انتخابات توغو: الخلفيات والتطورات

في تطور سياسي مثير تشهده جمهورية توغو، قام البرلمان مؤخرًا بتعديل الدستور محوِّلا النظام الحكومي من رئاسي إلى برلماني بأغلبية ساحقة. وأجَّلت الحكومة التوغولية الانتخابات التشريعية والإقليمية، التي كان من المُقرر إجراؤها في 20 إبريل 2024 بقرار من الرئيس فور غناسينغبي، عَقِب اجتماع مع مكتب الجمعية الوطنية يوم الأربعاء 3 إبريل، واتُّخِذ هذا القرار عشية بدء الحملة الانتخابية ضمن هذه الانتخابات التشريعية، فيما شعرت المعارضة بالمفاجأة بالأحداث؛ لأنهم كانوا قد بدءوا بالفعل في استعدادات الحملة الانتخابية عندما اتُّخذ القرار. لكن هذا التغيير والتأجيل، الذي تمَّ دون استشارة شعبية، أثار جدلًا واسعًا ورفضًا من المعارضة، التي تضمَّنت أكاديميين ناشطين وصحفيين اعتبروا التعديل بمثابة انقلاب دستوري. واستجابةً لهذا الاحتجاج، دعا الرئيس التوغولي فور غناسينغبي، البرلمان لإعادة قراءة الدستور، في خطوة شهدت إعادة جدولة للانتخابات البرلمانية لتنعقد في 29 من نفس الشهر. وعلى الرغم من الاعتقالات التي جرت في صفوف المعارضة، فإن الأخيرة أعلنت عن خطط لتنظيم احتجاجات كبيرة مما يُشير إلى تصاعد التوترات في الساحة السياسية التوغولية. فما هي أهمية ما يحدث في توغو تلك الدولة الصغيرة الواقعة في غرب إفريقيا؟ وكيف يُمكن قراءة التطورات الحادثة في إطار ما سبقها من خلفيات وإجراءات؟ تلك هي التساؤلات التي سنسعى للإجابة عنها خلال هذا التقرير..

انتخابات توغو - تصميم الشارع السياسي
انتخابات توغو – تصميم الشارع السياسي

أهمية ما يحدث في توغو: توجو دولة إفريقية تقع ضمن حزام الانقلابات في غرب إفريقيا، والذي يبدأ من النيجر مرورًا ببوركينا فاسو وحتى مالي، حيث شهدت تلك الدول انقلابات خلال الأعوام القليلة الماضية، وتُعيد تشكيل تحالفاتها الإقليمية. ودخول دولة في مثل هذا الموقع مرحلة توتر سياسي على ضوء تعديل دستوري لا يحظى بدعم المعارضة؛ من شأنه أن يُنذر بخطر حقيقي على مستقبل الاستقرار في تلك الدولة. لاسيما بعد أن جدَّدت بعض الأحزاب المعارضة في توغو وجماعات المجتمع المدني دعوتها إلى تنظيم احتجاجات شعبية واسعة النطاق بعد يوم من موافقة أعضاء البرلمان على التعديلات الدستورية، التي من المُرجَّح أن تُمدِّد حكم الرئيس فور غناسينغبي. ويزيد من هذا الخطر كون قمع قوات الشرطة للاحتجاجات السياسية في توغو أمرًا روتينيًا خلال حكم غناسينغبي، الذي فاز بولاية جديدة في عام 2020 عندما حصل على أغلبية ساحقة في انتخابات شكَّكت المعارضة في نزاهتها، وكان قمع قوات الأمن أمرًا مُعتادًا أيضًا خلال فترة حكم والده الطويلة.1 وعلى الرغم من صغر حجم توغو، إلا أنها تتمتع بنفوذ كبير كمركز للتجارة البحرية في إفريقيا بسبب ميناء لومي، البوابة إلى دول غرب إفريقيا الداخلية مثل بوركينا فاسو. ومن ثمَّ؛ فقد يكون للاضطرابات في توغو آثار مضاعفة على التجارة في جميع أنحاء المنطقة.2

