في مسعىً جديد لوقف نزيف أسوأ صراع تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وتنعكس تداعياته على العالم؛ بادر قادة 6 دول إفريقية -هي زامبيا والسنغال وجمهورية الكونغو وأوغندا ومصر وجنوب إفريقيا- بالسفر إلى روسيا وأوكرانيا بهدف إيجاد حل للنزاع بين البلدين، في مبادرة لاقت ترحيبًا في الأوساط الإقليمية والدولية.
وأعلن رئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، المبادرة في 16 مايو، والتي يقودها الرئيس السنغالي، ماكي سال، رئيس الاتحاد الإفريقي العام الماضي.
ووافق الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي على استقبال البعثة وقادة الدول الإفريقية في موسكو وكييف. كما تم إبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة وبريطانيا بالمبادرة ورحبوا بها.
فما هي بنود المبادرة الإفريقية؟
وماذا يُميزها عن سابقاتها؟
وما هي دوافعها؟
وكيف كانت مواقف طرفي النزاع منها؟
وما هو المصير المُنتظر لها؟
تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عليها خلال هذا التقرير..
التحضير لطرح المبادرة: في 5 يونيو 2023، استضاف الرئيس سيريل رامافوزا نظرائه الذين سيشاركون في مبادرة السلام الإفريقية فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا.
وكان من بين المشاركين عثمان غزالي عن جزر القمر -الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي-، وعبد الفتاح السيسي عن مصر، وماكي سال عن السنغال، ويويري موسيفيني عن أوغندا، وهاكيندي هيشيليما عن زامبيا.
وناقشوا التأثير المدمر للحرب على شعبي أوكرانيا وروسيا وكذلك التهديدات التي تشكلها هذه الحرب على أوروبا وبقية العالم إذا استمرت. واتفقوا على أنهم سوف يتواصلون مع الرئيس بوتين والرئيس زيلينسكي بشأن عناصر وقف إطلاق النار وإحلال سلام دائم في المنطقة. وتم تكليف وزراء خارجية البلدين بوضع اللمسات الأخيرة على عناصر خارطة الطريق للسلام.[1]
وأجرى الرئيس رامافوزا في الأسابيع الأخيرة محادثات مع رئيس الاتحاد الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس زيلينسكي، والرئيس شي جين بينغ رئيس جمهورية الصين الشعبية، وزعماء دول البريكس والأمين العام للأمم المتحدة بشأن الجهود المبذولة لتسهيل السلام السلمي.
وبعدما شارك الرئيس سيريل رامافوزا في مؤتمر قمة منظمة العمل الدولية في جنيف؛ توجَّه يوم الخميس 15 يونيو 2023 إلى العاصمة البولندية وارسو -حيث تشترك بولندا في الحدود مع أوكرانيا وروسيا وتتأثر بشدة بالصراع الإقليمي- في طريقه إلى أوكرانيا والاتحاد الروسي كجزء من مشاركته في بعثة السلام الإفريقية.
وفي اليوم التالي توجَّه الرئيس رامافوزا إلى العاصمة الأوكرانية كييف لإجراء مداولات مع الرئيس فولوديمير زيلينسكي. وضمَّت البعثة قادة جنوب إفريقيا وزامبيا وجزر القمر والكونغو برازافيل ومصر والسنغال وأوغندا، كممثلين للقارة.
وغادر الوفد الإفريقي الجمعة 16 يونيو كييف إلى سان بطرسبرج- روسيا، لإجراء محادثات مع الرئيس بوتين يوم السبت، 17 يونيو.[2]
بنود المبادرة الإفريقية: ذكرت وكالة تاس الروسية أن الخطة الإفريقية لإحلال السلام تضم 10 بنود رئيسية، هي: خفض التصعيد من الجانبين، وتحقيق السلام عبر المفاوضات من خلال الطرق الدبلوماسية، وبدء مفاوضات السلام في أسرع وقت ممكن، ووقف تصعيد النزاع من كلا الجانبين، وضمان سيادة الدول والشعوب وفق ميثاق الأمم المتحدة، وتوفير ضمانات أمنية لجميع البلدان، وضمان حركة تصدير الحبوب والأسمدة من الدولتين، وتوفير الدعم الإنساني لمن وقعوا ضحايا الحرب، وتسوية موضوع تبادل أسرى الحرب، وإعادة الإعمار بعد الحرب، وتوفير تفاعل أوثق مع الدول الإفريقية.[3]
ومن المُرجَّح –نقلًا عن رويترز- أن تتضمَّن المبادرة مجموعة من “الإجراءات لبناء الثقة”، وتشمل: سحب القوات الروسية والأسلحة النووية التكتيكية من بيلاروسيا، وتعليق مذكرة الاعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتخفيف العقوبات المفروضة من جانب الغرب على روسيا، وتهيئة الأجواء بما يسمح للطرفين ببناء استراتيجياتهما لاستعادة السلام.[4]
ما يُميِّز المبادرة الإفريقية عن غيرها من مبادرات: المبادرة هي الأولى التي تخرج من إفريقيا، وهي الأكثر سهولة في تمريرها من المبادرة الصينية مثلًا، حيث يُشكِّك الطرف الغربي في نوايا بكين التي طرحت مبادرة سلام من 12 نقطة (أبرزها: احترام سيادة الدول، وعدم سعي أي دولة لتحقيق الأمن على حساب الأخرى)، لكنه في المُقابل يريد كسب الساحة الإفريقية.
