خلص كثير من المراقبين إلى أن مستقبل الحركة الإسلامية سيتأثر حتما، بأحداث السابع من أكتوبر 2023، وبمألات الصراع الدائر على أرض غزة بين المقاومة والعدوان الإسرائيلي؛ إذ أن انتصار حماس ونجاحها في البقاء، وعدم تحميلها حجم الدمار الذي تسبب فيه اندلاع طوفان الاقصى، يعني جاذبية أكبر للحركة الإسلامية، والعكس.
في المقابل، ثمة فريق يرى أن الحركات الإسلامية في الوقت الراهن تعاني من عيوب ومشكلات بنيوية؛ بالتالي مهما زادت الحرب في غزة، وتضحيات وجهود المقاومة من جاذبية الحركات الإسلامية، يظل تأثير ذلك محدودا ولن ينقل الحركات الإسلامية من خانة الأزمة، ما لم تنجح هذه الحركات في معالجة مشكلاتها وحسن إدراك الواقع والتفاعل معه.
الرؤية الأولى:
حركة حماس هي جزء من الحركات الإسلامية، ودورها البطولي وإن كان يدور في أرض المعركة، فإنه في حاصل الأمر، يجدد شرعية الحركات الإسلامية، باعتبارها طليعة مجتمعية تضطلع بالدفاع عن مصالح الأمة وقضاياها العادلة1، وعليه فقد أسهم الطوفان وما أعقبه من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، في إظهار الإسلام السياسي، وحماس من تمثيلاته، في صورة الوحيد الذي يتصدى للاحتلال الإسرائيلي في زمن التطبيع، كما جاء الانحياز الأمريكي والغربي الرسمي لإسرائيل ليهدر دعاوى التعايش ومناهضة الانعزالية، ويدعم بصورة أو بأخرى أطروحات الإسلاميين عن استحالة التعايش2.
كذلك فقد برهنت “حماس” على قدرة الإسلام السياسي على المخاطرة والمغامرة في ظل انسداد أفق الحل السياسي العادل، وأن الاستقرار المبني على جبروت القهر وغطرسة القوة مجرد وهم لا يحقق الأمن، ولا يتمتع بالشرعية والمشروعية3.
ومع استمرار شروط انتاج الإسلاميين من قبيل التبعية والتغريب، ومن أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية مأزومة، ومن أنظمة سلطوية يقود استمرارها إلى تبييض وجه الإسلاميين، ومع استمرار تقزيم دور المؤسسات الدينية الرسمية، لكل ذلك تظل الحركات الإسلامية قادرة على البقاء وتجديد نفسها. ولا يمكن في هذا السياق “إغفال العوامل الذاتية المرتبطة بالجماعات الإسلامية، التي راكمت خبرات طويلة في العمل السياسي السري مع ظروف أمنية مشددة”.
عقب “طوفان الأقصى”، سيحصل اندفاع شعبي إلى تيارات الإسلام السياسي، بعدما ثبت أنّ مجموعات مسلحة محدودة يمكنها أن تفعل أكثر ممّا تفعله الجيوش النظامية4. كما أن ما حدث أعاد مقبولية الخطاب الإسلامي للواجهة، “فعلاوة على التذكير بدورهم المحوري في دعم القضية الفلسطينية، وبالفراغ الذي حدث بعض إجلائهم عن الفاعلية بفعل قمع الأنظمة السياسية”، فقد سلط ما حدث في السابع من أكتوبر وما تلاه “الضوء على سلبية الأنظمة العربية في الدول المحيطة بفلسطين، وأبرز عدم تمكّن الموقف الشعبي من الوصول الانعكاس على تحرّك الحكومات، مما أوضح جليًا أن الأنظمة السياسية في جهة والموقف الشعبي -لاسيما في مصر والأردن- في جهة أخرى، ومما فاقم الوضع سوءًا”5.
الرؤية الثانية:
في المقابل ثمة من يرى أن التطورات التي تشهدها المنطقة تقود حتما إلى؛ أن تزداد موجات العنف في المنطقة، وتزيد مساحات عدم الاستقرار، وتتراجع فرص الإسلاميين المعتدلين لا البقاء؛ ما لم يعيدوا تموضعهم في الساحة من مدخل وحدة القضايا والهموم.
