عملية “طوفان الأقصي”.. الأداء القتالي للمقاومة الفلسطينية ودوافعها ومكاسبها

شنت “كتائب القسام”، الجناح العسكري لحركة “حماس”، فجر يوم 7 أكتوبر 2023، هجومًا واسعًا في عمق التجمع الاستيطاني “غلاف غزة”، الذي يضم عددًا من المدن والمستوطنات المتاخمة للخط الحدودي الفاصل بين القطاع وإسرائيل، وهي سبع مستوطنات، إلى جانب 3 ثكنات عسكرية. وقد شمل الهجوم، الذي أعلن عنه محمد الضيف القائد العام لـ”كتائب القسام”، والذي أطلق عليه “طوفان الأقصى”، عمليات تسلل بري نفذتها عشرات الجيبات العسكرية، وعمليات إنزال جوي وبحري عبر طائرات شراعية وقوارب؛ حيث استهدفت عمليات التسلل والإنزال في البداية بشكل أساسي القواعد العسكرية التي تؤمن الحدود والمستوطنات الواقعة في عمق “غلاف غزة” لتحييدها وتسهيل عملية التوغل[1].

وقد أسر مقاتلو القسام عددًا من العسكريين والمدنيين الإسرائيليين، وعادوا بهم إلي غزة، في ظل مواجهة غير متناظرة من الناحية العسكرية بينهم وبين جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يطرح تساؤلات عن الأداء القتالي لكتائب القسام، علي الرغم من الحصار المفروض علي قطاع غزة منذ أكثر من 17 عامًا[2].

فما هي التطورات النوعية في قدرات المقاومة التي كشفتها هذه العملية؟

وما هي دوافع المقاومة للقيام بهذه العملية؟

وما هي المكاسب التي حققتها المقاومة من خلف هذه العملية؟

وهي التساؤلات التي سنحاول الإجابة عليها في هذه الورقة.

أولًا: عملية طوفان الأقصي وما كشفته من تطورات نوعية في قدرات المقاومة:

مثلت عملية طوفان الأقصى تحولًا نوعيًا في مسار واستراتيجيات فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على مستوى التصعيد مع إسرائيل، وذلك في ضوء عدد من الاعتبارات التالية:

1- التحول من الرد والدفاع إلى المبادرة بالهجوم:

فبينما كانت إسرائيل هي الطرف المحدد لزمان المواجهات ومكانها طيلة العقود الماضية، بدت الجولة الراهنة مغايرة، حيث حددت المقاومة، زمانها ومكانها، وأعلنت انطلاق عملية “طوفان الأقصى”[3].

ما كشف عن مبادرة المقاومة، والانتقال من مربع الدفاع إلى مربع الهجوم، وهو ما أحدث مفاجأة وصدمة كبيرة داخل الأوساط الإسرائيلية، وجعلتها في حالة عجز تام عن الرد السريع والفعال علي العملية، وهو ما شكل مكسبًا كبيرًا في ميزان القوة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية لصالح الأخيرة في التحكم بمجريات وسير المعركة من بدايتها[4].

واختارت المقاومة القيام بعملية “طوفان الأقصي” في ظل توقيت مباغت، بالتزامن مع “عيد العرش” اليهودي – فترة الأعياد اليهودية – وهي الفترات التي تشهد فيها الثكنات العسكرية الإسرائيلية، والمستوطنات حالة من الهدوء النسبي، والخمول على مستوى النشاط الخاص بالقوات المنتشرة فيها[5].

وكانت هناك معلومات لدى المقاومة – كما أفاد الشيخ صالح العاروري نائب قائد حماس- بأن قوات الاحتلال كانت تستعد لتوجيه ضربة استباقية للمقاومة في غزة لدورها في إسناد المقاومة في الضفة الغربية، ومع هذين المعطيين باغتت المقاومة الاحتلال في فترة استرخائه واطمئنانه وتحلله من كل أنواع الجهوزية العسكرية مع آخر ليلة في الأعياد واستبقت ضربته بضربة لم تكن في الحسبان ولا في الخيال[6].

وبقي أن نقول أن عملية طوفان الأقصى تشابهت في توقيتها مع توقيت حرب أكتوبر 1973، الأمر الذي يترك أثرًا نفسيًا في نفوس الإسرائيليين باستدعاء أول هزيمة حربية في تاريخهم على يد الجيشين المصري والسوري منذ خمسين عامًا[7].

2- نقل المعركة لأرض العدو:

تمكنت كتائب القسام من نقل المعركة إلى داخل إلى نطاق الأراضي الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي (مستوطنات غلاف غزة) بداية من اقتحام مقاتليها- برًا وجوًا- للسياج العازل بين قطاع غزة وما يسمى بـ”غلاف غزة” تجاه العمق الإسرائيلي، بينما أجريت كافة جولات المواجهات السابقة بين الطرفين داخل قطاع غزة.

وهذه أول مرة منذ نشأة إسرائيل قبل أكثر من 75 عامًا، يتسلل فيها مقاتلون فلسطينيون إلى داخل مناطق 1948[8]. كما تعتبر “طوفان الأقصى” هي المعركة الهجومية الأولى على أراض فلسطينية محتلة منذ عام 1967[9].

ووفق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، صالح العاروري، فقد نفذ هذه العملية 1200 جندي من كتائب القسام، كان تحركهم لمهمة محددة تتمثل في الهجوم على “فرقة غزة” في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهي الفرقة المسؤولة عن حصار القطاع، وتنفيذ الاغتيالات فيه وتجنيد العملاء.

وذكر العاروري، أن الهدف كان مهاجمة كل معسكرات الفرقة، وصولًا لمقر قيادتها، ثم التوجه إلى المطار العسكري الذي يليها. وبالتزامن مع ذلك، ذهب جزء من القوات للسيطرة على المستوطنات المحاذية للقطاع لمنع التدخل والإسناد لقوات الاحتلال، ضد جنود القسام المتقدمين نحو “فرقة غزة”.  ورغم تقدير “القسام” بأن القتال سيمتد لساعات طويلة إلى حين السيطرة على كامل فرقة غزة، إلا أنها انهارت خلال ثلاث ساعات تقريبًا، بما في ذلك المقر الرئيسي لقيادتها، حسب العاروري[10].

ويشكل “غلاف غزة” أهمية استراتيجية لتل أبيب لكونه عبارة عن منطقة عازلة بين القطاع وإسرائيل لتحييد التهديدات المحتملة من غزة، ولذلك، تقدم إسرائيل امتيازات هائلة لتشجيع المستوطنين على العيش في مستوطناته، كما يمثل خط الدفاع الأول لإسرائيل من جهة غزة، ولذلك يعد الحدث اختراق كبير لهذا الخط الدفاعي، حيث شوهد، ولأول مرة، مقاتلي كتائب القسام يتجولون بأسلحتهم داخل مستوطنات، وهو ما يضع إسرائيل أمام معضلة نزوح جماعي للمستوطنين من الغلاف، وصعوبة العودة مجددًا.

وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل أنشأت الغلاف عقب انسحابها من غزة عام 2005، ويمتد طوله إلى نحو 40 كيلو مترًا من السياج العازل حول غزة نحو خط حدود إسرائيل مع الغلاف، وعرض يتراوح من 5-15 كيلو متر، ويحتوي على قواعد إسرائيلية مثل قاعدة ريعيم العسكرية، ويضم نحو 50 مستوطنة يعيش فيها قرابة 55 ألف مستوطن، ومن أهم مستوطناته: سديروت وزيكيم وكيسوفيم وأشكول ونحال عوز وماغن وكفار عزة..الخ[11].

3- استخدام تكتيكات عسكرية جديدة:

شكلت طوفان الأقصى نمطًا نوعيًا جديدًا على أساليب المقاومة العسكرية، وكذلك حجم القوات والأسلحة المنفذة للعملية، وذلك من خلال عدة اعتبارات رئيسية:

– الاختراق الجوي: حيث تم إطلاق وابل من خمسة آلاف صاروخ من غزة عبر منظومة “رجوم” وهي صواريخ قصيرة المدى من عيار 114 مليمترًا، تزامنت مع توغلات قام بها مقاتلون طاروا بطائرات شراعية عبر الحدود، لتأمين الأرض حتى تتمكن وحدة كوماندوز من النخبة من اقتحام الجدار الإلكتروني والإسمنتي المحصن الذي يفصل غزة عن المستوطنات والذي بناه الاحتلال لمنع التسلل.

وكذلك أظهرت العملية شكلًا جديدًا من الاستهداف الصاروخي، حيث مع تصاعد القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، ذهبت المقاومة إلى المرحلة الثانية من الردع وهي تهجير بعض المستوطنات الإسرائيلية، عبر تركيز الصواريخ على بلدات بعينها، بشكل شبه يومي، منها “عسقلان” و”سيدروت”، التي أخلتها سلطات الاحتلال من كافة المستوطنين[12].

كما استطاعت الفصائل توسيع المسرح العملياتي لصواريخها، التي شملت تل أبيب، والقدس، والأهم حيفا التي تبعد عن غزة بنحو 150 كيلو متر، وتم استهدافها بصاروخ “آر 160”[13].

فضلًا عن ظهور تطور نوعى فى مدى الصواريخ المستخدمة لتصل قدراتها الفعلية إلى 200 كم لتطول “نهاريا” قرب الحدود الإسرائيلية اللبنانية فى أقصى الشمال وذلك مقارنه بالمدى الصاروخى لعمليات استهداف المقاومة لتل أبيب والقدس المحتلة حيث وصلت إلى 120 كم عام 2012[14].

– التوغل البري: استخدم المقاتلون المتفجرات لاختراق الحواجز التي تفصل غزة عن المستوطنات، ثم عبروها مسرعين على دراجات نارية، ووسعت الجرافات الفجوات، ودخل المزيد من المقاتلين بسيارات رباعية الدفع[15].

ووصل عدد المتوغلين ما يقارب 1000 مقاتل من خلال 80 نقطة اختراق في السياج الفاصل بين القطاع والمستوطنات.

وربما هذه المرة الأولى التي تستهدف فيها المقاومة الفلسطينية فرقة كاملة من جيش الاحتلال، كفرقة غزة، واقتحام كافة معسكراتها وصولًا إلى المقر الرئيسي للفرقة[16].

وتمكنت كتائب القسام من اجتياح أكثر من 30 ميلًا مربعًا داخل مستوطنات غلاف غزة[17]. ونجحت في السيطرة علي نحو 20 مستوطنة ونقطة استيطانية و11 موقعًا عسكريًا، بما في ذلك مقر قيادة “فرقة غزة” التي تتبع جيش الاحتلال[18].

بجانب سيطرة المقاومة على عدد من المركبات والعربات العسكرية والمدنية، والآلات والأدوات الزراعية وإتلاف وعطب عدد من المدرعات العسكرية[19].

– الحرب الإلكترونية: كانتالعملية متكاملة، فقد سبقتها تحضيرات تقنية، وأكد هذا الأمر الضابط السابق في المخابرات المركزية الأمريكية ميك مولروي، موضحًا أن هجوم حماس كان معقدًا ومركبًا واحتاج للكثير من الوقت في التحضير، وقد سبقه هجوم إلكتروني، وهو ما يعني امتلاك الحركة تقنيات حرب إلكترونية متقدمة، فقد وردت تقارير بتعرض أجهزة المراقبة والكاميرات في المستوطنات لتعطل وشلل واضح[20].

4- ممارسة الخداع الاستراتيجي:

مارست حركة حماس خداع استراتيجي خلال السنة الماضية (2022) على وجه الخصوص، مفاده أنها لا ترغب في الانخراط في مواجهة عسكرية مع الاحتلال.

وهذا ما أشار إليه الناطق باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، من أن “حماس” مارست خداعًا استراتيجيًا على الاحتلال الإسرائيلي، إذ صورت له، منذ نهاية معركة سيف القدس عام 2021، أنها غير معنية بالدخول في مواجهة معه[21].

ويمكن الإشارة إلي هذا الخداع الاستراتيجي الذي نجحت فيه حماس علي أعلي المستويات، كما يلي:

أ- رسمت حماس صورة لأهدافها في غزة من خلال تركيز المطالبات على فتح معبر رفح وزيادة عدد تصاريح عمال غزة داخل الأراضي المحتلة واستمرار المنحة القطرية، الأمر الذي فُهم منه عدم رغبتها استراتيجيًا في العودة إلى الصدام، وبالتالي “تخدير” حكومة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة واللاعبين الاقليميين[22].

ب- الإحياء بأن حماس تركز علي تصعيد المقاومة في الضفة الغربية خاصة في مدينتي جنين ونابلس، وهو ما فسره البعض بأنه رغبة من حماس في نقل حالة التصعيد مع إسرائيل إلي الضفة الغربية والحفاظ علي حالة التهدئة في قطاع غزة[23]

ج- أوهمت حماس معظم الجهات الرسمية أنها غير معنية بالتصعيد، من خلال ضبط النفس العالي أمام ما تعرضت له حركة الجهاد الإسلامي من اعتداءات إسرائيلية وعدم الانضمام إليها في عمليات الرد العسكري، وتحملت الخطاب المعادي والشعبوي في سبيل ذلك، وخلق ذلك صورة انقسام بين القوتين الرئيسيتين لا يُستبعد أن يكون الطرفين شريكين فيها. 

وفي يوليو ٢٠٢٣، ذهبت حماس لاجتماع الأمناء العامين في القاهرة، وهو الاجتماع عديم الجدوى بشكل مطلق من وجهة نظر قوى المقاومة كما كان محسومًا، وهدف منه الرئيس محمود عباس لاكتساب شرعية ما فقط، بينما امتنعت حركة الجهاد عن الحضور، وبذلك تم تعميق الفهم أن حماس معنية بالعمل الدبلوماسي وأن الخلاف واسع بينها وبين الجهاد. 

د- في ٣٠ أغسطس ٢٠٢٣، أعلنت حماس وغرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة عن استئناف مسيرات العودة، الأمر الذي لم يلق نجاحًا كبيرًا بسبب الشعور بعدم الجدوى من الجمهور الفلسطيني بناءً على التجربة السابقة، لعدم جني مكاسب رغم التضحيات الغالية. وكان هذا الإعلان حلقة جديدة للإيحاء بأن هذه هي سقوف العمل الحمساوي[24]

ه- تضمنت “مناورة الركن الشديد 4” في 12 سبتمبر 2023 – وهي مناورة سنوية مشتركة تُجريها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة منذ عام 2020 – محاكاة سيناريو اقتحام مدن داخل إسرائيل من خلال بناء حماس لمستوطنة إسرائيلية وهمية في غزة، والتدريب على اقتحامها، وعلى الإنزال العسكري[25].

وعلي الرغم من وجود معلومات استخبارتية لدي الجيش الإسرائيلي بوجود استعدادات بالليلة التي سبقت الهجمات من قطاع غزة، إلا أن الأجهزة الاستخباراتية قيمت الأمر بأنه يرتبط بـ”تدريبات” لكتائب القسام، ويبدو أن مرد ذلك إلى أن الكتائب عملت على تكرار نمط معين من التدريبات أو الحشد العسكري، بحيث اعتاد الاحتلال على حدوث ذلك من حين لآخر.

ولذلك، عندما جاء وقت تنفيذ العملية في السابع من أكتوبر، فسرت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تحركات المقاومين في ذات الإطار الذي كونته المقاومة في عقولها[26].

5- التطور الاستخباراتي للمقاومة مقابل الفشل الأمني والاستخباراتي الإسرائيلي:

كشفت المعركة عن تطور استخباري للمقاومة تمثل في معرفتها الدقيقة بمواقع العملية، وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن المقاتلين حملوا معهم خرائط دقيقة للمواقع المستهدفة، وعدد الجنود الإسرائيليين فيها، وعدد المستوطنين المسلحين، وعدد قطع السلاح، وأنواع الأسلحة، وعدد ونوع الآليات الإسرائيلية.

كما نجحت المقاومة في الحفاظ علي السرية التامة للمعركة وتوقيتها، إذ أوردت تقارير أن الكثير من قادة حماس لم يعلموا بالعملية، وأن الفرق العسكرية لم تكن تعرف الهدف من التدريب علي اختراق مستوطنة إسرائيلية والسيطرة عليها إلا قبل ساعة الصفر بقليل، وذلك تجنبًا للاختراقات الإسرائيلية.

ويبرز التفوق الاستخباري للمقاومة إذا ما علمنا أن عدد الجنود المشاركين في هذه العملية بريًا فقط 1200، هذا فضلًا عن الجنود الذين أطلقوا الصواريخ في بداية العملية، وغيرهم ممن مهمته تقديم الدعم اللوجستي لهم.

وبالتالي، فإن عدم قدرة أجهزة الاحتلال على كشف العملية رغم اشتراك هذا العدد الكبير فيها يؤكد فشل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية[27].

