فشل قمة القاهرة للسلام.. الأسباب والدلالات

في اليومِ الخامسَ عشرَ من معركة “طوفان الأقصى”، يوم السبت 21 أكتوبر الحاري، نظّمت مصر “قمة القاهرة للسلام”، والتي كانت بعيدة جدًا عن مواكبة المعركة، والعدوان “الإسرائيلي” المتواصل واللا محدود على قطاع غزّة، فضلًا عن أن تستطيع الضغط باتّجاه وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات.

واختتمت قمة القاهرة للسلام، لمناقشة التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة دون إصدار بيان ختامي، بسبب خلافات بين المشاركين بها.

وشارك في قمة القاهرة للسلام أكثر من ثلاثين دولة بينهم قادة ورؤساء وزارات ووزراء خارجية ومسؤولون من قطر وتركيا واليونان وفلسطين والأردن والإمارات والبحرين والكويت والسعودية والعراق وروسيا وإيطاليا وقبرص وغيرهم.

وكان لقرار الأردن إلغاء القمة الرباعية (الأردن-مصر-السلطة-الولايات المتحدة) في عمّان الأربعاء 19 أكتوبر، في أعقاب مجزرة المستشفى الأهلي المعمداني في غزّة؛ الدافع للنظام المصري المُسارعة في توجيه الدعوة لقمة القاهرة للسلام.

وتصاعدت الخلافات بين المجموعة العربية وممثلي الغرب المشاركين في القمة، الذين عرقلوا صدور البيان..

إذ أراد ممثلو الغرب في أن يتضمن البيان فقط إدانة لحركة حماس، بينما رفضوا إدانة إسرائيل بقتل آلاف المدنيين في غزة، أو المطالبة بوقف عاجل لإطلاق النار ودخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر..

لهذا خرجت الرئاسة المصرية ببيان عبر عن وجهة نظرها في الأزمة، وأشار إلى ما كانت تتطلع إليه مصر عبر دعوتها لهذه القمة..

إذ أصر الجانب الأوروبي على إضافة جملة تشير إلى “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” وطلب “إدانة واضحة وصريحة لحماس”، بينما تحفظت المجموعة العربية على هذه الجمل وشهدت المناقشات اختلافاً حاداً، إلا أنها لم تتوصل إلى نتيجة نهائية.

ووفق مصادر دبلوماسية، فإن الدول الأوروبية الكبرى لم تكن راغبة فى صدور أي بيان بغض النظر عن صياغته”، وقالت إن ممثليها “تحججوا بأسباب واهية، وكلما طرحت حلول وسط لم يوافقوا عليها لأنهم غير راغبين فى صدور بيان”…

وشددت الكلمات التي ألقيت خلال القمة على ضرورة خفض التصعيد، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين، وتجنّب توسّع الصراع في المنطقة.

السيسي من جانبه، أكد في كلمته خلال افتتاح القمة، إن “مصر تدين بوضوح كامل استهداف أو قتل أو ترويع كل المدنيين المسالمين، وفي الوقت ذاته؛ تعبر عن دهشتها البالغة من أن يقف العالم متفرجاً على أزمة إنسانية كارثية يتعرض لها مليونان ونصف المليون إنسان فلسطيني، في قطاع غزة، يُفرض عليهم عقاب جماعي، وحصار وتجويع، وضغوط عنيفة للتهجير القسري، في ممارسات نبذها العالم المتحضر الذي أبرم الاتفاقيات، وأسس القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، لتجريمها، ومنع تكرارها، مما يدفعنا لتأكيد دعوتنا، بتوفير الحماية الدولية، للشعب الفلسطيني والمدنيين الأبرياء”.

وكان أمير قطر الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني” قد غادر مصر، بعد أن شارك في قمة القاهرة للسلام بشأن تطورات الأوضاع في قطاع غزة، من دون أن يلقي كلمة خلال القمة.

بيان الرئاسة المصرية بديل عن البيان المشترك:

وأصدرت الرئاسة المصرية بيانا جاء فيه، أن “مصر سعت من خلال دعوتها إلى هذه القمة، لبناء توافق دولي عابر للثقافات والأجناس والأديان والمواقف السياسية. توافق محوره قيم الإنسانية وضميرها الجمعي، ينبذ العنف والإرهاب وقتل النفس بغير حق.

يدعو إلى وقف الحرب الدائرة التي راح ضحيتها الآلاف من المدنيين الأبرياء على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. يطالب باحترام قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.

يؤكد الأهمية القصوى لحماية المدنيين وعدم تعريضهم للمخاطر والتهديدات، ويعطى أولوية خاصة لنفاذ وضمان تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية وإيصالها إلى مستحقيها من أبناء قطاع غزة، ويحذر من مخاطر امتداد رقعة الصراع الحالي إلى مناطق أخرى في الإقليم”.

وتابع البيان المصري: “تطلعت مصر أيضا إلى أن يطلق المشاركون نداء عالميا للسلام، يتوافقون فيه على أهمية إعادة تقييم نمط التعامل الدولي مع القضية الفلسطينية على مدار العقود الماضية، وبحيث يتم الخروج من رحم الأزمة الراهنة بروح وإرادة سياسية جديدة تمهد الطريق لإطلاق عملية سلام حقيقية وجادة، تفضي خلال أمد قريب ومنظور إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود يونيو 1976 وعاصمتها القدس الشرقية”.

