الهجوم الإيراني علي إسرائيل: الدوافع والحدود والتداعيات

على مدار عقود من الصراع بين إيران وإسرائيل كانت الدولتين تحرصان على الحفاظ على خطوط حمراء تتجنب بصورة رئيسة الدخول في مواجهات عسكرية مباشرة. واتسمت قواعد الاشتباك بين الدولتين بما يعرف بـ”حرب الظل” وذلك باستخدام إيران لوكلائها المتواجدين داخل لبنان وسوريا والعراق واليمن في مواجهة إسرائيل، في مقابل تنفيذ الأخيرة اغتيالات مستهدفة شخصيات إيرانية، لكن يبدو أن تحولًا حدث عندما شنت إيران أول هجوم مباشر من أراضيها ضد إسرائيل؛ تضمن إطلاق 185 طائرة مسيرة، و110 صواريخ أرض – أرض باليستي، و36 صاروخ كروز، أطلقت عليه اسم عملية “الوعد الصادق”[1]؛ ردًا على هجوم إسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من نفس الشهر، والذي أسفر عن مقتل لمقتل قائدين في الحرس الثوري وخمسة مستشارين عسكريين آخرين، أبرزهم العميد “محمد رضا زاهدي” القائد للعمليات الخارجية بفيلق القدس في سوريا ولبنان، وهو شخصية رئيسية في تنسيق محور المقاومة الذي يدافع عن المصالح الإيرانية في المنطقة، ونائبه العميد “محمد هادي حاج رحيمي”[2]. ويعد زاهدي الشخصية الأهم التي تُقتل بعد اغتيال قاسم سليماني في مطلع العام 2020، وتحدثت تقارير إيرانية عن دور بارز له في نجاح عملية “طوفان الأقصى”[3].

أولًا: دوافع الهجوم الإيراني علي إسرائيل:

ويمكن الإشارة إلي مجموعة من الدوافع التي تقف خلف اقدام إيران علي شن هجوم مباشر علي إسرائيل تتمثل أبرزها في:

1- جاء هذا الهجوم ردًا مباشرًا على استهداف طائرات إسرائيلية، في 1 إبريل 2024، مبنى القنصلية المجاور للسفارة الإيرانية في دمشق؛ ما أدى إلى مقتل سبعة من ضباط الحرس الثوري الإيراني، بمن فيهم مسؤول فيلق القدس في سورية ولبنان، محمد رضا زاهدي، ونائبه. وتعد هذه الخسارة هي الأكبر التي تتكبدها إيران في سورية منذ أن بدأت إسرائيل تستهدف الوجود العسكري الإيراني في سورية عام 2013. فقد شنت إسرائيل خلال الفترة 2013-2023 الكثير من الهجمات (جوية في معظمها) داخل الأراضي السورية لمنع نقل أسلحة من إيران إلى حزب الله، من دون أن تستهدف ضباط الحرس الثوري الإيراني على وجه الخصوص.

لكن هذا الوضع تغير كليًا بعد عملية “طوفان الأقصى” وانطلاق الحرب على غزة؛ إذ حملت إسرائيل إيران المسؤولية عنها نتيجة دعمها لفصائل المقاومة الفلسطينية. ومن ثم، شهدت الأشهر الثلاثة الأخيرة، بداية من ديسمبر 2023، استهدافًا ممنهجًا من جانب إسرائيل لكبار ضباط الحرس الثوري الإيراني في سورية؛ إذ قامت بقتل مسؤول التسليح والإمداد في فيلق القدس، العميد رضا موسوي، في 25 ديسمبر، بمنطقة السيدة زينب في ضواحي دمشق. وقد قتلت، أيضًا، أربعة من كبار ضباط الحرس؛ بمن فيهم قائد استخبارات فيلق القدس في سورية، العميد صادق أوميد زادة، في استهداف آخر في منطقة المزة، في يناير 2024. وفي مطلع فبراير، قتلت إسرائيل المستشار في الحرس الثوري، سعيد علي دادي، في هجوم جنوب دمشق. ورغم ذلك فإن إيران تجنبت الرد مباشرة على إسرائيل إلى أن قصفت الأخيرة مبنى قنصليتها في دمشق.