وفي المقابل، كشفت هذه المعركة عن حالة كبيرة من الفشل الإسرائيلي، وهناك شبه إجماع في أوساط المراقبين في تل أبيب بأن الفشل الذي منيت به إسرائيل في المواجهة المتواصلة مع حركة حماس يفوق بكثير فشلها في حرب 1973، من منطلق أن إسرائيل واجهت في تلك الحرب دولًا تحوز على جيوش قوية، فضلًا عن أن إسرائيل تملك حاليا مقدرات عسكرية وتتمتع بكفاءة استخبارية لا يمكن مقارنتها مع ما كانت عليه الأمور في 1973.

وقد تمظهر الفشل الإسرائيلي في هذه المواجهة في إخفاق الأجهزة الاستخبارية للاحتلال في الحصول على معلومات مسبقة كان يمكن أن تسهم في إحباط الهجوم أو على الأقل تقلص الأضرار الناجمة عنه. مع العلم أنه لا خلاف على أن “كتائب القسام” خططت لهذا الهجوم منذ مدة طويلة، فضلًا عن أن الكثير من قيادات “الكتائب” وعناصرها كانوا منغمسين في الإعداد له مما كان يفترض أن يساعد الاستخبارات الإسرائيلية على الحصول على معلومات مسبقة عنه.

كما فشلت الأجهزة الأمنية “الإسرائيلية” في توقع هذه العملية رغم التسريبات التي تحدثت عن أن مصر قد حذرت إسرائيل من عملية يجري التخطيط لها قبل أيام من هذه المعركة.

كما تمثل فشل الاحتلال في تهاوي الدفاعات الإسرائيلية البرية والبحرية والجوية أمام الهجوم الذي شنته “كتائب القسام”. فعلى الصعيد البري تمكن مقاتلو “كتائب القسام” من اجتياز الجدار الحدودي الذي أنفقت إسرائيل مليات الدولارات من أجل تدشينه بحيث يحول دون السماح بتسلل المقاومين.

مما أثار استهجان النخب الإسرائيلية أن الفرقة العسكرية التي تتولى تأمين الحدود والمستوطنات الواقعة في تخومها، والتي تضم ثلاثة من ألوية الصفوة في سلاح المشاة، يصل تعدادها أكثر من ألفي ضابط وجندي، قد تبخرت ولم تتمكن من صد الهجوم. فقد تمكن عناصر “القسام” من اجتياز الحدود والسيطرة على المواقع العسكرية واقتحام المستوطنات وقتل عدد كبير من الجنود والمستوطنين وأسر آخرين.

كما أن عمليات الإنزال التي نفذتها “كتائب القسام” عبر الجو بواسطة الطائرات الشراعية وعبر البحر عبر قوارب، عكست أيضًا تهاوي الدفاعات الجوية والبحرية. ولم يقم سلاح الجو الإسرائيلي المشهور بتفوقه بأي حركة لمواجهة المقاتلين في الساعات الأولى.

كما استطاعت المقاومة أن تستبدل بعدد من المهاجمين مهاجمين جدد وتمد المهاجمين الذين تقدموا في الصباح بإمدادات في السلاح والعتاد.

فضلا عن ذلك، فإن السهولة التي نقلت بها “كتائب القسام” أسراها من عمق إسرائيل إلى داخل قطاع غزة دون تمكن جيش الاحتلال من اعتراضها، ومواصلة “كتائب القسام” عمليات التسلل والسيطرة على المستوطنات لحوالي يومين يعد فشلًا آخر مدويًا لإسرائيل وجيشها.

كما أن حالة الإرباك التي أصابت الحكومة الإسرائيلية التي عجزت عن تقديم إجابات للجمهور الإسرائيلي حول ما جرى وحقيقة الخسائر البشرية التي لحقت بالجيش والمستوطنين أثارت الكثير من التساؤلات حول أهلية المستوى السياسي لإدارة أزمة من هذا القبيل.

وقد أثرت مظاهر نجاح الهجوم الحمساوي، كما عكست ذلك الفيديوهات التي بثتها “كتائب القسام” والتي وثقت عمليات الاقتحام والتسلل والسيطرة على المواقع وأسر الجنود والمستوطنين ونقلهم إلى عمق قطاع غزة، على الوعي الجمعي للمجتمع الإسرائيلي بأسره ومست بمعنويات الإسرائيليين.

وقد تكرس انطباعًا لدى المراقبين في تل أبيب أن حركة حماس قد حققت انتصارًا مبكرًا بغض النظر عن النتائج النهائية للحرب التي أعلنتها إسرائيل على غزة في أعقاب الهجوم[28].

6- وضع استراتيجية عسكرية لأسر وقتل أكبر عدد من الجنود:

يمكن القول أن أهم الأهداف العملياتية لمعركة “طوفان الأقصي” تتمثل في تحقيق هدفين رئيسيين:

الهدف الأول: إلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف الجنود والمستوطنين لكسر غرور الجيش الإسرائيلي المصاب بعقدة التفوق والاستعلاء، ولإثبات أن المقاومة الفلسطينية لن تستسلم، وأنها قادرة على تكبيد “إسرائيل” أثمانًا باهظة إن أصرت على استمرار احتلالها الأراضي الفلسطينية.

فيما يتمثل الهدف الثاني: أسر أكبر عدد ممكن من هؤلاء بهدف مقايضتهم بالأسرى الفلسطينيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية، والذين بلغ عددهم حتى الآن ما يزيد على 6 آلاف سجين[29].

وبالنظر إلى السوابق التي أسرت فيها المقاومة الفلسطينية جنودًا إسرائيليين، سنجد أنها كانت عمليات محدودة مقارنة بعملية “طوفان الأقصى”.

ففي 2006، أسرت المقاومة جنديًا واحدًا في عملية “الوهم المتبدد” التي شنتها ضد قوة إسرائيلية مدرعة في موقع “كرم أبو سالم” العسكري. وخلال معركة العصف المأكول عام 2014 وما تلاها، أسرت المقاومة 4 إسرائيليين. لكن في “طوفان الأقصى” وصل عدد أسرى الاحتلال لدى المقاومة حوالي 250 أسيرًا، وفق تقدير كتائب القسام.

وإذا ما أخذنا في الاعتبار تعقيد عمليات الأسر، بما تنضوي عليه من تحديد الهدف وتحييد قدرة الجندي على استخدام القوة، ثم أسره والوصول به من المعسكر الإسرائيلي إلى غزة، مع تأمين المقاومين خلال العملية، ثم الاحتفاظ بالجندي داخل القطاع رغم نشاط الاستخبارات الإسرائيلية وعملائها، فإن كل هذا يؤكد تنامي قدرة المقاومة على تنفيذ عمليات أسر معقدة وواسعة النطاق، واستعدادها للاحتفاظ بهؤلاء الأسرى، رغم العمليات العسكرية الإسرائيلية، ثم التفاوض على خروج أسراها في سجون الاحتلال[30].

كذلك، فنحن أمام أكبر عدد من القتلى الصهاينة في كل الحروب التي خاضها الفلسطينيون بعد 1948، وحتى مقارنة بمعظم الحروب التي خاضتها الجيوش العربية. ففي حرب 1967 لم يزد قتلى الصهاينة عن 750 قتيلاً، وفي حرب اجتياح لبنان على مدى ثلاثة أشهر سنة 1982 لم يزد عن 650 قتيلاً، وفي حرب 2006 كان 104 قتلى. والاستثناء الوحيد هي حرب أكتوبر 1973 التي خاضها الجيشان المصري والسوري على مدى 16 يومًا وقتل فيها نحو 2,200-2,500 جندي إسرائيلي[31].

ولكن بالنظر إلي عملية طوفان الأقصي فخلال ثلاثة ساعات فقط، تم قتل 306 من الجنود والضباط الإسرائيليين، في حين بلغ العدد الكلي للقتلي الإسرائيليين أكثر من 1400 قتيل من المدنيين والعسكريين، وإصابة نحو 5132، بحسب بيان المتحدث العسكري للجيش الإسرائيلي[32].

ناهيك عن أن الأوزان النوعية لقتلى الجيش الإسرائيلي ثقيلة، كما تقول البيانات الرسمية، فمعظم القتلى المعلن عنهم من لواء غولاني والكوماندوز (القوات الخاصة) والاستخبارات والمظليين والجبهة الداخلية.

ومن بين أبرز القتلى الإسرائيليين قائد لواء ناحل العقيد يوناتان شتاينبرغ، وقائد كتيبة اتصالات جيش الاحتلال المقدم ساهار مخلوف، وقائد الوحدة المتعددة الأبعاد اللواء روي يوسف ليفي، وقائد محطة رهط بالمنطقة الجنوبية سنيتز جي آر دافيدوف، وقائد كتيبة وحدة استطلاع ناحل المقدم يوناتان بنيامين تسور، والضابط بالبحرية الإسرائيلية إيلي جينسبيرج الذي “حاز على أكبر عدد من أوسمة الشجاعة”، وفق وسائل إعلام إسرائيلية[33].

7- ردع إسرائيل من القيام بعملية برية:

أكد رئيس حركة “حماس” في الخارج خالد مشعل أن “المقاومة الفلسطينية مستعدة لمواجهة كافة السيناريوهات لأي عمل عسكري، بما في ذلك الزحف البري المتوقع، وستهزمها وستنتصر. ورأى أن إسرائيل تعاني من ارتباك عسكري، مقابل ثقة قادة المقاومة في الميدان واطمئنانهم، إذ إنهم درسوا كافة السيناريوهات لأي عمل عسكري جوًا وبحرًا وبرًا. واعتبر أن الاجتياح البري المزعوم للقطاع يخيف الإسرائيليين، ولذلك يشعر قادتها بالارتباك”[34].

ولم يتمكن الاحتلال الإسرائيلي إلي الآن (12 نوفمبر 2023) من شن عملية برية موسعة في قطاع غزة. ويرجع ذلك بصورة رئيسية إلي تخوف الاحتلال من الأنفاق القتالية التي تشكل درعًا للمقاومة من كثافة القصف الذي تعرض له قطاع غزة خلال معركة “طوفان الأقصي”، ولم تعد مجرد مكان لتنفيذ العمليات القتالية خلف خطوط العدو، بل هي الحصن المنيع الذي يسهم في حماية قادة المقاومة السياسيين والعسكريين، حيث توجد غرفة العمليات العسكرية.

لقد قللت هذه الأنفاق من الخسائر البشرية في صفوف المقاومة، وبفضلها، لم تتعرض بنيتها التحتية العسكرية إلا لضرر طفيف وبحسب ما أكد رئيس حركة حماس في قطاع غزة، يحيى السنوار، بعد مواجهة سيف القدس عام 2021، يوجد ما يزيد علي 500 كيلومتر من الأنفاق الهجومية والدفاعية، أما الضرر الذي أصابها فلا تزيد نسبته علي 5 في المئة.

تمثل شبكة الأنفاق القتالية عاملًا مهمًا في قرار العمل البري الذي يحضر له جيش الاحتلال الإسرائيلي، فهي قد تعرقل هذا العمل، لا سيما أن كتائب القسام أثبتت قدرة، عبر تلك الأنفاق، علي تنفيذ عمليات في قلب التجمعات الاستيطانية، وخصوصًا أنها قد توفر لمقاتليها قدرة علي التسلل خلف خطوط القوات المتوغلة؛ ومن ثم مهاجمتها في أثناء العمليات العسكرية ضد قطاع غزة، إضافة إلي أن هذه الأنفاق يمكن أن تستخدم في عمليات خطف الجنود. توجد تحت مدينة غزة إذا، شبكة واسعة ومتشعبة من الأنفاق منحت كتائب القسام قدرة علي المواجهة العسكرية في حال قيام إسرائيل بعمليات برية في القطاع، ومنحت قيادتها العسكرية والسياسية، أيضًا، قدرة علي إدارة سير المعركة في أماكن محصنة ومنيعة.

هذا بجانب الإرادة والعزيمة اللتان يتمتع بهما المقاتل الفلسطيني، حيث يقاتل أفراد المقاومة المسلحة علي أرضهم ومن أجلها. صحيح أن جغرافيا غزة مستوية ولا توفر للمقاتل الفلسطيني أفضلية في القتال علي غرار بلدان أخرى شهدت حروب لا متناظرة (أفغانستان، وفيتنام، وجنوب لبنان)، إلا أن المقاتل الفلسطيني يعرفها جيدًا، ويحاول أن يسخرها في خدمة عملياته الدفاعية عبر الاشتباك مع الجيش الإسرائيلي من “مسافة صفر” داخل الأحياء السكنية، وهي عملية بالغة الخطورة والتعقيد بالنسبة إلي جيش كلاسيكي في مواجهة كتائب مسلحة. ثم إن العامل النفسي/ الروحي ذو تأثير مهم في مسار العمل العسكري البري؛ حيث يقاتل الفلسطيني من أجل أرضه وليس له سواها، بعزيمة تتطلع إلي الموت في سبيل دينه ووطنه، وفي الوقت ذاته يقاتل الجندي الإسرائيلي من أجل البقاء حًيًا في الحرب البرية التي تشكل عامل ضغط عليه من الناحية النفسية كلما جرى تأجيل قرار تنفيذها[35].

وحتي عندما حاول الاحتلال تنفيذ عمليات برية محدودة، تمكنت قوات القسام من إيقاع خسائر كبيرة في صفوفه. حيث أعلنت كتائب القسام، في بيانات منفصلة، استهداف دبابات وجرافات وناقلات جنود إسرائيلية متوغلة في قطاع غزة، وجاء الاستهداف بقذائف الياسين 105 والياسين 10، وقذائف أر بي جي، وقذائف الهاون، وقذائف تي بي جي، والقذائف المضادة للدروع، والمسيرات، بجانب الرشقات الصاروخية، علاوة على الاشتباكات المسلحة والقتال من نقطة صفر، والألغام الأرضية[36].

وهو ما تسبب في مقتل 43 جندي إسرائيلي منذ إعلان إسرائيل عن العملية البرية علي قطاع غزة وحتي 11 نوفمبر 2023، بحسب بيانات الجيش الإسرائيلي. وهو ما أدي إلي ارتفاع العدد الإجمالي لقتلي الجيش الإسرائيلي إلي 361 جنديًا وضابطًا[37].

وتقول المقاومة الفلسطينية إن أعداد قتلى جنود الجيش الإسرائيلي أكبر بكثير مما يعلنه الاحتلال. ولعل ما يؤكد علي عدم صحة الأعداد التي يعلنها جيش الاحتلال عن قتلاه، ما أكده مراسل “القناة 12” العبرية بإنه يعترف بأنه لا يستطيع الحديث عن أعداد الجنود الإسرائيليين المتواجدين في مستشفى برزيلاي في عسقلان، أو أعداد الذين يقتلون أو يجرحون، وذلك بسبب الرقابة العسكرية الإسرائيلية، وفق موقع “ميدل إيست آي” البريطاني[38].

وما يؤكد ذلك أيضًا، ما كشفه مراسل قناة “فوكس نيوز” الأمريكية، تراي يينغست، الذي يرافق قوات الاحتلال التي توغلت في محاور مفتوحة في قطاع غزة، عن مقتل أكثر من 20 جنديًا من جيش الاحتلال في كمين (واحد) للمقاومة في قطاع غزة[39].

كما كشف مستشار البنتاغون السابق دوغلاس ماكغريغور أن قوات المقاومة قضت على عناصر من القوات الخاصة الأمريكية والإسرائيلية تسللت إلى قطاع غزة لمحاولة استطلاع مكان الرهائن؛ حيث قال: “على مدى الـ 24 ساعة الماضية أو نحو ذلك، ذهب بعض من قواتنا الخاصة (الأمريكية) والإسرائيلية إلى قطاع غزة للاستطلاع وتحديد السبل الممكنة لتحرير الرهائن، وتم إطلاق النار عليهم وتحويلهم إلى أشلاء”[40].

وبجانب القتلي الإسرائيليين، وفي تطور “غير مسبوق”، بحسب وصف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، فقد تمكنت كتائب القسام عبر قذيفة “الياسين 105” المصنوعة محليًا من تفجير المدرعة الإسرائيلية “نمر” التي طورها جيش الاحتلال وراهن عليها كثيرًا لحماية جنوده[41].

فيما أعلن الناطق العسكري باسم “كتائب القسام” أبو عبيدة، في 11 نوفمبر 2023: “وثقنا حتى الآن تدمير أكثر من 160 آلية عسكرية صهيونية تدميرًا كليًا أو جزئيًا منذ بدء العدوان البري للعدو منها أكثر من 25 خلال الـ48 ساعة الأخيرة”[42].

كما امتدت بعض الضربات إلى سلاح الطيران، فأصابت طائرة هليكوبتر إسرائيلية في سماء غزة بصاروخ من طراز “سام 7” وفق ما ذكرته كتائب القسام[43].

