بعد توتر طويل وتراشق إعلامي، انفجر في 15 أبريل 2023 الصراع بين قيادة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع (تأسست عام 2013)، على شكل اشتباكات مسلحة عنيفة، بدأت داخل العاصمة السودانية الخرطوم وانتقلت منها إلى مدن أخرى؛ ما أسفر عن سقوط مئات القتلي والآف الجرحي. وجاءت المواجهات الأخيرة على خلفية خلافات نشبت بين قيادة الجيش، ممثلة بالفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بشأن الجدول الزمني المقترح لدمج قوات الدعم في صفوف القوات المسلحة بموجب الاتفاق الإطاري الذي جرى التوصل إليه في 5 ديسمبر 2022، لحل الأزمة السياسية المستمرة في البلاد، منذ انقلاب الجيش على حكومة عبد الله حمدوك في أكتوبر 2021.
فقد اقترح الاتفاق فترة عشر سنوات لاستكمال عملية الدمج، بينما طالبت القوات المسلحة بحد زمني أقصاه سنتان، أي مع انقضاء المدة المقترحة للفترة الانتقالية الجديدة[1]. ومع استمرار القتال لما يقارب الشهر، والفشل المتكرر للهدنات ووقف إطلاق النار، وإجلاء الدول رعاياها، بات شبح تحول القتال إلى حرب أهلية، قد تمتد لأشهر وربما سنوات، يثير تساؤلات متعددة حول التداعيات الكارثية داخل السودان وفي المنطقة، وبصفة خاصة في الجارة الشمالية مصر[2].
وعليه، تسعي هذه الورقة إلي محاولة الوقوف علي محددات الموقف المصري تجاه الصراع الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتحديد أي طرف في الصراع أقرب للمصالح المصرية، والسياسات التي يتبعها نظام السيسي للتعامل مع هذا الصراع وتداعياته، وأخيرًا، محاولة تقييم الموقف المصري تجاه هذا الصراع.
أولًا: محددات الموقف المصري تجاه الصراع السوداني:
لاشك أن الصراع الحالي بين الجيش والدعم السريع سيكون له العديد من التداعيات السلبية علي مصر علي جميع المستويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية. وهذه التداعيات تمثل المحددات الرئيسية التي تحكم صانع القرار المصري في تعاطيه مع الأزمة السودانية.
1- المحددات الأمنية:
يمثل الصراع السوداني صداعًا مزمنًا في رأس الدولة المصرية، لما ينطوي عليه من ارتدادات قد تهدد الأمن القومي المصري من فنائه الجنوبي، وتتمثل أبرز هذه الارتدادت في:
– استهداف الجنود والدبلوماسيين المصريين: وجدتالقاهرة نفسها منخرطة بشكل مباشر في الصراع السوداني بعدما نشرت قوات الدعم السريع مقاطع فيديو لضباط وجنود مصريين جرى ضبطهم في قاعدة “مروي” الجوية. وحملت المقاطع الكثير من دلالات الإهانة للجنود المصريين وطريقة جلوسهم ووضع أيديهم فوق رؤوسهم كالأسرى، ما أثار حفيظة الشارع الذي طالب برد حاسم وسريع على تلك المشاهد المهينة، رغم تصريحات مسؤولي قوات الدعم بأن التعامل مع المصريين هناك يتم بشكل مقبول دون أي تجاوزات وأنهم على استعداد لإعادتهم لمصر حال طلبت ذلك. ويٌعتقد أن هناك وجودًا عسكريًا مصريًا منذ نحو عامين في مطار مروي العسكري، يتعلق بالتدريب الجوي المشترك الذي تجريه القوات المسلحة في البلدين[3].
كما أظهرت صور ملتقطة بالأقمار الصناعية أن طائرة مصرية على الأقل من طراز ميغ-29 قد دُمرت في قاعدة مروي الجوية السودانية، وذلك بعد استيلاء قوات حميدتي على القاعدة، وفق ما أفادت به مجلة “ذا وور زون” الأمريكية. وأشارت المجلة أنه من المحتمل أن تكون هناك طائرات مصرية مثيلة قد تعرضت كذلك لأضرار بالغة أو دمرت. موضحة أن الصور التي حصلت عليها تعود لتاريخ 17 أبريل 2023[4].
كذلك فقد أعلنت وزارة الخارجية المصرية، في 24 إبريل، مقتل مساعد الملحق الإداري بالسفارة المصرية في الخرطوم محمد الغراوي الذى استشهد خلال توجهه من منزله إلى مقر السفارة لمتابعة إجراءات الإجلاء الخاصة بالمواطنين المصريين في السودان[5].
– عمليات التهريب عبر الحدود: تمثل الأزمة السودانية تهديدًا للأمن القومي المصري من ناحية الجنوب بحدود تمتد لنحو 1273 كم[6]. فالهجرة الواسعة للسودانيين إلي مصر تصاحبها مخاوف أمنية عبر الحدود تتمثل في تهريب الأسلحة والبشر وتسلل الإرهابيين. وقد تم تضخيم هذه المخاطر بشكل أكبر من خلال محاولة قوات الدعم السريع فتح سجون السودان؛ مما سمح لجميع السجناء والمجرمين بالفرار لتحويل انتباه القوات المسلحة السودانية وزيادة زعزعة استقرار البلاد.
وكانت مصر عانت خلال العقد الماضي من أحداث واضطرابات على طول حدودها الغربية مع ليبيا وحدودها الشرقية مع فلسطين المحتلة؛ مما أدى إلى تسلل مجموعات إرهابية إلى الحدود وتنفيذ عمليات إرهابية في مصر، ويوضح ذلك سبب عدم سماحها بحدوث نفس الشيء مرة أخرى من حدودها الجنوبية[7].
لن تقتصر المخاوف الأمنية على الحدود المصرية بل ستظهر حال طالت الحرب عبر تنظيمات مسلحة داخل السودان[8]. وقد تصاعدت هذه المخاوف بعدما ذكر مسؤولو منظمة الصحة العالمية أن أحد مختبرات الصحة الوطنية في السودان التي تحتوي على مواد بيولوجية، بما في ذلك مسببات الكوليرا، قد تم الاستيلاء عليها من قبل أحد أطراف النزاع المستمر. وهذا لا يشكل خطراً بيولوجياً كبيراً على السودان فحسب، بل وعلى الدول المجاورة[9].
– أزمة سد النهضة: بعد يومين على اندلاع اشتباكات الخرطوم، حذر وزير الخارجية المصري السابق عمرو موسى عبر “تويتر” من أن “احتمال استغلال إثيوبيا للوضع يفاقم مشكلة السد بالنسبة إلينا”. كما وصف الدبلوماسي المصري البارز رئيس مكتبة الإسكندرية السابق مصطفى الفقي، أحداث السودان بأنها “تضرب ملف سد النهضة في مقتل”[10].
ويمكن القول أن الصراع الحالي سيضر بموقف مصر تجاه أزمة سد النهضة من عدة جوانب؛ فمن جانب أول، ففي ظل استمرار الصراع الحالي، لا يمكن التعويل على موقف سوداني متماسك أو موحد، وقد يكون غائباً تماماً، مما يضعف أي تحفظات سودانية على الملء الرابع المنتظر، وذلك يلقي بالمزيد من الأعباء على مصر فيما يتعلق بتحركاتها الدولية والأممية في هذا الملف[11].
ناهيك عن أن الموقف السوداني تجاه السد يظل غير ثابت بما فيه الكفاية لطمأنة القاهرة، إذ إنه يختلف من الجيش (الداعم لمصر) إلى قائد قوات الدعم السريع (الداعم لأثيوبيا)، وهو ما يثير قلق المسؤولين المصريين من انفراط التحالف الهش بينهم وبين السودان. أذكت تلك المخاوف ما تم إعلانه نهاية العام الماضي (2022)، إذ أعلن كل من السودان وإثيوبيا توصلهما إلى اتفاق لتسوية قضايا سد النهضة الإثيوبي والحدود بين البلدين بطريقة سلمية، بعد اللقاء الذي تم بين نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو (حميدتي) ووزير الخارجية الإثيوبي دمقي مكونن، في العاصمة السودانية الخرطوم.
وفي محاولة لتدارك الجدل الذي أثاره الاتفاق الأخير، أصدر حميدتي، بيانًا صحافيًا نشرته وكالة الأنباء السودانية، أشار فيه إلى أن “التوصل إلى اتفاق في شأن سد النهضة ينبغي أن يضمن حقوق مصر والسودان وأثيوبيا في حصص نهر النيل”، مؤكدًا على أهمية التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث في شأن سد النهضة حتى يمكن ضمان حقوق جميع الأطراف[12].
ومن جانب ثان، فمن المتوقع أن تستغل أثيوبيا الصراع من أجل تجميد المفاوضات مع مصر والسودان حول الوصول إلي اتفاق قانوني مُلزم ينظم عمليتي ملء وتشغيل السد[13].ويمكن تلمس ذلك في إعلان وزير الخارجية الإثيوبي، ديميكي ميكونين، في 28 إبريل، عن أن بلاده “شكلت لجنة وطنية لمتابعة تطورات ما يجري في السودان”، لافتاً إلى أن “الصراع في السودان سيؤثر على المفاوضات الثلاثية لسد النهضة، وأنه لا سبيل للمفاوضات دون استعادة السودان كشريك فيها”[14]. وتواجه المفاوضات جموداً بالفعل منذ إجراء آخر جولة تفاوضية في 10 يناير 2021[15].
كما ستحاول أثيوبيا استغلال الصراع للشروع في عملية الملء الرابع، الذي من المفترض أن يجرى في يوليو المقبل تزامنًا مع موسم سقوط الأمطار وينتهي في سبتمبر، والذي من المتوقع أن يكون الأكبر من حيث كمية المياه التي تنوي إثيوبيا احتجازها. وقد رصدت صور لأقمار صناعية، تسارع الأعمال الإنشائية الخاصة بسد النهضة الإثيوبي.
وكانت المتحدثة باسم الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي، قد أعلنت عزم بلاده استكمال بناء السد، وقالت في تصريحات متلفزة، إن أديس أبابا لا تحتاج لأخذ الإذن لبدء الملء الرابع لسد النهضة، زاعمة أن السد لن يلحق الضرر بمصر والسودان. ولا ننسى أن إثيوبيا أعلنت عن سد النهضة بعد 40 يوماً فقط من تنحي الرئيس المصري الراحل حسني مبارك عن الحكم في 2011، ففي كل مرة تستغل إثيوبيا أحداث دول المصب[16].