كما اقترح الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا قبل أسابيع تشكيل مجموعة اتصال من دول غير ضالعة في الحرب، للوساطة من أجل إحلال السلام، إلا أن المقترح لم يمضِ قُدُمًا.
ونجحت وساطة سعودية إماراتية نهاية العام الماضي في الإفراج عن أميركية محتجزة في موسكو، مُقابل إطلاق سراح سجين روسي في الولايات المتحدة.
وعرض الفاتيكان في مارس 2022 المساعدة في أي نوع من الوساطة، و”فعل كل ما هو ممكن” بهدف التوصل إلى وقف إطلاق النار في أوكرانيا.
وحاولت تركيا في نفس الشهر دفع عملية التفاوض، واستضافة وفدين روسي وأوكراني في إسطنبول، لكن المناقشات الأولية لم تسفر عن تقدم في محاولات الحل.
وشهدت بيلاروسيا لقاءات بين ممثلين روس وأوكرانيين في الأيام الأولى للصراع، إلا أنها لم تُقدِّم حلًا يُذكر.[5]
ولعل ما يُميز المبادرة الإفريقية عن كل تلك المبادرات هو كونها خرجت من الدول الإفريقية التي تُعد الآن كتلة مؤثرة، وقبول الجانبين المبدئي للمبادرة الإفريقية يعكس رغبة كلٍّ منهما في كسب الساحة الإفريقية، خاصةً أن القارة تُمثِّل مؤخرًا ساحة للاستقطاب الدولي، والعلاقات الممتدة والمتوازنة للعديد من الدول الإفريقية مع الجانبين؛ تُمكِّنها من لعب دور مهم في إطار محاولات حل الأزمة.
ردود الفعل الروسية والأوكرانية على المبادرة: جاء رد الفعل من الجانب الروسي؛ بأن قدَّم الرئيس الروسي للقادة الأفارقة قائمة بالأسباب التي تجعله يعتقد أن معظم مقترحاتهم لا تستند لأسس سليمة، وأكَّد بوتين موقفه بأن من بدأ الصراع هو كييف والغرب، قبل وقتٍ طويل من إرسال روسيا قواتها المسلحة عبر الحدود إلى أوكرانيا في فبراير من العام الماضي.
وقال إن الغرب، وليس روسيا، هو المسؤول عن الارتفاع الحاد في أسعار الغذاء العالمية أوائل العام الماضي، وكانت الدول الإفريقية أكبر المتضررين منه.
ومن جانبه، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف -في تصريحات أذاعها التلفزيون- إن بلاده تتفق مع “المنهجيات الرئيسية” للخطة الإفريقية، في حين نقلت وكالات أنباء روسية عن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قوله “من الصعب تحقيقها”.
وقال بيسكوف إن الرئيس أبدى اهتمامًا بالخطة التي عرض رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا نقاطها العشر، وإن روسيا ستواصل الحوار مع الدول الإفريقية. وأوضح أن الرئيس أكد انفتاحه على “حوار بناء مع الراغبين في سلام يستند إلى مبادئ العدالة، مع أخذ المصالح المشروعة للأطراف بالاعتبار”.
