دراسة: العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد “طوفان الأقصى” (2)

استفاق الاحتلال الإسرائيلي فجر يوم السبت، 7 أكتوبر 2023، على اقتحام مئات المقاتلين الفلسطينيين لبعض مقراته ومستوطناته التي أقامها قرب منطقة قطاع غزة، في عملية سميت “طوفان الأقصى”، حيث سيطروا على عشرات الثكنات العسكرية، واشتبكوا مع قوات الاحتلال وأجهزته الأمنية؛ ما تسبب في مقتل ما يزيد على 1400 شخص، وجرح حوالي 5431 آخرين من العسكريين والمدنيين. وتمكن المقاتلون الفلسطينيون أيضًا من أسر ضباط وجنود، واحتجزوا رهائن مدنيين، يراوح عددهم بين 229 و250 شخصًا، بينهم العشرات ممن فقدوا حياتهم.

ردت قوات الاحتلال الإسرائيلية على هذا الهجوم المفاجئ، في اليوم نفسه، بحملة عسكرية وحشية، سمتها “عملية السيوف الحديدية”، وهي الحرب العدوانية السابعة والأعنف على قطاع غزة منذ إعادة الانتشار في القطاع في عام 2005[1]. وتستهدف هذه العملية تدمير البنية التحتية في غزة، بالإضافة إلى تكثيف الهجوم لاغتيال عدد من قيادات حماس ومحاولة تحجيم تحركات ما بعد “طوفان الاقصى” وإضعاف رغبة المقاومة نحو إبرام صفقة سياسية حول تبادل الأسرى مع ارتفاع حصيلة الأسرى الإسرائيليين لدى الفصائل، كذلك وأد أطروحات فك الحصار عن المعاملات المالية والاقتصادية لدى فصائل المقاومة وفى مقدمتها حركة حماس، وقطاع غزة ككل[2]. وعليه تسعى هذه الورقة إلى التعرف على أهداف ودوافع العملية الإسرائيلية على قطاع غزة، والتحركات والأدوات التي استخدمتها إسرائيل لتحقيق هذه الأهداف، وأخيرًا؛ مآلات هذه العملية وما يمكن أن تحققه من الأهداف الإسرائيلية.  

ثانيًا: الأبعاد والأدوات الإسرائيلية لتنفيذ أهداف عملية العدوان على غزة:

تعمل إسرائيل على تحقيق هذه الأهداف عبر مجموعة من التحركات والأدوات العسكرية والسياسية والإعلامية، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:

1- عسكريًا:

في أعقاب عملية “طوفان الأقصي”، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بعد مشاورات مع قادة الجيش وأعضاء في “الكابينت” الأمني أن إسرائيل باتت في “حالة حرب”، وهي المرة الأولى التي تعلن فيها إسرائيل حربًا على دولة أو طرف عربي أو فلسطيني منذ حرب 1973[3]، حتى أن الحروب التي خاضها الاحتلال سنتي 1982 مع منظمة التحرير في لبنان، ومع حزب الله في 2006، بالإضافة إلى كل الحروب مع حماس في غزة، لم تشمل تسميتها بمفردة الحرب، وهنا يكمن الفرق[4].

كما استدعى الجيش الإسرائيلي أكثر من 300 ألف من قوات الاحتياط[5]، وهي الخطوة التي لم تحصل منذ حرب سنة 1973 في إشارة واضحة على الاستعداد لخوض حرب شاملة، وليس جولة قتالية أو عملية عسكرية أسوة بسابقتها[6]. وقام الجيش الإسرائيلي بنشر ما يقارب من 40 ألف من القوات والتشكيلات الإسرائيلية باتجاه المنطقة الشمالية مع لبنان ، ونشر ما يقارب من 70 ألف باتجاه المنطقة الجنوبية المحاذية لقطاع غزة[7].

كما أقام جهاز الأمن الداخلي “الشاباك” هيئة تسمى غرفة عمليات “نيلي” تتشكل من رجال عمليات واستخبارات لهم مهمة واحدة: تصفية الحساب بتصفية كل نشطاء النخبة في حماس ممن شاركوا في “عملية طوفان الأقصى”[8].

ويمكن القول أن العملية العسكرية التي تقوم بها إسرائيل على قطاع غزة “السيوف الحديدية” تمر بمرحلتين رئيسيتين:

المرحلة الأولى: القصف الجوي الكثيف؛ لتحقيق أكبر قدر من التدمير في البيئة الحضرية، وهو ربما ما يفسر استخدام سلاح الجو الإسرائيلي لأثقل القنابل الموجهة المتوفرة لديه، بجانب استخدامه قنابل أمريكية تعود لحقبة الحرب الفيتنامية، وهي القنابل حرة التوجيه “M-117″، التي تحمل آثارًا مدمرة على المناطق السكنية، نظرًا لأنها غير دقيقة التوجيه[9]. وقد استغرق هذا القصف أكثر من 20 يومًا على قطاع غزة (شمال القطاع بصورة رئيسية)، وأسفر عن سقوط آلاف من المدنيين الفلسطينيين، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وجرح نحو 20 ألفًا، وتدمير آلاف المنازل، واستهداف المستشفيات والمساجد والكنائس، وتهجير نحو مليون فلسطيني إلى جنوب القطاع[10].

المرحلة الثانية: بدأ الجيش الإسرائيلي هجومه البري، في 27 أكتوبر 2023، تركز خصوصًا في شمال قطاع غزة[11]. وقسم رونين إيتسيك، اللواء السابق في القوات البرية- سلاح المدرعات في الجيش الإسرائيلي، “المناورة البرية” التي أطلقها الجيش الإسرائيلي ضد قطاع غزة بعد عملية “طوفان الأقصى” إلى ثلاث مراحل:

أ- مناورة الإغارة: فإنها تُحيل إلى إغارة القوات البرية بقوة على موقع محدد أو الحصول على صيد معين والعودة فوراً، ما يعني أن هذا الشكل من المناورة هدفه الدخول وتحقيق إنجاز والخروج على الفور. هذا من شأنه أن يحد من إمكانية تعريض القوات للنيران والكمائن. هذه المرحلة تستند إلى مبدأ “تعظيم الإنجاز وتقليل التهديد الذي تتعرض له القوات”، تمامًا كما فعل الجيش الإسرائيلي في الأسبوعين الأولين. فهذه المرحلة هدفت إلى أمرين: أولاً، الإغارة بهدف “نقل المعركة إلى أرض العدو”، وثانيًا، المناورة من خلال التوغل الجزئي، حرق الأرض أو تهيئتها أو دراستها. وتقوم بتنفيذ ذلك في العادة القوات الخاصة والكوماندوز أو سلاح المدرعات في الجيش الإسرائيلي أو مزيج منهما، كون هذا التدخل لا يتصاحب مع إسناد عسكري واسع لحماية التحرك.

ب- مناورة التطويق: فتشير إلى الشكل الذي يتم خلاله الدخول بقوات برية كبيرة وتطويق المساحة المستهدفة بشكل يسيطر قدر الإمكان على الداخل والخارج.  وهو تكتيك يهدف إلى السيطرة على الأرض من خلال تطويقها دون الدخول إلى عمقها بحيث يتم إغلاق محيطها بشكل كامل وخلق حالة من الضغط الشديد (سواء من خلال التحكم بالموارد الداخلة مثل الوقود، الأدوية، الذخيرة، أو الاحتياجات الإنسانية الأخرى مثل الأكل). تمكن تقنيات التطويق الجيش من تفعيل وسائل التجسس لجمع معلومات استخباراتية لا يمكن الحصول عليها عن بعد، والمراقبة، وتنفيذ هجمات من خلال الدخول بشكل يحافظ على استمرار حصار المحيط ومهاجمة “العدو”، بدون الحاجة إلى التعرض للفخاخ والوسائل الدفاعية التي قد تم تجهيزها مسبقًا. وبحسب الجيش الإسرائيلي، فإن هذه الهجمات دقيقة ومحددة وسريعة، كما أن التطويق يتيح إنشاء نقاط ارتكاز تنطلق منها القوات وتعود إليها، ما يعني أن هذا النوع يتضمن في طياته “مناورة الإغارة”.

ج- المناورة بهدف الاحتلال/ التطهير: والتي تأتي بعد إدراك المستويين الأمني والعسكري بأنه لا مفر من السيطرة على الأرض كلها بهدف القضاء على التهديدات أو تحقيق الأهداف العسكرية. وفي هذه المرحلة يتم إدخال قوات كبيرة ومتنوعة من القوات البرية التي يكون لكل منها هدف محدد للوصول إلى الغاية وهي “التطهير” و”القضاء على العدو” من خلال التنقل بين المنازل والطرقات والأحياء المختلفة والاحتكاك معه بشكل مباشر، وهو الشكل الذي يضمن تحقيق الأهداف التي لا يمكن تحقيقها في النوعين الأوليين المشار إليهما أعلاه.

وتهدف هذه المناورة، بحسب دوستري، إلى تقسيم القطاع إلى أجزاء أربعة: شمال؛ وسط، جنوب وسط، وجنوب (شمال قطاع غزة يشمل مناطق بيت حانون وبيت لاهيا ومدينة غزة، ووسط القطاع يضم مخيمات اللاجئين: النصيرات والبريج والمغازي ودير البلح، وجنوب القطاع يضم مدينتي خانيونس ورفح[12])، وهذه العملية تتضمن التقدم العسكري البطيء إلى المساحات المفتوحة في كل جزء، ومن ثم عزلها والسيطرة عليها و”تطهيرها” (وهذه العملية تتطلب شهرين على الأقل بحسب دوستري) قبل الانتقال إلى المرحلة التالية والمتمثلة في اجتياح المناطق المأهولة (عمرانيًا وسكانيًا) التي من المتوقع أن تشهد قتالاً عنيفاً، والتدرج وفق المراحل الأربع التالية:

  • المرحلة الأولى تركز على منطقة شمال غزة بما في ذلك مدينة غزة من اتجاهات مختلفة.
  • تطويق دير البلح في وسط وشمال القطاع، ونشر القوات من الشمال (غربًا على الساحل، وشرقًا في المناطق المفتوحة الحدودية مع إسرائيل).
  • تركز العمل في منطقة وسط- جنوب (خانيونس).
  • أما المرحلة الرابعة والأخيرة فستركز على مدينة رفح جنوبًا بالقرب من الحدود المصرية.

يشير دوستري إلى أن المرحلة الأولى (الحالية) تركز على الجزء الشمالي من قطاع غزة، وبشكل رئيس في مدن مثل بيت لاهيا، بيت حانون، جباليا ومدينة غزة. والهدف الرئيس- وفقًا للاستراتيجية – في شمال القطاع هو الوصول إلى عقر دار حركة حماس وتدميرها (الأنفاق، المقرات الحكومية ومراكز القيادة العليا المركزية تحت- أرضية) وتقسيم القطاع وتطويق مدينة غزة وصولًا إلى التقدم البطيء باتجاه قلب المدينة من الجهات الأربع. وفقًا للادعاءات الإسرائيلية، فإن إخضاع حركة حماس وتدميرها يتطلب في البداية إسقاط مدينة غزة والسيطرة عليها بشكل كامل كما تكرر على لسان قادة المستوى العسكري الإسرائيلي.

بالعودة إلى مجريات المعركة الدائرة في قطاع غزة، ووفقًا لتصريحات المستويين السياسي والأمني- العسكري في إسرائيل، يظهر أن إسرائيل انتقلت بالفعل بعد ثلاثة أسابيع تقريبًا من عملية “طوفان الأقصى” إلى مرحلة “مناورة الإغارة”، وذلك بعد أن غلب على الأسابيع الثلاثة الأولى للمعركة التركيز فقط على القصف الجوي والتدمير بواسطة سلاح الطيران وفقًا لمبدأ “التركيز على إلحاق الضرر بدلًا من الدقة في القصف” كما ورد في تصريحات المتحدث باسم الجيش.

ومع دخول الحرب شهرها الثاني (أسبوعين تقريبًا على بدء “المناورة البرية”) أعلن الجيش الإسرائيلي أنه قد أتم بالفعل إطباق الحصار- “التطويق”- على مدينة غزة والسيطرة على مفرق “نتساريم” سابقًا (مفترق النصيرات الذي يربط بين شارع صلاح الدين والساحل حيث كانت تقع مستوطنة نتساريم قبل الانسحاب الإسرائيلي والذي يقطع قطاع غزة من الشرق إلى الغرب)[13]. وذلك بعدما تمكنت القوات الإسرائيلية من التوغل بريًا عبر ثلاثة محاور: المحور الشمالي الغربي من العطاطرة وبيت لاهيا، والمحور الشمالي الشرقي من بيت حانون، ثم المحور الأخير من الشرق للغرب، وكان من الخاصرة الرخوة في مناطق زراعية في النصف الشمالي لوادي غزة، وتحديدًا من منطقة جحر الديك باتجاه طريق صلاح الدين، ومن ثم إلى البحر عند طريق الرشيد. واكتمل هذا الحصار، حيث أصبحت القوات الإسرائيلية تقريبًا تحاصر مدينة غزة (الجزء الشمالي فقط من القطاع)، ووصلت القوات من شرق القطاع إلى شارع الرشيد، ثم استدارت شمالًا باتجاه ميناء غزة ومخيم الشاطئ للالتقاء مع القوات القادمة من الشمال الغربي من بيت لاهيا[14].

ومع استمرار التصريحات الرسمية العسكرية والسياسية بأن المرحلة المقبلة ستشهد دخولًا إلى قلب مدينة غزة (الاحتلال) بهدف “التطهير”، وهي عملية تسير ببطء وفقًا للمراسلين العسكريين كما هو مخطط في “المناورة البرية”[15]. حيث توغلت القوات الإسرائيلية إلى الداخل باتجاه مستشفى الشفاء والمستشفى الإندونيسي، وللداخل نحو منطقتي الكرامة والرمال[16].

هنا تجب ملاحظة أن محاور التقدم البري الإسرائيلية في شمال القطاع تعززها محاور أخرى جنوب القطاع، تحاول من خلالها القوات الإسرائيلية تثبيت عناصر الفصائل الفلسطينية ومنعهم من دعم المقاتلين الموجودين في شمال القطاع. تتألف هذه المحاور الجنوبية من ثلاثة اتجاهات رئيسة: الأول اتجاه “خزاعة – القرارة”، الذي يقع بين جنوب دير البلح وشرق خان يونس، والثاني اتجاه “المغازي” شرقي دير البلح، أما الاتجاه الثالث فيقع شرقي مدينة رفح أقصى جنوبي القطاع. وقد نفذت وحدات الجيش الإسرائيلي في الاتجاهات الثلاثة عمليات هجومية محدودة لم تتضمن التمركز بشكل دائم على أراضي القطاع. ويبدو من هذه العمليات، أن هدفها هو تثبيت عناصر المقاومة الفلسطينية الموجودة في جنوب القطاع وإبعادها عن عمليات الشمال[17].

2- سياسيًا:

تركزت التحركات السياسية الإسرائيلية في ردها على عملية “طوفان الأقصى” على ثلاثة عناصر أساسية، تمثلت في: تشكيل حكومة وحدة وطنية- حشد الدعم الدولي لعمليتها العسكرية في قطاع غزة- ترتيب مستقبل قطاع غزة بعد انتهاء الحرب. ويمكن توضيح ذلك كما يلي:

أ- تشكيل حكومة وحدة وطنية: بعد اندلاع عملية “طوفان الأقصى”، وما تبعها من اتهامات لإسرائيل بالفشل استخباراتيًا وعسكريًا وتعالي الأصوات المطالبة بتشكيل حكومة طوارئ، قررت الحكومة بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تشكيل “حكومة طوارئ” أو حكومة “حرب”. وكانت فكرة حكومة الطوارئ قد اقترحها “نتنياهو” على بيني غانتس ويائير لابيد خلال ‏جلستين ‏منفصلتين، ضمن إطلاع رئيسي المعارضة على الأوضاع الأمنية والاستراتيجية، ‏وقال إن ‏الحكومة ستكون شبيهة بحكومة الطوارئ التي أقامها ليفي أشكول إبان حرب 1967، يتولى فيها ممثلو المعارضة كوزراء بلا‏ وزارة، يكونان شريكين في المجلس الوزاري الأمني المصغر المسؤول عن ‏اتخاذ ‏قرارات الحرب.‏

وقد طالب “لابيد” خلال مفاوضات تشكيل الحكومة بإخراج كتلة “الصهيونية الدينية” بقيادة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن ‏غفير؛ لاعتقاده بأن حكومة الطوارئ ينبغي أن تكون قائمة على أساس برنامج سياسي معتدل، وهو ما يجعلها مقبولة في العالم وفي المنطقة، ويعزز من قدرتها على إدارة الحرب بحرية. أما “غانتس” فوافق علي الانضمام للحكومة، بشرط استبعاد هؤلاء الوزراء اليمنيين من مجلس الحرب.

