دعوات الاحتجاج في (11/11).. أسباب الفشل والنتائج المتوقعة

في تقدير موقف لدعوات التظاهر يوم الجمعة (11/11)، وقبل أسبوع من الموعد رفعت تقدير موقف عن الدعوة ومدى الاستجابة الشعبية المتوقعة  لها في هذا اليوم، وانتهيت فيه إلى أن مؤشرات الاستجابة لهذه الدعوات تكاد تكون منعدمة، وكتبت نصا «رغم أن المعطيات على الأرض محبطة إلا أن التنبؤ بما يمكن أن يحدث بشكل مطلق، غير منطقي ويتصادم حتى مع العقائد والأفكار الإسلامية، وكما أن ثورة يناير فاجأت العالم فلا أحد يدري ما الذي يمكن أن يحدث خلال الأسابيع والشهور المقبلة؛ لأن الوضع في مصر هش للغاية وفوضوي للغاية، وانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار يضغط على النظام ويضغط على المواطنين واحتمال اندلاع احتجاجات أمر كبير الاحتمال، فمصر تنتظر شرارة البدء، وليس بالضرورة في 11 نوفمبر المقبل، قد تكون في أي وقت ولسبب بسيط أو تافه يؤدي إلى اندلاع حريق كبير يوازي الآلام الناتجة عن لهيب الأسعار المرتفعة.

النظام من جانبه يدرك ذلك، ورغم قبضته الأمنية الباطشة وجيش الجواسيس والمخبرين في كل مكان إلا أنه مرعوب؛ نعم مرعوب من المستقبل ويخشى المجهول الذي لن يكون في صالحه في كل الأحوال؛ فكل السيناريوهات تؤكد انهيار نظام السيسي حتى لو فشلت الدعوات إلى التظاهر في 11/11».

إزاء ذلك، وبعد أن  تحقق ما توقعنا ومر يوم (11/11) هادئا دون أن أي احتجاجات في ظل حالة الرعب التي أبداها النظام؛ فلماذا فشلت دعوات التظاهر في 11/11؟ ولماذا لم تستجب الجماهير لهذه الدعوات رغم أن هناك شبه إجماع بين المصريين على ضرورة التخلص من نظام السيسي؟ وما النتائج المترتبة على فشل التظاهر؟

أولا،  يكن الجزم بأن الدعوة إلى التظاهر نجحت على مواقع التواصل الاجتماعي وأزعجت النظام فعلا، وبرهنت على أن الرأي العام مهيأ للتغيير ويرغب فيه بشدة؛ لكن هذه الدعوة فشلت فشلا حقيقيا على الأرض في الشوارع والميادين؛ فلم يستجب لنداءات التظاهر أحد؛ وليس من الحكمة في شيء أن نكابر وألا نقر بفشل دعوات التظاهر في هذا اليوم؛ ومحاولات البعض توظيف حالة الرعب التي بدا عليها النظام وأجهزته الأمنية في مواجهة دعوات التظاهر باعتبار ذلك نجاحا لدعوات التظاهر قبل أن تبدأ هو من قبيل التلاعب بمفردات اللغة؛ ولن ينفع مسار الثورة والإصلاح تلك العقليات التي تعمل على قلب الإخفاقات إلى نجاحات عبر قراءات فلسفية تعتمد على التلاعب بمفردات اللغة أكثر منها اعتمادا على الحقائق الموجودة على الأرض؛ فأول العلاج الإقرار بالخطأ أو المرض ثم دقة التشخيص حتى نستطيع أن نحدد الدواء المناسب، أما المكابرة وقلب الحقائق فلن تصل بنا إلى شيء.

ثانيا، عزوف الجماهير عن الاستجابة لدعوات التظاهر لم يكن أبدا لأسباب تتعلق برضا الجماهير عن سياسات النظام وتوجهاته السياسية والاقتصادية، ورغم الفرحة العارمة التي انتابت أنصار النظام رغم قلتهم إلا أن أحدهم لم يجرؤ على اعتبار ما جرى برهانا على دعم الشعب للنظام وسياساته وحبهم للجنرال المستبد.