وأضاف: “المشهد الدولي عبر العقود الماضية كشف عن قصور جسيم في إيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية، لكونه سعى لإدارة الصراع، وليس إنهائه بشكل دائم. اكتفى بطرح حلول مؤقتة ومُسكّنات لا ترقى لأدنى تطلعات شعب عانى على مر أكثر من 80 عاما من الاحتلال الأجنبي ومحاولات طمس الهوية وفقدان الأمل“.

واستطرد البيان: “كما كشفت الحرب الجارية عن خلل في قيم المجتمع الدولي في التعامل مع الأزمات، فبينما نري هرولة وتنافس على سرعة إدانة قتل الأبرياء في مكان، نجد ترددا غير مفهوم في إدانة نفس الفعل في مكان آخر، بل نجد محاولات لتبرير هذا القتل، كما لو كانت حياة الإنسان الفلسطيني أقل أهمية من حياة باقي البشر”...

واعتبرت الرئاسة المصرية أن “الأرواح التي تزهق كل يوم خلال الأزمة الراهنة، والنساء والأطفال الذين يرتجفون رعبا تحت نير القصف الجوي علي مدار الساعة، تقتضى أن تكون استجابة المجتمع الدولي على قدر فداحة الحدث، فحق الإنسان الفلسطيني ليس استثناء ممن شملتهم قواعد القانون الدولي الإنساني أو الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، والشعب الفلسطيني لا بد أن يتمتع بكافة الحقوق التي تتمتع بها باقي الشعوب، بدءا بالحق الأسمى، وهو الحق في الحياة، وحقه في أن يجد المسكن الآمن والرعاية الصحية اللائقة والتعليم لأبنائه، وأن تكون له قبل كل شيء دولة تجسد هويته ويفخر بالانتماء لها“.

وتابع البيان: “تؤكد مصر بهذه المناسبة أنها لن تدخر جهدا في استمرار العمل مع جميع الشركاء من أجل تحقيق الأهداف التي دعت إلى عقد هذه القمة، مهما كانت الصعاب أو طال أمد الصراع. وسوف تحافظ مصر دوما على موقفها الراسخ الداعم للحقوق الفلسطينية، والمؤمن بالسلام كخيار استراتيجي لا حياد أو تراجع عنه، حتى تتحقق رؤية حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، اللتين تعيشان إلى جوار بعضهما البعض في سلام“.

وختم: “في إطار سعي مصر نحو تحقيق تلك الأهداف السامية، لن تقبل أبدا بدعاوى تصفية القضية الفلسطينية على حساب أي دولة بالمنطقة، ولن تتهاون للحظة في الحفاظ على سيادتها وأمنها القومي في ظل ظروف وأوضاع متزايدة المخاطر والتهديدات، مستعينة في ذلك بالله العظيم، وبإرادة شعبها وعزيمته“.

أولا: أهداف القمة:

وركزت دعوة القمة على عدة قضايا ، للوصول إليها، ومنها:

  • إيجاد ضامنيين دوليين واقليميين للقضية الفلسطينية:

وعلى الرغم من فشل القمة، إلا أن أهميتها  تكمن في أنها كانت محاولة إقليمية لإعادة وضع القضية الفلسطينية على خريطة السياسة الدولية.

وتعود الفكرة الأساسية التي وضعها الأتراك مع المصريين، وهي تبني مبدأ أن يكون هناك ضامنون للقضية الفلسطينية، عبارة عن مجموعة من الأطراف الإقليمية بشكل أساسي، تعمل كضامن للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، في حل القضية..

 وكانت مصر وتركيا معنيتان بأن تكون السعودية شريكة، بالإضافة إلى دول أخرى مثل جنوب أفريقيا. حاولت القمة إظهار أن الأطراف الإقليمية، تعادل موقف الغرب غير المسبوق المنحاز لإسرائيل، والذي يهدف إلى إنهاء القضية الفلسطينية، عبر الدعوة والقبولل بفكرة تهجير الفلسطينييين إلى سيناء..

إلا أن القمة وما جرى بها، من عدم توافق أفشل المشروع المصري التركي لايجاد ضامنين للقضية الفلسطينية،  بل لم تتبن حتى موقفاً ودوراً في وقف الحرب نفسها..

  • مآرب اقتصادية وسياسية أخرى لمصر:

وقد اعتمد السيسي في تحركاته ، في أعقاب اندلاع الحرب في غزة على ارضتء جميع الاطراف لدولية، سواء امريكا واسرائيل والغرب أو الدول العربية، وحاول الدفاع عن مصر فيما يتعلق بتهجير مليون غزاوي إليها، بينما سعى لجمع المساعدات الانسانية لغزة من كل دول العالم، لاعادة تفعيل الدور الاقليمي لمصر بالمنطقة، وهو ما أشارت إليه وكالة بلومبرج، في تحليل لها، مؤخرا، بأن مصر استهدفت من تفعيل دورها السياسي  ودعوتها العاجلة لقمة السلام بالقاهرة، تحقيق مآرب اقتصادية أخرى.