ومن جانب ثالث، فأن التنسيق والمناورات العسكرية التي جرت في قاعدة مروي (نسور النيل) بين القوات الجوية المصرية ونظيرتها السودانية، وكذلك استمرار تواجد المقاتلات المصرية في القاعدة، في إطار بروتوكول تعاون عسكري بين البلدين، تسبب في إزعاج كبير، وكان مثار استفهام من جانب عدد من القوى الدولية، وهي التساؤلات التي كانت القاهرة تؤكد دائمًا في ردها عليها، بأن الأمر يأتي في إطار التدريبات المشتركة فقط، وليس معني به أحد. انعدام هذا التنسيق أفقد القاهرة ورقة ضغط مهمة، سواء علي أثيوبيا أو على القوى الدولية المعنية باستقرار المنطقة.
ومن جانب رابع،، فإن كافة الجهود الدولية منصبة حاليًا فقط على منع تصاعد الأزمة السودانية، والسيطرة على تداعياتها، وكذلك عمليات إجلاء الرعايا، وهو ما يعني أنه لا مجال في الوقت الراهن للحديث عن أزمة السد[17].
– إمكانية تقسيم السودان: ففي حالة استمرار الصراع وتصاعده، فهناك احتمالات لانفصال بعض أجزاء السودان في الغرب أو الشرق لتكون دولًا جديدة على حدود مصر الجنوبية، وستكون لها سياساتها التابعة لداعميها الإقليميين والدوليين[18].
ويدور الحديث بصورة رئيسية عن إمكانية انفصال إقليم دارفور بدعم إسرائيلي، حيث من المنتظر أن تكون دارفور نقطة ارتكاز لقوات الدعم السريع، أو فلولها في حالة حسم الصراع العسكري في الخرطوم لصالح القوات المسلحة السودانية، وهو ما يترتب عليه أن تتحول دارفور كما كانت جنوب السودان نقطة تمرد علي المركز تحت عناوين مختلفة، سوف يتم استثمارها إسرائيليًا، ودوليًا للوصول لحالة قضم قطعة أخرى من السودان، بما يسهل الوصول إلى موارده الهائلة بأقل تكاليف ممكنة، حيث تملك السودان موردين هامين للاقتصاد العالمي، فهي ثالث منتج للذهب علي مستوي القارة الإفريقية، وأهم وأول منتج للصمغ العربي على مستوى العالم، فضلًا عن موارد زراعية وتعدينية أخري متنوعة.
وتمهد إسرائيل حاليًا لخطوة انفصال دارفور عبر علاقة مباشر بأحد أهم القادة الدارفوريين، وأكثرهم ثقلًا على الأرض وهو عبد الواحد نور رئيس حركة تحرير السودان، المستند علي قبيلة الفور، والذي أصبح له موارد ذاتية عبر الحصول على مورد الذهب في الأراضي التي تسيطر عليها قواته.
وفي هذا السياق، تملك إسرائيل علاقات مميزة بمحمد إدريس ديبي رئيس تشاد، بما يجعلها قريبة من التفاعلات في دارفور، وذلك فضلًا عن استخدام إسرائيل لقوتها الناعمة في إطار العلاقات الثقافية، التي نسجتها خلال العقدين الماضيين مع أهالي دارفور في المهجر، حيث كان في الهولكوست مساحة لدارفور قبل عقد، وتنشط منظمات المجتمع المدني الإسرائيلية؛ لتسجيل ما تقول إنه تاريخ شفاهي للقبائل الدارفورية، وهو ذات ما تفعله مع قبائل جنوب السودان[19].
2- المحددات الاقتصادية:
تلقي الحرب المشتعلة في السودان حاليًا، بظلال ثقيلة على قطاعات الاقتصاد المصري كافة، بداية من الشركات الصناعية التي تعتمد على خامات مستوردة في الإنتاج، أو تصدر منتجها النهائي للخرطوم، والاستثمارات المصرية الضخمة بمجال استصلاح الأراضي والثروة الحيوانية، وتدفقات العمالة العائدة التي يتوقع أن تضغط على سوق العمل المحلية، وانتهاءً بارتفاع أسعار السلع والخدمات[20].
– تراجع معدلات التبادل التجاري: تحتل السودان المرتبة الثانية بقائمة أكبر خمسة أسواق مستقبلة للصادرات المصرية، وذلك وفقًا لبيانات الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات. ويستحوذ السودان على نحو 13.2% من إجمالي قيمة التبادل التجاري بين مصر والقارة الإفريقية. وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، فقد سجلت قيمة التجارة بين مصر والسودان ارتفاعًا بنسبة 18.2 % خلال عام 2022، لتبلغ 1.434 مليار دولار في مقابل 1.212 مليار دولار خلال عام 2021، حيث بلغت صادرات مصر للسودان نحو 929 مليون دولار خلال عام 2022، بينما وصلت صادرات السودان لمصر لنحو 504.5 مليون دولار.
وتعتمد مصر على السودان في استيراد عدد كبير من السلع والمنتجات، على رأسها الحيوانات الحية، والسمسم، والفول السوداني، والقطن، والبذور الزيتية، بجانب منتجات خام للقطاع الصناعي في مقدمتها الصمغ العربي. وفي المقابل تشمل الصادرات المصرية للسودان العديد من المنتجات تامة الصنع أهمها: الكيماويات، والمواد الغذائية، والسكر، والآلات والمعدات.
ويثير الوضع فى السودان تساؤلات عديدة بشأن تضرر حركة التجارة البينية مع السودان خاصة مع تضرر المعابر والمنافذ والموانىء السودانية، وما قد ينتج عنه من أثار سلبية تتعلق بنقص اللحوم والحبوب وارتفاع أسعارها، والذي يعاني بالفعل جراء الحرب الروسية على أوكرانيا.
وازدادت تلك المخاوف مع كون السودان موردًا رئيسيًا للمواشي واللحوم الحية وهي إحدى السلع الاستراتيجية لمصر، حيث تمد السودان مصر من 10 إلى 13% من احتياجاتها من هذه السلع، وتعتبر اللحوم السودانية بديل مفضل للعديد من فئات المجتمع المصرى نظرًا لاعتدال أسعارها مقارنة باللحوم المحلية.
وتوقف هذا الأمر بسبب القتال الدائر في السودان سيعمق من أزمة ارتفاع أسعار اللحوم في مصر، خاصة مع اقتراب عيد الأضحى، وارتفاع حجم الطلب على اللحوم، ولهذا كشفت مصادر بوزارة التموين والتجارة الداخلية، قيام الوزارة بالبحث مع شركة اتجاهات السودانية لتأمين وصول شحنات اللحوم المتعاقد عليها. كما أكدت وزارة التموين أن الدولة بجميع أجهزتها تعمل على تأمين احتياجات المواطنين من اللحوم الحية والمجمدة سواء مع السودان أو أي منشأ أخر معتمد.
كما تجدر الإشارة إلى أن قطاع الصادرات المصري من المحتمل أن يتأثر إذا استمر النزاع؛ بسبب تراجع وتذبذب حجم صادرات مصر إلى السودان، وهو ما سوف يؤثر على الاقتصاد المصرى بصورة ما، حيث أن الدولة المصرية فى الوقت الحالي تسعى جاهدة إلى تعزيز حجم صادراتها، وجلب النقد الأجنبي. كذلك صادرات مصر إلى دول حوض النيل، حيث يعد السودان بوابة لنفاذ الصادرات المصرية إلى أسواق دول حوض النيل وشرق إفريقيا، ومع استمرار الحرب وانعدام الأمن، قد يتأثر حجم التبادل التجاري بينهم[21].
– تجميد الاستثمارات المشتركة: وصل عدد المشروعات المصرية بالسودان منذ عام 2000 حتى 2013 حوالي 229 مشروعًا برأس مال بلغ حوالي 10.8 مليارات دولار، بينما بلغ حجم الاستثمارات السودانية في مصر خلال الفترة نفسها نحو 97 مليون دولار ممثلًا في 315 شركة سودانية.
وتنوع الاستثمار المصري بالسودان بين القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية، ومنها 122 مشروعًا صناعيًا باستثمارات 1.372 مليار دولار، و90 مشروعًا خدميًا استثماراتها 8.629 مليارات دولار بقطاعات المقاولات، إلى جانب 17 مشروعًا زراعيًا باستثمارات 89 مليون دولار.
وشهدت السنوات الأخيرة اهتمامًا من قبل الجانبين المصري والسوداني بتنمية التعاون الاقتصادي المشترك من خلال عدة مشروعات منها ميناء قسطل-أشكيت البري، وهو حسب الهيئة العامة للاستعلامات (جهة رسمية مصرية) أهم بوابة مصرية تطل على أفريقيا حيث يسهم في إحداث نقلة كبيرة بحركة التجارة والاستثمار بين مصر من جانب والسودان والقارة الأفريقية من جانب آخر.
وفي أبريل 2020، بدأ التشغيل الفعلي لخط الربط الكهربائي بين مصر والسودان، ويبلغ طوله بالجانب المصري حوالي 100 كيلومتر، وبالجانب السوداني حوالي 70 كيلومتر، بقدرات على مدار الساعة تصل إلى 80 ميغاوات. وأواخر السنة الماضية (2022) تحدث مسؤولون مصريون عن قرب انتهاء المرحلة الثانية من المشروع والتي تستهدف زيادة القدرات إلى 300 ميغاوات[22]. كما تشكل المشروعات الاستراتيجية لاستصلاح الأراضي من بينها 100 ألف فدان في ولاية النيل الأزرق، ومشروع مصري لإنتاج اللحوم بالسودان على مساحة 40 ألف فدان في ولاية النيل الأبيض[23].
مع كثرة المشروعات المنفذة والمخطط لتنفيذها بالسودان، يظهر التخوف حول مصير تلك الاستثمارات في ظل الاشتباكات الدائرة بين طرفي الصراع بالسودان[24].
– عودة العمالة المصرية: لا توجد إحصائية رسمية شاملة لعدد المصريين بالسودان، لكن التقديرات المستقلة تقدرها بنحو 80 و100 ألف في ظل دخول عدد كبير بدون تأشيرات، وعودة تلك الأرقام يضغط على سوق العمل المحلية، وذلك بعدما سجل معدل البطالة في مصر 7.2% خلال الربع الأخير من 2022.
كما أن عودة هذه العمالة يعني وقف تحويلات المصريين بالسودان التي تبلغ 32.4 مليون دولار. وهو أمر يضع ضغوطًا إضافية علي الاحتياطي النقدي المصري في ضوء تراجع هذا الاحتياطي، وشح العملات الأجنبية في وقت يعاني فيه الاقتصاد من ضرورة تسديد أقساط ديون كبيرة حتي عام 2025.
– ارتفاع أسعار السلع والخدمات: من شأن استمرار الأزمة في السودان، أن تفرض ضغوطًا على الأسعار في السوق المحلية خاصة اللحوم السودانية، التي تمد مصر بنحو 10% من احتياجاتها من اللحوم، خصوصًا مع اقتراب عيد الأضحى، وتمثل نافذة لكثير من الأسر المصرية لتأمين البروتين الحيواني مع ارتفاع اللحوم المحلية لمستويات ناهزت 300 جنيه للكيلو الواحد.