وبالفعل، أعلن نتنياهو في 11 أكتوبر 2023 الاتفاق على تشكيل حكومة “طوارئ وطنية”، وللمرة الأولى منذ عام 1967، أقر الكنيست الإسرائيلي تشكيل حكومة طوارئ من أجل قيادة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وقد تم تشكيل الحكومة بمشاركة حزب “معسكر الدولة” الذي يقوده بيني غانتس، وتضمنت تشكيل “مجلس حرب” يعد “جانتس” ركنًا رئيسًا فيه‎.‎ في حين رفض زعيم المعارضة يائير لابيد، الانضمام لحكومة الطوارئ اعتراضًا على دخول كل من ايتمار بن غفير بتسلئيل سمو تريش لهذه الحكومة.

وتسلم المسؤولية المباشرة عن إدارة الحرب فريق من ثلاثة أعضاء، هم نتنياهو، ووزير دفاعه الجنرال يوآف جالانت، ووزير الدفاع الأسبق الجنرال بيني جانتس، واثنين مراقبين، الجنرال جادي آيزنكوت من حزب “جانتس” والدبلوماسي رون دريمر من حزب الليكود.

وتضم حكومة الحرب كذلك خمسة أعضاء كنيست من حزب الوحدة الوطنية، وهم: بيني جانتس، وجادي آيزنكوت، وجدعون ساعر، وشيلي تروبر، ويفعات شاشا بيتون، إلى الحكومة كوزراء بدون حقيبة. وسيشارك الجميع في المجلس الوزاري المصغر، الذي يضم 17 وزيرًا، بينهم الوزيران المتطرفان بتسلئيل سموترتش وإيتمار بن غفير. جدير بالذكر أن كلًا من “جانتس” و”آيزنكوت” كانا رئيسين سابقين لأركان الجيش وتولى “جانتس” منصب وزير الدفاع سابقًا[18].

ويمكن حصر أبعاد تشكيل حكومة الطوارئ في إسرائيل في إصدار القرارات المتعلقة بالحرب، حيث يحق “لنتنياهو” و”جالانت” اتخاذ أي قرارات بشأن الحرب دون استشارة الحكومة أو الكنيست بعد ‏أن صدق الكنيست على القانون الذي يمنحهم هذا الحق. كما ستحدد هذه الحكومة طبيعة الهجمات ونطاقها الزمني، وبالتوازي مع ذلك ستعمل على حسم ملف الأسرى.

وربما يتركز البعد الرئيس المرتبط بتشكيل تلك الحكومة على رغبة نتنياهو في تقاسم المسؤولية في الحرب على قطاع غزة مع أطراف أخرى، وخشيته من الاتهام بالفشل منفردًا بعد انتهاء الحرب، سواء على المستوى السياسي أو الأمني، وهو ما دفعه إلى أن يشرك أشخاصًا ذوي خبرة عسكرية كبيرة. كما أن تلك الحكومة قد تعيد لنتنياهو شعبيته التي خسرها بسبب المعارضة الواسعة له عقب محاولته القيام ب”خطة الإصلاح القضائي” التي تمكنه من التحكم في المؤسسة القضائية للتهرب من محاكمته في قضايا الفساد المرفوعة ضده[19]. خاصة وأن نتنياهو وافق على تجميد الإصلاح القضائي، فبحسب بيان تشكيل حكومة الوحدة “لن يتم خلال الحرب تقديم أي مشاريع قوانين أو اقتراحات ترعاها الحكومة لا علاقة لها بالحرب”[20].

ب- حشد الدعم الدولي لعمليتها العسكرية في قطاع غزة: عملت إسرائيل على حشد الدعم الدولي (الغربي بالأساس) في حربها على حماس، وذلك عبر الترويج بأن “حماس” هي حركة “إرهابية” وليست حركة “مقاومة”، وأنها مثل “داعش”، وبالتالي يجب إقامة تحالف دولي لمحاربتها والقضاء عليها. وقد وجدت هذه الرواية الإسرائيلية رواجًا كبيرًا لدى الأوساط الغربية، التي ارتكزت على هذه الرواية في دعمها لإسرائيل، ويمكن توضيح ذلك كما يلي:

– تبني الرواية الإسرائيلية: ساهم الرئيس الأمريكي جو بايدن في دعم وترويج الرواية الإسرائيلية حول فظائع حماس وقطع رؤوس الأطفال في مؤتمره الصحفي في 11 أكتوبر 2023، والذي تحدث فيه عن الهجوم الذي تعرضت له إسرائيل، مشيرًا إلى أنه شاهد “صور أطفال مقطوعة الرأس”، قبل أن يتراجع البيت الأبيض عن تلك التصريحات ويؤكد أن بايدن، أو غيره من الأعضاء في الإدارة الأمريكية، لم يشاهد ما يثبت ذلك. قبل أن يعود جون كيربي منسق الاتصالات في البيت الأبيض، في 12 أكتوبر، للتأكيد علي أن مكتب نتنياهو عرض لقطات على وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، بالمخالفة لنفي البيت الأبيض. واعتبر في تعليقه على اللقطات التي نشرها مكتب نتنياهو للأطفال القتلى أنه ليس من شأنه التحقق من صحة تلك المنشورات، مضيفًا: “ليس لدينا أي سبب للشك في الصور الواردة من رئاسة الوزراء الإسرائيلية”.

كما ساهم بايدن بدوره في التشكيك في الرواية الخاصة بمسؤولية إسرائيل حول قصف المستشفى الأهلي العربي، والمعروف إعلاميًا باسم المستشفى المعمداني، في 17 أكتوبر 2023، بما أدى إلى سقوط 471 فلسطينيًا وإصابة أكثر من 314 وفقًا لما جاء في بيان المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية في غزة أشرف القدرة في 18 أكتوبر. وقال خلال زيارته، في 18 أكتوبر 2023، إلى تل أبيب واللقاء مع نتنياهو: “يبدو كما لو أنه نفذ على يد الطرف الآخر، وليس أنتم”[21]. وتبنى الرئيس الأميركي مجددًا، في 15 نوفمبر 2023، الرواية الإسرائيلية بشأن مستشفى الشفاء في قطاع غزة، مكررًا اتهامات الاحتلال لحماس باستخدام المستشفيات مقرات عسكرية[22].

وفي حين اختار البعض الانتظار وعدم تبنى رواية محددة حول المستشفى المعمداني، كما فعل بيان وزارة الخارجية الفرنسية الذي أدان استهداف المستشفى دون الإشارة إلى الطرف المسئول، تبنت دول أخرى السردية الإسرائيلية كما هو الوضع في حالة كندا حيث أصدرت وزارة الدفاع الكندية بيانًا أعلنت فيه إن التحليل الذي أجرته قيادة استخبارات القوات الكندية “يشير بدرجة عالية من الثقة إلى إن إسرائيل لم تقصف المستشفى الأهلي”، ومع الإعلان عن براءة اسرائيل “بدرجة عالية من الثقة”، تم الإشارة إلى أن الاستهداف كان “على الأرجح” ناجمًا عن صاروخ خاطئ أطلق من غزة.

وتشير التصريحات السابقة إلى التناقض القائم في التعاطي الغربي (الأمريكي بالأساس) مع حرب غزة، وقبول وتبني وترويج كل ما يتم الإعلان عنه ضمن السردية الإسرائيلية، والتجاوز عن والتشكيك في كل ما يخالف تلك السردية بما في ذلك تشكيك بايدن في عدد الضحايا في قطاع غزة، وهو الأمر الذي دفع وزارة الصحة في غزة إلى نشر قائمة أسماء ضحايا الهجمات الإسرائيلية. وكذلك التشكيك في مسئولية إسرائيل عن قصف المستشفى المعمداني، وإشارته إلى مسئولية “الطرف الآخر” عنه وليس إسرائيل، اتساقًا مع عدد من المصادر الغربية، بالمخالفة لعدد من التحليلات والمؤشرات التي رفضت الرواية الإسرائيلية وتحدثت عن مسئولية تل أبيب عن القصف[23].

– الدعم الدبلوماسي: بعد زيارة وزيري الخارجية والدفاع في الولايات المتحدة، تقاطر إلى دولة الاحتلال وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا وكندا وإيطاليا، كما زارها كل من الرئيس الأمريكي والفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني والمستشار الألماني[24].

تطابقت تصريحات المسؤولين الغربيين في الرد على سؤال إن كانت حكوماتهم ستطالب إسرائيل باحترام القوانين الدولية في إطار عملياتها العسكرية ضد قطاع غزة، وتكررت في تلك التصريحات جملة “المسؤولية تقع على حماس” مئات المرات. وأصدرت أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، في 23 أكتوبر بيانًا مشتركًا، أكدوا فيه على استمرار التنسيق لضمان “قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها”.

كما أصرت الدول الغربية في مؤتمر “القاهرة للسلام”، في 21 أكتوبر 2023، على تأكيد “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، دون إدانة لما ارتكبته تجاه سكان غزة، وعلى تضمين البيان الختامي إدانة واضحة لحماس ووصمها بـ”الإرهابية”، ما أفشل المؤتمر وانتهى بدون بيان ختامي. ذات المحاولة حدثت في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة والتصويت على القرار الذي تقدمت به المملكة الأردنية نيابة عن المجموعة العربية، في 27 أكتوبر، حيث تقدمت إحدى الدول الغربية (كندا) باقتراح لإدراج حماس كجماعة وحركة إرهابية في القرار، وهو ما تم رفضه كذلك[25]. وفي جلسات مجلس الأمن (مثل الجلسة التي تمت في 30 أكتوبر 2023)، كان هناك تركيز من الدول الغربية على إدانة حماس وتحميلها مسئولية حدوث النزاع الحالي، وتبرير ردة فعل إسرائيل بدعوى حقها في الدفاع عن النفس، والمطالبة بالإفراج عن الأسرى لدى حماس بدون شروط. وفي حين تم وصف هجوم حماس بـ الوحشي والبربري والإرهابي، فإنهم لم يصفوا المجازر التي تقوم بها إسرائيل بأي أوصاف سلبية. وفي حين يحثوا إسرائيل على الالتزام بالقانون الدولي في عدوانها على غزة، فإنهم يطالبون بالضغط على حماس للإفراج عن الأسرى بدون شروط[26].

ومن جانب آخر، فقد توالت إعلانات الدول الأوروبية تجميد الدعم المالي للفلسطينيين في غزة والضفة، وبينما تراجعت بعض الدول عن ذلك لاحقًا، لكن ألمانيا والنمسا أبقت عليه. كما اتخذت العديد من الدول الغربية إجراءات تمنع حرية التعبير التي كانت تتباهى بها، وصار العلم الفلسطيني، وليس علم “حماس” فحسب، تعبيرًا عن “معاداة السامية” وصدرت قرارات بمنع المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في أكثر من بلد غربي، وهددت بعض العواصم الغربية بأحكام مشددة بالسجن ضد المشاركين في تلك المظاهرات[27].

– الدعم العسكري: ما إن انتشر خبر عملية “طوفان الأقصى” حتى أمر بايدن بإرسال مساعدات عسكرية طارئة لإسرائيل، شملت ذخيرة وصواريخ اعتراضية خاصة بنظام القبة الحديدية. وقرر نشر حاملتي طائرات نوويتين مع مجموعتيهما القتالية في المنطقة، الأولى، هي يو إس إس جيرالد ر. فورد، وهي الأكثر تطورًا في الأسطول الأميركي، وتحمل مع مجموعتها المقاتلة أكثر من 5000 من مشاة البحرية، وتضم قوات خاصة أميركية إضافية، ومعدات لجمع المعلومات الاستخبارية، وطائرات هجومية، وهي ترسو شرق البحر الأبيض المتوسط. والثانية، هي يو إس إس دوايت دي أيزنهاور، التي نُشرت في الخليج العربي، وذلك بهدف توجيه رسالة ردع لإيران، بعد أن كانت الأوامر الأولية صدرت بإبحارها نحو شرق البحر الأبيض المتوسط[28].

هذا علاوة على إرسالها 2000 جندي لنشرهم في إسرائيل لتقديم المساعدة في مهام مثل الدعم اللوجستي، وفق تقارير أمريكية[29]. كما وافق الكونجرس الأمريكي على طلب إمداد إسرائيل بقنابل دقيقة التوجيه بقيمة 320 مليون دولار، وقبلها كان مجلس النواب اعتمد الدفعة الإضافية لدعم إسرائيل بقيمة 14.3 مليار دولار، لدعم اقتصادها وإمدادها بمعدات عسكرية إضافية[30].

وكان مكتب رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك قد كشف عن أن لندن ستنشر سفينتين تابعتين للبحرية الملكية البريطانية وطائرات هليكوبتر وطائرات مراقبة في شرق المتوسط، وفق رويترز[31].

كما أرسلت ألمانيا طائرتين مسيرتين من طراز “هيرون تي بي” وذخائر للسفن، وفقًا لوزارة الدفاع الألمانية. وقدمت مساعدات عسكرية ضخمة لإسرائيل، بنحو 303 مليون يورو منذ ٧ أكتوبر (مقارنة ب ٢٠ مليون يورو إجمالي المساعدات العسكرية العام الماضي)، بالإضافة إلى منح موافقة على 185 ترخيصًا من أصل 218 لتصدير أسلحة إسرائيل[32].

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اقترح في 24 أكتوبر أن يتولى “تحالف” دولي – ليس فقط من الناحية المالية بل أيضًا على نطاق أوسع- مكافحة حماس. ويعني ذلك، بحسب مقربين من ماكرون، إنشاء تحالف جديد، أو توسيع التحالف القائم منذ العام 2014 لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق ليشمل مكافحة حركة حماس[33].

ويبدو هذا الموقف الغربي غير مستغرب، حيث إن هذا الغرب هو الذي قام بتقسيم فلسطين وأهدى لإسرائيل دولة، وهذا الغرب هو الذي يقول بمبدأ حل الدولتين، وجعل منه شعارًا فارغًا، وفي المقابل يرفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية منذ أربعينيات القرن الماضي، ويحدث هذا في وقت اعترف فيه الغرب بعشرات الدول وآخرها جنوب السودان، وتيمور الشرقية، وكوسوفو. هذا الغرب الذي يحافظ على تفوق إسرائيل العسكري، ويعرقل تطبيق القانون الدولي ضد سياستها التوسعية ويحمي جرائمها[34].

وفي حين يرى الغرب بأم عينيه، أكثر حكومة متطرفة في تاريخ إسرائيل باعترافه ووصفه، وهي تتمادى في الانتهاكات بحق الأقصى والأسرى، والمستوطنون يحرقون مزارع أهل الضفة ويعتدون عليهم. لم يحاول الغرب قط استخدام سلاح العقوبات ضد إسرائيل رغم أنه طالما استخدمه ضد العرب وأخيرًا ضد روسيا فساهم في تطبيع الجرائم الإسرائيلية وأخطرها محاولة تقسيم الأقصى زمانيًا ومكانيًا تمهيدًا للاستيلاء على ثالث أقدس مقدسات المسلمين. وأصبحت هذه الجرائم شيئًا عاديًا حتى باتت تتذيل نشرات الأخبار، في تمهيد واضح من قبل إسرائيل للاستيلاء على الأقصى وضم الضفة. ولو فرض الغرب مرة واحدة عقوبة من عقوباته التي تشهر ضد الصين وروسيا وإيران وقبلهم العراق وطالبان وكوبا وكوريا الشمالية، لما انتخب الإسرائيليون الذين يعلمون مدى اعتماد بلادهم على الدعم الأمريكي نتنياهو ولا إيتمار بن غفير، بل لاختاروا حكومة تنجز السلام فورًا، خوفًا من قطع الدعم الأمريكي أو وقف انسياب بضائعهم لأوروبا.