تاريخ انتقال السلطة في توغو: خلال تاريخها الذي يناهز 65 عامًا، لم تشهد جمهورية توغو، الواقعة في غرب إفريقيا، أي انتقال سلمي للسلطة. فـ”سيلفانوس أوليمبيو”، رائد استقلال توغو وأول رئيس لها، لقي مصرعه في انقلاب دموي قاده غناسينغبي إياديما في 13 يناير 1963. وبعد فترة قصيرة من تولي نيكولاس غرونيتسكي الحكم، انتزع إياديما السلطة في 14 إبريل 1967 ليبدأ عهد جديد في تاريخ البلاد. وخلال فترة حكمه، التي نالت دعمًا قويًا من فرنسا، مارس إياديما نفوذًا واسعًا، وهو ما جعله واحدًا من الأيقونات البارزة لنظام “فرنس-أفريك”، رغم الانتقادات الدولية المُوجهة ضده. وبعد استفتاء عام 1972، شهدت توغو انتخابات مُحاطة بالجدل في 1979 و1986 لتعيش البلاد اضطرابات في التسعينيات، مع دعوات محلية ودولية للإصلاح الديمقراطي. وتحت الضغط المتزايد، وافق إياديما في 1991 على تعيين رئيس وزراء، لكن سرعان ما استرجع السيطرة الكاملة على السلطة. وبعد وقتٍ قصير، اغتيل المعارض الشهير تافيو أمورين في 1992، تلا ذلك انتخاب إياديما رئيسًا في 1993 و1998، وهو انتخاب رفضته المعارضة. وردًا على العنف الذي رافق انتخابات 1993، جمَّد الاتحاد الأوروبي مساعداته لتوغو. وتحسَّنت العلاقات مع الاتحاد الأوروبي تدريجيًا بعد توسُّط إياديما في نزاع ساحل العاج وإعلانه عن انتخابات تشريعية جديدة في 2005، وهو مسار بدأ في نوفمبر 2004. ثم توفي إياديما في الخامس من فبراير 2005، تاركًا وراءه إرثًا مُعقدًا في توغو. عقب وفاة الرئيس إياديما، خلفه ابنه فور غناسينغبي، مُتجاوزًا الإجراءات الدستورية المُحدَّدة في المادة 65 التي تقضي بتسليم السلطة لرئيس البرلمان آنذاك فامباري واتارا ناتشابا. وحتى تعديل 2019، كان دستور 1992 ينص على انتخاب رئيس الدولة بالاقتراع المباشر مدة 5 سنوات، وتعيين رئيس الوزراء من قِبل الرئيس الذي يختار أيضًا مجلس الوزراء بالتشاور مع رئيس الوزراء. أما الجمعية الوطنية، ذات الـ 91 عضو، فتُنتخب لمدة 5 سنوات. وشغل فور غناسينغبي المنصب من 2005، وانتُخب رئيسًا 4 مرات، في ظروف اكتنفها الكثير من الجدل. وفي عام 2019 أدخل تعديلًا دستوريًا يَحدُّ من فترات الرئاسة إلى اثنتين فقط، مانحًا الرئيس الفرصة لإعادة العد لفتراته الرئاسية من الصفر.3

