دراسة: العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بعد “طوفان الأقصى” (3)

استفاق الاحتلال الإسرائيلي فجر يوم السبت، 7 أكتوبر 2023، على اقتحام مئات المقاتلين الفلسطينيين لبعض مقراته ومستوطناته التي أقامها قرب منطقة قطاع غزة، في عملية سميت “طوفان الأقصى”، حيث سيطروا على عشرات الثكنات العسكرية، واشتبكوا مع قوات الاحتلال وأجهزته الأمنية؛ ما تسبب في مقتل ما يزيد على 1400 شخص، وجرح حوالي 5431 آخرين من العسكريين والمدنيين. وتمكن المقاتلون الفلسطينيون أيضًا من أسر ضباط وجنود، واحتجزوا رهائن مدنيين، يراوح عددهم بين 229 و250 شخصًا، بينهم العشرات ممن فقدوا حياتهم.

ردت قوات الاحتلال الإسرائيلية على هذا الهجوم المفاجئ، في اليوم نفسه، بحملة عسكرية وحشية، سمتها “عملية السيوف الحديدية”، وهي الحرب العدوانية السابعة والأعنف على قطاع غزة منذ إعادة الانتشار في القطاع في عام 2005[1]. وتستهدف هذه العملية تدمير البنية التحتية في غزة، بالإضافة إلى تكثيف الهجوم لاغتيال عدد من قيادات حماس ومحاولة تحجيم تحركات ما بعد “طوفان الاقصى” وإضعاف رغبة المقاومة نحو إبرام صفقة سياسية حول تبادل الأسرى مع ارتفاع حصيلة الأسرى الإسرائيليين لدى الفصائل، كذلك وأد أطروحات فك الحصار عن المعاملات المالية والاقتصادية لدى فصائل المقاومة وفى مقدمتها حركة حماس، وقطاع غزة ككل[2]. وعليه تسعى هذه الورقة إلى التعرف على أهداف ودوافع العملية الإسرائيلية على قطاع غزة، والتحركات والأدوات التي استخدمتها إسرائيل لتحقيق هذه الأهداف، وأخيرًا؛ مآلات هذه العملية وما يمكن أن تحققه من الأهداف الإسرائيلية.  

ثالثًا: مآلات عملية العدوان على غزة بعد “طوفان الأقصى”:

يبدو أن استمرار عملية السيوف الحديدية الإسرائيلية (خاصة على المستوي البري) علي قطاع غزة وتطورها من حيث الحجم (محددة أو موسعة) والزمن (قصيرة أم طويلة المدي)، أو توقفها من الأساس، تتوقف علي عدة عوامل؛ أبرزها:

1- مدي صمود المقاومة الفلسطينية: فبعد مرور ما يزيد عن الشهر والنصف من بدء إسرائيل حربها على قطاع غزة، تشير المعطيات الميدانية أن المقاومة لا تزال لديها القدرة على الصمود في هذه الحرب، كما تؤكد على قدرتها في تكبيد إسرائيل خسائر كبيرة، بل وأكثر من ذلك تكشف عن قدرة المقاومة على تحقيق الانتصار في النهاية. وهذا ما يكشفه حجم الخسائر التي تكبدتها إسرائيل عند دخولها بريًا في غزة. فقد أعلن أبو عبيدة الناطق باسم كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في كلمته في 23 نوفمبر 2023، تدمير 335 آلية إسرائيلية من دبابات ومدرعات وجرافات وناقلات جند منذ بدء الحرب[3]. فيما نقلت صحيفة “هآرتس” عن الجيش الإسرائيلي أن “202 جندي أُصيبوا بجروح خطيرة، و320 أُصيبوا بجروح متوسطة، فيما أُصيب 470 بجروح وُصفت بأنها خفيفة”. وتشير بيانات الجيش الرسمية إلى أن 70 جنديًا إسرائيليًا قُتلوا منذ بدء المعارك البرية في قطاع غزة، وأن حصيلة قتلاه منذ 7 أكتوبر وصلت إلى 392[4].

وترجع قدرة المقاومة على الصمود أمام الجيش الإسرائيلي وتحقيقها لإنجازات عسكرية إلى طبيعة البيئة القتالية الحالية في شمال غزة، والتي تعد من أهم الأوراق الميدانية المتوفرة للفصائل الفلسطينية، فبطبيعة الحال يعد انتقال القتال إلى بيئة أكثر كثافة على المستوى الحضري، من أبرز التحديات الميدانية التي تواجه أية قوة نظامية، وهو ما يمثل في نفس الوقت فرصة ميدانية إيجابية لفصائل المقاومة المتمرسة في أساليب حرب العصابات والكمائن المتنوعة. تعد كثافة المناطق الحضرية في قطاع غزة من بين الأعلى في العالم؛ ففي مساحة إجمالية لا تتجاوز 365 كيلو مترًا مربعًا، يعيش ما يقارب 2.3 مليون فلسطيني بمعدل يبلغ عدة آلاف من الأشخاص لكل كيلو متر مربع واحد، ما يجعلها الأكثر كثافة سكانية لكل كيلومتر مربع في العالم.

الكثافة السكانية، يضاف إليها عامل آخر يرتبط بالتضاريس الحضرية الكثيفة والمعقدة في قطاع غزة، والتي تحد بشدة من قدرة الجنود والمركبات المدرعة على المناورة، حيث وجدت وحدات المشاة الإسرائيلية صعوبة في التحرك بسرعة والحفاظ على تشكيلاتها وسط الشوارع الضيقة والمباني المكتظة، فضلًا عن أن هذه الوحدات تضطر أحيانًا إلى الانتظار لحين تدخل سلاح الجو لتدمير المنازل والمباني التي تعوقها، ما يضع هذه الوحدات في مرمى الصواريخ المضادة للدبابات وقذائف الهاون، خاصة أن وسيلة الحماية الوحيدة للقوات خلال وقفاتها التعبوية أو خلال عمليات تزودها بالوقود والمؤن تكون السواتر الترابية التي يتم تعليتها حول مواقع وجودها لحماية الدبابات والعربات المدرعة، وهي وسيلة أثبتت التجربة الميدانية أنها غير فعالة فيما يتعلق بقذائف الهاون.

في جانب آخر، يعد القتال المباشر ضد الأسلحة المضادة للدبابات بشكل عام في المناطق الحضرية من أصعب أنواع القتال على الوحدات المدرعة، حيث تسمح كثافة المباني للعناصر الحاملة للأسلحة المضادة للدبابات بالاشتباك مع الدبابات والمدرعات من مواقع يصعب اكتشافها واستهدافها.

الورقة الأكبر والأهم في يد الفصائل الفلسطينية في هذا الصدد تتعلق بما توفره البيئة الحضرية لمقاتليها من قدرات على تنفيذ الكمائن المختلفة للقوات المتقدمة على الأرض، حيث أثبتت المواجهات التي تمت خلال الأيام الماضية امتلاك هؤلاء المقاتلين القدرة على استهداف الوحدات المدرعة الإسرائيلية بشكل فعال من مناطق مموهة جيدًا ومن وسط أنقاض المباني. وما يزيد من تعقيدات حرب المدن، هو التهديد الذي تشكله شبكات الأنفاق التي أقامتها الفصائل الفلسطينية في معظم أنحاء قطاع غزة، حيث تم استخدام هذه الأنفاق بشكل فعال خلال المواجهات البرية الحالية، سواء كنقطة لانطلاق المقاتلين لتنفيذ هجماتهم، أو كمواضع لإعاشة المقاتلين وتخزين الذخائر، ناهيك عن أن هذه الأنفاق تمثل في حد ذاتها تحديًا كبيرًا للعمليات العسكرية التقليدية، لأنها تلغي العديد من المزايا التكنولوجية للجيوش الحديثة وتتطلب معدات وتكتيكات متخصصة لمواجهتها[5].

ولذلك عندما تقدم الجيش الإسرائيلي أكثر داخل قطاع غزة أصبحت خسائر جيش الاحتلال أكبر، ويواجه مقاومة أعتى لأنه كلما توغل في المناطق المبنية وذات الكثافة السكانية، كانت هناك فرص للمقاومة للخروج من الأنفاق واستخدام الأرض والمباني للتخفي والتستر واصطياد الآليات والجنود، ولذلك رأينا زيادة الخسائر سواء كانت في الآليات أو في المعدات أو حتى الجنود[6].

ومما يضاف إلى نقاط قوة المقاومة في شمال القطاع؛ أن سيناريو تهجير سكان شمال القطاع ومحاولة عزله عن الجنوب لم ينجح بالشكل الذي أرادته إسرائيل حتى الآن، فما زال عدد كبير (يصل لأكثر من النصف) في مدينة غزة، وفي شمال القطاع لم ينزح، رغم القصف الوحشي وما أوقعه من خسائر فادحة. وقد أرادت إسرائيل تفريغ شمال غزة، المتمثل في مدينة غزة بشكل عام وبعض الضواحي حولها؛ لتكون أرضًا محروقة ومنطقة عازلة بديلة عن “غلاف غزة” الذي اقتحمته المقاومة في عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر الماضي[7]. ويرجع رفض الفلسطينيين للنزوح من شمال القطاع إلى أن الفلسطينيين في قطاع غزة، و80% منهم لاجئون هاجروا أو ولدوا لعائلات هاجرت من داخل فلسطين عشية وخلال حرب 1948، لن يهاجروا مرة أخرى؛ إلا إذا عادوا إلى الأرض التي طردوا منها بقوة السلاح. في الوقت ذاته، فإنه إلى جانب الرفض المبدئي لفكرة مغادرة القطاع، فإن الفلسطينيين يعون تمامًا أنه إذا غادروا غزة، فلن تسمح إسرائيل لهم بالعودة. فقبل أن تنتهي الحرب، باتت نخب اليمين الديني المرتبطة بحكومة الاحتلال تجاهر بأن الخطوة التي يجب أن تلي انتهاء الحرب يجب أن تتمثل في تدشين مستوطنات يهودية على أنقاض مدن ومخيمات اللاجئين في القطاع.[8]

عند هذا الحد، وقبل أن تنتقل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إلى جنوبه (وهو ما تعهدت إسرائيل به على لسان كبار مسؤوليها السياسيين والعسكريين) يؤكد عدد من الجنرالات السابقين، وفي مقدمهم غيورا أيلاند، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية (“أمان”)، ويسرائيل زيف، القائد السابق لـ “فرقة غزة”، أن الهدف القريب الذي ينبغي بهذه الحرب أن تحققه هو التأدية إلى انهيار معقل حماس في شمال القطاع. ويضيفون أنه حتى لو حدث هذا، وربما يحدث قريبًا، فإنه سيشكل “نصف العمل المطلوب”، وذلك في ضوء التقدير الموجود لدى المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأن نصف قوات حماس موجود في الجزء الجنوبي من قطاع غزة. وهذه القوات لم تتعرض للهجوم إلا نادرًا، لذلك هي تحافظ على قدرتها القتالية[9].

جدير بالذكر هنا، أن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي يشير إلى أن لدى حماس 12-15 ألف صاروخ، منها مئات الصواريخ التي تصل إلى مدى يزيد عن 100 كيلومتر، فضلاً عن 20 ألف مقاتل منضوين في جناحها العسكري، كتائب عز الدين القسام، وهو رقم تقديري؛ إذ إن هناك مصادر عربية تتحدث عن وجود 40 ألف مقاتل[10]، وهو ما يشير إلى صعوبة القضاء على قدرات حماس العسكرية، ومن ثم صعوبة احتلال إسرائيل للقطاع.

وحتى إذا تمكن الجيش الإسرائيلي من احتلال كامل قطاع غزة، فهذا لا يعني انتهاء العمليات العسكرية فيه، فقد تستمر المقاومة على شكل عمليات فدائية ضد قوات الجيش الإسرائيلي في القطاع[11]. خاصة أن “حماس” مندمجة بشكل عميق في الحياة الاجتماعية والمدنية في غزة[12]. ما يعني أنها ستقاتل في حاضنة شعبية مساندة، بينما يقاتل الجنود الإسرائيليون في بيئة معادية.

جدير بالذكر هنا، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي شنت خلال الفترة 2003-2023 نحو 33 عملية عسكرية كان فيها قطاع غزة الهدف الرئيس أو الحصري، أبرزها المواجهات العسكرية بين قوى المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي (في الأعوام: 2008/ 2009، و2012، و2014، و2021)، وقد كانت ساحتها الأساسية قطاع غزة المحاصر منذ 17 عامًا. واتسمت تلك المواجهات بأنها “مواجهات غير متناظرة”؛ نظرًا إلى التفاوت في القدرات العسكرية بين الطرفين من ناحية، ونظرًا إلى التكتيكات والاستراتيجيات التي تتبعها قوى المقاومة الفلسطينية في مواجهة القوة الغاشمة لجيش الاحتلال الإسرائيلي من ناحية أخرى. ومع ذلك، لم تستطع إسرائيل المتفوقة عسكريًا (من حيث العدد والعدة والمستوى التكنولوجي) والمدعومة دوليًا (سياسيًّا وإعلاميًّا) في هذه الحروب غير المتكافئة تحقيق نصر عبر حسم المواجهات لمصلحتها، وفشلت في تحقيق الأهداف التي تضعها عند كل مواجهة؛ مثل ضرب البنية التحتية للمقاومة، وإضعاف قدراتها، وردعها عن إطلاق الصواريخ تجاه عمق الأراضي المحتلة، بل إن الأمر على عكس ذلك؛ فقد ازدادت قوة المقاومة الفلسطينية نسبيًّا في قطاع غزة[13].

2- مدي جاهزية الداخل الإسرائيلي لحرب طويلة: يواجه الداخل الإسرائيلي أربعة ضغوطات رئيسية تحد من قدرته على إطالة أمد الحرب على قطاع غزة تتمثل في:

التحدي الأول: عسكريًا: فمنذ الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، لم يخض الجيش الإسرائيلي حربًا في المدن، ولم تتعرض جاهزيته وقدرات قواته البرية للامتحان مع وجود اعتقاد واسع داخل إسرائيل بعدم جاهزيتها[14]؛ ذلك أنه استثمر في العقود الماضية في بناء قوته الجوية والتكنولوجية والاستخباراتية، على حساب قواته البرية التي تراجعت جاهزيتها القتالية، خاصة بعدما تقلصت تدريبات قوات الاحتياط.

لم تكن حالة الجيش الإسرائيلي، لا سيما عدم جاهزية قواته البرية للحرب بما فيه الكفاية وعدم خبرته في حرب المدن، غائبة عن الإدارة الأميركية. وقد أثر موقف الإدارة الأميركية في مناقشات “كابينت” الحرب الإسرائيلي في هذا الشأن. وأرسلت وزارة الدفاع الأميركية الجنرال جيمس جلين والعديد من الجنرالات الأميركيين ذوي التجربة في حرب المدن في العراق، إلى تل أبيب لتقديم الاستشارة العسكرية لقيادة الجيش الإسرائيلي بشأن الهجوم البري على غزة وكيفية تنظيمه وإدارة حرب المدن. وفي ضوء المشاورات مع الجانب الأميركي، قرر كابينت الحرب أن يكون هجوم الجيش الإسرائيلي البري على قطاع غزة تدريجيًا، وأن يسير بحذر شديد وببطء لتقليل الخسائر، ما يطيل أمد الحرب[15].

ناهيك عن أن التطور النوعي الذي ظهرت عليه المقاومة مع بدء عملية “طوفان الأقصى” أصاب الاحتلال بالصدمة والقلق من إمكانيات حماس وبقية الفصائل، فالقفزة الكبيرة في التخطيط وإدارة المعركة والعدة والعتاد، وما وصلت إليه من نهضة في التعاطي سياسيًا وإعلاميًا مع المشهد زاد من وتيرة مخاوف الإسرائيليين من تفاقم الخسائر المحتملة حال الولوج في عملية برية. البعض يخشى من أن تتحول غزة إلى مستنقع لجيش الاحتلال، وبات التساؤل الأبرز الآن: إذا كان الجيش قد فشل في مواجهة قادة حماس على الحدود في المناطق المفتوحة، فكيف له أن يتعامل معهم في أرضهم وعلى مسارح طالما أجادوا فيها وحققوا انتصارات كبيرة؟ خاصة أن الجميع على يقين أن الساحة الميدانية ستكون مختلفة بشكل كبير عن العمليات الجوية. فانتقال المعركة من مواجهات مباشرة إلى حرب شوارع، سيدفع الكفة للميل نحو المقاومة التي تجيد مثل هذا النوع من المعارك مقارنة بالاحتلال غير المتمرس لتلك المواجهات، ما يعني خسائر فادحة قد يتعرض لها حين يقع بين كماشة المقاومة التي من المتوقع أن تكون على أهبة الاستعداد لتلك الخطوة المعلن عنها مبكرًا.

وهنا تتصاعد المخاوف لدى الجنرالات في دولة الاحتلال من أن تكون الخسائر في المعدات والجنود خلال العملية البرية أكبر مما يتحمله الرأي العام الإسرائيلي[16]. فضلًا عن أنه رغم تقدم الجيش الإسرائيلي بريًا داخل قطاع غزة وما نتج عنه من خسائر، إلا أنه لم ينجح في تحقيق أي من أهداف الحرب سواء فيما يتعلق بتحرير المحتجزين لدي حماس، أو تدمير المراكز العسكرية للمقاومة الفلسطينية، أو تدمير الأنفاق أو مراكز تخزين الصواريخ[17].

ولعل ذلك ما يفسر تراجع حديث قادة الاحتلال الذي ظهر في بداية الحرب الإسرائيلية عن إنهاء حركة حماس وقدرات كتائب القسام العسكرية بالكامل، وأصبح الحديث الآن عن هدف كسر قدراتها ومنعها من الهجوم مستقبلًا على “إسرائيل”[18].

التحدي الثاني: سياسيًا: رغم تشكيل نتنياهو لحكومة الطوارئ، ثم مجلس الحرب، وقدرته على تجميع مختلف أطياف الحلبة الحزبية والسياسية في “كابينت” عسكري واحد، إلا أن ذلك لم يمنع من ظهور تباينات بين أعضائه، لاسيما والحديث يدور بين فرقاء من مختلف أحزاب الائتلاف والمعارضة[19]. وقد بدأت الخلافات في الظهور تباعًا، ابتداءً بمن يتحمل مسئولية حالة الفشل التي وقعت في 7 أكتوبر، ومرورًا بالخلاف حول جدوي العملية البرية، وانتهاءً بالخلاف حول ملف الأسرى. وهو ما يمكن توضيحه كما يلي:

أ- الخلاف حول من يتحمل مسئولية فشل 7 أكتوبر: ففي حين أعلن قادة المؤسسة العسكرية والأمنية، بما في ذلك رئيس أركان الجيش الإسرائيلي ورئيس الاستخبارات العسكرية (أمان) ورئيس المخابرات العامة (الشاباك) ورئيس الموساد وقائد سلاح الجو، مسؤوليتهم عن الفشل، فإن نتنياهو رفض تحمل المسؤولية، واكتفى بالتصريح بعد مرور 18 يومًا من بداية الحرب، قائلًا: “الجميع يجب أن يجيبوا عن الأسئلة، وأنا أيضًا، ولكن هذا يحدث بعد الحرب”[20].

وقد تصاعد الجدل عقب قيام نتنياهو، في 28 أكتوبر عقب اجتماع مع مجلس الحرب، بنشر تغريدة على موقع إكس، قال فيها إنه لم يتم تحذيره “تحت أي ظرف من الظروف، وفي أي مرحلة بشأن وجود نوايا حرب من جانب حماس”. وأضاف “على العكس من ذلك، قدر جميع المسؤولين الأمنيين، بمن فيهم رئيس مجلس الأمن (القومي) ورئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) أن حماس ارتدعت ومعنية بالتسوية”. وأكد نتنياهو أن “هذا هو التقييم الذي تم تقديمه مرارًا وتكرارًا إلى رئيس الوزراء ومجلس الوزراء المصغر للشؤون الأمنية والسياسية من جانب جميع أفرع الأمن وأجهزة الاستخبارات، بما في ذلك حتى اندلاع الحرب”.