فعزوف الناس عن التظاهر في هذا اليوم لا يعكس مطلقا أي قبول شعبي للنظام بقدر ما كان ترجمة وانعكاسا لحالة الخوف من البطش الأمني[[1]]؛

فقد شن نظام الجنرال عبدالفتاح السيسي حرب تخويف وإرهاب على المصريين جميعا؛ نشر الكمائن الأمنية في كل مكان، ووزع جواسيسه ومخبريه بملابس مدنية على كل الميادين والشوارع، فتش هواتف عشرات الآلاف من المارة عشوائيا، أوقف الآلاف لساعات طويلة، اعتقل المئات، نظم المئات من حملات الترهيب والتخويف والاعتقال؛ حيث كانت تطوف عشرات من سيارات الشرطة والمصفحات بأصوات سارينتها المزعج على معظم الشوارع من أجل بث الخوف والإرهاب بين الناس لمنعهم من الاستجابة لدعوات الاحتجاج؛ وتم منع أي نشاط جماهيري في هذا اليوم؛ فتم تجميد النشاط الرياضي وغلق المقاهي والسناتر التعليمية، بل تم الاكتفاء بنصف يوم فقط للفترة الصباحية في جميع المدارس يوم الخميس وإلغاء الدراسة للفترة المسائية.

هذا الخوف الشديد من جانب النظام مع هذه الإجراءات بعث رسالة تخويف وإرهاب إلى الناس؛ ففضل الكثيرون الاعتكاف في بيوتهم هذا اليوم خوفا من حدوث مكروه.

ومن أجمل ما قرأت في تلخيص هذا المشهد أن المصريين جميعا جلسوا بعد صلاة الجمعة أمام التلفاز يترقبون خروج المصريين للثورة على النظام!  فكلهم يريد الخلاص من هذا النظام لكنهم يكتفون بالفرجة ويترقبون مخلصا يخلصهم أو محررا ينقذهم غير مدركين أن تلك مهمتهم وهذا دورهم ولن يقوم به أحد غيرهم مهما طالت الأيام.

ثالثا، يمكن تفسير عزوف الجماهير عن الاحتجاج والاستجابة لدعوات التظاهر رغم قناعتهم بفشل السيسي وسقوط نموذجه الدموي الاستبدادي بعدم قناعة الجماهير كذلك بجدوى المسار الثوري؛ فقد قام الشعب بثورة عظيمة وأطاح بنظام حسني مبارك، وشارك بكثافة في جميع الاستحقاقات الديمقراطية بعد الثورة، وانحاز فيها جميعا لمعسكر الثورة سواء في انتخابات البرلمان أو الرئاسة أو الدستور، لكن الجيش انقلب على كل ذلك، ونسف بكل وحشية وعنف مسار الديمقراطية وعاد يفرض وصايته على الشعب في نسخة أكثر عنفا وإرهابا وتطرفا من نسخة حكم مبارك؛ فاختطف الرئيس المنتخب واعتقل أعضاء الحكومة ونواب البرلمان وعشرات الآلاف من أنصار الرئيس المنتخب، ونفذ عشرات المذابح التي راح ضحيتها الآلاف في مشهد عنف وإرهاب لم تشهد البشرية له مثيلا منذ عهود التتار والصليبيين.

علاوة على ذلك فإن تدهور الأوضاع المعيشية بعد الثورة عما كانت عليه أيام مبارك؛ دفعت معظم المصريين إلى الكفر بالثورة رغم أن الثورة لم تحكم فعليا  بل هي الثورة المضادة والدولة العميقة التي عرقلت التحول الديمقراطي ولم تترك للثورة والمسار الديمقراطي فرصة لتحكم؛  فالمتهم الحقيقي هو الثورة المضادة والحكم العسكري؛ لكن الدعاية الضخمة التي تروج الأكاذيب باستمرار بأن الثورة هي السبب وجد بعض الآذان الصاغية التي تخشى التغيير؛ لأن التغيير عندما جرى كان إلى الأسوأ ولم يكن أبدا نحو الأفضل.

وهذه خلاصة تجربة الشعب من ثورة يناير وانقلاب 3  يوليو، وينسى كثيرون أن الأوضاع الاقتصادية كانت جيدة  حتى 2016م رغم الفوضى السياسية والأمنية، لكن الأمور ساءت بشدة بعد اتفاق السيسي مع صندوق النقد الدولي وتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار حتى انخفض إلى نصف قيمته ومنذ ذلك الحين بدأت مستويات المعيشة في التدهور الحاد ولم يتوقف هذا التدهور بل زاد سرعة وجنونا وطال أسعار كل شيء.