وفي ظل احتلال السودان 50% من إجمالي صادرات الذهب عالميًا، وتصديرها نحو 1.6 مليار العام الماضي، ارتفعت الأسعار محليًا ليتجاوز جرام 21 مستوى 2750 جنيهًا للجرام الواحد للمرة الأولى في التاريخ.
ومن المتوقع أن ترتفع أسعار الكثير من المنتجات الغذائية والتجميلية المصنعة، التي يدخل في تركيبها الصمغ العربي أيضًا مع توقف إمداداته من السودان، التي تحتل المرتبة الأولى عالميًا في إنتاجه[25].
3- المحددات الاجتماعية:
قدر تقرير المنظمة الدولية للهجرة، الصادر في أغسطس 2022، عدد المهاجرين الذين يعيشون في مصر بأكثر من 9 ملايين شخص من 133 دولة، وأبرزها السودان (التقرير أشار إلى وجود 4 ملايين سوداني)، والسوريون (1.5 مليون) واليمنيون (مليون) والليبيون (مليون)، علمًا بأن العدد الإجمالي للمهاجرين من الـ 133 دولة يعادل 8.7٪ من عدد السكان[26].
ومنعًا لحدوث الالتباس في ظل التقديرات المختلفة والتي تخلط بين المقيميين واللاجئين السودانيين، فإن عدد السودانيين المقيميين في مصر يقدر بحوالي 4 مليون شخص، بينما عدد المسجلين السودانيين بصفتهم لاجئين لدى مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة يصل إلي حوالي 60 ألف شخص[27].
نتج عن الصراع الحالي في السودان موجات نزوح وهجرة كبيرة للسودانيين إلي مصر، وقد كشفت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر، في 8 مايو الحالي، عن عبور نحو 64 ألف شخص إلى مصر، بينهم أكثر من 60 ألف سوداني. وقالت المفوضية، عبر حسابها الرسمي على موقع تويتر، إن غالبية النازحين إلى ميناءي أرقين وقسطل الحدوديين مع السودان من النساء والأطفال من ذوي الاحتياجات العاجلة بما في ذلك المساعدة الطبية والغذاء والمياه والنقل[28].
وتخيم مخاوف عدة على الجانب المصري إزاء احتمالية تدفق آلاف السودانيين، على رأسها المخاوف الاقتصادية، ففي ظل الأوضاع الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها المصريون هذه الأيام، من المؤكد أن استقبال مزيد من السودانيين سينعكس مباشرة على أسعار المواد الأساسية وإيجارات المنازل وغيرها من عناصر تكلفة المعيشة، المرتفعة بالفعل والآخذة في الارتفاع[29].
بجانب الضغوط التي يمثلها نزوح السودانيين علي فرص العمل للمصريين؛ خصوصًا في القطاعات غير الرسمية، والتي تعتمد علي عمالة موسمية في مجالات تشغيل المطاعم والمحلات التجارية، وذلك علي سبيل المثال لا الحصر، حيث يفضل أصحاب الأعمال السودانيين عن المصريين؛ لانخفاض أجورهم.
كما تشكل الأنشطة الاقتصادية الصغيرة للسودانيين في الأسواق، خصوصًا في أسوان تحديًا لأصحاب المحلات، وهو ما خلق احتكاكات بين الطرفين لم تكن دائمًا محمودة العواقب، كما أن ادعاء الجنسية السودانية هو منتشر بين سكان بعض دول غرب إفريقيا الذين ينسلون مع السودانيين إلى مصر، وهو ما يهدد النسيج الاجتماعي المصري الذي لم يواجه ضغوطًا بهذا المستوى من قبل؛ خصوصًا في نقاطه الحدودية[30].
أضف إلي ذلك، المخاوف الأمنية المحتملة، فدخول هذا العدد من النازحين غير المعروف انتماءاتهم السياسية ولا القبلية، قد يشكل تهديدًا مباشرًا على الأمن المصري، خاصة في تلك المنطقة الحدودية الرخوة بين البلدين.
كما أن تسهيل تفريغ السودان من أهله وسكانه يمهد الطريق أمام الجنرالات لشن حرب مفتوحة بأريحية كاملة، دون أي اعتبارات إنسانية تتعلق بالمدنيين، وهو ما يعني إطالة أمد الحرب وتراجع فرص الحلول السلمية، وما لذلك من مخاطر جمة على الإقليم والدول الحدودية على وجه الخصوص، فالمدنيون يشكلون في الغالب ورقة ضغط قوية في مواجهة المتحاربين، وهو ما لم يكن في حال فتحت مصر وتشاد وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان حدودهم للنازحين السودانيين.
وهنا تجد القاهرة نفسها في مأزق حقيقي، إما السماح لهؤلاء بالدخول استجابة لمواثيق القانون الدولي التي تقر بالسماح بدخول الفارين بحياتهم من البلدان التي تشهد الصراعات والنزاعات والحروب، رغم ما يمكن أن يترتب على ذلك من تهديدات أمنية وضغوطات اقتصادية، وإما رفض دخولهم والإبقاء على الوضع الحالي الذي يسمح بدخول النساء والأطفال وكبار السن، وهو ما يضع مصر في مرمى الانتقادات الحقوقية الدولية، فضلًا عن توتير الأجواء أكثر وأكثر مع الشعب السوداني الذي رغم أدلجته نسبيًا، فإنه ينظر لمصر على أنها امتداده الشمالي[31].
وبعد استعراض التداعيات السلبية للأزمة السودانية علي مصر، يجب الإشارة إلي أن هذه الأزمة تحمل تداعيات إيجابية لمصر، فقد تشكل الحرب فرصة لمضاعفة التبادل التجاري، وتحسين الميزان التجاري الذي يميل لصالح مصر، فبطبيعة الحال فإن توقف العديد من المصانع عن الإنتاج بسبب الحرب يقتضي أن تقوم التجارة البينية بسد جزء من الفجوة في الإنتاج الذي يحتاجه السوق المحلي السوداني.
ولعل ارتفاع التبادل التجاري بين مصر والسودان بنسبة 18% في العام 2022 دليل على هذا الادعاء، فبسبب الاضطرابات في الشارع السوداني بعد انقلاب أكتوبر 2021 توقفت العديد من المصانع وتزايدت التجارة البينية كثيراً بصورة تلقائية، لكن هذا يعتمد أيضاً وبشكل كبير على التغير في موازين القوى الداخلية في السودان وتوجهاتها في إدارة العلاقة مع مصر[32].
كذلك يمكن استقطاب مجموعة من رجال الأعمال السودانيين للاستثمار بمصر، وكذلك مشاركة مصر بعدها بعقود إعادة الإعمار، وضخ المزيد من الاستثمارات[33]. كما أن النزوح السكاني من الطبقة الوسطى السودانية سوف يساهم في تحريك سوق العقار المصري الذي يعاني من ركود في الفترة الأخيرة مع تراجع الطلب، بسبب ارتفاع الأسعار التي هي في متناول السودانيين نظرًا لرخص أثمان العقارات المصرية مقارنة بالسودان من ناحية، وبسبب حيازة العملات الأجنبية من ناحية أخرى[34].
فضلًا عن أن أكثر من ثلث المهاجرين السودانيين (37%) يعملون في وظائف ثابتة وشركات مستقرة، مما يشير إلى أن المهاجرين في مصر يساهمون بشكل إيجابي في سوق العمل ونمو الاقتصاد المحلي للبلد المضيف، وفق رؤية منظمة الهجرة الدولية[35]. كما أن إقامة النازحين السودانيين في مصر سيعقبها ارتفاع التحويلات المالية من ذويهم في الخارج مما ينعش خزانة الدولة[36].
وفوق ذلك كله فإن هذه الأزمة تسمح بتفعيل القوى الناعمة لمصر في السودان عبر استضافتها للنازحين وحسن معاملتهم، مما يدفع نحو تغيير الصورة الذهنية السلبية لدى البعض تجاه مصر[37].
ثانيًا: أبعاد الموقف المصري تجاه الصراع السوداني:
في ظل هذه التداعيات – السلبية في معظمها – الناتجة عن الصراع السوداني، فقد تركزت التحركات المصرية لمواجهة تلك التداعيات حول بعدين رئيسيين؛ البعد السياسي والبعد الاجتماعي.
1- الأبعاد السياسية:
من وجهة النظر العسكرية المصرية (التي ينتمي إليها الرئيس المصري) فإن الجيش الوطني السوداني هو الأولى بالرعاية والدعم كونه جيشًا نظاميًا له تراتبية عسكرية مثل غيره من الجيوش، على عكس قوات الدعم السريع التي هي مجرد مليشيا جهوية استخدمها نظام البشير لمواجهة خصومه في دارفور، وقامت بمهمتها ولذا تم إسباغ صفة عسكرية عليها، واعتبارها جزءًا من القوات المسلحة وإن كانت تبعيتها للبشير شخصيًا بعد أن رفض الجيش تبعيتها له بصورتها تلك، وتم منح قادتها وأفرادها رتبًا عسكرية وصولًا إلى رتبة فريق أول لقائدها حمدان دقلو الذي لم يتلق تعليمًا عسكريًا فضلًا عن عدم تلقيه تعليمًا عاديًا، وحتى حينما زار حميدتي مصر قبل الحرب رفض الجيش المصري استقباله باعتباره ليس عسكريًا محترفًا، واقتصرت لقاءاته على المسئولين المدنيين.
انطلاقًا من هذه العقيدة العسكرية ظهر النظام المصري وعبر أذرعه الإعلامية مساندًا للجيش السوداني في مواجهة الدعم السريع، وربطته اتفاقيات تدريب عسكري معه، وبقت بعض قواته في قاعدة مروي حتى وقعت الحرب والأسر، كما أن السيسي يحتفظ بعلاقة جيدة مع البرهان الذي هو جنرال مثله، وقد أدى له التحية العسكرية في زيارة سابقة في إشارة رمزية لاحترامه كقائد أعلى رتبة عسكرية منه.
وكان النظام المصري يعتمد على البرهان كثيرًا في ملف سد النهضة، بينما اتخذ حميدتي موقفًا معاكسًا بدعم إثيوبيا. وبالتالي، فإن الموقف السوداني الرسمي تحت قيادة البرهان الداعم لمصر سيتحول 180 درجة دعمًا لإثيوبيا في حال انتصار قوات حميدتي وتبوؤه منصب الرئاسة. فحميدتي يرفع أو يغذي شعارات الكراهية لمصر، واعتبارها دولة محتلة (سبق أن أعلن استعداده للانضمام إلى أي جهد حربي لاستعادة حلايب وشلاتين، منتقدًا قيادة الجيش السوداني ومتهمًا إياها بالتفريط في سيادة السودان)، وفي الحد الأدنى متكبرة على بلاده، وهذه الدعاية السلبية تروق لبعض السودانيين (وإن لم يكن جميعهم)، وهو يحاول توظيفها لصناعة ظهير سياسي أوسع له مع قوى الحرية والتغيير التي يغازلها بشعار الديمقراطية (التي لا يعرف عنها شيء).
