خيارات مصر القادمة بعد انتهاء الملء الرابع لسد النهضة وفشل جولتي المفاوضات بالقاهرة وأديس أبابا

خيارات مصر القادمة بعد انتهاء الملء الرابع لسد النهضة وفشل جولتي المفاوضات بالقاهرة وأديس أبابا

انتهت الجولة الثانية من المفاوضات الجديدة حول سد النهضة بين مصر وإثيوبيا والسودان، والتي عقدت في أديس أبابا يومي 23 و 24 سبتمبر الماضي، دون تقدم.. وانتهى مساء الأحد 24 سبتمبر، الاجتماع الوزاري الثلاثي بشأن أزمة السد، بمشاركة وفود التفاوض من مصر والسودان وإثيوبيا، وبدا واضحا حجم الخلافات والتباعد بين الأطراف في جولة اديس أبابا،

وأكدت وزارة الري المصرية، أن الجولة التفاوضية المنتهية لم تسفر عن تحقيق تقدم يُذكر، حيث شهدت توجهاً إثيوبيًا للتراجع عن عدد من التوافقات التي سبق التوصل إليها بين الدول الثلاث في إطار العملية التفاوضية، مع الاستمرار في رفض الأخذ بأي من الحلول الوسط المطروحة وكذا الترتيبات الفنية المتفق عليها دوليا، وفق البيان الحكومي المصري الصادر عن وزارة الري.

أسباب فشل المفاوضات باثيوبيا:

ويرجع سبب الفشل في التوصل لنتائج، إلى قصر المدة المحددة بـ4 أشهر فقط، والتي سبق أن أعلنها أبي احمد خلال زيارته القاهرة، في 13 يوليو الماضي..

حيث التقى السيسي، مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، واتفقا على بدء مفاوضات عاجلة للانتهاء من الاتفاق حول ملء سد النهضة وقواعد تشغيله خلال 4 شهور، مع تعهد إثيوبيا بعدم إلحاق ضرر بمصر والسودان أثناء ملء السد خلال العام الهيدرولوجي 2023/2024، وفقًا لبيان للرئاسة المصرية، آنذاك.

وجرت الجولة الأولى من المفاوضات في القاهرة خلال يومي 27 و28 أغسطس الماضي، وعلّقت مصر، بأنها لم تشهد تغيرات ملموسة في مواقف الجانب الإثيوبي، مؤكدة استمرار المساعي للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة.

ودفع تعنت أديس أبابا خلال الجولتين الأولى والثانية من المفاوضات الجديدة، وعدم إبدائها أية مرونة إزاء التوصل لحل مرضي، في حيبة أمل لدى القاهرة والحرطوم..

وبجانب التعنت الاثيوبي، ساهم ضعف التحضيرات الجيدة قبل إطلاق هذه الجولات لضمان تحقيق تقدمًا نسبيًا في المفاوضات، في افشال المفاوضات..

إذ كان يستوجب مشاركة أطراف دولية كمراقبين فاعلين، مثلما حدث من قبل، كمشاركة سابقة للاتحادين الإفريقي والأوروبي والبنك الدولي في المفاوضات ولكن دون تأثير فعال، ولكن غياب تلك الأطراف هذه المرة أثر سلبًا على التوصل لحل.

وهو ما راكم الفشل المصري السوداني، وجعل الجولتين الأخيرتين تنضما إلى حلقات كثيرة سابقة، وسط تشدد ومماطلة إثيوبيين بشأن المطالب المصرية الخاصة بالتوصل إلى اتفاق قانوني تلتزم بموجبه أديس أبابا بتنظيم عملية الملء والتشغيل بالتنسيق مع الخرطوم والقاهرة.

وبرز الخلاف الرئيسي المعرقل للتوصل لاتفاق، في الاختلاف في أجندة كل طرف في المفاوضات. فأديس أبابا تتمسك بتحديد حصة لها في مياه النيل، ما يؤدي إلى تقليل حصة مصر والسودان بشكل مباشر..

كما أن الأجندة الإثيوبية -وفق تقديرات استراتيجية- لا ترتبط بتوليد الكهرباء من سد النهضة، بل تريد إقحام تقاسم المياه في أجندة المفاوضات، رغم أن هذا الملف غير موجود في اتفاق المبادئ 2015.

وقد شدّد الوفد الإثيوبي على أن بلاده ترفض التوقيع على أي وثائق أو بنود ملزمة… ورفضت أديس أبابا مجموعة من الطروحات التي سبق وتمّ تناولها في أبو ظبي بين الوفود الفنية من الدول الثلاث..

وأيضا رفض الوفد الإثيوبي القبول بحلّ وسط طرحته القاهرة بشأن إمكانية التوقيع على وثيقة تمهيدية، تضمنت تنازلاً مصرياً، بأن تلتزم بالحد الأدنى من الحصة المصرية المنصرفة من السد.

على أن تكون تلك الوثيقة بمثابة مرحلة من أجل التفاوض يتم لاحقاً استكمال تفاصيلها فيما يخص حجم الحد الأدنى الذي تلتزم به إثيوبيا تجاه مصر. لكن الوفد الإثيوبي رفض هذا الطرح أيضا، متعلللا بأن بلاده “ترفض في الأساس التوقيع على أي وثائق أو بنود ملزمة”.

كما رفضت إثيوبيا التعهد بأية التزامات متعلقة بمراحل الملء المقبلة، والتي من المقدر أن يتم خلالها تخزين قرابة الـ33 مليار متر مكعب من المياه..

وبعيدا عن أية ترتيبات دولية ملزمة، أكد الوفد الإثيوبي خلال الاجتماعات الأخيرة، أن هناك لجاناً فنية إثيوبية هي من تقدر حجم المياه التي سيتم تخزينها خلال كل مرحلة من مراحل الملء من منطلق ما يتوفر لديها من معلومات خاصة بحجم الإنشاءات، وحجم المياه خلال موسم الفيضان، وهو الأمر الذي يخالف كافة المواثيق الدولية، الحافظة لحقوق دول المصب في الأنهار الدولية..

ثانيا: مؤشرات كاشفة:

وتضمنت جولة المفاوضات العديد من المؤشرات الكاشفة لحقيقة الأوضاع على الأرض وتسيير اثيوبيا المفاوضات لصالحها، على حساب دولتي المصب.. ومن تلك المؤشرات:

  • استخفاف اثيوبي بالجانب المصري:

وحسبما ما رشح من تفاصيل، فأن الوفد الإثيوبي عرض خلال الاجتماعات، الوفاء بالتعهد الذي قدمه رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد خلال لقائه عبد الفتاح السيسي، يوليو الماضي، بالتوصل لاتفاق خلال مدة أربعة أشهر، وذلك عبر إعلان التوصل لإطار عمل بين الدول الثلاث من دون أن يكون في صيغة اتفاق ملزم..

واقترح المسؤولون في أديس أبابا، أن يتضمن الاتفاق، مجموعة من القواعد العامة التي تغطي الملاحظات المصرية، من دون التزامات تمسّ السيادة الإثيوبية -حسب الأطراف الاثيوبية.

  • طلب اثيوبي لمحاصصة مياة النيل:

ولعله من المثير للاستغراب، أنه وعلى الرغم من عدم تحقيق أي مطالب مصرية، تشطاط أثيوبية في مطالبها، بمحاصصة غير مسبوقة لمياة النيل، حيث شهدت جولة المفاوضات الأخيرة، مطالبات اثيوبية بحقها في حصة من مياه النيل.. وفي سبيل ذذلك، ترفع اثيوبيا عناوين براقة، تدور حول تتقنين قواعد الاستخدام المنصف والمعقول للمياه وتضمن حصة عادلة لها..

وفي مارس الماضي، وخلال مفاوضات فنية استضافتها الامارات، تمسكت اثيوبيا بالمحاصصة، رافضة الانتقال بالمفاوضات الفنية إلى المستوى السياسي، من دون اعتراف مصر والسودان، بشرط تقاسم حصص المياه قبل الشروع في أية مفاوضات سياسية بشأن السد..

وهو الأمر الذي تتفق الخرطوم والقاهرة على رفضه..