وقد أثارت هذه التغريدة العديد من الانتقادات، وجاءت أبرزها من عضو مجلس الحرب بيني غانتس وهو عضو حكومة الطوارئ ووزير الدفاع السابق، إذ دعا نتنياهو إلى التراجع عن تصريحاته والامتناع عن أي إجراء أو تصريح آخر “يضر بقدرة الشعب على الصمود”. وأضاف غانتس -في منشور على موقع إكس- أنه “عندما نكون في حالة حرب، فإن القيادة يجب أن تتحلى بالمسؤولية، وتقرر القيام بالأمور الصائبة وتعزيز القوات بما يمكنها من تحقيق ما نطلبه منها”.

من جهته، كتب زعيم المعارضة رئيس حزب “هناك مستقبل” يائير لبيد أن “نتنياهو تجاوز الخط الأحمر، فبينما يقاتل جنود الجيش الإسرائيلي وقادته ببسالة ضد حماس وحزب الله، يحاول هو إلقاء اللوم عليهما بدلا من دعمهما”. وتابع “محاولات التنصل من المسؤولية وإلقاء اللوم على المؤسسة الأمنية تضعف الجيش الإسرائيلي أثناء قتاله أعداء إسرائيل. وعلى نتنياهو أن يعتذر عن كلامه”.

وعقب تصاعد هذه الانتقادات، اضطر نتنياهو للاعتذار بعدما نشر تغريدة يلقي فيها باللائمة على أجهزة الأمن والمخابرات. وقال نتنياهو، في 29 أكتوبر، في بيان “لقد أخطأت، وما قلته بعد المؤتمر الصحفي (لقادة مجلس الحرب في 28 أكتوبر) كان ينبغي ألا يقال، وأعتذر عنه”. وتابع “أعطي الدعم الكامل لجميع رؤساء الأذرع الأمنية. أساند رئيس الأركان وقادة وجنود الجيش الموجودين على الجبهة، ويقاتلون من أجل الوطن. معا سوف ننتصر”[21].

ولا تزال أغلبية المجتمع الإسرائيلي تحمل نتنياهو وحكومته مسؤولية التقصير والفشل، اللذين حدثا في 7 أكتوبر، ثم إخفاقها في التعامل مع نتائج عملية طوفان الأقصى في مختلف المجالات: مثل التلكؤ في الوصول إلى القتلى والجرحى الإسرائيليين، وعدم القدرة على التعرف على أسمائهم، والتخبط في تحديد عدد الأسرى والمفقودين الإسرائيليين، والتأخر في تقديم المساعدات، لا سيما الاقتصادية للكيبوتسات والبلدات التي تعرضت للهجوم، والواقعة في محاذاة غزة.

فما إن اتضح حجم الخسائر الإسرائيلية في صفوف العسكريين والمدنيين، وظهرت مختلف أشكال تقصير حكومة نتنياهو، حتى انبرى المحللون المختصون، ولا سيما من كبار الضباط العسكريين المتقاعدين، في القنوات التلفزيونية الإسرائيلية الأساسية وفي وسائل الإعلام الأخرى، ليوجهوا النقد للحكومة ولنتنياهو، وحملوه مسؤولية التقصير والفشل، في مواجهة عملية طوفان الأقصى، وفي التعامل مع نتائجها. وقد ربط كثير من المحللين المختصين، ولا سيما من كبار ضباط العسكريين المتقاعدين، بين الانقلاب القضائي الذي قادته حكومة نتنياهو والفشل الكبير، في 7 أكتوبر. وركز هؤلاء المحللون على التحذيرات التي وجهها قادة المؤسسة العسكرية والأمنية لنتنياهو من مخاطر الانقلاب القضائي على المؤسستين العسكرية والأمنية، وعلى رفضه هذه التحذيرات، وحملوه هو وحكومته المسؤولية، وطالبه بعضهم بالاستقالة فورًا، قبل انتهاء الحرب[22].

وقد وصل الأمر إلى حد تلويح ثلاثة وزراء بالاستقالة للضغط على نتنياهو لدفعه لتحمل مسؤوليته عن عملية “طوفان الأقصى” والضربة المؤلمة التي تعرضت لها دولة الاحتلال، في ظل إصراره على التنصل من المسؤولية التي ألقاها في ملعب المنظومة الأمنية، فيما وصفه أحد الوزراء بـ”الجبان” حسب موقع “والا” العبري[23].

ومن جانب آخر، فعلي الرغم من أن الاحتلال يعتبر هذه الحرب “حرب الأمة”، لكن ذلك لا يعني اختفاء التطلعات الحزبية والشخصية للقيادات، وبالتالي سيكون كل واحد من أعضاء حكومة الطوارئ ومجلس الحرب: نتنياهو وغالانت وغانتس وآيزنكوت، معنيًا بأن يترجم ما يعتبرها “إنجازاته” العسكرية في غزة إلى زيادة شعبيته في الرأي العام الإسرائيلي. وليس أدل على ذلك مما حققه حزب “المعسكر الوطني” برئاسة غانتس من قفزة في تأييد الإسرائيليين بحصوله على 41 مقعدًا في “الكنيست” إذا ما حصلت انتخابات اليوم. أما الليكود برئاسة نتنياهو، فقد تهاوى إلى 19 مقعدًا بسبب تحميل الإسرائيليين له مسئولية الإخفاق العسكري. فيما حزب “يوجد مستقبل” برئاسة زعيم المعارضة لابيد، فقد تدهور إلى 15 مقعدًا، لأنه رفض الانضمام لحكومة الطوارئ، مما جعل الإسرائيليين يعتبرونه فضل مصالحه الشخصية والحزبية على مصلحة الدولة[24]. وفي استطلاعات الرأي الإسرائيلية؛ ففي الإجابة عن سؤال: “من الأفضل والأكثر ملاءمة لمنصب رئيس الحكومة نتنياهو أم غانتس؟”، أجاب 48 في المئة أن غانتس هو الأفضل مقابل 29 في المئة لنتنياهو[25].

وفي ضوء ذلك فربما يرغب نتنياهو في إطالة أمد الحرب؛ من أجل تحقيق بعض الإنجازات في هذه الحرب قد تساهم في وقف تراجع شعبيته، ومسيرته السياسية.

ب- الخلاف حول العملية البرية: رغم أن قرار شن عملية برية تم حسمه من حيث المبدأ لكنه شهد تصاعدًا كبيرًا في الخلافات بين الجنرالات والساسة داخل حكومة الحرب بشأن التقييمات والخطط الخاصة بالعملية، ففريق يرى ضرورة القيام بها في أسرع وقت حتى لا تفقد الحرب قيمتها وتمنح المقاومة متنفسًا لترتيب أوراقها مجددًا، وآخر يتحفظ خشية التورط في مستنقع لا يمكن الخروج منه. وتشير العديد من التسريبات الإعلامية إلى تفاقم حالة فقدان الثقة بين ساسة الحكومة وجنرالاتها، وهو الأمر الذي انعكس بشكل كبير على الأداء العام والفشل في اتخاذ موقف موحد حاسم بشأن العملية البرية، سواء من حيث الاستعدادات وتقييم تداعياتها أم توقيتها[26].

وفي هذا السياق؛ تحدثت العديد من التقارير إلي أن هناك عدم ثقة وتوتر بين نتنياهو وقادة المؤسسة العسكرية والأمنية، فلم يعد نتنياهو يقبل تلقائيًا، كما كان متبعًا في السابق، الخطط العسكرية التي يقدمها رئيس الأركان والمؤسسة العسكرية. وزادت اجتماعاته مع كبار القادة العسكريين والمتقاعدين للتشاور معهم في الخطط العسكرية، ومن بينهم الجنرال يتسحاق بريك، ورئيس أركان الجيش الأسبق غابي أشكنازي. ففي سياق الاستعدادات للهجوم البري على غزة، اجتمع نتنياهو في الأسبوعين الأخيرين مع الجنرال بريك مرتين، في إشارة إلى عدم ثقته برئيس أركان الجيش الإسرائيلي والمؤسسة العسكرية. وقد حذر بريك نتنياهو من مخاطر شن الجيش الإسرائيلي الهجوم البري ونصحه بالتريث، لاعتقاده بأن سلاح المشاة والقوات البرية عمومًا غير جاهزين للحرب، ودعاه إلى قصف قطاع غزة من الجو والبر والبحر أطول فترة ممكنة. وأضاف أن الهجوم البري على غزة قد يقود إلى قيام حزب الله بشن حرب شاملة ضد إسرائيل؛ ما سيكبدها خسائر فادحة؛ لأنه، وفق بريك، في إمكان حزب الله قصف إسرائيل بنحو 5000 صاروخ في اليوم؛ ما يلحق أضرارًا جسيمة بها تقترب من حجم الأضرار التي يلحقها الجيش الإسرائيلي بلبنان.

وإلى جانب الخلاف بين نتنياهو والمؤسسة العسكرية بقيادة رئيس الأركان هرتسي هليفي، تصاعد الخلاف بين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت منذ السابع من أكتوبر في ما يتعلق بالمسؤولية عن الفشل وأولويات الحرب، ورفض نتنياهو طلب غالانت بمهاجمة حزب الله. وتعود خلفية الصراع بينهما إلى مارس 2023 عندما أقال نتنياهو غالانت من منصبه بسبب طلب الأخير تجميد الانقلاب القضائي لتأثيراته السلبية في الجيش، واضطر نتنياهو إلى التراجع عن إقالته بضغط من حركة الاحتجاج والرأي العام الإسرائيلي.

وعلى خلفية تصاعد الخلاف بين الطرفين، رفض مكتب نتنياهو السماح لغالانت بالدخول إلى المكتب للاجتماع بنتنياهو من أجل بحث مواضيع عسكرية؛ ما يدل على عدم ثقته به، في حين اجتمع الأخير مع غابي أشكنازي، الذي تسود علاقات عدائية بينه وبين غالانت، وتشاور معه بشأن الحرب والعمليات العسكرية ضد غزة، وحاول استقطابه للمشاركة في إدارة الحرب[27].

ج- الخلاف حول ملف الأسرى: ظهر الخلاف بداية بين من يري ضرورة جعل ملف الأسري أولوية على أجندة أعمال الحكومة، وضرورة السعي للإفراج عنهم قبل شن العملية البرية. حيث يعتقد المؤيدون لهذا الرأي، أن دولة إسرائيل ملزمة ببذل كل ما في وسعها لتحرير جنودها ومواطنيها من الأسر. هذا الالتزام مستمد من مسؤولية الدولة التي أرسلت أبناءها للقتال، وهي قضية لها أبعاد معنوية غاية في الأهمية على باقي الجنود والذين في حال أنهم لم يشعروا أن الدولة ستهتم بمصيرهم أيًا كان فإن دافعيتهم للقتال في المستقبل ستكون متدنية[28].

في مقابل هذا التوجه، كانت الأصوات الغالبة داخل الحكومة الإسرائيلية تدور حول ضرورة تجاهل ملف الأسري وعدم جعله عقبة أمام تنفيذ الحرب الإسرائيلية ضد حماس، وبالتالي اسقاط هدف تحرير هؤلاء الأسرى من حسابات الحرب. وانطلق هذا التوجه من حجم الخسائر المهولة التي حدثت في 7 أكتوبر والتي تشمل إخلاء أكثر من 20 مستوطنة في محيط القطاع، وتدمير أجزاء واسعة منها، ووقوع أكثر من 1400 قتيل، بالإضافة إلى الخطاب العام الذي يصور الهجوم على أنه حلقة من حلقات الهولوكوست، والشعور العام الذي أكده رئيس الحكومة الإسرائيلية بأن الحرب الحالية هي مسألة وجودية. وبالتالي، وفقًا لهذا الرأي، فإنه رغم قدسية قضية الأسري بالنسبة للعديد من الإسرائيليين، فالمسألة الوجودية، كما يراها الإسرائيليون، تعتبر مقدسة بدرجات أعلي[29].

كما انطلق هذا التوجه من ضرورة تفعيل “توجيه هانيبال” أو “بروتوكول هانيبال”، صيغ هذا التوجيه عام 1986 وتم تعديله في عام 2017 ليصبح أكثر صرامة، وهو التوجيه الذي يطالب الجيش باستخدام القوة المفرطة لمنع أي جندي من الوقوع في الأسر، حتى إذا استدعى الأمر إطلاق النار بكثافة تجاه الأراضي الإسرائيلية في حالة وقوع عملية الاحتجاز بها، وليس فقط في الضفة الغربية أو قطاع غزة. استنادًا إلي مقولة: “الجندي القتيل أفضل من الجندي الأسير”[30].

كذلك، فقد رأت الحكومة الإسرائيلية أن ملف الأسري (خاصة الأجانب) يمثل ثغرة أو عامل ضغط ضد حماس، للأسباب الآتية:

  • قد يكون احتجاز أجانب لدى حماس سببًا قويًا للدعم المبالغ فيه من القوى الدولية على المستوى الرسمي لإسرائيل. ومن المرجح أن يكون ملف الأسرى، هو واحد من أهم العوامل التي أدت لتدخل رسمي من قبل الولايات المتحدة، التي أرسلت قوات “دلتا” الخاصة المعنية بتحرير الرهائن إلى إسرائيل، من أجل المساعدة في إطلاق سراحهم، بالتزامن مع تعهد الرئيس الأمريكي بتحرير الرهائن، وبعد تصريحات للمتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي عن مقتل 22 أمريكيًا، وأن هناك 17 آخرين في عداد المفقودين.
  • وجود عدد كبير من الأسرى لدى حماس قد يكون مبرر تقدمه إسرائيل لقصف المواقع المدنية في غزة، حتى أن إسرائيل ربطت التراجع عن قرار قطع المياه والكهرباء عن القطاع، بل ووصول المساعدات، بعودة هؤلاء الأسرى، بما يمثل عامل ضغط على حماس.
  • تلعب إسرائيل على ملل حماس من رعاية بعض الأسرى الكبار في السن والسيدات والأطفال، لأنهم من ناحية يحرجون حماس أمام المجتمع الدولي، ومن ناحية أخرى تتطلب رعاية مثل هؤلاء تكلفة وجهد في ظل الإمكانات المحدودة، وفي وقت تحاول فيه حماس إبقاء أماكنهم سرية قدر المستطاع.
  • من المرجح أنه كلما استمرت الهجمات الإسرائيلية الوحشية على القطاع، قد تخور قوى حماس وتضطر للتفاوض، أضف إلى ذلك أن الرهائن قد يكون غير محصنين بالقدر الكافي من الضربات الجوية الإسرائيلية في ظل تواجدهم في أماكن غير معلومة، وبالتالي في حالة فقدان أي أسير فتفقد حماس ورقة تفاوضية لديها[31].

ومع مرور الوقت، وفي ظل ضغط أهالي الأسري، أخذت قضية الأسري مكانة متقدمة في أولويات الحكومة الإسرائيلية، وأصبح الحديث يدور حول أن تحرير هؤلاء الأسري هدفًا من أهداف الحرب الجارية. ولكن ذلك لم يمنع من حدوث خلافات داخل الحكومة، حيث ظهر  توجهان في إسرائيل حول كيفية التعامل مع ملف الرهائن والأسري لدى حماس، والتي تقدر بحوالي 220 أسيرًا ورهينة:

التوجه الأول، ينطلق من أنه لا يمكن تحرير الأسرى من دون عقد صفقة تبادل مع حركة حماس. حيث يعتقد كثير من الخبراء أنه لا يمكن إرجاع جميع أو أغلب الإسرائيليين لدى الفصائل الفلسطينية بعمل عسكري. وتذهب تقديرات إسرائيلية إلى التأكيد أن إسرائيل لا تستطيع تحقيق مطلبين يوجد حولهما إجماع إسرائيلي في الوقت نفسه، أي إسقاط حكم حماس في غزة وإعادة جميع الأسرى والرهائن، ففي النهاية فإن تحقق أحدهما سيكون على حساب الآخر.

أما التوجه الثاني، وهو التوجه المتبني رسميًا من قبل الحكومة الإسرائيلية، فينطلق من أن الضغط العسكري على حركة حماس وقطاع غزة هو الحل لإطلاق سراح الأسرى والرهائن لدى حماس، ومن دون دفع ثمن كبير متمثل بإطلاق سراح أسرى فلسطينيين، مما يعد نصرًا كبيرًا لحركة حماس. خاصة وأن صفقة تبادل الأسرى الأخيرة (صفقة شاليط) تعد واحدة من الصفقات التي ينظر إليها بأنها التي ساهمت في تعزيز قوة حماس، فأغلب قيادات حماس المهمة خرجت من السجون الإسرائيلية ضمن صفقة شاليط، لاسيما يحيى السنوار وصالح العاروري.

كما أن صفقة تبادل أسرى قد تعني وقفًا لإطلاق النار، وهو أمر ترفضه إسرائيل قبل أن تنجز أهدافها العسكرية، أو على الأقل لن تقبل به في هذه المرحلة، بل تريد تكثيف الضغط على حركة حماس خدمة لأهدافها العسكرية العملياتية، وترى أن وقفًا لإطلاق النار أو هدنة حتى لو كانت قصيرة تخدم حركة حماس على المستوى العسكري.

ويرى الجيش الإسرائيلي أن نشر فيديوهات الإسرائيليين لدى حماس يدل على الضغط الذي تواجهه الحركة من العمليات العسكرية الإسرائيلية، وسعيها للتأثير في الرأي العام الإسرائيلي من أجل وقف العمليات أو الذهاب إلى هدنة[32].

د- الخلاف حول مستقبل غزة: يشهد الداخل الإسرائيلي حالة من الانقسام حول مستقبل قطاع غزة، خاصة بين أعضاء حكومة الطوارئ الإسرائيلية التي تشكلت في 11 أكتوبر 2023، وأعضاء مجلس الحرب المصغر. فمن ناحية، يسعى أعضاء الائتلاف اليميني المتطرف إلى رفع سقف طموحات قاعدة ناخبيهم من اليمين الديني المتطرف، بربط بنك أهداف العملية العسكرية التي تقوم بها إسرائيل ضد القطاع بإعادة احتلاله وإعادته إلى وضع ما قبل عام 2005 واستئناف بناء المستوطنات، وهو ما ترفضه المؤسسات الأمنية، وبعض أعضاء مجلس الحرب، حيث بدا وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت وكأنه يقترح العكس تمامًا فيما يتصل بالإدارة المستقبلية لغزة، حيث أشار إلى أنه يتعين على إسرائيل، بعد انتهاء القتال في غزة، أن تنهي مشاركتها في المسئولية عن الحياة في القطاع، وهو ما يجعله أقرب للرؤى الغربية منه إلى الرؤية الإسرائيلية فيما يتعلق بالوجود الإسرائيلي الأمني المباشر داخل القطاع[33].

وفي حين يؤكد نتنياهو علي أنه لا مكان للسلطة في مستقبل غزة؛ بدعوي أن رئيسها (محمود عباس) لم يدن ما حدث في 7 أكتوبر، وسلطته تدفع رواتب للأسرى وعائلات الشهداء الفلسطينيين، وتحافظ على مناهج مدرسية معادية لإسرائيل، وتبث التحريض في وسائل الإعلام، وتلاحق إسرائيل دوليًا عبر مؤسسات الأمم المتحدة والمحاكم الدولية. في المقابل؛ فإن المواقف التي يطرحها بيني غانتس تتسع لعودة السلطة الفلسطينية، ولكن بعد إعادة تأهيلها حتى تتجاوز العجز والضعف الذي تعاني منه، وأدى إلى خسارتها غزة، وضعف سيطرتها على مناطق عدة في الضفة، وهذا الموقف بشأن الموافقة المحتملة على عودة السلطة إلى قطاع غزة يتوافق مع موقف الإدارة الأميركية وأوروبا والمجتمع الدولي، وهنا يتردد في أروقة الحكم والقرار في واشنطن وتل أبيب بأن الرئيس محمود عباس ليس الشخص المناسب لقيادة المرحلة الجديدة، وأن المطلوب شخص شاب أو أقل عمرًا قادر على تنفيذ المطلوب منه، لذا فإنهم يبحثون حاليًا عن قائد أو قيادات المرحلة الجديدة[34].