وبمناسبة الحديث عن الديمقراطية فإن النظام المصري يخشى بالفعل من انتصار المسار الديمقراطي في السودان، وقد بذل كل جهده لتعطيل هذا المسار خلال السنوات الأربع الماضية، حتى لا تنتقل العدوى إليه، أو تحيي آمال المصريين نحو الديمقراطية. وهذا سبب إضافي يفسر موقف النظام المصري الداعم للجيش السوداني حتى الآن.
وفي المقابل ورغم الصورة التي رسمها حميدتي وأنصاره المدنيون للبرهان أو للجيش السوداني بزعم أنه جيش الكيزان (الإسلاميين)، فإن النظام المصري يثق بأن البرهان سينقلب على هؤلاء الإسلاميين، وسيتم إعداد خطة الانقلاب في مصر هذه المرة، بحيث يخلو الحكم بعد انتهاء المعارك للبرهان ورجاله المخلصين. وقد بادر البرهان نفسه بالتصريح بأنه لن يسمح للدعم السريع أو الإسلاميين بالوصول إلى الحكم؛ في ربط غير منطقي بين قوه عسكرية وأخرى مدنية تنافس على السلطة عبر الآليات الديمقراطية[38].
كما أن النظام المصري قد يري في احتمالية القضاء على حميدتي فرصة قوية لا يرغب في تفويتها، والتوقيت مناسب في ظل تركز الاهتمام الغربي على وقف تأثير الدومينو الناجم عن إدارة المستعمرات الفرنسية السابقة ظهورها لباريس وتوجهها لموسكو. حيث يخشى محللون غربيون من توسع نفوذ فاغنر، التي تقيم علاقات مع الأنظمة الانقلابية في مالي وبوركينا فاسو، ونفذت عمليات لصد التمرد في جمهورية إفريقيا الوسطى.
وقد أقامت روسيا، وتحديداً مرتزقة شركة فاغنر، علاقات واتصالات مع قوات حميدتي، التي زارها مع بدء الحرب في أوكرانيا. في ظل رغبتها في إبرام اتفاق لإنشاء قاعدة بحرية في السودان، ستمنح موسكو طريقاً إلى المحيط الهندي. وتشير تقارير إلى أن قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي تسيطر على الجزء الأكبر من مناجم الذهب المربحة في السودان، التي منحته مصدراً مستقلاً للتمويل تغذيه تجارة غير مشروعة في الذهب الخام المهرب، الذي يقول محللون إنه يشق طريقه إلى الإمارات وروسيا. وهناك تقارير عن توفير الروس لتدريب قوات الدعم السريع، إضافة لتقديم موسكو عربات مدرعة لها[39].
وفي ضوء هذه الاعتبارات، يمكن تفهم ما أشارت إليه عدة تقارير بأن مصر تدعم الجيش السوداني بقيادة البرهان في هذا النزاع. فقد أشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية إلى أن الجيش المصري أرسل دعمًا لنظيره السوداني تمثل في طائرات مقاتلة وطيارين إضافيين، لدعم البرهان، قبل اندلاع القتال مباشرة مع قوات “الدعم السريع”. كما نقلت الصحيفة عن مسؤول بالجيش السوداني، قوله إن مقاتلة مصرية دمرت مستودعًا للذخيرة يسيطر عليه الجنرال “حميدتي” ظهيرة يوم الإثنين 17 أبريل 2023[40].
وعلى الرغم من أن بيان الجيش المصري قد أكد أن قواته الموجودة في السودان كانت تقوم بمهام تدريبية مشتركة مع الجيش السوداني، فإن الأمر يؤكد، بصورة أو بأخرى، أن القاهرة تقف في صف أحد طرفي الصراع، وهو طرف الجيش[41].
وبالتالي، لم يكن اختيار الجنرال حميدتي لقاعدة مطار مروي العسكرية كأول هدف عسكري لكسب حربه مع غريمه البرهان صدفة ولا مفاجأة فقد بنى خطته على أن الاستيلاء على القاعدة واحتجاز من فيها من الجنود المصريين الذين يعملون على الطائرات الحربية المصرية في القاعدة باتفاق رسمي بين البلدين يضمن له الفوز في الجولة الأولى للحرب. السبب في ذلك كان واضحًا للغاية، ألا وهو رغبة حميدتي في تحييد مصر وشل قدرتها على التأثير في الأزمة إذ أن أرواح أبنائها من الجنود سيكون بمثابة تقييد لها.
لقد وضع حميدتي في ذهنه ثلاثة اعتبارات؛ الاعتبار الأول هو قناعته المطلقة بأن مصر إذا انحازت لطرف في الحرب، سيكون للجيش النظامي رمز الدولة السودانية وليس لميليشيات الدعم السريع غير النظامية ذات الطابع القبلي والمناطقي لغرب السودان وأجزاء من تشاد.
الاعتبار الثاني، أن مصر لديها تاريخ سابق خاصة في استخدام سلاح الجو في إفشال تمردات سابقة على الدولة السودانية مثل قصفها جزيرة آبا وقمعها لانقلاب هاشم العطا اليساري على النميري ١٩٧١.
والاعتبار الثالث، إن احتجاز قوات الدعم السريع للجنود المصريين هو رسالة لحلفاء حميدتي الإقليميين المعادين لمصر مثل إثيوبيا بأنه الحليف الأقرب لهم في السودان وأن عليهم أن يتدخلوا لصالحه إذا احتاج إليهم أو إذا غامرت مصر بالتدخل لصالح البرهان بأي صورة من الصور[42].
وفي مقابل هذا الموقف المصري الداعم للجيش، فهناك مواقف أخرى داعمة لحميدتي، صادرة عن حلفاء لنظام السيسي، كموقف الإمارات، وموقف الجنرال الليبي، خليفة حفتر.
فقد ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن حفتر الذي تسيطر قواته على شرق ليبيا، أرسل، في 17 إبريل، على الأقل طائرة واحدة من ليبيا إلى السودان، تنقل إمدادات عسكرية إلى قوات “الدعم السريع”[43].
فيما أشار تقرير لصحيفة “ذا غارديان” البريطانية إلى أن شاحنات تنقل عبر الصحراء النفط من مدينة الجوف الليبية، بالإضافة لكميات أقل من الذخيرة والأسلحة والأدوية لقوات الدعم السريع، لمساعدتها في الحرب ضد الجيش السوداني. وأضافت أن حفتر هو من يتولى إرسالها مستفيداً من سيطرة مليشياته على الشرق الليبي، موضحة أن من بين الإمدادات صواريخ مضادة للدبابات جرى نهبها قبل عقد من الزمان من مخازن النظام الليبي السابق، ويجرى نقلها جواً عبر مطار الجوف.
وأشارت “ذا غارديان” إلى أن حفتر يرسل تلك الإمدادات إلى قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) لأن داعميه (الإمارات وروسيا) طلبوا منه ذلك، ولأنه يحصل على أموال كبيرة نظير ذلك، حيث يباع النفط المكرر لقوات الدعم السريع، ما يدر عوائد مالية كبيرة لفائدة عائلة حفتر بأكملها[44].
ويمكن إرجاع هذا التحالف بين حفتر وحميدتي إلي أن كلاهما يستخدمان نفس النهج لمناشدة الغرب من خلال تصوير نفسيهما كمقاتلين ضد التطرف الداخلي (المقصود به الإسلاميين)[45]. بجانب تداخل العلاقة والمنافع بين حفتر وحميدتي على صعيد الاستفادة الاقتصادية من خطوط التهريب بين ليبيا والسودان (النفط الليبي مقابل الذهب السوداني)، أو من خلال تجنيد المرتزقة الذي أسهم بشكل فعال في تحقيق تقدم لقوات حفتر في حروبه السابقة[46].
كما أن كلًا من حفتر وحميدتي تحالفا مع الإمارات، التي دعمت حفتر عسكريًا، كما استأجرت رجال حميدتي للقتال في اليمن[47]. وكلاهما أيضًا له علاقات قوية مع مجموعة “فاجنر” الروسية، حيث تشارك الأخيرة في حماية مناجم الذهب التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع في السودان، وكذلك القتال لصالح حفتر في ليبيا على مدى السنوات القليلة الماضية[48].
كذلك فربما يرغب حفتر من خلال دعمه لحميدتي ضد البرهان المدعوم من مصر في الضغط على النظام المصري من أجل العودة إلى دعمه بشكل مطلق على الساحة الليبية، بعد أن تراجع هذا الدعم، خلال الفترة الماضية.[49]
المفارقة هي كيف ينحاز حفتر الداعم للجيوش والمؤمن بأن لها الكلمة العليا في إدارة الشأن العام؛ ويقف في صف مجموعة هي أقرب للمليشيات منها للمؤسسة العسكرية وضد جيش هو من أعرق الجيوش التقليدية في المنطقة العربية؟![50].
وبالنسبة للإمارات، فبجانب قيامها بدعم قوات الدعم السريع بالأسلحة والوقود عن طريق ليبيا عبر حليفها خليفة حفتر. فقد ذكرت صحيفة “تلغراف” البريطانية أن الجيش السوداني عثر على قذائف حرارية بحوزة قوات الدعم السريع، صنعت في صربيا عام 2020، وسلمت لاحقًا إلى الإمارات[51].
كما انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي تسجيل منسوب لرئيس المخابرات السودانية السابق، صلاح الدين قوش. اتهم فيه الإمارات بالوقوف وراء ما يجري في السودان، عبر إقامة “مطبخ للسياسة السودانية في أبو ظبي”، والقيام بعملية تغيير تستهدف الجيش، وإحلال قوات الدعم السريع بدلًا منه.
وأوضح أن “هذا المطبخ التقى فيه الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، مع حميدتي ورئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك وبعض رجال المال”. وأتبع: “وكلهم أجمعوا على لزوم التغيير بالقوة، في أن يُضرب الجيش ويتم الإعلان عن حكومة تعترف بها الدول الراعية لهذا التغيير، مع بعض المؤسسات والمنظمات الدولية، ويُضرب التيار الإسلامي والعسكري في الوطن ضربة قاصمة”[52].
ويرجع الدعم الإماراتي لحميدتي إلي اعتقاد أبوظبي أن الجيش السوداني هو مجرد تنظيم إخواني بواجهة وطنية شاملة. لكن هذا الاعتقاد ليس السبب الرئيسي في دعم ميليشيا قبلية وفي محاولة إحلالها محل الجيش. فملف التجنيد المستمر للمقاتلين التي يقوم بها حميدتي له أهمية كبيرة للإمارات التي توسعت عسكرياً في اليمن وفي ليبيا.