ومن الجانب الأوكراني؛ كان زيلينسكي قد قال -بعد لقائه القادة الأفارقة في كييف الجمعة- إن محادثات السلام مع موسكو لن تكون ممكنة إلا بعد أن تسحب قواتها من الأراضي الأوكرانية المحتلة.[6]
وكان الوفد الإفريقي اقترح وساطة سلام في النزاع، مشددًا من كييف على ضرورة “وقف التصعيد من الجانبين”، إلا أن الرئيس الأوكراني رفض ذلك منددًا بـ “عملية غش” من جانب روسيا في خضم هجوم مضاد تشنه القوات الأوكرانية. وقال زيلينسكي خلال مؤتمر صحفي مع القادة الأفارقة المشاركين في الوفد: “من الواضح أن روسيا تحاول مجددًا استخدام تكتيكها القديم القائم على الغش، لكنها لن تنجح بعد اليوم في الاحتيال على العالم. لن نمنحها فرصة ثانية”.
وأضاف: “قلت بوضوح، خلال لقائنا الوفد الإفريقي، إن السماح بأي تفاوض مع روسيا الآن، فيما المحتل لا يزال على أرضنا، يعني تجميد الحرب وتجميد الألم والمعاناة”.[7]
الدوافع الإفريقية لإطلاق المبادرة: تقف حزمة من الدوافع وراء إطلاق الدول الست الإفريقية لتلك المبادرة الإفريقية لحل وتسوية الأزمة الأوكرانية؛ أولها: تخفيف الضغوط الغربية والأوروبية على دول القارة للانحياز في صفها ضد موسكو: فمنذ اندلاع الحرب الأوكرانية، وتخضع دول القارة، لاسيما جنوب إفريقيا[8] إلى ضغوط أوروبية وأمريكية من أجل دفع دول القارة للانحياز إلى جانب واشنطن وأوروبا، وقطع علاقتها مع موسكو وبالتالي إتمام خطة واشنطن وأوروبا لعزل موسكو عن مختلف مناطق العالم، خاصةً بعدما تحولت القارة الإفريقية لأحد ساحات التنافس الروسي الأمريكي الغربي.
وثانيها: تفاقُم أزمة الطاقة وضعف تدابير الدعم الإفريقي: بحلول منتصف عام 2022، ارتفعت أسعار الطاقة العالمية إلى أعلى مستوى لها منذ ثلاثة عقود، وارتفعت تكاليف الغاز الطبيعي إلى أكثر من 300 يورو لكل ميجاواط/ ساعة. وعلى العكس من الحكومات الأوروبية التي تمكَّنت من إطلاق سياسات حماية لمواطنيها للتحفيف من تداعيات صدمات الأسعار، لم يكن لدى الحكومات الإفريقية الحيز المالي لحماية المستهلكين بمثل هذه التدابير الواسعة النطاق والتي تشتد الحاجة إليها لمواجهة ارتفاع أسعار الطاقة، بالإضافة إلى ضغوط التقلبات في أسعار الصرف، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وارتفاع معدل التضخم إلى 40% في البلدان الإفريقية. كل هذا بالإضافة إلى تراكم الديون على دول القارة، مما يجعلها غير قادرة على تنفيذ تدابير حماية تجاه مواطنيها.[9]
وثالثها: تفاقم أزمة الغذاء في إفريقيا: أدَّت الحرب الروسية الأوكرانية إلى توقُّف كل من الصادرات الروسية بفعل الحصار الغربي، والصادرات الأوكرانية بفعل الحصار الروسي، وعدم قدرة أوكرانيا على تصدير الحبوب من موانئها.
مما أدَّى إلى نقص نحو 30 مليون طن من الغذاء في إفريقيا، كذلك زيادة الأسعار بنسبة 40% بأسعار الغذاء في القارة، هذا بجانب نقص شديد في إمدادات الغذاء إلى دول القارة وانخفاض المساحة المحصولية بنسبة 25%، وانخفاض حجم الإنتاج بنسبة 37%، مما فاقم أزمة الغذاء في عدة دول، ووضع بعضها على حافة المجاعة.