فلم يكن في إمكان إيران تجنب الرد كما الأمر يجري دائمًا، باعتبار أن الهجوم الإسرائيلي استهدف هذه المرة مبنى دبلوماسيًا تابعًا لها. وقد استندت إيران في ردها إلى موقف قانوني قوي، باعتبار أن إسرائيل خرقت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية (1961) وقامت بمهاجمة قنصليتها في دمشق[4]. حيث قالت البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة إن “العمل العسكري الإيراني، الذي تم تنفيذه استنادًا إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بالدفاع المشروع، كان ردًا على عدوان النظام الصهيوني على مبانينا الدبلوماسية في دمشق، ويمكن اعتبار الأمر منتهيًا”[5]. فيما قال وزير الخارجية الإيران حسين أمير عبداللهيان، في اتصال هاتفي مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن بلاده كانت تستطيع تنفيذ عملية أوسع ضد إسرائيل، ولكنها لم تستهدف سوى المواقع العسكرية التي نفذت الهجوم ضد القنصلية الإيرانية في دمشق[6].

كما أن عملية “طوفان الأقصى” وما حققته من نجاحات، وما أظهرته من هشاشة في القوة الإسرائيلية جعلت الرد الإيراني يحدث بطريقة لم تكن متوقعة لو تم الاستهداف قبل 7 أكتوبر 2023، خاصة عند مقارنة هذا الرد مع الرد الإيراني على اغتيال الجنرال قاسم سليماني[7]. ناهيك عن أن إسرائيل لاتزال عالقة في حربها مع حركة حماس في قطاع غزة، ما شجع إيران علي ضربها بصورة مباشرة؛ لإدراكها عدم قدرة إسرائيل علي خوض معركة علي أكثر من جبهة، ورغبة الولايات المتحدة الأمريكية في عدم توسيع الصراع، وتصاعد حدة الخلافات الأمريكية- الإسرائيلية[8].

2- رغبة النظام الإيراني في الحفاظ على صورته أمام الشارع الإيراني، والذي بدا مستاءً من تكرار ما وصفه بالانتهاكات الإسرائيلية بحق القادة العسكريين والمنشآت الاستراتيجية داخل إيران وخارجها. وجدير بالذكر احتشاد عشرات المتظاهرين بعد أيام من استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، تنديدًا بالحادث، ومطالبين بالانتقام. 

يضاف إلى ذلك، أن الانتخابات البرلمانية في إيران، التي جرت في مطلع مارس 2024، قد كرست سيطرة “المحافظين الأصوليين”، الذين يتبنون سردية متشددة تجاه إسرائيل، وهو ما يضع النظام في موقف محرج؛ إذا لم يقم بالرد على قصف المقر الدبلوماسي في سوريا. 

ومن جهة أخرى، فإن النظام الإيراني ربما لجأ إلى تصدير المشكلات الداخلية من خلال الانخراط في أزمات خارجية، وهو أمر تكرر في مرات سابقة، لعل أبرزها قصف مقرات في إقليم كردستان العراق وفي باكستان، بعد التفجيرين اللذين حدثا في محافظة كرمان في مطلع يناير 2024، وأسفرا عن مقتل نحو 100 شخص، وهو ما يمكن قياسه على الهجمات الإيرانية على إسرائيل بأنها قد تكون محاولة لاحتواء السخط الشعبي المتنامي من السياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة الإيرانية الحالية[9].

3- رغبة النظام الإيراني في الحفاظ على صورته أمام حلفائه الإقليميين، فعدم الرد الإيراني علي الهجوم الإسرائيلي علي القنصلية الإيرانية في سوريا كان سيساهم في تقويض صدقية النظام الإيراني أمام حلفائه المنخرطين في مواجهات ضد إسرائيل على امتداد المنطقة (الحوثيون، حزب الله، حماس…إلخ)[10]. خاصة وأنه قد تعالت الانتقادات حول تفاعل إيران العسكري مع معركة “طوفان الأقصى”، والذي اقتصر على تحريك أدواتها في اليمن ولبنان لمواجهة محدودة، دون أن يشمل أبدًا تدخلًا إيرانيًا مباشرًا[11]. وبالتالي، فإن الرد الإيراني على إسرائيل في خضم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يعتبر جزء من الصراع مع إسرائيل، مما يعد انخراطًا مباشرًا في الدفاع عن القضية الفلسطينية[12].

