في انتخابات الكنيست؟”، إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية، 4/11/2022، الرابط:
[4] “اليمين الإسرائيلي يشكّل الأكثرية في الكنيست منذ فترة طويلة”، مدار، 6/11/2022، الرابط:
[5] ” عودة “الساحر”: ماذا يعني فوز “نتنياهو” في انتخابات الكنيست؟”، مرجع سابق.
[6] ” ماذا تعني عودة نتنياهو بالنسبة لإسرائيل والعالم؟”، الخليج الجديد (مترجم)، 9/11/2022، الرابط:
[7] “مقال: نتائج الانتخابات (الإسرائيلية) وكلفتها الداخلية الباهظة”، الرسالة نت، 7/11/2022، الرابط:
[8] “ما بعد عودة نتنياهو: مستقبل المشهد السياسي الإسرائيلي في ضوء نتائج انتخابات الكنيست”، مركز الإمارات للسياسات، 7/11/2022، الرابط:
[9] “تشكيل الحكومة الإسرائيلية بين التحديات والفرص”، الميادين نت، 7/11/2022، الرابط:
[10] “اليمين الإسرائيلي يشكّل الأكثرية في الكنيست منذ فترة طويلة”، مرجع سابق.
[11] “انتخابات الكنيست الإسرائيلي: عودة نتنياهو وصعود الصهيونية الدينية”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 7/11/2022، الرابط: https://bit.ly/3UFaeph
[12] “ما بعد عودة نتنياهو: مستقبل المشهد السياسي الإسرائيلي في ضوء نتائج انتخابات الكنيست”، مرجع سابق.
[13] ” عودة “الساحر”: ماذا يعني فوز “نتنياهو” في انتخابات الكنيست؟”، مرجع سابق.
[14] “انتخابات الكنيست الإسرائيلي: عودة نتنياهو وصعود الصهيونية الدينية”، مرجع سابق.
[15] ” تقدير موقف: قراءة في نتائج انتخابات الكنيست الـ 25 وتوجهات الحكومة القادمة”، مرجع سابق.
[16] “انتخابات الكنيست الإسرائيلي: عودة نتنياهو وصعود الصهيونية الدينية”، مرجع سابق.
[17] “انتخابات الكنيست الـ25 تفرز حكومة ستكون الأشد تطرفاً بانزياح الإسرائيليين أكثر نحو اليمين المتطرف!”، مدار، 6/11/2022، الرابط: https://bit.ly/3EhdHot
[18] “ما بعد عودة نتنياهو: مستقبل المشهد السياسي الإسرائيلي في ضوء نتائج انتخابات الكنيست”، مرجع سابق.
[19] ” تقدير موقف: قراءة في نتائج انتخابات الكنيست الـ 25 وتوجهات الحكومة القادمة”، مرجع سابق.
[20] المرجع السابق.
[21] “انتخابات الكنيست الـ25 تفرز حكومة ستكون الأشد تطرفاً بانزياح الإسرائيليين أكثر نحو اليمين المتطرف!”، مرجع سابق.
[22] ” تقدير موقف: قراءة في نتائج انتخابات الكنيست الـ 25 وتوجهات الحكومة القادمة”، مرجع سابق.
[23] “انتخابات الكنيست الـ25 تفرز حكومة ستكون الأشد تطرفاً بانزياح الإسرائيليين أكثر نحو اليمين المتطرف!”، مرجع سابق.
[24] “ما بعد عودة نتنياهو: مستقبل المشهد السياسي الإسرائيلي في ضوء نتائج انتخابات الكنيست”، مرجع سابق.
[25] المرجع السابق.
[26] “انتخابات الكنيست الـ25 تفرز حكومة ستكون الأشد تطرفاً بانزياح الإسرائيليين أكثر نحو اليمين المتطرف!”، مرجع سابق.
[27] ” عودة “الساحر”: ماذا يعني فوز “نتنياهو” في انتخابات الكنيست؟”، مرجع سابق.
[28] “مقال: نتائج الانتخابات (الإسرائيلية) وكلفتها الداخلية الباهظة”، الرسالة نت، 7/11/2022، الرابط:
[29] ” لماذا ينتخب المحتلون التطرف؟ وما الذي سيتغير؟”، عربي21، 7/11/2022، الرابط: https://bit.ly/3fRWlp4
[30] “انتخابات الكنيست الـ25 تفرز حكومة ستكون الأشد تطرفاً بانزياح الإسرائيليين أكثر نحو اليمين المتطرف!”، مرجع سابق.