ولكن كان لافتا قبول بعض الوسطاء العرب، لفكرة المحاصصة، التي قد تمكن اثيوبيا لاحقا من خصم حصص من مصر والسودان، وبيعها لأطراف اقليمية، كاسرائيل او اي دول اخرى عبر مصر، او لمصر نفسها.. وترفض القاهرة التصورات الإثيوبية الرامية للحصول على حصة من مياه النهر تصل إلى نحو 20 مليار متر مكعب من المياه..

وخلال سلسلة المفاوضات السابقة، التي شارك فيها مراقبون من الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي والإمارات، قدم المسئولون المصريون دلائل عديدة على سلامة الموقف المصري، وعدم صحة الدفوع الإثيوبية بشأن استحواذ مصر على مياه النيل.. إذ أن حوض نهر النيل يسري به 3.4 تريليونات متر مكعب من المياه، وتبلغ حصة إثيوبيا وحدها من تلك المياه 150 مليار متر مكعب، في حين يحصل السودان على 18.5 مليار متر مكعب، ومصر على 55.5 مليار متر مكعب..

  • تراجع اثيوبي عن الاتفاقات السابقة:

كما أن الجولة التفاوضية، باثيوبيا، شهدت توجهاً إثيوبياً للتراجع عن عدد من التوافقات التي سبق التوصل إليها بين الدول الثلاث في إطار العملية التفاوضية، مع الاستمرار في رفض الأخذ بأي من الحلول الوسط المطروحة، والترتيبات الفنية المتفق عليها دولياً..

وذكر المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والري المصرية أن “الجولة التفاوضية المنتهية لم تسفر عن تحقيق تقدم يُذكر”، وقال إنها “شهدت توجهاً إثيوبياً للتراجع عن عدد من التوافقات التي سبق التوصل إليها بين الدول الثلاث في إطار العملية التفاوضية، مع الاستمرار في رفض الأخذ بأي من الحلول الوسط المطروحة وكذا الترتيبات الفنية المتفق عليها دولياً، والتي من شأنها تلبية المصالح الإثيوبية اتصالاً بسد النهضة من دون الافتئات على حقوق ومصالح دولتي المصب”.

وأضاف المتحدث باسم وزارة الري المصرية أن “الوفد التفاوضي المصري يستمر في التفاوض بجدية بناء على محددات واضحة؛ تتمثل في الوصول لاتفاق ملزم قانوناً على قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، على النحو الذي يحفظ مصالح مصر الوطنية ويحمي أمنها المائي واستخداماتها المائية، ويحقق في الوقت ذاته مصالح الدول الثلاث بما في ذلك المصالح الإثيوبية المعلنة”.

ومع استمرار التعنت الاثيوبي، وتضرر مصر الشديد من حجز اثويبيا لكميات المياه، إلا أن اثيوبيا، تتفاقم الأوضاع المائية المصرية، بجانب انسداد أفق الحوار والتفاوضض بين القاهرة واديس ابابا..

  • خلاف على تفسير اتفاق المبادئ الموقع في 2015:

وكانت الجولة قد عُقدت وسط خلافات كبيرة في الرؤى بين مصر وإثيوبيا بشأن تفسير نصوص اتفاق المبادئ الموقع عام 2015 في العاصمة السودانية الخرطوم من جانب زعماء الدول الثلاث، وذلك في ظل تمسك أديس أبابا بحصة رسمية على غرار القاهرة والخرطوم من مياه النهر تحت مسمى “الاستخدام المنصف”.

ووفق تقديرات استراتيجية، فإن الموقف الإثيوبي المتعنّت، يظهر غياب حسن النوايا، وهو ما دفع مصر للتشدد في موقفها بالتمسك باتفاق قانوني ملزم، وذلك انطلاقا من تقديرات مستقبلية، أخرى، لا تتوقف عند سد النهضة، فالهدف ليس سد النهضة في حد ذاته، كون السد بات بالفعل أمراً واقعاً، وأن المناورة بشأن أزمته تكاد تكون محدودة.. فيما تسعى القاهرة لوضع مبدأ عام، حتى لا يكون تجاوز الأعراف والمواثيق الدولية أمراً معتاداً..

فيما تتزايد المخاوف لدى مصر من خطط إثيوبيا لبناء سدود جديدة، وهو ما يعني أنه إذا مرّ الموقف الإثيوبي الحالي بشكل سهل، ومن دون إقرار اتفاق قانوني ملزم لكافة الأطراف، فستكون الأمور مسألة وقت لاندلاع أزمة جديدة مع أول سد جديد تشرع أديس أبابا في بنائه…

وتبقى المشكلة الحقيقية في صيغة اتفاق المبادئ في مارس 2015، أنه لا مرجعية لقياس كميّة الضرر حيث تم الاتفاق في إعلان المبادئ على قاعدة عدم الإضرار، من دون وضع تعريف محدّد لهذا الضرر..

المؤكّد أن أديس بابا تتحرّك مستندة إلى التوقيع الرسمي المصري في 2015 والذي منحها الحجية القانونية في كل ما تقوم به من إجراءات، في ضوء القانون الدولي، ومن ثم هي تعلم أن الطرف الآخر لم يعد يملك سوى مناشدتها واستجدائها لمنحه حصّة أكبر مما يستحقّ بموجب الاتفاق، والحال كذلك، أقصى ما يمكن أن يتوقعه أحد من الحكومة الإثيوبية هو مزيد من العبارات اللطيفة والتطمينات التي لا تقدّم ولا تؤخّر..

  • توظيف اثيوبيا السد لأغراض سياسية بالداخل:

ولعل ما يزيد من صعوبة الأزمة هو الأوضاع الداخلية في إثيوبيا وتوظيف ملف السد في الخطاب الحكومي الداخلي في ظل الأزمات التي تواجهها الحكومة هناك، فيما لا يوجد في جعبة القاهرة حتى الآن سوى بعض الوعود من دولة الإمارات التي ترعى جولة المفاوضات الحالية، من دون أن تكون هناك ضمانات حقيقية بشأن التزام إثيوبي…

فيما يضيق هامش الحركة المصرية مع انتهاء كل عملية ملء جديدة، خصوصاً أن السد بات يحتجز خلفه حالياً نحو 42 مليار متر مكعب من المياه، وهو ما يعني أن ما يجرى التفاوض حوله ليس كثيراً..

ثالثا: تحديات ضاغطة على مصر:

ومع فشل جولي المفاوضات الجديدة، وتوقع فشل الجولة الجديدة، التي ستجري بالقاهرة ، خلال  شهر أكتوبر الجاري، تتفاقم التحديات أمام الجانب المصري، فيما الجانب السوداني مشغول بصورة أساسية بملف الحرب الدائرة ، منذ إبريل الماضي…

ولعل أبرز ما تواجهه مصر من تحديات:

  • مخطط اثيوبي لبيع المياة:

وتكمن خطورة المخطط الاثيوبي، في الحصول على حصص من مياة النيل، تتمكن من بيعها، وفق مخططات دولية لتسليع المياة، أعلن عنها سابق البنك الدولي، في دراساته للارتقاء بالمجتمعات الفقيرة..

وتستهدف اثيوبيا من طرح فكرة المحاصصة، التمكن من بيع تلك الحصة لاحقا، لمن يدفع اموالا لها، سواء من دول حوض النيل أو من خارج حوض النيل، ويبرز في المقدمة إسرائيل، بينما قد تضطر مصر لهذا الخيار، في حال انسداد أفق التفاوض، وعدم قدرة مصر على التأثير على اثيوبيا بأية وسيلة أخرى… وعندها ستقارن مصر بين تحلية المياة وبين شرائها من اثيوبيا..

  • انتهاء اثيوبيا من الملء الرابع للسد:

وقد أعلن رئيس الوزراء الاثيوبي نبأ النجاح في ملء المرحلة الرابعة من سد النهضة، رغم التحديات الداخلية والخارجية، وهو ما عده آبي أحمد انتصار لبلاده، وفور الإعلان عن الملء الرابع لسد النهضة، نددت مصر بالتصرف “الأحادي” لأديس أبابا، مؤكدة أن هذا الإجراء يشكل “مخالفة قانونية”.

وقالت الخارجية المصرية في بيان إن “اتخاذ أثيوبيا لمثل تلك الإجراءات الأحادية يُعد تجاهلا لمصالح وحقوق دولتي المصب وأمنهما المائي الذي تكفله قواعد القانون الدولي”، في إشارة إلى مصر والسودان.