ولستة عشر عامًا، ساهم الغرب في حصار إسرائيل لقطاع غزة منذ الانتخابات التشريعية التي أجريت في عام 2006، فعندما مارس هذا الشعب حقه الطبيعي (بناء على مطالبات غربية) في اختيار حكومته فانتخب حركة حماس، بعدما شعر أن فتح قد أصبحت حركة عجوز متهمة بسوء الإدارة وأحيانًا الفساد، حسب وصف مؤسسات ومسؤولين غربيين عدة. فرد الغرب على هذه الانتخابات (التي وصفها الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر بالجميلة، وأقر رئيس أمريكا وقت إجرائها جورج بوش الابن بنزاهتها)، بمنع المساعدات عن هذه الحكومة بدعوى أن حماس حركة إرهابية، ولكن لم يعاقب إسرائيل لتولي المتطرف إيتمار بن غفير منصب وزير الأمن الداخلي وهو المنحدر من حركة مائير كاهنا المتطرفة والتي كانت مصنفة كحركة عنصرية إرهابية في الولايات المتحدة نفسها وإسرائيل.

ولم يكتف الغرب بإدانة الضحية، بل يتعامل مع إسرائيل كأنها هي الضحية، فيتم التضامن معها بشكل يفوق ما يحدث مع أوكرانيا بل الأخطر يعاقب الفلسطينيون جماعيًا بما في ذلك السلطة الفلسطينية المصنعة تمامًا لكل شروط الغرب وقواعده الظالمة، فيقرر الاتحاد الأوروبي تعليق كل المساعدات المقدمة لفلسطين وسلطتها، قبل أن يخفف القرار قليلًا بقرار آخر بمراجعة المساعدات لا وقفها.

بل إن الدعم المعلن لإسرائيل لم يأت مشروطًا لو حتى شكليًا، بضرورة الحفاظ على حياة المدنيين.  وتدمير المباني على رؤوس ساكنيها المدنيين من النساء والأطفال والشيوخ، لم يخرج إدانة تذكر من العواصم الغربية البيضاء، بينما أي غارة روسية على كييف عاصمة أوكرانيا أو محطة كهرباء أوكرانية لا يعقبها فقط إدانة بل تجييش للرأي العام الغربي لحشد مزيد من المساعدات من أموال دافعي الضرائب الغربيين، بينما يطلب من الدول العربية زيادة إنتاج النفط والغاز لمنع ارتفاع أسعار المحروقات على دافعي الضرائب هؤلاء. أحلال للأوكرانيين القتال دفاعًا عن أراضيهم، وتحرير القرم ذي الغالبية الناطقة بالروسية، بينما حرام على الفلسطينيين أن يقاتلوا في مدنهم التي طردوا منها من أجل الوصول لاتفاق لوقف الانتهاكات بحق مقدساتهم وأسراهم.

ولم تخرج من العواصم الغربية إدانة للخطاب التحريضي العنيف العنصري والتطهيري مثل تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الذي توعد بحرمان غزة من الكهرباء والماء، وقال إننا نحارب حيوانات بشرية، وهو التصريح الذي وصفته  منظمة هيومن رايتس ووتش الأمريكية بأنها مقززة ودعوة لارتكاب جرائم حرب[35].

ويمكن وضع عدة أسباب في تفسير الانحياز الرسمي الغربي لإسرائيل، أبرزها:

  • أن الغرب شريك بالنموذج الاستعماري الإبادي الإحلالي الذي بدأ في الأندلس بإبادة وطرد المسلمين واليهود أو إجبارهم على اعتناق المسيحية، ثم إبادة الهنود الحمر في الأمريكيتين وإقامة مستعمرات بيضاء فوق أشلائهم، وفرنسا وبريطانيا باستعمارها الاستيطاني للعديد من الدول العربية والإفريقية والآسيوية[36].
  • أن هناك من يرى الالتزام بأمن إسرائيل ضرورة غربية ذات بعد في التاريخ الأوروبي القريب، خصوصًا بسبب الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، والمحرقة اليهودية التي ارتكبتها ألمانيا النازية، وشاركت فيها بعض الحكومات الأوروبية[37].
  • في أواخر القرن الرابع الميلادي قررت الكنيسة وضع ما سمته بالعهد القديم، أو النسخة المتداولة مما يقال إنها التوراة، في دفة كتاب واحد مع العهد الجديد، أو ما ترى أنه الإنجيل. أفضى ذلك إلى إجبار المسيحيين على النظر إلى التراث الديني اليهودي والمسيحي كوحدة واحدة لا تتجزأ، وأن اليهود هم أهل فلسطين الحقيقيين، ما داموا قد وعدوا بها من الله، ولو كان ذلك منذ آلاف السنين. ومع أن ذلك لم يلغ اعتقاد أكثرهم بأن اليهود هم الذين صلبوا المسيح عليه السلام، وأن اليهود لا يؤمنون أساسًا بالمسيح، إلا أنه جعل الكثير منهم يشعرون بأن هناك نوعًا من القرابة الروحية والأصول الحضارية والدينية المشتركة بينهم وبين اليهود. من جانب آخر، لا بد من الإشارة إلى أن الكثير من المسيحيين يبغضون اليهود في حقيقة الأمر، إلا أنهم يدعمونهم دعمًا مطلقًا بالانطلاق من مقولات و نبوءات دينية، تذهب إلى وجوب دعمهم ودعم كيانهم المزعوم، لأن ذلك يعد شرطًا ضروريًا لابد منه لنزول المسيح مجددًا إلى الأرض، وسحق المجرمين الذين لم يؤمنوا به وحاربوه، ومن بينهم اليهود. فهم لا يدعمون ذلك الكيان وأهله محبة بهم، وإنما التعجيل بعودة المسيح، ولجعلهم وقودًا لعقابه الكاسح الذي لا يبقي ولا يذر.
  • منذ إنشائه عنوة على حساب فلسطين وأهلها، ورغم الجرائم الفظيعة التي لم يتوقف يومًا عن ارتكابها ضد كل ما هو إنساني وأخلاقي وشرعي ونبيل، حرص إعلام الدول المتآمرة التي أقامت الكيان الصهيوني على فبركة وترويج صورة خادعة وزائفة لذلك الكيان، بتصويره واحة للديمقراطية والحرية والعلم والتحضر والازدهار، وكأنه قطعة من الغرب، وسط صحراء مقفرة تهيمن عليها دول قمعية متخلفة، تتأبط شرًا وتتحرق شوقًا لتدمير ذلك الكيان ورمي أبنائه “الأبرياء المساكين” في البحر. وعلى الرغم من الصحة الجزئية لتلك الصورة، وخاصة فيما يتصل بتخلف المحيط العربي وافتقاره تمامًا للحرية والديمقراطية، ورفضه التام للكيان الدخيل المتطفل الذي أُقحم على العالم العربي بالقوة، إلا أنها تظل صورة كاذبة ملفقة بكل تأكيد، فالكيان الصهيوني هو كيان عنصري بامتياز، يطبق نسخة مشوهة وهشة وشكلية من الديمقراطية، بينما ينقضها بما لا حصر له من الإجراءات المريعة، التي تعصف بقيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، ضد العرب، و بدرجة أقل ضد اليهود الشرقيين. على كل حال، نتيجة لفرض تلك الصورة المختلفة على العالم من جانب وسائل الإعلام العالمية الكبرى التي يسيطر اليهود على كثير منها، استقر في وعي الكثير من الغربيين أن الاعتداء على الكيان الصهيوني، أو تهديده يشكل اعتداء لا يمكن القبول به على قيم الحرية والديمقراطية التي ينادون بها، ولو كذبًا.
  • حسب دراسة أجريت قبل سنوات، تبين أن الإنتاج البحثي الأكاديمي في جامعات الكيان الصهيوني يفوق إنتاج نظيره في الجامعات العربية بحوالي مئتي ضعف، هذا من حيث الكم، ودع عنك النوع! وبين عامي 1905 – 1922، حصل ما لا يقل عن 222 يهوديًا، أو من أب أو أم يهودية، على جائزة نوبل. وبإجراء دراسة سريعة حول المواقع التي وصلها اليهود في الدوائر السياسية والأكاديمية والإعلامية في أهم بلدان العالم، نجد أنهم قد استطاعوا الوصول إلى الكثير من المناصب القيادية المتنفذة، التي تمنحهم القدرة على التأثير وفرض توجهاتهم السياسية إلى حد بعيد. فعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك الكثير من اليهود الداعمين للكيان الصهيوني ممن استطاعوا الوصول لإشغال مناصب رفيعة للغاية في إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، منهم: وزير الخارجية، نائبة وزير الخارجية، نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية، مديرة المخابرات الوطنية، وزير الأمن الداخلي، مديرة الأمن السيبراني في وكالة الأمن القومي، كبير موظفي البيت الأبيض، وزير العدل، وزيرة الخزانة، الخ. ناهيك عن عشرات الأعضاء في مجلسي النواب والشيوخ، وعلى رأسهم زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ. شئنا أم أبينا، نجح اليهود في إثبات اجتهادهم وتفوقهم حتى شغلوا مثل تلك المواقع، التي مكنتهم من التحكم في مفاصل صنع القرار في أهم دول العالم. نقول ذلك في ظل حالة التخلف المزري التي نعاني منها في العالم العربي على كل المستويات.
  • ارتباط المقاومة الفلسطينية بالإسلام، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي عمومًا في نهايات الثمانينيات من القرن الماضي، كان الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، بحاجة إلى الانشغال بمقارعة عدو جديد، ولأسباب مختلفة اختير الإسلام ليكون هذا العدو. فتمت شيطنة الإسلام وأهله، وتحويل أتباعه بشكل تلقائي إلى إرهابيين يثيرون الرعب ولا يمكن الثقة بهم. والمؤسف أن بعض الحركات المنحرفة التي رفعت راية الإسلام قد أسهمت في تعزيز الصور النمطية الخاطئة والمجحفة عن الإسلام والمسلمين، ومنحت الغرب الفرصة لتعميم تلك الصور على كل من يرتبط اسمه بالإسلام. وبما أن المقاومة الإسلامية في فلسطين هي التي تتصدر ساحة المقاومة منذ سنوات، وبلا منازع، في غياب شبه كلي لحركات المقاومة العلمانية، التي انقلبت على أعقابها أو انزوت أو حتى خضعت للكيان الصهيوني وأصبحت تلعب دور كلب الحراسة له، فقد تم وسم المقاومة الإسلامية بكل التهم الممكنة، ووصفها بالإرهاب، ووضعها في سلة واحدة مع بعض الحركات التي أجمع العالم على وجوب حربها، مثل داعش. ومن هنا يمكن أن نفهم سهولة انجراف العالم لدعم الكيان الصهيوني في مواجهة حركة حماس، التي تمثُل في مخيال الكثيرين من أبناء الغرب حركة إسلامية إرهابية لا بد من إبادتها[38].

ج- ترتيب مستقبل قطاع غزة بعد انتهاء الحرب: انطلقت الاستراتيجية الإسرائيلية في التعامل مع حركة حماس، منذ سيطرتها على قطاع غزة عام 2007، من ركيزة الحفاظ على حكمها في قطاع غزة، بهدف تعميق الفصل بين الضفة الغربية وغزة، وإضعاف السلطة الفلسطينية لمنع حل الدولتين. وقاد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو هذه الاستراتيجية من أجل تقويض أي فرص لتسوية سياسية مع الفلسطينيين. وفي جميع المواجهات السابقة بين “حماس” وإسرائيل، لم تضع الحكومة الإسرائيلية إسقاط حكم حماس هدفًا لها، بل كانت الأهداف تنحصر في ضرب القدرات العسكرية للحركة، وردع الفصائل الفلسطينية المسلحة في قطاع غزة، وكسب فترة من الهدوء الأمني مع القطاع. لم تتبن إسرائيل هدف إسقاط حكم “حماس” انسجامًا مع الاستراتيجية الإسرائيلية في تعميق الانقسام الفلسطيني من جهة، وتكلفة تحقيق هذا الهدف، بشريًا واقتصاديًا ودبلوماسيًا من جهة أخرى.

لكن بعد صدمة السابع من أكتوبر 2023، فقد رفعت القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية أهداف الحرب نحو إسقاط حكم حركة حماس، مدفوعة بضغط شعبي لتنفيذ ذلك، وبخاصة أنه وجهت في هذه الأزمة انتقادات شديدة إلى الاستراتيجية التي اتبعها نتنياهو في احتواء الحركة الفلسطينية[39]. وكثرت في الآونة الأخيرة النقاشات والاجتماعات الرسمية بشأن إشكالية ما الذي سيحدث لغزة فيما لو تمكنت دولة الاحتلال من تحقيق هدفها المعلن بالقضاء على “حماس”؟، ومن يستطيع حكم غزة التي تحكمها حماس منذ عام 2007؟. أسئلة صعبة، أجل البعض الإجابة عنها، معتبرين أنه من السابق لأوانه التركيز على هندسة ما بعد الحرب، بينما فرض الدبلوماسيون الأمريكيون والإسرائيليون نقاشها مع الحلفاء الإقليميين، وكانت حاضرة في قلب الاجتماعات الأخيرة التي عقدها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في الشرق الأوسط.

لكن حتى الآن لم يتم الاتفاق على رؤية واضحة لما قد تبدو عليه غزة بعد حماس، ويبدو أن التحدي الأكثر صعوبة الذي أظهرته النقاشات هو العثور على البديل القادر على إدارة غزة، فهناك شبه إجماع أن الفراغ الذي سيعقب افتراض تدمير حماس – أكبر فصيل فلسطيني – سيؤدي إلى ظهور جيوب مقاومة وجيل جديد من المقاتلين سيكون أشد شراسة في مواصلة القتال[40].

ويدور الحديث حاليًا في الأوساط الأمريكية والإسرائيلية عن أربعة سيناريوهات لحكم قطاع غزة فيما لو نجح الاحتلال الإسرائيلي في القضاء على “حماس” في هذه الحرب، تتمثل هذه السيناريوهات في:

السيناريو الأول: الاحتلال الإسرائيلي للقطاع: رغم عدم إصدار الجانب الإسرائيلي رؤية رسمية بشأن مستقبل غزة، لكن خرجت من وقت إلى آخر تصريحات رسمية، وبعض الوثائق، التي عكست الرؤية الإسرائيلية بشأن مستقبل القطاع، والتي مالت إلى إعادة احتلاله وفقًا لنموذج حكم المنطقة “ب” بالضفة الغربية، مع استبدال السلطة الفلسطينية بإدارة مدنية عربية أو إدارة مدنية محلية من بلديات قطاع غزة وعشائره، وسيطرة أمنية إسرائيلية، وذلك بعد القضاء على حركة حماس في قطاع غزة، وتهجير سكان القطاع إلى مصر.

وفي هذا السياق؛ أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال تصريحات له لشبكة “إيه بي سي نيوز” في 6 نوفمبر 2023، على أن غزة يجب أن يحكمها “أولئك الذين لا يريدون الاستمرار في طريق حماس”، مضيفًا: “أعتقد أن إسرائيل ستتحمل لفترة غير محددة المسئولية الأمنية الشاملة في القطاع لأننا رأينا ما يحدث عندما لا يكون لدينا تواجد هناك”[41]. وهو الأمر الذي أكده وزير الحرب الإسرائيلي بقوله إن الحملة العسكرية الإسرائيلية ستخلق “نظامًا أمنيًا جديدًا” يسمح للجيش الإسرائيلي بالسيطرة الكاملة على ‎غزة. كما رفض وزير المالية الإسرائيلي النصيحة الأمريكية بعدم البقاء طويلًا في غزة بعد القضاء على حماس، قائلًا: “ليس الأمر كأننا سنسحق حماس ثم ننتظر أن تأتي أخرى”. كذلك ذكر جاكوب ناجل، مستشار الأمن القومي السابق لنتنياهو أن “إسرائيل” ستكون لها السلطة الأمنية الكاملة على غزة للأبد بغض النظر عن الكيان الذي يتولى الشؤون المدنية[42].