4- رغبة إيران في تبييض وجهها في العالم العربي والإسلامي باعتبارها الدولة المناهضة لإسرائيل وأمريكا “قولًا وعملًا”، حيث تدرك إيران أن هذا الهجوم سيحظى بترحيب ودعم شعبي عربي وإسلامي  في ظل المجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزة؛ مما ينعكس بالإيجاب على قوتها الناعمة ومشاريعها في المنطقة[13]. وفي هذا السياق؛ فقد عنونت صحيفة “كيهان” الإيرانية، التابعة للمرشد الأعلى، في صفحتها الأولى بأن العملية الإيرانية “أعادت للإسلام مجده وعظمته”. بل أشارت بعض التحليلات إلى أن اختيار اليوم الذي شنت فيه الهجمات، ذو دلالة دينية، إذ إنه يوافق يوم الخامس من شوال، وهو ذات اليوم الذي وقعت فيه غزوة “الأحزاب/ الخندق” في العام الخامس من هجرة الرسول محمد (ص)[14].

كما أن الرد الإيراني جاء ليحرج ربما دولًا عربية بعبور المسيرات أو الصواريخ من خلال أراضيها فكانت أمام خيارين إما السماح لها بالعبور فتضع بذلك نفسها في موقف صعب مستقبلي مع حلفائها الغربيين أو الصهاينة، أو أن تتصدى لها فتضع نفسها في حرج داخلي باعتبار أن ذلك يمثل دفاعًا عن إسرائيل[15].

5- تخوض إيران وإسرائيل منذ عقود “حرب الظل” (مواجهات غير مباشرة)، حيث تقوم إسرائيل بعمليات استخباراتية ضد المصالح الإيرانية، ففي العام 2018، حصلت إسرائيل على عشرات الآلاف من الوثائق التي تحتوي على معلومات بشأن برنامج إيران النووي عبر عملية استخباراتية معقدة. كما تقوم بتنفيذ مجموعة من الاغتيالات والتفجيرات ضد قادة إيران العسكريين وعلمائها النووي، خاصة في الفترة التي أعقبت مقتل قاسم سليماني في غارة أمريكية في يناير 2020، والتي تبعها سلسلة من العمليات منها: اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده أواخر العام ذاته (الملقب بأبو البرنامج النووي الإيراني)، والتفجير في منشأة نطنز النووية عام 2021، واغتيال العقيد في الحرس الثوري صياد خدايي في طهران عام 2022، والهجمات بطائرات مسيرة ضد منشأة أصفهان العسكرية عام 2023، وتمثل أحدثها في التفجيرات التي تعرضت لها خطوط نقل الغاز بين الجنوب والشمال في إيران في فبراير 2024. كذلك تتهم إيران إسرائيل بالوقوف وراء العشرات من الهجمات الإلكترونية والسيبرانية. ناهيك عن قيام إسرائيل بضربات جوية ضد الوجود الإيراني داخل سوريا.

على الطرف الآخر؛ تتهم تل أبيب، إيران بالتخطيط وتنفيذ هجمات ضد المصالح الإسرائيلية حول العالم، ففي العام 2018 اعتقلت السلطات الألمانية إيرانيين متهمين بجمع معلومات عن أهداف إسرائيلية في ألمانيا، وفي 2021 اتهمت الهند قوة القدس بالمسؤولية عن التفجير الذي وقع قرب السفارة الإسرائيلية في نيودلهي، وفي 2023 اتهم وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين إيران بمحاولة تفجير السفارة الإسرائيلية لدى أذربيجان. كما شملت الاتهامات هجمات عدة ضد السفن البحرية المملوكة كليًا أو جزئيًا لإسرائيل، من بينها الهجوم على  ناقلة نفط في بحر العرب عام 2021، وهجوم آخر حدث قبالة شواطئ سلطنة عُمان عام 2022، وتعرض سفينة تجارية لهجوم بطائرة مسيرة قبالة الساحل الغربي للهند في أكتوبر 2023. بالإضافة إلى آلاف الهجمات السيبرانية ومحاولات الاختراق الإلكتروني، والتي بلغت وفق تقارير إسرائيلية 3380 هجمة خلال العام 2023، في زيادة بنسبة 43% عن العام 2022. ناهيك عن دعم إيران لوكلائها في لبنان واليمن والعراق وسوريا في تنفيذ هجمات ضد المصالح الإسرائيلية[16].