وتخشى مصر والسودان أن يؤدي ذلك إلى تقليل إمدادات المياه لديهما، وتعتبر مصر هذا السد الكبير تهديداً وجودياً لأنها تعتمد على نهر النيل في 97 % من احتياجاتها المائية. أما الخرطوم، فقد تباين موقفها في السنوات الأخيرة.

ووفق الدراسات الدولية، فإنه مع استمرار ملء السد الأثيوبي ستعاني مصر -الفقيرة مائيا بالأصل- من عجز في المياه، لأن حصتها من مياه النيل تبلغ 55.5 مليار متر مكعب في السنة، وأي اقتطاع من هذه الكمية من المياه سيكون بمثابة خسارة من كافة النواحي لمصر، لأن السودان سيستغل نصيبه بشكل طبيعي خصما أيضا من حصة مصر..

وتقدر حجم هذه الخسارة خلال فترات ملء السد بنحو 30% من حصة مصر، هذه النسبة التي ستفقدها مصر مهمة للغاية، لأن استهلاك مصر من الماء في الزراعة وغيرها من الأنشطة أكثر من حصتها السابق ذكرها بكثير، ولذلك تحاول مصر إعادة استخدام المياه بوسائل مختلفة سواء بإعادة تنظيم توزيع هذه المياه أو تقليل الفاقد من المياه عن طريق تبطين قنوات الري وقنوات الصرف ورغم ذلك يصعب جدا تعويض هذه الكمية المقتطعة من حصتها، علاوة على التكلفة المالية الباهظة للتلك المشروعات البديلة..

وعلى الرغم من اعلان اثيوبيا أن الملء الرابع هو الأخير للسد، تشكك العديد من الدوائر الغربية في أن يكون هذا هو الملء الأخير لسد النهضة، مدللين على ذلك، بأن حجم ما أعلنت عنه أثيوبيا من احتياجها لتخزين المياه خلف بحيرة السد يتجاوز بكثير ما تم الإعلان عنه الآن في الملء الرابع، والذي يتعدى 75 مليار متر مكعب من المياه، ما يعني أنه قد يكون هناك ملء خامس وملء سادس حتى تصل أثيوبيا إلى حجم المياه الذي أعلنت عنه أول مرة عند إنشاء السد، وهو 75 مليار متر مكعب..

  • رفض اثيوبيا أي اتفاق ملزم:

ولعل ما يفاقم الأزمة المصرية السودانية، والتي بدت واضحة مع إعلان فشل جولتي المفاوضات الجديدة، هو تمسك اثيوبيا بعدم الالتزام بأي اتفاق ملزم لها..

ورغم المحاولات المصرية الحثيثة – والسودانية على استحياء – للتوصل لاتفاق إطاري بشأن مراحل احتجاز المياه وخصوصا خلال فترات الجفاف، إلا أن أثيوبيا رفضت بشكل قاطع تماما على مدار 10 سنوات تقريبا الالتزام بأي اتفاق في هذا الإطار.

من جانبه، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأثيوبية، ميليس آلم، أنّ بلاده لم توقّع أي اتفاقية بشأن نهر النيل، مُشدّدا على أنّ أديس أبابا “لن توقف جهودها التنموية بسبب اتفاقيات استعمارية أحادية الجانب”، على حد وصفه. وقال آلم أنّ التعبئة الرابعة لسد النهضة، تأتي “وفقا لسيادة أثيوبيا على أراضيها”.

وينبع الموقف الاثيوبي الرافض لتقييد نفس بأية اتفاقات، إثر خلاف لازم قضية ملف سد النهضة وهو أن للجانب الأثيوبي قراءة خاصة تماما بنى عليها قضيته وهي رفض الالتزام بحصتى دولتي المصب، مصر والسودان. ولذلك ترفض اديس أبابا أي مطالب مصرية سودانية بشان التوصل لاتفاق يلزمها بإمداد القاهرة والخرطوم بكميات محددة من المياه وطريقة ملء السد وتوقيته أو حتى الاتفاق على الأمور الفنية..

ومن ثم تترى أثيوبيا أن هذا الأمر ينتقص من “حقها التاريخي” ولذلك حاولت أثيوبيا أن تعيد المسألة إلى المربع الأول في المفاوضات وتجاوز الاتفاقيات القديمة، بحيث تدخل الأطراف كلها في مفاوضات فنية ولديها الحظوظ نفسها دون أي ميل لجانب على حساب الآخر وهذا هو ما دفع أثيوبيا للإصرار على توقيع اتفاق المبادئ 2015..

  • تمسك اثيوبيا بمبدأ السيادة المطلقة على النيل:

ومن خلال تتبع المواقف الاثيوبية إزاء أزمة سد النهضة، لا يمكن إلا التأكيد على إن أثيوبيا تتعامل بمنطق ما يسمى “السيادة المطلقة على الإقليم” بما فيه السيادة على المياه “وهي نظرية فاسدة أصلا ومصدرها الولايات المتحدة التي أصدرت عام 1906 قرارا في مواجهة المكسيك بشأن أحد الأنهار الذي رغبت الولايات المتحدة في الانفراد بالتحكم فيه..

وبغض النظر عن الجانب التاريخي، فإن الولايات المتحدة نفسها – صاحبة المقترح – تخلت عنه ووقعت اتفاقية جديدة مع المكسيك مختلفة عن اتفاقية 1906 التي كان فيها نوع من الجور والتسلط. وكانت الاتفاقية بالمعنى الحرفي تقول: نحن لنا سيادة كاملة على الإقليم بما فيه المياه.. نعطي أو لا نعطي.. في حين أن هناك شيء اسمه الحياة التي ترتبت على التدفق التاريخي للمياه وخلقت حقوق لا يمكن تغييرها إضافة إلى وجود جزء آخر من الاتفاق بين مصر وأثيوبيا عام 1902، وهو ألا تمس أثيوبيا أي قطرة مياه من حصة دولتي المصب وألا تنشأ أي أعمال على النيل الأزرق ونهر السوباط وبحيرة تانا من شأنها إعاقة التدفق الحر للمياه إلى مصر والسودان..

كما أن تذرع أثيوبيا بأن اتفاقيات المياه مع مصر والسودان جرت في عهد الاحتلال البريطاني وأنها لم تكن طرفا فيها ولا تلزمها هو أمر غير قانوني وغير صحيح، لأن الاتفاقيات تمت مع أثيوبيا ولم تكن خاضعة لاحتلال لا بريطاني ولا إيطالي.

وجرت الاتفاقيات بين منليك الثاني ملك أثيوبيا فيما عقدتها بريطانيا نيابة عن مصر وفقا لقاعدة الاستخلاف في القانون الدولي وورثت مصر المعاهدة لاحقا..

  • هدف السد يتجاوز توليد الكهرباء:

ووفق تقديرات استراتيجية، لا يمكن لأحد أن يمنع أثيوبيا من بناء السدود لتوليد الكهرباء، خاصة وأن اثيوبيا تفتقر لتغطية حاجة سكانها البالغين 115 مليون نسمة من الكهرباء.

خاصة وأن النيل الأزرق بالتحديد لديه معامل انحدار مرتفع للغاية يصل إلى 16 متر في الكيلومتر الواحد وذلك في أول 100 كيلو متر من مجرى النهر، وبعد ذلك في إجمالي مجرى النهر يصل معدل الانحدار إلى 1.5 متر لكل كيلو متر، ما يعني أن هناك مساقط مياه على طول مجرى النهر يمكن توليد الكهرباء منها من خلال السدود، لكن المشكلة تكمن في فترات الجفاف وكميات المياه المنصرفة من السد خلالها..

كما أن الاتفاقيات المتعلقة بالنيل الأزرق تقتضي التدفق الحر والكامل للنهر حتى يصل إلى مصر والسودان وفقا للمعاهدات القديمة في عام 1902 لأن أثيوبيا لديها كمية هائلة من المياه من الأمطار، قد تتعدى 900 مليار متر مكعب إضافة إلى ثلاثين نهر إلى جانب اثنين وعشرين مليار مياه داخلية لا تستهلك منها إلا 10%، في حين أن مصر لا تملك اي مصدر للمياه إلا نهر النيل وخلال فترات الملء السابقة قامت مصر بسحب المياه من مخزون بحيرة ناصر في السنوات الماضية لكي تعوض ما تخصمه أثيوبيا من حصتها من خلال عمليات الملء السابقة بما فيها الملء الرابع..