وتجدر الإشارة هنا إلى تصاعد هذا التوجه بين أعضاء الائتلاف الحكومي المتطرف، وكذلك أعضاء الكنيست عن حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو، حيث عبر عدد من الوزراء عن رغبتهم في إعادة بناء المستوطنات التي تم إخلاؤها في غزة عام 2005، وهو الانسحاب الذي شمل أيضًا إزالة جميع المستوطنين الإسرائيليين البالغ عددهم 8000 مستوطن في القطاع كجزء من خطة فك الارتباط الإسرائيلي بالقطاع. من ذلك على سبيل المثال، ما قاله وزير التراث الإسرائيلي أميخاي إلياهو، الذي تحدث عن خيار إسقاط قنبلة نووية على غزة، في عدة مناسبات في الأسابيع الأخيرة، مؤكدًا: “إن المستوطنات الإسرائيلية في غزة لابد من إعادة بنائها بعد انتهاء الحرب”. هذا بالإضافة إلى مشروع القانون الذي قدمه أعضاء الكنيست عن حزب الليكود، لتعديل قانون فك الارتباط لمنح الإسرائيليين حرية الحركة في غزة بعد الحرب. في هذا السياق، قال عضو الكنيست أميت هاليفي، أحد رعاة مشروع القانون، لصحيفة “يسرائيل هيوم”: إن على الكنيست “إلغاء القانون الذي يمنع اليهود من دخول قطاع غزة”.

وعلى المستوى المجتمعي، تم إطلاق حملة بعنوان “كلها لنا .. من الفرات إلى العريش”، والتي تستهدف العودة إلى مستوطنات “غوش قطيف” (الاسم العبري الذي تطلقه إسرائيل على الكتلة الاستيطانية السابقة في غزة)، وقد تصاعدت تلك الحملة، داخل وخارج الجيش الإسرائيلي؛ حيث بدأ فنانون وحاخامات يروجون في عروضهم أمام الجنود إلى إعادة السيطرة على القطاع، هذا بالإضافة إلى كشف السياسية الإسرائيلية دانييلا فايس، إحدى أولى قادة مستوطنات “غوش إيمونيم”، خلال مقابلة مع القناة 14 الإسرائيلية، خريطة باسم “سيغال” تكشف كل مستوطنات اليهود بالأراضي العربية المحتلة، مؤكدة: “ليس غزة وحدها لنا، بل كامل الأرض التوراتية الموعودة، من الفرات في الشمال إلى العريش”. في حين أكدت مراسلة القناة التليفزيونية “شيرال للوم” أنه سيتم في غضون أسبوعين تنظيم مؤتمر لنواة نشطاء الاستيطان بهدف العمل من أجل الاستيطان في غزة وغيرها.

لم يقف الدعم لهذا التوجه عند المستوى السياسي والمجتمعي، لكنه انسحب أيضًا إلى المستوى العسكري، حيث عبرت بعض الشخصيات العسكرية عن تأييد هذا التوجه المتطرف. على سبيل المثال، قال الحاخام العسكري للقاعدة العسكرية للواء ناحال عوز، أميحاي فريدمان، خلال لقائه بحشد من الجنود في 4 نوفمبر 2023، إن الشهر المنقضي من الحرب كان “أسعد شهر في حياتي”، “لأننا وصلنا إلى نقطة ارتقى فيها شعب إسرائيل”. وأضاف: “لقد فهمنا أخيرًا من نحن”، مشيرًا إلى أنه “بعد 75 عامًا، تمت الإجابة على الأسئلة حول هوية البلاد”، مستطردًا: “هذه الأرض لنا كلها بما في ذلك غزة. بما في ذلك لبنان. الأرض الموعودة بأكملها”، وهو ما قوبل بتهليل وتصفيق من جانب الجنود –بحسب الفيديو المتداول بمنصات التواصل الاجتماعي– وكذلك الدعوة لغزو غزة. كما كشف تقرير لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل” احتفال جنود في قاعدة عسكرية وترديدهم كلمات على غرار “نعود إلى غوش قطيف، وسننشئ شاطئ نوفا على شاطئ غزة”، في إشارة إلى إعادة احتلال القطاع، وإعادته إلى ما قبل عام 2005، حينما كانت تحتله إسرائيل.  

أيضًا، أشار تقرير لصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، إلى قيام الجيش الإسرائيلي بإعداد سيناريو لليوم التالي للحرب، حيث من المقرر -وفق هذا التصور- أن يتولى الجيش الشئون الأمنية والمدنية في غزة بعد الحرب، وبدء التخطيط الفعلي لكيفية نقل بعض موظفي تنسيق الأنشطة الحكومية في المناطق التي تتعامل مع الشئون المدنية في الضفة الغربية، إلى أدوار مؤقتة في غزة[43].

يتضح مما سبق أن هذا السيناريو يتركز على إعادة غزة إلى وضع ما قبل 2005، حيث احتل الجيش الصهيوني غزة عام 1967 بعد أن كانت تحت الحكم المصري، وما بين 1967-2005 كانت غزة تشهد وضعًا استعماريًا كلاسيكيًا، إذ سيطر آلاف المستوطنين على 25% من الأرض، و40% من الأراضي الصالحة للزراعة، وحين ازدادت وتيرة المقاومة وزادت التكلفة على الاحتلال، انسحب من غزة في أعقاب الانتفاضة الثانية عام 2005، ثم سيطرت حماس عليها منذ عام 2007 حتى الآن[44]. وينقسم هذا السيناريو إلى أحد بعدين اثنين: الأول، هو قيام إسرائيل بالاحتلال الكامل للقطاع، في حين يتمثل الآخر في تقسيم غزة إلى نصفين تقريبًا بين شمال محتل وجنوب فلسطيني[45]، مع بقاء القطاع كله تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، بعد تهجير السكان الفلسطينيين أو أغلبهم إلي مصر.

وتستهدف إسرائيل من خلال احتلالها للقطاع مراعاة اعتبارات الداخل الإسرائيلي، خاصة كتلة اليمين المتطرف، التي تنادي بضرورة استعادة السيطرة الشاملة على القطاع. فمن ناحية، سيحاول أعضاء الائتلاف الحكومي المتطرف عبر هذا المخطط ترميم صورتهم أمام قاعدة ناخبيهم من اليمين المتطرف، وتخفيف وطأة المسئولية عن الفشل في توقع هجوم 7 أكتوبر والتعامل معه. من ناحية أخرى، تؤمن هذه الصيغة ألا تقترن المسئولية الأمنية لإسرائيل في القطاع كسلطة احتلال بأية التزامات اقتصادية أو مدنية تفرضها قواعد القانون الدولي وفقًا لاتفاقية جنيف الرابعة تجاه سكان القطاع، بحيث يتحمل ذلك الإدارة المدنية العربية المقترحة للقطاع. كما أن هذا من شأنه أيضًا أن يجنب تل أبيب تولي السلطة الفلسطينية إدارة القطاع، وبالتالي فإنه يقطع الطريق على المسار السياسي بحل الدولتين، وهو المسار الذي لا ترغبه تل أبيب وخاصة التيار اليميني المتطرف[46].

السيناريو الثاني: عودة السلطة الفلسطينية: ينصب التركيز الأمريكي على السلطة الفلسطينية للقيام بإدارة قطاع غزة بعد إسقاط حكم حماس، إذ أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال جلسة استماع للجنة المخصصات بمجلس الشيوخ، في 31 أكتوبر 2023، على أن “الولايات المتحدة ودولًا أخرى تدرس مجموعة متنوعة من البدائل المحتملة لمستقبل قطاع غزة”، في حال تم عزل حركة حماس من حكمه. وأشار بلينكن إلى أن “الوضع الراهن الذي تتولى فيه حماس المسؤولية في القطاع المكتظ بالسكان، لا يمكن أن يستمر”؛ لافتًا إلى أن الأمر الأكثر منطقية، في مرحلة ما، هو “وجود سلطة فلسطينية فعالة ومتجددة” تتولى الحكم والمسؤولية الأمنية في نهاية المطاف بغزة[47]. يلتقي هذا السيناريو أيضًا مع الاقتراح الفرنسي بضرورة استبدال جميع المسؤولين المعينين من حماس بموظفين من السلطة الفلسطينية.

وقد لاقى هذا السيناريو بعض التأييد من القيادة الإسرائيلية، إذ صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق يائير لابيد بأن السلطة الفلسطينية هي الخيار الأفضل لما بعد حماس في غزة[48]. كما يلقي هذا السيناريو تأييدًا بين العديد من الأوساط السياسية والعسكرية الإسرائيلية. حيث يطرح الجنرال غيورا إيلاند، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية سابقًا، فكرة نقل نموذج الضفة الغربية إلى قطاع غزة، أي تسليم قطاع غزة للسلطة الفلسطينية، وبناء منطقة أمنية فارغة من المستوطنين داخل القطاع، وإبقاء حرية العمل للجيش الإسرائيلي في القطاع. في حين يقترح عوفر شيلح، عضو الكنيست السابق والباحث في معهد دراسات الأمن القومي، الدمج بين إعادة السلطة الفلسطينية وحضور مؤثر للدول العربية في قطاع غزة، إذ يشير إلى أنه على إسرائيل تحويل الحرب على قطاع غزة من ساحة لتفعيل القوة العسكرية فقط إلى ساحة لبناء شراكة استراتيجية جديدة في المنطقة، لذلك يرى أنه يجب على إسرائيل القضاء على حماس في قطاع غزة عسكريًا وسياسيًا، في حين تقوم الولايات المتحدة بردع المحور الإيراني، في الوقت الذي تعمل الدول العربية، على تعزيز الاستقرار في غزة بعد الحرب من خلال منح المساعدات الإنسانية بمشاركة السلطة الفلسطينية، وفي هذا الإطار يرى أن إسرائيل ستحافظ على حرية العمل الأمني والعسكري في القطاع لمنع ظهور تنظيمات عسكرية أخرى[49].

جدير بالذكر هنا، أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قد أشار أكثر من مرة برغبته في حكم غزة بعد القضاء على حماس، لكنه يربط ذلك بوجود مشروع سياسي واضح، ما يعني أنه إذا تم وعده بشيء ما، فيمكن أن يشارك، وهذا يثير الشكوك حوله. وبالتالي سيكون دور السلطة الفلسطينية الرئيسي مشابهًا للدور الذي تقوم به في الضفة الغربية؛ أي ضمان عدم قدرة حماس على إنشاء جناح عسكري مرة أخرى، أو شن هجمات في المستقبل علي إسرائيل[50].

السيناريو الثالث: حل الدولتين: دعت بعض الدول منها الصين وروسيا وبعض الأنظمة العربية إلى سيناريو “حل الدولتين” الذي يتصور إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش إلى جانب الكيان الصهيوني. هذا السيناريو تردد بكثرة، والعديد من الخبراء يرون أنه حل ضروري من شأنه أن يهمش حماس ويجمد الصراع لفترة من الوقت. كما صرح الرئيس الأمريكي جو بايدن بأنه يأمل أن تقدم “إسرائيل” تنازلات في محادثات حل الدولتين من أجل تحقيق استقرارها الأمني بدلًا من إعادة عقارب الساعة إلى الوراء[51]. كما أكدت المفوضية الأوروبية ضرورة التأسيس لوجود سلطة فلسطينية واحدة فقط ودولة فلسطينية واحدة، تكون غزة جزء أساسيًا منها، مع  ضمان تقليص الوجود الأمني الإسرائيلي بالقطاع بحيث لا يكون وجودًا طويل الأمد، بالإضافة إلى رفض التهجير القسري للفلسطينيين من غزة، وكذلك رفض سياسة الحصار المستمر على القطاع، مع ضمان توفر المقومات الاقتصادية لدولة فلسطينية مستقبلية قادرة على البقاء[52].

السيناريو الرابع: الوصاية الدولية: الفرضية الأخيرة للسيناريوهات المطروحة، هي ما شاركه بعض المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين، وهي فكرة “الوصاية الدولية” التي تحكم غزة مؤقتًا إلى أن يتم التوصل إلى حل دائم. ووفقًا لهذا السيناريو ستقوم الإدارة الجديدة بغزة على ثلاث ركائز، الأولى، تشكيل إدارة مدنية من شخصيات تكنوقراط مهمة من غزة، بمن فيهم رؤساء البلديات، تتولى إدارة الشؤون المحلية لحين تمكن السلطة الفلسطينية من الاضطلاع بهذا الدور. أما الركيزة الثانية فهي إشراف الأمم المتحدة والجهات المانحة وغيرها من وكالات المعونة الدولية على المساعدات الغذائية وإعادة بناء مدن غزة المدمرة. والركيزة الثالثة هي تشكيل “قوة شرطية عربية” مكونة من الدول العربية الخمسة التي أبرمت اتفاقات سلام مع “إسرائيل”، وهم كل من مصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب، ومهمة هذه القوات تتمثل في حفظ الأمن ومساعدة السلطة الفلسطينية على تولي الحكم[53]. وربما يتوازى مع هذا الاحتمال، إمكانية وضع “قوة متعددة الجنسيات”، قد تشمل قوات أمريكية. أو يتوازى معه أيضًا إمكانية إنشاء “قوة حفظ سلام”، مثل تلك التي تُشرف على اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، وبهذا يتم وضع غزة تحت إشراف مؤقت للأمم المتحدة[54].

ويبدو أن هذا السيناريو محل اتفاق في الدوائر الغربية، فقد اقترحه بشكل رسمي وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال جلسة استماع للجنة المخصصات بمجلس الشيوخ، في 31 أكتوبر 2023، على أن “الولايات المتحدة ودولًا أخرى تدرس مجموعة متنوعة من البدائل المحتملة لمستقبل قطاع غزة”، وأنه في حال عدم توافر “سلطة فلسطينية فعالة ومتجددة” تتولي حكم غزة، فهناك ترتيبات مؤقتة غير ذلك، أكد عليها وزير الخارجية الأمريكي بقوله: “قد تشمل عددًا من الدول الأخرى في المنطقة، وقد تشمل وكالات دولية تساعد في توفير الأمن والحكم”[55]. كما اقترحت ألمانيا من خلال الوثيقة التي أعدتها ووزعتها على عدد من الدول الأوروبية، تولي تحالف دولي تأمين غزة بعد الحرب، وتفكيك أنظمة الأنفاق وتهريب الأسلحة إلى القطاع، وتجفيف منابع الدعم المالي والسياسي لحركة حماس. وقد اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته إسرائيل في 24 أكتوبر 2023، توسيع التحالف الدولي ضد تنظيم داعش ليشمل محاربة حماس. ويتقاطع ذلك مع ما اقترحته المفوضية الأوروبية ضمن المبادئ الاسترشادية لمرحلة ما بعد الحرب، والتي اقترحت إنشاء “قوة سلام دولية بتفويض أممي” من أجل ضمان القضاء على حماس وعدم عودتها لبناء ترسانتها العسكرية. ووفقًا لتقرير نشرته وكالة “بلومبيرج” في 16 نوفمبر 2023، نقلاً عن عدد من المسئولين الأمريكيين والأوروبيين، فإن كلاً من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يدعمان وضع خطة لنشر “قوة حفظ سلام أممية” في قطاع غزة بعد الحرب[56].

ويستند الدعم الذي يُلاقيه هذا الاحتمال، من القوى الغربية، إلى أنه يأتي في إطار أخذ الدول العربية زمام المبادرة في إدارة قطاع غزة، بالتعاون مع “السلطة الفلسطينية”؛ ففي ظل هذا الاحتمال، كما يرى الغرب، مصلحة لبعض الدول العربية، تلك التي لديها تحفظات قوية على حركة حماس، باعتبارها الفرع الفلسطيني لحركة الإخوان المسلمين. فمصر اتخذت إجراءات ضد الجماعة وفروعها، وقامت بتصنيفها كـ”حركة إرهابية”، وكذلك فعلت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في اتخاذهما حملات ضدها[57]. كما أن تلك الدول لا يرضيها أن تبقى غزة صداعًا مزمنًا لها بين حين وآخر، الأمر الذي من شأنه إعاقة مشاريعها التطبيعية مع الاحتلال[58].

وعلي الرغم من صعوبة تمرير هذا السيناريو عبر مجلس الأمن الدولي، حيث ستسعي روسيا والصين على الأرجح إلى  رفضه. ويمكن لمجلس الأمن أيضًا أن يمنح جامعة الدول العربية الصلاحية للسماح بتنفيذ هذه الخطة كجهة فاعلة وسيطة، ولكن هنا أيضًا، قد تعترض جهات فاعلة مثل سوريا ولبنان والجزائر وتونس. وبدلاً من ذلك، يمكن وضع هذه الجهود ضمن إطار ولاية “منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط”، الأمر الذي قد لا يتطلب إجراءات إضافية من جانب مجلس الأمن[59].