ه- إقرار ميزانية للحرب: صدقت الحكومة الإسرائيلية على موازنة ملحقة “غير مسبوقة” بقيمة 8 مليارات دولار لتلبية احتياجات حربها على قطاع غزة. وقالت هيئة البث الإسرائيلية، في 28 نوفمبر 2023: “صدقت الحكومة على ميزانية جديدة للدولة بمبلغ ثلاثين مليار شيكل حتى نهاية العام الحالي، لتمويل نفقات الحرب”. وذكرت أن حزب “الوحدة الوطنية” برئاسة الوزير في المجلس الوزاري الحربي بيني غانتس، عارض الميزانية. وأشارت إلى أن الوزيرين في حزب “الليكود” نير بركات وأوفير أكونيس، لم يدعما الميزانية، أيضًا.

وأوضحت الهيئة أن المحتجين على الميزانية يعارضون استمرار صرف الأموال لمشاريع وخطط الأحزاب المشاركة بالحكومة على حساب تكاليف الحرب. وبالتزامن مع الحرب في غزة، صرح وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، بأن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ستعزز الاستيطان في الضفة الغربية[35].

التحدي الثالث: اقتصاديًا: يعد الاقتصاد الإسرائيلي من الاقتصادات الصلبة بنيويًّا، ويصنف ضمن الاقتصادات المتقدمة في المنطقة. ويمتلك هذا الاقتصاد قاعدة خدمية، وقاعدة صناعية كبيرة، وقاعدة زراعية على نطاق أضيق، تعتمد جميعها على تكنولوجيا متقدمة. وعلى الرغم من القوة البنيوية من جهة، والدعم الكبير الذي تلقته إسرائيل من المعسكر الغربي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الأوروبيين من جهة أخرى بعد الضربة العسكرية الموجعة في 7 أكتوبر، فإن هذين العاملين لم يمنعا من وقوع خسائر كبيرة في الاقتصاد الإسرائيلي[36]. وهو ما يمكن توضيحه كما يلي:

– القوي العاملة: تعتمد البنية العسكرية للاحتلال الإسرائيلي، على وجود قوة احتياطية مدربة وجاهزة للانخراط في صفوف الجيش عند اندلاع الحروب. وفي حالات السلم يكون الهدف من هذه الفئة، هو سد الفجوة في متطلبات القوى البشرية في سوق العمل، وتعزيز العنصر الوظيفي والمهني. وبحسب تقرير لبلومبرغ، فقد استدعت حكومة الاحتلال 360 ألف من قوات الاحتياط، لتنضم للقوة النظامية التي يبلغ قوامها 150 ألف جندي، وتشكل هذه القوة الاحتياطية 8% من القوى العاملة من موظفين وعاملين بالاقتصاد الإسرائيلي، تركوا وظائفهم وخلفوا وراءهم الكثير من الخسائر في القطاعات الاقتصادية المختلفة نظرًا لتعطل العمل فيها. هذا فضلًا عن الأعمال التي كان يقوم بها عمال فلسطينيون، الذين يبلغ عددهم حوالي 164 ألف عامل مع نهاية الربع الثاني من عام 2023، منهم حوالي 4 آلاف عامل من قطاع غزة، الأمر الذي أدى إلى حدوث أزمة عمالة في مختلف قطاعات الاقتصاد الإسرائيلي، إذ يبلغ عدد العمال الفلسطينيين في قطاع البناء الإسرائيلي أكثر من 100 ألف عامل، وفي قطاع الزراعة حوالي 11 ألفًا، وفي قطاع الصناعة حوالي 23 ألفًا، مما دفع وزير اقتصاد الاحتلال للحديث عن نيته استقطاب 160 ألف عامل من الخارج ليحلوا محل العمالة الفلسطينية[37].

– العملة: تعد العملة الإسرائيلية (الشيكل)، التي كانت ترزح تحت وطأة الضغوط المرتبطة بأزمة “الإصلاحات القضائية”، والاحتجاجات التي أعقبتها منذ بداية العام الجاري (2023)، الأكثر تأثرًا بهجوم 7 أكتوبر. فمنذ اندلاع الأزمة فقد الشيكل أكثر من 5 في المئة من قيمته الدولارية، وبلغ أدنى مستوياته في ثماني سنوات، على الرغم من التدخل المباشر لبنك إسرائيل (البنك المركزي) وضخه لنحو 30 مليار دولار لاحتواء الطلب المتزايد على الدولار والحيلولة دون تدهور أكبر لسعر صرف الشيكل. فتراجع سعر صرف الشيكل على نحو متسارع من شأنه تشكيل ضغوط تضخمية إضافية إلى الصدمة التي تلقتها سلسلة الإنتاج وما سينجم عنها من ارتفاع في تكلفة الشحن والتأمين على المستوردات. وفي حال إخفاق السلطات الإسرائيلية في احتواء التضخم، فإن اختلالات معيشية قد تترتب على ذلك؛ ما قد تدفع، إلى جانب الضغوط الأمنية، إلى زعزعة دعم الرأي العام الإسرائيلي لأجندة الحكومة العسكرية والسياسية.

– التكاليف العسكرية: وفقًا لوزير المالية الإسرائيلي تقترب التكلفة المالية للعملية العسكرية التي تقوم بها إسرائيل ضد قطاع غزة من 250 مليون دولار أميركي يوميًّا، أي نحو 1.75 مليار دولار أسبوعيًّا، ونحو 7.5 مليار دولار شهريًّا؛ أي نحو 1.5 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي[38]. فيما قال محافظ بنك إسرائيل (البنك المركزي) أمير يارون، إن الحرب القائمة في قطاع غزة والتوترات في الشمال قد تكلف ما نسبته 10% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وأن هذا يشمل النفقات المباشرة المرتبطة بالعمليات العسكرية وجهود الإعمار”. وتتوافق تقديرات محافظ بنك إسرائيل مع تقديرات نُشرت خلال في أوائل شهر نوفمبر 2023، عن المجلس الاقتصادي الوطني الإسرائيلي، الذي أشار إلى أن كُلفة الحرب قد تصل إلى 200 مليار شيكل (54 مليار دولار)[39]. وإدراكًا من الولايات المتحدة لطبيعة التحديات المالية التي تواجه حليفتها إسرائيل، سارعت إلى الإعلان عن حزمة مساعدات عاجلة لتمكينها من المضي قدمًا بعمليتها العسكرية ضد قطاع غزة؛ إذ تقدم الرئيس الأميركي جو بايدن للكونغرس بمشروع تمويل عاجل لإسرائيل قيمته 14.3 مليار دولار، بوصفه جزءًا من رزمة تمويل أوسع يشمل أوكرانيا وتايوان أيضًا. وعلى الأرجح، لن يكون حجم الدعم المالي الكبير الذي حشد لهذا العدوان كافيًا لضمان قدرة الخزينة العامة الإسرائيلية على التكيف مع متطلبات الحملة العسكرية، بما في ذلك التكلفة المرتبطة باستدعاء نحو 360 ألفًا من جنود الاحتياط، والبرامج المحتمل الشروع في تنفيذها لتعويض خسائر الشركات والمؤسسات الكبيرة، والمشاريع الصغيرة والمتوسطة أيضًا، عن توقف أعمالها ونقصان مداخيلها من جراء التبعات الميدانية للعملية العسكرية، وغيرها من البرامج التكيفية.

– السياحة: فالسياحة، وما يرتبط بها من خدمات، وهي تُعد رافدًا مهمًّا من روافد الاقتصاد الإسرائيلي وميزانيته العامة بناتج إجمالي يبلغ نحو 7.7 مليار دولار، قد تعرضت لشلل كامل، ذلك أن المعطيات تشير إلى إلغاء كل الحجوزات تقريبًا في الفنادق والمنشآت السياحية، في حين يجري استخدام نصف طاقتها الاستيعابية حتى الآن في إيواء عائلات جرى إجلاؤها من مناطق ومستعمرات قريبة من الحدود مع غزة، ومن المرجح أن تصل إلى ثلاثة أرباع هذه الطاقة الاستيعابية في ضوء خطة إجلاء سكان المدن والبلدات على الحدود اللبنانية، وهذه تكاليف إضافية ستتحملها ميزانية دولة الاحتلال، وستساهم في اتساع فجوتها التمويلية. ولا يختلف الحال كثيرًا بالنسبة إلى قطاع النقل، والنقل الجوي على وجه الخصوص؛ إذ أعلنت مجموعة من خطوط الطيران العالمية تعليق رحلاتها إلى إسرائيل، وأصبح دور النقل الجوي المدني ينحصر في إجلاء الرعايا الأجانب والإسرائيليين الفارين من الحرب. وعلى إثر ذلك، تراجع سعر سهم شركة طيران “إل عال” بنسبة 19 في المئة منذ أن بدأت عملية طوفان الأقصى.

– الاستثمارات: يتوقع أن يكون لحالة عدم اليقين تأثيرات سلبية ملحوظة على تموضع المستوطنات وقاطنيها من المستوطنين، والاستثمارات بمختلف أشكالها، في المناطق الجنوبية المتاخمة لقطاع غزة والمناطق الشمالية المتاخمة للحدود مع لبنان؛ ما يؤدي إلى دفع السكان إلى التمركز في الوسط، وتفاقم الأزمة العقارية والسكانية وارتفاع تكاليفها. وستجد الحكومة نفسها مضطرة إلى تقديم حزم تحفيزية واسعة لإقناع المستثمرين والأفراد بالتوجه إلى الإقامة والاستثمار في المناطق الحدودية، وهو ما ستنجم عنه ضغوط طويلة الأمد على ميزانيتها العامة[40].

– الصادرات: بعد هزيمة إسرائيل في 7 أكتوبر، يرجح أن تتراجع الثقة بصناعاتها العسكرية التي تتصدر قائمة صادراتها، وذلك بعد أن فشلت منظومتها الاستخبارية والدفاعية في منع الهجوم الذي باغتها باستخدام تقنيات هجوم فلسطينية محلية الصنع[41].

– الطاقة: منذ التاسع من أكتوبر، تم تعليق إنتاج الغاز في حقل تمارا، وهو يشكل ثاني أكبر حقل بحري لدى الاحتلال، وتقدر احتياطاته بـ 280 مليار متر مكعب، ويوفر 70% من احتياجات الطاقة الإسرائيلية. وبحسب تقرير لرويترز، فقد ورد حقل تمارا العام الماضي 8.7 مليار متر مكعب إلى السوق الإسرائيلية، وصدر 1.57 مليار متر مكعب إلى مصر والأردن. وقد أدى تعليق إنتاج الغاز في هذا الحقل، إلى خفض صادرات الاحتلال من الغاز الطبيعي بنسبة 70%، وتقدر خسائر هذا التعليق، بحوالي 201 مليون دولار، مما جعل الاحتلال يلجأ إلى مصادر وقود أكثر تكلفة، فقد أظهر تقرير لبلومبرغ بأن ناقلة نفط كانت تحمل مليون برميل من النفط، وصلت الاحتلال قادمة من أذربيجان، واللافت للنظر أن هذه القافلة التفت عبر قناة السويس ثم للخليج العربي حتى وصلت لميناء إيلات، بدلًا من أن تسلك الطريق المختصر إلى ميناء عسقلان، وجاء ذلك في سياق التدابير الأمنية التي يتخذها الاحتلال، مما يزيد من التكلفة التي يتكبدها في نقل النفط.

– قطاع الزراعة: أما قطاع الزراعة، الذي رفد الإنتاج المحلي للاحتلال خلال العام الماضي بـ 4.7 مليار دولار بالأسعار الثابتة، فقد سجل أيضًا خسائر وتباطؤًا مع اندلاع الأحداث، كان أبرزها متركزًا في مستوطنات غلاف غزة، التي تشتهر بخصوبة أراضيها، وتحتوي على مزارع لتربية الدواجن والمواشي، إذ توفر هذه المناطق 75% من خضروات الاحتلال، وحوالي 20% من الفواكه، و 6.5% من الحليب، مما اضطر الاحتلال للبحث عن بدائل أخرى، واستيراد حاجة السوق المحلي من الخارج؛ خوفًا من حدوث نقص حاد في المواد الاستهلاكية في السوق الإسرائيلية، وهذا بالتأكيد يرفع التكلفة الاقتصادية على حكومة الاحتلال، ويكبدها خسائر كانت في غنى عنها. يُضاف إلى ذلك التعويضات التي ستضطر الحكومة لدفعها للمزارعين وأصحاب المشاريع في مناطق غلاف غزة، بعد أن خسروا مشاريعهم، وتعطلت أعمالهم، وفقدوا دخلهم منذ بدء الأحداث[42].

التحدي الرابع: اجتماعيًا: تواجه الحكومة الإسرائيلية ضغطًا اجتماعيًا هائلًا في أربعة ملفات رئيسية تتمثل في:

الملف الأول؛ ملف الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية، حيث تواجه الحكومة الإسرائيلية ضغطًا كبيرًا في هذا الملف ناجمًا عن ثلاثة عوامل رئيسية، هي:

العامل الأول؛ منذ بداية الحرب علي غزة، ينظم أهالي الأسري مظاهرات متواصلة، كانت إحداها أمام مقر إقامة رئيس الوزراء الإسرائيلي، وأصبحت هذه المظاهرات أكثر زخمًا؛ حيث أصبح يشارك بها الآلاف من الإسرائيليين. وقد جاءت هذه المظاهرات بعدما شعر أهالي الأسري بأن الحكومة الإسرائيلية لا تلقي للأسري بالًا في ظل إعلان حماس عن مقتل العشرات منهم تحت القصف الإسرائيلي العشوائي، وفي ظل ظهور بعض من مقاطع الفيديو للمحتجزين لدى حماس يوجهون الرسائل لنتنياهو بأنه يجب عليه إيقاف الحرب، وأن الشعب الإسرائيلي يدفع الضرائب سنويًا للدولة لكنه يجد بالمقابل إهمالًا في حماية حياتهم وعدم تحمل المسؤلية تجاههم[43].

العامل الثاني؛ أن من بين الأسري؛ أمريكيين وجنسيات أخرى غير الإسرائيلية، وهو ما يمثل ضغطًا دوليًا على حكومة الحرب. وفي هذا السياق؛ طلبت الولايات المتحدة الأمريكية من الحكومة الإسرائيلية تأجيل العملية البرية لمحاولة بذل المزيد من الجهود الدبلوماسية للإفراج عن الرهائن وعلى رأسهم حملة الجنسية الأمريكية[44].

العامل الثالث؛ أنه رغم استمرار الحرب لما يقارب الشهرين، إلا أن الجيش الإسرائيلي لم يتمكن من إحراز أي تقدم في ملف الأسري ولم ينجح في تحرير أي أسير؛ ما يعني أن الأداة العسكرية لن تحقق أي تقدم في هذا الملف، بل أنها تؤدي فقط إلى قتل هؤلاء الأسرى. وبناء عليه، ظهر تأييد واسع في صفوف المجتمع الإسرائيلي لعقد صفقة شاملة مع حركة “حماس”[45].

ولعل ذلك ما يفسر تراجع سقف الاحتلال وأهدافه من الحرب الحالية، إذ كان يتحدث في الأيام الأولى عن استرجاع جميع الأسرى من المقاومة الفلسطينية بدون قيد أو شرط، قبل أن يعود ويتحدث عن “التعامل مع ملفهم”، ثم ليتحدث مؤخرًا عن احتمالية استرجاعهم “ضمن صفقة تبادل”[46].

الملف الثاني؛ الذي يمثل ضغطًا اجتماعيًا على الحكومة الإسرائيلية هو إجلاء المستوطنين الإسرائيليين في الشمال والجنوب، فبعد اشتعال الجبهتين الجنوبية والشمالية وجد الاحتلال نفسه أمام أكثر من نصف مليون مستوطن، كما أعلن جيش الاحتلال، فروا من مكان سكنهم بحثًا عن أمان في أراض محتلة، كما أعلن عن خطة “هبوب الريح” لإخلاء المستوطنات الحدودية. بعد نحو أسبوعين من معركة “طوفان الأقصى”، أكد إخلاء جميع سكان مستوطنات غلاف غزة، والبالغ عددهم نحو 70 ألف مستوطن موزعين في أكثر من 50 مستوطنة وكيبوتسًا زراعيًّا صغيرًا على امتداد الغلاف، ومن ضمن هذه المستوطنات مستوطنة مدينة سديروت، أكبر مستوطنات الغلاف بثقل سكاني يصل أكثر من 35 ألف مستوطن. علمًا بأن تكلف عملية إخلاء المستوطنين خزينة الاحتلال في الأسبوع الواحد فقط قرابة 20 مليون دولار، كما أن وزارة مالية الاحتلال بدأت بالفعل في تمويل مساكن بديلة لآلاف من المستوطنين الفارين من المستوطنات.

بالتوازي مع إخلاء مستوطني غلاف غزة، بدأ الاحتلال يشعر بثقل الضربة حين توترت الأمور على جبهته الشمالية، هذه الجبهة التي كانت منذ حرب 2006 تحافظ على هدوء نسبي، بدأت تشتعل فيها الأحداث من اشتباكات وإطلاق صواريخ كورنيت وعمليات تسلل من جنوب لبنان، وتبادلت في تبني العمليات كل من كتائب القسام في لبنان، وسرايا القدس الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، و”حزب الله”، وقوات الفجر الذراع العسكرية للجماعة الإسلامية – الإخوان المسلمون في لبنان. وجاءت عملية الإعلان عن الإخلاء بعدة مراحل، ابتدأها الاحتلال بإعلان بدء إخلاء 28 مستوطنة في شمال فلسطين المحتلة، والتي تبعد مسافة تصل إلى 1.9 كيلومتر عن الحدود، إحدى هذه المستوطنات -وهي شتولا- تعرضت لهجوم صاروخي من “حزب الله”، ما أدى إلى مقتل مستوطن بحسب وسائل إعلام عبرية. لاحقًا لذلك، شهدت مستوطنة كريات شمونة، القريبة من الحدود اللبنانية، والتي يبلغ عدد سكانها 28 ألف مستوطن، قصفًا صاروخيًّا من جنوب لبنان، ما دفع الاحتلال إلى ضمها هي الأخرى إلى خطة الإخلاء، وأرسل حافلاته وجنوده ليبدأ بإجلاء مستوطني الاحتلال. وما زال التصعيد والاشتباكات وتبادل القصف يشتد كل يوم في الحرب أكثر من سابقه، حتى أعلن الاحتلال من جديد إضافة سكان 14 مستوطنة تقع بالقرب من الحدود مع لبنان إلى خطة إجلاء مستوطنات الشمال، وقد امتدت هذه المرة إلى مستوطنات تقع على بعد 2  كيلومتر فأكثر من الحدود مع لبنان، وبحسب وسائل إعلام عبرية، إن عددًا كبيرًا من مستوطني الشمال غادروا مناطقهم بمبادرة منهم.

على عكس المستوطنات الحدودية في غلاف غزة أو في شمال فلسطين المحتلة، شهدت مدينة عسقلان المحتلة هي الأخرى قصفًا صاروخيًّا مكثفًا من المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، والتي تبعد عنها نحو 21 كيلومترًا، وبمساحة 45 ألف دونم، وهي ثالث أكبر مدن جنوب فلسطين المحتلة، وفيها ميناء دولي ويمر منها خط أنابيب الغاز للتصدير. تصدرت مدينة عسقلان المشهد في “طوفان الأقصى” يوم 10  أكتوبر 2023، في أعقاب استهداف الاحتلال لأبراج سكنية في قطاع غزة على رؤوس المدنيين، ودفع الاحتلال سكان غزة إلى الرحيل من شمال القطاع إلى جنوبه، وإثر ذلك خرج الناطق العسكري باسم كتائب القسام أبو عبيدة، ليمهل سكان عسقلان ساعتين ليغادروها قبل أن يتم القصف، وأعلن شعار “التهجير بالتهجير”. لم تصمد المدينة المحتلة أمام قصف المقاومة أكثر من 9 أيام، قصفتها خلالها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة 26 مرة حتى 19 أكتوبر 2023، حيث أعلن الاحتلال تمويل إخلاء مدينة عسقلان، والبالغ عدد سكانها 156 ألف مستوطن، وأن المدينة انضمت إلى خطة “هبوب الريح”، وعرض على من يرغب الرحيل من المدينة الاستضافة في الفنادق أو لدى أقاربه في الوسط أو الشمال[47].