وفي تقدم عسكري ملحوظ، شاركت كذلك منظومة الدفاع الجوي “متبر” في عمليات استهداف الطائرات الإسرائيلية، وهي عبارة عن صواريخ أرض-جو محلية الصنع[44].

أكثر من ذلك، فلا تزال كتائب القسام تقوم بعمليات إنزال خلف خطوط العدو، فعلي سبيل المثال؛  فقد أعلنت كتائب القسام عن “تسلل وحدة من الضفادع البشرية التابعة لها على شواطئ زيكيم، جنوبي عسقلان”، وقالت أن اشتباكات مسلحة دارت بين وحدة الضفادع البشرية وجيش الاحتلال في تلك المنطقة[45].

يذكر أن القسام قد أدخلت إلى الخدمة “طوربيد العاصف” الذي يحمل متفجرات ويستهدف الزوارق الحربية الإسرائيلية[46].

ولاتزال المقاومة تقوم بإطلاق عدة رشقات صاروخية على ما يسمى “مستوطنات غلاف غزة” وتل أبيب وأصاب بعضها مطار بن غوريون، وصل بعضها أقصى شمال تل أبيب للمرة الأولى من نوعها وفق ما ذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية[47].

وبحسب مركز دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، فأن صافرات الإنذار دوت منذ بداية الحرب في 654 مدينة وبلدة إسرائيلية في عموم إسرائيل نتيجة الصواريخ التي تطلقها المقاومة، وقد أسفرت هذه الرشقات الصاروخية عن إصابة 7262 إسرائيليًا منذ بداية الحرب[48].

وقد دفع كل ذلك إلي اتفاق الصحافة الإسرائيلية على سيطرة المقاومة على قطاع غزة، وصعوبة سير عمليات التوغل البري، في ظل شعور باقتراب تراجع الدعم الدولي لإسرائيل، خاصة من أمريكا، التي تطالب إسرائيل بهدنة إنسانية للمساعدة في الإفراج عن الرهائن[49].

8- القدرة علي الصمود في ظل إطالة الحرب:

لاشك أن المقاومة حين خططت لشن عملية بحجم طوفان الأقصى وضعت في اعتبارها أنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن تتمكن من تزويد ترسانتها التسليحية، في ضوء الحصار المتوقع وتضييق الخناق المحكم من الاحتلال والدول المجاورة في آن واحد، وبالتالي أعدت العدة لأن تمتلك ما يكفيها من الأسلحة لإكمال الحرب.

فالمدة الزمنية للحرب واحتمالية إطالة أمدها كان أحد المحاور الأساسية التي وضعتها المقاومة في الاعتبار وهو ما أكد عليه رئيس حماس في قطاع غزة يحيى السنوار حين أوضح ان الحركة مستعدة لمعركة طويلة وإلى سقف زمني قد يمتد إلى 6 أشهر على الأقل وفق ما نقلت عنه أوساط مقربة.

ليست هناك تقديرات دقيقة ولا تفصيلية عن القدرة التسليحية لحماس وبقية فصائل المقاومة، إلا أن السنوار أكد على وجود مخزون استراتيجي من الذخائر والأسلحة والصواريخ القادرة على إصابة أهداف في العمق الإسرائيلي يكفيها لعدة أشهر، فيما كشفت مصادر مقربة من الحركة أن ما استنزف حتى الآن بعد مرور شهر كامل من الحرب لا يتجاوز 10% فقط من إمكانيات المقاومة التسليحية، ما يعني أنها قادرة على الصمود لعشرة أشهر كاملة دون تزويدها بأي عتاد تسليحي.

وفي هذا السياق؛ قال المحلل الإسرائيلي نيتسان سادان، المتخصص بشؤون الطيران، في تحليل بموقع “واي نت” الإخباري الإسرائيلي، في 4 نوفمبر 2023، إن هناك خمسة أسباب تجعل حركة حماس قادرة على الاستمرار بإطلاق الصواريخ من غزة، رغم ضراوة القصف الإسرائيلي:

– الموقع: حيث تنتشر صواريخ حماس على مساحات شاسعة في القطاع، وبالتالي يصعب تتبعها وتطويقها بشكل كامل، إذ يتطلب ذلك جهدًا لا تتحمله دولة الاحتلال في الوقت الراهن، خاصة بعد الفشل رغم مرور شهر كامل من التوصل لمداخل ومخارج شبكة الأنفاق التي تستخدمها الحركة في إطلاق الصواريخ وحركة مقاتليها.

– نظام التحكم في الصواريخ: فهذا النظام يعمل بشكل مستقل عن أنظمة القيادة والسيطرة، وبالتالي من الصعب الهيمنة عليه إذا ما نجح الاحتلال في السيطرة على قيادة العمليات في المقاومة، فالمقاتلين  يحتاجون فقط إلى أمر وجهاز التحكم عن بُعد الخاص بقاذفة الصواريخ، وبالتالي إطلاق النار بسهولة، بجانب أن الصواريخ لا تحتاج إلى تحديد جهة التصويب، فهي معدة بشكل مسبق على اتجاهات بعينها، وبالتالي حتى إذا تم تصفية كبار القادة فإن المقاتلين العاديين في الحركة بإمكانهم إطلاق النار في أي وقت.

– سياسة إدارة النار: إذ تنتهج حماس سياسة محددة في إطلاق النار، تراعي فيها عنصر الوقت والزمن واحتمالية إطالة أمد الحرب، فهي لا تطلق صاروخًا عشوائيًا، ولا تستهلك رصاصة دون هدف محدد، حفاظًا على ترسانتها التسليحية، إيمانا منها أنها حين قامت بعملية الطوفان ستدخل في حرب طويلة الأمد مع جيش الاحتلال ولن تحصل على أي تعزيزات، وعليه تستخدم أسلحتها بحكمة حتى نهاية المعركة.

– العلاقات العامة: تسير حماس عبر جهازها الإعلامي بشكل مدروس وبعناية، حيث تصدر صورة للعالم بأنها قادرة على التصدي والمواجهة والاستمرار، ولديها القدرة الكاملة على الحفاظ على فكرة “المقاومة السنية المسلحة” وهو ما يعطيها زخمًا وتجبر إسرائيل على أن تقيمها بمنظور مختلف وتضع ألف اعتبار قبل التهور أو التوغل بشكل عشوائي.

– استنزاف الجيش الإسرائيلي: تلعب حماس وفصائل المقاومة على وتر استنزاف قدرات وإمكانيات جيش الاحتلال، حيث التورط في العملية البرية التي تحتاج إلى إمكانيات كبيرة، ورغم الدعم المقدم من التحالف الغربي إلا أن كلفة الحرب باهظة للغاية، وهو ما تحاول المقاومة تعزيزه من خلال تحركاتها الممنهجة[50].

9- الاهتمام بالترويج الإعلامي واستعراض عناصر القوة:

وثقت حركة حماس الهجوم بإمكانات تقنية متقدمة، سواء عبر كاميرات الطائرات المسيرة أو المثبتة على البنادق التي حملها المسلحون بجانب نشر فيديوهات مصورة لعمليات الاقتحام وأسر الضباط والجنود وتدمير المعدات العسكرية، واستعراض معدات أخرى في شوارع غزة منذ الساعات الأولى للهجوم، في تحول مهم يهدف لاستعراض قوة حماس لزيادة شعبيتها واستعادة وزنها السياسي والعسكري داخليًا وخارجيًا، بجانب إحراج القيادة الإسرائيلية سواء داخليًا أو دوليًا والضغط عليها لتقديم المزيد من التنازلات ودفعها للاعتراف بالخسائر التي تعرضت لها[51].

فضلًا عن تقديم محتوى يعبر عن رؤية الفصائل، ويوثق الأحداث من قبل الجانب الفلسطينى مع إدراك استهداف الرواية الفلسطينية بشكل مقصود، ومخاطر ترك ساحة الرواية للآخرين[52].

ضمن الآلة الدعاية للمقاومة، تحضر أيضًا التصريحات السياسية والعسكرية، وهي أصناف أبدعت فيها المقاومة في هذه المعركة، فمن خلال سلسلة الإطلالات الإعلامية لبعض قياداتها، وخاصة أبو عبيدة ومحمد الضيف، تمكنت المقاومة من الحفاظ على المعنويات المرتفعة للفلسطينيين والاحتفاظ بثقة الشعوب العربية التي حصلتها الكتائب في تاريخها النضالي ودعمها أيضًا، والتأثير في الرأي العام العالمي ويظهر ذلك من خلال المتابعة الكبيرة لتصريحات هذا الثنائي، وفي خروج المظاهرات في مختلف أنحاء العالم الداعمة للفلسطينيين والمنددة بالعدوان الصهيوني على غزة[53].

وفي مقابل جرائم الاحتلال، فقد أظهرت عملية “طوفان الأقصي” أخلاق المقاومة الفلسطينية، وأعطوا دروسًا في أخلاق الحروب، فقد نجح الجهاز الإعلامي للمقاومة الفلسطينية، والذي رافق المقاتلين، بل كان جزءاً منهم، في توثيق أخلاقيات المقاومة، وانعكاس تعاليمها الإسلامية في تعاملها مع النساء والأطفال وكبار السن، حيث تعاملوا معهم بكل إنسانية، وصوروا بعض تلك المواقف.

فلاحقًا بثت إحدى قنوات الاحتلال الفضائية لقاءً مع مستوطنة تحدثت بمصداقية عن تعامل رجال المقاومة معها وأطفالها، حيث حدثوها بأنهم مسلمون ولن يقوموا بإيذائها وأبنائها، وقد اعترفت بأن حديث الفلسطيني معها جعلها تشعر بالهدوء، حتى إن أحد المقاومين استأذنها لكي يأكل “موزة” من مطبخها، وقد ضحكت مستغربة تلك الإنسانية، وقد أقرت تلك المستوطنة بأن الموقف استمر لمدة ساعتين، ومن ثم غادر المقاومون وتركوها مع أبنائها دون أي أذى، وهو ما تفاجأ به المذيع الإسرائيلي، الذي كان يجري معها المقابلة، ورغم أنهم حفظوا حياتها وأطفالها فإنها لم تتورع عن وصفهم بالمخربين[54].

وفي سياق متصل، أكد أحد الضباط الإسرائيليين علي أن حركة “حماس” لم تقتل من وصفهم بـ “المدنيين الإسرائيليين” في عملية “طوفان الأقصى”، بل مواطني غزة الذين اقتحموا مدن الغلاف بعد تفجير الجدار العازل بينه وبين القطاع. وأكد الضابط الإسرائيلي أنه رأى ذلك بأم عينه، ونفى ارتكاب حماس أيًا من الاتهامات التي يكيلها الإعلام الغربي، مثل قطع رؤوس الأطفال واغتصاب النساء[55].

كما بادرت “القسام” لنشر فيديوهات فسرت على أنها دعاية مضادة لما سعت المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية تمريرها بتعمد المقاومة ذبح وقتل الأسرى لا سيما النساء والأطفال، ومحاولة الربط بين مقاومة الشعب الفلسطيني وتنظيم “داعش”. وفيما يلي تسلسل المبادرات الإنسانية التي قامت بها القسام منذ 7 أكتوبر تجاه الأسري:

– 7 أكتوبر 2023: إطلاق سراح مستوطنة إسرائيلية وطفليها.

– 13 أكتوبر 2023: مشاهد تظهر تعامل المقاتلين مع أطفال المستوطنين.

– 16 أكتوبر 2023: مشاهد تظهر إجراء عملية جراحية لأسيرة والتعامل الإنساني معها.

– 20 أكتوبر 2023: إطلاق سراح محتجزتين أمريكيتين (أم وابنتها).

– 21 أكتوبر 2023: الكشف عن قرار بالإفراج عن أسيرتين لأسباب إنسانية ودون مقابل؛ إلا أن حكومة الاحتلال رفضت استلامهما[56].

– في 23 أكتوبر 2023: نشرت كتائب القسام مقطع فيديو للإفراج عن أسيرتين إسرائيليتين لديها لدواع أمنية ومرضية، وكان من اللافت في مشهد التسليم أن إحداهما أصرت على أن تحيي عناصر المقاومة، وقد انتشر هذا الفيديو على نطاق واسع، وأثبت للعالم أجمع كيفية تعامل المقاومة الفلسطينية مع الأسرى. بعد الإفراج عنها، قالت المسنة الإسرائيلية ويوخفد ليفشيتز (85 عامًا)، إنها ومن معها من الأسرى تلقوا معاملة جيدة من مقاتلي حركة حماس، وقالت: “قالوا لنا إنهم يؤمنون بالقرآن، وإنهم لن يؤذونا، وسيعاملوننا كما يعاملون من حولهم”.

وأكدت أن مقاتلي حماس كانوا ودودين مع الأسرى، وحريصين على تفاصيل دوائهم ونظافتهم، وفي المقابل انتقدت الأجهزة الأمنية والجيش الإسرائيليين وقالت “إن نقص كفاءة الجيش والشاباك أضر بنا كثيرًا، لقد كنا كبش فداء للحكومة”[57].

– 30 أكتوبر 2023: نشرت حماس فيديو لثلاث أسيرات إسرائيليات طالبن نتنياهو بالإفراج عنهن فورًا. واتهمت إحدى الأسيرات نتنياهو بالفشل، وقالت إنهن يتحملن فشله السياسي والأمني والعسكري والحكومي. ووجهت حديثها لنتنياهو: “أنت تريد أن تقتلنا، أنت تريد أن تقتل الجميع، أنت تريد أن يقتلنا الجيش. ألا يكفي أنك ذبحت الجميع، ألا يكفي مقتل مواطنين إسرائيليين أبرياء في 7 أكتوبر، أطلق سراحنا الآن، أطلق سراح مواطنيهم، أطلق سراح أسراهم (الفلسطينيين)، أطلق سراحنا، اسمح لنا بالعودة إلى عائلاتنا، الآن الآن الآن”[58].

وقد أثبتت هذه الفيديوهات أن المقاومة الفلسطينية تحافظ على حياة الأسرى وحريصة على سلامتهم وأمنهم، عكس كيان الاحتلال الذي يقصف غزة غير مكترث بحياة الأسرى، ما أدى لمقتل نحو 50 منهم نتيجة هذا القصف العشوائي. تؤكد هذه الفيديوهات أيضًا أن الحكومة الإسرائيلية لا تأخذ ملف الأسرى على محمل الجد في الوقت الحالي، فالمقاومة الفلسطينية عرضت إطلاق سراحهم مقابل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، لكن حكومة نتنياهو ردت على هذا العرض بتكثيف قصف المدنيين[59].

ويجدر الإشارة هنا إلي أن حركة حماس، لم تلجأ إلى أخذ أسرى إلا لأن هذه هي الطريق الوحيدة لإطلاق سراح المئات من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، جزء كبير منهم من المعتقلين إداريًا أي من دون تهمة واضحة، ومن دون أن يعرف الأسير تهمته، فإسرائيل تعتقل بناء على وشاية، أو ترهيبًا، أو عقوبة جماعية[60].

ويمكن القول، أنه في ظل إعلام عالمي ظالم، فإن خير قياس يمكنه فضح الجريمة الإسرائيلية، وإنصاف المقاوم الفلسطيني، ليظهر الفرق الأخلاقي بينهما، تسليط الضوء على الضحايا من الأطفال، وهنا يجب السؤال عن عدد الأطفال الإسرائيليين الذين سقطوا منذ “طوفان الأقصى”، بل منذ عامين، وحتى منذ بدأ هذا الصراع. رغم تجاوز عدد القتلى الإسرائيليين من الجنود والمستوطنين في ملحمة الطوفان، الألف قتيل حتى الآن، لم يظهر اسم طفل واحد بين الضحايا، فالقوائم تضم ضباطًا بل كبار الضباط، وجنودًا وشرطة ومستوطنين في سن الشباب غالبًا. في مقابل خلو قوائم القتلى الإسرائيليين من الأطفال والشيوخ، حملت القوائم الفلسطينية أسماء الألأف من الأطفال، ربما يتجاوز ربع الشهداء.

وماذا عن دور العبادة؟، هل انتهك المقاومون حرمة الكنس اليهودية في عبورهم التاريخي لجدران الحصار الخانق على غزة في السابع من أكتوبر؟، لم يورد أي مصدر إسرائيلي ولا حتى دعائي شيئًا من ذلك، رغم أن أرض هذه الكنس مغصوبة شرعًا، بمعنى أنها مقامة على أرض خاصة لمواطن فلسطيني تمت مصادرتها منه قهرًا، والمقاومة اجتاحت عشرات المستوطنات تضم عشرات الكنس[61].

في المقابل دمر العدوان الإسرائيلي 70 مسجدًا، بجانب تعرض 153 مسجد للتدمير الجزئي، إضافة إلى استهداف 3 كنائس[62].