في هذا السياق يتحدث خبراء عن سوء استخدام شديد للموارد المائية الداخلية في أثيوبيا وأن استغلالها بشكل علمي كان سيكفي أديس أبابا للزراعة والتنمية والاكتفاء بإقامة سدود لتوليد الكهرباء، الأمر الذي يطرح الكثير من التساؤلات حول الأهداف الاستراتيجية والسياسية الخفية وراء إنشاء أثيوبيا لسد بهذا الحجم الهائل.

ومن المفترض أن يشهد السد تعلية العام المقبل بنحو 20 مترا، لاستيعاب مخزون جديد من المياه، إذ تسعى إثيوبيا إلى أن يصل إجمالي حجم المياه المخزنة في البحيرة إلى نحو 74 مليار متر مكعب.

إذ أن وفق التقديرات الهندسية، فإنه في حال توقفت أديس أبابا بشكل نهائي عند الملء الرابع، فلن تستطع تشغيل معظم توربينات السد، وهي 12 لم يتم تشغيل سوى اثنين منها حتى الآن. ومن المقرر أن تبدأ في تعلية الجزء الأوسط من السد لنحو 20 مترا قبل موسم الفيضان المقبل الذي يبدأ في يونيو..

يشار إلى أن إثيوبيا تبني سد النهضة على النيل الأزرق، أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل، ويبلغ طوله 1.8 كيلومتر وارتفاعه 145 مترا، ويوجد في منطقة “بني شنقول-قمز” على بعد نحو 30 كيلومترا من الحدود مع السودان.

وتعتزم أديس أبابا من خلال السد مضاعفة إنتاجها من الكهرباء، التي لا تصل سوى لنصف سكانها، البالغ عددهم نحو 120 مليون نسمة. وفي فبراير 2022، دشنت إنتاج الكهرباء من السد، وتم تعديل هدف إنتاجها من 6500 إلى 5000 ميجاوات، وهو ضعف إنتاجها الراهن، ومن المتوقع أن يبلغ كامل طاقته الإنتاجية في 2024.

وأكمل عمال البناء 4 مراحل من ملء السد، ونجحوا في توليد الكهرباء لأول مرة في فبراير 2022، وقام المهندسون بتوصيل توربين إضافي به في أغسطس من ذلك العام.

ولعل كبر حجم سد النهضة وقدراته التخزينية الكبيرة، غير المتلائمة مع هدف توليد الكهرباء، يشير إلى أن أهدافه تتجاوز توليد الكهرباء.. وما يؤكد ذلك، العديد من المحاولات الاقليمية والدولية لإعادة مصر داخل إطار احتوائي من قبل بعض القوى العالمية والإقليمية، وإقامة سد النهضة في إثيوبيا واحدة من أوراق الضغط على القاهرة.

  • فرض غموض وتعتيم اثيوبي على منشآت السد:

ومن ضمن التحديات والمخاطر التي تتهدد الموقف المصري بصورة كبيرة، والسودان بصورة أقل، أن اثيوبيا تفرض ستارا من الغموض الشديد حول كل ما يتعلق بالسد، سواء كميات المياه المحتجزة خلفه أو المنصرفة منه أو كمية المياه اللازمة لإدارة توربيات المياه المولدة للكهرباء، بل وحتى الدراسات البيئية المتعلقة بالسد وتأثيراته سواء عليها أو على جيرانها وبالذات دولتي المصب.

ووفق تقارير لمركز التقدم العربي للسياسات في لندن، فإنه حتى الآن لا يعرف تحديدا كمية المياه التي احتجزت في الملء الرابع ولا يوجد أي تأكيد سواء من الجانب المصري أو حتى من الجانب السوداني بشأن حجم الفاقد.. ومن الجانب الأثيوبي فإن كل ما هو مطروح هو أنه بعد الملء الثالث كانت سعة الخزان خلف السد قد وصلت إلى 22 مليار متر مكعب..أما الآن فقد تصل إلى 43 مليار متر مكعب..

ومنذ بدء إثيوبيا تشييد سدّ النهضة في عام 2011، دأب الخطاب الرسمي المصري على التأكيد على أن المشروع الذي وصلت كلفته إلى أكثر من 4 مليارات دولار، هو بمثابة “خطر وجودي” يهدد الحياة في مصر.

ولكن على الرغم من ذلك، وقّعت الحكومة المصرية اتفاقاً مع كل من إثيوبيا والسودان في عام 2015، كان أول اعتراف من القاهرة بحق أديس أبابا في إنشاء السد. إلا أن التوقيع لم يضمن لمصر مراعاة مخاوفها من عملية الملء، التي أنجزت مرحلتها الرابعة قبل أيام، وهو ما دفع خبراء مصريين للمطالبة بتدخل “حاسم” لمواجهة ذلك الخطر.

  • تغييب مصر الحلول الخشنة يفاقم المخاطر:

وأمام هذه المخاطر، يتضاعف الخطر الوجودي الذي سيصيب مصر، ولن يكون أمامها إلا التصرف الخشن، فإما أن نموت من العطش أو نموت بالحرب نحن ومن يقطع عنا المياه، وهو حق أصيل لمصر وفقاً لكل المعاهدات والاتفاقيات الدولية…

ولعل تهميش مصر للحلول العسكرية، أو حتى التهديد باستعمالها، قد منح اثيوبيا فضاءاً واسعاً من المراوغات والانفراد بمياه النيل، الذي تحول بدوره إلى مجرد بحيرة اثيوبية..وباتت إثيوبيا تتعامل برعونة شديدة حتى اللحظة، وكأنها لا تستوعب العبث الذي تقوم به بحق مصر والسودان..

ثالثا: مخاطر الملء الرابع لسد النهضة:

وثمة مخاطر عديدة تسببها التعبئة الرابعة لسد النهضة على مصر والسودان… منها

  • تخريب نظام الزراعة السوداني:
  • ووفق الدكتور عباس شراقي أستاذ الجيولوجيا ومصادر المياه بجامعة القاهرة فأنه باكتمال التخزين الرابع للمياه خلف سد النهضة يكون نظام الزراعة الفيضية على جانبي النيل الأزرق فى السودان قد انتهى، ويتطلب ذلك إقامة السودان لشبكة ري من ترع وماكينات رفع المياه، واستخدام الأسمدة لتعويض فقد الطمي الحادث بسبب سد النهضة مما يزيد من تكلفة الإنتاج الزراعي السوداني في المستقبل.
  • تناقص الحصة المائية الواردة لمصر والسودان:

وبحسب الدكتور عباس شراقي أستاذ السدود والموارد المائية بكلية الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، تتعدد خسائر مصر من الملء الرابع للسد الاثيوبي، وعلى رأسها خسارة مائية تعادل إجمالي ما تم تخزينه خلال السنوات الثلاث السابقة وهي 17 مليار متر مكعب، ونقص هذه الكمية من خزان السد العالي، أو أن تقوم إثيوبيا بعمل مماثل في سدود أخرى داخل أراضيها تحمل مخاطر شديدة على مصر والسودان.

وبأي حال من الأحوال، فلن تقل خطورة الملء الرابع عن مخاطر الملء الثالث التي تسببت في نقص ملحوظ بإنتاج كهرباء السد العالي، نتيجة انخفاض منسوب بحيرة ناصر، وفقد حوالي 10% من المياه المخزنة على الأقل كبخار وتسريب تحت سطح الأرض.

ويقدر خبراء المياه، أن فقدان مصر مليار متر مكعب من المياه يعني خسارة مليار دولار سنويا في مجال الزراعة.

وبالفعل تقدر خسارة مصر، حتى نهاية الملء الرابع لسد النهضة، بنحو 18- 25 مليار متر مكعب، وهو ما دفعها للقيام بمشروعات عديدة للتعويض، كلفت مليارات الدولارات وأضرّت باقتصادها، وهو ما يدحض مزاعم إثيوبيا بأن عمليات الملء لم تضر دول المصب…

ومع توسع مصر في المشاريع البديلة لمياه النيل، يخشى من استغلال إثيوبيا هذه الحالة لمحاولة فرض الأمر الواقع رغم الاتفاقيات التي وقعتها معها مصر والسودان.