الملف الثالث؛ يتمثل في تزايد خطر التغييرات الديمغرافية على دولة الاحتلال، ويتمثل ذلك في تراجع نسبة الهجرة إلى إسرائيل، مقابل ازدياد وتيرة الهجرة العكسية منها. وهي ظاهرة تعاني منها دولة الاحتلال منذ سنوات فعلى سبيل المثال، انخفضت الهجرة إلى “إسرائيل” بشكل حاد في النصف الأول من عام 2023، حيث تراجعت نسبة استقدام اليهود بنحو 20 بالمئة مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2022، وفق بيانات وزارة الهجرة الإسرائيلية. وحينها عزت التقديرات الزيادة في الهجرة العكسية إلى التوتر الأمني في الضفة الغربية، أما الآن ومع وجود عملية كبيرة مثل “طوفان الأقصي” في قلب المستوطنات الإسرائيلية، فإن هذا من شأنه أن يرفع نسبة الهجرة العكسية من إسرائيل إلى الخارج، وتقليل الأعداد الوافدة إليها. وهذا يعد أحد أخطر الآثار السلبية على دولة الاحتلال، التي تعتمد بشكل رئيسي على الاستيطان لتجنب الخطر الديمغرافي الذي يهدد وجودها.

فوفقًا لمعهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، فإن عدد الفلسطينيين سيصل إلى ما لا يقل عن 10 ملايين بالضفة وغزة عام 2050 – فيما سيكون هناك 10.6 مليون يهودي في إسرائيل و3.2 مليون عربي بالعام ذاته. واستنادًا إلى هذه المعطيات فإن عدد الفلسطينيين في المنطقة ما بين البحر والنهر سيصل في العام 2050 إلى أكثر من 13 مليون بمقابل نحو 10.6 مليون يهودي. وفي أغسطس 2022، نشرت صحيفة “هآرتس” تقريرًا وصفت فيه الزيادة السكانية الفلسطينية بـ “شيطان الديموغرافيا” الذي يهدد إسرائيل. وقالت إنه “في الوقت الذي تغفون فيه، قد يتحول اليهود إلى أقلية في إسرائيل”. بل ذهبت جامعة “رايخمان” العبرية إلى وصف ذلك التغير الديموغرافي بـ “الانقلاب”. وأشارت في ورقة بحثية أن الفلسطينيين سيحققون أغلبية كاسحة في المستقبل، بسبب ارتفاع معدلات الولادة لديهم (27.7) لكل ألف شخص مقارنة بـ (19.3) في إسرائيل، بحسب الأمم المتحدة. هذا فضلًا عن ارتفاع نسبة الوفيات لدى الإسرائيليين 5.3 لكل ألف مقارنة بـ 3.4 لكل ألف لدى الفلسطينيين بسبب كبر متوسط عمر السكان في إسرائيل. وبناء على هذه الإحصائيات، رأت الورقة البحثية أن “تلك المعادلة تؤشر أن دولة إسرائيل تتجه نحو واقع قد يقوض مشروعها والمشروع الصهيوني برمته.

ولذلك، فإن العملية الأخيرة من شأنها أن تزيد مخاوف الذين ترغب إسرائيل في استقدامهم، وأولئك الذين يعيشون داخلها في الوقت الحالي، ما سيدفع أعدادًا أكبر منهم إلى الهجرة العكسية إلى خارجها، وتأزم خطر الديموغرافيا أكثر لدى دولة الاحتلال[48].

الملف الرابع؛ تزايد الأعمال المناهضة لليهود حول العالم، حيث تقول صحيفة “جيروزاليم بوست” إن الأعمال المناهضة لليهود زادت بنسبة غير مسبوقة إذ وصلت الدعوات عبر الإنترنت للعنف ضد إسرائيل والصهاينة واليهود 1200%، وفقًا لتقرير صدر في أكتوبر 2023 عن نظام مراقبة معاداة السامية عبر الإنترنت (إيه سي إم إس). وذكرت في هذا الإطار أن حاخامًا قتلت أمام منزلها في ديترويت، كما طعنت امرأة يهودية في فرنسا ورسم صليب معقوف على بابها، واقتحم حشد في داغستان مطارًا بحثًا عن يهود كانوا على متن إحدى الطائرات، وتم قتل سياح إسرائيليين في مصر علي يد شرطي، كما حذرت إسرائيل مواطنيها من السفر إلى الخارج [49].

3- إمكانية اندلاع انتفاضة في الضفة الغربية: منذ اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، لم تتوقف الفعاليات الشعبية والمسيرات والوقفات التضامنية مع غزة في مراكز المدن وأمام مقرات اللجنة الدولية للصليب الأحمر. وتصاعدت ذروة هذه الاحتجاجات بعد المأساة التي وقعت في “المستشفى الأهلي العربي”، عندما حاول المتظاهرون في مختلف المدن الوصول إلى المباني الحكومية التابعة “للسلطة الفلسطينية”، لكن تم صدهم وتفريقهم في نهاية المطاف من قبل قوات الأمن التابعة “للسلطة”[50]. فيما تحولت نقاط الاحتكاك في أغلب محافظات الضفة الغربية إلى نقاط مواجهات مع الجيش الإسرائيلي، ولوحظ استخدام الرصاص الحي بكثافة أكثر من أي وقت مضى. وكانت الأجواء أكثر سخونة شمالي الضفة حيث جرت اشتباكات مسلحة خلال اقتحامات جيش الاحتلال لمخيمي جنين وطولكرم، إضافة إلى عمليات إطلاق نار ضد أهداف إسرائيلية تبنتها كتيبة جنين[51].

ورغم ذلك، فمن المستبعد أن تثور الضفة المحتلة والداخل الفلسطيني؛ ومن غير الوارد أن تتحول انتفاضة الضفة المحدودة إلى انتفاضة شاملة، لعوامل عدة، أبرزها؛ قيام الجيش الإسرائيلي بإغلاق الضفة الغربية بشكل تام وقيامه بتقطيع أوصالها بالحواجز والسواتر الترابية في محاولة لفصل المدن والأحياء والقرى عن بعضها البعض وذلك من أجل السيطرة على التجمعات السكنية ومنع انفجار الأوضاع أو القيام بعمليات عسكرية سواء ضد الجيش الإسرائيلي أو المستوطنين. ولم تتأخر إسرائيل كثيرًا وبدأت حملة اعتقالات واسعة استهدفت المئات من قيادات وكوادر حركة حماس.

إضافة إلى ذلك، اتبعت إسرائيل قواعد إطلاق نار مرنة تجاه المتظاهرين والمسيرات. يتزامن ذلك مع ارتفاع اعتداءات المستوطنين الذين أصبحوا أكثر جرأة على إطلاق النار على الفلسطينيين وقتلهم. ومما ينذر بتصاعد الاعتداءات هو إعلان الجيش الإسرائيلي نيته توزيع آلاف قطع السلاح على المستوطنين الذين يملكون بالفعل أكثر من 165 ألف قطعة والتي تستخدم في العادة لتنفيذ اعتداءات على الفلسطينيين. يؤشر ذلك إلى أن مستوى العنف مرجح بقوة للارتفاع في الضفة الغربية في ظل تخوفات حقيقية من حملات عسكرية إسرائيلية واسعة في مدن الشمال (نابلس، جنين، طولكرم) أو ارتكاب المستوطنين أعمال قتل واسعة النطاق بحق المدنيين وذلك بهدف دفعهم إلى الهجرة[52]. وقد أدي ذلك إلي ارتفاع عدد الشهداء في الضفة الغربية (من 7 أكتوبر حتي 27 نوفمبر 2023) إلي 239، فيما وصل عدد المعتقلين إلى أكثر من 3200[53].

ناهيك عن الملاحقة الأمنية من قبل السلطة، إذ لجأت السلطة منذ اليوم الأول للمعركة إلى الإعلان عن تنفيذ خطوة الإضراب في مختلف المؤسسات للحفاظ على الهدوء. تعتبر خطوة الإضراب حاليًا غير مجدية نظرًا لعدم وجود الاحتلال في مراكز المدن الفلسطينية مقارنة بالسابق وهو ما من شأنه أن يحبط أي تحرك شعبي موازي لـ “طوفان الأقصى” وينعكس بالسلب على التحركات الفلسطينية الشعبية لمواجهة الاحتلال[54]. أكثر من ذلك، فقد قامت السلطة بالاعتداء على مسيرة دعت إليها مجموعات “عرين الأسود” في نابلس للخروج مساء السبت 7 أكتوبر أول أيام حرب “طوفان الأقصى” من أجل قطع الطرق على جيش الاحتلال وقطعان مستوطنيه؛ لكن أجهزة أمن السلطة الفلسطينية فرقت بالقوة المسيرة، ما يؤكد أن السلطة باتت وكيلًا عن الاحتلال لقمع الفلسطينين واعتقال المقاومين[55]. كما هاجمت السلطة مسيرة تضامن مع غزة، وقتلت المواطن محمود أبو لبن في 17 أكتوبر، والذي أعلنت المؤسسة الأمنية في بيان تحملها “المسؤولية عن الحادث المؤسف”. ووفق توثيق منظمة “محامون لأجل العدالة” جرى اعتقال ما يزيد على 50 شخصًا في محافظة رام الله وحدها في 17 أكتوبر، وهو ذات اليوم الذي قصف فيه الاحتلال المستشفى المعمداني في غزة. لم ينف الناطق باسم الأجهزة الأمنية طلال الدويكات وجود اعتقالات، لكنه قال إن العدد لا يتجاوز 15[56].

4- انخراط الجبهة الشمالية: طوال أسابيع الحرب الأربعة الأولى برزت تكهنات مختلفة حول إمكانية انخراط حزب الله في حرب شاملة، تأييدًا لحلفاء الحزب في غزة وتعزيزًا لمصداقية الشعارات التي رفعتها إيران وحلفاؤها حول الموقف من المسألة الفلسطينية وبيت المقدس. وكان الحزب قد بدأ منذ أيام الحرب الأولى في إحداث مواجهات مسلحة محدودة في منطقة الحدود الإسرائيلية الشمالية، سواء بقصف مواقع للجيش الإسرائيلي أو السماح لمسلحين فلسطينيين ولبنانيين آخرين بمحاولة اختراق الحدود ومهاجمة أهداف إسرائيلية.

ألقى الأمين العام لحزب الله خطابه الأول حول الحرب، يوم الجمعة 3 نوفمبر 2023، بعد أربعة أسابيع على اندلاع الحرب. وقد حمل الخطاب، بعد تحليل تفصيلي لمجريات الحرب والتوكيد على أن قرارها كان فلسطينيًّا بحتًا، توجهًا نحو التهدئة ومحاولة للقول بأن الحزب يقوم بواجبه فعلًا في التضامن مع/ والدعم لغزة، وتهديدًا غامضًا بأن انخراطًا أوسع في الحرب مشروط بتصاعد الهجمات الإسرائيلية على لبنان، أو بتدهور وضع المقاومين الفلسطينيين في غزة[57].

وثمة خشية في إسرائيل من أن تقود الحرب على غزة إلى امتداد نطاق المواجهات إلى لبنان، حيث يزداد التوتر مع حزب الله؛ ما يعني أن إسرائيل قد تضطر إلى خوض غمار مواجهة على جبهتين أو أكثر؛ ما يؤدي إلى وقوع خسائر جسيمة وإلحاق دمار كبير في البنية التحتية الإسرائيلية.

وتتمثل الفرضية الأساسية لدى القيادة الأمنية والسياسية الإسرائيلية في أن حزب الله لن يدخل في هذه الحرب، وبأن قوته العسكرية معدة للدفاع عن مشروعه في لبنان، وعن المشروع النووي الإيراني، ولردع إسرائيل عن القيام بمهاجمته[58]. كما أن فتح الجبهة الشمالية حاليًا سيجعله وجهًا لوجه مع الأساطيل الأميركية المحتشدة في شرق البحر المتوسط[59]. ومع ذلك تعتقد إسرائيل بأن حزب الله لن يمنع فصائل فلسطينية موجودة في لبنان من القيام بعمليات عسكرية محدودة عبر الحدود، وسيحافظ على معادلة الردع القائمة بينه وبين إسرائيل من دون الدخول في حرب شاملة ضدها.

ولكن ثمة خشية في إسرائيل من أن يؤدي خطأ في التقديرات أو حتى في ردات الفعل المحسوبة بين الطرفين إلى الدخول في مواجهة شاملة لا يرغبان فيها. لذلك ستبقي إسرائيل قواتها على الجبهة الشمالية في حالة استنفار لردع حزب الله، وللرد على العمليات المحدودة التي تقوم بها بعض المجموعات الفلسطينية في جنوب لبنان[60]. مع ضرورة ملاحظة أن نتنياهو وعددًا من أركان حربه وصقور البنتاغون يفكرون في شن حرب على لبنان للقضاء على حزب الله أو إضعافه، خاصة مع وجود حاملة الطائرات الأميركية والبوارج شرق البحر المتوسط، وكذلك الدعم السياسي والمادي الهائل الذي يقدم لها في هذه الحرب، ولكن إدارة بايدن وأوروبا والعالم كله تقريبًا ضد توسع الحرب[61].

5- تراجع الدعم الغربي:

يعد موقف الإدارة الأميركية من أهم العوامل التي في إمكانها التأثير في قرار إسرائيل وقف العدوان على قطاع غزة. وتؤيد الإدارة الأميركية حتى الآن هدف إسرائيل المتمثل في القضاء على حكم حماس في غزة، لكن الدعم الأميركي لإسرائيل ليس مفتوح الأفق، وقد يتغير إذا فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها خلال الأسابيع القليلة القادمة، خاصة إذا ازدادت المعارضة داخل الولايات المتحدة لسياسة دعم حرب إسرائيل على غزة، وبدأت تؤثر جديًا في فرص إعادة انتخاب جو بايدن للرئاسة الأميركية. وإذا تبين لها أن استمرار دعمها للعدوان الإسرائيلي يضعف موقفها أمام رأي عام عالمي تتعاظم معارضته للجرائم وللانتهاكات الإسرائيلية في غزة[62].

وهو ما بات يظهر مع تنامي حجم المظاهرات والمسيرات الشعبية الداعمة للقضية الفلسطينية والمناهضة للتصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة، وفي ذلك الإطار، شهدت واشنطن مسيرة في الخامس من نوفمبر 2023، وصفت بالـ “تاريخية”، حيث شارك فيها ما يقارب المائة ألف للتنديد بالسياسات الأمريكية الخاصة بدعم إسرائيل والمطالبة بالوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة. بجانب مطالبة النواب الديمقراطيون في الكونجرس، الرئيس جو بايدن، بضرورة أن تلعب الولايات المتحدة دورًا قويًا كوسيط لإنهاء الصراع الراهن في ظل ارتفاع عدد الضحايا بين المدنيين الفلسطينيين، والعمل على ضمان تسريع وتيرة إدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة. وفضلًا عن زيادة حدة الاستياء لدى القوى التقدمية واليساريين والناخبين المسلمين من إدارة بايدن، مما يؤثر سلبًا على فرص الرئيس بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المُزمع عقدها في نوفمبر 2024. كما وردت أنباء تتعلق بتصاعد التوترات في وزارة الخارجية الأمريكية، حيث أشار بعض موظفي الوزارة إلى إنهم يشعرون بحالة من التهميش لأدوارهم ومقترحاتهم في ظل تركيز وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” على دعم العملية الإسرائيلية في قطاع غزة، مما دفعهم للنظر في إعداد ما يسمى بـ “برقية المعارضة”، وذلك لانتقاد السياسة الأميركية في ظل التطورات الراهنة[63].

من ناحية أخرى، فأن الولايات المتحدة قد تسعى لوقف الحرب إذا ما شعرت بأنها قد تتسبب بانقلاب الأوضاع في الضفة الغربية المحتلة و/أو الأردن و/أو مصر، إذ تعول واشنطن كثيرًا على استقرار الأوضاع في هذه الساحات الثلاث وتخشى من أي تململ فيها[64]. كما يتأثر الموقف الأمريكي المتردد بالخشية من أن تتسبب الحرب البرية باتساع نطاق المواجهة لتتحول إلى مواجهة إقليمية في ظل تلويح حزب الله وأطراف أخرى بالانخراط بشكل كامل في المواجهة في حال إطالة الحرب. وقد أعطت الضربات للقواعد الأمريكية في سورية والعراق من قبل بعض المجموعات المحسوبة على إيران، مؤشرًا إضافيًا للأخطار المحتملة لإطالة الحرب. ولا تخفي الولايات المتحدة قلقها وخشيتها من اتساع مساحة المواجهة الحالية، بصورة تستنزف جهودها وتشكل تحديًا مهمًا لاستراتيجيتها في التهدئة وخفض التصعيد في المنطقة، من أجل التفرغ لمواجهة التحديات على صعيد الحرب الأوكرانية والتصعيد مع الصين في ملف تايوان[65].

في ضوء ذلك، حدث نوع من التراجع في الموقف الأمريكي من الدعم “المطلق” إلي الدعم “المقيد” للعدوان الإسرائيلي على غزة، وبدأ الحديث عن ظهور بعض التباينات والخلافات بين موقف نتنياهو وبايدن، وهي الخلافات التي تركزت بصورة رئيسية حول ثلاثة ملفات رئيسية:

الملف الأول؛ ملف المدنيين المحتجزين لدى حماس، والذين يحمل عدد منهم الجنسية الأمريكية، حيث تحاول الإدارة الأمريكية توفير فرصة لإطلاق سراحهم، ما دفعها للمطالبة بهدنة إنسانية، مع تأكيدها لرفض إطلاق النار. في المقابل، يرفض نتنياهو إعطاء أي فرصة لهدنة إنسانية، حتي لو كان هدفها الإفراج عن هؤلاء الأسري.

الملف الثاني؛ استهداف المدنيين، فمع أن حساسية الجانب الإسرائيلي لاحتمالات وقوع خسائر كبيرة في صفوف الفلسطينيين المدنيين في قطاع غزة جراء الهجوم البري قد تراجعت ولم تعد عاملًا مؤثرًا، إلا أن الأمر قد يبدو مختلفًا نسبيًا لدى الجانب الأمريكي، فعلي الرغم من دعمه وتأييده لحق الجانب الإسرائيلي في الدفاع عن نفسه وفي استهداف حركة حماس، وتأكيده بأن وقوع الضحايا من المدنيين في القطاع يعود لكون حماس تتّخذ من المدنيين دروعًا بشرية، ولكون حماس قد دمجت بنيتها العسكرية بالبنية التحتية المدنية في غزة عبر شبكة الأنفاق المنتشرة تحت المدارس والمساجد والمستشفيات. لكنه يتحدث بالتوازي عن أهمية تجنب قتل المدنيين وضرورة إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع[66].

في هذا السياق؛ قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قبيل زيارته إلى تل أبيب والمنطقة، وفي اجتماعه مع نظرائه العرب في عمان، في 2 نوفمبر 2023، أنه: “يجب على إسرائيل أن تتخذ كل التدابير الممكنة لمنع وقوع إصابات في صفوف المدنيين”. وخلال اتصال هاتفي مع نتنياهو، في 6 نوفمبر 2023، أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن على دعمه الثابت لإسرائيل، مع التشديد على “حماية المدنيين الفلسطينيين، وتقليل الأضرار التي تلحق بهم أثناء العمليات العسكرية، كما ناقش إمكانية عمل فترات توقف تكتيكية لتوفير فرص للمدنيين للخروج بأمان من مناطق القتال المستمر، ولضمان وصول المساعدة إلى المدنيين المحتاجين، ولتمكين إطلاق سراح الرهائن المحتمل”. في المقابل، كانت التعليقات الصحفية من قبل نتنياهو ترفض المقترحات الأمريكية بشأن فترات الهدنة الإنسانية[67].