كما أن التحالف بين حميدتي والإمارات يتعدى تجنيد المقاتلين إلى “تجنيد” الموارد. فالدعم السريع يسيطر بشكل شبه كامل على قطاع المعادن والذهب مثل منطقة جبل عامر غربي السودان، الغنية بالذهب والمعادن، الذي يتم تهريبه بشكل مستمر إلى خارج السودان، ويُباع في الإمارات.
كذلك تتطلع الإمارات إلى استثمار زراعي طويل الأجل شرعت في ترتيب معطياته، وهو يخص مساحات شاسعة في غرب السودان، وتحديداً في “دار زغاوة”. المشروع الذي يبدو في ظاهره زراعياً ينطوي على موارد هائلة. فأرض المشروع تقع على الحدود مع ليبيا، كان سبق أن استكشف فيها النفط بواسطة شركة شيفرون الأمريكية. وتشير المعلومات إلى وجود احتياطي هائل من النفط، علاوة على مناجم الذهب واليورانيوم في وادي العطرون الواقع داخل نطاق المشروع[53].
ناهيك عن أن السودان يمثل موقعًا حيويًا في حسابات الإمارات الإقليمية. ففي ديسمبر 2022، وقعت شركة إماراتية صفقة بقيمة 6 مليارات دولار لتطوير ميناء ومنطقة اقتصادية على ساحل البحر الأحمر في السودان، وهي خطوة لا تنفصل عن رؤية الإمارات الواسعة لخلق تواجد استراتيجي، اقتصادي و/أو عسكري، ممتد من الخليج العربي مرورًا بجزر اليمن الاستراتيجية والقرن الأفريقي وحتى السودان وموانئ مصرية على البحر الأحمر[54].
هذا الدعم الإماراتي لحميدتي مفارق لنظيره المصري الداعم للبرهان. وهذا ما يشكل عائقًا أمام نظام السيسي، الذي يعتمد على الإمارات في مساعدته للخروج من أزمته الاقتصادية العميقة. ولهذا السبب قد لا يُقدم السيسي على دعم البرهان، بنفس الشكل الذي تدعم به الإمارات حميدتي، رغم أن مصر متأثرة أكثر من الإمارات بالنزاع الدائر.
وهناك سبب آخر مرتبط أيضًا بعدم إقدام النظام المصري علي دعم البرهان بشكل معلن وتجاهل حميدتي بصورة كاملة، وهو أن النظام المصري قد يكون لديه شكوك حول قدرة البرهان على حسم المعركة لصالحه. وبالتالي، فقد يعتقد أن دعمه للبرهان بشكل صريح قد يرتد عليه سلبًا إذا ما تعثر الأخير ولم يقدر على الحسم[55].
وفي ضوء ذلك، يمكن تفهم حرص القاهرة علي تأكيد حيادها ووقوفها على مسافة واحدة بين طرفي الصراع السوداني (البرهان وحميدتي)، وقد ظهر هذا الحرص المصري في:
– التصريحات والاتصالات الدبلوماسية: فقد أكد السيسي في كلمة بعد اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، في 18 إبريل، على إن “عناصر الجيش المصري تواجدت في السودان ضمن بروتوكول مع الجيش السوداني لإجراء تدريب مشترك، وليس صحيحًا تواجد القوات المصرية في السودان لدعم طرف على حساب طرف”. مطالبًا بـ”ضرورة أمن وسلامة القوات المصرية في السودان”، ومعربًا عن أمله في استعادة تلك القوات “في أسرع وقت”. كما أكد السيسي إن “ما يحدث في السودان شأن داخلي ولا يمكن التدخل فيه”، مضيفًا: “إذا كان لنا دور مثل الوساطة لاستعادة أمن واستقرار السودان فهذا ما يمكن أن نقوم به”. وأوضح أن “الاتصال مستمر بالجيش السوداني وقوات الدعم السريع لوقف إطلاق النار واستعادة الهدوء”[56].
في الاتجاه ذاته قال وزير الخارجية سامح شكري لشبكة “سي أن أن” الأميركية إن مصر “على اتصال مباشر مع الطرفين (الجيش وقوات الدعم السريع) لتشجيع ضبط النفس ووقف الأعمال العدائية والعودة للحوار”، مردفاً أن بلاده “تتواصل مع كل من له تأثير في القضية سواء كان الجيش السوداني أو قوات الدعم السريع”[57]. وعقب محادثات هاتفية مع نظيره البريطاني جيمس كليفرلي، 27 إبريل، أكد شكري علي أن القاهرة لا تؤمن بوجود “أي حل عسكري للأزمة في السودان” مع ضرورة التعاون الدولي للحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية وتعزيز الحوار بين أطراف النزاع. وعادت مصر لاستخدام لهجة تحذيرية خلال استقبال السيسي لضيفه رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، 30 إبريل، وتوجيه السيسي تحذيرات مباشرة من تدخل أية أطراف خارجية في الأزمة في السودان[58].
وبجانب ذلك، فقد استقبل وزير الخارجية سامح شكري، مبعوث قائد القوات المسلحة السودانية عبد الفتاح البرهان السفير دفع الله الحاج، في 29 إبريل[59]. كما أجرى شكري اتصالين هاتفيين، في 4 مايو، مع قائدي الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان والدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) أزال بهما ما علق في أذهان البعض من التباسات حول تبني القاهرة موقفًا إيجابيًا من الأول وسلبيًا من الثاني[60].
– عرض الوساطة لحل النزاع: ففى اليوم التالي لاندلاع الاشتباكات في 16 إبريل، ووفقًا للمتحدث الرسمي للرئاسة المصرية وجه كل من الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس جنوب السودان سلفا كير خلال اتصال هاتفي بينهما نداءً للوقف الفوري لإطلاق النار في السودان، كما أعرب الرئيسان عن استعداد مصر وجنوب السودان للقيام بالوساطة.
كما دعت مصر والسعودية إلى عقد اجتماع طارئ على مستوى المندوبين الدائمين بجامعة الدول العربية لمناقشة الوضع في السودان. وتلبيةً لتلك الدعوة انعقد مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين في 16 أبريل 2023، وطالب في بيان له بضرورة الوقف الفوري لجميع الاشتباكات المسلحة في السودان حقنًا للدماء، وحفاظًا على أمن وسلامة المدنيين ووحدة أراضي البلاد وسيادتها، وأبدى استعداده للتدخل من أجل المعاونة في إنهاء الأزمة[61].
– التنسيق مع دول الجوار السوداني: وهو ما تجلي بوضوح فى الجولة التى بدأها وزير الخارجية سامح شكرى، في 8 مايو، والتى تشمل كلًا من تشاد وجنوب السودان. وذلك من أجل التشاور حول تشجيع الأطراف السودانية على تثبيت والالتزام بوقف شامل لإطلاق النار، يسمح بإيصال المساعدات الإنسانية وتقديم الإغاثة، فضلًا عن إفساح المجال لإطلاق حوار بناء لحل الخلافات بين الأطراف السودانية[62]. كما تهدف هذه الجولة إلي تنسيق الجهود حول التعامل مع تداعيات الأزمة السودانية علي دول الجوار.
وتؤكد زيارة شكري إلى تشاد وجنوب السودان في هذا التوقيت الشعور بالخطر من استفحال ملف اللاجئين وما يحمله من تشابكات، أبرزها عدم استبعاد استثمار الحدود الطويلة للسودان معهما في توصيل امتدادات عسكرية لطرفي الصراع، بما يحرفه عن مساره الراهن ويضاعف من صعوبة وقفه لاحقًا. خاصة في ظل الروافد القبلية والجهوية بين إقليم دارفور في غرب السودان وشرق تشاد، وولايتي كردفان والنيل الأزرق مع جنوب السودان[63].
– التواصل مع القوي الدولية: باتت القاهرة، بعد غياب ملفت عن المقاربة الدولية للشئون السودانية في المرحلة الانتقالية، بؤرة اهتمام دولي باستكشاف حلول عاجلة للأزمة، واتضح ذلك بداية من مباحثات هاتفية أجراها الأمين العام للأمم المتحدة مع السيسي بعد ساعات من الأزمة (16 إبريل). وتلى ذلك، محادثات دولية مستمرة مع وزارة الخارجية المصرية (التي أصبحت تلعب دورًا ملحوظًا في الملف مقارنة بأدوار مؤسسات أخرى) من قبل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وعدد من الدول الآسيوية مثل اليابان والصين وباكستان وغيرها.
وقد برز التنسيق الأمريكي المصري في الأزمة الراهنة منذ اندلاعها، مع وجود مؤشرات على تقارب ملحوظ بين واشنطن والقاهرة في ملفات إقليمية مثل أمن البحر الأحمر والوضع في السودان قبل 15 إبريل من قبيل تولي البحرية المصرية قيادة قوة المهام المشتركة في البحر الأحمر وخليج عدن نهاية العام 2022 (CTF 153)، والتي تخضع للقيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية والتي تقع مصر في نطاق تقسيمها الجغرافي كاستثناء إفريقي بارز ووحيد حيث تخضع بقية القارة الإفريقية لنطاق عمليات القيادة الأمريكية في إفريقيا.
لكن هذا التقارب لا ينفي وجود قدر من التباين في الرؤى المصرية والأمريكية بشأن السودان ومستقبل العملية السياسية به، إذ تميل مصر لعملية متدرجة لا تقصي القوات المسلحة السودانية من المشهد بينما تسعى واشنطن منذ سنوات للتوصل لتسوية سياسية تقوم على تولي المدنيين إدارة المرحلة الانتقالية ومجمل مستقبل السودان[64].
جدير بالذكر هنا، أن النظام المصري يتحرك سريعًا عند كل أزمة داخلية أو خارجية لتوظيفها لصالحه، فعل ذلك في أزمة كورونا وفي الحرب الأوكرانية، وفي هذه الأزمة الجديدة قد يوظفها النظام لصالحه في تبرير بعض سياساته الحالية التي تلقى انتقادات واسعة، أو ربما بهدف فرض سياسات أشد قسوة بحجة حماية الأمن القومي المصري، وربما يكون ضمن تلك الإجراءات تنصله من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية حال طالت الحرب حتى موعدها[65].
كذلك فإن الأزمة السودانية تمثل فرصة ذهبية لمصر لإعادة تنظيم مصالحها وسياستها الخارجية مع القوى العالمية. حيث أن مصر لديها فرصة سانحة لتعزيز علاقاتها الثنائية مع الولايات المتحدة، وتعزيز التعاون الاستراتيجي حول السودان بعد سنوات من الانحراف بين الجانبين حول القضايا الإقليمية، خاصة في ظل دعم بعض دول مجلس التعاون الخليجي (الإمارات) لروسيا بشكل غير مباشر في السودان[66].