التعديل الجديد للدستور وما تبعه من تطورات: في مساء الاثنين، 25 مارس 2024، وفي ظل الاستعدادات للانتخابات التشريعية والإقليمية التي كان من المُزمع إجراؤها في 20 إبريل، صادق نواب البرلمان في توغو على دستور جديد للبلد يُعيد تشكيل النظام الحكومي من رئاسي إلى برلماني، بحيث يصبح انتخاب رئيس الدولة من مسؤوليات البرلمان. وقد حاز الدستور الجديد على موافقة 89 صوت مؤيد مُقابل معارضة واحدة وامتناع واحد عن التصويت من أعضاء الجمعية الوطنية، تم تقديمه بمبادرة من نواب الأغلبية للحزب الحاكم “الاتحاد من أجل الجمهورية”. وقد أعادت تلك التعديلات في الدستور الجديد هيكلة الحياة السياسية لتصبح محورها الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، فتمَّ تحديد رئاسة الجمهورية بولاية واحدة لمدة 6 سنوات يُنتخب خلالها الرئيس من قِبل الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ في تجمع مُوحد. ويُعيَّن لمدة 6 سنوات رئيس مجلس الوزراء، ويجب أن يكون رئيس الحزب أو التحالف الفائز بالأغلبية في انتخابات الجمعية الوطنية. وينص الدستور الجديد على أن “رئيس الدولة يُجرَّد عمليًا من سلطاته لصالح رئيس مجلس الوزراء، الذي يُصبح ممثلًا للجمهورية التوغولية في الخارج، والذي يدير البلاد فعليًا في الإدارة اليومية”. ومثَّلت الخطوة بداية عهد جديد في توغو، حيث تُعد أبرز التحولات الدستورية منذ عام 1992.4 وردًّا على هذه التعديلات، تأسَّس ائتلاف الطوارئ من قِبل 3 كيانات سياسية ومنظمات مجتمع مدني في 29 مارس، وخرج في مظاهرات للاحتجاج ضد ما وصفه بـ “الانقلاب الدستوري”. واشتد التوتر حين قامت الحكومة بسجن عدد من أعضاء التحالف، ورفضت السماح بالمظاهرات المُخطَّط لها في 11 و12 و13 إبريل، مما دفع الرئيس غناسينغبي إلى طلب إعادة قراءة الدستور من البرلمان، وتأجيل الانتخابات البرلمانية، في محاولة لتهدئة الأوضاع وإعادة النظر في التعديلات المقترحة.5 وبرَّرت الحكومة تأجيل الانتخابات التشريعية والإقليمية بأن ذلك يجب أن يسمح للبرلمان بالتشاور مع جميع أصحاب المصلحة في الحياة السياسية بشأن التغيير الحالي في الدستور، وإتاحة الفرصة للجهات الفاعلة السياسية والمجتمع المدني والمواطنين لإجراء تحسينات، ومن ثمَّ المساهمة في تحسين عملية الإصلاح الدستوري الجارية.6

خيارات المعارضة في مواجهة التعديلات الدستورية: تحرَّكت المعارضة في توغو لمواجهة الدستور الجديد عبر خطين متوازيين: أولهما؛ قانوني يعتمد على الطعون والاعتراضات، وثانيهما؛ سياسي يتمثَّل في التعبئة الجماهيرية. بعد يوم من التصويت البرلماني الثاني على الدستور، حثَّت الجمعية التوغولية لمكافحة الإفلات من العقاب رؤساء المؤسسات الحكومية على مراجعة المحكمة الدستورية لتقييم دستورية النص والتحقق من توافق بنوده مع القواعد المتعارف عليها. واعتبرت الجمعية أن التحليل الذي ستقوم به المحكمة الدستورية سيضمن الالتزام بالقانون وسيُحدِّد ما إذا كان ينبغي على رئيس الجمهورية المصادقة على الدستور الجديد أم لا. واستجاب جيري كومانديجا تاما، رئيس حزب “التزام جديد” التوغولي، لنداء الجمعية، فقدَّم طلبًا إلى المحكمة الدستورية للحصول على رأيها القانوني، في تبنِّي الدستور الجديد عبر البرلمان دون إجراء استفتاء شعبي. إلا أنه أي إجراء قانوني مُحتمل كان سيكون شكليًا في ظل هذه الظروف، لاسيما وأن رؤساء المؤسسات والكتل البرلمانية الذين لديهم صلاحية طلب مراجعة دستورية من المحكمة الدستورية بخصوص الدستور الجديد جميعهم مُعيّنُون من قِبل الرئيس. أما المسار السياسي الذي يتماشى مع الحملات الانتخابية التي انطلقت في 13 إبريل، فقد أطلق التحالف الجماعي، وهو تجمع سياسي لأحزاب المعارضة، دعوة إلى التعبئة الشعبية ضد الدستور الجديد. حيث رأى التحالف أن هذا الدستور لم يحظ بالإجماع الوطني اللازم. وقد شجَّع التحالف الناخبين لاستخدام صناديق الاقتراع كوسيلة للتعبير عن رفضهم، مُقترحًا أن تكون الانتخابات بمثابة استفتاء عام ضد التغييرات الدستورية.7