بعد استعراض تفاصيل عملية طوفان الأقصي وما كشفته من تطورات استراتيجية في قدرات المقاومة الفلسطينية، لم يتبق إلا أن نشير إلي أن المواثيق الدولية والقرارات الأممية تكفل حق الشعب الفلسطيني في المقاومة، بشتى الطرق، بما فيها المقاومة المسلحة.

حيث يعد حق تقرير المصير حقًا ثابتًا في القانون الدولي، ومبدأ أساسي في ميثاق الأمم المتحدة، والتي في قرارها رقم 1514 لـ “إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة”، بتاريخ 14 ديسمبر 1960، أكدت بصفة صريحة أنه “لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي وتسعي بحرية إلى تحقيق إنمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي”.

وفي عام 1970، أصدرت الأمم المتحدة القرار رقم 2649 بـ “إدانة إنكار حق تقرير المصير خصوصًا لشعوب جنوب إفريقيا وفلسطين”، والذي ينص بالحرف على أن الجمعية العامة “تؤكد شرعية نضال الشعوب الخاضعة للسيطرة الاستعمارية والأجنبية، والمعترف بحقها في تقرير المصير، لكي تستعيد ذلك الحق بأية وسيلة في متناولها”.

كما يؤكد القرار الأممي 3236، بتاريخ 22 نوفمبر 1974، والذي نص على أن الأمم المتحدة “تعترف كذلك بحق الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه بكل الوسائل وفقًا لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه (…) وتناشد جميع الدول والمنظمات الدولية أن تمد بدعمها الشعب الفلسطيني في كفاحه لاسترداد حقوقه، وفقًا للميثاق”.

كما أكدت الجمعية العامة على شرعية المقاومة المسلحة الفلسطينية، وربطتها وقتها بما كانت تعيشه ناميبيا وجنوب إفريقيا من أنظمة فصل عنصري، في قرارها بتاريخ 4 ديسمبر 1986، والذي ينص “على شرعية كفاح الشعوب من أجل استقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية، والتحرر من السيطرة الاستعمارية والفصل العنصري والاحتلال الأجنبي بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك الكفاح المسلح”[63].

وبالتالي، فإذا اتفقنا أن أرض فلسطين محتلة، وذلك بحكم القانون الدولي، فكل من سكن هذه الأراضي ليس صاحب حق فيها، بل محتل، ويشارك في الاحتلال بشكل معين، فمن يشارك بالعمل العسكري، ومن يشارك بالعمل التقني، كلهم في النهاية لهم حكم المحتل، والمحتل لا حكم له إلا الإخراج من هذه الأرض، بعد خروجه يصبح صاحب حق في الحفاظ عليه بكل السبل، وما دام محتلًا، فله كل أحكام المحتل[64].

وبالتالي، فإن إسرائيل ليست الضحية بل الجلاد. و”حماس” ليست “داعش”، بل حركة تحرر وطني استطاعت أن تزعزع صورة إسرائيل كدولة قوية، وتقوض أسطورة الردع الإسرائيلي المزعوم وجيشها الذي لا يُقهر. والمعركة الدائرة اليوم لا تخوضها قوى ظلامية تريد أن تعيد عجلة التاريخ إلى الوراء، بل حركة مقاومة بطولية، نجحت بقدراتها العسكرية، المتواضعة بالمقارنة مع الجيش الإسرائيلي، وبشجاعتها وجرأتها وتضحياتها وعدم خوفها من الموت، في تلقين إسرائيل درسًا قاسيًا، وأن تقدم للشعب الفلسطيني انتصارًا تاريخيًا تحاول إسرائيل القضاء عليه في ساحة القتال، ومن خلال حملاتها المحمومة لتشوية صورة حركة المقاومة الإسلامية[65].

ثانيًا: دوافع المقاومة للقيام بعملية طوفان الأقصي:

يمكن الإشارة إلي مجموعة من الدوافع والأسباب التي تقف خلف قيام المقاومة الفلسطينينة بعملية طوفان الأقصي، كما يلي:

1- تخفيف الحصار علي غزة: جاء هجوم “حماس” في ظل اعتماد إسرائيل استراتيجية “السيطرة والإخضاع من الخارج”، التي تمارسها إسرائيل ضدها منذ أن تولت الحكم بعد انتخابات 2006. قامت هذه الاستراتيجية على ثلاث ركائز رئيسية، وهي:

أ-الحصار، الهادف إلى تقليص قدرة الحركة على تطوير قدراتها العسكرية وتكريس قناعة لدى الفلسطينيين بأن أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية تحت حكم حركة حماس ستظل بائسة، مقارنة بالأوضاع في الضفة الغربية.

ب- شن عمليات عسكرية بهدف ضرب مقدرات حماس العسكرية حال تعاظمت رغم الحصار، وردعها عن شن عمليات عسكرية انطلاقًا من القطاع، ومعاقبتها وتدفيعها ثمن العمليات التي تشنها الفصائل الأخرى (حركة الجهاد الإسلامي بالأساس) انطلاقًا من القطاع.

ج- التحكم بوتيرة التصعيد مع حماس عبر تدخل وسطاء إقليميين، سيما في أعقاب الجولات القتالية، مع السماح بإحداث تحسن طفيف على الأوضاع الاقتصادية.

وقد يكون أحد أهم أسباب هذه العملية رغبة حماس في إحباط هذه الاستراتيجية، أو على الأقل تقليص الأثمان التي تدفعها الحركة في إطارها عبر فرض معادلة جديدة مع الاحتلال. ودلل هجوم “حماس” على خطأ افتراض جيش ومخابرات الاحتلال أن حركة حماس معنية بشكل أساس بالحفاظ على حكمها في القطاع وأنها غير معنية بمواجهة عسكرية قد تفضي إلى خسارتها هذا الحكم[66].

2- الإفراج عن الأسري الفلسطينيين: تعد قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال من العوامل التي دفعت حركة حماس لشن هجومها الذي أسفر عن أسر جنود ومستوطنين أحياء وخطف جثث قتلى ونقلهم إلى داخل قطاع غزة، لتمهيد الظروف أمام التوصل لصفقة تبادل أسرى تفضي إلى الإفراج عن جميع الأسرى في سجون الاحتلال.

وتعززت دافعية “حماس” لشن هذا الهجوم غير المسبوق علي العمق الإسرائيلي بعدما أسهمت توجهات وزير الأمن القومي الإسرائيلي “المتطرف”، إيتمار بن غفير، وتصميمه على الدفع نحو تدهور ظروف اعتقال آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.

فخلال عهد هذا الوزير واجه الأسرى سلسلة من الإجراءات والخطوات التصعيدية التي قام بها والتي تمثلت في سحب الكثير من الحقوق التي تحصل عليها الأسرى سابقًا، فضلًا عن تقليص المياه وفرض إجراءات عقابية والسعي لإقرار قانون يجيز إعدام الأسري.

وتدرك حركة “حماس” مدى اهتمام الجمهور الفلسطيني بقضية الأسرى، فضلًا عن أن هناك الآلاف من قادة وعناصر الحركة الذين اعتقلوا في سجون الاحتلال بعد تنفيذهم عمليات عسكرية بناءً على توجيهات قيادة الحركة[67].

كذلك، لا بد من تذكر أن عددًا كبيرًا من القيادات الحمساوية الحالية المؤثرة في القرار هم من الذين أفرج عنهم في صفقة تبادل الأسرى الأخيرة (صفقة شاليط، أو وفاء الأحرار وفقًا للجانب الفلسطينى، التى تمت فى ٢٠١١ بوساطة مصرية وخلال رئاسة نتنياهو للحكومة، والتي أسفرت عن تحرير ١٠٢٧ أسيرًا فلسطينيًا مقابل الجندى الإسرائيلى جلعاد شاليط)، وقد تعهد هؤلاء القادة والتزموا بتحرير باقي الأسرى[68].

3- وقف انتهاكات المسجد الأقصي: لم يكن من سبيل الصدفة أن تطلق حركة “حماس” على هجومها المباغت على العمق الإسرائيلي “طوفان الأقصى”؛ حيث جاء هذا الهجوم بعد تصعيد حكومة “اليمين المتطرف” عدوانها على المسجد، وإحداث طفرة في زيادة أعداد المستوطنين المقتحمين له (أشار تقرير صدر عن محافظة القدس إلى أن عدد المقتحمين منذ مطلع العام 2023 تجاوز الأربعين ألفًا)، في ظل تشديد سياسة القمع ضد الفلسطينيين الذين يعمرون المسجد واعتقالهم وإجبارهم على التوقيع على تعهدات بعدم التوجه إليه مجددًا. وفي الأعياد اليهودية الأخيرة، جرى، وفق مصادر في الأوقاف الإسلامية، اعتداء خطير، وتصعيد في العدوان على المسجد الأقصى، من المستوطنين الذين أدوا خلال اقتحاماتهم ما يعرف بصلاة السجود الملحمي.

فضلًا عن أن حكومة بنيامين نتنياهو – كما كشفت قناة “12” الإسرائيلية – باتت تتعاون بشكل رسمي ومعلن مع حركات “الهيكل” التي تجاهر بسعيها لتدمير المسجد وتدشين الهيكل على أنقاضه؛ حيث دللت القناة “12” على أن وزارة “التراث” الإسرائيلية (التي يقودها الوزير عميحاي إلياهو، الذي ينتمي إلى حركة القوة اليهودية التي يتزعمها بن غفير) شاركت في استيراد أربع بقرات حمراء من ولاية “تكساس” لاختبارها وفحص ما إذا كانت تنطبق عليها “الشروط الفقهية”، التي تسمح باستخدامها في “تطهير” الأقصى قبل تدشين الهيكل على أنقاضه[69].

وكان قادة حركة حماس أكدوا، في مناسبات متكررة، أن المسجد الأقصى خط أحمر، وأن المساس به سيفتح باب الصراع، على آخره. وهذا التشديد على “الأقصى” نابع من عقيدة حماس الدينية، كما أنه ناشئ عن إدراكها، (بوصفها حركة سياسية وطنية، تهمها جدًا ثقة الشعب الفلسطيني) الأهمية القصوى التي يكنها هذا الشعب للمسجد المبارك، من منطلقات دينية، ومن منطلقات وطنية، سيادية، تقديرًا بالغًا، واستراتيجيًا؛ الأمر الذي تنسجم معه تقديرات مراقبين إسرائيليين، ذهبت إلى أن “تأجيج الصراع حول القدس وداخلها يمثل “تهديدًا وجوديًا لإسرائيل”.

وإلى جانب ذلك، يقف العامل المعنوي، إذ كانت انتهاكات الاحتلال ومستوطنيه لمقدسات الفلسطينيين تتم بقدر كبير من الإهانة والاستفزاز، كما في انتهاك جنود الاحتلال المسجد الأقصى، القبلي، بأحذيتهم، وتكسير زجاج نوافذه، فضلًا عن إلقاء قنابل الغاز فيه، ثم عرض صور الشباب من المصلّين فيه، وهم ممددون على وجوههم. هذا بالإضافة إلى الاعتداء الوقح والقاسي على النساء، والشيوخ، علاوة على الشتائم الموجهة إلى النبي محمد، والشتائم العنصرية إلى العرب، الكاشفة عن معتقدات تستبيح دماءهم، وأرواحهم، ووجودهم في فلسطين[70].

4- دعم المقاومة في الضفة الغربية: أرادت “حماس” من هذا الهجوم إرسال رسالة إلى جيوب المقاومة في الضفة الغربية (خاصة في جنين ونابلس) التي تتعرض لعمليات الاغتيال والاعتقال بشكل يومي من قبل الاحتلال أنها ليست وحدها في هذه المواجهة. وجاء هجوم حماس أيضًا في ظل تعاظم وتيرة التوتر بين جيوب المقاومة في الضفة الغربية وأجهزة السلطة الفلسطينية الأمنية، والتي بلغت ذروتها في الأسبوع الأول من أكتوبر 2023 في اشتباكات بين عناصر هذه الأجهزة وعناصر من الجناح العسكري لحركة “الجهاد الإسلامي” في مخيم “نور شمس”، قضاء طولكرم، بعد محاولة أمن السلطة الفلسطينية تفريق فعالية للحركة هناك[71].

5- مواجهة الحكومة الإسرائيلية المتطرفة: تعتبر الحكومة الحالية في إسرائيل هي الأكثر تطرفًا في التاريخ، حيث تضم أحزابًا يمينية دينية قومية متطرفة، ولهذه الأحزاب برنامج أيديولوجي ديني يتعلق بتهويد القدس والسيطرة عليها بشكل كامل وهدم المسجد الأقصى أو إجراء تغييرات حقيقية على وضعه، ولم يعد هذا البرنامج يمثل شعارات لمجموعات سياسية ودينية معزولة في المجتمع الإسرائيلي، بل أصبح برنامجًا تتبناه الحكومة وتقرر له ميزانيات وأدوات.

فزعيم التيار الديني سموتريتش هو اليوم وزير المالية، ووزير في وزارة الدفاع، وله صلاحيات شبه مطلقة في الضفة الغربية، وهو في نفس الوقت زعيم مجموعات المستوطنين اليهود في الضفة الغربية كفتيان التلال وغيرهم، وهم يكونون مليشيا شبه عسكرية يمكن أن تشكل تهديدًا حقيقيًا في الضفة الغربية وتنفذ برنامجها بشكل مستقل، كما أن لدى سموتريتش برنامجًا للسيطرة على الضفة كلها ومضاعفة عدد المستوطنين فيها وطرد الفلسطينيين من أراضيهم، وقد عبر عن رؤيته للصراع عبر مؤلفات ومقالات عديدة نشرها منذ بداية بروزه كزعيم استيطاني متطرف.

في الوقت ذاته، يرأس الوزير المتطرف إيتمار بن غفير وزارة الأمن الداخلي، وله صلاحيات تتعلق بالقدس وبفلسطينيي الداخل المحتل عام 1948، وبالأسرى في سجون الاحتلال، وهو يوظف صلاحياته لتحقيق برنامج متعلق بطرد فلسطينيي الداخل وفلسطينيي شرق القدس من أراضيهم وبيوتهم، وقد استطاع في ظل قدرته على ابتزاز نتنياهو تشكيل ما يسمى “الحرس الوطني”، وهو جهاز فوق شرطي يرتبط به بشكل مباشر، وسيسيطر عليه متطرفون من حلفائه في المنظومة الأمنية والعسكرية.

ونظرًا لكون نتنياهو لا يملك سوي البقاء في الحكومة والتحالف مع هذه المجموعات المتطرفة، في ظل ما يواجهه من قضايا فساد وانقسام سياسي حاد، فإنه يمنح حلفاءه المتطرفين كل ما يرغبون فيه، من أجل ضمان تماسك حكومته، حصنه الأخير قبل ذهابه للسجن، وعليه، فإن مسار تصفية القضية الفلسطينية على يد هذه الحكومة هو برنامج حقيقي وله خطط عمل حكومية[72].

ويبدو أن “حماس” بهذا الهجوم أرادت تعجيل الإطاحة بهذه الحكومة، خاصة وأنه قبل هذا الهجوم كانت هناك حالة استقطاب سياسي وتصدع مجتمعي كبير داخل إسرائيل، في أعقاب طرح حكومة نتنياهو خطة “التعديلات القضائية” الهادفة إلى إحكام قبضتها على الجهاز القضائي؛ ما فجر حركة احتجاجات جماهيرية غير مسبوقة، عكسها بشكل خاص إعلان الآلاف من ضباط وجنود قوات الاحتياط التوقف عن أداء الخدمة العسكرية[73].

6- تعطيل قطار التطبيع العربي- الإسرائيلي: حيث أعطت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأولوية بتعزيز علاقات التطبيع العربي الإسرائيلي، مع الاقتصار على التعاطي مع القضية الفلسطينية من منظور إنساني تحت مسمى السلام الاقتصادي في مقابل تركيز الإدارة على إزالة العراقيل أمام التطبيع السعودي – الإسرائيلي، حيث كانت الإدارة الأمريكية تعد قبل المعركة زيارة لوزير خارجيتها أنتوني بلينكن لكل من الرياض وتل أبيب لاستكمال مفاوضات التطبيع بينهما[74].

بعدما تقدمت المباحثات السعودية الإسرائيلية، برعاية أميركية، للتوصل إلى صفقة تطبيع تتجاهل القضية الفلسطينية. وفي سبتمبر 2023، قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لقناة “فوكس نيوز” الأمريكية إن بلاده “تقترب كل يوم” من تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وعلى الرغم من أن السعودية أعربت في السابق عن أن أي اتفاق سيتطلب إحراز تقدم نحو إقامة دولة فلسطينية، إلا أن حماس تعارض هذه الخطوة، قائلة إن التطبيع من شأنه أن يخفف الضغط على إسرائيل للاعتراف بالمطالبات الفلسطينية. وفي خطاب متلفز في 7 أكتوبر 2023، انتقد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، الدول العربية التي تتبنى موقفًا تصالحيًا تجاه الدولة اليهودية. وقال: “كل اتفاقيات التطبيع التي وقعتموها مع هذا الكيان لا يمكن أن تحل هذا الصراع”[75].