كما أنه ربما لم يعد هناك أدوات وأوراق تعزز وزن وثقل دور مصر في الإقليم الذي تراجع بشدة خلال العقود الأربعة الأخيرة، سوى قدرتها على استيعاب اللاجئين وحسن معاملتهم. فهؤلاء اللاجئون يمثلون «ورقة سياسية»، يمكن استخدامها في أي تفاعلات مع دول الجوار التي وضعت شروطًا صارمة على أي مساعدات وقروض تطلبها القاهرة، أو مع دول غربية تخشى أن يعبر اللاجئون إليها، وتتعامل تلك الدول مع مصر على أنها صمام أمان لمنع تدفق هذه الحشود السودانية النازحة إليها[67].
2- الأبعاد الاجتماعية:
شكلت مصر خلية لإدارة ملف عودة المصريين العالقين في السودان، والذين يبلغ عددهم وفقًا لبيان وزارة الخارجية أكثر من 10 آلاف مواطن. وتكونت الخلية من “جهاز المخابرات العامة ووزارات الدفاع والداخلية والخارجية والهجرة”[68]. وظلت البعثة الدبلوماسية المصرية تعمل بكامل طاقتها في بورتسودان ووادي حلفا وأعادت تمركز أفرادها في الخرطوم بعد تزايد التهديدات الأمنية واستشهاد أحد أعضائها هناك من أجل تنفيذ ومتابعة عمليات الخطة الوطنية لإجلاء المواطنين المصريين، حيث تمكنت من إعادة ما يناهز 7 آلاف مصري من مختلف أنحاء السودان[69]. كذلك فقد تمكنت مصر من إجلاء نحو 177 عنصرًا من قوات الجيش المصري كدفعة أولي. فيما ضمت الدفعة الثانية إجلاء 27 عنصرًا المحتجزين من قبل مليشيا الدعم السريع، وذلك بالتنسيق مع الجهات السودانية والإمارات واللجنة الدولية للصليب الأحمر بالسودان[70].
الأمر لم يقتصر على إجلاء المصريين فحسب، بل امتد ليشمل استقبال السودانيين الفارين من الصراع. وقد أثار نزوح المواطنين السودانيين إلى مصر تفاعلاً ونقاشاً لدي الرأي العام المصري. فقد حفلت وسائل التواصل الاجتماعي بمواقف متباينة وانقسام واضح في ردود الفعل المصرية إزاء فتح المعابر أمام الوفود السودانية القادمة. حيث يستند الرافضون للسودانيين في مصر في مواقفهم تلك إلى البعد الاقتصادي والأمني، لافتين إلى أن الحالة المعيشية لمعظم المصريين وصلت إلى مستويات متدنية، وأن المزيد من اللاجئين أو النازحين سيزيد من تأزم الوضع، هذا بجانب الادعاء بخطورة ذلك أمنيًا، لافتين إلى أن القادمين من الأراضي السودانية قد يكون بينهم منتمون لجماعات مسلحة أو تنظيمية أو مؤدلجون بأجندات إقليمية ممولة لإثارة الفوضى في مصر والسودان معًا.
وفي المقابل، فقد أعلن قطاع كبير من المصريين ترحيبهم الشديد بالأشقاء السودانيين في بلدهم الثاني، لافتين أن مصر أكبر من أن تلفظ طارقي أبوابها بدعوى الاقتصاد والحالة المعيشية، بل إن منهم من أعربوا عن استعدادهم لفتح منازلهم لاستضافة عائلات سودانية بأكملها من النازحين، فيما دُشنت مبادرات للتخفيف عنهم من خلال جمع تبرعات وتوفير مساكن بإيجارات مخفضة والبحث عن فرص عمل لمساعدتهم على الإقامة في مصر بكرامة وعزة[71].
وعبر “هاشتاغ”، “#إلغاء_تأشيرة_دخول_السودانيين_لمصر”، طالب مصريون معارضون ومؤيدون لنظام عبد الفتاح السيسي، بإلغاء تأشيرة الدخول للمهاجرين السودانيين الفارين من القتال. ودعا البعض إلى تفعيل اتفاقية “الحريات الأربع” الموقعة بين البلدين عام 2004، التي تكفل حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك، ونشروا نص القرار المنشور بالجريدة الرسمية المصرية[72].
ولم تمر أيام قليلة على اندلاع الاشتباكات في العاصمة السودانية حتى أقام الهلال الأحمر المصري مركزاً للإغاثة الإنسانية على الحدود المصرية السودانية عبر “منفذ أرقين البري” لتقديم كافة أوجه الدعم الممكنة لجميع الفارين من الصراع والذين تمكنت الدولة المصرية من إجلائهم إلى أراضيها على اختلاف جنسياتهم.
كذلك، فقد قامت فرق الإغاثة المصرية بتقديم خدمات الإسعافات الأولية بالإضافة إلى الأدوية والوجبات الغذائية الخفيفة، ووفرت وسائل الاتصالات والإنترنت للجميع للاتصال بذويهم. كما واصلت جميع المؤسسات والمنظمات المصرية المعنية بإدارة الأزمة التنسيق فيما بينها لتسهيل انتقال جميع من تم إجلاؤهم من السودان إلى الأماكن التي يرغبون في الانتقال إليها؛ ففي الوقت الذي استغل فيه أصحاب الحافلات الوضع المتأزم ورفعوا سعر نقل الفرد برياً من السودان إلى مصر من 50 إلى 550 دولار، قامت وزارة النقل المصرية بالتنسيق مع سائقي الحافلات المصريين في الخرطوم ودنقلة لنقل الطلاب والأسر إلى ارقين، كما بدأت في تسيير قطارات إضافية يومياً من أسوان إلى القاهرة بالإضافة إلى الحافلات التي لا يتوقف عملها على مدار الساعة مقابل 350 جنيهاً للفرد (11 دولار فقط) دون تمييز بين المصريين وغيرهم لاحتواء أعداد النازحين والعائدين المتزايدة في أسوان[73].
وقد وافقت السلطات المصرية، بداية أبريل 2023، على تمديد المهلة التي جاءت بقرار من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي لمدة 6 أشهر أخرى ليتمكن السودانيون المقيمون بمصر من توفيق أوضاعهم. ويسمح نظام التأشيرات المعمول به حاليًا للأطفال والنساء من السودان بالدخول دون تأشيرة، وكذلك للرجال فوق الستين عامًا، بينما يوجب على الرجال البالغين القادرين على العمل (من 16 إلى 60 عاما) الحصول على تأشيرة مسبقة[74].
ومن التطورات الإيجابية مؤخراً أن نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي أطلقت عدة مطالب بإلغاء تأشيرة دخول السودانيين لمصر، وأن الحكومة المصرية أبدت بعض المرونة في التعامل مع الفارين من الحرب الدائرة في السودان استجابة لهذا الضغط الشعبي. حيث نقل بعض النشطاء، أن معبر “أرقين” الحدودي بين مصر والسودان يشهد “تمديد الجوازات للسودانيين، ويمنح خاتم الدخول بدون فيزا مسبقة للإخوة السودانيين”[75].
وإن كانت مسألة إلغاء التأشيرات كلياً تبدو بعيدة المنال بالنسبة للنظام المصري الذي يبحث عن أية مصادر للدخل، ويقدم المحاذير الأمنية على كل شيء، ومنذ انقلاب الـ3 من يوليو 2013 ظل يتعامل مع كل المسافرين المصريين للسودان باعتبارهم أعضاء من المعارضة.
وبصفة عامة، يبدو أن التعامل المصري مع اللاجئين السودانيين الفارين إلي مصر مقبول بصورة كبيرة، حتي لو كان نظام السيسي يسعي إلي استغلال ذلك لتحقيق أهدافه الخاصة. حيث يستحضر النظام قضية اللاجئين لاستعراض الفرق في التعامل بين مصر ودول أخرى في مسألة اللاجئين، وإن كان هناك مبالغة كبيرة في هذا الأمر، وبالذات فيما يتعلق باللاجئين السوريين في المكايدة السياسية مع النظام التركي[76].
كذلك فمن المتوقع أن تخاطب مصر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لدعمها اقتصاديًا لتحمل عبء ونفقات اللاجئين على غرار ما يحدث مع الدول الأخرى، ومنها تركيا التي حصلت من الاتحاد الأوروبي على 3 مليارات يورو دعماً لمواجهة أزمة النازحين السوريين. يذكر أن الدعم المالي المقدم من مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في مصر خلال 2019 بلغ نحو 104 ملايين دولار بهدف حماية اللاجئين وطالبي اللجوء بالبلاد [77].
كما حصلت علي 60 مليون دولار عام 2017 من صندوق الطوارئ التابع للاتحاد الأوروبي لأفريقيا (EUTF)، الذي تم إنشائه في نوفمبر 2015، لمكافحة الهجرة غير الشرعية. بجانب اتفاقيات غير رسمية جرت مع الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن، وذلك بحسب تقرير نشرته “منصة اللاجئين في مصر”، 13 مايو 2022 [78].
ختامًا؛ تقييم الموقف المصري تجاه الصراع السوداني؛ يعد الصراع السوداني الحالي مؤشرًا قويًا علي مدي تراجع الدور المصري في الاقليم عمومًا وفي السودان خصوصًا، وهو ما يمكن الاستدلال عليه بمجموعة من المؤشرات، تتمثل أبرزها في:
1- الفشل الأمني والاستخباراتي للنظام المصري، ففي وقت تنشغل فيه أجهزة المخابرات المصرية بملاحقة المعارضين داخليًا وخارجيًا، وإلقاء القبض عليهم، لم تؤد مهمتها وتركت الجنود في قاعدة مروي الجوية، خصوصًا بعد رصد تحركات لمليشيات التدخل السريع، وتوتر الأجواء واحتمال الاشتباك، ولم تقم بإجلائهم لتجنيبهم هذا الموقف المحرج والمهين لمصر وللمؤسسة العسكرية[79].
2- إظهار مصر شاكرة مهللة للإمارات على جهودها في تحرير جنودها في مشهد مقصود، أصبحت مصر فيه غير قادرة على حماية جنودها وبعثاتها الدبلوماسية، ناهيك عن كونها أضعف من أن تلعب دور الوساطة في عمليات الإجلاء للبعثات الدبلوماسية، فتذهب عبارات شكر الأوروبيين والأميركيين لجيبوتي وإريتريا والسعودية على جهودهم في إجلاء رعاياها ودبلوماسييها، بينما يقع الدبلوماسيون المصريون أنفسهم ضحية هذا الغياب، ويُستهدف مساعد الملحق العسكري في وضع لا يرتضيه أي مصري[80].
3- فقبل الصراع الحالي، غابت القاهرة عن جهود الوساطة الدولية في الخرطوم، سواء الرباعية الدولية المكونة من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات أو الآلية الثلاثية المكونة من بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة الانتقالية في السودان (يونيتامس) والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد)، رغم أن القاهرة أكبر مضيف للاجئين والنازحين السودانيين ودولة جوار مهمة[81].