- أحزاب الحركة المدنية مشهد ضبابي وانقسامات لا تتوقف
- مصر وخطة إعادة إعمار غزة: بين خيانة القضية الفلسطينية وخدمة المصالح الصهيونية
- مقترح الرئيس الأمريكي بتهجير الفلسطينيين إلي مصر والأردن: الدوافع وفرص النجاح
- حزب الجبهة الوطنية… قراءة في الدلالات عن الخريطة المتحركة لأحزاب الموالاة في مصر
- مستقبل الامبراطورية الأمريكية والمنطقة العربية في ضوء سياسات ترامب وتوجهاته
ويشار في هذا السياق إلى تشكل تحالف دولي لمواجهة حماس، على غرار التحالف الدولي الذي نشأ ضد داعش، على أرضية التنسيقات الأمنية التي تضم دولًا في المنطقة وإسرائيل وبعض الدول الأوروبية، كذلك يثار الحديث حول تحالفات اقتصادية باتت تتشكل في المنطقة وتشكلها، لا مكان فيها للأيديولوجيات، وتزيح هذه التحالفات كل من يعوق الاندماج الاقتصادي الذي نشأ في مواجهة مشروع الحزام والطريق الصيني والذي يضم الهند والخليج وإسرائيل وأوروبا بقيادة الولايات المتحدة. كما يشار إلى تحوُّلات هيكل القوة في النظام الدولي إلى نظام متعدد الاقطاب موقع الاسلاميين منه6.
هناك من يتحدث عن رغبة غربية في “الانتقال إلى مرحلة ما بعد “الإسلام السياسي المسلح”، وهي مرحلة يريد لها الغرب أن تكون مشابهة لمرحلة زوال المشروع القومي العربي بعد عبدالناصر”7.
من جهة أخرى نجد أن نظم ما بعد الربيع العربي في المنطقة، تروج لفكرة مفادها أن عدم الاستقرار مصدره الإسلام السياسي، وليس الاستبداد والاستعمار وتفشي الفقر وغياب التنمية، في الوقت ذاته لم تعد الديمقراطية مطلب محدد لشكل العلاقة بين دول المنطقة والقوى الغربية.
فضلا عن أزمات حقيقية وعنيفة تعاني من التنظيمات الإسلامية، هذه الأزمات تحتاج إلى معالجة حقيقية، طوفان الأقصى أعطى فرصة لمعالجة الاخطاء واستئناف الدور، وليس بالضرورة صك نجاح حتمي للحركة الإسلامية، من هذه الأزمات “هيمنة الكاريزمات القيادية، واشتداد أزمة الأجيال داخلها، معضلة كبيرة، يصعب حلها في المدى القصير”، ومنها “أزمة الخط السياسي”، وكون الحركة الإسلامية في حاجة إلى تجديد نفسها بشكل يتعاطى مع التغيرات الاجتماعية؛ حتى يتجدد وينشط طلب المجتمع عليها.
لكل ذلك تتقلص الفائدة التي حققتها الحركة الإسلامية من جاذبية النموذج الذي قدمته حماس والمقاومة الإسلامية خلال طوفان الأقصى؛ خاصة مع امتداد الصراع وطول أمده، والخسائر الكبيرة التي دفعها سكان غزة جراء العدوان الإجرامي الذي يشنه الكيان الصهيوني على القطاع.
الخاتمة:
يبدو أن تأثير طوفان الأقصى ومألاته على مستقبل الحركات الإسلامية مسألة مركبة، وأن تأثير الطوفان لن يسير في اتجاه واحد؛ فمن جهة أولى يرتهن التأثير الإيجابي للطوفان على مستقبل الحركة الإسلامية وجاذبيتها في المنطقة على ما يؤل إليه الصراع في غزة؛ وإن كانت إسرائيل ستنجح في تصفية المقاومة الإسلامية، وإن كان المجتمع الغزاوي والرأي العام العربي لن يحمل المقاومة تداعيات ما حدث من تدمير كامل لقطاع غزة وخسائر فادحة في الأرواح. من جهة أخرى تأثير الطوفان الإيجابي على مستقبل الحركة الإسلامية وجاذبية نموذجها، مرهون بقدرة هذه الحركات على معالجة مشكلاتها البنيوية، وإعادة تقديم نفسها للمجتمعات بصورة تأخذ في اعتبارها التحولات التي شهدتها المجتمعات العربية خلال السنوات الماضية، وهو مرهون أيضا بقدرة هذه الكيانات على إعادة موضعة نفسها في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها الإقليم والعالم، وعلى حسن التعامل مع التحالفات التي تشهدها المنطقة.