ردود الفعل حول قرار تأجيل الانتخابات: رغم تبريرات الحكومة التي تهدف في ظاهرها إلى تحقيق التوافق الوطني؛ إلا أنه تمَّ قمع المعارضة من التعبير عن رأيها في ذلك. حيث تمَّ عرقلة المؤتمرات الصحفية التي أراد ائتلافان من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني عقدها، بمهاجمتها بالغاز المسيل للدموع في اليوم التالي لاعتماد الدستور الجديد، وشهدت مجموعة أخرى تُسمى (UR) اعتقال أعضائها التسعة يوم الأربعاء 3 إبريل في العاصمة التوغولية. وتمَّ اتهامهم بـ “الإخلال الجسيم بالنظام العام”. وأشار تجمُّع الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدنيDMP إلى أن النظام التوغولي يعيش “انقلابًا دائمًا”، لكنه يُعارض تعبير الناس عن ذلك علنًا. ودعا ائتلاف من 11 منظمة مجتمع مدني في توغو المجتمع الدولي إلى الرد، وذلك بعد استنكار الائتلاف تأجيل الانتخابات، والإشارة إلى عدم وجود أي علاقة بين “إجراء الانتخابات التشريعية والإقليمية التي ينص الدستور على تواترها، ومشروع مراجعة الدستور الكارثي”. كما أدان الائتلاف الحرمان من حقوق التظاهر من قِبل الحكومة، ووجَّه نداء إلى المجتمع الدولي، وخاصةً إلى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وجمهورية ألمانيا الاتحادية وفرنسا والاتحاد الإفريقي والجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، للعمل على أن تتولى المحكمة الجنائية الدولية مهمة التحقيق في الأمر، كما دعا قوات الدفاع والأمن إلى مراعاة الحياد والامتناع عن قمع المظاهرات العامة السلمية، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وطلب من رئيس الدولة فتح مناقشات مُسبقة من أجل الانتقال السياسي.8 واعتبر حقوقيون توغوليون التغيير الدستوري نوعًا من الانقلاب التشريعي من خلال برلمان يُعد تشكيلًا ذاتيًا ومُشبعًا بأفراد من عائلة غناسينغبي وأقاربه ومواليه. حيث إنه بموجب الدستور الجديد، لم يعد الرئيس يُنتخب من قِبل الجمهور، بل يتم تعيينه من قِبل البرلمان الذي أصبح يتشكَّل في هيئة تُشبه إلى حدٍّ ما نظامًا ملكيًا. كما أنه ليس هناك قيود على الفترات الزمنية أو عدد المرات التي يُمكن فيها إعادة انتخاب رئيس مجلس الوزراء، الذي يُمثِّل السلطة التنفيذية. واعتبر هؤلاء أن وجود أقرباء الرئيس في قمة الهيكل البرلماني بأغلبية يعني أنهم يسعون لتأمين الحكم إلى الأبد.9 وفي هذا السياق، قام 47 أكاديميًا، بمن فيهم وزير التعليم العالي السابق نيكوي بروهم، بتوقيع رسالة مفتوحة موجهة إلى الرئيس، أدانوا فيها الإجراء الذي أقدمت عليه الجمعية الوطنية، واعتبروا التعديل الدستوري بمثابة “انقلاب” حيث إن المادة 59 من دستور 1992 المعدل في 2018 تنص على “أن انتخاب رئيس الجمهورية يجب أن يكون عبر اقتراع عام حر ومباشر وسري، ويُمكن تعديل هذه المادة فقط عبر استفتاء”.10 أما داعمو التعديل، فينظرون إليه بوصفه خطوة نحو تفكيك الهيكل العمودي المُحكم للسلطة الذي كان الشعب يُطالب به منذ زمن. وعليه، ورأى هؤلاء في هذا التعديل فرصة لإنهاء هيمنة الرئاسة وتركيز السلطة في أيدي القلة.11