ثالثًا: نتائج عملية طوفان الأقصي علي المقاومة:

أعلنت إسرائيل عن “عملية السيوف الحديدية” كهجوم مضاد لعملية “طوفان الأقصي”، وتسببت هذه العملية في وقوع خسائر فادحة علي المستوي الإنساني داخل قطاع غزة. حيث أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، في 12 نوفمبر 2023، أن حصيلة الشهداء بلغت 11 ألفًا و180، بينهم 4 آلاف و609 أطفال، و3 آلاف و100 امرأة. وتابع أن عدد الإصابات بلغ 28 ألفًا و200، 70% منهم من الأطفال والنساء.

وقال المكتب الإعلامي إنه في ظل الاستهداف المركز على المستشفيات بشكل خاص وتهديد الطواقم الطبية، فقد خرج عن الخدمة نتيجة العدوان الإسرائيلي 22 مستشفى و49 مركزًا صحيًا، كما استهدف الاحتلال 53 سيارة إسعاف[76]. في السياق نفسه، قالت رئيسة المكتب الإعلامي لمنظمة أطباء بلا حدود، إن أكثر من 40% من المشافي في غزة توقفت عن الخدمة[77].

وبالنسبة للخسائر الزراعية، لفت بيان المكتب الحكومي إلى أن الخسائر الزراعية الناجمة عن هذا العدوان المتواصل تقدر بـ180 مليون دولار خسائر مباشرة. وتابع أتلف الاحتلال وجرف أكثر من 25% من المساحات الزراعية، بواقع 45 ألف دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع)، وكذلك إتلاف آلاف الأشجار المثمرة، وإعدام أفواج كاملة من مزارع الماشية والدواجن والأسماك[78].

يأتي ذلك كله بجانب النقص الحاد فى الغذاء والوقود والكهرباء، وإبطاء وصول المساعدات الإنسانية للقطاع وتقليصها بصورة حادة وخطيرة[79].

ورغم ذلك، وبغض النظر عن المسارات المستقبلية والمآلات النهائية للمواجهة الحالية، فإنها قد حققت للفلسطينيين ومقاومتهم عدة مكاسب استراتيجية لن تتغير ولن تؤثر فيها التفاصيل اللاحقة، تتمثل أبرز هذه المكاسب في:

1- عودة القضية الفلسطينية لصدارة الأحداث: لقد أعادت عملية “طوفان الأقصي” قضية فلسطين إلى واجهة الأحداث، وذلك بعد سنوات من الجمود والإهمال، وحصرها في القضايا الأمنية والإنسانية بعيدًا عن القضايا السياسية، فردود الفعل الدولية والإقليمية تشير إلى أن القضية ستكون في قلب الصراع الجيوسياسي الذي تشهده المنطقة، وربما تأخذ القضية زخمًا أكبر في ظل التنافس الدولي القائم، ففي مجلس الأمن حاولت الولايات المتحدة تشكيل رأي عام يدين حركة حماس ويتضامن مع إسرائيل، لكن الصين وروسيا كان موقفهما متوازنًا ومساويًا بين الجانبين[80].

ومن جانب آخر، عكست تلك المعركة فشلًا صريحًا لمساعي احتواء حماس، ونهاية للحلول الاقتصادية للقضية الفلسطينية تحت ما كان يسمى السلام الاقتصادي، ومن ثم تشكل ضربة قوية لاستراتيجية شارون الخاصة بتعزيز الانقسام بين غزة والضفة، ومن ثم من المفترض أن تشهد مرحلة ما بعد الحرب إعادة صياغة آليات وقواعد إدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وفقًا لتوازنات القوى التي ستحددها نتائج المعركة، بل ومن غير المستبعد أيضًا أن يدخل الصراع مرحلة الحسم وفقًا لرؤية المقاومة الفلسطينية. 

ويمكن القول إن التطورات القادمة سوف تتوقف إلى حد كبير على حدود الإدراك الأمريكي للرسائل الواضحة التي حملتها تلك المعركة بالنسبة لإسرائيل، والتي تتلخص في كون وجود وبقاء إسرائيل والأمن الإقليمي برمته بات رهن التوصل لحل عادل للقضية الفلسطينية وأن حل الدولتين هو الأفضل بالنسبة لإسرائيل، وأن الحرب الدينية التي شنها اليمين المتطرف ضد الشعب الفلسطيني كانت نقطة الانطلاق نحو تلك المعركة، وربما تؤدي المعالجة غير المنضبطة لتلك المعركة من جانب إسرائيل إلى إشعال حرب دينية في المنطقة غير مأمونة العواقب، وسيكون الخاسر الرئيسي فيها هي إسرائيل.

ومن ثم فإنه من غير المستبعد بعد الحرب أن تعجل واشنطن والدول الأوروبية بإعطاء الأولوية لفرض حل الدولتين على إسرائيل، خاصة وأن الحصار وتجربة الحروب المتكررة على غزة، أثبتت فشل تكتيك “كي الوعي” لأهالى القطاع، بل زادهم صمودًا وتمسكًا بأراضيهم، بل وكان دافعًا لدى المقاومة نحو تلك المعركة. وهنا يأتي دور السلطة الفلسطينية من أجل التفاوض من موقع القوة لتدشين دولة فلسطينية كاملة السيادة، وليس طلب بعض المساعدات والتسهيلات الاقتصادية[81].

2- التكريس العملي لمشروع المقاومة: استطاعت “حماس” أن تقلب الطاولة في الوضع الفلسطيني وفي المنطقة برمتها، وأن تؤكد صعوبة تجاوز الفلسطينيين في أي محاولة لتصفية قضيتهم، كما تؤكد حماس على ريادتها في البيئة السياسية الفلسطينية وأنها تكرس قدراتها العسكرية والسياسية في مواجهة التحديات الكبرى التي تواجه الفلسطينيين، على مستوى المساس بالمقدسات واستفراد الجيش والمستوطنين بالضفة الغربية.

كما إن تمكن حماس من أسر هذا العدد الكبير من الجنود والمستوطنين سيجعل لها اليد العليا في تحرير الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال، الأمر الذي سيعزز من مكانتها وشعبيتها بشكل شبه مطلق، في ظل تراجع كبير للسلطة الفلسطينية التي تعاني انسدادًا مطبقًا في مشروعها السياسي الذي لم يتبق منه شيء، وتراجع في شعبيتها في الضفة الغربية[82]، في ظل سقوط مسار التسوية السلمية، وفشل السلطة الفلسطينية في الاعتماد على اتفاقات أوسلو لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على فلسطين المحتلة سنة 1967، وفي ظل تنكر الحكومات الإسرائيلية لمسار أوسلو ومضاعفة برامج التهويد والاستيطان[83].

ومن جانب ثان، فإن هذه المعركة ستؤدي إلي زيادة الوزن السياسي الإقليمي والدولي للمقاومة الفلسطينية بعد أن أثبتت أنها رقم صعب في الصراع، وأن بإمكانها عرقلة مخططات تصفية القضية الفلسطينية. الأمر الذي قد يدفع دولًا أخرى لفتح قنوات تواصل معها، ويجعل الدول المتواصلة معها بالفعل أكثر حرصًا على التواصل عن ذي قبل.

كما ستتجه دول العالم بشكل أكبر للتعامل مع المقاومة بصفتها فاعلًا دوليًا قويًا في القضية الأهم في الشرق الأوسط. وسيزداد التفاعل من دول كبرى على خلاف مع واشنطن، مثل روسيا والصين، مع حركات المقاومة، وعلى رأسها حماس، وذلك من منطلق مناكفة الولايات المتحدة والتأكيد على أنها سبب في الأزمة وغير قادرة على حلها باعتبارها طرفًا أصيلًا فيها، وفي إطار محاولات تلك القوى تهديد الهيمنة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.

وهذا بدوره يزيد من فرص الدعم السياسي للمقاومة في المحافل الدولية ومجلس الأمن. ويمكن ملاحظة ذلك -على سبيل المثال- في الفيتو الروسي مؤخرًا على قرار مجلس الأمن إدانة حركة حماس.

ومن جانب ثالث، فقد تسببت المعركة في اتساع القاعدة الشعبية للمقاومة الفلسطينية إقليميًا وعالميًا، حيث حازت معركة “طوفان الأقصى” اهتمامًا شعبيًا عربيًا وإسلاميًا واسعًا منذ اللحظة الأولى، وأبدت الشعوب تضامنًا مع المقاومة الفلسطينية اتضح في وسائل التواصل الاجتماعي وفي التظاهرات التي خرجت في العديد من المدن حول العالم.

كذلك، مثلت معركة “طوفان الأقصى” وما زالت فرصة لإحياء القضية الفلسطينية، وشرح أبعادها للأجيال الجديدة التي تعرضت لقدر كبير من الدعاية الغربية ودعاية المطبعين خلال العقد الماضي على وجه الخصوص. ومع اتساع القاعدة الجماهيرية للمقاومة، فإن ذلك يفتح لها أبوابًا أكثر من الدعم الإعلامي والمالي وغيره، الأمر الذي سيعزز قدراتها وسرديتها في المستقبل[84].

3- كسر هيبة الاحتلال الإسرائيلي: تسببت عملية “طوفان الأقصي” في كسر هيبة دولة الاحتلال ومؤسساتها العسكرية والأمنية بشكل غير مسبوق، وكسرت أسطورة الجيش الذي لا يقهر. إن مباغتة كتائب القسام وتفوقها الملحوظ وإنجازاتها البادية ولا سيما العدد الكبير من القتلى والأسرى “الإسرائيليين” ومشاهد المواجهات المباشرة بين المقاومين والجنود قد أنتجت صورة من الصعب ترميمها بالنسبة لدولة الاحتلال في السنوات القليلة القادمة.

كما أن هذه الصورة المتضعضعة لقوات الاحتلال سيكون لها أثرها الكبير على معنويات كل من المقاومة الفلسطينية وجمهورها من جهة وجيش الاحتلال وجبهته الداخلية من جهة ثانية بشكلين متعاكسين بطبيعة الحال[85].

4- تهديد أمن المستوطنات: قال مركز دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، على موقعه الإلكتروني، إنه “منذ بداية الحرب جرى إخلاء 64 بلدة إسرائيلية في شمالي وجنوبي البلاد”.

وهو ما تسبب في نزوح أكثر من ربع مليون إسرائيلي من منازلهم في جنوبي وشمالي البلاد، منذ بداية الحرب في قطاع غزة، في 7 أكتوبر الماضي[86].

ويمكن القول أن ما شهدته مستوطنات غلاف غزة من مواجهات وخبره المستوطنون بشكل فردي ومباشر من ضعف وفشل لأجهزتهم في حمايتهم سيدفعهم للزهد في العودة لها حتى ولو انتهى الحدث الأمني وبعد  انتهاء المعركة الحالية. إن أحد النتائج المتوقعة لمعركة طوفان الأقصى ألا تعود تلك المستوطنات لحالتها السابقة وربما تفكيكها عمليًا وإن لم يحصل ذلك على شكل إعلان رسمي وتنفيذ مباشر من الدولة، وهو ما يشبه من زاوية ما تفكيك المستوطنات داخل القطاع بعد الانسحاب منه. أما البديل لذلك فهو العمل على استبقاء عدد من المستوطنين فيها مع تخصيص مصادر كبيرة وبالتالي مرهقة عسكريًا وأمنيًا واقتصاديًا لمحاولة طمأنتهم وإبقائهم فيها[87].

أضف إلي ذلك،فأن استهداف المقاومة لغلاف غزة، وقتل وأسر العديد من الإسرائيليين، يشكل ضربة استراتيجية لإسرائيل باعتبارها وطنًا آمنًا لكل يهود العالم، وأن هذه الصورة مهمة جدًا لإسرائيل لاستدامة قدرتها على استقطاب عدد أكبر من اليهود، خصوصًا يهود الدول الأوروبية[88]. ويشكل ذلك متغير ديمغرافي مهم في معادلة الصراع مع إسرائيل، باعتبار (عدم الأمان) يعد عاملًا طاردًا للإسرائيليين ومحفزًا نحو الهجرة العكسية[89].

5- إمكانية إبرام صفقة تبادل للأسري: شكلت عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها كتائب الشهيد عز الدين القسام الذراع العسكرية لحركة حماس، بمثابة فتح لملف تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، إثر أسر المقاومة لعشرات الإسرائيليين يوم 7 أكتوبر الجاري. وشكل إعلان أبو عبيدة المتحدث العسكري باسم القسام عن وجود قرابة 250 أسيرًا إسرائيليًا أو يزيد لدى المقاومة الفلسطينية بصيص أمل لأكثر من 6000 أسير وأسيرة فلسطينية في السجون الإسرائيلية، الذين باتوا يشعرون بقرب تدشين صفقة جديدة بعد صفقة وفاء الأحرار عام 2011.

وتمتلك المقاومة بالأساس أربعة جنود منذ عام 2014، وهم هشام السيد وأبرهام منغستو وهدار غولدين وشاؤول أرون، إلا أن الاحتلال تنصل من جميع المفاوضات التي جرت لإبرام صفقة تبادل بالرغم من العروض التي قدمتها المقاومة في أكثر من مناسبة. وشكل أسر هذا العدد الكبير من الأسرى غير المسبوق في تاريخ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بمثابة فتح لملف التبادل على مصراعيه للمرة الأولى منذ قرابة 9 سنوات في ظل تجاهل حكومات رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو المتتابعة أو حكومة المعارضة السابقة التي تناوب على رئاستها كل من نفتالي بينيت أو يئير لابيد.

ومنذ اللحظات الأولى للإعلان عن هذا الكم من الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية في غزة، بدأ الملف يفرض نفسه على الساحة من خلال التلويح الإسرائيلي الأولي بتشكيل فريق لاستعادته أو استخدام المقاومة له للضغط على الاحتلال حال لم يوقف مجازره وجرائمه بحق المدنيين. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ تجاوز ذلك ليصل إلى حد طلب الرئيس الأمريكي جو بايدن من دولة قطر التوسط لدى حركة حماس للإفراج عن الأسرى الأمريكيين لديها ممن كانوا يتواجدون في غلاف غزة لحظة تنفيذ المقاومة لعملية “طوفان الأقصى”.

وبالتوازي مع ذلك كله، فقد حضرت منظمة الصليب الأحمر الدولية للمرة الأولى منذ وقت طويل في المشهد عبر الاستعداد للعب دور الوساطة أو المساهمة في تسليم الأسرى لا سيما المدنيين الذين أبدت المقاومة استعدادها لتسليهم لأسباب إنسانية[90].

وعلى الرغم من أن إسرائيل رفضت أن تستجيب لضغوط ورقة الأسري عقب عملية طوفان الأقصي (سواء في وقف الحرب أو إدخال المساعدات لقطاع غزة أو تبادل الأسري)، لكن مع هذا العدد الكبير من الأسرى الذي يصل عددهم إلي 250 شخص بمن فيهم ضباط كبار (معظم ضباط قيادة المنطقة الجنوبية في إسرائيل وقائد فرقة غزة في الجيش الإسرائيلي)، والضغوط من ذويهم قد تضطر إسرائيل إلى الدخول في صفقة جديدة لتبادل الأسرى[91].

وهو ما يجعل المقاومة تتفاوض في هذا الملف من موقع قوة، ويمكن توضيح استراتيجية المقاومة للتعامل مع هذا الملف، كما يلي:

– التفرقة بين الأسير الإسرائيلي والأجنبي: بينت حركة المقاومة أن أعداد الأسري الإسرائيليين تتراوح بين 200 إلى 250 أسيرًا؛ حيث قال المتحدث باسم كتائب القسام أبو عبيدة: “لدى القسام نحو 200 أسير، والبقية موزعون لدى المكونات الأخرى أو في أماكن لا نستطيع حصرها في ظل الوضع الميداني القائم”. كما بين وجود عدد من الأسرى من غير الإسرائيليين المحتجزين لديهم لحين سماح الأوضاع بالإفراج عنهم: “لدينا مجموعة من المحتجزين من جنسيات مختلفة جلبوا أثناء المعركة ونعتبرهم ضيوفًا لدينا ونسعى لحمايتهم، وسنطلق سراحهم في اللحظة التي تسمح بها الظروف الميدانية”.