يمكن القول أيضا أن طوفان الأكثر سيكون له تأثير لا محالة على مستقبل الحركة الإسلامية في المنطقة، لكن هذا التأثير سيتحدد وفق ما ينتهي إليه العدوان الإسرائيلي؛ فإن انتهى الصراع الدائر لصالح حماس، كان للطوفان تأثير إيجابي على الإسلام السياسي. وإن انتهى الصراع مع خسارة حماس الميدانية وتراجع شرعيتها في الداخل وفقدانها جاذبيتها عربيا، قاد ذلك حتما إلى تنامي جاذبية حركات الإسلام الجهادي؛ مستعينا في ذلك براديكالية أفكاره ووحشية ممارساته، ومستفيدا من شعور المظلومية الذي سيتنامى مع الإجرام الإسرائيلي والصمت والغربي والتواطؤ العربي.
وبحسب الباحث المغربي بلال التليدي، فإن “طوفان الأقصى ساعد في توفير الشروط النفسية والثقافية داخل التنظيميات الإسلامية، لبحث إمكان استئناف الدور، وجدد علاقتها بالنخب، وأقنعها بوجود إمكانية للعودة إلى حاضنتها الشعبية، لكن، من بوابة قضايا الأمة، وليس من بوابة الأوضاع الداخلية ودور الإسلاميين في التغيير السياسي”، في الوقت نفسه فإن طوفان الأقصى “لم ينهض بعد ليشكل تحولا إقليميا حافزا على إنهاء أزمة الإسلاميين، ولم يصل دور الإسلاميين التعبوي الداعم للقضية الفلسطينية لدرجة خلق إزعاج للسلطة”، وأن استئناف الحركة الإسلامية مركزيتها مرهون “بتجديد مشروعها وقيادتها، وحسن فهم السياق الدولي والإقليمي، واقتناص الفرص لقيادة الفاعلية الشعبية”8.
1 بلال التليدي، هل أنقذ طوفان الأقصى الحركات الإسلامية وأظهر لها الطريق للخروج من أزمتها؟، عربي 21، في 22 يناير 2024، في: https://tinyurl.com/2d86m2ab
2 أحمد سلطان، هل يمنح طوفان الأقصى قبلة الحياة لقوى الإسلام السياسي؟، المنصة، 25 مارس 2024، في: https://tinyurl.com/27vpwn5d
3 حسن أبو هنية، تحدي حركات الإسلام السياسي بعد “طوفان الأقصى”، عربي 21، في 17 مارس 2024، في: https://tinyurl.com/26njddp5
4 ماهر فرغلي، ما بعد “طوفان الأقصى”… إسلام سياسي برعاية إيرانية، حفريات، 7 نوفمبر 2023، في: https://tinyurl.com/36uht67o
5 سيف الإسلام عيد، هل يعود الإسلاميون إلى الواجهة من بوابة “طوفان الأقصى”؟، الترا صوت، 12 نوفمبر 2023، في: https://tinyurl.com/3xj24p5x
6 هشام جعفر، طوفان الأقصى ومستقبل الإسلام السياسي في المنطقة، مرايا، 12 فبراير 2024، في: https://tinyurl.com/2bnm7c3q
7 منير الربيع، حرب الغرب في غزة والمنطقة: إنهاء الإسلام السياسي المسلح؟، الأنباء، 22 فبراير 2024، في: https://anbaaonline.com/news/236202
8 بلال التليدي، هل أنقذ طوفان الأقصى الحركات الإسلامية وأظهر لها الطريق للخروج من أزمتها؟، مرجع سابق.