3- إعلاميًا:

تمثل عملية “طوفان الأقصي” في 7 أكتوبر 2023 وفقًا للرواية الإسرائيلية حدثًا جامعًا للفظائع التاريخية التي تعرض لها اليهود، وتعرضت لها دولة إسرائيل، وتعرض لها العالم المتحضر. تقف إسرائيل وفقًا لهذا في مواجهة حدث يربط بين تاريخ ممتد من الهولوكوست، والماضي البعيد نسبيًا والخاص بهجوم 11 سبتمبر 2001، إلى الماضي القريب والخاص بفظائع “داعش”.

أ- الربط بين حماس والقاعدة وداعش: في مواجهة هجوم كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية- حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية على عدد من مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر 2023، تم سريعًا استدعاء هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية إلى الخطاب الإسرائيلي؛ لتشبيه حماس بـ”القاعدة”، كما تم تشبيه حماس بـ”داعش”، والتعامل وفقًا لهذا مع التحركات الإسرائيلية والغربية تجاه قطاع غزة بوصفها جزء من “الحرب على الإرهاب”، ومواجهة “محور الشر” و”الدول المارقة” كما تحدث عنها كل من الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش ونائب وزير الخارجية جون بولتون.

واعتمدت سردية “دعشنة” حماس في هذا السياق على أبعاد مختلفة، أبرزها محاولة التشبيه بين أفعال داعش المعروفة، بما فيها قطع الرؤوس، وما حدث في مستوطنات غلاف غزة. ومن أجل تعميق الرفض وبشاعة ما حدث، تم الحديث عن قطع رؤوس 40 طفل إسرائيلي في المستوطنات، والتي حرص الإعلام الإسرائيلي والغربي على التعامل معها بوصفها مدنًا أو تجمعات سكنية أو قرى بهدف الفصل بينها وبين فكرة الاحتلال من ناحية، وتعميق الأثر السلبي للحدث من ناحية أخرى. بالإضافة إلى الحديث الإسرائيلي عن عمليات أخرى من التعذيب والتمثيل بالجثث وغيرها، التي انطلقت من تسريبات إسرائيلية إلى قنوات إخبارية إسرائيلية وأمريكية، ومنها إلى غيرها من المصادر والجماهير عبر العالم.

وفي هذا السياق؛ تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال حديثه مع الرئيس الأمريكي جو بايدن عن أن إسرائيل تعرضت لهجوم “لم نشهد وحشيته منذ المحرقة”، وأن عناصر حماس “أسوأ من تنظيم الدولة (داعش)”، حيث أخذوا “عشرات الأطفال وربطوهم ثم أحرقوهم”، قبل أن يعود نتنياهو لتلك المقاربة عبر الحديث عن إسرائيل بوصفها “قوى النور” التي سوف تقضى على “قوى الظلام”[60].

كما وصف المتحدث السابق باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام الدولي، جوناثان كونريكوس أن ما جرى في 7 أكتوبر 2023 بالنسبة لإسرائيل كان مباغتًا وأشبه بالهجوم الياباني على الأسطول الأمريكي في ميناء بيرل هاربر خلال الحرب العالمية الثانية، وهو الوصف ذاته الذي ذهب إليه رئيس مجلس النواب الأمريكي السابق الجمهوري كيفن مكارثي[61]. ووصف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي نير دينار، الهجوم بالقول: “هذا هو 11 سبتمبر (2001) الإسرائيلي”[62].

بهذا، وعلى الرغم من اكتشاف عدم صحة الأساس الذي تم بناء سردية “دعشنة” حماس على أساسه استمرت الرواية في الحياة، وتكررت العودة إليها بصور مختلفة في وسائل الإعلام والتصريحات الغربية، وارتبطت في العديد من الأحيان بتمرير سياسات الدعم المطلق لإسرائيل، وضرورة وجود تحالف دولي لمواجهة هذا الإرهاب[63].

ب- الانتقال من “دعشنة” حماس إلى “دعشنة” القطاع: انتقلت إسرائيل من “دعشنة” حماس إلى “دعشنة” القطاع كله، بكل ما يرتبط برؤية مماثلة من ممارسات واعتداءات تتجاوز القانون الدولي. وأدى تعميق وترسيخ فكرة عمومية مسئولية ما حدث في 7 أكتوبر على كامل سكان القطاع إلى ظهور توجه نحو تجريد القطاع من الإنسانية بتفاصيلها المختلفة، والفصل بين التعامل مع الفلسطينيين في غزة وفقًا لتلك الرؤية القائمة على التجريد من الإنسانية، مثلما تحدث وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الذي وصفهم بأنهم “حيوانات بشرية”، وأنه يتعامل معهم وفقًا لهذا. وظهرت تلك الإشكالية واضحة، على سبيل المثال، في الجدل الذي شهده الكنيست الإسرائيلي حول رفض مساواة أطفال قطاع غزة وحقهم في الحياة بأطفال إسرائيل، وتحميلهم مسئولية ما يحدث كما قالت النائبة ميراف بن آري، عضو الكنيست عن حزب هناك مستقبل (يش عتيد) الذي يتزعمه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق يائير لبيد، والتي قاطعت النائبة العربية عايدة توما سليمان عدة مرات أثناء حديثها عن وجود مساواة بين حياة الأطفال الإسرائيليين والفلسطينيين، ورفضت ميراف الحديث عن مساواة الأطفال أو وجود تماثل على مستوى الأطفال لدى الطرفين، مؤكدة أن الأطفال في غزة هم من جنوا على أنفسهم.

كما تم توظيف دعوات إسرائيل للسكان لما أطلق عليه “التحرك” أو “الانتقال” جنوبًا، من أجل تحرير إسرائيل من مسئولية فرض النزوح أو التهجير القسري على سكان القطاع، والحديث عن مطالبة “المدنيين” بالتوجه لمناطق آمنة في الجنوب بما يفترض معه عدم تحميل تل أبيب مسئولية الضحايا والإصابات الناتجة عن الاعتداءات ضد القطاع. ومع رفض السكان لتلك الدعوات ولمخطط التهجير القسري، تم التعامل مع المطالب الإسرائيلية بوصفها إخلاء مسئولية عن قتل المدنيين، وتفسير بقاء المواطنين بعدم الرغبة في الانتقال لمناطق “آمنة” في الجنوب باعتباره تطبيقًا لسياسات حماس القائمة، وفقًا لتلك الرواية، على استخدام المواطنين بوصفهم دروعًا بشرية.

تظهر جوانب من المخاطر والتهديدات المرتبطة بتعميم مفهوم وواقع “الدعشنة” من حماس إلى القطاع ومواطنيه في حجم الاعتداءات الإسرائيلية ضد القطاع، والدعم الواسع من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الغربية لكل ما يتعلق بحق إسرائيل في “الدفاع عن النفس”، بما في ذلك تبرير فرض حصار شامل على السكان يتجاوز حقوقًا إنسانية أساسية بما فيها قطع المياه ومنع الوقود ومعه قطع الكهرباء، بالإضافة إلى منع الاحتياجات المختلفة من الغذاء والدواء، وغياب المناطق الآمنة والمفترض عدم استهدافها وفقًا للقانون الدولي، وتعميم مناطق الاستهداف دون قيود لتشمل مدارس تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) والمساجد والكنائس والمستشفيات. وكأنها ممارسات عادية ومقبولة في مواجهة أكثر من 2 مليون مواطن، والخلط الذي يتم في سياق التعامل مع القضية الفلسطينية وكأنها ظهرت في ٧ أكتوبر، وكأن إسرائيل ليست دولة احتلال، بكل ما تحمله تلك الرؤية من مخاطر على القضية والإقليم[64].

ج- تشبيه عملية طوفان الأقصى بالهولوكست: قارن نتنياهو في عدد من اللقاءات، وخاصة مع مسئولي الدول الأوروبية، بين ما فعلته حماس وكل من النازيين وتنظيم داعش، كما حدث في اللقاء الذي جمع بينه وبين المستشار الألماني أولاف شولتس في 17 أكتوبر، والذي أكد خلاله إن “حماس هي النازية الجديدة، هي داعش، وفي بعض الحالات أسوا من داعش”، منطلقًا من هذا التشبيه للتأكيد على ضرورة “توحد العالم لهزيمة داعش” والوقوف “خلف إسرائيل لهزيمة حماس” بوصفها جزء من محور الشر المكون، وفقًا له، من إيران وحزب الله وحماس، مقدمًا وفقًا لهذا الرؤية الإسرائيلية لمحور الشر الخاص بحرب تل أبيب على الإرهاب وداعش على طريقة الولايات المتحدة الأمريكية بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. وأعاد نتنياهو تكرار نفس المقاربة خلال اللقاء مع رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك في 19 أكتوبر، والذي طالب فيه بتوحد “العالم المتحضر” مع إسرائيل في محاربة حماس كما اتحد العالم “لمحاربة النازيين واتحد لمحاربة داعش”[65].

يعيد هذا الطرح مسئولية الغرب عما تعرض له اليهود في الهولوكوست، وضرورة دعم إسرائيل حتى لا يتكرر الهولوكوست مرة أخرى، وفقًا لما تعبر عنه تلك السردية. وفي تحقيق هذا، لا يتم التركيز على الضحايا البشرية في غزة وخاصة بعد أن تم تصوير الحرب الدائرة وكأنها الفصل الثاني من “الحرب على الإرهاب” و”التحالف الدولي ضد داعش” في إسقاط ومقاربة تتسم بالتبسيط الشديد من جانب، وتجاوز طبيعة القضية الفلسطينية والإقليم من جانب آخر.

وبالتالي تقسم هذه السردية الإسرائيلية العالم إلى أصدقاء وأعداء، أو مؤيدين لإسرائيل ولحقها في “الدفاع عن النفس”، ومؤيدين للإرهاب والإرهابيين من وجهة نظرها. هذا الوضع تجاوز بدوره تصنيف العالم إلى أصدقاء وأعداء، إلى الفرز في الداخل والعقاب بسبب التعاطف مع قطاع غزة أو رفض السياسات الإسرائيلية القائمة على العقاب الجماعي للقطاع. وتم تعميم رؤية “صديق أو عدو” في الداخل، بما فيه عرب 48 أو فلسطينيي 48، والفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس. وتم فرض عقاب على من يدعم القطاع، أو يتعاطف مع سكان غزة عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، أو يعترض على الاعتداءات الإسرائيلية غير المسبوقة ليس في غزة فقط ولكن في الضفة الغربية والقدس الشرقية، بوصف أن كل ما سبق هو نوع من التعاطف مع الإرهاب والوقوف ضد الدولة في حربها ضد الظلام ومن أجل النور[66].

وإجمالًا؛ يمكن القول أن الرواية الإسرائيلية القائمة على التهديدات الوجودية تُوظف فى تحقيق أهداف سياسية داخلية تتمثل فى تمتين الجبهة الداخلية والتجاوز عن انتقاد نتنياهو وحكومته والدفع نحو التوحد فى مواجهة الحرب على خلفية المخاوف من مستقبل لا يتم فيه القضاء على حماس. كما تُوظف تلك الرواية خارجيًا من أجل الحصول على الدعم الغربى المادى والمعنوى فى مواجهة انتهاك الحقوق الخاصة بالشعب الفلسطينى وخاصة بعد أن أعتبرت العديد من المنظمات الدولية ما يتعرض له الفلسطينيين بمثابة “جريمة حرب”[67].

ولكن عند تفنيد السردية الإسرائيلية- الغربية يتبين مدي عوارها؛ وفقًا لمجموعة من الحقائق، تتمثل أبرزها في:

– الخلاف بين حماس وداعش في الايدلوجية، حيث تستهدف حماس إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، بينما تقوم ايدلوجية داعش على إقامة الخلافة المزعومة عابرة للحدود دون التقيد بمشروع قومي. كما نفذ داعش هجمات إرهابية حول العالم وضم مقاتلين من جنسيات مختلفة، بينما ركزت حماس هجماتها ضد إسرائيل كرد فعل على ممارسات الاستيطان واستهداف الفلسطينيين، وخرجت حماس من داخل الأراضي الفلسطينية. وبينما شاركت حماس في إنتخابات سابقة للوصول إلى السلطة بغزة وتحظى بتأييد الفلسطينيين، لا يؤمن داعش بالانتخابات بل بالعنف لتحقيق أهدافه، ولا يحظى بأي تأييد من المناطق التي احتلها[68].

– رغم التأييد المطلق للدول الغربية للسياسات الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر، باعتبار أنه جزء من تحرك دولي مفترض ضد الإرهاب كما حدث في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر وكما حدث في مواجهة داعش، ومعها طرح التساؤل من بعض الأطراف، بما فيها داخل إسرائيل، حول عدم دعم الدول العربية لتلك التحركات كما فعلت في الحرب ضد القاعدة وداعش، في تجاوز واضح للاختلاف في تفاصيل المشهد، ومعه بناء السردية[69].

فقد وحد تحالف غير مكتوب الدول الإسلامية والعربية والغرب في حربهم ضد داعش، من مصر والمغرب والمملكة العربية السعودية وإيران إلى فرنسا وبريطانيا، وبالطبع الولايات المتحدة. والعديد من الأحكام الشرعية الإسلامية الصادرة عن المرجعيات الدينية السنية والشيعية تعرف داعش ليس فقط كمنظمة إرهابية، بل كمنظمة تنتهك الشريعة الإسلامية – وهي منظمة مناهضة للإسلام. بينما حماس تتمتع بوضع مختلف تمامًا؛ فحماس، على الرغم من أيديولوجيتها الدينية، ينظر إليها الجمهور العربي على أنها جزء لا يتجزأ من النضال الوطني الفلسطيني، وليس كمنظمة إرهابية. كما أن روسيا والصين وقطر وجنوب أفريقيا وتركيا، وبطبيعة الحال، لبنان وسوريا وإيران، لا تشكل سوى قائمة جزئية من البلدان التي قاتلت تنظيم الدولة أو على الأقل أدانته، لكنها لا ترى حماس كمنظمة إرهابية، بل إن بعضها يستضيف مسؤولي حماس على أراضيه، والبعض يقيم معها علاقات طبيعية أو حتى وثيقة. كما أن الإعلان عن أن إيران هي المصدر الوحيد لتمويل حماس، وبالتالي ربط الحركة بمحور الشر الدولي، يتجاهل المساعدات التي تتلقاها من الدول والمنظمات في جميع أنحاء العالم[70].

وبالتالي فأن هذه السردية (تشبيه حماس بداعش) تتجاوز حقيقة وجود سرديات متعارضة في التعامل مع حرب غزة بين إسرائيل والعديد من الدول الغربية من جانب، والفلسطينيين ومعهم الدول العربية وغيرهم من الدول والمنظمات الدولية الداعمة للحق الفلسطيني ولفكرة الانتصار للقانون الدولي، وضرورة الالتزام بحل الدولتين فيما يتعلق بتسوية القضية الفلسطينية[71].

– التجارب السابقة لتضليل الإعلام الغربي، فقبيل الغزو الأمريكي للعراق دأبت وسائل الإعلام الأمريكية على ترويج مزاعم إدارة بوش آنذاك حول امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، حتى ظهر كولن باول وزير الخارجية الأمريكي آنذاك في مجلس الأمن ليعرض صورًا ووثائق تؤكد هذه المزاعم. واستند خطاب باول في ذلك الوقت على معلومات للمؤسسات الاستخباراتية والعسكرية الأميركية لتبرير الغزو، موجهة للرأي العام الداخلي والخارجي التي اتضح لاحقًا أنها مضللة، ونعتها الإعلام الأمريكي بـ”كذبة القرن”، رغم أنه روج لها بشكل كبير في وقتها. كانت الآلة الإعلامية الغربية تعمل على تجييش الرأي العام ضد العراق، وتهيئته للغزو، حيث زعمت واشنطن ولندن ارتباط العراق بالقاعدة، وعلاقته بأحداث 11 سبتمبر 2001.