وقالت الوكالة: إنه “مع العلاقات الطويلة الأمد مع الاحتلال والحدود مع غزة، فإن موقف مصر يتشكل كمفتاح لمصير أي لاجئ وتدفق مستمر للمساعدات لسكان القطاع المحاصر البالغ عددهم 2 مليون نسمة بعد أن قطعت سلطات الاحتلال الإمدادات الحيوية ردا على هجوم حماس في 7 أكتوبر”.

ويفتح ذلك فرصا أمام مصر، في الوقت الذي تكافح فيه أسوأ توقعاتها الاقتصادية منذ عقود ويستعد عبد الفتاح السيسي للانتخابات في أقل من شهرين، ومع ذلك، ينظر إلى مجموعة من الاعتبارات المحلية والإقليمية على أنها تستبعد أي صفقة للاجئين.

قالت ميريت مبروك، مديرة برنامج مصر في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن: “من الواضح أن الأمل في إسرائيل والولايات المتحدة كان أن تقبل مصر حوافز اقتصادية، في وقت تعاني فيه من أزمة اقتصادية، للسماح لسكان غزة بدخول مصر“.

وفي الأيام التي تلت اندلاع  حرب غزة، تودد السيسي إلى سلسلة من قادة العالم، وأعاد الرئيس الأمريكي جو بايدن التأكيد على الشراكة الاستراتيجية الدائمة بين البلدين في مكالمة، وأشاد المستشار الألمماني أولاف شولتس بالوحدة الألمانية المصرية في العمل على منع حريق الشرق الأوسط، التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ برئيس حكومة السيسي مصطفى مدبولي في بكين.

ووفق وكالة بلومبرج،  فأن مصر من المرجح أن تتلقى بعض الدعم الاقتصادي، بغض النظر عن موقفها من اللاجئين، وذكرت الأزمة اللاعبين العالميين بوضع مصر كمحور إقليمي، مما رسخ فكرة أنها أكبر من أن تفشل.

وتجري مصر، التي توصلت إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر، محادثات بالفعل بشأن تعزيز برنامج الإنقاذ هذا إلى أكثر من 5 مليارات دولار من 3 مليارات دولار، وفقا لما قاله أشخاص مطلعون على المناقشات لبلومبرج هذا الشهر.

ومن المحتمل أن يضغط المساهمون الرئيسيون في صندوق النقد الدولي في الولايات المتحدة وأوروبا على البنك ، لتخفيف متطلباته والمضي قدما في البرنامج على الرغم من بطء وتيرة الإصلاحات في القاهرة، وفقا لريكاردو فابياني، مدير مشروع شمال أفريقيا في مجموعة الأزمات.

وسابقا، كانت مصر قد حصلت على إعفاء من نصف ديونها البالغة 20.2 مليار دولار المستحقة للولايات المتحدة وحلفائها في عام 1991  وهي واحدة من أكثر الحالات سخاء التي منحتها الدول الدائنة لتخفيف عبء الديون  مقابل دعم التحالف المناهض للعراق خلال حرب الخليج.

وكانت واشنطن أرادت مكافأة الرئيس المخلوع حسني مبارك على دوره المحوري في اصطفاف الدول العربية ضد صدام حسين وتعويض مصر عن الخسائر المالية الفادحة في الحرب، كما أرسلت مصر قوات مسلحة للمشاركة.

ومع ذلك ، سيكون تكرار هذا السيناريو صعبا. في ذلك الوقت، كان هناك إجماع عام على أنه منذ غزو الكويت، كانت بحاجة إلى الدعم، وفي حين أن مشاركة مصر لم تقابل بأي فرح كبير في الدوائر العسكرية، إلا أنها لم تكن صعبة البيع بشكل خاص، وكان تخفيف عبء الديون حافزا إضافيا هائلا..

ثانيا: أسباب فشل القمة:

  • ضعف التحضيرات المصرية للقمة:

وتعود أسباب عدم التوافق وعدم صدور بيان ختامي عن القمة إلى رفض الدول العربية ضغوطا أوروبية سعت لتضمين البيان إدانة واضحة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وفي الوقت نفسه الدفع بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.

كما أن التباين في التمثيل بين الوفود المشاركة ربما هو ما حال دون الوصول لبيان نهائي، فيما مصر كانت تراهن على الحضور الدولي لتوصيل نداء عالمي يوقف الحرب على غزة، مما تحقق جزئيا عبر ذهاب رئيسة الوزراء الإيطالية ونظيرها اليوناني ورئيس قبرص لإسرائيل في يوم القمة لإيصال رسالة السلام إليها، هذا الأمر قد يسهم مع قنوات أخرى في وقف التصعيد سريعا..

ووفق تقديرات استراتيجية، فقد تسبب الترهل الدبلوماسي، على ما يبدو داخل مؤسسة الدبلوماسية المصرية، في  ضعف الاتصالات والمشاورات مع الاطراف الغربية ولاقليمية، خلال فترة الاعداد للقمة، وهو ما حال  دون التوصل حتى لاتفاق على مطلب واحد كوقف إطلاق النار، أو حماية المدنيين، أو إدخال مساعدات بشكل مستمر..

  • اصطفاف غربيّ مبكر وراء اسرائيل:

وجاء انعقاد القمة في اليوم الخامس عشر للحرب، وذلك بعد أن نسقت إسرائيل المواقف وثبتت رؤيتها للاحداث لدى الدول الغربية..