ومع اندلاع الصراع الحالي، فقد انحصرت اتصالات وزير الخارجية الأميركي بوزيري خارجيتي السعودية والإمارات لإيجاد حل للصراع المتفجر في السودان، ثم تم عقد المفاوضات بين طرفي النزاع السوداني في جدة. كان هذا دلالة واضحة على أن مصر لم تعد حاضرة في المشهد السوداني، ولم تعد اللاعب الأساسي في المنطقة. لقد غابت عن عمقها الأفريقي فتركت فراغًا كبيرًا قامت الدول الخليجية بملئه، وأصبحت المنافسة السعودية والإماراتية واضحة وقوية على ثروات السودان وسواحله[82].
ولعل أخطر ما في الأمر، أن هذا الحضور الخليجي أصبح يضر بصورة مباشرة الأمن القومي المصري. حيث أن الإمارات حليفة مصر تتحرك لدعم حميدتي رجل إثيوبيا المعادية لمصر، وبما يضعف من وحدة موقف القاهرة والخرطوم في موضوع النيل شريان حياة مصر، وتسعى للاستحواذ على ما تستطيع من ذهب السودان الذي يضع حميدتي يده على معظم مناجمه حتى لو كان الثمن هو تفكك الدولة السودانية بكل ما يحمله ذلك من خطر داهم على أمن ووجود مصر. خطر لن تعاني منه الإمارات أو أي دولة عربية تبعد عن السودان آلاف الأميال[83].
4- علي الرغم من هذه التحركات الإماراتية ضد مصر، فإن البعض يري بأن القاهرة تدافع عن الأمن القومي للإمارات بدرجة أكبر من أمنها القومي، فحين يكون الطرف الذي تقف معه مصر مدعومًا بالمثل من دولة الإمارات، يسهل مد الخطوط الحمر والاستعداد للتدخل العسكري، بشكل يُظهر أن هناك تطابقًا بين الأمن القومي لمصر والإمارات. هذا ما وجدناه في ليبيا والخط الأحمر المعلن في صيف 2020 من سرت إلى الجفرة، لأنه يأتي لصالح قوات الجنرال خليفة حفتر المدعوم إماراتيًا.
بينما حين تعلق الأمر بصلف الحكومة الإثيوبية، ومخاطر عدم التزامها بالترتيبات العادلة لملء سد النهضة، وفق اتفاق مجحف تم بوساطة إماراتية ورطتنا فيما عُرف باتفاق المبادئ، لم تجد أديس أبابا المدعومة إماراتيًا ردًا على تجاوزها الخط الأحمر مع استمرارها في عمليات الملء الأحادي. خرج علينا حكماء التوازن والعقلانية وعدم التورط لإفشال المؤامرات الخارجية ممن يريدون توريط الجيش المصري واستنزافه.
الأمر يتكرر أمام أعيننا الآن في السودان، وبتحالفٍ إماراتي إثيوبي وبدعمٍ حتى من ميليشيات الحليف الليبي حفتر وقواته، لصالح قوات أو ميليشيات الدعم السريع للقائد الحليف السوداني حميدتي. عادت لغة “التوازن” و”عدم التدخل في الشؤون الداخلية” والانتظار والثقة في “حسن النوايا” و”الوسطاء” إلى البيانات الرسمية المصرية، حتى في ظل احتجاز مجندين.
ومع أن مصر لم تحارب فعليًا منذ خمسين سنة، وإن شاركت رمزيًا أو جزئيًا في حرب أمريكا ضد العراق. ورغم ذلك، تضاعفت مشترواتها العسكرية خلال السنوات الثماني الماضية لتزيد عن خمسين مليار دولار، أي ثلث مجموع الدين الخارجي الذي تئن مصر وشعبها من أوزاره.
إن كانت كل هذه الأسلحة والعتاد لن تستخدم إلا ضد أعداء السعودية والإمارات، فعلى الأقل، وبلغة المصالح المادية الباردة، مطلوب فقط أن يدفع أصحاب ومحددو الأمن القومي الإقليمي وراسمو الخطوط الحمراء لعالمنا العربي، سواء من بني زايد أو بني سلمان، نفقات هذا السلاح، وأن يسددوا كل ديونه، وأن يشكروا مصر على ما تفعله لهم، بدلًا من لغة المن والإحسان، والاشتراطات لتقديم المساعدات[84].
ويشير مراقبون إلي إن محدودية الدور المصري في السودان تعود إلى:
– اتخاذ القاهرة موقفاً متحيزاً، وإن لم يكن واضحاً خلال السنوات القليلة الماضية في الأزمة السياسية بالداخل، فعندما أعلن البرهان عن حل الحكومة المدنية في أكتوبر 2021 واعتقل رئيس الوزراء عبدالله حمدوك وغيره من كبار الشخصيات المدنية التي كان الجيش قد وافق على اقتسام السلطة معها إلى حين إجراء الانتخابات في 2022، اتهمت وزيرة الخارجية السودانية، آنذاك، مريم المهدي، مصر بدعم ما وصفته “الانقلاب العسكري”.
وقد تعمقت الصورة السلبية بفعل رغبة القاهرة في خلق مسار موازٍ للاتفاق الإطاري، الذي توصلت إليه الرباعية الدولية في ديسمبر 2022، عبر استضافة القاهرة ورشة عمل خلال الفترة من الأول حتى الثامن من فبراير الماضي بعنوان “آفاق التحول الديمقراطي نحو سودان يسع الجميع”، وذلك بهدف إيجاد منبر لحوار يؤدي إلى توافق سوداني – سوداني. لكن بنهاية المطاف رفضت قوى “الحرية والتغيير” المشاركة في الورشة قائلة في بيان “إن الورشة تشكل منبراً لقوى الانتفاضة المضادة التي تأمل أن تحتشد في المبادرة المصرية لتقويض الجهود الشعبية السودانية لاستعادة المسار المدني الديمقراطي”، مؤكدة أن هذه القوى مرتبطة بالنظام السابق الذي أضرت سياساته بالبلدين وشعبيهما[85].
– النهج السياسي الذي انتهجه نظام السيسي في السودان، فهو نفسه الذي قام به في ليبيا، ما أدى إلى أن تكون مصر طرفًا في الصراع، وليس وسيطًا، قد يلعب دورا يؤدي إلى التوصل إلى اتفاق ينهي الصراع ويعيد لمصر دورها الإقليمي. لقد ترك السيسي نفسه ليكون أداة في يد بعض الدول الإقليمية (الإمارات)، مقابل الحصول على دعم مادي، أو تطبيق أجندة إقليمية على حساب الأمن القومي المصري. فقد جعل لنفسه مهمة أساسية، تصدير نموذج الانقلاب العسكري إلي دول الجوار، ومحاربة أي تجربة تحول ديمقراطي قد تحدث، لأنه يرى في ذلك تهديدًا مباشرًا على شكل السلطة التي أسسها. والنتيجة المشهد الذي نراه في السودان ومن قبله في ليبيا، والذي ستكون له تداعياته المباشرة على أمن مصر القومي[86].
يشير هذا الغياب أو التغييب لمصر عن السودان التي هي أكثر من قضية حدود ومياه وأمن قومي وفناء خلفي وعمق استراتيجي إلى أحد سيناريوهاتٍ أحلاها مر، أولها أن مصر كانت لا تملك البيانات الاستخبارية والبحثية الكافية لتحديد موقفها مما يجري في السودان، وبالتالي لا تستطيع تقدير الموقف وبناء سياسة خارجية واضحة، وهذه كارثة في بلد تحكمه الأجهزة العسكرية والأمنية. وثانيها أنها تملك مثل هذه القدرات الاستخبارية والبحثية، لكنها غير قادرة على الفعل السياسي في نطاق جوارها المباشر، وهذه كارثة أكبر. وثالثها أن هناك قراراً سياسياً بالتبعية لأطراف في النظام الدولي وارتضاء تام بأن تدير قوى إقليمية أصغر ليس فقط الإقليم، بل وحتى علاقات مصر بدول جوارها المباشر مقابل تعويم النظام أطول فترة ممكنة، وهذه طامة كبرى على مصر والمصريين، لأن تبعاتها غير محمودة، بل شديدة الكارثية حالًا ومستقبلاً[87].
[1] “تفجر الصراع بين القوات المسلحة السودانية والدعم السريع: الأسباب والتداعيات المحتملة”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 20/4/2023، الرابط:
[2] “اقتصادياً وسياسياً وإنسانياً.. كيف تواجه مصر “أزمة ثلاثية” بسبب الحرب في السودان؟”، عربي بوست، 25/4/2023، الرابط:
[3] “اشتباكات السودان: غضب في مصر بسبب احتجاز جنود مصريين في السودان”، بي بي سي عربي، 16/4/2023، الرابط: https://bbc.in/42lxxZr
[4] “Egyptian MiG-29s Captured By Militia In Sudan”, The War Zone, 17 April 2023, at:
[5] “الخارجية المصرية تعلن مقتل مساعد ملحقها الإداري بالسودان”، سي إن إن عربية، 24/4/2023، الرابط: https://cnn.it/42pedun
[6] ” مصر.. والأزمة السودانية”، الأسبوع، 30/4/2023، الرابط:
[7] “Sudan Crisis Sets Stage For Possible Egypt Intervention – Analysis”, Eurasia review, 2 May 2023, at:
[8] “انعكاسات حرب السودان على المشهد المصري”، عربي21، 30/4/2023، الرابط:
[9] “Sudan Crisis Sets Stage For Possible Egypt Intervention – Analysis”, op.cit.
[10] “السودان غائب ومصر وحيدة… العيون تترقب سد النهضة”، إندبندنت عربية، 7/5/2023، الرابط:
[11] “كيف يؤثر النزاع في السودان على موقف مصر بملف «سد النهضة»؟”، الشرق الأوسط صحيفة العرب الأولي، 15/4/2023، الرابط:
[12] “تداعيات كارثية لصراع السودان على مصر تتجاوز أزمة سد النهضة”، عربي21، 25/4/2023، الرابط: https://bit.ly/3nMjzAS
[13] “كيف يؤثر النزاع في السودان على موقف مصر بملف «سد النهضة»؟”، مرجع سابق.
[14] ” تجاهل دولي لأزمة سد النهضة يقلق مصر”، العربي الجديد، 2/5/2023، الرابط: https://bit.ly/3pr7bXy
[15] “كيف يؤثر النزاع في السودان على موقف مصر بملف «سد النهضة»؟”، مرجع سابق.
[16] “هل تستغل إثيوبيا حرب السودان لإنهاء بناء سد النهضة؟”، العربي الجديد، 8/5/2023، الرابط: https://bit.ly/3M8w0iL
[17] ” تجاهل دولي لأزمة سد النهضة يقلق مصر”، مرجع سابق.
[18] “انعكاسات حرب السودان على المشهد المصري”، مرجع سابق.