كما من المرجح، أن سد النهضة سيؤدي لعدة آثار سلبية منها انخفاض تدفق المياه، حيث سيقوم سد النهضة بتخزين المياه خلال موسم الأمطار وإطلاقها خلال موسم الجفاف (وهذا الأمر أصبح الآن رهن الإرادة الأثيوبية فقط) الأمر الذي قد يقلل من كمية المياه التي تتدفق إلى مصر والسودان في الأوقات الحرجة وهو أكثر ما يثير قلق البلدين.

وفي المقام الثاني، تعتمد كل من مصر والسودان على نهر النيل للري ويمكن أن يؤدي انخفاض تدفق المياه من سد النهضة إلى مشاكل في الري، مما قد يؤدي إلى تلف المحاصيل وتقليل الإنتاج الزراعي.

ويقول علماء إن سد النهضة سيمنع هجرة الأسماك بين النيل الأزرق والنيل الأبيض، وقد يؤدي ذلك إلى تقليل أعداد الأسماك والإضرار بصناعة صيد الأسماك في مصر والسودان.

  • مشاكل فنية أكثر تهديدا لمصر والسودان:

ووفق خبير السدود والأنهار محمد حافظ، ومع استمرار اثيوبيا في عدم فتح توربينات ومنافذ السد السفلية، لحجز كميات اكبر من المياة، واستمرار عمليات التخزين، بجانب استخدام المفيض الجانبي كبديل عن الممر الأوسط، لتصريف المياه للسودان ومصر بعد اكتمال الملء الرابع، بمعنى أنه بدلا من أن تقوم أديس أبابا بغلق المنافذ السفلية أثناء عملية الملء الرابع ومن ثم الاستيلاء على تدفقات الشهور القادمة للسودان لملء خزانات سدودها بـ 8.5 مليارات متر مكعب، وهو ما يوجب على السودان البدء في ملء سدودها في نفس فترة قيام إثيوبيا بالملء الرابع.

ومع تخزين اثيوبيا لنحو 42 مليار متر مكعب، بجانب حصول السودان على حصتها اللازمة لملء سدودها، ستنشأ الأزمة بينها ومصر على نحو 9 مليارات متر مكعب متبقية بعد انتهاء التعبئة الرابعة.

وفي السنوات الأربع الماضية كان فيضان النيل الأزرق يأتي أكبر بكثير من الفيضان المتوسط، بينما جانبَ الإدارة المصرية حسن إدارة بحيرة ناصر، فخسرت الكثير من المياه التي كان يمكن أن تخزنها البحيرة خلال سنوات الفيضان “السِمان” وجرى تخفيض الحصة المقررة والتي تُقدر بـ 55.5 مليار متر مكعب على الأقل، إلى أقل من ذلك بين عامي 2016 و2018، حيث تم تصريف كمية سنوية أقل بقرابة 10 مليارات متر مكعب.

وثمة مؤشرات ظهرت خلال الأيام الماضية نتيجة الملء الرابع لسد النهضة، من بينها انخفاض طفيف في منسوب النيل وظهور الجفاف داخل بعض المناطق في السودان.. إذ بلغت كمية التخزين بعد الملء الرابع نحو 24 مليار متر مكعب عند منسوب 625 متراً فوق سطح البحر.. وهو ما يعني ووفق تقديرات بيئية متفاءلة، أن تفقد مصر في هذه المرحلة ما يقرب من 12 مليار متر مكعب من المياه…

رابعا: تأثيرات بيئية واقتصادية واجتماعية وسياسية على مصر:

  • خطر وجودي:

ومع توقيع مصر على اتفاق المبادئ وتراحيها، في كبح اثيوبيا عن انفراد بالسد ومياه النيل، بات الوضع المائي خطير للغاية، إذ أن العام الحالي والذي يليه أيضاً، يمكن لمصر أن تسد العجز الناتج عن ملء سد النهضة، من خلال الاستدانة من بحيرة ناصر، لكن في حال استمر التصرف الإثيوبي على هذا النحو، فإن مصر ستدخل أزمة مياه خطيرة للغاية، تصل إلى حد العطش، بعد عامين على أبعد تقدير، في ظل اعتماد مصر بنسبة 97% على هذه المياه الواردة من النيل..

اذ أنه من المؤكد، أن سيكون هناك ملء خامس وسادس وسابع حتى تصل كمية المياه المحجوزة خلف السد إلى 74 مليار متر مكعب، وفي حال كان هناك فيضان ضعيف أو أقل من متوسط، فإن مصر والسودان لن يحصلا على أي حصة من النيل، وبالتالي سندخل في أزمة مياه شديدة ستنعكس على كافة مناحي الحياة.

  • تراجع حصة مصر المائية قد تصل إلى صفر:

كما تذهب ترجيحات إلى أنه من أول الآثار الكارثية للملء الرابع لسد النهضة، أن وزارة الري المصرية، لن تسمح بخروج الحصة المصرية التي تُقدّر بـ55 مليار متر مكعب في السنة، من بحيرة ناصر، وستقلص ذلك إلى نحو 12 ملياراً فقط، وبالتالي تخرج 40 إلى 45 مليار للشعب المصري على مدار السنة.

يشار إلى أن هذا الأمر تكرر ما بين عامي 2013 و2019، عندما حسمت وزارة الري من الحصة المصرية الدستورية البالغة 55.5 مليارا، 10 إلى 11 ملياراً تخزنها في السد العالي، بينما حسم الكمية هذا العام والعام المقبل، يأتي للحرص على المياه في بحيرة ناصر، قبل أن تنفد بشكل كامل، وهذا سيؤدي إلى حرمان بعض الأراضي من الري وتقليص مساحات قصب السكر والأرز وعدم ضخ مياه إلى مساحات كبيرة من الأراضي خصوصاً التي تعتمد على مياه الترع..

وقد وصل ما خزنته إثيوبيا 21 مليار متر مكعب، بشكل حي، لكنها حجزت 28 ملياراً كان من المفترض أن تصل إلى بحيرة ناصر، لكن حُرمت  منها مصر.. ووفقاً للعديد من القراءات والتوقعات كمنظمة إيغاد (الهيئة الحكومية للتنمية)، فإن الفيضان الحالي شبه جاف وأقل من المتوسط..

وفي حال كان الفيضان أقل من المتوسط (شبه جاف)، فإن تدفقات النيل الأزرق قد تقل عن 40 ملياراً، وفي أحسن أحوال التدفق الضعيف لهذا العام، وهي أولى السنوات العجاف، قد يكون 40 ملياراً، بينما قد يقل عن ذلك لاحقاً..

وحجزت إثيوبيا منها على مدار العام 28 مليارا، والسودان يحجز 8.5 مليارات، بإجمالي 36.5، وهنا فإنه من الممكن أن يصل في أحسن الأحوال إلى مصر 3.5 مليارات، قد تنخفض لـ2 أو إلى 1 أو إلى صفر، وقد تصل إلى مستوى أن السدود السودانية لا تجد مياها لاستكمال التخزين..

ونتيجة لما سبق، فإن الدولة المصرية ستضطر إلى أن تستورد العديد من الأطعمة التي كان المفترض زراعتها في مصر.. ويزداد الخطر من حدوث الزلازل بجانب نشاط الأخدود الأفريقي العظيم..

  • تعويض المياه الناقصة لكل مليار متر مكعب مليار دولار:

وتتمثل الأضرار المائية والاقتصادية في أن أي كمية مياه تخزن في سد النهضة قليلة أو كبيرة، هذا العام أو في الأعوام المقبلة، هي مياه مصرية-سودانية، وهي الخسارة الأولى المباشرة، والتي لو استغلت في الزراعة لحققت عائداً اقتصادياً قدره مليار دولار لكل مليار متر مكعب، بالإضافة إلى تحديد مساحة الأرز بحوالي 1.1 مليون فدان، والتكاليف الباهظة بعشرات المليارات من الجنيهات في إنشاء محطات معالجة المياه لإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، وتبطين الترع، وتطوير الري الحقلي، والتوسع في الصوب الزراعية وغيرها..