بعد عامين من الغزو أقر “باول” بأنه زيف تلك المزاعم ووصف دفاعه عن تقرير بلاده حول أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة أمام الأمم المتحدة بأنه “وصمة عار في مسيرته السياسية”. ونهاية عام 2008 شكك الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الابن نفسه في الأدلة التي قادت إلى غزو جيشه للعراق قائلًا: “أكثر ما ندمت عليه خلال الرئاسة هو فشل المخابرات في العراق”. كما اعترف رئيس الوزراء البريطاني توني بلير عام 2016، بأن غزو العراق اعتمد على معلومات مزيفة وغير مدعمة بالأدلة، مؤكدًا أنه يتحمل كل المسؤولية عن قرار مشاركة بريطانيا بغزو العراق[72].

– تشكيك العديد من الصحفيين الغربيين والإسرائيليين فيما تنشره إسرائيل من معلومات. البداية كانت من أعداد القتلى الإسرائيليين، فتم الإعلان عن عدد كبير من القتلى الإسرائيليين وخاصة المدنيين، حيث ذكرت إسرائيل أن عدد ضحاياها بلغ 1400، وبالتالي، بررت إسرائيل لنفسها الأخذ بالثأر من مدنيي غزة وقتل عشرة أضعاف الرقم السابق، والرد على الرأي العام بشأن وحشيتها بالتأكيد أن حماس هي من تستخدم المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية، وأنها تحاول منع حماس من هذا الغرض بإصدار تحذيرات لسكان شمال القطاع بالنزوح جنوبًا، وبالتالي أيضًا تبرير الضوء الأخضر الذي أعطته لنفسها لمهاجمة المدنيين الممتنعين عن النزوح. ولكن رواية القتلى الإسرائيليين ظهر زيفها بعد مرور أكثر من 40 يومًا من الأحداث، وعلى يد تصريحات إسرائيلية، فوفقًا لتقرير نشرته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، وشهادات لطيارين في الجيش الإسرائيلي، فإن مجزرة القتل في السابع من أكتوبر قد ارتكبت بفعل جيش الاحتلال؛ إذ إن مروحة عسكرية من طراز “أباتشي” أطلقت مئات من قذائف المدفع عيار 30 ملم بشكل عشوائي على حماس في مهرجان “نوفا”، كما استهدفت آليات المقاومة التي كانت تنقل الرهائن، مما أدى إلى وقوع 364 من المدنيين الإسرائيليين، وسط تأكيدات بأن حماس لم تكن على علم بالأساس بوجود مهرجان موسيقي بالقرب من غلاف غزة، وأنهم استهدفوا الحفل بشكل عفوي. فقامت إسرائيل بتخفيض رقم ضحاياها إلى 1200[73].

أما الرواية الأكثر انتشارًا منذ بدء الحرب، كانت من نصيب الادعاء الذي يفيد بأن حماس قطعت رؤوس 40 طفلًا إسرائيليًا، والتي كررها الناشطون المؤيدون لإسرائيل والمسؤولون الحكوميون ووسائل الإعلام الغربية. فأن مراسلة قناة “آي نيوز 24” “نيكول زيدك”، التي تحدثت عن مقتل نحو 40 رضيعًا مع عائلاتهم في “كيبوتس كفار عزة” بغلاف غزة، زاعمة أنها شاهدت جثث الأطفال تحمل على نقالات بعد قتلهم على يد عناصر المقاومة. سريعًا ما تراجعت عن روايتها، وذكرت في تغريدة على منصة “إكس”، أن الجنود هم من أخبروها أنهم (يعتقدون) مقتل 40 رضيعًا هناك. بدوره أكد الصحفي “الإسرائيلي” أورين زيف، أنه لم ير خلال جولته في “كفار عزة” أي دليل على “قطع رؤس أطفال”. ويقول الصحفي الفرنسي سامويل فولي، الذي زار “كفار عزة”، إنه لم يتمكن من التحقق من قيام حماس المزعوم بقطع رؤوس 40 طفلًا. كما أكد أثنين من مسؤولي خدمات الطوارئ الذين يجمعون الجثث أنهما لم يشاهدا مثل هذه الانتهاكات وأنها غير موجودة.

كما أنه في أعقاب زعم صحف الاحتلال وبعض وسائل الإعلام، أن الشابة الإسرائيلية التي ظهرت في شاحنة يوم 7 أكتوبر قد تعرضت للاغتصاب قبل قتلها، وكانت صورتها الأكثر انتشارًا لتدعيم رواية البروبغاندا الإسرائيلية حول المقاومة، نقلت عدة صحف غربية عن والدة الفتاة تأكيدها، “أن ابنتها لم تقتل ولم تغتصب وهي الآن تعالج في إحدى مستشفيات غزة”. كما تراجعت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” عن مزاعم الاغتصاب التي نشرتها، وخلصت إلى أن كل تلك الحوادث لم يتم إثباتها[74].

أكثر من ذلك، فقد تراجع البيت الأبيض عن تصريحات للرئيس جو بايدن أعرب فيها عن استيائه مما وصفها بصور عنيفة لمشاهد هجوم لمقاتلي كتائب عز الدين القسام. ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن متحدث باسم البيت الأبيض قوله إنه “لا الرئيس بايدن ولا أي مسؤول أميركي رأى أي صور أو تأكد من صحة تقارير بشأن ذلك بشكل مستقل”. وأضاف المتحدث أن تصريحات بايدن بشأن الفظائع المزعومة استندت إلى مزاعم المتحدث باسم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وتقارير إعلامية إسرائيلية[75].

ورغم ربط إسرائيل والولايات المتحدة قصف المستشفي المعمداني بفصائل المقاومة، فإن العديد من الاعتبارات الفنية والعسكرية أشارت إلى صعوبة قيام طرف آخر بقصف المستشفى المعمداني غير إسرائيل، في ظل عدم امتلاك الفصائل الفلسطينية لأسلحة مماثلة، وعدم تفعيل صفارات الإنذار في إسرائيل والتي كان يفترض أن تعمل في حال إطلاق صواريخ من القطاع. ومع تراكم التقارير حول ما حدث في المعمداني بدأ التشكيك في رواية تبرئة إسرائيل على الأقل من قبل بعض مصادر الإعلام الغربية، دون أن تحدث إدانة ضخمة أو مطالبة حقيقية بالمحاسبة[76].

وفيما يخص ملف الأسرى، القضية الشائكة بشدة في الداخل الإسرائيلي، عملت الدعاية الإسرائيلية على تهدئة الرأي العام الإسرائيلي من خلال ادعاءات بتحرير بعض الرهائن لدى حماس خلال العملية البرية التي ينفذها الجيش في القطاع – دون الكشف عن تفاصيل التحرير-، وسرعان ما اهتزت مصداقية هذه الأخبار بعد نشر صحف إسرائيلية معارضة أخبارًا تفيد بأنه لا يوجد دلائل على أن الأسرى المعلن تحريرهم كانوا ضمن الأسرى المخطوفين بالأساس، وأن الجيش الإسرائيلي يعلن “كذبًا” مثل هذه الادعاءات فقط لرفع الروح المعنوية للإسرائيليين، ووصل الأمر لمطالبة نشطاء إسرائيليين بفيديو مصور من “أبو عبيدة” الناطق باسم كتائب القسام، يوضح خلاله مصير الأسرى المحررين، لعدم ثقتهم في تصريحات مسؤوليهم، وبالفعل بعد تفنيد رواية الجيش الإسرائيلي، وجد أن الأسرى المعلن تحريرهم قد تمت إضافتهم إلى قائمة المختطفين من قبل حماس بعد الإعلان عن تحريرهم.

وتحاول إسرائيل التستر على جرائمها بنشر صور ومقاطع مصورة وهي تتعامل بإنسانية مع الفلسطينيين خلال فرارهم عبر الممر الآمن في غزة، ولكن سرعان ما انكشفت الحقيقة بعد أن قاموا بإعدام رجل مسن تقوم القوات بمساعدته على السير، وقد انتشرت صورته بسرعة كبيرة عبر الصفحات الإسرائيلية، ولكن وسائل التواصل الاجتماعي أعادت نشر صورة لنفس الرجل مقتولًا عمدًا برصاص الاحتلال[77].

-استهداف الاحتلال للصحفيين الذين يقومون بالتغطية الإخبارية للمجازر التي يرتكبها ضد المدنيين الفلسطينيين وعمليات العقاب الجماعي للمجتمع الفلسطيني. فمنذ بداية الحرب، تعمدت قوات الاحتلال استهداف الصحفيين بشكل مباشر، وبحسب توثيق نقابة الصحفيين الفلسطينيين، فإن معظم الشهداء من الصحفيين كانوا يرتدون زيًا يميزهم كصحفيين وبعضهم يحملون معدات وآلات تصوير، مما يشير إلى تعمد قوات الاحتلال استهدافهم وقتلهم. ويعد الاستهداف الإسرائيلي المتعمد ضد الصحفيين ومنازلهم ومؤسساتهم بأنه “جريمة حرب”، حيث ينص القانون الدولي وكل القرارات الأممية والمواثيق الدولية على توفير الحماية للصحفيين، واستهدافهم المتعمد هو جريمة حرب تستدعي المحاسبة[78].

وكانت قناة الجزيرة الإخبارية عبر شبكة مراسليها (وائل الدحدوح وغيره من الصحفيين العاملين في القطاع والضفة الغربية) شاهدة على هذه المجازر والجرائم الإسرائيلية. لاسيما أن محتوى الجزيرة شكل في كثير من المناسبات وثيقة لتتبع جرائم الاحتلال وانتهاكاته ضد المواطنين الفلسطينيين، فيحاول طمسها واجتثاثها عبر قتل الصحفيين والإبادة الجماعية لأفراد أسرهم. كما حصل لأفراد عائلة مراسل الجزيرة ومدير مكتبها في قطاع غزة، وائل الدحدوح، في 25 أكتوبر 2023. فاغتالت الآلة العسكرية الإسرائيلية زوجته وابنه وابنته وحفيده في منزل نزحوا إليه بمخيم النصيرات وسط القطاع.

ويوثق تقرير لنقابة الصحفيين الفلسطينيين مجازر الاحتلال الإسرائيلي ضد الصحفيين وأسرهم، والانتهاكات التي تتعرض لها المؤسسات الإعلامية، خلال الأسبوع الأول من الحرب على غزة، فيشير إلى قصف حوالي 20 منزلًا للصحفيين بشكل كامل أو جزئي. كما قصف الاحتلال عددًا من منازل هؤلاء الصحفيين على رؤوس ساكنيها، من دون إنذار أو تحذير.

ولا يستثنى من سياسة القصف الممنهج ما يحصل لمقرات ومراكز المؤسسات الإعلامية؛ حيث تم تدمير 50 مقرًا ومركزًا إعلاميًّا. ويُعد ذلك جزءًا من تاريخ الاحتلال الإسرائيلي في التعامل مع الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، سواء خلال فترات الحروب أو خارجها. وهنا، يتذكر المجتمع الصحفي اغتيال مراسلة الجزيرة، شرين أبو عاقلة، في 11 مايو 2022، الذي كشف ظروف الرصد والترصد التي أحاطت بعملية اغتيال الاحتلال لصحفية أثناء ممارسة نشاطها الإعلامي[79].

4- إنسانيًا:

يمكن القول أن الممارسات الإسرائيلية في حربها على قطاع غزة تشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وحقوق الإنسان، وترقى إلى مستوى جريمة الحرب، والجريمة ضد الإنسانية، وهو ما يمكن توضيحه كما يلي:

أ- دعوات الإبادة الجماعية: ليس لادعاء إسرائيل بشأن انسحابها من قطاع غزة في عام 2007 ما يسنده قانونيًا، ولا في الواقع؛ لأن هذه العملية تدرج في سياق إعادة التموضع، على الرغم من تفكيك المستوطنات غير الشرعية هناك. فإسرائيل ما زالت تمثّل قوة احتلال، بحكم سيطرتها الفعلية على المجال البري والجوي والبحري لقطاع غزة، الذي تفرض عليه حصارًا خانقًا منذ 16 عامًا، في عقاب جماعي غير قانوني يستهدف المدنيين الفلسطينيين، في انتهاك صارخ للقانون الدولي وحقوق الإنسان، ويرقى إلى مستوى جريمة الحرب، والجريمة ضد الإنسانية، فضلًا عن تحكمها المطلق في سجل السكان، وفي مغادرتهم القطاع والعودة إليه، وفي التجارة وإدخال البضائع وإخراجها.

تكشف التصريحات الإسرائيلية عن مدى الطابع الثأري والانتقامي للحرب الوحشية على غزة، وعن نية الاحتلال إلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف المدنيين وتدمير البنية التحتية، كإعلان رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، عن عزم إسرائيل تدمير قدرات حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بقوله: “سنشلهم إلى حد الدمار، وسننتقم بقوة لهذا اليوم الأسود الذي جلبوه على دولة إسرائيل ومواطنيها، مضيفًا: سنحول كل الأماكن التي تختبئ فيها حماس، وتعمل منها، إلى مدن مدمرة. أقول لسكان غزة اخرجوا من هناك الآن، لأننا سنتحرك في كل مكان وبكل قوة”.

وتدل تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، أيضًا على النزعة الانتقامية لدى القادة الإسرائيليين، وعلي إمعانهم في ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة ضد الفلسطينيين. فقد أعلن في 9 أكتوبر 2023 عن فرض إسرائيل حصارًا شاملًا على غزة المحاصرة فعليًا منذ عام 2007، أن “لا غذاء، لا ماء، لا كهرباء، لا محروقات”، مستطردًا: “كل شيء مغلق، نحن نحارب حيوانات بشرية، وسنتصرف على هذا الأساس”. وأعلن وزير الطاقة عن حزب الليكود، يسرائيل كاتس: “ليس هنالك مياه وكهرباء لسكان غزة بعد اليوم، هكذا يجب التعامل مع شعب من القتلة”[80].

وكانت منظمة الأونروا قد أعلنت أن المياه المتوفرة في القطاع بدأت بالنفاد. كما أعلنت وزارة الداخلية في غزة أن “قطاع غزة يعاني من أزمة حادة جدًّا في توفر مياه الشرب في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي”، وأن “الاحتلال لم يضخ أي لتر من مياه الشرب إلى أي من محافظات القطاع، ما دفع المواطنين لشرب مياه غير صالحة”. ونتيجة لذلك، حذرت من “أزمة صحية خطيرة تهدد حياة المواطنين. ومن ناحية أخرى، تخطّى الوضع في القطاع حالة النقص الحاد في المواد الغذائية الأساسية إلى درجة انعدام الخبز؛ حيث كشف المتحدث باسم منظمة الأونروا عدنان أبو حسنة أن المنظمة باتت تقدم “رغيفًا واحدًا من الخبز” على مدار اليوم لكل مواطن، بعدما باتت المخابز العاملة في القطاع غير قادرة على تزويدهم بما يحتاجونه. ففضلًا عن نقص الموارد والإمكانات اللازمة لتشغيلها، لم تسلم المخابز ومخازن القمح من القصف الصهيوني، ولعل أبرز مثال على ذلك؛ قصف الطيران الحربي الإسرائيلي مخبزًا يغذي أهالي مخيم النصيرات والنازحين من شمال غزة، وكذلك “قصف مخازن لمنظمة الأونروا تحتوي على مخزون استراتيجي للطحين لقطاع غزة، وهذا قد يؤدي إلى فقدان الخبز بشكل نهائي”[81].

تشكل الحرب الشاملة المتواصلة على قطاع غزة، وما يرتبط بها من أفعال، انتهاكًا جسيمًا لأحكام المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف في عام 1977، التي تنص على حظر التجويع وسيلة من وسائل الحرب، أو مهاجمة، أو تدمير، أو إزالة، أو تعطيل الأشياء التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، مثل المواد الغذائية؛ هذا إضافة إلي انتهاك إسرائيل القاعدة 53 من القانون الإنساني الدولي العرفي التي تحظر التجويع، ونظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية في عام 1998، الذي يصنف قتل السكان وإخضاعهم لأوضاع معيشية صعبة، بقصد إهلاكهم الفعلي كليًا أو جزئيًا، وحرمانهم من الإمدادات الأساسية اللازمة لبقائهم على قيد الحياة، مثل الغذاء والمياه النظيفة والدواء، جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية وجريمة إبادة[82].