الملف الثالث؛ مستقبل الحكم في غزة، اتسمت السيناريوهات الغربية (الأمريكية، والأوروبية) بدرجة ملحوظة من التعارض والتباين مع الرؤية الإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بمسألة السيطرة الأمنية على القطاع التي تتمسك بها إسرائيل، حيث أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو خلال اجتماعه مع رؤساء بلديات البلدات المتاخمة لقطاع غزة أن “قوات الجيش ستظل مسيطرة على القطاع، ولن نسلمه إلى قوات دولية”. كما انتقد سفير إسرائيل في واشنطن مايكل هيرزوغ، خلال مقابلة مع صحيفة “بوليتيكو” في 16 نوفمبر 2023، اقتراح ألمانيا بنقل قطاع غزة إلى سيطرة الأمم المتحدة بعد انتهاء النزاع هناك، وبرر ذلك بعدم وجود تجربة إيجابية لدى بلاده في هذا المجال، وهو ما ترفضه الرؤى الأمريكية والأوروبية، وإن كانا قد أبديا مؤخرًا مرونة نسبية من خلال القبول بفكرة سيطرة أمنية إسرائيلية مؤقتة وليست دائمة، حيث أوضح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، على هامش اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع في 8 نوفمبر 2023، أن إسرائيل لا تستطيع إدارة قطاع غزة، لكن قد تكون هناك فترة انتقالية بعد انتهاء الصراع الحالي.

هذا فضلاً عن تصاعد اتجاه بين أعضاء الائتلاف الحكومي الإسرائيلي يطالب بالعودة إلى وضع ما قبل عام 2005 فيما يتعلق بإعادة بناء المستوطنات داخل القطاع، وهو ما ترفضه الدول الغربية؛ لأن ذلك من شأنه أن يؤثر على خيار حل الدولتين الذي تؤكد عليه[68]. ناهيك عن خوف الإدارة الأمريكية من أن إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة لفترة طويلة سيؤدي إلى المزيد من التكاليف البشرية والاقتصادية على دولة الاحتلال[69].

كذلك، فإن موقف حكومة الطوارئ الإسرائيلية الحالية، ابتداءًا من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومرورًا بوزراء اليمين المتطرف مثل سموتريتش وبن غفير وانتهاءًا بزعيم حزب المعارضة وعضو الحكومة بيني غانتس، يرفضون فكرة حل الدولتين. وفي هذا السياق؛ فقد أكدت وثيقة الاستخبارات الإسرائيلية، التي تم تسريبها، على أن إدخال السلطة الفلسطينية إلى غزة هو البديل الأخطر من بين البدائل المطروحة لمستقبل غزة بعد الحرب، معللة ذلك بأنه قد يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية. وبالتالي، ليس من المتوقع أن تقبل إسرائيل أية سيناريوهات تضم خيارات من شأنها تعزيز الوحدة بين القطاع والضفة باعتبار ذلك تمهيد لتفعيل مسار حل الدولتين، الذي تنادي به الدول الغربية[70].

كما أنه بعد مرور شهر على الحرب، فقد تعالت الانتقادات في صفوف القادة الأوروبيين، حيث بدأ الموقف الفرنسي يتراجع بعض الشيء تجاه دعم إسرائيل، عندما صوتت فرنسا على مشروع قرار دعت إليه البرازيل لوقف إطلاق النار في مجلس الأمن (18 أكتوبر)، كما كانت ضمن عدد قليل من الدول الأوروبية التي وافقت على القرار العربي الذي تبنته الجمعية العامة الطارئة، وكلا القرارين تضمنا وقفًا لإطلاق النار، وإقامة هدنة إنسانية فورية ودائمة (27 أكتوبر). وطالبت الخارجية الفرنسية تل أبيب بتوضيحات – من دون تأخير- بشأن ضربة إسرائيلية استهدفت المعهد الفرنسي في غزة في 1 نوفمبر 2023. وفي بيان لاحق على ذلك، أدانت الوزارة “الهجمات ضد مواقع الأمم المتحدة والعاملين في المجال الإنساني الذين يعد عملهم ضروريًا للسكان المدنيين في غزة، وكذلك ضد مقار وسائل الإعلام”، كما أعربت عن “قلقها العميق إزاء عدد الضحايا المدنيين في غزة الذي وصل إلى عدة آلاف، وإزاء الوضع الإنساني الخطير”. وزارت وزيرة الخارجية الفرنسية، في 5 نوفمبر، قطر والإمارات، وأشارت إلى أن أهداف هذه الزيارة إلى الشرق الأوسط هي: التوصل إلى هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة، وتنظيم الاستجابة الإنسانية لاحتياجات السكان المدنيين في غزة، والعمل بحزم لضمان عدم انتشار الصراع، وتهيئة الزخم من أجل حل عادل ودائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أساس حل الدولتين، ووصفت أن ذلك يمثل شرطًا أساسيًا للسلام والاستقرار على المدى الطويل في الشرق الأوسط[71]. واستضافت فرنسا مؤتمرًا إنسانيًا في 9 نوفمبر، لتقديم المساعدات إلى غزة، جدد ماكرون خلاله دعوته إلى وقف إطلاق النار وضرورة التوصل إلى هدنة إنسانية. كما أكد ماكرون خلال لقاء متلفز أنه “لا مبرر لقتل الأطفال والنساء وكبار السن في غزة”، واعتبره “لا شرعية له”، ودعا إلى وقف إطلاق النار[72].

وفي السياق ذاته، طالب رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، في 13 نوفمبر 2023، إسرائيل بحماية المدنيين في غزة. وقال سوناك إنه يجب على إسرائيل الدفاع عن النفس في إطار القانون الدولي، واتخاذ التدابير كافة لحماية المدنيين الأبرياء، خصوصًا في المستشفيات، والسماح بدخول المساعدات إلى غزة[73]. وقامت بريطانيا بإقالة وزيرة الداخلية سويلا برافرمان، التي انتقدت قوات الشرطة البريطانية واعتبرتها “تتساهل مع المتظاهرين المؤيدين لفلسطين مقابل التشدد مع المظاهرات اليمينية”، كما طالب ٥٦ نائبًا بريطانيا من حزب العمال البريطاني بوقف إطلاق النار في غزة، أيضًا شهدت بريطانيا أكبر مظاهرة في تاريخها في لندن، حتى اضطر رئيس الحكومة لتأييد التوصل إلى هدنة إنسانية[74]. ولكن ذلك لم يمنع البرلمان البريطاني من التصويت ضد المقترح الذي طرحه الحزب القومي الأسكتلندي، والذي يطالب بتعديل خطاب الملك، لـ”مشاركة المجتمع الدولي في الضغط بشكل عاجل على جميع الأطراف لقبول وقف فوري لإطلاق النار”[75].

فيما تصدرت النرويج المواقف الأوروبية الداعية لوقف الحرب ووقف إطلاق النار. وأشارت الخارجية النرويجية إلى أن: “القانون الدولي يضع حدودًا واضحة لما هو مسموح به في الحرب، ويجب على كل الأطراف أن تتخذ خطوات فعالة للتمييز بين الأهداف العسكرية والسكان المدنيين إلى أقصى حد ممكن، ويجب ألا يكون الضرر الذي يلحق بالمدنيين أو البنية التحتية المدنية مفرطًا مقارنة بالميزة العسكرية المتوقعة. لقد تجاوزت الحرب في غزة هذه القيود إلى حد كبير، ويحظر بشكل صريح تنفيذ هجمات على المستشفيات والعاملين في مجال الرعاية الصحية وإقامة حواجز تمنع وصول الإغاثة الإنسانية المنقذة للحياة للمدنيين المحتاجين”. كما حددت ثلاث أولويات لعملها: وقف الحرب من أجل تخفيف المعاناة الإنسانية ومساعدة المتضررين. ضمان وصول المساعدات الإنسانية فعليًا إلى الناس في داخل غزة. بذل قصارى الجهد لإخراج المواطنين النرويجيين وغيرهم من المواطنين الأجانب من غزة.

فيما وٌصفت إيرلندا – مبكرًا – بأنها ضمن الحالات الشاذّة في المواقف الأوروبية، إذ علق رئيس وزرائها بأن ما قامت به إسرائيل يرقى إلى مستوى “العقاب الجماعي”، ويمثل نوعًا من الانتقام. كما وصف الرئيس الإيرلندي مايكل دي هيجين ما تقوم به إسرائيل بأن فيه خرقًا للقانون الدولي.

كما استمرت الوزيرة الإسبانية للحقوق الاجتماعية في إطلاق تصريحاتها ضد إسرائيل، إذ دعت المجتمع الدولي إلى فرض عقوبات على إسرائيل بسبب ارتكابها “إبادة جماعية مخطّطة للفلسطينيين في غزة”، وانتقدت المعايير المزدوجة في معالجة انتهاكات حقوق الإنسان، وسلطت الضوء على “الصمت المطبق” على القصف الإسرائيلي مقارنة بالصراعات الأخرى، كما انتقدت موقف الاتحاد الأوروبي واعتبرته يمارس نفاقًا أمام هذه الأحداث. ونقلت وكالة الأنباء الإسبانية الرسمية عن مصادر حكومية قولها: “إن إسبانيا لا تخطط لتصدير أي معدات عسكرية فتاكة لاستخدامها في الصراع بين إسرائيل وحماس”.

وعلى نفس الخط مع الدول السابقة، دعا نائب رئيس وزراء بلجيكا إلى فرض عقوبات على إسرائيل بسبب قصفها المتكرر بالقنابل مخيمات اللاجئين والمستشفيات، مؤكدًا على ضرورة دعوة المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في الانتهاكات التي تحدث ضد المدنيين في غزة من قبل إسرائيل[76].

كذلك عبرتا إسبانيا وبلجيكا أيضًا عن تأييدهما لوقف العدوان على غزة والضفة، وضرورة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة واستعدادهم للاعتراف بها، كذلك مطالبتها لإسرائيل بوضع حد لـ”القتل الأعمى للفلسطينيين” في قطاع غزة، وذلك خلال زيارة رئيسي الحكومة البلجيكية والإسبانية لمصر في 24 نوفمبر الجاري، الأمر الذي أثار انتقادات إسرائيل التي استدعت سفيري البلدين، كما اعتبرت هذه الدول داعمة للإرهاب[77].

وكانت بلجيكا وإسبانيا (بجانب فرنسا) من الدول الأوروبية التي صوتت لصالح  القرار العربي الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية كبيرة، في 27 أكتوبر 2023 بشأن هدنة إنسانية فورية دائمة في غزة ومستدامة تفضي إلى وقف الأعمال العدائية، وتوفير السلع والخدمات الأساسية للمدنيين في شتى أنحاء غزة فورًا وبدون عوائق. بينما امتنعت كل من بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وقبرص واليونان عن التصويت. وصوتت كل من النمسا والمجر والتشيك وكرواتيا ضد القرار[78]. كذلك سبق أن أعربت بعض دول الاتحاد الأوروبي من بينها إسبانيا وإيرلندا ولوكسمبورغ معارضتها لقرار الاتحاد الأوروبي الصادر، في 9 أكتوبر 2023، بتعليق مساعداته التنموية والمقدرة بـ(691) مليون يورو[79].

وتعود هذه التغيرات التي أصبحت تطرأ على المواقف الغربية إزاء إسرائيل، ولو بشكل محتشم، إلى الضغوط الداخلية التي يواجهها القادة من أجل وضع حد لانحيازهم للدولة العبرية في جرائمها بحق أهالي القطاع. وذكرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية، في 14 نوفمبر 2023، أن عددًا من السفراء الفرنسيين في الشرق الأوسط وجهوا رسالة تعرب عن استيائهم من انحياز الرئيس ماكرون إلى إسرائيل. واعتبرت الصحيفة “مذكرة السفراء الفرنسيين المنتقدين لسياسة ماكرون تجاه حرب غزة تمردًا دبلوماسيًا”. ونقلت لوفيغارو عن أحد الدبلوماسيين الفرنسيين تحذيراته من أن “موقفنا المؤيد لإسرائيل في بداية الأزمة قد أسيئ فهمه في الشرق الأوسط”، وأنه “يخالف مواقفنا التقليدية المتوازنة” حول هذه القضية. وأضاف الدبلوماسي: “هذا (الموقف) يثبت فقدان فرنسا مصداقيتها ونفوذها، ويشير إلى الصورة السيئة لبلدنا في العالم العربي”[80].

كما أخفقت الدعاية الغربية والإسرائيلية في معركة الرأي العام الدولي بإدانة الفلسطينيين وتأطير مقاومته ووصمها بالإرهاب. وقد شهدت العواصم العالمية من الشرق والغرب وفي كبرى العواصم الأوروبية والمدن الأميركية مظاهرات مساندة للفلسطينيين ومناهضة لدولة الاحتلال ورافضة لجرائمها بشكل غير مسبوق. وكانت أكبر المظاهرات في العاصمة البريطانية لندن، التي تراوحت تقديرات عدد المشاركين فيها بين 300 و750 ألفًا، كما خرجت مظاهرات في بروكسل وباريس وفيينا وبرلين وكوبنهاغن وميلانو وبرشلونة ونيويورك. وأوضح رصد لمنظمة مجموعة بيانات مواقع “النزاع المسلح وأحداثه” (ACLED) أن الأسابيع الثلاثة للحرب شهدت قرابة 4200 احتجاج حول العالم، نحو 90% منها مناصرة للفلسطينيين. كما أظهرت دراسة لمجلة “إيكونومست” حول سلوك مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي أن المنشورات المؤيدة لفلسطين أكثر بمقدار 3.9 مرات من المنشورات المؤيدة لإسرائيل. بينما كانت نسب الدعم متساوية يوم 7 أكتوبر 2023. وشكلت هذه “الانتفاضة الشعبية العالمية” حالة من الضغط على المواقف الرسمية للإدارة الأميركية والدول الغربية التي دعمت دولة الاحتلال، مما دفعها إلى إدخال عناصر جديدة لخطابها السياسي المصاحب للحرب على غزة[81].

ناهيك عن الثقل الذي يتمتع به الصوت العربي والإسلامي داخل هذه الدول. فعلي سبيل المثال؛ يتجاوز عدد الجاليات العربية والإسلامية في فرنسا ٦ مليون شخص، وتحديدًا على الصعيد الانتخابي. مما ضاعف الانقسامات الداخلية في فرنسا بين مؤيد لإسرائيل ومناصر لفلسطين، وعلى ما يبدو أن ماكرون أدرك مدى خطورة هذه الانقسامات، ولهذا حاول استعادة النهج المتوازن. كما تتخوف فرنسا من تصاعد عمليات الذئاب المنفردة ردًا على السياسات الفرنسية المستفزة، فمنذ 7 أكتوبر سجلت فرنسا حوالي 50 واقعة ذات دلالة معادية للسامية، والتي من المرجح لها أن تتكرر خلال الفترة المقبلة. ولهذا قد تكون الحكومة الفرنسية متخوفة من جلب تداعيات النزاع إلى فرنسا، وفقًا للناطق باسم الحكومة الفرنسية أوليفييه فيران[82].

وفي مقابل هذه المواقف، يعتبر الموقف الألماني بصفة عامة هو الموقف الأوروبي الأكثر دعمًا لإسرائيل، فألمانيا حتى اللحظة لا توافق على وقف إطلاق النار، ولم تدع إليه حتى على سبيل الدعم اللفظي فقط، وبالتالي ظل الموقف الألماني منذ اليوم الأول داعمًا لإسرائيل على كافة الأصعدة. حيث زار الرئيس الألماني فرانك شتاينماير، القدس، في 26 نوفمبر 2023، وأعلن تضامنه مع إسرائيل التي اعتبرها تدافع عن نفسها “لأنها تحارب تهديدًا وجوديًا”، وذلك خلال مؤتمر صحافي جمعه بنظيره الإسرائيلي هيرتسوغ في القدس المحتلة. وكان المستشار الألماني أولاف شولتز قام بزيارة إسرائيل في 17 أكتوبر الماضي، وزارت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إسرائيل ثلاث مرات منذ هجوم حماس، إلى جانب زيارة وزير الدفاع الألماني في 19 أكتوبر الماضي، وقائد القوات الجوية في 8 نوفمبر 2023، الذي تبرع هو وفريقه بالدم لصالح الجنود الإسرائيليين. كما دعت وزيرة الداخلية الألمانية المنظمات الإسلامية في بلدها إلى إدانة هجوم حماس، بالإضافة إلى حظر التظاهرات الداعمة لفلسطين ومحاصرة أنشطة عناصر حماس على أراضيها، وتشديد الإجراءات الأمنية في أماكن تجمع اليهود.

الدعم الألماني لم يقتصر على الدعم الرسمي فقط، بل امتد إلى المنظمات المدنية والحركات الشعبية التي نظمت بدورها التظاهرات لدعم إسرائيل كما حدث في 22 أكتوبر، التي شارك فيها الأحزاب الخمس الرئيسية والنقابات العمالية. حتى أن بعض القوى الحزبية ذهبت إلى وضع شرط للتجنيس في ألمانيا بـ”احترام حق إسرائيل في الوجود”، وفقًا لاقتراح رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي. كذلك الأندية الرياضية، حيث أعلن نادي ماينز الألماني إيقاف لاعبه الهولندي أنور الغازي بسبب دعمه لغزة.

وثمة مجموعة من الاعتبارات الحاكمة للموقف الألماني المتشدد في دعمه لإسرائيل، وتتمثل أبرزها في؛ رغبة ألمانيا في التخلص من عبء محرقة الهولوكوست إبان الحقبة النازية، وتحسين صورتها أمام المجتمع اليهودي، وهو ما عبر عنه صراحة المستشار الألماني في خطابه أمام البوندستاج في 14 أكتوبر الماضي، حيث اعتبر أن “المسؤولية الناشئة عن محرقة اليهود تجعل ألمانيا أمام خيار واحد وهو الوقوف إلى جانب إسرائيل”. حتى أن الرئيس الألماني أشار إلى أن هجوم حماس “لا تضاهيه” أي هجمات تعرضت لها إسرائيل قبل ذلك. ومن جانب ثان؛ فهناك التعاون الثنائي الضخم بين البلدين، ففي سبتمبر 2023 تم توقيع اتفاق بين ألمانيا وإسرائيل، تشتري بموجبه برلين منظومة دفاع صاروخي “آرو ٣” لاعتراض الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، في إطار اهتمام ألمانيا مؤخرًا بتعزيز دفاعاتها بعد الحرب الأوكرانية، هذا إلى جانب اتفاقيات الطاقة كبديل للواردات الروسية. ومن جانب ثالث؛ وضوح نفوذ اللوبي اليهودي في ألمانيا، الذي تجلى في وسائل الإعلام الألمانية، الأمر الذي تم فيه توسيع الاختراقات اليهودية للدوائر الرسمية وغير الرسمية في ألمانيا طيلة السنوات الماضية. ومن جانب رابع؛ حرص برلين على خطب ود واشنطن الداعم الأول والتاريخي لإسرائيل، بالذات في ظل التهديدات الروسية الأخيرة، خاصة وأن الولايات المتحدة لا تزال تحتفظ بنحو 36 ألف جندي في ألمانيا[83].