  • أضرار احتماعية واقتصادية:

ومنذ أكثر من قرن، حدد لمصر حصة من مياه النيل تقدر بنحو 55,5 مليار متر مكعب سنويًا، وعلى هذا الأساس تم تخطيط مشروعات مصر الزراعية والمجتمعية في ضوء هذه الحصة، ومن ثم فإن التأثير على هذه الحصة بإنقاصها سيؤثر على الاقتصاد المصري، من خلال الجوانب التالية:

تراجع المساحة الزراعية، علاوة على أن المساحات الزراعية المتاحة لمصر حاليًا لا تتناسب مع تزايد عدد سكانها الذي يتجاوز 105 مليون نسمة، وهو قابل للزيادة خلال السنوات القادمة..

كما أنه من المعروف أن ثبات المساحة الزراعية ووجود زيادة سكانية سيؤثر بشكل كبير على حجم الاحتياج من المنتجات الزراعية والغذائية التي تنتجها مصر.

وفي ظل حصتها الحالية من المياه بدون نقصها، ستستورد مصر نحو 60% من غذائها، فما بالها لو نقصت حصة المياه وتوقف التوسع في استصلاح الأراضي الصحراوية؟ ما من شك في أن ذلك سيزيد العجز في الميزان التجاري المصري الذي يعاني بدوره من عجز تاريخي.

بجانب مزيد من البطالة، إذ أن فقدان مصر لمساحات من أراضيها الزراعية الحالية، أو توقف مشروعاتها لاستصلاح أراضيها الصحراوية، يعني ببساطة فقدان عدد كبير من مواطنيها لفرص العمل التي يتيحها لهم قطاع الزراعة الذي يستوعب نحو 6.5 ملايين عامل. والمعروف أن معدل البطالة بمصر في ظل تحقيقها لمعدلات نمو مرتفعة، بلغ 12%، فكيف يكون الوضع إذا تراجعت مساحة الأراضي الزراعية؟

لا شك أن الأمر سيزداد تعقيدًا من حيث مساهمة قطاع الزراعة في توفير فرص عمل، بل سيكون القطاع طاردا للعمالة في ظل مشكلات الحصول على المياه اللازمة للزراعة.

ينضاف لذلك خفض الطاقة الكهربائية، ويمثل توفير الطاقة في مصر خلال السنوات القليلة الماضية تحديًا كبيرًا، ومن شأن التأثير على حصة مصر من المياه أن تنخفض الكهرباء المنتجة من خلال السد العالي الذي يوفر نسبة 10 إلى 12% من الطاقة المنتجة في البلاد، ويعتبر الـتأثير على هذه الحصة رغم صغرها نقطة ضغط على الاقتصاد المصري في ظل ظروفه الحالية، أو خلال المرحلة المقبلة.

فخفض حصة السد العالي من إنتاج الكهرباء يعني تعويضها من مصادر أخرى ذات تكلفة اقتصادية عالية، فضلًا عن نظافة المصادر المائية في توليد الكهرباء.

وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري، عدد في شكوى مصر لمجلس الأمن، الكثير من الارتدادات الاجتماعية، لسد النهضة على مصر، ومنها؛ هجرة نحو 40 مليون مصري من مناطق دلتا النيل، سواء إلى داخل المدن أو إلى خارج مصر، وزيادة تكاليف استيراد الغذاء لملايين المصريين، الذين سيعاني أكثر من 60% من مخاطر نقص الغذاء، وتراجع القطاع الزراعي والحيواني والصيد، على إثر تراجع كميات المياة الواردة لمصر..

خامسا: خيارات أمام مصر والسودان:

وأمام تلك التحديات، وكم الأضرار المتزايد، إثر سد النهضة، فإن تطورات التشييد والتشغيل وحجز المياة عن مصر والسودان، تضيق الخماق على مصر والسودان، وتفاقم المعاناة للسكان المحليين، وهو ما يستلزم التحرك السريع لمواجهة مخاطر السد، في ظل التعنت الاثيوبي.. ومن تلك الخيارات:

  • اللجوء لمجلس الأمن:

وهو خيار مستبعد، اذ أنه بعد البيان الأخير لمجلس الأمن بشأن الأزمة، وإحالتها إلى الاتحاد الأفريقي، سيكون من الصعب إعادة طرح الأمر مجدداً على المجلس، كما أن الظرف الدولي الراهن سيفقد تلك الخطوة قيمتها في ظلّ انشغال القوى الدولية بقضايا أكثر إلحاحاً، كالحرب الروسية الاوكرانية والملف النووي الايراني..

  • اتباع قواعد القانون الدولي لمعالجة الأزمة:

وأمام التعنت الاثيوبي، فإنه على مصر البحث عن مخارج قانونية، تحقق لها مصالحها، عبر الاستعانة بخبراء القانون الدولي، لمعرفة ما هو المتاح لمصر من خيارات، للحلول القانونية الملزمة، والتي باتت قليلة، مع وجود سد ضخم ممتلئ..

وقد رفضت القاهرة منذ توقيع اتفاق المبادئ في 2015، اللجوء للمحاكم الدولية، لاثبات الضرر البالغ من السد، خشية أن توجه اتهامات داخلية لرأس النظام السياسي، بأنه تسبب لمصر بأزمة مائية طاحنة.

وهو الأمر الذي بات مستحقا التحرك باتجاهه، في ضوء التعنت الإثيوبي، إذ لا تريد توقيع اتفاق قانوني ملزم، يتضمن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة خصوصاً في فترات الجفاف المؤقت أو الجفاف الممتد، وسبق أن حدث جفاف ممتد لمدة 8 سنوات في السبعينيات من القرن الماضي ولم يكن سد النهضة موجوداً..

وعلى الرغم من المماطلة الاثيوبية والمراوغات المستمرة، والتي تجلت خلال اجتماعات أديس ابابا الاخيرة، حينما عرضت اثيوبيا التوصل إلى إطار عمل بين الدول الثلاث من دون أن يكون في صيغة اتفاق ملزم، تصر أطراف في الادارة المصرية على الاستمرار في المفاوضات، وممارسة الإقناع لإثيوبيا بأن تقبل التوقيع على اتفاق قانوني ملزم يؤمن لمصر حصتها من مياه نهر النيل… فيما يرى خبراء القانون الدولي، أن هذه المبادئ الإرشادية التوجيهية ليست ملزمة كما الاتفاقيات الدولية والمعاهدات..

كما أن الظروف الواقعية الدولية ليست في صالح مصر ولا السودان، لكنها في صالح إثيوبيا، فقد نجحت اثيوبيا في استهلاك واستنزاف الوقت وتحقيق ما تصبو إليه، وهناك دول كبرى إقليمية وغير إقليمية استثمرت في سد النهضة، وهناك دول مجاورة لإثيوبيا في القرن الأفريقي وخارجه، تنتظر بشغف بدء حصولها على الكهرباء منخفضة التكاليف من سد النهضة، لذلك كل هذه التحديات ضد السودان ومصر في مسألة النزاع حول مسألة النهضة…

  • ترحيل الأزمة من قبل النظام المصري:

وأمام الفشل المصري في فرض رؤاه او تحقيق مطالباته، لجأت الجكومة إلى ترحيل الأزمة، وهو البديل الأخطر سياسيا ووجوديا على مصر، تحديدا..

إذ اتبع النظام المصري سياسة التعمية على الداخل وتجهيل الشعب المصري إزاء الأزمة.. فقد خرج السيسي مراراً على الشعب المصري، مطالبا اياهم بوقف ما اسماه “الهري” أي كثرة الحديث في شئون المياة وسد النهضة، وتارة أخرى مطالبا المصريين بأن “اطمئنوا.. مضيعتكمش قبل كدا علشان أضيعكم الآن…. ثم خرج الاعلام المدار من قبل الأجهزة الأمنية، ليبشر المصريين بأن “السيسي حلها”… وتعددت محاولات تعمية الشعب…

وعلى الصعيد السياسي الأخطر، ووفق تقديرات استراتيجية، فإن مفاوضات أديس أبابا تمثل أكبر فشل منيت به مصر، يُضاف إلى سلسلة الفشل السابقة التي توجت بها جولات المفاوضات بين إثيوبيا ومصر..