إضافةً لذلك، نقصت القدرة التصديرية عن العام السابق على الحرب، وارتفعت تكاليف سداد قيمة المواد الغذائية نتيجة لارتفاع أسعار الحبوب والأرز والقمح.[10]
دلالات ورسائل المبادرة الإفريقية: تحمل المبادرة الإفريقية لحل الأزمة الأوكرانية من قبل 6 دول إفريقية تقودها جنوب إفريقيا، العديد من الدلالات؛ أولها: إن المبادرة تُعدّ هي الأولى التي تخرج من قلب القارة للوساطة في أبرز وأهم الأزمات التي تشهدها الساحة الدولية (الأزمة الأوكرانية)، مما يكشف عن تحوُّل القارة إلى كتلة مؤثرة وذات ثِقَل على مستوى شراكاتها مع أطراف العالم المختلفة بقواه المتعددة والمتنافسة، خاصةً عقب اندلاع الحرب الأوكرانية، واتجاه الدول الأوروبية إلى دول القارة إما كمصدر بديل للطاقة الروسية، أو لكتلتها التصويتية الضخمة ذات الوزن في المحافل الدولية، مما يُعيد إلى الأذهان حادثة امتناع 17 دولة إفريقية عن التصويت في الأمم المتحدة في مارس 2022 على مشروع قرار بإدانة العملية العسكرية الروسية الخاصة، بينما صوتت واحدة فقط ضده هي إريتريا.
وثانيها؛ قبول طرفي الأزمة الأوكرانية للمبادرة الإفريقية يعكس رغبة كلٍّ منهما في كسب الساحة الإفريقية، باعتبارها إحدى ساحات الاستقطاب الدولي، بينما تسعى دول القارة إلى تحييد موقفها من الأزمة الأوكرانية؛ حيث إن العديد من دول القارة (بما فيها مصر) تحرص على الحفاظ على علاقات متوازنة وممتدة مع طرفي الاستقطاب الدولي موسكو وواشنطن، مما يُؤهِّلها للعب دور مهم لحل الأزمة على العكس من المبادرة الصينية المشكوك في جدية نوايا بكين من قِبل واشنطن والغرب، لمتانة علاقاتها مع موسكو، لاسيما عقب الحرب الأوكرانية.
وتبعث المبادرة برسالة إلى واشنطن والغرب، مفاداها أن علاقات الدول الإفريقية مع موسكو، بل وعلاقة موسكو بأيّ من دول القارة، لا يعني اصطفافها إلى جانب موسكو في الحرب الأوكرانية، وبالتالي معاداتها لأوكرانيا وحلفائها في أوروبا وواشنطن.[11]
قراءة في مصير المبادرة الإفريقية: لا شك أن هناك عدة عوامل تُقوِّى من موقف المبادرة الإفريقية سواء أمام الجانب الروسي أو الأوكراني، وهي -وفقًا لباحثين روس-: أن الدول الإفريقية منذ بداية الأزمة اتخذت موقفًا محايدًا، وإفريقيا بدأت في الاستقلال بشكل فعلى عن الهيمنة الغربية والأميركية، واختلافها عن المبادرة الصينية التي تحفظ عليها الجانب الغربي نظرًا للتقارب الروسي الصيني.
وهناك اختلاف آخر بين المبادرة الإفريقية الحالية والمبادرة الصينية السابقة من حيث المفهوم، فبكين كانت تسعى لحل واسع وشامل للأزمة وهذا صعب التنفيذ في ظل الصراع المحتدم حاليًا، ولكن المبادرة الإفريقية تسعى إلى وقف مبدئي للنار والجلوس للتفاوض.
والدول الإفريقية من أكثر الدول التي عانت بسبب الصراع الحالي، وبالتالي اهتمام تلك الدول هو وقف صوت النار والجلوس للتفاوض لتلاشي أزمة اقتصادية تلوح في الآفق فعليًا بسبب طول أمد النزاع.[12]
ووفقًا لبعض الباحثين الأوكران؛ فإن المبادرة تُعد الأكثر قبولًا وتوازنًا في ظل المبادرات التي طُرحت سواء من الصين أو البرازيل أو أندونيسيا أو غيرها من محاولات التوصُّل لتفاوض.[13]
إلا أنه من الواضح أن مصير هذه المبادرة لن يختلف عن سابقتها الصينية -في حال صحَّت النقاط المسربة حول إجراءات بناء الثقة-، فالجانب الأوكراني يرفض التفاوض مع روسيا قبل سحب جميع قواتها من الأراضي الأوكرانية حتى حدود عام 1991، ما يعني انسحاب روسيا من شبه جزيرة القرم، التي استولت عليها في عام 2014، إضافةً إلى المناطق الأربع التي ضمتها موسكو خريف العام الماضي، وهي دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون.