وقد أبدى الغرب- وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الأمريكية- دعمًا غير مسبوقٍ ولا محدودٍ ولا مشروط لدولة الاحتلال، وتبدَّى ذلك بشكل مباشر في تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي زارها مؤيدًا ومتضامنًا وعانقَ نتنياهو، وهو يردد التهديدات بتغيير خرائط الشرق الأوسط.

بل لم يكتفِ الموقف الأمريكي والغربي بالدعم السياسيّ والإعلامي، وإنّما تخطّى ذلك نحو الدعم العسكري، على شكل حُزمات من الأسلحة المتنوّعة التي قدمت لحكومة نتنياهو، ودعم مالي غير مسبوق ليوضع في خِدمة المجهود الحربي، وصولًا لإرسال حاملات الطائرات إلى شرق المتوسط، في رسالة قُرئت بما يتجاوز بمراحلَ فكرةَ الدعم والتضامن السياسي.

من زاوية ما، كانت حاملات الطائرات الأمريكية تسعى لإطلاق يد نتنياهو لينتقم من غزّة ومقاومتها وتكبيل أيادي الآخرين جميعًا، وفي مقدمتهم إيران وحزب الله، وهو ما أيّدته بعض التصريحات الأميركية.

وبدت واشنطن وكأنها تدير الحرب بنفسها، لا سيّما لدى الإعلان عن فرقة “دلتا” التي انتقلت لدولة الاحتلال، وقيل إنها ستساعد قواتها في البحث عن أسرى المعركة، ولا سيما الأميركيين منهم.

  لكن القادة الأوروبيين وصلوا إلى القاهرة وهم يعلمون أنهم لا يستطيعون التوقيع على مسودة الإعلان المصري، التي لم تذكر حق دولة الاحتلال في الدفاع عن نفسها ضد حماس، وفقا لدبلوماسيين ومسؤولين أوروبيين شاركوا في التحضيرات للقمة.

وقالت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، في خطاب في القمة: “مثل أي دولة أخرى في العالم، لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها والدفاع عن شعبها ضد هذا الإرهاب، على الرغم من أنها أضافت أن الدفاع يجب أن يكون في إطار القانون الدولي“.

ومع ذلك، أوضحت تصريحات العديد من القادة الأوروبيين أن ارتفاع عدد القتلى المدنيين والكارثة الإنسانية التي تلوح في الأفق في غزة قد أجبرت على تحول دقيق في الخطاب، وبينما أعاد الزعماء الأوروبيون التأكيد على حق دولة الاحتلال في الدفاع عن نفسها، دعوا الاحتلال يوم السبت إلى التصرف وفقا للقانون الدولي وحثوا على توفير حماية أكبر للمدنيين الفلسطينيين، وهي نقاط حظيت بتركيز أقل في الأيام القليلة الأولى بعد هجمات حماس في 7 أكتوبر على المدنيين الإسرائيليين.

وعلى الرغم من عدم وجود إعلان للقمة، قال مسؤولون أوروبيون: إن “زعماء اليونان وقبرص وإيطاليا وإسبانيا، وكذلك رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، كانوا حريصين على الظهور في القاهرة، حتى لو كان ذلك فقط ليظهروا لشركائهم العرب أنهم قلقون بشأن المدنيين في غزة“.

ولم تحقق  القمة ما كانت تصبو إليه مصر من خلال الحشد الدولي، وكانت رغبة القاهرة في وجود تكتل دولي يوقف الحرب في غزة على نحو عاجل كانت وراء مسارعتها لعقد القمة دون وقت كاف للإعداد الجيد لها، ولضمان تحقيق توافق على بيانها الختامي.

  • تراخي المواقف العربية والاسلامية:

أما مواقف الدول العربية والاسلامية، فتكرّرت مواقف وتصريحات تقليدية، مثل: الحديث عن عملية السلام، وضرورة دخول المساعدات والمواد الإغاثيّة لقطاع غزّة، بل وتخطّت بعض الدول ذلك نحوَ التركيز على فكرة “إطلاق حماس سراح الرهائن” لديها.

غابت عن المواقف الرسمية لأيام طويلة الدعواتُ الصريحة لوقف إطلاق النار، فضلًا عن لوم أو انتقاد دولة الاحتلال والدعوة -وليس حتّى السعي- لإلزامها بالقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، وهي ترتكب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية وَفق عددٍ من المؤسسات الدولية.

أوحى ذلك بالتزام عربي – إسلامي بسقف رسمته الولايات المتحدة للكثير من الدول العربية والإسلامية في الحرب الحالية، فكان لافتًا أنَّ أيًا من هذه الدول التي لها علاقات دبلوماسية مع دولة الاحتلال لم تسحب سفيرها منها، ولو للتشاور، ولم تستدعِ سفير الاحتلال لوزارة خارجيتها للاحتجاج، فكان أن أعلن الأخير سحب دبلوماسييه من هذه الدول؛ خوفًا من ردّات الفعل الشعبيّة وليس المواقف الرسمية.

  • عدم اللياقة الدبلوماسية المصرية:

يشار إلى أن أحد أهداف أي قمة هو أن تنتهي ببيان مشترك، يمكن أن تتفق عليه جميع الدول الحاضرة، حتى قبل بدء القمة، حيث تجري فرق العمل التابعة لوزارة خارجية الدولة المنظمة، اتصالاتها  القبية، وتشاوراتها للوصول لنتيجة تريدها او يمكن التوافق عليها ، وغالبا ما يلقي  رؤوساء الدول بثقلهم السياسي، خلف اعمال المؤتمر لتمرير نجحه..الا انه يبدو لم يعد للنظام المصري ثقل عالمي يعتمد عليه او يستثمره لانجاح القمة..