الاستعداد للانتخابات التشريعية: بعد إعادة جدولة موعدها؛ انطلقت يوم السبت 13 إبريل رسميًا الحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية، التي تقرَّر إجراؤها بتاريخ 29 إبريل. وفي هذا السياق، نظمت أحزاب المعارضة لعدد من المظاهرات في شوارع لومي للاحتجاج على الدستور الجديد، وبالرغم من الحظر الحكومي، فإن عددًا من النشطاء قد تحدوا هذا الحظر. وقال رئيس الرابطة المدنية التوغولية ريتشارد لاكباسا “رغم قرار إجراء الانتخابات البرلمانية في 29 إبريل، والتي تعطي الشعب -بالكاد- شهرًا واحدًا لاختيار مُمثليه، فإن الشعب التوغولي مُصمِّم على استخدام كل الوسائل المُمكنة لضمان وصول نواب يُمثِّلونه حقًا إلى الجمعية الوطنية الجديدة، لوقف -ما يُعتبر- منح غناسينغبي الرئاسة مدى الحياة، حتى لو كان ذلك يعني اعتقالهم”. وأوضح لاكباسا أن “إستراتيجية غناسينغبي للبقاء في السلطة تتمثَّل في تولِّيه منصب رئيس مجلس الوزراء، وهو منصب جديد -في الدستور الجديد- يتمتَّع بكامل الصلاحيات للحكم، ولا يُحدِّد له مدة زمنية معينة، مما يُتيح له الظهور كأنه قد تنازل عن السلطة، بينما يظل الحاكم الفعلي للبلاد”. وتابع بأن “هذه الإستراتيجية تتضمَّن أيضًا تعيين امرأة كرئيسة جديدة للدولة، لتجنُّب الانتقادات وإظهار توغو كبلد يدعم المساواة بين الجنسين، في حين يظل هو القوة الحقيقية وراء الكواليس”. ودعا لاكباسا المجتمع الدولي “للضغط على الرئيس غناسينغبي للتخلي عن هذا الإصلاح الدستوري والتنحي فورا”، مُشيرًا إلى أن “الصمت الدولي يُعد بمثابة تواطؤ”.12

العملية الانتخابية: توجَّه الناخبون في توغو يوم الاثنين 29 إبريل إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في انتخابات تشريعية وإقليمية يتم خلالها انتخاب 113 عضو للجمعية الوطنية، بجانب أول انتخابات إقليمية في تاريخ البلاد، وسط حالة من التوتر بعد إقرار الدستور الجديد. ويبلغ عدد من يحق لهم التصويت أكثر من 4 ملايين. وتشهد هذه الانتخابات زيادة عدد المقاعد من 91 إلى 113، وذلك بعد مباحثات بين الحكومة والمعارضة، التي طالبت بتوسيع التمثيل البرلماني ليتطابق مع عدد البلديات. وتجري الانتخابات وسط توترات واعتراضات شعبية في غياب استفتاء شعبي على الدستور والاكتفاء بتمريره عبر الجمعية الوطنية التي يحتفظ فيها حزب “الاتحاد من أجل الجمهورية”، بقيادة الرئيس فور غناسينغبي، بأغلبية كبيرة، مقابل ائتلاف المعارضة “التحالف الجماعي” الذي يسعى لإلغاء الدستور الجديد والعودة إلى دستور 1992. ويُنظر إلى هذه الانتخابات على أنها محطة حاسمة قد تُشكِّل مستقبل النظام السياسي في توغو، خاصةً مع الانتقال المُرتقب إلى الجمهورية الخامسة إذا أُقرّ النظام البرلماني الذي يتبنَّاه الدستور الجديد. وقد عبَّر بعض المعارضين عن قلقهم بشأن الوضع الديمقراطي في توغو، حيث أنه للمرة الأولى، هناك مرشحين يخوضون حملاتهم الانتخابية دون معرفة محتوى الدستور الذي سيحكمون تحت لوائه، وهذا يُعتبر سابقة في تاريخ الديمقراطيات المعاصرة حيث يتم الانتخاب تحت ما يمكن وصفه بدستور سري -على حد قول هؤلاء-. ويرى هؤلاء أنه حتى لو تمكَّن الحزب الحاكم من الفوز، وهو الأمر المرجح، فإن الشعب التوغولي سيستمر في مقاومة هذا الدستور. وأعرب البعض الآخر عن شكوكهم في قدرة الداخل التوغولي على إحداث تغيير للحكم، سواء من خلال المسارات القانونية أو السياسية، رغم المشاركة الفعّالة في العملية الانتخابية، حيث أنه حتى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) ربما لا تملك -هي الأخرى- القدرة على التأثير في تغيير النظام. وعليه، ناشد هؤلاء الاتحاد الأوروبي باعتباره الداعم الفعلي للنظام التوغولي؛ للضغط على الرئيس فور غناسينغبي لترك السلطة، وإلا فإنهم سيواصلون محاولاتهم لتحقيق التغيير بالوسائل المتاحة لهم. وقد أكَّدت إيكواس، ومنظمة الفرانكوفونية الدولية، والاتحاد الإفريقي مشاركتها في مراقبة العملية الانتخابية. وبدت هذه المشاركة كإشارة إلى عدم نية هذه المنظمات مناقشة قانونية الدستور الجديد، وهو ما فُسّر محليًا بأنه مباركة للحكومة على “انقلابها الدستوري”.13