ودعا الأفارقة لدعم خطة السلام الأوكرانية، والتي يعتبرها بمثابة شروط ومُحدِّدات أوكرانيا للتفاوض وتضم عشرة بنود؛ هي: السلامة النووية بابتعاد الآلة العسكرية الروسية عن محطة زابوريجيا للطاقة النووية، والأمن الغذائي بحماية وضمان صادرات الحبوب الأوكرانية، وأمن الطاقة بفرض قيود على موارد الطاقة الروسية، والإفراج عن المعتقلين دون استثناء، وعودة جميع الأراضي الأوكرانية بما يشمل شبه جزيرة القرم وكامل إقليم دونباس، ووقف الأعمال العدائية بانسحاب روسيا واستعادة السيطرة على كامل الحدود الأوكرانية، ومحاكمة مجرمي الحرب الروسية، وحماية البيئة بالتركيز على إزالة الألغام واستعادة مرافق المياه، ومنع تصعيد الصراع لمنع تجدد الحرب من خلال هيكل أمني أوروبي أطلسي يقدم ضمانات لأوكرانيا، وتأكيد انتهاء الحرب بتوقيع وثيقة حول هذا الشأن من قِبل الأطراف المعنية.
وفي المُقابل، فإن روسيا التي تقول إنها منفتحة على أي جهود لإيجاد تسوية تنطلق من أنها لا يُمكن أن تنسحب من القرم أو المناطق التي ضمتها.
كما أنها ما زالت مُصرّة على تحقيق أهداف عمليتها العسكرية، وأهمها نزع أسلحة أوكرانيا، وإنهاء ما تُسميه بـ “النازية الجديدة”، والحصول على ضمانات حول عدم ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي.
وحسب تصريحات المسؤولين الأفارقة فإن المبادرة تخلط بين مبدأي احترام سيادة الدول والشعوب وفق ميثاق الأمم المتحدة، فالقسم الأول المُتعلِّق باحترام سيادة الدول يفرض على روسيا الانسحاب من الأراضي الأوكرانية المحتلة ومن ضمنها القرم، بينما بنت روسيا ضمّها للقرم والمناطق الأربع بحرية الشعوب في اختيار مصيرها. [14]
الخُلاصة؛ يُعد اتساع حلقات المبادرات لتشمل أكبر عدد ممكن من الدول من قارات مختلف خطوة هامة في طريق تحقيق السلام، لكن تقبُّل روسيا وأوكرانيا لمحاولات حل الأزمة يبقي الشرط الأهم لنجاح مثل هذه المبادرات. والمبادرة الإفريقية تحمل بعض التفاؤل لكنها لم تكن المبادرة الدولية الأولى في هذه الصدد، وتجمَّدت المقترحات السابقة بسبب الإرادة الضعيفة وعدم تحولها لمفاوضات واقعية يقبل بها الطرفان.
فعلى الرغم مما تتمتَّع به دول القارة من ثِقَل ومكانة في الساحة الدولية في ضوء شراكاتها المتعددة الأطراف مع مختلف دول العالم، لا سيما عقب اندلاع الحرب الأوكرانية وتحول إفريقيا لإحدى ساحات التنافس الروسي الأمريكي؛ إلا أن هناك العديد من المؤشرات الدالة على أنه من المحتمل ألا تُحقِّق المبادرة أهدافها؛ أبرزها مستجدات الوضع الميداني للحرب في أوكرانيا، وما صدر من تصريحات مِن قِبَل طرفي النزاع أو أحدهما بعدم وجود مجال في الوقت الراهن لتجميد النزاع والبدء في مفاوضات، وأن كلًّا منهما يسعى لتحقيق أهدافه من هذا النزاع. فقد أعلنت أوكرانيا أن القوات الروسية يجب أن تنسحب من أراضيها قبل بدء أي محادثات، بينما تريد موسكو أن تعترف كييف بالسيادة الروسية على شبه جزيرة القرم، التي ضمّتها من أوكرانيا في 2014، كشرط مُسبق للمفاوضات.
وتُعوِّل إفريقيا على تحقيق أمال التوصل لمفاوضات من تلك المبادرة، حيث واجهت القارة السمراء أضرارًا مُتعددة نتيجة ارتفاع أسعار الحبوب والطاقة، إذ تُعد من أكبر مستوردي الحبوب من البلدين المتصارعين.