ومنذ العام 2013، سيطرت العقلية العسكرية على مفاصل الدولة، ومنها وزارة الخارجية، وبات وزير الخارجية واي وزير مجرد سكرتير لدى السيسي، وغرس السيسي قيدات عسكرية قد لا تتمتع بالدبلوماسية في دوائر الوزارة، كما فرض على الدبلوماسيين خوض دورات عسكرية للتعيين أو الترقي أو الحصول على  مناصبهم..وهو ما أثر بالفعل وجعل الكلمة الأوبى للعسكريين .

كما أن التقارير والدراسات المتخصصة والتقديرات السياسية للوزارة لم تنل موبعها في قرارات السيسي، فيما يتعلق بالقضايا الخارجية.

وهو ما حدث في أزمة جزيرتي تيران وصنافير حيث كان الوزير والدائرة القانونية المحيطة به ترفض التفريط في الجزيرتين ورغم ذلك لم يحترم السيسي قرارها، وهو ما تكرر في مسألة تعيين الحدود بين مصر وقبرص، وبين مصر واليونان، حيث قدمت تركيا لوزارة الخارجية المصرية ملفات ووثائق تثبت حق مصر في نيل مساحات مائية أكبر ، الا أن السيسي ضرب بتلك الوثائق والآراء السياسية والقانونية لوزارة الخارجية، عرض الحائط …

وهو نهج مكرر في القضايا الخارحية، قد يطون له تأثير سلبي على  قمة السلام الخيرة..

ثالثا: دلالات فشل القمة:

-فشل الدبلوماسية المصرية:

إذ غاب في القمة الحديث الجدي عن وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، والوقوف في وجه التوغل البري الذي أعلنه الاحتلال الإسرائيلي، وأيضاً عدم الحديث عن “آلية محددة لإيصال المساعدات إلى الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة بطريقة مستدامة”.

كما إن “عدم الاتفاق على إنشاء ممرات إنسانية آمنة عليها مراقبون، ولا وقف إطلاق النار لأغراض إنسانية، يجعل إيصال المساعدات الإنسانية عرضة لمخاطر عديدة..

وكان الغريب، هو موافقة الأمم المتحدة على ذلك، وموافقة المجتمع الدولي على إيصال مساعدات إنسانية من دون وقف إطلاق نار..

ووفق قواعد القانون الدولي، يجب أن تكون المساعدات الإنسانية نفسها محمية وفق قواعد القانون الدولي الإنساني، الذي وفر حماية لعمال الإغاثة والمنظمات الإغاثية سواء كانت حكومية أو غير حكومية..

بينما يرى السفير السابق عبد الله الأشعل، فإن الداعين للقمة والذين حضروها لم يُقدموا على اتخاذ قرار، يتصادم مع إسرائيل بخصوص عمل معبر رفح تحديداً..

فإسرائيل، تريد أولاً ترتيب الأوضاع في غزة، بأن تخليها تماماً من سكانها، إما بالقتل أو بالتهجير، وتصفي المقاومة وتنهيها تماماً وتحتل غزة، ثم بعد ذلك يحصل توغل بري لغزة..

ووفق الاشعل، تقوم استراتيجية اسرائيل على استمرار إطلاق النار مطلقاً، كما أنها تنتوي ألا تتبادل أسرى مع حماس، بل تريد تحريرهم بالقوة..

  • تلاشي فكرة السلام عن أرض الواقع :

كما أن الدولة المصرية فوجئت بعد 45 عاماً من أوهام السلام، أن السلام بعيد جداً عنها، وأن أمنها مهدد بشدة من إسرائيل، مثلما كان مهدداً عام 1967، ولكن هذه المرة ليس بالاحتلال الإسرائيلي المباشر وإنما بتهجير الفلسطينيين قسرياً، ودفعهم إلى اختراق الحدود الدولية واجتياح سيناء خوفاً من الإبادة..

وللأسف يحدث ذلك في وقت لا تملك فيه الدولة المصرية في سيناء، القوات المسلحة الكافية، لمنع إسرائيل من تنفيذ هذه الجريمة، وذلك بسبب القيود العسكرية المفروضة على أعداد وتسليح قواتنا هناك بموجب المعاهدة، وهو ما يضع الدولة وأرضها وسيادتها في مخاطر شديدة قد تهدد وجودها ذاته

  • انهيار منظومة القيم الأوربية:

وقد ظهر واضحا من مواقف الدول الاوربية المتصلبة على ضرورة، حماية الاسرائيليين من أي عنف، واغماض العيون عن العنف الصهيوني والعربدة غيير المسبوقة..

وهو ما دفع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ليؤكد مستاءً ان حياة الفلسطينيين أقل أهمية من حياة الإسرائيليين: “حياتنا أقل أهمية من حياة الآخرين، إن تطبيق القانون الدولي اختياري، وحقوق الإنسان لها حدود فهي تتوقف عند الحدود، وتتوقف عند الأعراق وتتوقف عند الأديان“.