    من يتنافس على ماذا؟ يتنافس نحو 2000 مرشح على 113 مقعد في البرلمان و179 مقعد في المجالس الإقليمية. وسيعمل جميع أعضاء البرلمان المُنتخبين في عام 2024 لمدة ست سنوات وفقًا للتعديلات الجديدة. وهناك عدة ائتلافات مكونة من أحزاب رئيسية: أولها؛ حزب الاتحاد من أجل الجمهورية (UNIR): وهو الحزب الحاكم الذي يسيطر على البرلمان. وحصل على 59 مقعد من أصل 91 في الانتخابات التشريعية لعام 2018، بعد أن قاطعت أحزاب المعارضة التصويت بدعوى وجود أجواء من العنف. وثانيها؛ اتحاد قوى التغيير (UFC): وهو ثاني أكبر حزب مع سبعة مقاعد في البرلمان، يقوده المرشح المنافس المخضرم غيلكريست أوليمبيو، نجل الرئيس التوغولي المؤسس سيلفانوس أوليمبيو. وثالثها؛ التحالف الوطني من أجل التغيير: وهو حزب المعارضة الرئيسي بقيادة المرشح الرئاسي لمرتين، والمُنتقد الصريح للحكومة، جان بيير فابر، وقاد احتجاجات ضد التعديل الدستوري في الأسابيع الأخيرة، على الرغم من حظر الحكومة لتلك الاحتجاجات. ورابعها؛ الحركة الوطنية من أجل الديمقراطية والتنمية (MPDD): وهي حزب ذو مقعدين في البرلمان، وكان يقوده سابقًا رئيس الوزراء الأسبق أغبييوم كودغو الذي توفي في مارس. وخامسها؛ الحزب الديمقراطي الإفريقي (PDP)، وحركة الجمهوريين الوسطيين (MRC) ولكل منهما مقعد واحد في البرلمان.14

    ماذا بعد؟ لطالما تعرَّضت الانتخابات في توغو في الماضي لانتقادات من جانب جماعات المعارضة والناشطين بسبب إجرائها في ظل مناخ من الخوف والترهيب والعنف. وفي 15 إبريل منعت السلطات وسائل الإعلام الأجنبية من تغطية الانتخابات، بعد اعتقال وترحيل الصحفي الفرنسي توماس ديتريش، الذي قالت جماعات حقوق الصحفيين إنه تعرَّض للضرب. كما تم رفض وضع المراقبين المستقلين مثل الكنيسة الكاثوليكية، ذات النفوذ في البلاد. وفي ظل هذا المناخ، وما سبقه من توترات وحملات قمع للمعارضة؛ فمن المُتوقَّع تشكيل أغلبية لـ UNIR في انتخابات 29 إبريل، وفي حال حدوث ذلك؛ وهو الغالب؛ فإن الإجراءات الاحتجاجية من جانب المعارضة لن تفعل الكثير لعكس تلك التغييرات، حيث لا يُمكن للاحتجاجات أن تكون فعَّالة بعد تتويج الرئيس المُحتمل كرئيس للوزراء، وهو ما من شأنه أن يُعيد توغو إلى حالتها المُعتادة، مما يضع غناسينغبي في منصبه حتى عام 2030 على الأقل. وقد تُشكِّل تحركات المعارضة وحملات القمع المُحتملة التي قد تشنها الحكومة مصدر إزعاج للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، لاسيما بعد ما شهدته من أزمات في السنوات الأخيرة للعديد من دول المجموعة. وسوف تُشكِّل توغو اختبارًا إضافيًا لفعالية المجموعة تحت رئاسة الرئيس النيجيري بولا تينوبو.15