ثانيًا: حدود الهجوم الإيراني علي إسرائيل:

جاء الهجوم الإيراني ضد إسرائيل محدودًا بصورة كبيرة، وهو ما يمكن توضيحه كما يلي:

1- افتقاد الهجمات الإيرانية إلى عنصر المباغتة والسرية: حيث افتقدت الهجمات الإيرانية، التي دامت نحو 5 ساعات متواصلة، أهم عناصر تحقيق الأهداف العسكرية في الحروب، الذي ميز هجمات فصائل المقاومة الفلسطينية ضد المستوطنين في غلاف غزة، ألا وهو عنصر المباغتة والسرية، الذي من شأنه شل قدرة الخصم على وضع سيناريو معين للجهوزية والمواجهة بما يقلل الأضرار المصاحبة. فالضربات الإيرانية كانت معلومة مسبقًا (قبل أن تبدأ) من إسرائيل، حيث أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، بأن بلاده ترصد إطلاق الصواريخ والمسيرات الإيرانية، وأن الصواريخ والمسيرات ستستغرق ساعات للوصول إلى أهدافها، وننسق مع الولايات المتحدة وشركائنا في الشرق الأوسط، انتظارًا لوصول المسيرات والصواريخ الإيرانية إلى مدى الدفاعات الجوية الإسرائيلية والأمريكية لإسقاطها[17].

ويدلل على هذا التصور أيضًا تأكيد وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبد اللهيان” بأن طهران أبلغت الولايات المتحدة الأميركية ودول الجوار ودول المنطقة بالهجوم علي إسرائيل قبل 72 ساعة[18]. فيما كشف عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني جواد كريمي قدوسي، قبل ساعات من وقوع الهجمات، عن قرب استهداف إيران لإسرائيل، وذلك عبر تغريدة له جاء فيها: “بعد معاقبة الكيان الصهيوني في الساعات القادمة، سيفهم هذا الكيان الشرير أنه سيعاقب بصواريخ سجيل وخيبر وشهاب الإيرانية، إذا أقدم على اغتيال رموز جبهة المقاومة في أي مكان بالعالم”[19].

كما تقدم إجراءات التشويش على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، ولجوء عديد من العواصم العربية وغير العربية إلى إغلاق مجالاتها الجوية قبل الهجمات الإيرانية بساعات علمها المسبق بالهجمات الإيرانية[20].

كما تحدثت عديد من الأوساط الإعلامية الغربية والإسرائيلية بأن الأيام الماضية قبل الهجمات قد شهدت مفاوضات أمريكية-إيرانية لتحديد مدى ونطاق وتوقيت الهجمات والرد الإيراني بحيث لا يوقع أضرارًا بالغة على الجانب الإسرائيلي يستدعي ردًا إسرائيليًا من شأنه توسيع دائرة التصعيد الإسرائيلي-الإيراني في الشرق الأوسط، كما أشارت تلك التقارير، نقلًا عن مسؤولين إسرائيليين، أن تل أبيب “ستتسامح مع هجوم لا يوقع خسائر مادية”[21].

2- عدم الحاق الهجمات أي أضرار قوية بإسرائيل: فقد أشار المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري إلي أنه جرى اعتراض نحو 99% من المقذوفات الإيرانية، إما خارج المجال الجوي الإسرائيلي (في سوريا والأردن) أو فوق إسرائيل، وذلك باستخدام الدفاعات الجوية الإسرائيلية خاصة منظومتي (مقلاع داوود وآرو)، بالإضافة إلى الدعم الأمريكي والبريطاني والفرنسي في إسقاط المسيرات والصواريخ الإيرانية باستثناء بعض الصواريخ الباليستية (حددها الجيش الإسرائيلي بـ7 صواريخ باليستية من أصل 110 أطلقتها إيران) التي سقطت في صحراء النقب واستهدفت بعضها قواعد نيفاتيم ورامون الجوية، ولم تسفر إلا عن إلحاق أضرار طفيفة في مطار عسكري في الجنوب الإسرائيلي. كما لم يتم الإبلاغ عن خسائر بشرية مباشرة خلال الهجمات الإيرانية، حيث أعلن فقط عن 31 إصابة، تتمثل في نوبات هلع وأخرى ناتجة عن التدافع أثناء التوجه للملاجئ، باستثناء إصابة بالغة لطفلة عمرها 10 سنوات في النقب[22].

وبالتالي لم تترتب على تلك الهجمات الإيرانية أضرارًا جسيمة أو تكلفة باهظة الثمن ومؤلمة على إسرائيل[23]. فلم يتم استهداف شخصيات إسرائيلية – أو موقع هام – موازية لشخصيات قيادية قتلت في دمشق داخل القنصلية وخارجها[24].