ومع ذلك، أوضحت تصريحات العديد من القادة الأوروبيين أن ارتفاع عدد القتلى المدنيين والكارثة الإنسانية التي تلوح في الأفق في غزة قد أجبرت على تحول دقيق في الخطاب، وبينما أعاد الزعماء الأوروبيون التأكيد على حق دولة الاحتلال في الدفاع عن نفسها، دعوا الاحتلال إلى التصرف وفقا للقانون الدولي وحثوا على توفير حماية أكبر للمدنيين الفلسطينيين، وهي نقاط حظيت بتركيز أقل في الأيام القليلة الأولى بعد هجمات حماس في 7 أكتوبر على المدنيين الإسرائيليين.

وعلى الرغم من عدم وجود إعلان للقمة، قال مسؤولون أوروبيون: إن “زعماء اليونان وقبرص وإيطاليا وإسبانيا، وكذلك رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، كانوا حريصين على الظهور في القاهرة، حتى لو كان ذلك فقط ليظهروا لشركائهم العرب أنهم قلقون بشأن المدنيين في غزة“.

في الأيام الأخيرة، مع تدهور الوضع الإنساني داخل غزة وارتفاع عدد القتلى المدنيين، أصبح من الواضح أن القادة الأوروبيين يريدون إرسال إشارة مختلفة على الرغم من أنه من المرجح أن تبدو صامتة للغاية للآذان العربية.

وقال كيرياكوس ميتسوتاكيس، رئيس الوزراء اليوناني، في تحذير واضح لإسرائيل العقاب الجماعي محظور بموجب قوانين الحرب، عندما يجب شن الحرب، هناك حدود لما يمكن القيام به للبشر، الحصار الشامل مخالف للقانون الدولي.

وأشار كل مسؤول غربي في القمة إلى الحاجة إلى ضمان تدفق مستمر للمساعدات الإنسانية إلى غزة، وأعلنت عدة دول في القمة أنها ستزيد تمويلها لهذه المساعدات، كما أعلنت السيدة فون دير لاين عن زيادة المساعدات للفلسطينيين ثلاث مرات، الكتلة هي أكبر مانح للمساعدات للفلسطينيين.

وعلى الرغم من أن بقية العالم قد يرى اتحادا أوروبيا متحالفا تماما مع الاحتلال، إلا أن الشكاوى حول موقف السيدة فون دير لاين المؤيد بشدة للاحتلال قد تزايدت، حتى أنها أثارت رسالة شكوى نادرة من قبل موظفي المفوضية الأوروبية، الذين عادة ما يكونون محايدين بشكل معلن وخائفين على آفاقهم المهنية في الفرع التنفيذي للاتحاد الأوروبي.

واتهمت الرسالة، التي وجهت إلى السيدة فون دير لاين شخصيا، ووقع عليها حوالي 850 موظفا، وأبلغ عنها في البداية يوراكتيف، بأنها تظهر ازدواجية المعايير، وقالت إن اللجنة أعطت مطلق الحرية لتسريع وشرعية جريمة حرب في قطاع غزة.

  • إفشال القمة قد يكون لممزيد من الضغط لتمرير مخطط التهجير نحو مصر:

وترافق فشل القمة، التي لم يكن مخططا لها بشكل جيد، واعتمدت الإدارة المصرية في دعوتها، على الحالة الانفعالية الإقليمية والدولية إزاء الممارسات الاسرائيلية، وقد يبدو أن موقف الدول الأوربية المتشدد في حماية المواقف الاسرائيلية، أحد آليات الضغط نحو تحقيق هدف أسمى، وهو سيناريو التهجير الذي طالبت به إسرائيل الفلسطينيين..

إذ أنه في الوقت نفسه، أمرت سلطات الاحتلال أكثر من نصف الفلسطينيين البالغ عددهم 2.3 مليون فلسطيني في غزة بالإخلاء من الشمال إلى الجنوب داخل القطاع الذي أغلقته تماما، مما دفع مئات الآلاف من الفلسطينيين نحو الحدود المصرية.

فيما تخشى مصر من أن يؤدي النزوح الجماعي إلى دفع المتشددين إلى سيناء حيث قد يشنون هجمات على دولة الاحتلال مما يعرض معاهدة السلام للخطر.

وتخشى الدول العربية أيضا من تكرار النزوح الجماعي للفلسطينيين، مما يعرف الآن بدولة الاحتلال قبل وأثناء حرب عام 1948 التي أحاطت بإنشائها، عندما فر حوالي 700 ألف شخص أو طردوا، وهو حدث يشير إليه الفلسطينيون باسم النكبة، ولم يسمح لهؤلاء اللاجئين وذريتهم، الذين يبلغ عددهم الآن ما يقرب من 6 ملايين، بالعودة أبدا.

وتناغمت المواقف الاوربية ايضا مع  المطالبات الاسرائيلية بخروح الفلسطينيين نحو سيناء المصرية، ثم ظهر مخطط آخر، تقوم الاستخبارات الاسرائيلية على تمريره، بنقل وتوطين سكان غزة في مدن السادس من أكتوبر والعاشر من رمضان داخل نطاق القاهرة الكبرى، وهو الأمر الذي سيكون مقابلان يحصل نظام السيسي على نحو 30 مليار دولار، مع سداد ديون مصرية أخرى للصين تصل لـ8 مليار دولار..