وعمومًا؛ يمكن تصنيف مواقف الدول الغربية إلى ثلاثة تصنيفات: دول منحازة على طول الخط لأسباب أيديولوجية وتاريخية، وفيها: المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وألمانيا، إذ يتضح أن دعم إسرائيل يرتبط بدوافع تاريخية لدى هذه الدول، فالمملكة أكدت أنها ملتزمة بوعد بلفور، رغم مرور أكثر من قرن وبضع سنوات عليه، في حين استمرت الولايات المتحدة في دعمها الراسخ لإسرائيل منذ إنشائها حتى وقتنا الراهن، وظلت عقدة المحرقة تلاحق ألمانيا، وتحتم عليها مسؤولية رعاية اليهود حتى خارج أرضها. ودول منحازة لأسباب تتعلق بالمصالح، وعلى رأسها فرنسا وإيطاليا، فالقاسم المشترك بينهم هو المصالح والحلفاء أكثر من الصلات التاريخية العميقة. ودول أخرى أخذت موقفًا مواربًا يتطور ويتفاعل مع الأحداث حسب سياقها، ومنها إسبانيا، والنرويج، وبلجيكا، وأيرلندا. وهي دول كانت عبر تاريخها في هذا الموقف المتوازن تجاه أطراف الصراع العربي- الإسرائيلي[84].

6- تطور الموقف العربي:

يمكن الإشارة إلي مجموعة من النتائج والدلالات المحددة للموقف العربي من طوفان الأقصى، يمكن ذكرها اختصارًا فيما يلي:

  1. لم تتجاوز مواقف الدولة العربية مجتمعة على المستوى الرسمي، حدود الظواهر الصوتية من التنديد والشجب والإدانة ومناشدة المجتمع الدولي للتدخل والدعوة لعدم التصعيد والحفاظ على أرواح المدنيين من الطرفين.
  2. وعلى مستوى أقل عمومية والخاص ببعض الدول التي لها موقع جغرافي متميز من فلسطين والتي تسمي بدول الطوق، وهي مصر والأردن ولبنان؛ فنجد أن مصر قد تركز موقفها الرئيس على رفض فكرة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، إذ أن ذلك يهدد أمنها القومي ويحولها لقاعدة لتهديد أمن إسرائيل كما جاء في تصريح الرئيس المصري. وكذلك ارتبطت بمصر مسألة المساعدات وإدخالها إلى غزة عبر معبر رفح البري، وقد ظهر عجز الجانب المصري عن إدخال المساعدات الإنسانية الضرورية بسبب تعنت الموقفين الأمريكي والإسرائيلي، وهو الموقف الذي بررته مصر بمقولة أن غزة خاضعة لحكم وإدارة إسرائيل. وأخيرًا وحينما سُمح لمصر بإدخال المساعدات تم ذلك بعد جدل طويل مع الولايات المتحدة والأمم المتحدة وإسرائيل، ولم تدخل إلا كميات قليلة للغاية لا تفي باحتياجات القطاع، فضلًا عن مرورها من معبر العوجة البري أولًا بين مصر وإسرائيل لتفتيشها من قبل جيش الاحتلال.

أما الأردن، فتركز موقفها في الأسابيع الثلاثة الأولى على خطاب التنديد والدعوة لوقف التصعيد ورفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، ثم تقدمت بمشروع قرار للأمم المتحدة لوقف إطلاق النار، تمت الموافقة عليه يوم 27 أكتوبر ولم ينفذ بطبيعة الحال. وأخيرًا فإن لبنان كان لها وضع خاص بسبب موقف حزب الله الذي يسيطر على الجنوب اللبناني المتاخم لإسرائيل، والذي أعلن تأييده للعملية من اليوم الأول، كما نشبت بينه وبين الجيش الإسرائيلي مناوشات تزايدت حدتها مع الوقت.

  • أما على مستوى الدول البعيدة جغرافيًا، والتي منها تونس والجزائر والكويت والعراق وقطر، فقد جاءت مواقفها رافضة للعدوان الإسرائيلي ومناصرة للحق الفلسطيني في المقاومة. ورأت هذه الدول أن إسرائيل ينبغي أن تتحمل وحدها المسئولية عن الموقف بسبب انتهاكاتها المستمرة لحقوق الشعب الفلسطيني.
  • وأخيرًا تأتي مجموعة الدول حديثة التطبيع أو السائرة على خط التطبيع، وهي الإمارات والبحرين والمغرب والسعودية، فإن هذه الدول كانت الأسوأ والأكثر خزيًا في مواقفها. إذ أنها اكتفت بخطاب يتسم بالحياد البارد أعلنت فيه إدانتها للعنف ودعت للحفاظ على أرواح المدنيين من الطرفين على السواء. وأخيرًا قامت السعودية بإطلاق موسم الرياض الترفيهي يوم الثلاثاء 24 أكتوبر، وذلك مع اقتراب عدد الشهداء في غزة من 10 آلاف شهيد في ذلك الوقت.
  • وعلى المستوى الشعبي، فإن الشعوب العربية قد شهدت حالة من الغضب انعكست في احتجاجات ومظاهرات عارمة، على مستوى كافة الأقاليم والمدن العربية تقريبًا، في موقف مناقضٍ تمامًا لموقف الأنظمة الحاكمة. غير أن حدة الاحتجاجات والمظاهرات قد انحسرت بنهاية الأسبوع الثالث وتراجعت كثيرًا عن المستوى والمشهد الذي رأيناه في الأسبوع الأول[85].

ولكن على الرغم من أن الموقف العربي لم يكن على مستوي الحدث، فإنه في حالة استمرار العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة وما يسفر عنه من نتائج كارثية على مستوي الضحايا المدنيين، فإن الأنظمة العربية ستكون محرجة أمام شعوبها، وقد تقدم على اتخاذ خطوات حقيقية وفعالة. وفي هذا السياق؛ يتم الحديث عن إمكانية التلويح باستخدام الأوراق السياسية والدبلوماسية التي يملكونها، وخصوصًا سلاح النفط، وإغلاق القواعد العسكرية الأمريكية على أراضيهم، ووقف أو تقليص التبادل التجاري، والإقدام على  خطوات أخرى مثل سحب السفراء العرب من تل أبيب وطرد سفراء الكيان المحتل من العواصم العربية المطبعة[86]. وفي هذا السياق؛ فقد أعلن الأردن، استدعاء سفيره من إسرائيل، وأبلغت إسرائيل بـ”عدم إعادة سفيرها إلى عمان”، وأشار بيان الخارجية إلى أن “عودة السفراء ستكون مرتبطة بوقف إسرائيل حربها على غزة ووقف الكارثة الإنسانية”. بدوره، قال مجلس النواب البحريني، إن السفير الإسرائيلي “غادر المملكة، مقابل عودة سفيرها من إسرائيل”، إضافة إلى “وقف العلاقات الاقتصادية معها”[87]. وبجانب الأردن والبحرين اللذين استدعيا سفرائهما، فإن السعودية قد أجلت مساعي التطبيع مع إسرائيل[88].

ولكن تظل هذه الخيارات مستبعدة ولا يمكن اللجوء إليها بشكل مجمع ومؤثر؛ لأن الأنظمة العربية تخشي من المواجهة مع واشنطن والعواصم الغربية وتأثيرها في عروشهم، وكونهم يصدقون أن الحرب أرادتها “حماس” ضدهم، وأن الحرب ضد “حماس” وليست كما هي ضد الشعب الفلسطيني، فعندهم “حماس” امتداد لجماعة الإخوان المسلمين التي يحاربونها، وجزء من المحور الإيراني العدو أو المنافس لهم على زعامة المنطقة.

ولولا حرب الإبادة والمجازر وتقدم خطر التهجير وخطر امتداد الحرب إلى جبهات أخرى، وما يعنيه من تهديد للأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وإلقاء عبء القضية الفلسطينية على العرب، خصوصًا في البلدان المحيطة بفلسطين (الأردن ومصر بصورة خاصة، حيث أعلن مجلس الأمن القومي المصري الذي ترأس اجتماعه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 15 أكتوبر، رفضه واستهجانه لسياسة التهجير، مؤكدًا أن الأمن القومي المصري خط أحمر، في إشارة إلى أن مخطط التهجير يشكل تهديدًا للأمن القومي المصري، وكذلك صدرت عن الأردن تصريحات متتالية توضح أن تهجير الفلسطينيين سواء في غزة أو الضفة يعتبر إعلان حرب على الأردن، وقد جاءت إحداها على لسان رئيس الوزراء الأردني بشير الخصاونة[89])، لما تردد بعض زعماء العرب من اتخاذ موقف داعم للعدوان.

وحتى نفهم موقف العديد من الدول العربية، لا بد من أن نتذكر أن المنطقة قبل السابع من أكتوبر كانت تسير بسرعة نحو تطبيع سعودي إسرائيلي على حساب القضية الفلسطينية، تمهيدًا لخلق شرق أوسط جديد يتحقق فيه تعاون وتنافس دول الخليج العربية مع إسرائيل والعالم الغربي والهند، كما يدل على ذلك تبني إقامة الممر الهندي من الهند إلى أوروبا عبر الشرق الأوسط، بما في ذلك إسرائيل، في مواجهة مشروع الحزام والطريق الصيني[90].

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أن إسرائيل والولايات المتحدة تنادي بضرورة وجود دور عربي في هندسة مستقبل الحكم في غزة بعد القضاء على حماس. ويدور الحديث عن دخول قوة عسكرية من مصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب مهمتها الحفاظ على الأمن ومساعدة السلطة الفلسطينية على تولي الحكم في غزة، وإن كان هذا سيناريو مستبعد عربيًا؛ فبعض الدول العربية مستعدة للعب دور سياسي ودفع تكاليف إعادة إعمار غزة، لكن ليس لديها حتى الآن رغبة في نشر قواتها على أرض غزة بعد الحرب، إذ تشعر بحرج من حشد قواتها هناك، كونها ستبدو في هذه الحالة كواجهة متعاونة للاحتلال في غزة[91]. وقد عبر عن هذا الموقف بوضوح رئيس وزراء الأردن، بشر الخصاونة، الذي أكد أن “الأردن لن يرسل أي قوات عسكرية لغزة، ولن يقبل استبدال الجندي الإسرائيلي بجندي أردني”[92]. كما أوضح السيسي لمدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “ويليام بيرنز” خلال زيارته للقاهرة في 7 نوفمبر 2023، ما يمكن أن يسمى اللاءات المصرية الأربعة، وهي: رفض تهجير سكان القطاع، ورفض إعادة إسرائيل احتلال قطاع غزة وإدارته، ورفض مقترح الإدارة المصرية للقطاع، ورفض قوات الناتو فيه أو أي قوات أجنبية أخرى فيه[93].

7- تصاعد الضغوطات الدولية: بعد مرور ما يقارب الشهرين على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، برزت مجموعة من الضغوطات الدولية على إسرائيل لوقف هذا العدوان، تمثلت هذه الضغوطات في:

أ- سحب السفراء وقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل: بعد عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر 2023، كانت هناك موجة دعم غير مسبوقة لدولة إسرائيل، وخلالها اختارت حوالي مائة دولة إدانة هجوم حماس رسميًا. لكن مع استمرار حرب السيوف الحديدية وتعمق النشاط البري في قطاع غزة، بدأت عشرات الدول في إدانة التصرفات الإسرائيلية.

ووفقًا للبيانات، لا تزال 59 دولة تعرب عن دعمها غير المشروط لإسرائيل، وفي بعض الأحيان تدين حماس صراحة. ويتضمن هذا الدعم تصريحات رسمية صريحة بشأن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. في حين أن 9 دول فقط اتخذت موقفًا محايدًا، ودعت إلى وقف أعمال العنف من الجانبين، بينما لم تختار 102 دولة، حتى هذه الأيام، الاستجابة بعد. في المقابل، أعربت 39 دولة عن دعمها للفلسطينيين أو إدانة إسرائيل. وتشمل هذه البلدان بشكل رئيسي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأمريكا اللاتينية. وأعرب بعضهم عن انتقادات محددة للنشاط البري الإسرائيلي في قطاع غزة، في حين أعرب آخرون، وخاصة دول الشرق الأوسط، عن دعمهم لحماس والنضال الفلسطيني.

وسرعان ما تحولت هذه الإدانات إلى أفعال[94]. حيث أعلنت دولة بوليفيا، في 31 أكتوبر 2023،  قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل احتجاجًا على المجازر التي ينفذها الاحتلال في قطاع غزة. وفي خطوة متزامنة استدعت كولومبيا سفيرها لدى الاحتلال للتشاور بسبب استمرار الحرب، وقامت بطرد السفير الإسرائيلي لديها، حيث اتهم الرئيس الكولومبي إسرائيل بارتكاب “مذبحة للشعب الفلسطيني”. واتخذت تشيلي نفس الخطوة، في 3 نوفمبر، واستدعت سفيرها بسبب ما وصفتها بـ”انتهاكات للقانون الإنساني الدولي” في قطاع غزة، وجاء في بيان لوزارة الخارجية، نقلته رويترز أنها “تدين بشدة وتراقب بقلق بالغ.. هذه العمليات العسكرية”، معتبرة أن العمليات الإسرائيلية بمثابة “عقاب جماعي” للسكان المدنيين في غزة.

كما قررت هندوراس، في 3 نوفمبر، استدعاء سفيرها لدى إسرائيل، وقالت وزيرة الخارجية، على منصة “إكس”، إن هذه الخطوة تأتي “في ظل الوضع الإنساني الخطير الذي يعاني منه السكان المدنيون الفلسطينيون في قطاع غزة”[95]. وأعلنت دولة بليز، في 14 نوفمبر 2023، وهي أصغر دولة في أمريكا الوسطى، تعليق العلاقات الدبلوماسية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ احتجاجًا على استمرار العدوان على قطاع غزة[96].

وأعلنت جنوب أفريقيا، في 10 نوفمبر 2023، استدعاء السفير الإسرائيلي، في العاصمة بريتوريا، احتجاجًا على الهجمات الإسرائيلية على غزة، كما استدعت قبلها بأيام كل دبلوماسييها من إسرائيل للتشاور. ووافق برلمان جنوب أفريقيا، في 20 نوفمبر، بأغلبية الأصوات على تعليق العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وإغلاق سفارة تل أبيب في العاصمة بريتوريا[97].

وأعلنت تركيا، في 2 نوفمبر 2023، استدعاء سفيرها لدى إسرائيل، حيث قالت وزارة الخارجية إن هذه الخطوة لعدم استجابة الاحتلال الإسرائيلي لمطالب وقف إطلاق النار ومواصلته الهجمات على المدنيين، وعدم السماح لدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع الذي يعاني من كارثة إنسانية[98]. ويأتي قرار سحب السفير التركي من تل أبيب، بعد أن كان السفير الإسرائيلي في أنقرة قد سُحب لأسباب أمنية، وبعد تصريح الرئيس التركي بوقف الاتصالات مع رئيس الحكومة الإسرائيلي، نتنياهو، ولكن أنقرة لم تتخذ قرارًا بقطع العلاقات، ربما لأنها قد تكون توازن بين مقتضيات مصالحها القومية ومقتضيات دعمها للقضية الفلسطينية، وكذلك ربما أن المسؤولين الأتراك لا زالوا يعتقدون أن بإمكان بلادهم لعب دور ما في إنهاء الحرب وفي الترتيبات التي يمكن أن تلي نهاية الحرب[99].

ب- دعم الأمم المتحدة للحقوق الفلسطينية: يتركز الدعم الأممي للحقوق الفلسطينية في هذه الحرب على ثلاثة محاور رئيسية:

المحور الأول؛ تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش المتتابعة والتي تؤكد علي ضرورة وقف الحرب وإدخال المساعدات. فقد قال غوتيريش ، في 10 أكتوبر 2023، إن الوضع الإنساني في غزة كان مأساويًا قبل الحرب والآن سيتدهور أكثر، مؤكدًا أن هجمات حماس لم تأتي من فراغ بل نتاج احتلال دام (75) عامًا للأراضي الفلسطينية، ويظهر هنا أن خطاب غوتيريش أكد على أن القضية الفلسطينية ومعاناة الشعب الفلسطيني لم تبدأ كما يتم التركيز ضمن السردية الإسرائيلية في السابع من أكتوبر ولكن منذ أكثر من خمسة عقود. وتعليقًا على مطالبة إسرائيل في 13 أكتوبر لسكان غزة بإخلاء منازلهم، طالب غوتيريش إسرائيل بإعادة النظر في القرار؛ نظرًا لأن عملية الإجلاء الجماعي يكون لها عواقب إنسانية مدمرة. كما دعا غوتيريش على مدار أكثر من شهر بضرورة وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات، وأكد بجلسة طارئة لمجلس الأمن في 24 أكتوبر، على أن هجمات حماس لا تبرر لإسرائيل القتل الجماعي بحق المدنيين[100].

فجرت تصريحات جوتيريش غضبًا في تل أبيب، حيث أنتقد وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين تصريحات غوتيريش وألغي اجتماعًا معه، بينما دعا كلًا من مندوب إسرائيل بالأمم المتحدة جلعاد أردان، وعضو حكومة الطوارئ الإسرائيلية التي تم تشكيلها خلال الحرب الحالية بيني جانتس، إلى استقالته، بعد زعمهما أنه “يدعم الإرهاب”[101]. كما أعلن أردان رفض إسرائيل إعطاء تأشيرة دخول لمارتن غريفيث، مبعوث غوتيريش للشؤون الإنسانية، وكذلك وقف إصدار تأشيرات دخول لممثلي الأمم المتحدة كافة[102]. ولكن ذلك، لم يمنع  غوتيريش من تجديد دعوته، في 6 نوفمبر 2023، لوقف إطلاق النار؛ نظرًا لتحول الوضع من أزمة إنسانية في غزة إلى أزمة للبشرية ككل[103].

وتأتي تصريحات غوتيريش المنتقدة للعدوان الإسرائيلي على غزة عقب تصاعد الانتقادات الموجهة لموقفه المتخاذل من هذا العدوان، والتي وصلت إلى حد المطالبة باستقالته من منصبه؛ وقد تركزت هذه الانتقادات علي:

–  عدم دعوة الأمين العام لوقف إطلاق النار، أو حتى هدنة إنسانية، ولم يتم ذلك إلا بعد مرور عشرة أيام من العدوان الإسرائيلي على غزة.

– في بياناته الأولى ركز الأمين العام على الإدانة القوية لحركة حماس، واعتبار ما قامت به عملية “إرهابية”، من دون أن يضع ما قامت به في الإطار الصحيح لمعاناة الشعب الفلسطيني على مر السنين، أي أنه قطع الحادث عن سياقه التاريخي.

– في بياناته الأولى مرة وراء مرة دعا إلى إطلاق الرهائن، من دون قيد أو شرط، ومن دون أي إشارة إلى الآلاف من الفلسطينيين المتعقلين والأسرى ومن بينهم أكثر من 300 طفل. ولم يذكر الأمين العام في بياناته أي كلمة عما يجري في الضفة الغربية من قتل واقتحامات وإصابات بالمئات واعتقالات، من دون أن يكون هناك أي ولاية أو سيطرة لحركة حماس. فهل الضحايا من الفلسطينيين، خاصة الأطفال في الضفة الغربية لا يستحقون لفتة من الأمين العام ولو من نوع رفع العتب؟.

– لم يستخدم كلمة “إدانة” في ما تقوم به إسرائيل من قصف جوي، ولم يستخدم اللغة نفسها التي استعملها في إدانة ما قامت به حماس، وهو يرى بأم عينيه أرقام الضحايا تتضاعف يوميًا، خاصة بين الأطفال والنساء. وأول مرة استخدم كلمة “إدانة” عند تدمير المستشفى الأهلي العربي “المعمداني”، وفي البيان نفسه أدان استهداف مدرسة تابعة للأونروا قتل فيها سبعة موظفين، أي أنه جمع الجريمتين في بيان واحد.

– موقفه على معبر رفح، في 20 أكتوبر، وظهور العجز الأممي عن إدخال المساعدات لقطاع غزة، وخطابه العاطفي من الجانب المصري، والذي ظهر وكأنه يريد أن يبرئ نفسه من انتقادات شديدة حول تأخره في الدعوة إلى وقف إطلاق النار وفتح المعابر بسرعة[104].