وترجع محدودية هذا الهجوم الإيراني علي إسرائيل؛ نظرًالإدراك المسئولين الإيرانيين بضرورة الامتناع عن رد مباشر ضد تل أبيب يستدعي تأييد واشنطن والعواصم الأوروبية لتصعيد عسكري واسع النطاق من قبل إسرائيل في أعقاب الرد الإيراني. حيث أن هناك قناعة لدي النظام الإيراني بحضور التربص والرغبة في عمل عسكري واسع ضدها من قبل إسرائيل التي تريد ومنذ سنوات الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، وبحتمية الحيلولة دون إعطاء الفرصة لتل أبيب للحصول على التأييد الأمريكي والأوروبي لمثل ذلك العمل العسكري[25].

ولكن رغم محدودية الهجوم الإيراني، إلا أنه نجح في تحقيق نتائج هامة تتمثل في تثبيت “قواعد الاشتباك” بين طهران والاحتلال. فقد كانت القواعد تقوم على أن الاحتلال لا يستهدف إيران بشكل مباشر في أراضيها، ويستهدف شخصيات عسكرية خارج الأراضي الإيرانية، وحتى إذا حصلت عمليات اغتيال داخل إيران فإن الاحتلال لا يتبناها أبدًا، وبالمقابل ترد إيران على الاحتلال بشكل غير مباشر أيضًا عبر وكلائها وحلفائها في المنطقة (حزب الله وقوى عراقية تحديدًا).ولكن قصف الاحتلال للقنصلية الإيرانية في دمشق يعد كسرًا لقواعد الاشتباك هذه من قبل إسرائيل؛ لأن القنصلية تعد أرضًا إيرانية، ولأن الاحتلال أقر بأنه هو المسؤول عن القصف. وبالمقابل يعد الرد الإيراني المباشر على الاحتلال – بغض النظر عن الخسائر العملية التي تكبدتها تل أبيب- ردًا خارج القواعد أيضًا، وهو رد يحصل لأول مرة بهذا الشكل[26]. كما تعد تلك الهجمات الإيرانية أكبر عملية عسكرية خارجية تقوم بها طهران، منذ انتهاء حرب الثماني سنوات مع العراق (1980-1988)، كما وصفها محللون عسكريون بأنها أكبر هجوم بالطائرات المسيرة في التاريخ[27]

وبالتالي؛ فإن التقييم الموضوعي للهجوم الإيراني يتعلق بطبيعة الأهداف التي سعت إيران لتحقيقها من وراء الضربة العسكرية التي قررت توجيهها إلى إسرائيل. فإيران لم تقصد ممارسة حقها المشروع في الدفاع عن نفسها فحسب، خصوصًا بعد تعرض بعثتها الدبلوماسية في دمشق لعدوان إسرائيلي مباشر ومتعمد، ولم يكن هدفها الأهم إلحاق خسائر بالمدنيين أو بالبني التحتية الاقتصادية في إسرائيل، وهو ما يفسر تركيز الضربة على أهداف عسكرية بحتة، وإنما سعت في المقام الأول لإظهار قدرتها على الوصول بأدواتها العسكرية إلى أي مكان في الأراضي الفلسطينية المحتلة[28]. ولذلك؛ فقد وجهت إيران تحذيرات لإسرائيل من رد سريع وواسع وأقوى إذا شنت هجومًا عليها، وجاءت هذه التحذيرات علي لسان عدد من مسئوليها ابتداءً من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي[29]، ومرورًا بوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان[30]، وانتهاءًا بقائد القوات البرية الإيرانية العميد كيومرث[31].

إحدى النتائج الإيجابية الأخرى لإيران،أنه باستخدام طهران مئات الطائرات دون طيار والصواريخ الباليستية، أصبح لديها خريطة شاملة لأماكن تواجد منظومات الدفاع الجوي الأمريكي حول المنطقة، وعن أساليب الدفاع الجوي الإسرائيلي، والتي لم تكن مكشوفة من قبل للإيرانيين[32].

ثالثًا: تداعيات الهجوم الإيراني علي إسرائيل:

أسفر الهجوم الإيراني علي إسرائيل عن نتائج هامة علي المستوي الإسرائيلي والأمريكي والعربي والفلسطيني، يمكن الإشارة إليها كما يلي:

1- بالنسبة لإسرائيل:

أسفر هذا الهجوم الإيراني عن عدة تداعيات علي إسرائيل؛ بعضها إيجابي والآخر سلبي، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:

أ- السلبيات:

  • يعتبر هذا الهجوم الإيراني أول مرة منذ 23 عامًا تُستهدف فيه دولة الاحتلال بالصواريخ مباشرة من خارج جغرافية الأراضي المحتلة، وذلك منذ أن فعلها العراق في يناير 1991[33].
  • حالة الاستنفار والتوتر التي عاشتها الجبهة الداخلية في إسرائيل خلال هذه الضربة، فبالنسبة للإسرائيليين الذين جلسوا في منازلهم مساء يوم 13 أبريل، كان معايشة هذه الأحداث أمرًا غير مسبوق منذ عام 1991[34]. حيث أجبرت الضربة الجميع على الاحتماء بالملاجئ تحت الأرض، بما فيهم أعضاء مجلس الحرب المصغر، بعدما دوت صفارات الإنذار في كل البلاد، ولم تنحصر في نطاق ضيق ومحدود كما كان يحصل مع هجمات المقاومة الفلسطينية، فضلًا عن تعليق الدراسة وغلق المجال الجوي ليلة الهجوم[35].
  • نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن قيادي عسكري سابق أن إسرائيل أنفقت ما قد يصل إلى 5 مليارات شيكل (نحو 1.35 مليار دولار) خلال ليلة واحدة من أجل التصدي للهجوم الذي أطلقته إيران باستخدام مئات المسيرات والصواريخ[36]، تضاف إلى خسائر قدرت بأكثر من 70 مليار دولار منذ “طوفان الأقصى”[37]. ورغم تأكيد إسرائيل علي أن الأضرار المادية الناتجة عن الهجوم طفيفة، إلا أن هذه الأضرار كان يمكن أن تكون أكبر لو أن الضربة كانت فورية؛ على نحو لا يتيح لإسرائيل إلا ساعات قليلة للتصدي لها[38].
  • ليس من باب المبالغة القول بأن التغييرات التي أحدثتها عمليات السابع من أكتوبر (عملية طوفان الأقصى) قد تجلت بصورة واضحة في هجوم ليلة 14 أبريل (الهجوم الإيراني) فقد اهتزت مرة أخرى صورة إسرائيل المتفوقة، واحتاجت تل أبيب إلى تدخل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والأردن للتصدي لهجوم بالمسيرات والصواريخ التي انطلقت من إيران. وقد سجلت بعض المواقع الإيرانية تخمينات مفادها أن معظم الصواريخ التي استُخدمت هي صواريخ قديمة ورخيصة الثمن من صواريخ رضوان؛ إذ لم تستخدم إيران أسلحة متطورة في هذا الهجوم. ومع ذلك استطاعت اختراق القبة الحديدية التي جرى تحديثها مؤخرًا، فماذا لو استخدمت إيران صواريخها المتقدمة[39].
  • كشفت الضربة عن هشاشة الكيان المحتل وأنه دون مساعدة حلفائه في الخارج لن يصمد أمام أي هجوم أو استهداف، وهو ما يسقط أسطورة القوة العسكرية والجيش الذي لا يقهر التي تشدقت بها إسرائيل على مدار سنوات.
  • ثمة كلفة استراتيجية باهظة لدولة الاحتلال جراء تلك الضربة، تتعلق بالكشف عن تفاصيل نظام الدفاع الصاروخي لديها، وانكشاف قدرات الكيان العسكرية بشكل كامل، ما يمنح طهران وخصوم دولة الاحتلال بصفة عامة خريطة كاملة لمناطق تمركز الأنظمة الدفاعية والأماكن التي توجد بها قواعد ومنشآت أمريكية في الأردن والخليج، وهي القواعد التي استخدمت في التصدي للمسيرات والصواريخ الإيرانية.
  • أسقطت الضربة كذلك استراتيجية الردع الإسرائيلي التي كان يعتمد عليها الاحتلال في ترهيب خصومه وتشجيع اليهود في العالم على الاستيطان في الأراضي المحتلة، وهي الاستراتيجية التي أسقطها طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، لتعززها الضربة الأخيرة في 13 أبريل[40]. وهو الأمر الذي جعل زعيم المعارضة الاسرائيلية يائير لابيد في 15 أبريل 2024 يتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالتسبب في تقويض الردع الإسرائيلي في أعقاب هجوم إيران غير المسبوق، ومحذرًا من أن حكومة نتنياهو تشكل خطرًا على إسرائيل قائلًا “لقد أصبحت هذه الحكومة ورئيسها تهديدًا وجوديًا لإسرائيل لقد سحقوا الردع الإسرائيلي”[41].
  • للمرة الأولى يقبل الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، أن يكون الرد الإيراني على إسرائيل هو باستهداف أراضيها وليس استهداف مصالحها في الخارج، وهو تحول بارز بغض النظر عن أي ترتيبات مصاحبة أو حجم وشكل الرد؛ فاستهداف الداخل الإسرائيلي كان خطًا أحمر غير مقبول، ودونه كانت معادلات ردع إسرائيلية وأمريكية لإيران، لكنها تهاوت بعد حرب غزة، وبات العمق الإسرائيلي ساحة معركة أو هدفًا ممكنًا في ظل الجبهات المفتوحة على الاحتلال من أكتوبر الماضي[42].