معنى ذلك أن الشعب أنهك بشدة خلال  السنوات العشر الماضية؛ أنهك سياسيا واقتصاديا ونفسيا؛ وفقد الأمل في كل شيء، وكانت عدم الاستجابة لنداءات الثورة والتظاهر تعبيرا عن هذا اليأس العميق وعدم الرغبة في فعل أي شيء كنتيجة لفقدان الأمل والإحباط.

رابعا،  قد تكون طبيعة المصريين عاملا من عوامل عدم الاستجابة لدعوات التظاهر؛ فالشعب المصري تعود على المقاومة السلبية في أغلب فترات تاريخه خاصة عندما يشعر بالعجز أمام سلطة دموية باطشة؛ حدث ذلك من قبل على مر التاريخ المصري؛ وهو ما يفسر خنوع المصريين للاحتلال الروماني نحو ثمانية قرون كاملة دون مقاومة تذكر، وحتى عندما جاء المسلمون لفتح مصر بقيادة الصحابي عمرو بن العاص في جيش قليل قوامه أربعة آلاف مقاتل، استطاع أن يهزم الحامية الرومانية الموجودة بمصر ويحرر البلاد من الحكم الروماني، لكن المصريين كانوا يكتفون بالفرجة وسط فرحة عارمة بتحريرهم من الرومان مرحبين بالحكم الإسلامي الذي منح الكنيسة المصرية حرية الاعتقاد والعبادة وأعاد الأنبا بنيامين إلى كرسي البابوية وكان مضطهدا من جانب الحكم الروماني.

وفي العصر الحديث ورغم بسالة المصريين أمام الغزو الفرنسي بقيادة نابليون بونابرت (1798 ــ 1801)، ثم ثورتهم على خورشيد باشا (1805)، ثم القضاء على حملة فريرز  الإنجليزية (1807) إلا أن الحكم الاستبدادي لمحمد علي وأسرته من بعده قتل في المصريين روح العزة والكرامة وأصابهم بداء المذلة واليأس والإحباط؛ فلما  جاء الإنجليز سنة 1882م وجدوا شعبا مقموعا مهزوما فاحتلوا مصر بكل سهولة وظلوا لنحو أربعين سنة دون مقاومة تذكر، حتى اندلعت ثورة (1919)! نفس الأمر يتكرر الآن فمصر تحكم بالحديد والنار منذ تأسيس جمهورية الضباط بانقلاب 23 يوليو 1952م، ومورس على الشعب جميع أشكال الاستبداد والطغيان؛ فأصيب باليأس والإحباط والهزيمة النفسية؛ وحتى عندما انتفض الشعب وقرر أن يتحرر من هذه القيود بثورة يناير 2011، التف الجيش على الثورة ودبر انقلابا دمويا أطاح فيه بالمسار الديمقراطي ونسف أحلام الشعب في الحرية والعدالة؛ اليوم تحولت مصر إلى سجن كبير؛ فكيف ننتظر من الشعب المقهور انتفاضة رغم تدهور المعيشة إلى مستويات غير مسبوقة؛ فلم تشهد البلاد غلاء طال كل شيء بقفزات مجنونة في الأسعار كما يحدث اليوم لكن يبدو أن منسوب القمع أكبر من منسوب التدهور في المعيشة فلا يزال الشعب ينتظر من يخلصه دون أن يتحرك لأنه يدرك أن الحراك على الأرجح سوف يقمع بشدة كما جرى في رابعة والنهضة وغيرها،  ولن يتحقق مراد الناس في الخلاص من الحكم العسكري البغيض.

خامسا،  التظاهر والاحتجاج وحده لن يسقط نظام السيسي؛ لأنه متجذر في مصر على نحو مفزع؛ إلا إذا كان ذلك ضمن مخطط لعصيان مدني شامل وممتد يضم جميع المدن والمحافظات المصرية؛ لكن ذلك  يحتاج إلى شروط واجبة للنجاح؛

ولكي ينجح تنظيم إضراب عام وعصيان مدني شامل؛ فلا بد من توافر شروط النجاح:[[2]]