[19] “ما هي الخسائر المصرية في الأزمة السودانية؟”، مصر360، 2/5/2023، الرابط: https://bit.ly/3NVlsGc
[20] “عمالة عائدة وتضخم واستثمارات مُعلقة.. كيف تؤثر الأزمة السودانية على الاقتصاد المصري؟”، مصر 360، 30/4/2023، الرابط: https://bit.ly/3LQ7537
[21] “كيف تؤثر الحرب السودانية على الاقتصاد المصري؟”، مركز رع للدراسات الاستراتيجية، 30/4/2023، الرابط: https://rcssegypt.com/14229
[22] “هل يتأثر الاقتصاد المصري بالصراع الدائر في السودان؟”، الجزيرة نت، 4/5/2023، الرابط: https://bit.ly/44LepFZ
[23] “كيف تؤثر الحرب السودانية على الاقتصاد المصري؟”، مرجع سابق.
[24] “هل يتأثر الاقتصاد المصري بالصراع الدائر في السودان؟”، مرجع سابق.
[25] “عمالة عائدة وتضخم واستثمارات مُعلقة.. كيف تؤثر الأزمة السودانية على الاقتصاد المصري؟”، مرجع سابق.
[26] ” مصر.. والأزمة السودانية”، مرجع سابق.
[27] “ما خيارات مصر للتعامل مع ملف النازحين السودانيين؟”، الشرق الأوسط صحيفة العرب الأولي، 26/4/2023، الرابط: https://bit.ly/3HZPAfs
[28] “عبور 60 ألف سوداني لمصر.. والدفع بسفينة حربية لنقل العالقين”، المنصة، 8/5/2023، الرابط: https://almanassa.com/node/11032
[29] “اشتباكات السودان: مصر تواجه معضلة في التعامل مع الصراع في البلد المجاور”، بي بي سي عربي، 23/4/2023، الرابط: https://bbc.in/42mdkmc
[30] “ما هي الخسائر المصرية في الأزمة السودانية؟”، مرجع سابق.
[31] ” بين الترحيب والرفض.. النازحون السودانيون وصداع الدولة المصرية”، نون بوست، 29/4/2023، الرابط: https://bit.ly/44LYjMd
[32] “ما تأثير الصراع بالسودان على الاقتصاد المصري؟”، عربي بوست، 4/5/2023، الرابط: https://bit.ly/3pjI9cE
[33] “عمالة عائدة وتضخم واستثمارات مُعلقة.. كيف تؤثر الأزمة السودانية على الاقتصاد المصري؟”، مرجع سابق.
[34] “ما هي الخسائر المصرية في الأزمة السودانية؟”، مرجع سابق.
[35] “هل يتأثر الاقتصاد المصري بالصراع الدائر في السودان؟”، مرجع سابق.
[36] ” لاجئو السودان في مصر بين المكسب والخسارة”، إندبندنت عربية، 7/5/2023، الرابط: https://bit.ly/41pKWyj
[37] “عمالة عائدة وتضخم واستثمارات مُعلقة.. كيف تؤثر الأزمة السودانية على الاقتصاد المصري؟”، مرجع سابق.
[38] “انعكاسات حرب السودان على المشهد المصري”، مرجع سابق.
[39] “مصر مقابل إثيوبيا وأمريكا ضد روسيا.. هل تنزلق الحرب السودانية إلى صراع دولي وإقليمي واسع؟”، عربي بوست (مترجم)، 18/4/2023، الرابط: https://bit.ly/44HjBdV
[40] “Libyan Militia and Egypt’s Military Back Opposite Sides in Sudan Conflict”, Wall Street Journal, 19 April 2023, at: https://bit.ly/427jKFg
[41] “اقتصادياً وسياسياً وإنسانياً.. كيف تواجه مصر “أزمة ثلاثية” بسبب الحرب في السودان؟”، مرجع سابق.
[42] “تحييد دور مصر وإبطال مفعوله في السودان بدأ قبل قصة “الجنود” بوقت طويل”، مصر 360، 29/4/2023، الرابط: https://bit.ly/3LPxNc2
[43] “Libyan Militia and Egypt’s Military Back Opposite Sides in Sudan Conflict”, op.cit.
[44] “”ذا غارديان”: حفتر يدعم حميدتي بالنفط والسلاح مقابل المال والذهب”، العربي الجديد، 1/5/2023، الرابط: https://bit.ly/42mn8N2
[45] “Sudan Crisis Sets Stage For Possible Egypt Intervention – Analysis”, op.cit.
[46] “”علاقة متوترة”.. هل تؤثر حرب السودان على التحالف بين حفتر والنظام المصري؟”، عربي21، 30/4/2023، الرابط: https://bit.ly/42w6mee
[47] “Libyan Militia and Egypt’s Military Back Opposite Sides in Sudan Conflict”, op.cit.
[48] “Sudan Crisis Sets Stage For Possible Egypt Intervention – Analysis”, op.cit.
[49] “”علاقة متوترة”.. هل تؤثر حرب السودان على التحالف بين حفتر والنظام المصري؟”، مرجع سابق.
[50] “خليفة حفتر والحرب السودانية”، عربي21، 29/4/2023، الرابط: https://bit.ly/3B8gY7c
[51] “Day-long ceasefire agreed in Sudan after intense international mediation”, The Telegraph, 18 April 2023, at: https://bit.ly/3VlHiEj
[52] “تفاصيل خطيرة عن “انقلاب” حميدتي.. كيف دبرت له الإمارات؟ (شاهد)”، عربي21، 19/4/2023، الرابط: https://bit.ly/3Lgwi6
[53] “السودان: لماذا تدعم الإمارات قائد مليشيا؟”، السفير العربي، 7/11/2019، الرابط: https://bit.ly/41n4PGr
[54] “السعودية والإمارات ومصر: حسابات معقدة مع تواصل القتال في السودان”، موقع أسباب، مايو 2023، الرابط: https://bit.ly/42tFUlS
[55] “الموقف المصري من النزاع السوداني .. محددات العلاقة وكوابح التدخل”، مركز المسار للدراسات الإنسانية، 28/4/2023، الرابط: https://bit.ly/3M8vXV0
[56] ” السيسي: نأمل استعادة القوات المصرية من السودان في أسرع وقت”، العربي الجديد، 18/4/2023، الرابط: https://bit.ly/3BbPxJM
[57] “هل “انحسر” دور القاهرة في السودان “المأزوم”؟”، إندبندنت عربية، 26/4/2023، الرابط: https://bit.ly/41rYfP1
[58] “مصر والأزمة في السودان.. حتمية المصالح المشتركة في مواجهة المتغيرات الإقليمية والدولية”، مصر360، 3/5/2023، الرابط: https://bit.ly/41eOEux
[59] “وزير خارجية مصر مستقبلا مبعوث البرهان: قلقون من استمرار الوضع الحالي في السودان”، سي إن إن عربية، 2/5/2023، الرابط: https://cnn.it/3BeyczX
[60] “حميدتي يبحث مع شكري تطورات الأوضاع في السودان”، الخليج الجديد، 5/5/2023، الرابط: https://bit.ly/3LUjO4J
[61] “حدود نجاح جهود الوساطة فى تسوية الصراع السوداني”، القاهرة الإخبارية، 29/4/2023، الرابط: https://bit.ly/3NZLcRM
[62] ” وزير الخارجية المصري يغادر “تشاد” متجها لـ”جنوب السودان” لتسليم رسالة من الرئيس “السيسي” لـ”سلفا كير””، القاهرة الإخبارية، 9/5/2023، الرابط: https://bit.ly/3Mfk8MX
[63] ” مصر تبحث عن دور في حل الأزمة السودانية”، العرب، 9/5/2023، الرابط: https://bit.ly/3O4a1vX
[64] “مصر والأزمة في السودان.. حتمية المصالح المشتركة في مواجهة المتغيرات الإقليمية والدولية”، مرجع سابق.
[65] “الموقف المصري من النزاع السوداني .. محددات العلاقة وكوابح التدخل”، مرجع سابق.
[66] “Sudan Crisis Sets Stage For Possible Egypt Intervention – Analysis”, op.cit.
[67] “اللاجئون السودانيون والعرب.. ومصالح مصر الاستراتيجية”، مصر 360، 2/5/2023، الرابط: https://bit.ly/44OWC0n
[68] “احترافية تعامل مصر مع ملف إجلاء رعاياها من السودان وانعكاساتها على الثقة الدولية”، المرصد المصري، 27/4/2023، الرابط: https://bit.ly/3NXiIrG
[69] “بعدٌ إنساني: الدور المصري لتهدئة الأوضاع في السودان”، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 3/5/2023، الرابط: https://bit.ly/3HZbEXS
[70] “جهود الدولة المصرية لإجلاء رعاياها من السودان”، المرصد المصري، 27/4/2023، الرابط: https://bit.ly/3MdxHLR
[71] ” بين الترحيب والرفض.. النازحون السودانيون وصداع الدولة المصرية”، مرجع سابق.
[72] ” هل يستفيد السيسي من أزمة هجرة السودانيين لحل مشكلاته الاقتصادية؟”، عربي21، 25/4/2023، الرابط: https://bit.ly/3NZaShh
[73] “بعدٌ إنساني: الدور المصري لتهدئة الأوضاع في السودان”، مرجع سابق.
[74] “ما خيارات مصر للتعامل مع ملف النازحين السودانيين؟”، مرجع سابق.
[75] ” هل يستفيد السيسي من أزمة هجرة السودانيين لحل مشكلاته الاقتصادية؟”، مرجع سابق.
[76] “ما تأثير الصراع بالسودان على الاقتصاد المصري؟”، مرجع سابق.
[77] ” لاجئو السودان في مصر بين المكسب والخسارة”، مرجع سابق.
[78] ” هل يستفيد السيسي من أزمة هجرة السودانيين لحل مشكلاته الاقتصادية؟”، مرجع سابق.
[79] ” عندما لم تتهيأ مصر للصراع في السودان”، العربي الجديد، 20/4/2023، الرابط: https://bit.ly/3HZcVxW
[80] “الحصاد المرّ للغياب المصري عن السودان”، العربي الجديد، 30/4/2023، الرابط: https://bit.ly/3BdJ1lJ
[81] “أين تقف مصر من الصراع في السودان؟”، إندبندنت عربية، 2/5/2023، الرابط: https://bit.ly/3NSFa55
[82] ” عندما لم تتهيأ مصر للصراع في السودان”، مرجع سابق.
[83] “تحييد دور مصر وإبطال مفعوله في السودان بدأ قبل قصة “الجنود” بوقت طويل”، مرجع سابق.
[84] “هل توقفت مصر عن رسم الخطوط الحمراء؟”، المنصة، 19/4/2023، الرابط: https://bit.ly/3MbJL1a
[85] “أين تقف مصر من الصراع في السودان؟”، إندبندنت عربية، 2/5/2023، الرابط: https://bit.ly/3NSFa55
[86] ” عندما لم تتهيأ مصر للصراع في السودان”، مرجع سابق.
[87] “الحصاد المرّ للغياب المصري عن السودان”، مرجع سابق.