وربما يرجع هذا التعويل على نجاح المبادرة من دول القارة لكونه من المُستبعد أن ترفض موسكو المبادرة الإفريقية بشكل مباشر؛ لعدة أسباب، أهمها: رغبتها في إنجاح منتدى روسيا- إفريقيا الثاني المُقرَّر عقده في سانت بطرسبرغ نهاية الشهر المقبل، ومراهنة روسيا على حجم الأصوات الإفريقية المقدر بنحو 54 صوتًا في الأمم المتحدة لدعمها ضد أي قرارات قد تصدر بحقها، وأخيرًا تقوية العلاقات السياسية والاقتصادية لتعويض فقدان الأسواق الغربية، والتأكيد أن روسيا ليست معزولة عالميًا. هذا بجانب تعبير الولايات المتحدة وبريطانيا عن دعمهما الحذر للخطة وكذلك الأمم المتحدة -وفقًا لما أعلنه رامافوزا-.
[1] “President Cyril Ramaphosa hosts African Peace Initiative counterparts”, South African Government, 6/6/2023. At: https://cutt.us/HGfx4
[2] “President Ramaphosa to participate in African Peace Initiative Mission to Ukraine and the Russian Federation”, African Business, 15/6/2023. At: https://2u.pw/kFq5fXR
[3] “بعد رد زيلينسكي.. بوتين يعلق على مبادرة سلام إفريقية تتكون من 10 مقترحات”، الجزيرة نت، 18/6/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/wXcDv
[4] داليا كامل، “”رويترز” تكشف عن تفاصيل مبادرة السلام الإفريقية بشأن أوكرانيا”، بوابة دار المعارف الإخبارية، 15/6/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/tzvvz
[5] “خطة إفريقيا للسلام في أوكرانيا.. كيف تختلف عن سابقاتها؟”، عربية Sky News، 16/5/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/gJa4w
[6] “بعد رد زيلينسكي.. بوتين يعلق على مبادرة سلام إفريقية تتكون من 10 مقترحات”، مرجع سبق ذكره.
[7] “بعد رفض أوكرانيا.. مبادرة السلام الإفريقية تصطدم بتشكيك روسي”، الشرق، 18/6/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/MB0pO
[8] جاء إعلان رئيس جنوب إفريقيا رامافوزا للمبادرة غداة تصريحه بأن جنوب إفريقيا تتعرض لـ “ضغوط ضخمة” للانحياز في النزاع الأوكراني. وكان المبعوث الأمريكي إلى بريتوريا قد قال إن الولايات المتحدة تعتقد أن أسلحة وذخائر قد تم تحميلها على متن سفينة شحن روسية رست في قاعدة بحرية في كيب تاون في ديسمبر. لكن جنوب إفريقيا رفضت هذا الادعاء. وفقًا لبيان صحفي صادر عن إدارة العلاقات الدولية والتعاون، حيث أعلنت بريتوريا احتجاجها الرسمي مع السفير الأمريكي، روبن بريجيتي، معربة عن “استياء حكومة جنوب إفريقيا المطلق من سلوكه وتصريحاته.” وكان رامافوزا قال إن جنوب إفريقيا لن تنجر إلى “صراع بين القوى العالمية” على الرغم من أنها واجهت “ضغوطا غير عادية” للقيام بذلك. وقال رامافوزا في رسالة إخبارية أسبوعية رئاسية “نحن لا نقبل أن موقفنا غير المنحاز يفضل روسيا على الدول الأخرى. ولا نقبل أنه ينبغي أن يعرض علاقاتنا مع الدول الأخرى للخطر”. ورفضت جنوب إفريقيا إدانة الصراع في أوكرانيا، الذي عزل موسكو إلى حد كبير على المسرح الدولي، قائلة إنها تريد البقاء على الحياد.
“African nations launch peace initiative to end war in Ukraine”, RFI, 17/5/22023. At: https://cutt.us/T7H7C
[9] بسمة سعد، “المبادرة الإفريقية لتسوية الأزمة الأوكرانية.. الدلالات والدوافع”، قراءات إفريقية، 5/6/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/vmIhN
[10] مروة الوجيه، “”مبادرة السلام الإفريقية”.. شعاع أمل لحل الأزمة الأوكرانية”، القاهرة الإخبارية، 23/5/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/lw9nn
[11] بسمة سعد، مرجع سبق ذكره.
[12] “إفريقيا تبدأ في مبادرة السلام بين روسيا وأوكرانيا”، عربية Sky News اقتصاد، 16/6/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/U958s
[13] “إفريقيا تبدأ في مبادرة السلام بين روسيا وأوكرانيا”، مرجع سبق ذكره.
[14] سامر إلياس، “مبادرات التسوية بين روسيا وأوكرانيا”، العربي الجديد، 18/6/2023. متاح على الرابط: https://cutt.us/MzG3I