  • الأول: النخبة المبدعة المحنكة التي تضع التصورات وتضبط الخطاب السياسي.
  • الثاني: القيادة الميدانية التي تحرك الجماهير وتشعل الحماس وتجند المناصرين للثورة.
  • الثالث، هي القاعدة الجماهيرية العريضة والتي لا تتحرك إلا بناء على (التكلفة والعائد والإمكانية) وهي عادة تحجم عن المشاركة في أي إجراء ثوري في بداية المطاف لكنها تلتحق لاحقا عند نقطة حدية. ويقصد بها اللحظة التي تتسم بالأمان النسبي نتيجة خفوت أو إخفاق المستبد فى شيء ولو طفيف، وهذا الأمان النسبي يقلل بالضرورة من معامل التكلفة ويزيد من معاملي العائد والامكانية مما يجعل تدخل الجماهير العريضة ممكنا ومحفزا، هنا يتغير كل شيء ويتحول مسار العصيان المدني نحو الحسم.
  • أن يكون عملا هادفا ومنضبطا غير فوضوي، وأن يتضمن مجموعة من المطالب المحددة والمفهومة.
  • عدم إيذاء الوجدان و الضمير الجمعي للمجتمع، لأن الهدف من العصيان المدني هو إيذاء النظام والضغط عليه وليس المجتمع؛ لأن القائمين على العصيان المدني حريصون على كسب الرأي العام لصالحهم لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الجماهير وهو ما يمثل ضغطا على السلطة من أجل التجاوب مع مطالب الجماهير والاستجابة لها.
  • أن يكون العصيان المدني في مجتمع يتمتع بهامش من الحرية ولو كان ضئيلا؛ لأن المجتمعات التي تعاني من القهر المطلق والحصار الشامل، تفتقد بطبيعة الحال إلى القيادة القادرة على تحريك الجماهير؛ لأنها إما في السجون أو بالخارج، كما أن مثل هذه السلطة عادة ما تقمع الشعب ولا تسمح مطلقا بوجود أي قوى سياسية أو نقابية قادرة  على المعارضة وهو ما تمكن النظام من خلقه في مصر بعد الانقلاب العسكري.

ويبقى التساؤل: هل تتوافر هذه المقومات لإدارة حالة عصيان مدني ناجح رغم هشاشة النظام وضعفه وتآكل شعبيته؟ الإجابة لا. فلا توجد نخبة مبدعة  محنكة تضبط الخطاب السياسي، ولا  قيادة ميدانية تقود الحشود، كذلك لا يتوافر البند السادس من شروط النجاح؛ لانعدام هامش الحرية بشكل كامل، وقتل أو اعتقال أو ملاحقة كل من له علاقة بثورة يناير باستثناء معظم الكتلة العلمانية التي انحازت للثورة المضادة.

 

النتائج المتوقعة

أولا، على المستوى الأمني؛ فإن فشل دعوات التظاهر  قد تجعل النظام أكثر جرأة، وبالتالي تتزايد حملات التفيش والاعتقالات وملاحقة نشطاء الثورة بهدف استنزاف فريق الثورة ودفعه نحو الهروب وإصابته بالمزيد من اليأس والإحباط والهزيمة النفسية. ونتيجة لذلك قد تتزايد معدلات الاعتقالات عما كانت عليه قبل دعوات التظاهر الأخيرة؛ لا سيما وأن هذه الدعوات كشفت عن حالة الرعب التي يمر النظام في ظل تدهور الأوضاع المعيشة على نحو لافت.

وعلى المستوى الإعلامي والخطاب الديني؛ فسوف يرفع النظام من وتيرة التهديد والتشويه والتخويف من الثورة والتظاهر، وسوف تزداد جرعات النقد والتجريح لثورة يناير والمنتمين لها، وسوف يبرز توظيف المؤسسة الدينية لإقناع الجماهير بالخنوع للحاكم بوصفه أمرا شرعيا دون النظر إلى مدى فشل وظلم وانحراف هذا الحاكم واغتصابه للسلطة بانقلاب من الحاكم الشرعي.[[3]]

ثانيا، قد يغري فشل دعوات التظاهر بعض  أجنحة النظام نحو اتخاذ تدابير وإجراءات أكثر قسوة على المستوى الاقتصادي  كتخفيض مخصصات الدعم ورفع أسعار الخبز المدعوم وزيادة بعض الرسوم والضرائب؛ ففشل دعوات التظاهر قد يبعث رسالة  للنظام أن الشعب في مرحلة الإنعاش وأنه ليس لديه أي رغبة في الثورة والتظاهر ضد النظام.