وهو ما يخفي الكثير منه الجانب المصري، الذي لا يتحدث بصراحة مع الشعب المصري، ووفق خبير السدود الدولية د.محمد حافظ،  اذ إن المفاوضات تجرى حول آلية عمل السد، بينما الجانب الإثيوبي يؤكد أن المفاوضات تتعلق بكمية المياه التي ستخصم من حصة مصر، والتي وافقت عليها مصر في عهد (الرئيس الأميركي السابق دونالد) ترامب، وهو خفض حصتها إلى 37 مليار متر مكعب، بدلاً من 40 مليارا ونصف مليار، بينما وصل التنازل المصري إلى 9 مليارات، وذلك فيما تؤكد إثيوبيا أن الخصم يصل إلى 16 مليار متر مكعب، وهناك بعض المعلومات تتحدث عن خصم 22 مليار… وهو ما يعني تعطيشا للمصريين وتخريبا للزراعة والصناعة، يدفع المصريون ثمنه..

ومع تسليم مصر بإنقاص حصتها التاريخية، تكون مصر قدمت لاثيوبيا ما تريد، وهو ما يجعل شكوى مصر الحالية، من لتضرر من سد النهضة وتراجع حصصها المائية، أمر مستغربا لدى الجانب الاثيوبي أو أي تحكيم دولي …

-التوسع في استعمال البكائيات والندب الاعلامي:

وفي كلمته أمام المناقشة العامة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، مؤخرا، اتهم وزير الخارجية المصري سامح شكري، الإدارة الإثيوبية بـ”التمادي في ملء وتشغيل سد النهضة بشكل أحادي، في خرق صريح لقواعد القانون الدولي”، محذراً من “مواجهة بلاده أزمة مياه حادة، في ظل معاناتها من عجز مائي يزيد عن 50% من احتياجاتها”.

وقال شكري إنّ “مصر تعتمد بنسبة 98% على نهر النيل، وتأتي على رأس الدول القاحلة، وبين الأقل عالمياً في هطول الأمطار”، مضيفاً أن “إثيوبيا أنشأت السد من دون تشاور ودراسات وافية سابقة أو لاحقة للآثار على الدول المشاطئة، أو معاناتها من ندرة الموارد المائية”.

وتعددت البكائيات التي يظرها شطري ي المحافل الدولية، دون فائدة أو رد شاف، إذ كان رد مجلس الامن سابقا، بأن مصر وقعت بمحض ارادتها اتفاق المبادئ، وعلى الأطراف الالتجاء للاتحاد الافريقي لحل الخلافات مع اثيوبيا.. وهو ما يقوض بديل الاسراف في الشكاوى الددولية…

وهو ما لم تسكت عنه اثيوبيا، اذ شنت هجوما على مصر، عبر تصريحات رسمية وغير رسمية لمسئوليها في وسائل الاعلام، ووجهت لمصر اتهامات بافشال المفاوضات، وذلك على الرغم من تحقيق اثيوبيا لكافة اهدافها والسير بانشاءات السد وملئه بصورة منفردة واحادية، دون استماع لمطالب مصر والسودان، وهاجمت وزارة الخارجية الإثيوبية مصر، واصفة موقفها من الملء الرابع لسد النهضة بأنه “يقوض اتفاق إعلان المبادئ الموقع في عام 2015”.

وأعربت الوزارة، في بيان بشأن انتهاء المفاوضات الثلاثية مع مصر والسودان بشأن سد النهضة، عن أسفها لـ “إصرار مصر المستمر على الحفاظ على معاهدة إقصائية تعود إلى الحقبة الاستعمارية وتقوم على الاستغلال الاحتكاري، ما حال دون إحراز تقدم ملموس في المفاوضات”.

وأضافت أن الانخراط في المفاوضات جاء بحسن نية “اقتناعا بإنجاز المهمة التي أوكلها رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، وعبدالفتاح السيسي، وحفاظاً على الروح الإيجابية بين الأطراف”، مشيرة إلى أن “الدول الثلاث تمكنت من إحراز تقدم في تحديد القضايا ذات التقارب المحتمل، كما تم الاتفاق على مواصلة المفاوضات الثلاثية في أكتوبر 2023 في القاهرة”.

لكن “الجانب المصري ظهر بموقف يقوض اتفاق إعلان المبادئ الموقع في عام 2015″، بحسب البيان الإثيوبي، الذي أكد الهدف من المفاوضات الثلاثية هو وضع اللمسات الأخيرة على المبادئ التوجيهية والقواعد المتعلقة بالتشغيل السنوي لسد النهضة، و”التي تضمن حقوق إثيوبيا وتستوعب المخاوف المشروعة لدول المصب”.

واختتم البيان: “ومن الأهمية التأكيد على أن إثيوبيا منخرطة بشدة في مفاوضات ثلاثية لضمان مصالح الأجيال الحالية والمستقبلية من الإثيوبيين بشأن استغلال نهر النيل، وستواصل مشاركتها للوصول لنتيجة مربحة لجميع الأطراف من خلال المفاوضات الثلاثية الجارية بشأن سد النهضة”.

وتتمسك القاهرة والخرطوم بالتوصل أولا إلى اتفاق ملزم مع أديس أبابا بشأن تشغيل السد، لضمان استمرار تدفق حصتيهما المائية من نهر النيل، بينما ترفض إثيوبيا وتؤكد أنها لا تستهدف الإضرار بدولتي مصب النيل، مصر والسودان.

-التهديد باستخدام القوة العسكرية:

ووفق خبراء، فإن خيار التهديد باستعمال القوة العسكرية، يبقى أمراً حاسماً، قد يقوض أو يحد من انطلاقة إثيوبيا بحرية في التحكم بمياة النيل.. إلا أن استبعاده مبكرا من قبل مصر كان خطيئة كبرى..

فمصر لم تكن موفقة منذ البداية حين استبعدت خيار استخدام القوة العسكرية لضرب السد والحيلولة دون اكتماله، إذ إن “التلويح بالقوة” كان يمكنه ردع إثيوبيا، حتى دون استعمالها..

استبعاد فكرة الخيار العسكري جاء صريحا وواضحا في بواكير الأزمة، وبدلا مما كانت تستهدفه مصر من مرونة وإبداء لحسن النية، وبناء الثقة والتعاون مع إثيوبيا، فإن الأخيرة قرأت الرسالة على نحو مُغاير، ووظفتها لصالحها على حساب الأمن المائي المصري.

الآن، تكتنف الخيار العسكري صعوبات جمة، فالهجوم عسكريا على السد لتدميره يُشكل خطرا شديدا على السودان، بما يشبه يوم القيامة، لمدينتي الخرطوم وأم درمان، وربما يمحوهما، بخلاف مخاطر أقل على مصر نتيجة الطوفان الذي سيتولد عن اندفاع المياه المخزنة خلفه والمفترض بلوغها 74 مليار متر مكعب.

لذا ينبغي التوقف فورا عن هذه المفاوضات العبثية التي لا طائل من ورائها، وثبت يقينيا عدم جدواها طوال السنوات الثماني الماضية، وقد يكون مناسبا إعلان مصر سحب توقيعها على اتفاق المبادئ، استنادا إلى عدم التزام إثيوبيا بمضمونه، مع البحث عن سيناريوهات وخطط أخرى أكثر نجاعة للتعامل مع إثيوبيا.

خامسا: وماذا بعد؟

ووفق رؤية فنية، فإن مفاوضات السد، ستكملها اثيوبيا بشكل أو بآخر، لأنها تسعى إلى تسويق استثمارات مرتبطة بالسد لمستثمرين دوليين، ومن ثم من المتوقع، أن تصل المفاوضات إلى حل وسط.. خاصة وأن مصر في ظل أزماتها الاقتصادية والسياسية، قد تقنع نفسها بأنها حققت انجازا، باطالة أمد الملء لسبع سنوات، بدلا من3 سنوات، وهو ما قد تعده استجابة لضغوطها، على الرغم من أن مد أجل ملء السد مرتبط بقدرات اثيوبيا الانشائية والمالية، ولييس استجابة لمصر.

ويرى خبراء أنه على النظام المصري، أن يجد حلا لأزمة سد النهضة، وألا ينتظر حتى يتم إفراغ بحيرة السد العالي والموت عطشا.. ولعل المخاطر المستقبلية ستتفاقم، والحلول ستكون أصعب، اذ لم تجد مصر حلا لتلك الأزمة وبحيرة السد العالي ممتلئة، والتصرفات الإثيوبية الحالية لا تنبىء بمستقبل مضيء..