كما أوضح علي بركة القيادي والمتحدث باسم حركة “حماس” التمييز بين الأسرى الإسرائيليين وغيرهم، قائلًا: “نحن نفرق بين الأسرى؛ فهناك أسرى أجانب ليسوا مقاتلين.. وهؤلاء اعتبرتهم حركة حماس ضيوف، أما الأسرى الإسرائيليين طبعًا نريد أن يجري تبادل للأسرى العرب والفلسطينيين من السجون الإسرائيلية كافة”[92].

– الأسري الأجانب مقابل وقف إطلاق النار: يبدو أن حماس تربط الإفراج عن الأسري الأجانب لديها بوقف إطلاق النار أو حتي بهدنة إنسانية تشمل إدخال أكبر كمية ممكنة من المساعدات العاجلة إلى القطاع، بما في ذلك الوقود والطحين لتشغيل المستشفيات والمخابز، والسماح لفرق طبية من عدة عواصم بالدخول، وإقامة مستشفيات ميدانية، واحتمال نقل جرحى لتلقي العلاج في الخارج[93].

في هذا السياق؛ أشار قادة من حركة حماس إلى وجود اتصالات مع بعض الدول فيما يتعلق بملف الأسرى الموجودين لديها؛ من ذلك أن “المقاومة تلقت اتصالات من قطر وتركيا ودول أخرى للإفراج عن الأسرى”. تلك الاتصالات التي أسفرت عن إطلاق كتائب القسام سراح أسيرتين أميركيتين، استجابة لجهود قطرية[94].

ومن المستبعد أن تكون “حماس” قد أطلقت سراح الرهينتين الأميركيتين من دون شرط، لا سيما أن ذلك تبعه السماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة للمرة الأولى بعد أقل من 24 ساعة، رغم المناشدات العالمية والضغوط التي كانت قائمة منذ أيام عدة في سبيل هذه الخطوة.

وكانت إسرائيل قد أعلنت يوم الأربعاء 18 أكتوبر، عبر مكتب نتنياهو، أنه “عطفًا على طلب الرئيس بايدن، لن تمنع إسرائيل وصول المساعدات الإنسانية من مصر”، مشيرة إلى أنه سيتم توفير “الغذاء والماء والدواء” للسكان المدنيين فقط، وأنه “لا ينبغي السماح بوصول الإمدادات إلى حماس”[95].

كما ربطت حماس بين استمرار خروج حاملي الجوازات الأجنبية المحتجزين لديها من قطاع غزة، وبين خروج الجرحى من مستشفيات غزة التي تتعرض لقصف وحشي من قبل الاحتلال الإسرائيلي، إلى معبر رفح الحدودي مع مصر. يأتي ذلك بعد استشهاد 13 فلسطينيًا وإصابة العشرات في غارات إسرائيلية على قوافل لسيارات الإسعاف التي تنقل جرحى من مدينة غزة إلى معبر رفح البري جنوب القطاع للعلاج في مصر، في 3 نوفمبر 2023[96].

وفي هذا السياق؛ نقلت “وكالة أنباء العالم العربي”، عن مصدر أمني مصري في معبر رفح، القول إنه “جرى إيقاف إجراءات خروج نحو 595 من الأجانب ومزدوجي الجنسية من دول عدة، بعدما كان من المقرر عبورهم من غزة إلى الجانب المصري، في 10 نوفمبر 2023”. وأضاف المصدر: “توقف إجراءات خروج الأجانب ومزدوجي الجنسية يعود إلى تعذر وصول سيارات الإسعاف التي تحمل مصابين فلسطينيين بسبب القصف الإسرائيلي”. وتابع قائلاً إن “الأجانب ومزدوجي الجنسية موجودون حتى الآن في المعبر في انتظار انفراج الأزمة، ووصول سيارات الإسعاف لخروجهم من غزة”.

ولاحقًا، أعلنت الهيئة العامة للمعابر والحدود في قطاع غزة، فشل سفر حملة الجوازات الأجنبية، بسبب عدم التنسيق لسفر جرحى غزة.

وحتى 11 نوفمبر 2023، تمكن نحو 3828 من الأجانب ومزدوجي الجنسية من الخروج من غزة، عبر معبر رفح، وهو ما يمثل نحو أكثر من نصف الأجانب الموجودين في غزة قبل بدء الحرب، والذين كان يقدر عددهم بنحو 7500 شخص. فيما وصل العدد الإجمالي للجرحى الفلسطينيين الذين أُصيبوا بجروح خطيرة بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة، تم نقلهم إلى مصر، إلى 105 فلسطينيين. يشار إلى أنه قبل حرب إسرائيل ضد حركة “حماس”، كان يتم تحويل حوالي 100 مريض يوميًا للعلاج خارج غزة، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية[97].

– الأسري الإسرائيليين مقابل الأسري الفلسطينيين: في حين يشترط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إطلاق سراح الأسري الإسرائيليين لدي حماس مقابل وقف إطلاق النار علي غزة[98]، فإن حماس تؤكد علي أن الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لن يتم بدون صفقة تبادل مقابل الأسرى الفلسطينيين.

جاء ذلك على لسان رئيس الحركة في القطاع يحيى السنوار، الذي قال في بيان له: “نحن مستعدون لعقد اتفاق فوري لتبادل الأسرى يتضمن إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية مقابل جميع الأسرى المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية”. يتفق ذلك مع ما قاله الناطق العسكري باسم “كتائب القسام” الجناح العسكري لحماس، أبو عبيدة، في كلمة له، حين أشار إلى أن العدد الكبير من الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة ثمنه “تبييض كل سجونه من كافة الأسرى الفلسطينيين”.

وقدم أبو عبيدة خيارات للحكومة الإسرائيلية بشأن تبادل الأسرى، حين قال “إذا أراد العدو أن ينهي هذا الملف مرة واحدة فنحن مستعدون لذلك، وإذا أراد مسارًا لتجزئة الملف فنحن جاهزون لذلك أيضًا، وعليه أن يدفع الأثمان التي يعرفها”[99].

ثم عاد أبو عبيدة وشدد علي نفس الأمر، في كلمته في 8 نوفمبر 2023، مشيرًا إلي استعداد الكتائب للإفراج عن مزدوجي الجنسية الأجانب، متهمًا إسرائيل بعرقلة ذلك من خلال تكثيف القصف وارتكاب المجازر.

ومشددًا على أن الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لن يتم بدون صفقة تبادل مقابل الأسرى الفلسطينيين، حيث قال أبو عبيدة: “مسارنا الوحيد صفقة شاملة لتبادل الأسرى كليًا أو جزئيًا أو فئة بفئة، فلنا أسيرات ومسنون ومرضى بسجون الاحتلال وله عندنا من ذات الفئات”[100].

وقد كانت هناك محاولات بوساطة قطرية لعقد صفقات تبادل أسرى محدودة، تكون فيها النساء الرهائن من الجانب الإسرائيلي مقابل الأسيرات الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية، ولكنها فشلت بسبب الرفض الإسرائيلي الذي يحتاج إلى تجاوز فكرة الهزيمة وتآكل الردع، والحاجة إلى تحقيق مشهد انتصار عسكرى وسياسى[101].

وكانت آخر محاولات التوصل إلى هدنة قادتها قطر، في 9 نوفمبر 2023، خلال زيارة مدير وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) وليام بيرنز، انطلقت من هدنة لثلاثة أيام تكون كافية لإنجاز عملية إطلاق حماس سراح ما يصل إلى 15 رهينة نصفهم أميركيين، ولا تشمل إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، مقابل إدخال كمية كبيرة من المساعدات وطواقم طبية ومستلزمات طبية إلى المستشفيات.

وقد حمل الأميركيون إلى القطريين موافقة على هدنة ليومين فقط، شرط أن تطلق حماس أسرى إسرائيليين، قبل أن ينقل الأميركيون عن الإسرائيليين موافقتهم على هدنة من يوم واحد. وهو ما رفضته حماس، مؤكدة أنها لن تقبل بأقل من أربعة أيام من الهدنة، ليتوقف البحث عند هذه النقطة[102].

ومؤخرًا يدور الحديث عن أن الوساطة الأميركية التي يعمل عليها مدير “وكالة الاستخبارات المركزية” (CIA) وليام بيرنز والموفد الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتين لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المدنيين والأجانب من قطاع غزة، تنقسم إلى ثلاثة أقسام: وقف إطلاق نار مؤقت بين 3 إلى 5 أيام، وتبادل الأسرى، والمساعدات الإنسانية.

في القسم المتعلق بتبادل الأسرى، يجري الاتفاق على إطلاق سراح الأسرى المدنيين الإسرائيليين الأحياء، من نساء وأطفال ومراهقين، الذين تحتجزهم “كتائب القسام” و”سرايا القدس” (من دون تحديد تفاصيل إضافية حول العدد والسن)، إضافة إلى الأسرى الأجانب، في مقابل إفراج الاحتلال الإسرائيلي عن نحو 140 فتى أو شاب فلسطيني اعتقلوا “على أساس نشاط غير مسلح”. وكذلك إطلاق سراح نحو 35 أو 36 أسيرة إسرائيلية لدى الفصائل الفلسطينية في غزة، في مقابل الإفراج عن جميع الأسيرات الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية.

وحاول الجانب الإسرائيلي التذاكي عبر القول إن كل من أسرته “حماس” ولم يكن في الخدمة الفعلية فهو مدني وليس عسكريًا، وهو ما رفضته “حماس”، مؤكدة أن الجنود سواء كانوا رجالاً أو نساءً سيبقون في الأسر بغض النظر عما إذا تم أسرهم أثناء وجودهم في الخدمة الفعلية أو خارجها.

وبحسب المعلومات، هناك بند آخر يتعلق بما تعتبره إسرائيل حقًا لـ”الصليب الأحمر” بزيارة بقية الأسرى غير المشمولين في الصفقة، إلا أن “حماس” ترفض هذا الأمر.

وبالنسبة للمساعدات الإنسانية، تدور المفاوضات حول إدخال سبعة آلاف شاحنة مساعدات ووقود إلى جميع مناطق غزة، إضافة إلى إعادة تشغيل المستشفيات وإدخال سيارات إسعاف جديدة إلى القطاع.

وبالنسبة لوقف إطلاق النار، يدور النقاش حول وقف إسرائيل العمليات العسكرية، ما عدا الطّلعات الجوية الاستطلاعية، لكن حركة “حماس” تقول إن الطلعات الجوية ستكون عائقًا يمنع تسهيل عملية تنفيذ الصفقة[103].

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تصريحات لشبكة “إن بي سي نيوز” الأمريكية، أكد علي أنه من الممكن أن يكون هناك اتفاق لإطلاق سراح عدد من الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى “حماس” في قطاع غزة. كما نقلت صحيفة “معاريف” العبرية عن مصادر أمريكية تأكيدها وجود صفقة محتملة للأفراج عن 80 أسير إسرائيلي لدى “حماس”.

ولكن “حماس” علقت هذه المفاوضات؛ بسبب الاستهداف المتواصل من قبل جيش الاحتلال لمستشفى الشفاء[104].

وعلي ضوء ما سبق؛ يمكن القول أن حماس تلوح بملف الأسرى لديها من أجل تحقيق عدة أهداف:

– إيقاف الضربات الجوية الإسرائيلية العنيفة علي قطاع غزة. حيث أكدت “كتائب القسام”، في بيان عبر تيليجرام، في 4 نوفمبر 2023، أن القصف على غزة تسبب في مقتل أكثر من 60 أسيرًا ممن في حوزة المقاومة منذ 7 أكتوبر، جثث 23 منهم لا تزال مفقودة تحت الأنقاض[105].

وبذلك، تحاول حماس تصدير مزيد من الضغوط الداخلية على الحكومة الإسرائيلية، من جانب أهالي الأسري، الذين حملوا حكومة نتنياهو المسؤولية كاملة، في وقت نظم فيه إضراب مفتوح من جانب تلك الأسر في إسرائيل، ودعوا خلال مؤتمر صحافي السلطات الإسرائيلية إلى العمل على إطلاق سراحهم فورًا.

قد يكون ملف الأسرى الأجانب تحديدًا، أحد أسباب تأخير العملية البرية التي تنوي إسرائيل تنفيذها في قطاع غزة حتى الآن، نتيجة لتخوف القوى الدولية وإسرائيل من أن يعرض الهجوم البري حياة الأسرى إلى الخطر، حتى أن هذا الأمر من شأنه أيضًا أن يؤجج الرأي العام الداخلي ضد الحكومات.

ومن الممكن أيضًا أن تستغلهم حماس للرد حال نُفذ الهجوم البري، خاصة وأن كتائب القسام قد أعلنت في وقت سابق عزمها على إعدام الأسرى بالصوت والصورة حال قصفت إسرائيل مواقع مدنية إضافية. وبالتالي قد يحين الدور على الأسرى وهو ما لن يقبله ذويهم أو دولهم. وعليه، قد تكون حماس أرجأت تنفيذ تهديدها كحل أخير حفاظًا على هيبتها واستمرار التعاطف معها[106].

– الإفراج عن كل الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، والبالغ عددهم وفقًا لبيانات سبتمبر ٢٠٢٣ نحو ٥٢٠٠ أسير، بينهم ٣٦ أسيرة و١٧٠ طفلًا، بالإضافة إلى وصول عدد المعتقلين الإداريين في الفترة نفسها إلى ١٢٦٤ بينهم أكثر من ٢٠ طفلًا وأربع معتقلات، وذلك مقابل الإفراج عن الأسري الإسرائيليين لديها[107].

وخطوة كهذه من شأنها رفع شعبية فصائل المقاومة لدي الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والداخل المحتل والقدس والخارج.

– لن يكون مثيرًا للعجب – مع هذا العدد من الأسرى – أن تشترط الفصائل الفلسطينية إعادة إعمار غزة ورفع الحصار عنها أو تخفيف قيوده، فهذه المدينة هي الأكثر اكتظاظًا في العالم، وسكانها يعيشون أسوأ الظروف الاقتصادية والإنسانية بسبب الحصار المضروب عليها منذ عقد ونيف من الزمان وبسبب الغارات الإسرائيلية المتتالية على منازلها ومدنييها، ومن شأن خطوة كهذه رفع شعبية فصائل المقاومة لدى الفلسطينين في غزة الذين لطالما قالت إسرائيل إنهم سبب ما يعيشه الفلسطينيون من أوضاع متردية[108].

– إعادة المسار السياسي لقيام دولة فلسطينية، في هذا السياق، قال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، أن حركة حماس قدمت تصورًا يبدأ “بوقف العدوان وفتح المعابر وتبادل الأسرى وانتهاء بفتح المسار السياسي لقيام دولة فلسطينية وحق تقرير المصير، لكن نتنياهو يماطل”[109].

– تعزيز شرعية حماس، فربما تقوم بعض الدول الأجنبية، مثلما فعلت روسيا، بالتفاوض مباشرة مع حماس للإفراج عن الأسري الأجانب لديها. وهو ما يعني اعترافًا دوليًا بشرعية حماس، التي تصنف لدي بعض الدول كمنظمة “إرهابية”.

وفي مقابل هذه المكاسب التي تحققها حماس من معركة “طوفان الأقصي”، لم يتمكن جيش الاحتلال الإسرائيلي من تحقيق أي هدف من أهدافه المسطرة من الحرب على غزة “عملية السيوف الحديدية”، ذلك أنه عجز عن إجبار الفلسطينيين على مغادرة شمال غزة والتوجه جنوبًا ومن ثم تهجيرهم إلى سيناء المصرية، ما يعني أن هدف التهجير لم يتحقق.

أيضًا تحدث كيان الاحتلال في البداية عن اجتياح كامل لقطاع غزة في فترة وجيزة، لكن ذلك لم يحصل، وحسب تطورات الوضع من المستبعد أن يحدث، فالمقاومة أثبتت شراسة كبيرة لم يتوقعها الاحتلال للتصدي لمحاولات الاجتياح، وحتي لو تمكن الاحتلال من التوغل بريًا في القطاع سواء بصورة محدودة أو موسعة، فمن المؤكد أن المقاومة ستكبده خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات ستدفعه لعدم البقاء طويلًا في القطاع[110].

في هذا السياق؛ في تحليل على قناة الجزيرة، قال الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري: “المقاومة متماسكة، حتى اللحظة، لا توجد إنجازات كبيرة تحققت خاصة خلال الأيام الأخيرة”.

وأضاف الدويري في 11 نوفمبر أن معظم الإنجازات كانت في الأيام الأولى “في مناطق خالية وغير مأهولة بالسكان، لذلك كان من السهل أن يتقدم العدو ويصل إلى الأطراف الشمالية من قطاع غزة”.