    الخُلاصة؛ تتمتَّع توغو بأهمية بالغة على الخريطة الإفريقية؛ سواء من الناحية الاقتصادية لكونها تُعد مركز للتجارة البحرية في إفريقيا بسبب ميناء لومي، أو من الناحية السياسية لوقوعها داخل حزام الانقلابات في منطقة الساحل الإفريقي، وهو ما يجعل من التطورات السياسية في تلك الدولة الصغيرة أمر بالغ الأهمية. وبعد التعديلات الدستورية الأخيرة، وتأجيل الانتخابات في توغو، وما تبعهما من توترات شهدتها تلك الدولة الواقعة في غرب إفريقيا؛ طفت للسطح من جديد التخوفات من عودة خطر الانقلابات لتلك المنطقة، لاسيما مع قمع النظام التوغولي للمعارضة التي خرجت للتنديد بتلك التعديلات والتي اعتبرتها انقلابًا دستوريًا. إلا أنه رغم ذلك؛ يظل تطور الوضع في الداخل التوغولي مرهون بما ستشهده العملية الانتخابية من إجراءات خلال الأيام القليلة القادمة، وردود الأفعال عليها، سواء من الداخل التوغولي وأحزاب وتحالفات المعارضة، أو من الخارج سواء من الإيكواس أو الاتحاد الإفريقي أو الأوروبي. وهو ما يجعل من الضرورة بمكان متابعة هذا الملف خلال الأيام القادمة، ومتابعة سير العملية الانتخابية التي ستستغرق ستة أيام متتالية.

    1 “دولة إفريقية في «حزام الانقلابات» تواجه توابع تعديل دستوري”، العين الإخبارية، 20/4/2024. متاح على الرابط: https://2u.pw/WL303ko2

    2 Shola Lawal, “Togo’s parliamentary election: Why all eyes are on President Gnassingbe”, Aljazeera, 29/4/2024. At: https://2u.pw/XeSaDRPy

    3 إدريس آيات، “يمهّد لمرحلة جديدة.. توغو تقر تعديلا دستوريا يحوّل نظام الحكم إلى برلماني”، الجزيرة نت، 28/3/2024. متاح على الرابط: https://2u.pw/cVigpHQm

    4 إدريس آيات، “يمهّد لمرحلة جديدة.. توغو تقر تعديلا دستوريا يحوّل نظام الحكم إلى برلماني”، مرجع سبق ذكره.

    5 إدريس آيات، “الاحتجاجات تعم توغو واتهامات للحكومة بتنفيذ “انقلاب دستوري””، الجزيرة نت، 13/4/2024. متاح على الرابط: https://2u.pw/MqkVqv9e

    6 إيزيدور كوونو، سيدي. م. ويدراوغو (مترجم)، “لماذا يثير تأجيل الانتخابات التشريعية في توغو العديد من ردود الفعل؟”، قراءات إفريقية، 18/4/2024. متاح على الرابط: https://2u.pw/8SJhrsMZ

    7 إدريس آيات، “تحت دستور جديد مثير للجدل.. توغو على موعد مع انتخابات مصيرية”، الجزيرة نت، 28/4/2024. متاح على الرابط: https://2u.pw/bMdmgvj2

    8 إيزيدور كوونو، سيدي. م. ويدراوغو (مترجم)، مرجع سبق ذكره.

    9 إدريس آيات، “يمهّد لمرحلة جديدة.. توغو تقر تعديلا دستوريا يحوّل نظام الحكم إلى برلماني”، مرجع سبق ذكره.

    10 إدريس آيات، “الاحتجاجات تعم توغو واتهامات للحكومة بتنفيذ “انقلاب دستوري””، مرجع سبق ذكره.

    11 إدريس آيات، “يمهّد لمرحلة جديدة.. توغو تقر تعديلا دستوريا يحوّل نظام الحكم إلى برلماني”، مرجع سبق ذكره.

    12 إدريس آيات، “الاحتجاجات تعم توغو واتهامات للحكومة بتنفيذ “انقلاب دستوري””، مرجع سبق ذكره.

    13 إدريس آيات، “تحت دستور جديد مثير للجدل.. توغو على موعد مع انتخابات مصيرية”، مرجع سبق ذكره.

    14 Shola Lawal, Loc. Cit.

    15 Idem.

    Editor P.S.

    كاتب ومدون

    جميع المشاركات

    المنشورات ذات الصلة

    Leave a Reply

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    الأكثر قراءة

    اتبعنا

    التصنيفات

    آخر المقالات

    Edit Template

    رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

    اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

    You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

    جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022