ثالثا، فشل دعوات التظاهر قد يعزز مكانة النظام على المستوى الدولي والإقليمي؛ وقد تراه مؤسسات التمويل الدولية برهانا على رسوخ النظام العسكري في مصر وأنه نجح بالبطش والقهر الأمني في فرض أجندته على الشعب ومنع الجماهير من التظاهر مجددا بعدما استوعب النظام درس ثورية يناير وأنه لن يسمح بتكرار ذلك مرة أخرى.

وبالتالي فقد يؤدي ذلك إلى مزيد من الدم الدولي لنظام السيسي بعدما تبرهن للجميع غياب أي بديل  له في ظل ضعف مكونات المعارضة بكل أطيافها.

رابعا، سوف تزداد مخاوف السيسي بمرور الأيام في ظل بؤس الأوضاع؛ وسوف يزيد من أعمال الرقابة على الجيش وأجهزة الدولة والإطاحة بكل شخص  قد يمثل تهديدا للنظام وأو لا يبدي أعلى صور الولاء لشخص السيسي. وبالتالي فقد تشهد الأيام والأسابيع المقبلة تغييرات كبرى في الجيش وجميع مؤسسات الدولة وأجهزتها.

خامسا، قد تكون السلطة العسكرية نجحت في وأد الحراك الجماهيري  المنظم؛ عبر قتل واعتقال عشرات الآلاف من  الإسلاميين ونشطاء الثورة؛ لكن المشهد على هذا النحو قد يكون أكثر قتامة؛ لأنه قد يفتح الباب على مصراعيه أمام انفجارات اجتماعية غير محسوبة من فئات مهمشة يقتها الفقر والجوع كل يوم؛ وبالتالي فإن النظام في الوقت الذي يغلق فيه جميع مسارات التغيير السلمية والثورية فإنه يفتح الباب أمام انتفاضة جياع  لا تبقى ولا تذر تدخل البلاد كلها في مرحلة من الفوضى العارمة لسنوات طويلة.

خلاصة الأمر، رغم فشل دعوات التظاهر على المستوى الميداني إلا أنها نجحت على الفضاء الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي، فقد ضجت هذه المواقع لتبرهن على أن الرأي العام يرغب في التغيير بشدة، وويذهب أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتور عصام عبدالشافي إلى أن الحديث عن فشل أو عدم فشل دعوات 11 نوفمبر، يرتبط بعدة اعتبارات، أولها هل كان لهذه الدعوات إيجابيات؟ وثانيها ما الذي فشلت فيه؟

ويرى أن “الدعوة كانت لها إيجابيات لأنها خلقت نوعاً من الاستنفار السياسي والإعلامي والأمني لدى النظام، الذي حشد قواته وأجهزته ومؤسساته، عبر كل المستويات، للتعاطي مع هذه الدعوات، وقام بتفتيش هواتف الآلاف واعتقال المئات، وإغلاق الميادين والشوارع الرئيسية”.

وكان لهذه الدعوات إيجابياتها أيضا ــ حسب عبدالشافي ـ على تيارات المعارضة السياسية، التي بدأت في التواصل من جديد، وتنظيم العديد من اللقاءات والفعاليات خارج مصر، وأصبحت أكثر اهتماماً نسبياً بتحولات الأوضاع في مصر، وطرح أطر للتفكير وبدائل للتغيير، وهو ما لم يكن قائماً خلال العامين الماضيين”.[[4]]

لكن في المقابل، فشلت هذه الدعوات في تحقيق الهدف الكبير منها، وهو خروج الناس إلى الميادين، وبالتالي تحريك المياه الراكدة داخلياً كخطوة لإسقاط النظام.

وهذا الفشل مرده إلى تفسيرات عدة، بتقدير عبد الشافي، أولها الوزن النسبي لأصحاب الدعوات، وامتناع التيارات والحركات السياسية الكبرى عن الدعم والمساندة.

وثانيها، بحسبه، العشوائية في الخطاب السياسي والإعلامي الذي قدمه بعض المحسوبين على هذه الدعوات.

وثالثها القبضة الأمنية القوية التي يستخدمها النظام.

ورابعها عدم وضوح الرؤية للكثيرين حول مرحلة ما بعد التظاهرات.

وخامسها، الاعتماد في الدعوات على شبكات التواصل فقط، من دون أن تكون هناك مكونات صلبة على الأرض تشكل الحاضنة الشعبية لهذه الدعوات.

وفي النهاية فإن عملية التغيير السياسي هي عملية تراكمية ومستمرة، وكل إجراء فيها ينال من بنية الاستبداد هو خطوة على طريق تفكيك هذه البنية على المدى المتوسط والبعيد، لأن هذا النظام بالأساس يمتلك في داخله مكونات فشله وسقوطه.