ب- الإيجابيات:

  • كشف الهجوم عن نجاح عسكري كبير تجسد في: 1- توفر معلومات استخباراتية مسبقة لدى الاستخبارات الإسرائيلية (يمكن أن نضيف هنا أن جزءًا كبيرًا منها توافر من رسائل علنية دأبت طهران على بثها قبل شن هجومها)؛ 2- منظومة اعتراض ذات أداء ممتاز لدى سلاح الجو الإسرائيلي[43]. وهو ما جعل إسرائيل تستعيد – ولو بصورة جزئية – مكانتها كقوة عسكرية وتكنولوجية في كل ما يتعلق بالدفاع الجوي، وحسنت صورتها بشكل كبير في مجال الاستخبارات الدقيقة، وهو ما يعتبر عاملًا مهمًا جدًا لتحسين صورتها بعد عملية 7 أكتوبر 2023[44].
  • كشفت المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية المباشرة الأولى عن ملامح تحالف أمني قيد التشكل يضم دولًا عربية وغربية إلى جانب إسرائيل. وقد كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن تفاصيل التصدي للهجمة الجوية الإيرانية على إسرائيل، وأنه شارك فيها، إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، الأردن ودول عربية خليجية[45]. وأعيد إلى الأذهان أن اعتراض المسيرات والصواريخ التي أطلقها الحوثيون من اليمن طوال فترة الحرب على غزة في اتجاه إسرائيل يستند إلى هذا التعاون الإقليمي الواسع النطاق[46]. وبالتالي فأن أي مواجهة إيرانية – إسرائيلية لن تقتصر عليهما فقط، إنما ستقود نحو مواجهة بين إيران من جهة وتحالف غربي وعربي داعم للاحتلال في الجهة الأخرى[47].

وكان الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، أول من اقترح ربط النظم الدفاعية الجوية للحلفاء في المنطقة للتصدي للبرنامج الصاروخي الإيراني، لمعالجة مخاوفهم من الاتفاق النووي مع إيران. وصار هذا التوجه ممكنًا مع انتقال إسرائيل عام 2021 من منطقة القيادة الأميركية في أوروبا إلى منطقة القيادة المركزية في الشرق الأوسط، بعد توقيع اتفاقات أبراهام عام 2020[48].

  • تحويل الأنظار – ولو مؤقتًا – عن السخط الدولي ضد إسرائيل بسبب الحرب في غزة، خاصة بعد استهدافها عمال المطبخ المركزي العالمي. حيث ستسعى إسرائيل إلى استغلال الهجمات الإيرانية بهدف صرف النظر عن المجازر التي ترتكبها ضد الفلسطينيين[49]، وتغيير صورتها من احتلال يرتكب جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي إلى دولة تدافع عن نفسها ضد العدوان الايراني، واستعادة صورتها كضحية أمام الرأي العام العالمي[50]. كذلك فإن هذا الهجوم سيدفع نحو تخفيف حدة خطاب القادة الأوروبيين تجاه الحكومة الإسرائيلية، ووقف المطالب المستمرة بوقف الحرب، والدعوات لمراجعة مبيعات الأسلحة الأوروبية إلى إسرائيل[51]. بالإضافة إلى ذلك، سيمنح هذا الهجوم الاحتلال الذريعة القوية لتجييش المجتمع الدولي ضد طهران بوصفها “عاصمة الإرهاب العالمية”، ومبررًا مستقبليًا لاستهداف العمق الإيراني، أو على الأقل الاستمرار في سياسة الاغتيالات النوعية[52].
  • سيوفر هذا الهجوم الإيراني فرصة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من أجل تثبيت أركان حكومته الحالية بعد تصاعد الخلافات داخلها[53]، وقيام مظاهرات عدة تطالب إما برحيل الحكومة أو إبرام صفقة مع حركة حماس لتحرير الأسرى الإسرائيليين. كذلك أعاد الهجوم حكومة بنيامين نتنياهو إلى قائمة الأحداث، بعدما شهدت محاولات أمريكية لعزلها عن المشهد، وتكثيف تواصل واشنطن مع المعارضة الإسرائيلية من خلال استقبال كل من العضو في حكومة الحرب الإسرائيلية بيني غانتس، وزعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد في واشنطن[54]. كما أن هذا الهجوم سيوفر فرصة لنتنياهو لكسب مواقف أمام المجتمع الإسرائيلي للتخفيف من حدة السخط والقضايا المعلقة ضده[55]، خاصة بعد فشل عدوانه علي غزة في تحقيق الأهداف العسكرية المرسومة، سواء على صعيد القضاء على المقاومة أو تحقيق تغيير في النظام السياسي في قطاعِ غزة، وتعليل استمرار الحرب في غزة بأنه مصلحة شخصية لنتنياهو[56].  
  • ذكرت صحيفة “يسرائيل هيوم” نقلًا عن ثلاثة مصادر إسرائيلية، أن الإدارة الأميركية أعربت عن موافقتها على خطط الجيش الإسرائيلي لاجتياح رفح بعدما كانت ترفض هذا الاجتياح، شريطة ألا تشن إسرائيل هجومًا واسع النطاق داخل إيران. وأشارت المصادر إلي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “نجح في مناورته السياسية ووظف الهجوم الإيراني ليحصل على تسهيلات أميركية بشأن الاجتياح المزمع لمدينة رفح”[57].