المحور الثاني؛ إصدار قرارات من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن لوقف إطلاق النار. حيث صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة في الجلسة الطارئة التي عقدتها، في 29 أكتوبر 2023، على مشروع قرار يدعو إلى هدنة إنسانية فورية ودائمة تؤول إلى وقف الأعمال العدائية وإدخال المساعدات لغزة. وحظي القرار الأممي بتأييد (121) صوتًا ومعارضة (14) صوتًا، فيما امتنعت 45 دولة عن التصويت، وذلك من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة. وقدم القرار الأردن نيابة عن المجموعة العربية بالأمم المتحدة، وذلك بعد فشل مجلس الأمن أربع مرات في تبني قرار لوقف إطلاق النار بغزة. وانتقدت الولايات المتحدة وإسرائيل القرار لعدم إشارته لحركة حماس، واتهم المندوب الإسرائيلي بالأمم المتحدة من صوت لصالح القرار بأنهم يفضلون الدفاع عن إرهابيين نازيين بدلًا من إسرائيل، مشددًا على أن الأمم المتحدة “أفلست أخلاقيًا وفقدت شرعيتها”[105]، ووصفت الخارجية الإسرائيلية القرار بأنه “حقير”[106].

واعتمد مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، في 15 نوفمبر 2023، قرارًا يدعو إلى “إقامة هدن وممرات إنسانية عاجلة في جميع أنحاء قطاع غزة والإفراج الفوري عن جميع الرهائن”. وصدر القرار بتأييد 12 عضوًا وامتناع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والمملكة المتحدة عن التصويت. وصاغ القرار مالطا التي ترأس مجموعة عمل مجلس الأمن حول الأطفال والصراعات المسلحة.

وكانت هذه هي المحاولة الخامسة في المجلس لاعتماد مشروع قرار حول التصعيد في غزة منذ السابع من أكتوبر، ولم يتمكن المجلس في المرات السابقة من اعتماد أي من مشاريع القرارات التي طرحت عليه إما لاستخدام الفيتو أو عدم الحصول على العدد الكافي من الأصوات.

ووفقًا للأمم المتحدة، اقترح السفير الروسي لدى الأمم المتحدة قبل التصويت إضافة تعديل شفهي لمشروع القرار يدعو إلى “هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تؤدي إلى وقف الاعمال العدائية”. وطرح رئيس مجلس الأمن للشهر الحالي، السفير الصيني، التعديل للتصويت، وأيد التعديل 5 أعضاء واعترضت عليه الولايات المتحدة الأمريكية وامتنع 9 أعضاء عن التصويت، وبذلك لم يُعتمد التعديل لعدم حصوله على العدد الكافي من الأصوات[107].

جدير بالذكر هنا، أن هذا الموقف الأممي الداعم للحقوق الفلسطينية، يقوم على أساس حل الدولتين، وهي فكرة مجمع عليها دوليًا خاصة من قبل الصين وروسيا والدول العربية. وقد ظهر الموقفين الروسي والصيني في تباين صارخ مع الموقف الغربي الرسمي. حيث لم يعرب المسؤولون الروس والصينيون عن تعاطفهم مع أهالي قطاع غزة وحسب، ولكنهم دعوا صراحة إلى وقف إطلاق النار ووضع نهاية للحرب، سواء في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، أو في لقاءات صحفية متفرقة. والواضح، أن كلًّا من موسكو وبيكين رأت في الحرب على قطاع غزة، والدعم الغربي الصريح لإسرائيل، فرصة لتوكيد دعوتها إلى بناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، وفرصة أخرى لتعزيز موقعها ونفوذها في الشرق الأوسط[108].

ج- تحرك المنظمات التابعة للأمم المتحدة على المستوي الإنساني: حذرت العديد من المنظمات التابعة للأمم المتحدة من تفاقم الوضع الإنساني في قطاع غزة، لاسيما مع استمرار الحصار الإسرائيلي للقطاع والضربات العسكرية الموجهة له، وتمثلت أهم المواقف الصادرة من تلك المنظمات في التالي:

– ذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “OCHA” في 3 نوفمبر 2023، في إحاطته بخصوص الوضع في قطاع غزة أمام مجلس الأمن الدولي، أن الأثر الإنساني للهجمات العسكرية على القطاع هو أثر كارثي، لأن هناك الكثير من سكان القطاع يشربون مياه غير نظيفة، في حين أصبح الحصول على الغذاء مصدر قلق، إضافة إلى أن المساعدات الإنسانية لا تشمل الوقود، وهو أمر ضروري للإبقاء على عمل المستشفيات ومحطات تحلية المياه وغيرها من المنشآت الرئيسية[109].

وكانت مديرة قسم التمويل الإنساني وتعبئة الموارد في مكتب منسق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة ليزا دوغتن، وصفت في كلمة ألقتها، في 30 أكتوبر أمام جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي، الوضع في غزة بالكارثي، وتحدثت عن “حصار وقصف مستمر منذ 23 يومًا قتل فيه أكثر من ثمانية آلاف فلسطيني أغلبهم من النساء والأطفال، كما أصيب عشرات الآلاف غيرهم”. ووصفت نظام الرعاية الصحية في غزة بأنه في حالة يرثى لها، قائلة: “ممرات مكتظة بالمرضى على الأرض. الجراحون يعملون بدون تخدير… وهناك نحو 50 ألف امرأة حامل، من المقرر أن تضع 5.500 منهن خلال الثلاثين يومًا القادمة”. أما بالنسبة لمرضى غسيل الكلى والأطفال الخدج، فإن حياتهم “تتشبث بخيط رفيع، ناهيك عن عدم تلقي  نحو 9 آلاف شخص من مرضى السرطان الرعاية الكافية”[110].

– أكدت المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) كاثرين راسل، في كلمة ألقتها، في 30 أكتوبر 2023 أمام جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي، إن أكثر من 3400 طفل قتلوا في غزة حتى يوم 30 أكتوبر، جراء القصف الإسرائيلي. فيما أصيب 6300 طفل على الأقل. وأوضحت أن هذه الحصيلة تشير إلى أن 420 طفلًا يقتلون أو يصابون يوميًا في قطاع غزة[111].

– قال مفوض منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني، في كلمة ألقاها، في 30 أكتوبر أمام جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي، إن 70% ممن استشهدوا في قطاع غزة جراء الغارات الإسرائيلية خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، هم من الأطفال والنساء. ثم تطرق لتقرير صادر عن منظمة “أنقذوا الأطفال” أشار فيه إلى “أن ما يقرب من 3200 طفل قتلوا في غزة خلال ثلاثة أسابيع فقط، ويتجاوز هذا عدد الأطفال الذين يقتلون سنويًا في مناطق النزاع في جميع أنحاء العالم منذ عام 2019”.

وأكد لازاريني أن الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر يتعرضون للتهجير القسري والعقاب الجماعي. حيث أشار لازاريني إلى نزوح أكثر من نصف سكان غزة، في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، وأنه يوجد أكثر من 670 ألف نازح في مدارس ومباني أونروا، واصفًا ما يحدث بأنه “تهجير قسري”، كما تحدث عن إشعارات الإخلاء التي يرسلها جيش الاحتلال إلى “المدنيين الذين بقوا في شمال غزة، تحثهم من خلالها على الذهاب إلى الجنوب لتلقي المساعدات الإنسانية، الشحيحة أصلًا”. مشيرًا إلى أن “العدد القليل من قوافل المساعدات المسموح لها بالمرور عبر معبر رفح لا يقارن بمستوى الاحتياجات لأكثر من مليوني شخص محاصرين في غزة”.

كما توقف لازاريني عند استهداف “مرافق الأونروا، بما في ذلك تلك التي تؤوي النازحين”، مؤكدًا “مقتل وجرح عدد كبير جدًا من الأشخاص أثناء بحثهم عن الأمان في أماكن يحميها القانون الإنساني الدولي، بما فيهم مقتل 63 من موظفي الأونروا”[112].

جدير بالذكر هنا، أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” تأسست عام 1949 من الجمعية العامة للأمم المتحدة، للعمل في فلسطين والشتات في سوريا ولبنان والأردن، لتقديم المساعدة الإنسانية والحماية للاجئي فلسطين المسجلين في مناطق عمليات الوكالة إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل ودائم لمحنتهم[113].

– حذرت منظمة الأغذية والزراعة “فاو” في 3 نوفمبر 2023، في تقرير مؤشر الأغذية العالمية، من أن أكثر من نصف سكان قطاع غزة كانوا يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد بالفعل في عام 2022، وأن تصاعد الصراع هناك سيزيد من الاحتياجات الإنسانية والمساعدات الطارئة[114].

– رغم فتح معبر رفح في الأول من نوفمبر 2023 لنقل الجرحى من غزة للعلاج بالمستشفيات المصرية، حذرت منظمة الصحة العالمية من نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، ما يتطلب خروج (100) مريض يوميًا من القطاع للحصول على الخدمات الصحية، بعد تعرض المنشآت الصحية إلى (82) هجومًا وقتل نحو (16) من العاملين بالقطاع الصحي وتضرر (28) سيارة إسعاف[115].

كما أكدت المنظمة، في 14 نوفمبر 2023، أن أكثر من نصف مستشفيات قطاع غزة خرجت عن الخدمة بسبب شح الوقود والهجمات الإسرائيلية والبيئة غير الآمنة. وأوضحت المنظمة في بيان، أن 22 مستشفى من أصل 36 في غزة خرجت عن الخدمة، لافتة إلى أن المتبقي منها لا تتوافر فيه المستلزمات الطبية لمواصلة العمليات الجراحية الحرجة وتوفير العناية المركزة. وشددت على أنه من الصعب للغاية إخلاء مستشفى الشفاء في غزة الذي يضم 700 مريض (بعد محاصرة إسرائيل وسيطرته عليه). وطالبت منظمة الصحة العالمية بوقف إطلاق نار فوري، وتوفير الخدمات الصحية والحماية للمدنيين، واحترام القانون الإنساني الدولي[116].

ولكن رغم هذه التصريحات الصادرة عن المنظمات الأممية والتي تنتقد العدوان الإسرائيلي علي غزة، إلا أن التحركات الفعلية لهذه المنظمات تكشف عن تواطؤ كبير مع العدوان الإسرائيلي. فعلى الرغم من التصريحات المتتالية لمنظمات الأمم المتحدة والإنذارات التي تصدرها عن الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، فإن هذه التصريحات غابت في معظمها عن تحميل “إسرائيل” السبب المباشر، ففي بيان نعي موظفي الأونروا، يقول المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، في 27 أكتوبر 2023: “تأكد مقتل ما لا يقل عن 53 من زملائي، تلقينا تأكيدات بأن 15 منهم قتلوا في يوم واحد”، القاتل في نظر الأونروا مبني للمجهول[117].

وعندما طالبت إسرائيل بتهجير سكان المنطقة الشمالية من قطاع غزة، والذي يتجاوز عددهم مليون فلسطيني، إلى جنوب غزة، قام موظفو الهيئات الدولية في قطاع غزة، وفي مقدمتهم “وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)” و”برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)”، بالتوجه إلى جنوب غزة، واقتصرت الخدمات التي تقدمها هذه الهيئات على الجنوب دون الشمال، رغم التزم السواد الأعظم من أهالي القطاع منازلهم في الشمال، وإعلانهم رفض مخططات التهجير. فيما لم يكن لهذه الخطوة من معنى، سوى استجابة هذه المنظمات لمخطط الاحتلال بتهجير سكان شمال القطاع، بل وحث الناس الذين يحتاجون خدماتها على اللحاق بها.

ناهيك عن أن المساعدات التي تمر عبر معبر رفح، ويتم تسليمها للأمم المتحدة (الأونروا)، ومنظمة الصحة العالمية، والهلال الأحمر الفلسطيني، لنقلها إلى مستودعات “الأونروا” في خانيونس، التي بدورها ستكون مسؤولة عن توزيعها، بدون أي تنسيق مع الجهات الحكومية في غزة. ثم تضمن هذه المؤسسات الثلاثة عدم إيصال أي من المساعدات إلى شمال قطاع غزة، وإلا فإن الشاحنات المحملة بها ستقصف.

وعلى الرغم من الوضع الصحي الكارثي في القطاع، وإعلان وزارة الصحة انهيار الخدمات الطبية في مشافي القطاع التابعة لها، والتي تستقبل آلاف الجرحى والشهداء يوميًا، تحديدًا مشافي شمال القطاع (مجمع الشفاء والإندونيسي وكمال عدوان)، فلم يتم تقديم أي جزء من المساعدات إلى هذه المشافي ومحاولة إنقاذها من الانهيار. علمًا بأن الأمم المتحدة المكلفة دوليًا بخدمة 70٪ من سكان قطاع غزة كونهم لاجئين، لا تقدم أي خدمات صحية مباشرة للجرحى والمصابين، ولا تمتلك أي مشافي قد تساهم في تخفيف حالة الاستنزاف المتواصلة للمشافي الحكومية.

إلى جانب كل ما سبق، تشارك “الأونروا” في تبييض وجه الاحتلال، عبر المشاركة في مسرحية “قوافل الإغاثة” التي يصور من خلالها للعالم بأن الاحتلال رحيم بدعمه سكان القطاع، فيما لا تلبي هذه القوافل أيًا من احتياجات القطاع، لا كمًا ولا نوعًا، إذ إن ما يدخل منها يوميًا لا يصل إلى 3٪ من عدد الشاحنات الذي كان يدخل غزة قبل المعركة، والبالغ 600 شاحنة يوميًا، علاوة على خلوها من أي مواد ومستلزمات طبية ضرورية وذات أثر على الانهيار الصحي الحالي في القطاع.

ما تفعله المنظمات الأممية، من خلال نقل مركز عملياتها من شمال القطاع إلى جنوبه، هو عمليًا دعوة للناس للهجرة وترك بيوتها. بالتالي، جعل خانيونس مركزًا للقطاع بدلًا من غزة، وهو عين مخطط الاحتلال؛ أن يفصل بين شمال القطاع وجنوبه، ويجعل من الشمال حجيمًا تصله الغارات الصاروخية وممنوعة عنه المساعدات، فيما يحظى الجنوب بقصف أقل وفتات من المساعدات، والأهم، عزل المؤسسات الحكومية عن الدور الإغاثي للناس بحصر المساعدات في المنظمات الأممية. هكذا، تدير هذه المنظمات الحصار مع إسرائيل، وتكون بيده أداة طيعة متواطئة في تجويع الناس وتهجيرهم[118].

د- الدعوات بمحاسبة إسرائيل وملاحقتها قضائيًا: أعلنت المحكمة الجنائية الدولية، في 18 نوفمبر 2023، تقدم 5 دول بطلب للتحقيق في جرائم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وهم دول أطراف في ميثاق روما التأسيسي للمحكمة (جنوب أفريقيا، وبنجلادش، وبوليفيا، وجزر القمر، وجيبوتي). يأتي هذا بعد أن قام المدعي العام للجنائية الدولية كريم خان، بنشر فيديو على حساب المحكمة على منصة “إكس” من الجانب المصري من معبر رفح الحدودي مع غزة، والذي أكد فيه أن مكتبه يجري تحقيقات نشطة حول الجرائم التي يُدعى ارتكابها في إسرائيل في السابع من أكتوبر، وأيضًا فيما يتعلق بالوضع في غزة والضفة الغربية.

وتجدر الإشارة إلى أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها فتح تحقيق تجاه الجرائم الكبرى المرتكبة في فلسطين؛ ففي الثالث من مارس 2021، أعلن مكتب المدعية العام للمحكمة الجنائية الدولية أنها ستبدأ مباشرة تحقيق بخصوص الوضع في فلسطين، هذا التحقيق يغطي الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة (جرائم الحرب والعدوان والإبادة الجماعية)، وأن النطاق الإقليمي لذلك الاختصاص يمتد ليشمل غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.

وتجدر الإشارة إلى أن المحكمة الجنائية الدولية تقاضي الأفراد، وليس الجماعات أو الدول. ويجوز أن يُقدم إلى المحكمة كل فرد يدُعى أنه ارتكب جرائم تدخل في اختصاصها. وتركز سياسة مكتب المدعى العام في الملاحقة القضائية على أولئك الذين يتحملون المسؤولية الكبرى عن الجرائم، استنادًا إلى الأدلة التي تم جمعها، ولا تأخذ في الاعتبار أي منصب رسمي يتقلده المدعى ارتكابه للجرائم.

أما بالنسبة إلى من يحق له تقديم أو رفع دعوى للمحكمة؛ فإنه وفقًا للمادة 13 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإنه يمكن رفع دعوى من قبل دولة طرف في نظام روما الأساسي وهي الدول المصدقة على الميثاق، أو إحالة قضية من قبل مجلس الأمن للمحكمة وفي هذه الحالة يتم استثناء شرط أن تكون الدولة التي يجري فيها التحقيق دولة ليست طرف، وأخيرًا يمكن للمدعي العام أن يباشر التحقيق في قضية ما يراها جريمة بعد أن تستوفي المعايير التي وضعها ميثاق روما.

أما فيما يتعلق بالجرائم التي تختص المحكمة الجنائية الدولية بالنظر فيها؛ جرائم الإبادة الجماعية؛ وهي أفعال تهدف إلى إهلاك جماعة قومية، أو إثنية، أو عرقية، أو دينية وفقًا للمادة 6 من ميثاق روما الأساسي. أو جرائم ضد الإنسانية والتي تشمل القتل العمد، والاسترقاق، وإبعاد السكان أو النقل القسري للسكان وفقًا للمادة 7.  بالإضافة إلى ما سبق؛ جرائم الحرب والتي يحتوي أبرزها على تدمير واسع النطاق للممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية وبطريقة عابثة، وقيام دولة الاحتلال بأبعاد أو نقل كل سكان الأرض المحتلة أو أجزاء منهم داخل هذه الأرض أو خارجها وفقًا للمادة 8. بالإضافة إلى جريمة العدوان وفقًا للمادة 5.

بناء على ما تقدم، يمكن القول إنه يمكن رفع قضية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الجرائم التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة؛ فمن الناحية القانونية وبعد قرارات مارس 2021 في المحكمة الجنائية الدولية بشأن العدوان على فلسطين، وأيضًا من ناحية استيفاء شروط التحقيق في نوعية الجرائم التي ارتكبها نتنياهو في قطاع غزة، ستكون الدعوى صالحة قانونيًا. وذلك أيضًا بعد أن تقدمت 5 دول أطراف في نظام روما التأسيسي للمحكمة، وقبول المدعي العام “كريم خان” فتح التحقيق حول الانتهاكات الإنسانية وجرائم العدوان في غزة. 

لكن من ناحية تحديد الأجندات السياسية؛ تجدر الإشارة إلى أن القضايا التي تحظى بأولوية هي القضايا التي تدعمها الدول الكبرى في المحكمة الجنائية، فعلى سبيل المثال كانت الولايات المتحدة الأمريكية من أكبر الدول الضاغطة على المحكمة من أجل إصدار مذكرة توقيف للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدعوى مسؤوليته عن جرائم حرب في أوكرانيا رغم اعتراضها الشديد قبل ذلك على سياسات المحكمة الجنائية بسبب تحقيقها مع مواطنين أمريكيين.

ولذلك فإن الأجندات السياسية تؤثر إلى حد كبير على قرارات المحكمة، ومثلما عرقلت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العضوين الدائمين بمجلس الأمن اللتين تتمتعان بحق النقض (الفيتو) إصدار مجلس الأمن قرار وقف فوري لإطلاق النار، يُرجح عرقلتهما للتحقيق في جرائم العدوان والإبادة الجماعية التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي. ومن المتوقع أن تقوم إسرائيل بالضغط على الدول الحليفة لها والتي هي طرف في ميثاق روما التأسيسي وفي نفس الوقت تمول المحكمة بهدف قطع التمويل عنها[119].