[31] “الانتخابات الإسرائيلية: نقطة تحوّل أم مراوحة في المكان نفسه؟”، مسارات، 1/11/2022، الرابط: https://bit.ly/3UF5Uq7
[32] ” لماذا ينتخب المحتلون التطرف؟ وما الذي سيتغير؟”، مرجع سابق.
[33] “الانتخابات الإسرائيلية تكرّس الطابع العنصري للمشروع الصهيوني”، الميادين نت، 10/11/2022، الرابط:
[34] ” صعود اليمين الاسرائيلي ودفن عملية السلام”، القدس العربي، 7/11/2022، الرابط: https://bit.ly/3NPFWxT
[35] ” انعكاسات نتائج الانتخابات الإسرائيلية على المشهد الفلسطيني”، الميادين نت، 6/11/2022، الرابط: https://bit.ly/3A1fECZ
[36] “الانتخابات الإسرائيلية: نقطة تحوّل أم مراوحة في المكان نفسه؟”، مرجع ستبق.
[37] “التوتر الروسي-الإسرائيلي يتصاعد.. هل يضبط نتنياهو أم يدفعه إلى الهروب نحو الأمام؟”، الميادين نت، 7/11/2022، الرابط: https://bit.ly/3UpD7pQ
[38] “بعد فوز نتنياهو في انتخابات الكنيست.. ماذا يعني صعود اليمين المتطرف إلى سُدة الحكم في إسرائيل؟”، المرصد المصري، 8/11/2022، الرابط: https://bit.ly/3UlwEfj
[39] ” عودة “الساحر”: ماذا يعني فوز “نتنياهو” في انتخابات الكنيست؟”، مرجع سابق.
[40] “التوتر الروسي-الإسرائيلي يتصاعد.. هل يضبط نتنياهو أم يدفعه إلى الهروب نحو الأمام؟”، مرجع سابق.
[41] “هل تؤثر عودة نتنياهو على مسار التطبيع بين تركيا والاحتلال؟”، عربي 21، 5/11/2022، الرابط: https://bit.ly/3zWxuHt
[42] ” عودة “الساحر”: ماذا يعني فوز “نتنياهو” في انتخابات الكنيست؟”، مرجع سابق.
[43] “دول الإقليم تترقب السياسة الإسرائيلية الجديدة تجاهها”، فلسطين أونلاين، 7/11/2022، الرابط: https://bit.ly/3huYFm8
[44] “ما مستقبل العلاقة الأردنية الإسرائيلية إذا عاد نتنياهو للحكم؟”، عربي 21، 1/11/2022، الرابط: https://bit.ly/3G1MiZ3
[45] ” عودة “الساحر”: ماذا يعني فوز “نتنياهو” في انتخابات الكنيست؟”، مرجع سابق.
[46] “ما مستقبل العلاقة الأردنية الإسرائيلية إذا عاد نتنياهو للحكم؟”، مرجع سابق.
[47] “نتنياهو “العالق” بين بايدن وشركائه القادمين”، فلسطين أونلاين، 10/11/2022، الرابط: https://bit.ly/3UEEyAc
[48] “ما بعد عودة نتنياهو: مستقبل المشهد السياسي الإسرائيلي في ضوء نتائج انتخابات الكنيست”، مرجع سابق.
[49] “تشكيل الحكومة الإسرائيلية بين التحديات والفرص”، مرجع سابق.
[50] “بعد فوز نتنياهو في انتخابات الكنيست.. ماذا يعني صعود اليمين المتطرف إلى سُدة الحكم في إسرائيل؟”، مرجع سابق.
[51] “نتنياهو والتحديات الخارجية المحدقة”، فلسطين أونلاين، 10/11/2022، الرابط: https://bit.ly/3hzIx2I
[52] “بعد فوز نتنياهو في انتخابات الكنيست.. ماذا يعني صعود اليمين المتطرف إلى سُدة الحكم في إسرائيل؟”، مرجع سابق.
[53] “نتنياهو والتحديات الخارجية المحدقة”، مرجع سابق.
[54] ” انتخابات الكنيست 2022: استخلاص العبر”، العربي الجديد، 9/11/2022، الرابط: https://bit.ly/3G1wENj
[55] “ما بعد عودة نتنياهو: مستقبل المشهد السياسي الإسرائيلي في ضوء نتائج انتخابات الكنيست”، مرجع سابق.
[56] ” عودة “الساحر”: ماذا يعني فوز “نتنياهو” في انتخابات الكنيست؟”، مرجع سابق.