كما تقوم إسرائيل بمنع دخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، فرغم بدأ المساعدات الطبية والإنسانية في التوافد من منظمات ودول مختلفة إلى مطار العريش ومنه إلى معبر رفح منذ منتصف أكتوبر 2023، غير أن قرار إدخال المساعدات إلى قطاع غزة عبر المعبر ظل معطلًا من جانب الكيان الصهيوني مستهدفًا إجبار الغزيين على النزوح من شمال القطاع، ومنع أية مساعدات من الوصول إلى حماس. وإمعانًا في ذلك المنع، قام طيران الكيان الصهيوني بقصف معبر رفح ومحيطه في الجانب الفلسطيني عدة مرات.

وبعد أسبوعين من القصف الإجرامي المتواصل، تم السماح بدخول مساعدات إغاثية إلى قطاع غزة، تشمل أدوية ومستلزمات طبية وكمية محدودة من المواد الغذائية. وقياسًا على الوضع الكارثي الذي وصل إليه قطاع غزة، فإن قدر المساعدات الإغاثية التي دخلت لن يُسمن أو يُغني في معالجته؛ في هذا الإطار، يقول مسؤولون في الأمم المتحدة إن غزة بحاجة إلى 100 شاحنة على الأقل يوميًّا لتوفير الاحتياجات العاجلة، وإن أي إدخال للمساعدات يجب أن يكون مستمرًّا وعلى نطاق واسع. مشيرين إلى أنه قبل اندلاع الصراع كان نحو 450 شاحنة مساعدات تصل إلى غزة يوميًا.

ولم يتوقف الأمر عند محدودية حجم المساعدات التي دخلت إلى غزة، بل فرض الكيان الصهيوني قيودًا على نوعية تلك المساعدات؛ حيث اشترط ألا تشمل الوقود. وكذلك على أماكن توصيل المساعدات؛ حيث تقتصر على جنوب قطاع غزة دون شماله، في إشارة إلى استمرار الكيان الصهيوني في خطة تهجير سكان شمال غزة[83]. ويشكل استهداف المساعدات ومنعها من المرور  مخالفة صريحة لاتفاقية جنيف والبروتوكول الأول الإضافي لها. وتنص الاتفاقية على السماح بمرور قوافل المساعدات الإنسانية وحمايتها وتسهيل وصولها إلى المدنيين؛ لضمان بقائهم على قيد الحياة.[84] 

ب- تهجير السكان: أفصح الإسرائيليون عن نيتهم المبيتة لتطهير قطاع غزة من الفلسطينيين وتهجيرهم قسرًا إلى مصر أو إلي الأردن، علماً أن 70  في المئة منهم لاجئون، ممن هجروا قسرًا من ديارهم خلال النكبة الفلسطينية في عام 1948. فقد صرح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي لوسائل الإعلام الأجنبية، في 10 أكتوبر 2023، بأنه يتعين على الفلسطينيين التوجه إلي مصر عبر معبر رفح. ودعا أمير ويتمان، زعيم التيار الليبرالي في حزب الليكود، إلى تنسيق دولي لنقل جميع سكان قطاع غزة. في حين دعا رجال أعمال كبار إلي “تدمير غزة وتسويتها بالأرض، مع إعطاء فترة زمنية محدودة للأردن ومصر لإنقاذ حياة سكان غزة واستيعابهم في بلادهم”. وفي 13 أكتوبر 2023، أمرت إسرائيل أكثر من مليون فلسطيني بإخلاء منازلهم في شمال قطاع غزة والانتقال إلى المناطق الجنوبية، وأمهلتهم ست ساعات لتنفيذ هذا الأمر. في وقت تواصل قصف القطاع بأكمله، بما في ذلك المناطق الجنوبية التي يتجمع فيها مئات آلاف النازحين؛ ما يؤكد نية الاحتلال تنظيف القطاع من الفلسطينيين، عبر الإمعان في القتل والتدمير والتهجير، ووضع السكان في ظروف معيشية صعبة تصل إلى عتبة الإبادة[85].

ج- استهداف المدنيين: منذ بداية الحرب، وككل حرب أيضًا، حولت قوات الاحتلال، المدنيين الفلسطينيين في غزة خاصة الأطفال والنساء إلى بنك أهداف مستباح، في وقت حرص فيه المقاومون الفلسطينيون على تجنب استهداف أطفال المستوطنين خلال معركة “طوفان الأقصى”[86].

ويعد استهداف المدنيين “جريمة حرب” وفقًا لعدد من بنود اتفاقيات جنيف المحددة لقوانين وأعراف الحرب. وتحمي الاتفاقيات الثلاث الأولى من اتفاقيات جنيف المقاتلين وأسرى الحرب، بينما تحمي الاتفاقية الرابعة، التي تم تبنيها بعد الحرب العالمية الثانية، المدنيين في مناطق الحرب. وتضاف إلى هذه الاتفاقيات، اتفاقية لاهاي الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية، والتي تنص في مادتها الـ 25 على “حظر مهاجمة أو قصف المدن والقرى والأماكن السكنية أو المباني المجردة من وسائل الدفاع أيًا كانت الوسيلة المستعملة”، وفي مادتها الـ 23 على “حظر استخدام الأسلحة والقذائف والموارد التي من شأنها إحداث إصابات وآلام لا مبرر لها”. كما يؤكد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية “يشكل جريمة حرب”[87].

د- قصف المستشفيات والمراكز الطبية: فقد طالب الاحتلال المستشفيات بإخلاء من فيها تمهيدًا لقصفها ضمن المناطق المستهدفة، بل وإلى قصفها المتعمد وقتل المئات من الجرحى واللاجئين المحتمين بها؛ في حين رفضت الكوادر الطبية تلك التحذيرات المهددة لحياة المصابين، ورفضت إخلاء المستشفيات. وكان قصف المستشفى الأهلي المعمداني محل إدانة واستنكار واسع؛ حيث نتج عنه استشهاد حوالي 500 فلسطيني، في جريمة وصفت بمحاكاة استخدام قنبلة نووية مصغرة[88].

ويأتي القصف الإسرائيلي للمستشفيات بدعوي وجود إنفاق للمقاومة تحت المستشفيات. حيث عرض المتحدث باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري ما زعم أنها مشاهد لفتحة في الأرض في المستشفى الإندونيسي قال إنها لنفق تستخدمه حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس). وتأكيدًا لكذب الإدعاءات الإسرائيلية، فقد أعلن مكتب الإعلام الحكومي في غزة، في 5 نوفمبر 2023، استعداده لاستقبال لجنة من الأمم المتحدة للتحقق من مزاعم الاحتلال الإسرائيلي بوجود أنفاق أسفل مستشفيات القطاع، والتأكد من أنها بالفعل تقدم خدمات طبية وصحية فقط[89].

كما اقتحمت دبابات جيش الاحتلال، في 14 نوفمبر 2023، مجمع الشفاء الطبي. ومجمع الشفاء الطبي هو أكبر مستشفيات قطاع غزة، ويحتمي به آلاف النازحين من المدنيين، إضافة إلى آلاف المرضى والجرحى والطواقم الطبية، ويتعرض للقصف منذ بدأت إسرائيل عدوانها على القطاع مع عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي. وتقول حماس إن 650 مريضًا، وما بين 5 آلاف إلى 7 آلاف مدني آخرين محاصرون داخل المستشفى تحت نيران متواصلة من القناصة والطائرات المسيرة الإسرائيلية.

وعلى مدى أكثر من شهر، زعمت إسرائيل أن حماس لديها مركز قيادة تحت مستشفى الشفاء، وتستخدم المستشفى والأنفاق الموجودة تحته في العمليات العسكرية واحتجاز الرهائن، بينما نفت حماس ذلك، ووجهت الدعوة للهيئات الأممية والمنظمات الصحية الدولية لزيارة المستشفى والتأكد بنفسها من كذب المزاعم الإسرائيلية. وبعد أكثر من 10 ساعات من اقتحام مستشفى الشفاء، أعلنت هيئة البث الإسرائيلية أنه “لم يتم العثور على أي من الأسرى الذين تحتجزهم حماس”، مضيفة أن “عمليات تمشيط المستشفى لا تزال مستمرة”.

وينص القانون الإنساني الدولي، بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر التابعة للأمم المتحدة، على أن “المنشآت الطبية بأنواعها والعاملين في المجال الصحي يخضعون للحماية في فترات الصراع والحروب بموجب بنود القانون الإنساني الدولي وأي استهداف لأي من هذه المنشآت أو العاملين فيها من جانب أي من الأطراف المتصارعة أو المتحاربة يمثل جريمة حرب”[90]. ويعتبر الهجوم المتعمد على المستشفيات، وأماكن تجمع المرضى والجرحى “جريمة حرب”، طبقًا للمادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية[91].

ه- استخدام الأسلحة المحرمة دوليًا: هذه ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها الاحتلال أسلحة محرمة دوليًا ضد الفلسطينيين، حيث اتهمت الخارجية الفلسطينية إسرائيل باستخدام الفوسفور الأبيض في قصف مناطق مكتظة بالسكان في قطاع غزة. وقالت الوزارة في بيان إن “الاحتلال الإسرائيلي يستخدم الفوسفور الأبيض المحرم دوليًا ضد الفلسطينيين، في منطقة الكرامة شمال غزة”. كما نشر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان فيديو يظهر استخدام القوات الإسرائيلية أسلحة الفوسفور الأبيض السام على المناطق المكتظة بالسكان شمال غرب مدينة غزة.

وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” قد ذكرت في تقارير سابقة أن إسرائيل استخدمت الفوسفور الأبيض في حروب عدة وخاصة في قطاع غزة. ووفقا للمنظمة فإن “الفوسفور الأبيض مادة كيميائية يتم نشرها بواسطة قذائف المدفعية والقنابل والصواريخ وقذائف الهاون، وتستخدم بالأساس في التمويه على العمليات العسكرية البرية”. وأوضحت أن “استخدامه في المناطق المفتوحة مسموح به بموجب القانون الدولي، لكن الفوسفور الأبيض المتفجر جوًا فوق مناطق مأهولة، غير قانوني بما أنه يعرض المدنيين لمخاطر”[92].

وأعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، في 27 نوفمبر 2023، ارتفاع حصيلة قتلى الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة إلى “أكثر من 15 ألف شهيد، بينهم أكثر من 6150 طفلاً، وأكثر من 4000 امرأة، إذ جرى انتشال عشرات الشهداء كانوا تحت الأنقاض أو جُمعت جثامينهم من الشوارع أو استُشهدوا متأثرين بجراحهم”. وأضاف: “لا يزال تحت الأنقاض نحو 7 آلاف مفقودٍ أو ذي مصير مجهول، بينهم أكثر من 4700 طفل وامرأة”. وأشار إلى أن عدد الإصابات “ارتفع إلى ما يزيد على 36 ألفاً، أكثر من 75% منهم من الأطفال والنساء”. وحسب البيان، بلغ عدد شهداء الكوادر الطبية 207 من الأطباء والممرضين والمسعفين، كما استُشهد 26 من طواقم الدفاع المدني، و70 صحفيًا.

 وفي السياق، لفت البيان إلى أن عدد المقار الحكومية المدمرة في قطاع غزة جراء الحرب وصل إلى 103 مقار، بينها 266 مدرسة، 67 منها خرجت من الخدمة، وفق البيان. ونتيجة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، خرج 26 مستشفى و55 مر كزًا صحيًا من الخدمة، حسب البيان. وبينما استُهدفت 56 سيارة إسعاف، خرجت عشرات سيارات الإسعاف من الخدمة بسبب نفاد الوقود، وفق المكتب الحكومي. وفي السياق، أوضح المكتب الإعلامي الحكومي أن عدد المساجد التي دُمرت كليًا بسبب الحرب بلغ 88 مسجدًا، بينما دمر 174 مسجدًا بشكل جزئي، إضافة إلى استهداف 3 كنائس. وتابع: “بلغ عدد الوحدات السكنية التي تعرضت لهدم كلي قرابة 50 ألف وحدة سكنية، إضافة إلى 240 ألف وحدة تعرضت للهدم الجزئي”.

وحذر من أن “بقاء الواقع الصحي على ما هو عليه في غزة يُنذر بكارثة إنسانية لا مثيل لها”. ودعا إلى إدخال المعدات والآلات اللازمة لأطقم الدفاع المدني “حتى تتمكن من انتشال جثامين مئات الشهداء التي لا تزال تحت الركام”.

وحمل المكتب الإعلامي إسرائيل والمجتمع الدولي المسؤولية الكاملة عن الجرائم الوحشية البشعة ضمن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. كما حمل الأمم المتحدة وإسرائيل “المسؤولية الكاملة عن جريمة اعتقال وحياة وسلامة الأطقم الطبية، وعلى رأسهم مدير عام مجمع الشفاء الطبي محمد أبو سلمية”[93].

ويمكن تفسير هذا السلوك الإسرائيلي الذي يبدو منهجيًا ومتعمدًا ومدركًا، وفقًا لما يلي:

  • القناعة الداخلية بعدم وجود حق له في هذه الأرض – وبزيف ادعاءاته التاريخية والدينية حولها، وفقدان شرعية الوجود عليها – يدفعه، وفي محاولة لتعويض ذلك، للاعتماد على القهر والتخويف والقمع والتفوق في امتلاك القوة الذي قد يقود- كما يظن- إلى الإخضاع، لضمان البقاء. وهو في ذلك يستلهم تجارب دول أخرى أقدمت على إبادة السكان الأصليين وقتل الملايين من المواطنين لفرض وجودها، كما حدث مع الولايات المتحدة الأميركية، وفرنسا على سبيل المثال.
  • إعادة رسم عقيدة عسكرية جديدة قائمة على إلحاق الأذى الهائل بالحاضنة الشعبية والبنى المدنية، وكافة مقومات الحياة الطبيعية، لكل من يفكر في المقاومة أو يواجه الاحتلال، وهو ما يعني الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، ويطابق أفعال النازية والفاشية تمامًا. ويمكننا القول إنه يحاول أن يطور على ما عرف بعقيدة الضاحية الجنوبية التي استخدمت في لبنان عام 2006، وينتج منها نسخة 2023 الأكثر دموية وعنفًا ووحشية، بعد أن ضربت عملية القسام العسكرية في السابع من أكتوبر عقيدة ومنظومة الاحتلال العسكرية والأمنية التي اعتمد عليها لعقود طويلة، فقد قُهر الجيش الذي لا يقهر، وانهارت قواته بطريقة فاجأت الجميع أمام رجال المقاومة الفلسطينية، واتضح مدى عجز منظومته وأجهزته الأمنية التي لم تتوقع العملية، ولم تتمكن من إحباطها، وكذلك تبددت أوهام التفوق التكنولوجي الذي طالما تغنى الاحتلال به، وانبهر به الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية.
  • عدم الانتماء للمنطقة فكريًا وثقافيًا وتاريخيًا واجتماعيًا، ما يجعل الاحتلال الإسرائيلي متحررًا من تبعات هذا الانتماء والارتباط بمكونات المنطقة. فانعدام الصلات القومية أو الفكرية والثقافية مع شعوب المنطقة، يجعل الاحتلال غير مهتم بنظرتهم له أو بعلاقاته المستقبلية معهم؛ لاعتقاده أنه موجود رغمًا عن إرادتهم، وبقاؤه مرتبطٌ باستمرار التنكر لهذه الإرادة وقمعها.
  • الاعتقاد بالتفوق، والنظرة الدونية للآخر، وهذه من أهم سمات الحركة الصهيونية، والتي قادت لتصنيفها رسميًا في الأمم المتحدة- ولفترة طويلة- كحركة عنصرية. وفي هذه المعركة تجلت هذه الصفة بشكل كبير في الخطاب الصهيوني سواء على لسان وزير الحرب أو على لسان الكثير من الصحفيين والأكاديميين والمحللين، وحتى عوائل الجنود، الذين وصفوا الفلسطينيين في غزة بأنهم “حيوانات بشرية”، وأنه لا يوجد أبرياء في غزة سوى الأسرى الإسرائيليين والأجانب، وأن كل سكان غزة إرهابيون يستحقون الموت.
  • الخوف الذي يسكن أعماق كيان الاحتلال بكل مكوناته، سواء على المستوى الفردي أو الجمعي. ما يجعل الاحتلال يحرص على إخفائه دومًا، والعمل على إظهار صورة معاكسة له حتى وإن كانت زائفة؛ لأن ظهور أي من علامات الخوف أو الضعف ستعني اقتراب النهاية. وللتغطية على هذا الخوف العميق المسكون به الاحتلال- والذي عبر عنه عدد كبير من قياداته من خلال كثرة الحديث عن الخطر الوجودي- يرفع من وتيرة البطش والقتل والمجازر والتدمير “أي التوحش”؛ ليظهر ما يعتقده قوة تساعده على إحداث التوازن النفسي لديه.
  • ضمان عدم المساءلة والمحاسبة على وحشيته وجرائمه التي لا يتوقف عن ارتكابها؛ نظرًا لاستمرار النفاق والانحياز الغربي الذي يوفر للاحتلال الغطاء لكل جرائمه، ويحول بينه وبين المساءلة من قبل المؤسسات الدولية، يتقاطع ذلك مع الضعف العربي والإسلامي وعدم القدرة على لجم عدوانه ومعاقبته عليه، ولو بالحد الأدنى كقطع العلاقات السياسية والاقتصادية[94].