وسيكون خطئا فادحا إذا فهم السيسي وأجهزته من عزوف الجماهير على التظاهر أنه تعبير عن الرضا الشعبي لسياسات وتوجهات النظام؛ فالغضب قائم بالفعل والشارع محتقن بسبب الغلاء الفاحش وعدم قدرة الغالبية من الناس على الوفاء باحتياجاتهم الأساسية؛ وطالما بقيت مسببات الاحتقان الشعبي، فإن حالة الانفجار ستكون مؤجلة إلى حين.

وإذا  كان مسار التداول السلمي عبر صناديق الاقتراع مغلق بالضبة والمفتاح، ومسار العصيان المدني يفتقد إلى شروط النجاح، ومسار الانقلاب على الانقلاب محل شك كبير، بعدما فرض السيسي وصايته على المؤسسة العسكرية بشكل كامل؛ فإن النظام يفتح الباب على مصراعيه نحو انتفاضة جياع وهي في كل الأحوال مسار أشد خطرا على الوطن من كل السيناريوهات السابقة.[[5]]

 

[1] القبض على عدد من المواطنين بالإسكندرية رغم فشل دعوات التظاهر.. و«أمن الدولة» فقط تحبس 404 متهمين بسبب «11 نوفمبر» منذ أكتوبر/ مدى مصر ــ  السبت 12 نوفمبر 2022م// القبض على محامي متهمين في قضايا سياسية.. وحبس 300 على خلفية دعوات «11-11»/ مدى مصر ـ الثلاثاء 08 نوفمبر 2022م

 

[2] «العصيان المدني» هو «سحب الاعتراف بسلطة الدولة من كل مناحي الحياة العامة والخاصة» ويؤدي إلى شلل كامل في الدولة. ويظل العصيان المدني حقا مكفولا للمواطنين طالما أنه ظل سلميا ولكن في بعض الحالات ومع عناد السلطة الطاغية وتجاهلها للعصيان المدني ومطالب القائمين عليه؛ يضطر القائمون على العصيان المدني إلى استخدام العنف كرد فعل مشروع على عنف السلطة التي تلجأ كعادتها إلى القمع والبطش عبر أدواتها الأمنية، وبذلك يمثل استخدام العنف كرد فعل على عنف السلطة تصعيدا من جانب القائمين على العصيان المدني ويتحول بذلك إلى «عصيان غير مدني»، وهو صورة  أولية نحو أداة أخرى هي «الثورة» وبذلك يتحول النضال الشعبي من أساليب «المقاومة السلمية» إلى «المقاومة العنيفة» والتي يمكن أن تتحول إلى ثورة إذا نجح الثوار في الإطاحة بنظام الحكم وتأسيس نظام سياسي جديد يحقق أهداف الفئات الثائرة والجماهير الغاضبة.

[3] فاطمة الدسوقى/ المواطنون ضربوا المثل فى الوعى بالوجه القبيح للجماعة الإرهابية..أفراح بالشوارع تأييدا للقيادة السياسية/ الأهرام ــ السبت 18 من ربيع الثاني 1444 هــ 12 نوفمبر 2022 السنة 147 العدد 49649// وزير الأوقاف: المصريون صف واحد خلف رئيسهم وجيشهم وشرطتهم/ الأهرام اليومي ــ السبت 18 من ربيع الثاني 1444 هــ 12 نوفمبر 2022 السنة 147 العدد 49649

[4] انظر تصريحات الدكتور عصام عبدالشافي في تقرير (عبد الكريم سليم/ لماذا تجاهل المصريون دعوات مجهولة للتظاهر في 11/11؟/ العربي الجديد ــ الإثنين 14 نوفمبر 2022)

 

[5] لمزيد من التحليلات حول هذا الموضوع يمكن الاطلاع على التقارير الآتية: عبد الفتاح ماضي/ مصر: الأزمات بمفردها لا تصنع التغيير/ العربي الجديد ــ 05 نوفمبر 2022// تقادم الخطيب/ في مستقبل النظام المصري/ العربي الجديد ــ السبت 12 نوفمبر 2022// أحمد مولانا/ هل نحن على أعتاب ربيع عربي جديد؟/ عربي بوست ــ السبت 12 نوفمبر 2022م

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022