لكنه يعتقد أن وصول الآليات العسكرية إلى المناطق المأهولة بالأبنية والسكان غير شكل الإنجاز، حيث يواجه الاحتلال صعوبة في الوصول إلى مستشفى الشفاء بفعل القتال الكبير في محيطها. وخلال الأيام الماضية، حدد جيش الاحتلال لنفسه نقطة انتصار وهمية وهي الوصول إلى مستشفى الشفاء وسط مدينة غزة، الذي يروج أن قادة المقاومة يحتمون داخل أنفاق أسفله.

وتابع الدويري في هذا السياق “حتى الآن وبعد أكثر من 30 ساعة في محيطه، لم يستطع الاحتلال السيطرة على مسافة 600 متر بين مستشفى الشفاء وشارع البحر، لوجود معارك ضارية في تلك المنطقة”.

وأردف “استخدم الاحتلال وسط المناطق المأهولة بالسكان كل أنواع القنابل، الإسنفجية والخارقة والفسفورية والصاروخية، ومع ذلك فالمقاومة متماسكة وتدير المعركة بنجاح وقادرة على إيلام العدو”[111].

من أهداف حكومة نتنياهو أيضًا تحويل قطاع غزة إلي “منطقة منزوعة السلاح”، أي القضاء على المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس وذراعها العسكرية “كتائب القسام”، إلا أنها لم تتمكن من ذلك، فليس من السهل التغلب على المقاومة الفلسطينية التي اكتسبت قوة كبيرة خلال السنوات الأخيرة.

بل أن الاحتلال لم يتمكن من الوصول إلى أهم الشخصيات المطاردة كزعيم حماس في غزة يحيى السنوار أو القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف.

أما عن هدف تحرير الأسرى من قبضة المقاومة، فهذا أيضًا لم يتحقق، وتشير المعطيات إلي أن الحكومة الإسرائيلية غضت الطرف عنه ولم تعد تهتم بهذا الأمر، ما يفسر القصف العشوائي للأحياء السكنية التي يوجد فيها الأسرى[112].

وما يعزز من احتمالية فشل العدوان الإسرائيلي الحالي “عملية السيوف الحديدية” هو فشل الاحتلال في تحقيق أي من أهدافه خلال الجولات القتالية السابقة. فعلى سبيل المثال، كان أحد أهداف العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2008-2009 الوصول إلى المكان الذي كانت المقاومة تأسر فيه الجندي جلعاد شاليط، لكنها لم تتمكن من الوصول إليه حتى بادلته حماس عام 2011 بأكثر من ألف أسير بعضهم من المحكوميات العالية، فيما عرف باسم صفقة “وفاء الأحرار”.

وفي عام 2012 أطلقت قوات الاحتلال عملية “عمود السحاب” باغتيال أحمد الجعبري نائب قائد كتائب القسام محمد الضيف، واستمرت 8 أيام بهدف تدمير المواقع التي تخزن فيها حركات المقاومة صواريخها.

وفي عام 2014 أطلقت عملية “الجرف الصامد” واستمرت 51 يومًا وكان من أهدافها تدمير شبكة الأنفاق التي بنتها المقاومة تحت الأرض في غزة.

حصلت بعدها جولات عديدة كان أبرزها في مايو 2021 وأطلقت عليها المقاومة اسم “سيف القدس” ولم تحقق أيضًا أهداف الاحتلال المتكررة بتدمير الأنفاق وتحييد القدرات العسكرية للفصائل الفلسطينية، وهي مؤشرات تشير جميعها إلى ما يمكن أن تسفر عنه المعركة الحالية من نتائج، وتعزز الأمل في صمود المقاومة وخروج القوات الإسرائيلية المتوغلة في القطاع دون إنجاز عسكري[113].

ختامًا؛ جاءت عملية “طوفان الأقصي” في ظل قيام حكومة “بنيامين نتنياهو” المتطرفة بتصعيد إجراءات الأمر الواقع والتي استهدفت تجاوز الجانب الفلسطيني والمضي قدمًا في إجراءات نهائية مثل الضم العملي للضفة الغربية والتقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، وفرض السيادة الكاملة على القدس كعاصمة موحدة.

كما تشير تقديرات إلى أن الهجوم الفلسطيني المباغت، استبق مخططًا إسرائيليًا لتوجيه ضربة قاسية لحركة حماس بعد انتهاء الأعياد اليهودية، حيث عقد نتنياهو اجتماعًا أمنيًا قبيل عملية “طوفان الأقصى” بـ 7 أيام، لهذا الغرض.

وتمثل عملية “طوفان الأقصى” حدثًا غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي؛ من حيث قدرة المقاومة الفلسطينية على اختراق “الحدود الآمنة” على امتداد غلاف قطاع غزة. كما عكست تطورًا نوعيًا تجلى في عدم قدرة المؤسسة العسكرية والاستخبارية الإسرائيلية على التنبؤ به والاستجابة له[114]، ما أدي إلي كسر الهيبة الإسرائيلية وتدمير أسطورة قوتها وخرافة استحالة هزيمتها، وهي عملية يتفق الكثيرون – بمن فيهم محللون “إسرائيليون”- على أن محوها غير ممكن بالنسبة للاحتلال حاليًا مهما فعل في غزة وضدها، وسيبقى صعبًا كذلك حتى على المدى البعيد.

ولعل ذلك ما يفسر مدى وحشية التعامل “الإسرائيلي” في الهجوم المضاد علي قطاع غزة “عملية السيوف الحديدية” بما يتخطى ولا يقارن مع أي عدوان سابق على القطاع، من حيث استهداف المدنيين والبنى التحتية بما في ذلك المدارس والمستشفيات ودور العبادة وصولاً لمراكز إيواء النازحين، فضلاً عن منع وصول متطلبات الحياة الأساسية من ماء وغذاء ودواء وكهرباء من باب أن الاحتلال يواجه “حيوانات” لا يملكون حقوق البشر[115].

وفي ضوء ذلك، تدرك المقاومة الأثمان المتوقعة نتيجة هذه العملية التاريخية الاستراتيجية، وأنها مقبلة على معركة “كسر عظم”؛ وتدرك أن الضربة القاسية المهينة التي تلقاها الاحتلال ستلجئه إلى الانتقام الهمجي، في محاولة لاستعادة الثقة بنفسه، وإعادة صورة الردع التي ظل يحافظ عليها لعشرات السنوات.

وتدرك قبل ذلك أن الاحتلال تحت قيادة حكومته المتطرفة، كان يسعى لحسم الصراع سواء في مصير الأقصى والقدس، أم في مصير الضفة الغربية، أم في إغلاق ملف المقاومة في قطاع غزة وفي البيئة الاستراتيجية المحيطة، وأن الرغبة الإسرائيلية الأمريكية في المضي في ملف التطبيع تعني السعي لإنهاء المقاومة داخل فلسطين وخارجها، وأن ثمة دولًا عربية مطبعة (أو في طريقها للتطبيع) ترى في المقاومة عائقًا لمساراتها التطبيعية، وحالة إلهام وتثوير لشعوبها ضد سلوكها السياسي، وستسعى للمحاصرة الإعلامية للمقاومة، ولامتصاص ردود فعل شعوبها، وتمرير ضرب المقاومة بأقل الخسائر المحتملة. ولذلك، فإن حجم الضغط المتوقع على قطاع غزة سيكون كبيرًا.

وعليه؛ فمن المتوقع أولاً أن تسعى المقاومة إلى حماية ورعاية حاضنتها الشعبية خصوصًا في قطاع غزة، وتقديم كل ما بوسعها لدعمها.

من ناحية ثانية، فإن هذا الوقت هو الوقت الحقيقي لاستحقاق “وحدة الساحات”، وستزداد أهمية وحيوية هذا الخيار في حالة إقدام الاحتلال على الاجتياح الشامل أو الجزئي لقطاع غزة، بمشاركة قوى المقاومة داخل فلسطين وخارجها. إذ لا يمكن لقوى المقاومة خارج فلسطين أن تترك غزة لوحدها تواجه هذا العدوان المسنود بتحالف عالمي، ذلك أن رأس المقاومة في لبنان وغيرها سيكون الهدف التالي لإعادة بناء خريطة الشرق الأوسط وفق الشروط الإسرائيلية الأمريكية.

من ناحية ثالثة، تستطيع المقاومة الاستفادة من ورقة الأسرى الصهاينة، في وقف العدوان، ووقف استهداف المدنيين، وفي تحقيق صفقات تبادل وتبييض السجون من كافة الأسرى الفلسطينيين.

من جهة رابعة، فلا بد من تصعيد الزخم الجماهيري والحاضنة الشعبية الداعمة للمقاومة وزيادة تفاعلها في الضفة والـ 48، والعالم العربي والإسلامي، والبيئة الدولية، كما حدث في سيف القدس (بل وأكثر)، لتشكل حالة ضاغطة لدعم المقاومة ووقف العدوان على القطاع ووقف استهداف المدنيين، ولتكشف الوجه البشع للاحتلال، وتعمل على تجريمه وعزله ونزع الغطاء عنه.

من ناحية خامسة، فإن من الأهمية بمكان التواصل مع الدول العربية والإسلامية والعالمية، خصوصًا تلك التي يمكن أن تتفهم وجهة نظر المقاومة، وأن تفضح كافة أشكال الدعاية المضللة التي يمارسها الصهاينة، وأن تضع هذه البلدان أمام مسؤولياتها التاريخية.

فإلى جانب البلدان العربية والإسلامية، هناك دول عالمية وازنة ترفض حصار غزة وترفض العدوان عليها، وترفض الاحتلال الإسرائيلي للضفة والقطاع، وتتفهم أسباب المقاومة المسلحة، مثل روسيا والصين والبرازيل وجنوب أفريقيا.. وهي يمكن أن تلعب أدوارًا في وقف العدوان، كما أن الكثير من الدول العالمية بما فيها الأوروبية تقف ضد استهداف المدنيين[116].

توصيات:

إن الحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني ودعمه في رحلته الكفاحية – للدفاع عن حقه في تقرير مصيره الذي كفلته له كل التشريعات والاتفاقيات والمعاهدات الدولية – يتطلب خطة شاملة للعمل الشعبي الفاعل، عبر عدد من المحاور الأساسية، من بينها:

المحور السياسي: تبني حملة للدبلوماسية الشعبية تستهدف السياسيين والإعلاميين والمفكرين المؤمنين بقيم العدالة والديمقراطية في كل دول العالم، للتعريف بالقضية الفلسطينية، وكشف الانتهاكات التي يمارسها الكيان الصهيوني، وتنظيم عدد من الفعاليات والتظاهرات الشعبية في مختلف دول العالم؛ لبناء رأي عام عالمي مساند للقضية الفلسطينية، وإدارة حملات علاقات عامة واسعة النطاق مع النخب ومنظمات المجتمع والجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية والمؤثرين في مختلف الدول؛ لبناء جماعات ضغط حقيقية ومؤثرة على حكومات هذه الدول.

المحور الاقتصادي: دعم كل جهود مقاطعة الشركات والهيئات والمؤسسات والشخصيات الداعية لسياسات الكيان الإسرائيلي، ومطالبة الشركات والقطاعات الاقتصادية الشعبية العربية، بوقف تعاملاتها وعلاقاتها مع الشركات والمؤسسات الداعمة للكيان الصهيوني، والبحث عن بدائل وطنية عربية وتعزيز التعاون المشترك معها.

المحور الإعلامي: تكثيف البث الإعلامي والتغطية المفتوحة والمباشرة عبر كل الوسائل الإعلامية الممكنة، وعبر كل الحسابات الشخصية لكل المؤمنين بقيم الحرية والكرامة والعدالة الإنسانية، بمختلف الصور الداعمة للقضية الفلسطينية، والعمل على التشبيك والتواصل مع المؤسسات الإعلامية الدولية، وخاصة في الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ومدها بالمعلومات والحقائق الميدانية عن الانتهاكات التي تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك دعم الدور الإعلامي لكل الأفراد والجماعات، عبر توفير المطبوعات والمنشورات والمواد الإعلامية التي يمكنهم الاعتماد عليها في شبكاتهم ودوائرهم وحساباتهم، باعتبار أن كل فرد له دوائره التي يؤثر فيها داخل الدول العربية وخارجها.

المحور الحقوقي: التشبيك مع المنظمات الحقوقية، الدولية والإقليمية، الحكومية وغير الحكومية، ومدها بالمعلومات الدقيقة حول الانتهاكات الإسرائيلية، والعمل على تفعيل دور هذه المنظمات في تحريك هذا الملف أمام مختلف الأطراف ذات الصلة، والمطالبة بجلسات استماع خاصة أمام الهيئات والمؤسسات الحقوقية الدولية والإقليمية التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، وغيرها من جهات ذات صلة.

المحور القانوني: بذل كل الجهود الممكنة لتحريك دعاوى قانونية أمام المحكمة الجنائية الدولية، ضد الكيان الإسرائيلي؛ لمحاسبة حكومته ومسؤوليه على جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي يمارسها في حق الشعب الفلسطيني، وقيام السياسيين والمفكرين والأكاديميين والإعلاميين بإجراء اتصالات وزيارات مباشرة للهيئات والمؤسسات القضائية والقانونية الدولية والإقليمية، لوضعها أمام مسؤولياتها في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.

المحور الإغاثي والإنساني: إدارة حملات تبرع مالي وعيني لدعم الشعب الفلسطيني، عبر منظمات إقليمية ودولية، حكومية وغير حكومية، وبحث كل الطرق الممكنة لتوصيلها إلى المحاصرين والنازحين والمهجرين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبذل كل الجهود الممكنة، سياسيًا ودبلوماسيًا وإعلاميًا لفتح المعابر الفلسطينية، لنقل الأدوية والمواد الغذائية ومصادر الطاقة للأراضي الفلسطينية المحتلة.

المحور المعلوماتي: إعداد قواعد بيانات موثقة من مصادر رسمية وعلنية حول حقوق الشعب الفلسطيني، ونصوص الاتفاقيات والمعاهدات التي تضمن هذه الحقوق، ونشرها باللغات الأساسية للأمم المتحدة، في مواجهة سياسات التضليل الإسرائيلي، والتوسع في نشر الأفلام الوثائقية عن التاريخ الفلسطيني، وما تعرض له الفلسطينيون من انتهاكات منذ 1917، مع صدور إعلان بلفور وحتى اليوم، على أوسع نطاق ممكن[117].


[1] “عملية “غلاف غزة” ودلالاتها”، مركز الجزيرة للدراسات، 8/10/2023، الرابط: https://cutt.us/EMAQd 

[2] “كيف سيطرت كتائب القسام على “فرقة غزة”؟ الأداء القتالي للمقاومة الفلسطينية ومعرقلات العمل العسكري الإسرائيلي البري”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 29/10/2023، الرابط: https://cutt.us/YH3gu

[3] “عملية «طوفان الأقصى».. الأسباب والتداعيات والسيناريوهات المتوقعة”، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 13/10/2023، الرابط: https://cutt.us/An4tD

[4] “المعنيّون بطوفان الأقصى… دوافع وإشكالات”، العربي الجديد، 6/11/2023، الرابط: https://cutt.us/x0W2h

[5] “تطورات التصعيد في الأراضي الفلسطينية في ضوء تبعات عملية طوفان الأقصى”، مركز السلام للدراسات الاستراتيجية، 7/10/2023، الرابط: https://cutt.us/apzFH

[6] “طوفان الأقصى.. المباغتة والتوقيت وهشاشة الاحتلال”، الجزيرة نت، 12/10/2023، الرابط: https://cutt.us/hCxVV

[7] “تطورات التصعيد في الأراضي الفلسطينية في ضوء تبعات عملية طوفان الأقصى”، مرجع سابق.

[8] “عملية «طوفان الأقصى».. الأسباب والتداعيات والسيناريوهات المتوقعة”، مرجع سابق.  

[9] “المعنيّون بطوفان الأقصى… دوافع وإشكالات”، مرجع سابق.

[10] “تطورات التصعيد في الأراضي الفلسطينية في ضوء تبعات عملية طوفان الأقصى”، مرجع سابق.

[11] “عملية «طوفان الأقصى».. الأسباب والتداعيات والسيناريوهات المتوقعة”، مرجع سابق.

[12] “طوفان الأقصى.. تحولات أداء المقاومة والآثار الإستراتيجية للمواجهة”، مركز المسار للدراسات الإنسانية، 21/10/2023، الرابط: https://cutt.us/6aazt

[13] “الحرب فى غزة وانعكاساتها الاستراتيجية على القضية الفلسطينية”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 14/10/2023، الرابط: https://cutt.us/w1EXW

[14] “أبعاد وارتدادات التحولات الاستراتيجية لـ”طوفان الأقصى””، مجلة السياسة الدولية، 11/10/2023، الرابط: https://cutt.us/eqGi6

[15] “كيف خدعت حماس إسرائيل وتمكنت من مفاجأتها بطوفان الأقصى؟”، الخليج الجديد (مترجم)، 9/10/2023، الرابط: https://cutt.us/BnEfo

[16] “طوفان الأقصى.. تحولات أداء المقاومة والآثار الإستراتيجية للمواجهة”، مرجع سابق.