[1] “الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة: قراءة في موقف القانون الدولي الإنساني”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 1/11/2023، الرابط: https://cutt.us/kzCtW

[2] “أبعاد وارتدادات التحولات الاستراتيجية لـ”طوفان الأقصى””، مجلة السياسة الدولية، 11/10/2023، الرابط: https://cutt.us/eqGi6

[3] “عملية “غلاف غزة” ودلالاتها”، مركز الجزيرة للدراسات، 8/10/2023، الرابط: https://cutt.us/EMAQd 

[4] “سيناريوهات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة”، مرجع سابق.

[5] يتكون الجيش الإسرائيلي من ثلاث فئات، القوات العاملة، وأفراد الخدمة الإلزامية (ما بين 18 و21 سنة)، وقوات الاحتياط (لا تنتهي الخدمة الإلزامية في جيش الاحتياط إلا في سن 51 سنة). ويتم استدعاء كافة الرجال المؤهلين إلى الاحتياط مرة في السنة، ولفترة معدلها 26 يوما للجنود و24 يوما للضباط. ووفق موقع “غلوبل فاير باور” الأمريكي، فإن عدد القوات الإسرائيلية العاملة يبلغ 173 ألف عسكري، بينما يصل عدد قوات الاحتياط إلى 465 ألف عسكري. ولا توجد أرقام محددة لعدد أفراد كتائب القسام، لكن بعض التقديرات تقول إن عددهم يتجاوز 20 ألف مسلح، وقد يصل إلى 50 ألفا عند التعبئة. انظر وكالة الأناضول: “هل تستطيع إسرائيل خوض حرب طويلة؟ (إضاءة)”، الرابط: https://cutt.us/FvQD1

[6] “سيناريوهات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة”، مرجع سابق.

[7] ” بيرل هاربر إسرائيل ؛ طوفان الاقصى وملامح اللعبة الخطرة في الشرق الأوسط”، مركز السلام للدراسات الاستراتيجية، 9/10/2023، الرابط: https://cutt.us/5A4BQ

[8] ” لقادة إسرائيل: لا تساعدوا قطر في مخطط حماس لتحسين صورتها أمام العالم”، القدس العربي، 22/10/2023، الرابط: https://cutt.us/Fxuno

[9] “القتال التلاحمي.. معركة “الميركافا” و”الياسين” في شمال قطاع غزة”، المرصد المصري، 11/11/2023، الرابط: https://cutt.us/gdWVp

[10] “الحرب الإسرائيلية على مدينة غزة: أهدافها ونتائجها المتوقعة”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2/11/2023، الرابط: https://cutt.us/eqhfC

[11] المرجع السابق.

[12] “سيناريوهات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة”، مرجع سابق.

[13] “في معنى “المناورة البرية” الإسرائيلية في غزة وفي فرصها ومعيقاتها!”، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، 10/11/2023، الرابط: https://cutt.us/ijlrD

[14] “خبير عسكري يجيب.. 6 أسئلة تلخص ما يدور في غزة حاليا”، الجزيرة نت، 13/11/2023، الرابط: https://cutt.us/wNfsL

[15] “في معنى “المناورة البرية” الإسرائيلية في غزة وفي فرصها ومعيقاتها!”، مرجع سابق.

[16] “خبير عسكري يجيب.. 6 أسئلة تلخص ما يدور في غزة حاليا”، مرجع سابق.

[17] “القتال التلاحمي.. معركة “الميركافا” و”الياسين” في شمال قطاع غزة”، مرجع سابق.

[18] “حكومة الطوارئ في إسرائيل.. الأبعاد وحدود التأثير”، المرصد المصري، 14/10/2023، الرابط: https://cutt.us/AARaZ

[19] المرجع السابق.

[20] “الاتفاق على تشكيل “حكومة طوارئ” في إسرائيل خلال الحرب”، القدس العربي، 11/10/2023، الرابط: https://cutt.us/fWDF0 

[21] “السردية الإسرائيلية حول حرب غزة الخامسة: محاولة للتفكيك”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 13/10/2023، الرابط: https://cutt.us/bscXW

[22] “بايدن يتمسك بالرواية الاسرائيلية:حماس تستخدم المستشفيات مقرات عسكرية”، المدن، 16/11/2023، الرابط: https://cutt.us/5VOps

[23] “السردية الإسرائيلية حول حرب غزة الخامسة: محاولة للتفكيك”، مرجع سابق.

[24] “«حجيج» الديمقراطيات الغربية إلى إسرائيل: الذعر تحت لافتة التضامن”، القدس العربي، 16/10/2023، الرابط: https://cutt.us/IdTmW

[25] “معارك دبلوماسية موازية”، الخليج الجديد، 29/10/2023، الرابط: https://cutt.us/wcwME

[26] ” جلسة لمجلس الأمن الدولي بشأن الحرب بين فصائل غزة وإسرائيل”، قناة الحدث، 30/10/2023، الرابط: https://cutt.us/uHcTv

[27] ” هل شرّع الغرب إبادة الفلسطينيين؟”، القدس العربي، 13/10/2023، الرابط: https://cutt.us/lpNBO

[28] “موقف إدارة بايدن من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة: خلفيات الانحياز وحساباته”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 24/10/2023، الرابط: https://cutt.us/11ptH

[29] “طوفان الأقصى.. تحولات أداء المقاومة والآثار الإستراتيجية للمواجهة”، مركز المسار للدراسات الإنسانية، 21/10/2023، الرابط: https://cutt.us/6aazt

[30] ” حصاد شهر من المواقف الغربية والأوروبية تجاه الحرب على غزة”، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 15/11/2023، الرابط: https://cutt.us/d5aVH

[31] “لدعم إسرائيل.. بريطانيا ترسل سفينتين حربيتين وطائرات مراقبة”، العربية نت، 12/10/2023، الرابط: https://cutt.us/HzYjn 

[32] “ملامح التغيير في الموقف الأوروبي من حرب غزة”، مركز رع للدراسات الاستراتيجية، 29/11/2023، الرابط: https://cutt.us/Y4NFn

[33] “مساع أميركية وفرنسية لتشكيل تحالف دولي ضد حركة حماس”، الجزيرة نت، 25/10/2023، الرابط: https://cutt.us/8DOyd

[34] “هل فلسطين امتداد للحروب الصليبية؟”، القدس العربي، 23/10/2023، الرابط: https://cutt.us/lsv3k 

[35] “الغرب شريك بالجريمة.. كيف أطلق يد إسرائيل في تنفيذ جرائم الحرب بغزة، وإليك ما سيخسره من هذا الموقف؟”، عربي بوست (مترجم)، 10/10/2023، الرابط: https://cutt.us/S0RLs

[36] المرجع السابق.

[37] “الحرب على غزة… أوروبا غير موحدة”، العربي الجديد، 19/10/2023، الرابط: https://cutt.us/Rk2Yx

[38] “لماذا يدعم الغرب الكيان الصهيوني؟”، القدس العربي، 27/10/2023، الرابط: https://cutt.us/ogtHB

[39] “اليوم التالي في قطاع غزة: السيناريوهات المحتملة ما بعد العملية البرية الإسرائيلية”، مرجع سابق.

[40] “4 سيناريوهات لحكم قطاع غزة فيما لو نجح الاحتلال بتحييد حماس”، مرجع سابق.

[41] “السيناريوهات الغربية والإسرائيلية لليوم التالي لحرب غزة: التناقض وعدم الواقعية”، مرجع سابق.

[42] “4 سيناريوهات لحكم قطاع غزة فيما لو نجح الاحتلال بتحييد حماس”، مرجع سابق.

[43] “السيناريوهات الغربية والإسرائيلية لليوم التالي لحرب غزة: التناقض وعدم الواقعية”، مرجع سابق.

[44] “4 سيناريوهات لحكم قطاع غزة فيما لو نجح الاحتلال بتحييد حماس”، مرجع سابق.

[45] “اليوم التالي: البدائل المحتملة لمستقبل قطاع غزة بعد الحرب”، الحائط العربي، 5/11/2023، الرابط: https://cutt.us/CPG3C

[46] “السيناريوهات الغربية والإسرائيلية لليوم التالي لحرب غزة: التناقض وعدم الواقعية”، مرجع سابق.

[47] “اليوم التالي: البدائل المحتملة لمستقبل قطاع غزة بعد الحرب”، مرجع سابق.

[48] “4 سيناريوهات لحكم قطاع غزة فيما لو نجح الاحتلال بتحييد حماس”، مرجع سابق.

[49] “اليوم التالي في قطاع غزة: السيناريوهات المحتملة ما بعد العملية البرية الإسرائيلية”، مرجع سابق.

[50] “4 سيناريوهات لحكم قطاع غزة فيما لو نجح الاحتلال بتحييد حماس”، مرجع سابق.

[51] المرجع السابق.

[52] “السيناريوهات الغربية والإسرائيلية لليوم التالي لحرب غزة: التناقض وعدم الواقعية”، مرجع سابق.

[53] “أهداف الحرب الإسرائيلية ومبادئ الإدارة في غزة في مرحلة ما بعد “حماس””، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني، 17/10/2023، الرابط: https://cutt.us/H2hQV

[54] “اليوم التالي: البدائل المحتملة لمستقبل قطاع غزة بعد الحرب”، مرجع سابق.

[55] المرجع السابق.

[56] “السيناريوهات الغربية والإسرائيلية لليوم التالي لحرب غزة: التناقض وعدم الواقعية”، مرجع سابق.

[57] “اليوم التالي: البدائل المحتملة لمستقبل قطاع غزة بعد الحرب”، مرجع سابق.

[58] “الاجتياح البريّ للقطاع: كيف؟ ولماذا؟ وهل؟”، مرجع سابق.

[59] “أهداف الحرب الإسرائيلية ومبادئ الإدارة في غزة في مرحلة ما بعد “حماس””، مرجع سابق.

[60] “السردية الإسرائيلية حول حرب غزة الخامسة: محاولة للتفكيك”، مرجع سابق.

[61] ” طوفان الأقصى.. قراءة في التداعيات”، مركز القرار للدراسات الإعلامية، 9/10/2023، الرابط: https://cutt.us/NW0hj

[62] “كيف خدعت حماس إسرائيل وتمكنت من مفاجأتها بطوفان الأقصى؟”، الخليج الجديد (مترجم)، 9/10/2023، الرابط: https://cutt.us/BnEfo

[63] “السردية الإسرائيلية حول حرب غزة الخامسة: محاولة للتفكيك”، مرجع سابق.

[64] المرجع السابق.

[65] المرجع السابق.

[66] المرجع السابق.

[67] “حرب غزة الخامسة وحدود “طوفان الأقصى”: ما الذى يحدث؟”، مجلة السياسة الدولية، 10/10/2023، الرابط: https://cutt.us/u2pos

[68] “أمن دولي ـ كيف يتعامل المجتمع الدولي مع التصعيد في غزة؟”، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، 11/11/2023، الرابط: https://cutt.us/zoonQ

[69] “السردية الإسرائيلية حول حرب غزة الخامسة: محاولة للتفكيك”، مرجع سابق.

[70] “تل أبيب تحشد العالم ضد حماس وخبير إسرائيلي يشكك في جدوى الخطوة (تحليل إخباري)”، وكالة الأناضول، 14/10/2023، الرابط: https://cutt.us/RyRGP

[71] “السردية الإسرائيلية حول حرب غزة الخامسة: محاولة للتفكيك”، مرجع سابق.

[72] “”اغتصاب أسرى وقتل أطفال”.. أكاذيب إسرائيلية لتغطية هزيمة طوفان الأقصى (شاهد)”، عربي21، 11/10/2023، الرابط: https://cutt.us/IOUAM

[73] ” الدعايا مقابل الواقع.. هل خسرت إسرائيل معركة “البروباجاندا”؟”، المرصد المصري، 25/11/2023، الرابط: https://cutt.us/LXLao

[74] “”اغتصاب أسرى وقتل أطفال”.. أكاذيب إسرائيلية لتغطية هزيمة طوفان الأقصى (شاهد)”، مرجع سابق.

[75] “موقع أميركي يفضح الرواية الإسرائيلية عن قطع رجال المقاومة الفلسطينية رؤوس أطفال”، عربي بوست، 12/10/2023، الرابط: https://cutt.us/XwYw2

[76] “السردية الإسرائيلية حول حرب غزة الخامسة: محاولة للتفكيك”، مرجع سابق.

[77] ” الدعايا مقابل الواقع.. هل خسرت إسرائيل معركة “البروباجاندا”؟”، مرجع سابق.

[78] “8 أساليب من الانتقام والعقاب الجماعي.. كيف ترتكب “إسرائيل” جرائم حرب علنية في غزة وفقاً للقانون الدولي؟”، عربي بوست، 12/10/2023، الرابط: https://cutt.us/IX0UE 

[79] “السياسة الإسرائيلية لاجتثاث الرواية الفلسطينية في الحرب على غزة”، مركز الجزيرة للدراسات، 26/10/2023، الرابط: https://cutt.us/DMlPD

[80] “الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة: قراءة في موقف القانون الدولي الإنساني”، مرجع سابق.

[81] “غزة بين استمرار المقاومة والمعاناة الإنسانية”، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 22/10/2023، الرابط: https://cutt.us/Eb0Pf 

[82] “الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة: قراءة في موقف القانون الدولي الإنساني”، مرجع سابق.

[83] “غزة بين استمرار المقاومة والمعاناة الإنسانية”، مرجع سابق.

[84] “8 أساليب من الانتقام والعقاب الجماعي.. كيف ترتكب “إسرائيل” جرائم حرب علنية في غزة وفقاً للقانون الدولي؟”، مرجع سابق.

[85] “الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة: قراءة في موقف القانون الدولي الإنساني”، مرجع سابق.

[86] “8 أساليب من الانتقام والعقاب الجماعي.. كيف ترتكب “إسرائيل” جرائم حرب علنية في غزة وفقاً للقانون الدولي؟”، مرجع سابق.

[87] ” كيف يكفل القانون الدولي حق المقاومة الفلسطينية ويفضح ازدواجية معايير الغرب؟”، تي أر تي عربي، 18/10/2023، الرابط: https://cutt.us/JDTXd

[88] “غزة بين استمرار المقاومة والمعاناة الإنسانية”، مرجع سابق.

[89] “نافية وجود أنفاق أسفل المستشفيات.. حكومة غزة مستعدة لاستقبال لجنة أممية”، عربي21، 5/11/2023، الرابط: https://cutt.us/vVqRU

[90] “جرائم حرب تحت أنظار العالم.. ماذا يعني اقتحام إسرائيل لمستشفيات غزة، وآخرها الشفاء؟”، عربي بوست، 15/11/2023، الرابط: https://cutt.us/5lA0T

[91] “هل يحاكم نتنياهو ووزير دفاعه أمام المحكمة الجنائية الدولية؟”، مدونات الجزيرة، 22/10/2023، الرابط: https://cutt.us/Ke7m9 

[92] “8 أساليب من الانتقام والعقاب الجماعي.. كيف ترتكب “إسرائيل” جرائم حرب علنية في غزة وفقاً للقانون الدولي؟”، مرجع سابق.

[93] ” غزة.. أكثر من 15 ألف شهيد و36 ألف مصاب جراء الحرب الإسرائيلية”، تي أر تي عربي، 27/11/2023، الرابط: https://cutt.us/cPWFu

[94] ” في تفسير التوحش في سلوك الاحتلال تجاه الفلسطينيين”، مركز رؤية للتنمية السياسية، 23/11/2023، الرابط: https://cutt.us/sPA8h

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022