ولعل عدم مطالبة إسرائيل بوقف اطلاق النار يخدم مخططاتها في إبادة قطاع غزة، واإاحة سكانه قسراً خارجه، تحت مزاعم النجاة بأنفسهم، مما يخلي القطاع كي تستفرد بأراضيه إسرئيل وتقيم عليه استثماراتها ومستوطناتها، ضمن مشروع غزة الكبرى..

  • خيبة أمل للقاهرة:

الفشل في ردم الاختلافات الواسعة بين المشاركين في القمة أجهض تطلعات القاهرة لإحراز الأهداف التي سعى إليها عبد الفتاح السيسي من وراء عقد القمة.

وبدا من خلال مستوى التمثيل الغربي للحاضرين بالقمة أنهم لا يولون اهتماما كبيرا بها، حيث حضرها وزراء خارجية، أما الولايات المتحدة فاكتفت بإرسال القائمة بالأعمال السفيرة بيث جونز.

وجاءت كلمات المتحدثين خلال القمة لتكرر ما هو معلن من آراء الدول المعنية، ولتضاعف خيبة الأمل في إمكانية الوصول للتوافق.

وكانت القاهرة تتطلع إلى أن “ينبثق عن المشاركين في القمة نداء عالمي يؤكد أهمية إعادة تقييم النهج الدولي في التعامل مع القضية الفلسطينية، بحيث يتم الخروج من رحم الأزمة الراهنة بروح وإرادة سياسية جديدة تمهد الطريق لإطلاق عملية سلام حقيقية وجادة، تفضى خلال أمد قريب ومنظور إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية”، حسب بيان رئاسة الجمهورية المصرية.

  • صعوبة تصفية القضية الفلسطينية:

وفي الجانب الآخر، يبرز حقيقة ليست مرتبطة بمصر أو مواقف الدول العربية، بقدر محورية القضية الفلسطينية نفسها..

وأرادت  القاهرة خلال القمة في تأكيد مواقفها الرافضة لتصفية القضية الفلسطينية، في رسالة قوية للقوى الغربية بأن عليها أن تتحرك بعيدا عن هذا السيناريو، وهي واحدة من أهم إيجابيات هذه القمة التي عكست كذلك مواقف جيدة للأردن والسلطة الفلسطينية وبعض الأطراف الأوروبية، وقد تُراهن القاهرة على الوقت لإيجاد ثغرة في جدار الدعم الغربي لإسرائيل.

إلا أن استمرار حرب الإبادة ضد سكان غزة، يُعزز مخططات تصفية القضية، وكذا دعوات ومخططات التهجير التي لا تتوقف تزيد من الضغوط على مصر وعلى المنطقة بأسرها، نحو مواجهات سياسية لدعم ثبات الفلسطينيين على أاضيهم..

  • تضعضع الموقف العربي:

وخلال أعمال القمة، وتحليل مضامين خطاباتها، غلبَ على خطاب الدول العربية -وتحديدًا مصر والأردن- رفضُ مخططات تهجير أبناء قطاع غزة نحو مصر، والتحذير من مخاطر خيار كهذا وتهديده للأمن القومي المصري، إضافة لتَكرار دعوات إحياء المسار السياسي وعملية “السلام”، في تنكّر فاضح للموقف “الإسرائيلي”، ومفردات خطابه التي ركّزت على ضرورة إعادة احتلال قطاع غزة وإنهاء حكم حماس، وعدم الاكتراث بسقوط المدنيين الذين هم “حيوانات على صورة بشر”، وصولًا للتهديد بـ”إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط” برمّته.

ورغم تأكيد الرئيس الفلسطينيّ محمود عباس على ثبات الفلسطينيين على أرضهم ورفضهم خطط التهجير و”الترانسفير”، إلا أنّه ساوى ضمنًا بين الاحتلال والمقاومة وغمز من قناة الأخيرة وتنصّل منها لدى تأكيده على “الرفض الكامل لقتل المدنيين من الجانبين، وإطلاق سراح المدنيين والأسرى والمعتقلين كافة، والالتزام بالشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة، ونبذ العنف، واتخاذ الطرق السياسية والقانونية لتحقيق أهدافنا الوطنية“.

رابعا: -وماذا بعد القمة:

وبعد القمة، فإنه لم يعد بيد مصر من أوراق، سوى ورقة علاقاتها باسرائيل، بجانب تليين الموقف الأميركي، وإقناع واشنطن بالعودة للنهج السابق واستخدام ثقلها لإقناع بنيامين نتنياهو بالتعاطي الإيجابي مع جهود التهدئة، ودعم الجهود المصرية لوقف إطلاق النار، والسماح باستمرار دخول المعونات لقطاع غزة، والتأكيد على أن توسع الصراع يضر بالجميع.

ومن الأوراق التي ستعمل مصر على توظيفها  محاولة البناء على الموقف العربي الذي تجسد موحدا خلال أعمال القمة رفضًا للتهجير وتصفية القضية الفلسطينية، والعمل على تكثيف كافة الجهود لإقرار التهدئة وحماية المدنيين.

كما أن لدى القاهرة خيارات ، لكن أحلاها مر، إذ إن الأوراق المتوفرة بيديها تتمثل في التورط عسكريا حال الاجتياح البري لقطاع غزة وفرض التهجير على شعبه، أو تعليق اتفاقية السلام، وهما خياران شديدا الصعوبة، مما قد يضرب الاستقرار الهش في المنطقة ويقطع سبل التواصل مع الاحتلال.