عمومًا، فعلي الرغم من أن هذه الضغوطات الدولية دون المستوي المطلوب فلسطينيًا، إلا أنها ورغم ذلك تمثل هاجسًا ومصدر قلق لدى صناع القرار الإسرائيليين من إمكانية توسعها بما يضر بمكانة إسرائيل الدبلوماسية. ولعل ما يظهر ذلك، حديث وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، عن إن الضغط الدولي يتزايد على تل أبيب لوقف إطلاق النار في غزة، وإن التضامن مع إسرائيل بعد الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر الماضي “يتقلص”. وقال كوهين في تصريحات أدلى بها في 13 نوفمبر 2023، ونقلتها هيئة البث الإسرائيلية الرسمية: “التقييم لدينا نحو أسبوعين قبل الضغط الدولي الكبير. الضغط ليس مرتفعًا جدًا، لكنه يتزايد”. وأوضح أنه خلال المحادثات التي يجريها مع قادة الدول الغربية “يجري التركيز على القضية الإنسانية”. وأضاف: “الجزء المتعلق بالتضامن والصدمة من “مجزرة” 7 أكتوبر الماضي يتقلص، وهناك من يطالب، ليس علنًا، بوقف إطلاق النار”[120]. وأضاف أن أمامهم أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع لحسم الحرب قبل أن يصبح الضغط مؤثرًا[121].


[1] “الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة: قراءة في موقف القانون الدولي الإنساني”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 1/11/2023، الرابط: https://cutt.us/kzCtW

[2] “أبعاد وارتدادات التحولات الاستراتيجية لـ”طوفان الأقصى””، مجلة السياسة الدولية، 11/10/2023، الرابط: https://cutt.us/eqGi6

[3] ” أبو عبيدة يعلن خسائر إسرائيل خلال الحرب ويوجه رسائل للداخل والخارج”، الجزيرة نت، 23/11/2023، الرابط:

[4] ” الجيش الإسرائيلي يعلن إصابة 1000 جندي منذ بدء الحرب على غزة”، تي أر تي عربي، 28/11/2023، الرابط: https://cutt.us/13tJ3

[5] “القتال التلاحمي.. معركة “الميركافا” و”الياسين” في شمال قطاع غزة”، مرجع سابق.

[6] “خبير عسكري يجيب.. 6 أسئلة تلخص ما يدور في غزة حاليا”، مرجع سابق.

[7] المرجع السابق.

[8] “”الممر الإنساني”.. تفريغ غزة لتسهيل إبادتها”، الجزيرة نت، 14/10/2023، الرابط: https://cutt.us/yNOUC

[9] “مصير الحرب يتوقف على مدتها”، مرجع سابق.

[10] “مُعضِلة إسرائيل المزدوجَة: العملية العسكرية في قطاع غزة بين أهداف الحرب وملف الأسرى والرهائن”، مركز الإمارات للسياسات، 6/11/2023، الرابط: https://cutt.us/x4CS7

[11] “العدوان الإسرائيلي على غزّة: هل من أفق زمني لانتهاء الحرب؟”، مرجع سابق.

[12] ” بعد شهر من الحرب على غزة.. 5 تحديات تواجهها إسرائيل”، الجزيرة نت، 6/11/2023، الرابط: https://cutt.us/fPddV 

[13]” كيف سيطرت كتائب القسام على “فرقة غزة”؟ الأداء القتالي للمقاومة الفلسطينية ومعرقلات العمل العسكري الإسرائيلي البري”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 29/10/2023، الرابط: https://cutt.us/fYV9T 

[14] “العدوان الإسرائيلي على غزّة: هل من أفق زمني لانتهاء الحرب؟”، مرجع سابق.

[15] “الحرب الإسرائيلية على مدينة غزة: أهدافها ونتائجها المتوقعة”، مرجع سابق.

[16] ” اجتياح غزة.. 6 أسباب خلف تردد الاحتلال”، نون بوست، 24/10/2023، الرابط: https://cutt.us/xnUJt

[17] ” طوفان الأقصى: انهيار الردع الإسرائيلي ومحاولات استعادته”، مركز الجزيرة للدراسات، 8/11/2023، الرابط: https://cutt.us/USH0V

[18] “سيناريوهات انتهاء الحرب على غزة”، عربي21، 13/11/2023، الرابط: https://cutt.us/quDaG

[19] ” الاجتياح البريّ للقطاع: كيف؟ ولماذا؟ وهل؟”، مرجع سابق.

[20] “حسابات العدوان البري الإسرائيلي على غزة ومسألة تبادل الأسرى”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 29/10/2023، الرابط: https://cutt.us/rDB2H

[21] ” الخلاف يتسع داخل إسرائيل ونتنياهو يضطر للاعتذار عن تغريدته”، الجزيرة نت، 29/10/2023، الرابط: https://cutt.us/Wd5fh

[22] “اتجاهات الرأي العام الإسرائيلي في ضوء الحرب على غزة ومستقبل حكومة نتنياهو”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 7/11/2023، الرابط: https://cutt.us/DuIPU

[23] ” اجتياح غزة.. 6 أسباب خلف تردد الاحتلال”، مرجع سابق.

[24] ” الاجتياح البريّ للقطاع: كيف؟ ولماذا؟ وهل؟”، مرجع سابق.

[25] “اتجاهات الرأي العام الإسرائيلي في ضوء الحرب على غزة ومستقبل حكومة نتنياهو”، مرجع سابق.

[26] ” اجتياح غزة.. 6 أسباب خلف تردد الاحتلال”، مرجع سابق.

[27] “حسابات العدوان البري الإسرائيلي على غزة ومسألة تبادل الأسرى”، مرجع سابق.

[28] “الأسرى/المفقودون الإسرائيليون: بين أجندة الحكومة السياسية- العسكرية ومطالبات الأهالي بحلّ فوري”، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، 30/10/2023، الرابط: https://cutt.us/Ro47C

[29] المرجع السابق.

[30] “بروتوكول هانيبال: هل تحرق إسرائيل ورقة الأسرى؟”، مركز الحبتور للأبحاث، 18/10/2023، الرابط: https://cutt.us/eo6xs

[31] “حسابات استخدام “الأسرى الأجانب” في تهدئة الوضع في غزة”، مركز رع للدراسات الاستراتيجية، 20/10/2023، الرابط: https://cutt.us/SGWtw

[32] “مُعضِلة إسرائيل المزدوجَة: العملية العسكرية في قطاع غزة بين أهداف الحرب وملف الأسرى والرهائن”، مرجع سابق.

[33] “السيناريوهات الغربية والإسرائيلية لليوم التالي لحرب غزة: التناقض وعدم الواقعية”، مرجع سابق.

[34] “مصير الحرب يتوقف على مدتها”، مرجع سابق.

[35] “إسرائيل تقر موازنة “غير مسبوقة” لتمويل حرب غزة وتنوي تعزيز الاستيطان بالضفة”، تي أر تي عربي، 28/11/2023، الرابط: https://cutt.us/0p2RH 

[36] “تداعيات «طوفان الأقصى» على الاقتصاد الإسرائيلي: تكاليف باهظة وآفاق مستقبلية قاتمة”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 30/10/2023، الرابط: https://cutt.us/TmeCA

[37] “كم ستصمد “إسرائيل” أمام خسائرها الاقتصادية؟”، مركز رؤية للتنمية السياسية، 8/11/2023، الرابط: https://cutt.us/41Swb

[38] “تداعيات «طوفان الأقصى» على الاقتصاد الإسرائيلي: تكاليف باهظة وآفاق مستقبلية قاتمة”، مرجع سابق.

[39] “البنك المركزي الإسرائيلي: كلفة الحرب على غزة قد تبلغ 50 مليار دولار”، تي أر تي عربي، 27/11/2023، الرابط: https://cutt.us/Uvwew

[40] “تداعيات «طوفان الأقصى» على الاقتصاد الإسرائيلي: تكاليف باهظة وآفاق مستقبلية قاتمة”، مرجع سابق.

[41] المرجع السابق.

[42] “كم ستصمد “إسرائيل” أمام خسائرها الاقتصادية؟”، مرجع سابق.

[43] “كيف يضغط ملف المحتجزين على حكومة نتنياهو؟”، مركز رع للدراسات الاستراتيجية، 13/11/2023، الرابط: https://cutt.us/lS8Rt

[44] ” اجتياح غزة.. 6 أسباب خلف تردد الاحتلال”، مرجع سابق.

[45] “الحرب الإسرائيلية على مدينة غزة: أهدافها ونتائجها المتوقعة”، مرجع سابق.

[46] “سيناريوهات انتهاء الحرب على غزة”، عربي21، 13/11/2023، الرابط: https://cutt.us/quDaG

[47] “التهجير بالتهجير: نصف مليون مستوطن يغادرون مستوطناتهم”، نون بوست، 24/10/2023، الرابط: https://cutt.us/OS1ol

[48] “طوفان الأقصى.. تحولات أداء المقاومة والآثار الإستراتيجية للمواجهة”، مرجع سابق.

[49] ” بعد شهر من الحرب على غزة.. 5 تحديات تواجهها إسرائيل”، مرجع سابق.

[50] “الجبهة الفلسطينية الثانية: هدوء نسبي وقلق وانتظار”، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني، 26/10/2023، الرابط: https://cutt.us/BhkrW

[51] ” هكذا تفاعلت الضفة الغربية مع العدوان الإسرائيلي على غزة”، الجزيرة نت، 31/10/2023، الرابط: https://cutt.us/OaJEo

[52] “طوفان الأقصى وديناميات المقاومة في الضفة الغربية”، مركز الجزيرة للدراسات، 18/10/2023، الرابط: https://cutt.us/UJChb

[53] ” قوات الاحتلال تقتحم مجددا مناطق عدة بالضفة وتصيب شابا بالرصاص”، الجزيرة نت، 27/11/2023، الرابط: https://cutt.us/n0Eca 

[54] “هل تلحق الضفة والداخل المحتل “بطوفان الأقصى”؟”، نون بوست، 9/10/2023، الرابط: https://cutt.us/8E1bY

[55] “موقف السلطة من «طوفان الأقصى».. لسانها مع المقاومة وقلبها مع الاحتلال”، بوابة الحرية والعدالة، 8/10/2023، الرابط: https://cutt.us/hF21P

[56] ” هكذا تفاعلت الضفة الغربية مع العدوان الإسرائيلي على غزة”، مرجع سابق.

[57] ” طوفان الأقصى: انهيار الردع الإسرائيلي ومحاولات استعادته”، مركز الجزيرة للدراسات، 8/11/2023، الرابط: https://cutt.us/USH0V

[58] “عملية “طوفان الأقصى”: انهيار الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه غزة”، مرجع سابق.

[59] “مصير الحرب يتوقف على مدتها”، مرجع سابق.

[60] “عملية “طوفان الأقصى”: انهيار الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه غزة”، مرجع سابق.

[61] “مصير الحرب يتوقف على مدتها”، مرجع سابق.

[62] “العدوان الإسرائيلي على غزّة: هل من أفق زمني لانتهاء الحرب؟”، مرجع سابق.

[63] “ما وراء تغير الموقف الأمريكي تجاه التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة؟”، المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، 9/11/2023، الرابط: https://cutt.us/luYQB

[64] “سيناريوهات انتهاء الحرب على غزة”، مرجع سابق.

[65] “العوامل المؤثرة في بدء الاحتلال الإسرائيلي للعملية البرية ضدّ المقاومة وقطاع غزة”، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 24/10/2023، الرابط: https://cutt.us/Hy2VG

[66] المرجع السابق.

[67] ” حصاد شهر من المواقف الغربية والأوروبية تجاه الحرب على غزة”، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 15/11/2023، الرابط: https://cutt.us/d5aVH

[68] “السيناريوهات الغربية والإسرائيلية لليوم التالي لحرب غزة: التناقض وعدم الواقعية”، مرجع سابق.

[69] “4 سيناريوهات لحكم قطاع غزة فيما لو نجح الاحتلال بتحييد حماس”، مرجع سابق.

[70] “السيناريوهات الغربية والإسرائيلية لليوم التالي لحرب غزة: التناقض وعدم الواقعية”، مرجع سابق.

[71] ” حصاد شهر من المواقف الغربية والأوروبية تجاه الحرب على غزة”، مرجع سابق.

[72] “ملامح التغيير في الموقف الأوروبي من حرب غزة”، مركز رع للدراسات الاستراتيجية، 29/11/2023، الرابط: https://cutt.us/Y4NFn

[73] “ضغط دولي غير مسبوق… هل يُرغم العالم إسرائيل على وقف العدوان على غزة؟”، تي أر تي عربي، 14/11/2023، الرابط: https://cutt.us/i7NpT

[74] “ملامح التغيير في الموقف الأوروبي من حرب غزة”، مرجع سابق.

[75] ” البرلمان البريطاني يرفض وقف إطلاق النار بغزة.. وتمرد واسع بحزب العمال”، عربي21، 15/11/2023، الرابط: https://cutt.us/LJFJ5

[76] ” حصاد شهر من المواقف الغربية والأوروبية تجاه الحرب على غزة”، مرجع سابق.

[77] “ملامح التغيير في الموقف الأوروبي من حرب غزة”، مرجع سابق.

[78] “دلالات اتجاهات التصويت على القرار العربي بالأمم المتحدة حول غزة”، القاهرة الإخبارية، 31/10/2023، الرابط: https://cutt.us/RIy80

[79] ” أمن دولي ـ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الدور الأوروبي”، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، 13/10/2023، الرابط: https://cutt.us/93deO

[80] “ضغط دولي غير مسبوق… هل يُرغم العالم إسرائيل على وقف العدوان على غزة؟”، مرجع سابق.

[81] “لماذا تراجعت حدة المواقف الغربية الداعمة للعدوان على غزة؟”، الجزيرة نت، 14/11/2023، الرابط: https://cutt.us/6MZa9

[82] “ملامح التغيير في الموقف الأوروبي من حرب غزة”، مرجع سابق.

[83] المرجع السابق.

[84] ” حصاد شهر من المواقف الغربية والأوروبية تجاه الحرب على غزة”، مرجع سابق.

[85] “الموقف العربي بعد شهر من طوفان الأقصى: عقلية الوهن وواقع الإنهاك”، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 18/11/2023، الرابط: https://cutt.us/3xCrp

[86] “مصير الحرب يتوقف على مدتها”، مرجع سابق.

[87] “معركة طوفان الأقصى.. هل يتخلخل الميزان الدبلوماسي لإسرائيل؟”، المركز الفلسطيني للإعلام، 6/11/2023، الرابط: https://cutt.us/zNt5h

[88] ” طوفان الأقصى: انهيار الردع الإسرائيلي ومحاولات استعادته”، مرجع سابق.

[89] ” الخيارات “الإسرائيلية” المعقدة في قطاع غزة”، مركز رؤية للتنمية السياسية، 20/11/2023، الرابط: https://cutt.us/gQajp 

[90] “مصير الحرب يتوقف على مدتها”، مرجع سابق.

[91] “4 سيناريوهات لحكم قطاع غزة فيما لو نجح الاحتلال بتحييد حماس”، مرجع سابق.

[92] “السيناريوهات الغربية والإسرائيلية لليوم التالي لحرب غزة: التناقض وعدم الواقعية”، جع سابق.

[93] ” الخيارات “الإسرائيلية” المعقدة في قطاع غزة”، مرجع سابق.

[94] “الوضع الدولي: ما هي الدول التي تدعم إسرائيل وأيها لا تدعمها؟”، حضارات للدراسات السياسية والاستراتيجية، 21/11/2023، الرابط: https://cutt.us/hihiW

[95] “معركة طوفان الأقصى.. هل يتخلخل الميزان الدبلوماسي لإسرائيل؟”، مرجع سابق.

[96] “دولة جديدة في أمريكا الوسطى تقطع علاقاتها مع إسرائيل بسبب غزة”، الخليج الجديد، 14/11/2023، الرابط: https://cutt.us/sXrgD

[97] ” جنوب أفريقيا تعلق العلاقات مع إسرائيل وتغلق سفارة تل أبيب- (فيديو)”، القدس العربي، 21/11/2023، الرابط: https://cutt.us/r0o7Y

[98] “معركة طوفان الأقصى.. هل يتخلخل الميزان الدبلوماسي لإسرائيل؟”، مرجع سابق.

[99] ” طوفان الأقصى: انهيار الردع الإسرائيلي ومحاولات استعادته”، مرجع سابق.

[100] “أمن دولي ـ كيف يتعامل المجتمع الدولي مع التصعيد في غزة؟”، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، 11/11/2023، الرابط: https://cutt.us/zoonQ

[101] ” جوتيريش: هجوم حماس لم يحدث من فراغ.. وإسرائيل تطالبه بالاستقالة”، الخليج الجديد، 24/10/2023، الرابط: https://cutt.us/gkCyV

[102] ” إسرائيل «تؤدّب» الأمم المتحدة!”، القس العربي، 25/10/2023، الرابط: https://cutt.us/ovi3W

[103] “أمن دولي ـ كيف يتعامل المجتمع الدولي مع التصعيد في غزة؟”، مرجع سابق.

[104] ” المطالبة باستقالة غوتيريش من منظورين مختلفين”، القدس العربي، 26/10/2023، الرابط: https://cutt.us/5gJpH

[105] “أمن دولي ـ كيف يتعامل المجتمع الدولي مع التصعيد في غزة؟”، مرجع سابق.

[106] ” محاولات إسرائيلية للتوغل بريًا في غزة وسط قصف غير مسبوق.. وقرار أممي غير ملزم بوقف إطلاق النار”، مدي مصر، 28/10/2023، الرابط: https://cutt.us/tQeAI

[107] ” مجلس الأمن يعتمد قرارا يدعو إلى هدن إنسانية في غزة وإطلاق سراح الرهائن”، سي إن إن عربية، 15/11/2023، الرابط: https://cutt.us/F5GwX 

[108] ” طوفان الأقصى: انهيار الردع الإسرائيلي ومحاولات استعادته”، مرجع سابق.

[109] “تعامل المنظمات الأممية مع تدهور الأوضاع في قطاع غزة”، المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، 5/11/2023، الرابط: https://cutt.us/cBDMw 

[110] ” الأمم المتحدة: الوضع في غزة كارثي والمأساة الإنسانية لا تطاق”، العربي الجديد، 31/10/2023، الرابط: https://cutt.us/NuhqT

[111] ” أونروا: 70% من شهداء غزة أطفال ونساء”، الجزيرة نت، 31/10/2023، الرابط: https://cutt.us/erKuz

[112] ” الأمم المتحدة: الوضع في غزة كارثي والمأساة الإنسانية لا تطاق”، مرجع سابق.

[113] ” الأونروا: شريك رئيس في مخططات تهجير الفلسطينيين”، نون بوست، 28/10/2023، الرابط: https://cutt.us/QY4KH

[114] “تعامل المنظمات الأممية مع تدهور الأوضاع في قطاع غزة”، مرجع سابق.

[115] “أمن دولي ـ كيف يتعامل المجتمع الدولي مع التصعيد في غزة؟”، مرجع سابق.

[116] “الصحة العالمية: أكثر من نصف مستشفيات غزة خارج الخدمة والبقية دون مستلزمات”، تي أر تي عربي، 14/11/2023، الرابط: https://cutt.us/1eR6w

[117] ” الأونروا: شريك رئيس في مخططات تهجير الفلسطينيين”، مرجع سابق.

[118] “كيف تتواطأ المنظّمات الأممية على العدوان على غزّة؟”، متراس، 26/10/2023، الرابط: https://cutt.us/Fgtoj

[119] “هل يمكن للمحكمة الجنائية الدولية التحقيق بشأن جرائم الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؟”، المرصد المصري، 20/11/2023، الرابط: https://cutt.us/VP3yB

[120] “ما التحديات التي تنتظر العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة؟”، تي أر تي عربي، 14/11/2023، الرابط: https://cutt.us/6uHis

[121] “لماذا تراجعت حدة المواقف الغربية الداعمة للعدوان على غزة؟”، الجزيرة نت، 14/11/2023، الرابط: https://cutt.us/6MZa9

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022