تتمسك مصر هذه المرة بعرض ملف سد النهضة على مجلس الأمن في ظل المخاطر التي تواجهها من سد النهضة، سواء المتعلقة بحجم التخزين الضخم الذي يصل إلى 41 مليار متر مكعب، أو استكمال إثيوبيا الإجراءات المنفردة وزيادة حجم استيعاب السد ليصل إلى 74 مليار متر مكعب مما ينذر بكارثة حال تعرض السد لأية أخطار وتقدم الدوائر المصرية نموذج ما حدث مؤخرا في ليبيا، للقياس عليه..

إذ أن ما حدث في مدينة درنة بليبيا بعد انهيار سدين لتخزين 28 مليون متر مكعب، الذي خلف ورائه آلاف القتلى والمصابين والخسائر المادية الفادحة في حين يخزن سد النهضة 41 مليار متر مكعب أي ما يعادل أكثر من 3 آلاف مرة حجم سدين درنة، خاصة أن إثيوبيا مُهددة بمخاطر عديدة لانهيار السد، أبرزها تعرضها للعديد من الفيضانات سنويًا، والنشاط الزلزالي التي قد تهدد سلامة جسم السد.

وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، رفض مصر أية إجراءات أحادية في إدارة الموارد المائية العابرة للحدود، التي يعد أحد أمثلتها سد النهضة الإثيوبي الذي بدأ إنشاؤه دون تشاور ودراسات وافية سابقة أو لاحقة للآثار على الدول المشاطئة، بل وتمادت إثيوبيا بالاستمرار في ملئه وتشغيله بشكل أحادي في خرق صريح لقواعد القانوني الدولي، بحسب بيان رسمي.

ووفق الدراسات الفنية، فإنه على مصر أن تتمسك بربط كميات التخزين بالسد بحجم الأمطار التي تستقبلها إثيوبيا بشكل يوازن بين تشغيل سد النهضة في إثيوبيا والسد العالي في مصر، وعدم تخزين كميات ضخمة خلال فترة الجفاف مما يؤثر على حصة مصر من النهر.

إلا أن التوصل لحل مرضٍ للأطراف الثلاثة يشترط مرونة الجانب الإثيوبي، وعدم التعامل مع سد النهضة وكأنه شأن داخلي؛ لأن تداعياته ستؤثر سلبًا على دول المصب وقد يهدد بإغراق أكثر من 150 مليون مواطن يعيشون في مصر والسودان، خاصة الأخيرة التي تنخفض عن منسوب السد بشكل قد يهدد بإغراقها وإحداث تأثير مدمر خلال ساعات حال تعرضه للانهيار، إضافة إلى عدم زراعة آلاف الأفدنة على النيل الأزرق في السودان خلال فترة ملء السد.

كما يجب على مصر خلال جولة مباحثات القاهرة في أكتوبر الجاري، أن تشترط تخفيض سعة سد النهضة أو على الأقل عدم ملء السد لأقصى سعة مستهدفة وهي 74 مليار متر مكعب.

مع ضرورة التوصل لاتفاق حول قواعد الملء والتخزين خاصة خلال سنوات الجفاف أو انخفاض في الأمطار، بشكل لا يؤثر على دول المصب، خاصة أن نهر النيل هو المصدر الوحيد للمياه في مصر. والتوصل لآلية لحل أية خلافات مستقبلية حول السد..

خاتمة:

من الواضح أن إثيوبيا لا تريد التوصل لحلول بشأن سد النهضة وتستهدف السيطرة على كل مياه النيل الأزرق، وهو ما تمثل في إعلان وزارة الطاقة في أديس أبابا عزمها بدء العمل في بحيرة سد “كاردوبي”، وهو السد التالي للنهضة، التي تعتزم إقامته في عام 2027 لتخفيف حمل الأطماء والتي تصل إلى 130 مليون طن سنويًا مما قد يؤثر على كفاءة سد النهضة، مما يتطلب إنشاء سدود أخرى للتخفيف عن سد النهضة، ما سيؤدي إلى توتر التفاوض بين مصر وإثيوبيا.

وهو الأمر الذي يستدعي اتفاق ملزم بضمان حد أدنى من حصة المياه لمصر وإثيوبيا من النيل الأزرق، مع ضرورة إخطار مصر والسودان مسبقًا بحجم التخزين المسبق سنويًا؛ لأن إثيوبيا ترفع الحد الأوسط للسد كل عام قبل موسم الأمطار خلال الفترة من أبريل إلى يونيو، مع تعهد إثيوبيا بتشغيل كل التوربينات لضمان وصول الحصة السنوية لمصر والسودان دون انخفاض.

إلا أن اثيوبيا على ما يبدو غير مستجيبة للمطالب المصرية، وذلك انطلاقا من إصرارها على اعتبار النيل، نهرا إثيوبيا خالصا، وشأنا خاصا بها، وهو ما ترفضه مصر، استنادا لـ “القانون الدولي”، الذي يُعده نهرا دوليا، ويعترف لها باتفاقيتي 1902 و1929، اللتين تحميان حقوق مصر المائية، عملا بمبدأ “توارث المعاهدات”، الذي يسري على اتفاقيات الأنهار.

إن نهر النيل هو قضية وجود لمصر، وليس بوسعها التفريط في حصتها المائية تحت أي ظروف أو ضغوطات، وعليها أن تُعيد حساباتها وتختار آليات مختلفة وفعالة للتعاطي مع قضية سد النهضة…

……………..

مراجع:

سبوتنيك، دلالات إعلان إثيوبيا الانتهاء من الملء الرابع لسد النهضة، 18 سبتمبر 2023

العربي الجديد، كواليس الجولة “الفاشلة” من مفاوضات سد النهضة، 26 سبتمبر 2023

وائل قنديل، سد النهضة: فن مضغ الهواء، العربي الجديد،17 يوليو 2023

الخليج الجديد، إثيوبيا تهاجم مصر: موقفها يقوض إعلان المبادئ بشأن سد النهضة، 25 سبتمبر 2023

العربي الجديد، مفاوضات سد النهضة… مصر ترفض إعادة المحاصصة والبيع، 25 سبتمبر 2023

الخليج الجديد، فشل جولة جديدة من مفاوضات سد النهضة تثير غضبا وخوفا في مصر.. لماذا؟، 25 سبتمبر 2023

العربي الجديد، مصر: إثيوبيا تتراجع عن توافقات سبق التوصل إليها بشأن سد النهضة، 24 سبتمبر 2023

الخليج، “المهمة تمت بنجاح”.. إثيوبيا تعلن انتهاء الملء الرابع والأخير لسد النهضة، 10 سبتمبر 2023

ميديا لاين، محللون: آفاق الحل بمفاوضات سد النهضة الإثيوبي “لا تزال قائمة”، 1 سبتمبر 2023

الخليج الجديد، مصر ترد على الملء الرابع لسد النهضة: يضع عبئا على المفاوضات 10 سبتمبر 2023

الأناضول، بعد الملء الرابع لسد النهضة.. ما مصير المفاوضات الثلاثية؟،18.09.2023

دويتشه فيله، الصراع على المياه يحتدم.. ماذا وراء الملء الرابع لسد النهضة الأثيوبي؟، 19 سبتمبر، 2023

الخليج الجديد، اكتمال الملء “الرابع والأخير” لسد النهضة الإثيوبي.. ماذا يعني؟، 25 سبتمبر 2023

العربي الجديد، الملء الرابع لسد النهضة… تحذيرات من وضع “خطير”، 18 سبتمبر 2023

الجزيرة، الملء الرابع لسد النهضة يفاقم أزماتها المائية.. أي بدائل لدى مصر للمواجهة؟، 26/6/20

الشرق الأوسط، مصر: جولة جديدة من مفاوضات سد النهضة دون حلول.. وخبراء يحددون الأسباب، 24 سبتمبر 2023

الجزيرة، ماذا بعد انتهاء الملء الرابع والأخير لسد النهضة؟، 13 سبتمبر 2023

CNNبالعربية، جولة جديدة من مفاوضات سد النهضة دون حلول.. وخبراء يحددون الأسباب،

الراكوبة، بعد الملء الرابع لسد النهضة.. ما مصير المفاوضات الثلاثية؟، 18 سبتمبر، 2023

سعيد السني، سد النهضة وحصة مصر المائية “الاستعمارية”.. ما المشكلة؟، الجزيرة،27/9/2023

العربي الجديد، سد النهضة: تمسّك إثيوبيا بالمحاصصة في النيل يعرقل العودة للمفاوضات، 2 مارس 2023

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022