كما أن رهان القاهرة على رغبة إسرائيل بنهاية سريعة للأزمة يبقى أمرا غير مضمون، فرغم صعوبات داخلية تواجهها حكومة إسرائيل، فإنها تفضل التصعيد العسكري هروبا من المحاسبة، ثم إن مواقفها المتطرفة تدفعها لرفض أي جهود لتحقيق التهدئة، بطريقة تصعّب من مهمة مصر.

خاتمة:

على ما يبدو، لم تقدم القمة شيئًا لسكان قطاع غزة الذين استفردت بهم قوات الاحتلال، فلم تقدم غير الخطابات والمناشدات، لكنها حاولت أن تعطي انطباعًا بأن شيئًا ما قد فُعل.

لكن القمة عُقدت وخُتمت ولم يوقف إطلاق النار، ولا أعلنت هدنة إنسانية، ولا فتحت ممرات إنسانية لخروج الجرحى والمصابين، ولا مُورس ضغط حقيقي على دولة الاحتلال، ولا دخلت مساعدات ذات بالٍ للقطاع المحاصر المستهدف.

إنَّ تَكرار المواقف البروتوكوليّة التقليديّة -في غياب أي ضغوط حقيقية على دولة الاحتلال لوقف قصفها المدنيين في غزة، وعدم اتخاذ أي قرارات باتجاه معاقبة الاحتلال أو حتى التلويح بذلك في ظلّ ما اقترفه ويقترفه من جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية يكاد بعضها يرقى للإبادة الجماعية- يُوحي بإقرار ما يحصل وعدم معارضته بشكل فعلي بالحدّ الأدنى.

وإذا ما كانت مواقف الدول الغربية مفهومةً في درجة اصطفافها بل وانخراط بعضها رمزيًا في المعركة إلى جانب دولة الاحتلال، فإن مواقف الكثير من الدول العربية والإسلامية ليس مفهومًا ويثير لدى الفلسطينيين مشاعر الخِذلان من جهة، والشك والقلق من جهة أخرى.

لقد فشلت قمة القاهرة فيما كان يفترض بها أن تنجزه، وفي ظل حالة الشلل التي تعاني منها الأمم المتحدة ومجلس الأمن والعجز المتوقع من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، يبقى التعويل على الجهود الفردية لبعض الدول الصادقة في حرصها على الدم الفلسطينيّ.

وأمام تلك المعطيات، يمكننا التأكيد على أن قمة القاهرة، كانت بمثابة خديعة سياسية لا علاقة لها بمجريات الأوضاع على الأرض في قطاع غزّة…

وغاب عن مستضيفي القمة  الحسم  في بحثهم عن الحلول للقضية، هل هو العودة لخيار التسوية والمفاوضات، التي أثبتت الأحداث والسياقات فشلها الذريع منذ توقيع اتفاقية أوسلو 1993، أم تكرار معزوفة حلّ الدولتين الذي لم يبق له من عناصر الحياة أي شيء؟

ولم تُفصح القمة  عن أهدافها مُسبقاً؛ وركزت كلمات خطابات المشاركين،  على الوضع القائم دون التركيز على حلول للقضية..

وتاريخيا، بقي القرار العربي الرسمي رهينة التبعية للغرب، وعجزه عن التعبير عن آراء ومصالح شعوبها، والتعامل مع القضية الفلسطينية بكثير من الشعارات وبقليل من الأفعال؛ وهو ما يؤكد أنّ القادم أسوأ على صعيد قدرتها على الاستمرار في السلطة….

…………………………….

مراجع:

العربي الجديد، قمة القاهرة للسلام تفشل في التوافق بسبب جملة “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.. ومصر تصدر بياناً منفرداً، 21 أكتوبر 2023

سكاي نيوز عربية، قمة القاهرة للسلام.. خلافات المشاركين تمنع صدور بيان ختامي، l 21 أكتوبر 2023

العربي الجديد، فشل قمة القاهرة للسلام… انعكاس لتباعد المقاربات حول غزة، 21 أكتوبر 2023

محمد سيف الدولة، فرصة مصر التاريخية للتحرر من كامب ديفيد، الخليج الجديد،   22 أكتوبر 2023

العربي الجديد،  قمة القاهرة للسلام تفشل في التوافق بسبب جملة “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.. ومصر تصدر بياناً منفرداً،

21 أكتوبر 2023

قدس برس، محلل سياسي: قمة القاهرة “للسلام” فشلت قبل أن تبدأ،

22 أكتوبر, 2023

الشارع المغاربي، انتهت دون اصدار بيان ختامي: أسباب فشل قمة القاهرة للسلام، 22 أكتوبر 2023

راديو إف إم، قمّة القاهرة للسلام: فاشلة بلا قرارات ولا نتائج، 21/10/2023

د. سعيد الحاج، قمّة القاهرة للسلام” ومواقف الأطراف من “طوفان الأقصى، 24/10/2023

موقع اذاعة مونت كارلو،  قمة القاهرة للسلام … أو حوار الطرشان بين مطالب الأوروبيين بإدانة حماس ورفض العرب لتهجير الفلسطينيين، 22/10/2023

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022