[17] “”طوفان الأقصى”: حماس و”الفسيفساء الدفاعية” الإيرانية: من يخدم من؟”، مركز الجزيرة للدراسات، 17/10/2023، الرابط: https://cutt.us/0jDWC 

[18] “الدلالات الاستراتيجية لطوفان الأقصى”، تي أر تي عربي، 13/10/2023، الرابط: https://cutt.us/MOxqn 

[19] “تطورات التصعيد في الأراضي الفلسطينية في ضوء تبعات عملية طوفان الأقصى”، مرجع سابق.

[20] “تحولات المقاومة: ما هي آليات حماس في معركة طوفان الأقصى ضد إسرائيل؟”، الحائط العربي، 9/10/2023، الرابط: https://cutt.us/M6iUH

[21] “تطورات التصعيد في الأراضي الفلسطينية في ضوء تبعات عملية طوفان الأقصى”، مرجع سابق.

[22] “الحرب خدعة … قراءة أولية للخداع الاستراتيجي في معركة طوفان الأقصى:، الأنباط، 9/10/2023، الرابط: https://cutt.us/YfPHq

[23] “حرب غزة الخامسة وحدود “طوفان الأقصى”: ما الذى يحدث؟”، مجلة السياسة الدولية، 10/10/2023، الرابط: https://cutt.us/u2pos

[24] “الحرب خدعة … قراءة أولية للخداع الاستراتيجي في معركة طوفان الأقصى:، مرجع سابق.

[25] “الحرب فى غزة وانعكاساتها الاستراتيجية على القضية الفلسطينية”، مرجع سابق.

[26] “تطورات التصعيد في الأراضي الفلسطينية في ضوء تبعات عملية طوفان الأقصى”، مرجع سابق.

[27] المرجع السابق.

[28] “”طوفان الأقصى”.. مظاهر الفشل الإسرائيلي”، الجزيرة نت، 10/10/2023، الرابط: https://cutt.us/bABni

[29] “”طوفان الأقصى”: الدلالات والآفاق”، الميادين نت، 2/11/2023، الرابط: https://cutt.us/aM6IR

[30] “طوفان الأقصى.. تحولات أداء المقاومة والآثار الإستراتيجية للمواجهة”، مرجع سابق.

[31] “الدلالات الاستراتيجية لطوفان الأقصى”، مرجع سابق. 

[32] ” كيف سيطرت كتائب القسام على “فرقة غزة”؟ الأداء القتالي للمقاومة الفلسطينية ومعرقلات العمل العسكري الإسرائيلي البري”، مرجع سابق.

[33] “بنهاية ثالث أيام “طوفان الأقصى”.. عدد قتلى الإسرائيليين يزداد كما ونوعا”، الجزيرة نت، 10/10/2023، الرابط: https://cutt.us/yaq3q

[34] “غزة بين استمرار المقاومة والمعاناة الإنسانية”، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 22/10/2023، الرابط:  https://cutt.us/VYP3L

[35] ” كيف سيطرت كتائب القسام على “فرقة غزة”؟ الأداء القتالي للمقاومة الفلسطينية ومعرقلات العمل العسكري الإسرائيلي البري”، مرجع سابق.

[36] “المقاومة الفلسطينية بالمرصاد.. إفشال محاولات التوغل ومقتل قائد إسرائيلي رفيع”، الميادين نت، 2/11/2023، الرابط: https://cutt.us/WNJPr

[37] “الاحتلال الإسرائيلي يعلن مقتل 5 من جنوده بمعارك غزة.. والحصيلة ترتفع إلى 361″، الخليج الجديد، 11/11/2023، الرابط: https://cutt.us/sxJMj

[38] “صحفي إسرائيلي يعترف بصعوبة الحديث عن أعداد قتلى الجيش بسبب الرقابة (شاهد)”، عربي 21، 11/11/2023، الرابط: https://cutt.us/wUHVy

[39] “مراسل “فوكس نيوز” يفضح الاحتلال ويكشف مقتل 20 جنديا في كمين بغزة (شاهد)”، عربي21، 5/11/2023، الرابط: https://cutt.us/9ohM1

[40] “الأسبوع الثالث من “طوفان الأقصى”: ما الجديد في غزة؟”، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 1/11/2023، الرابط: https://cutt.us/6jiIf

[41] ” جيش الاحتلال: تدمير المدرعة الإسرائيلية في غزة “صعب وغير مسبوق””، الخليج الجديد، 1/11/2023، الرابط: https://cutt.us/MrVh8

[42] “أبو عبيدة: دمرنا 160 آلية عسكرية إسرائيلية من بينها 25 خلال 48 ساعة”، العربي الجديد، 11/11/2023، الرابط: https://cutt.us/mBV8f  

[43]“الأسبوع الثالث من “طوفان الأقصى”: ما الجديد في غزة؟”، مرجع سابق.

[44] “لماذا فشل الاحتلال في إحراز أي إنجاز عسكري حقيقي في غزة حتى الآن؟”، نون بوست، 12/11/2023، الرابط: https://cutt.us/mnBKF

[45] “الأسبوع الثالث من “طوفان الأقصى”: ما الجديد في غزة؟”، مرجع سابق.

[46] “لماذا فشل الاحتلال في إحراز أي إنجاز عسكري حقيقي في غزة حتى الآن؟”، مرجع سابق.

[47] “الأسبوع الثالث من “طوفان الأقصى”: ما الجديد في غزة؟”، مرجع سابق.

[48] ” نزوح أكثر من ربع مليون.. إخلاء 64 مستوطنة إسرائيلية منذ بداية الحرب”، تي أر تي عربي، 12/11/2023، الرابط: https://cutt.us/QB9XU

[49] “الاحتلال يستهدف ما تبقى من «مياه غزة».. والإعلام الإسرائيلي يعترف بسيطرة المقاومة على اﻷرض”، مدي مصر، 5/11/2023، الرابط: https://cutt.us/yikbJ

[50] “ماذا أعدت المقاومة الفلسطينية لحرب طويلة الأمد؟”، نون بوست، 5/11/2023، الرابط: https://cutt.us/7gWyX

[51] “تحولات المقاومة: ما هي آليات حماس في معركة طوفان الأقصى ضد إسرائيل؟”، مرجع سابق.

[52] “حرب غزة الخامسة وحدود “طوفان الأقصى”: ما الذى يحدث؟”، مرجع سابق.

[53] ” كيف تربك فيديوهات القسّام حكومة الاحتلال؟”، نون بوست، 1/11/2023، الرابط: https://cutt.us/PziZq

[54] “بين جرائم الاحتلال وأخلاق المقاومة الفلسطينية أثناء عملية “طوفان الأقصى””، عربي بوست، 12/10/2023، الرابط: https://cutt.us/lC4jm

[55] ” ضابط إسرائيلي: مواطنون من غزة قتلوا المدنيين بغلاف القطاع وليس حماس”، الخليج الجديد (مترجم)، 6/11/2023، الرابط: https://cutt.us/WzBUD 

[56] “ملف الأسرى الإسرائيليين.. حرب معلنة وأخرى سريّة تديرها حماس”، نون بوست، 22/10/2023، الرابط: https://cutt.us/hyc2e

[57] ” دقيقة واحدة تكفي لإسقاط بروباغندا الاحتلال ودعايته”، نون بوست، 25/10/2023، الرابط: https://cutt.us/SiUpS

[58] “ملف الأسرى الإسرائيليين عاد ليصبح عامل ضغط على نتنياهو، فهل يؤدي إلى إفشال خطته بشأن غزة؟”، عربي بوست، 2/11/2023، الرابط: https://cutt.us/vQ8I4

[59] ” كيف تربك فيديوهات القسّام حكومة الاحتلال؟”، كرجع سابق.

[60] “إلى المنافقين السياسيين: كلّا حماس ليست داعش”، العربي الجديد، 14/10/2023، الرابط: https://cutt.us/Hak2Y

[61] “السياق الأخلاقي في ملحمة “طوفان الأقصى””، الميادين نت، 11/10/2023، الرابط: https://cutt.us/y6tSs

[62] “11180 شهيدا في غزة و22 مستشفى خارج الخدمة”، الجزيرة نت، 12/11/2023، الرابط: https://cutt.us/k1uFg

[63] “كيف يكفل القانون الدولي حق المقاومة الفلسطينية ويفضح ازدواجية معايير الغرب؟”، تي أر تي عربي، 18/10/2023، الرابط: https://cutt.us/qdUUV

[64] “هل الصهاينة في فلسطين مدنيون؟”، الجزيرة نت، 12/10/2023، الرابط: https://cutt.us/dhFai

[65] “إلى المنافقين السياسيين: كلّا حماس ليست داعش”، مرجع سابق.

[66] “عملية “غلاف غزة” ودلالاتها”، مرجع سابق.

[67] المرجع السابق.

[68] “طوفان الأقصى: ما بعده ليس كما قبله”، مسارات، 10/10/2023، الرابط: https://cutt.us/iLrov

[69] “عملية “غلاف غزة” ودلالاتها”، مرجع سابق. 

[70] “في مقدّمات “طوفان الأقصى” وأسبابها”، العربي الجديد، 10/10/2023، الرابط: https://cutt.us/AqK1C

[71] “عملية “غلاف غزة” ودلالاتها”، مرجع سابق. 

[72] “معركة “طوفان الأقصى”.. لماذا بادرت حماس بالهجوم وبهذا الشكل؟”، الجزيرة نت، 9/10/2023، الرابط: https://cutt.us/gAj3A

[73] “عملية “غلاف غزة” ودلالاتها”، مرجع سابق.

[74] “الحرب فى غزة وانعكاساتها الاستراتيجية على القضية الفلسطينية”، مرجع سابق.

[75] “ما هي الأسباب التي دفعت حماس لشن هجومها الخاطف على إسرائيل؟”، بي بي سي عربي، 10/10/2023، الرابط: https://cutt.us/Aheat

[76] “11180 شهيدا في غزة و22 مستشفى خارج الخدمة”، مرجع سابق.

[77] “نحو 10 آلاف و600 شهيد منذ بداية الحرب على غزة 40% منهم أطفال”، الجزيرة نت، 8/11/2023، الرابط: https://cutt.us/HwWMg

[78] “11180 شهيدا في غزة و22 مستشفى خارج الخدمة”، مرجع سابق.

[79] “المواقف الإقليمية والدولية من الحرب على غزة .. المحركات والدوافع”، مجلة السياسة الدولية، 22/10/2023، الرابط: https://cutt.us/MvzCY

[80] “عملية «طوفان الأقصى».. الأسباب والتداعيات والسيناريوهات المتوقعة”، مرجع سابق.

[81] “الحرب فى غزة وانعكاساتها الاستراتيجية على القضية الفلسطينية”، مرجع سابق.

[82] “معركة “طوفان الأقصى”.. لماذا بادرت حماس بالهجوم وبهذا الشكل؟”، مرجع سابق.

[83] “الدلالات الاستراتيجية لطوفان الأقصى”، مرجع سابق. 

[84] “طوفان الأقصى.. تحولات أداء المقاومة والآثار الإستراتيجية للمواجهة”، مرجع سابق.

[85] “طوفان الأقصى.. مكاسب إستراتيجية لن تغيرها التفاصيل”، الجزيرة نت، 9/10/2023، الرابط: https://cutt.us/CF9xf

[86] ” نزوح أكثر من ربع مليون.. إخلاء 64 مستوطنة إسرائيلية منذ بداية الحرب”، تي أر تي عربي، 12/11/2023، الرابط: https://cutt.us/QB9XU

[87] “طوفان الأقصى.. مكاسب إستراتيجية لن تغيرها التفاصيل”، مرجع سابق.

[88] “المعنيّون بطوفان الأقصى… دوافع وإشكالات”، العربي الجديد، 6/11/2023، الرابط: https://cutt.us/x0W2h

[89] “الحرب فى غزة وانعكاساتها الاستراتيجية على القضية الفلسطينية”، مرجع سابق.

[90] “ملف الأسرى الإسرائيليين.. حرب معلنة وأخرى سريّة تديرها حماس”، نون بوست، 22/10/2023، الرابط: https://cutt.us/kQNR7

[91] “عملية «طوفان الأقصى».. الأسباب والتداعيات والسيناريوهات المتوقعة”، مرجع سابق.

[92] “غزة بين استمرار المقاومة والمعاناة الإنسانية”، مرجع سابق.

[93] “مهلة العدوّ تنتهي السبت: ضغوط لوقف جزئي لإطلاق النار: بنود الهدنة وشروط «حماس»”، الأخبار، 9/11/2023، الرابط: https://cutt.us/U1lLW

[94] “غزة بين استمرار المقاومة والمعاناة الإنسانية”، مرجع سابق.

[95] “الرهائن لدى “حماس”… ورقة ضغط أم ضحيّة في سبيل “تطهير” غزّة”، درج، 26/10/2023، الرابط: https://daraj.media/113053/

[96] ” نقل الجرحى مقابل خروج الأجانب.. السلطات في غزة تغلق معبر رفح”، عربي21، 4/11/2023، الرابط: https://cutt.us/F420Q

[97] ” بعد منع الاحتلال خروج الجرحى.. وقف سفر الأجانب من معبر رفح”، الخليج الجديد، 12/11/2023، الرابط: https://cutt.us/5Ekw8

[98] “نتنياهو يشترط: لا وقف لإطلاق النار بدون الإفراج عن الأسرى”، صدي البلد، 8/11/2023، الرابط: https://cutt.us/lSiI8  

[99] ” إستراتيحية الكل مقابل الكل.. هل تُرضخ نتنياهو؟”، نون بوست، 29/10/2023، الرابط: https://cutt.us/e0FAW

[100] “”دمرنا 136 آلية”.. أبو عبيدة: الاحتلال يعطل الإفراج عن الأسرى الأجانب”، التليفزيون العربي، 8/11/2023، الرابط: https://cutt.us/WvK4A

[101] “طوفان الأقصى.. تحولات أداء المقاومة والآثار الإستراتيجية للمواجهة”، مرجع سابق.

[102] “مهلة العدوّ تنتهي السبت: ضغوط لوقف جزئي لإطلاق النار: بنود الهدنة وشروط «حماس»”، مرجع سابق.

[103] ” هذه هي بنود صفقة الأسرى”، الأخبار، 11/11/2023، الرابط: https://cutt.us/PQOqu

[104] ” رويترز: حماس تعلق مفاوضات إطلاق الأسرى الإسرائيليين بسبب استهداف مستشفى الشفاء”، الخليج الجديد، 12/11/2023، الرابط: https://cutt.us/5JH2q

[105] “الاحتلال يستهدف ما تبقى من «مياه غزة».. والإعلام الإسرائيلي يعترف بسيطرة المقاومة على اﻷرض”، مرجع سابق.

[106] “حسابات استخدام “الأسرى الأجانب” في تهدئة الوضع في غزة”، مركز رع للدراسات الاستراتيجية، 20/10/2023، الرابط: https://rcssegypt.com/15464

[107] “حرب غزة الخامسة وحدود “طوفان الأقصى”: ما الذى يحدث؟”، مرجع سابق.

[108] “بعد “طوفان الأقصى”.. ملامح الصفقة القادمة لتبادل الأسرى”، الجزيرة نت، 12/10/2023، الرابط: https://cutt.us/uNaGg

[109] “ملف الأسرى الإسرائيليين عاد ليصبح عامل ضغط على نتنياهو، فهل يؤدي إلى إفشال خطته بشأن غزة؟”، مرجع سابق.

[110] ” كيف تربك فيديوهات القسّام حكومة الاحتلال؟”، مرجع سابق.

[111] “لماذا فشل الاحتلال في إحراز أي إنجاز عسكري حقيقي في غزة حتى الآن؟”، مرجع سابق.

[112] ” كيف تربك فيديوهات القسّام حكومة الاحتلال؟”، مرجع سابق.

[113] “لماذا فشل الاحتلال في إحراز أي إنجاز عسكري حقيقي في غزة حتى الآن؟”، مرجع سابق.

[114] “عملية “طوفان الأقصى” تفرض معادلة جديدة في الصراع العربي- الإسرائيلي”، أسباب، 10/2023، الرابط: https://cutt.us/jbkAj

[115] “تركيا و”طوفان الأقصى”: تراجع في الموقف والتصريحات”، عربي21، 16/10/2023، الرابط: https://cutt.us/XqhWU

[116] “طوفان الأقصى.. التعامل مع اليوم التالي للعملية”، عربي21، 13/10/2023، الرابط: https://cutt.us/3ONSd

[117] ” دعم فلسطين بين الثّوابت المشروعة والأدوات العمليّة”، الجزيرة نت، 9/11/2023، الرابط: https://cutt.us/m38H1

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022