وبعد تقييم الجانب الإسرائيلي للمكاسب والخسائر من خلف هذا الهجوم الإيراني، فقد تم ترجيح قيام إسرائيل بتنفيذ هجمات انتقامية، خاصة في ظل ضغوط اليمين المتطرف الذي يمثل ضلعًا أساسيًا في حكومة نتنياهو، والذي يطالب بسرعة الرد وبمستوى جنوني بحسب وصف وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، لافتًا إلى أن “مفهوما التناسب والاحتواء هما مفهومان رحلا في السابع من أكتوبر”، وهو نفس موقف وزير المالية سموتيرتيش الذي يطالب بعدم ضبط النفس أمام إيران، منوهًا أن “عيون الشرق الأوسط بأسره والعالم بأسره على دولة إسرائيل”، ومحذرًا من أنه: “إذا لم ترد إسرائيل فسوف نضع أنفسنا وأطفالنا في خطر وجودي مباشر”[58].

لكن إسرائيل على يقين بأن ردها على الهجوم الإيراني سيتحول إلى تداعيات واسعة النطاق، مما يتطلب النظر بجدية إلى العواقب المحتملة لتحركاتها؛ نظرًا لاحتمالات بلوغ التصعيد إلى حد اندلاع حرب إقليمية واسعة النطاق. ومن الناحية الداخلية، فإن إسرائيل تعاني من أوضاع صعبة، حيث يتمثل التحدي الرئيسي في استمرار الاستنزاف الذي يشكله الصراع المستمر في قطاع غزة، وهذا يجعل من الصعب عليها تحمل عبء مواجهة جبهة حرب جديدة مع إيران، لا سيما وأن ذلك قد يؤدي إلى تعرض جبهات أخرى للهجوم، بما في ذلك من جنوب لبنان ومنطقة الجولان[59]. وهناك أيضًا أزمة القوى البشرية التي يعاني منها جيش الاحتلال، والتي دفعت إلى تجنيد عدد غير مسبوق من ضباط وجنود الاحتياط؛ في ظل نجاح الأحزاب الدينية الحريدية المشاركة في حكومة بنيامين نتنياهو – حتى الآن- في الحيلولة دون سن أي قانون يلزم بتجنيد أبناء التيار الحريدي[60].

ناهيك عن خلاف الأولويات بين نتنياهو والرئيس الأمريكي جو بايدن، حيث يريد نتنياهو أن يبدأ الحرب مع إيران، ومن ثم أذرعها، على اعتبار أن إيران هي رأس الافعى – وفق توصيفه – وضربها يشل باقي الأذرع، بينما ترى الولايات المتحدة أن الحرب يجب أن تبدء من سوريا، لغلق الحدود السورية العراقية لمنع تدفق الدعم الإيراني إلى حزب الله في لبنان، وتكون إيران أخر مرحلة بعد قطع الأذرع[61]. وبالتالي، ففي حال وجد نتنياهو نفسه مضطرًا لإرضاء اليمين المتطرف بتنفيذ ضربات قوية علي إيران، فربما يفقده الدعم الأمريكي لا سيما بعد تحذير بايدن له بأن بلاده لن تشارك في الرد المضاد إذا أقدمت عليه إسرائيل، خشية اشتعال المنطقة وتوسعة دائرة الصراع بما يضر بمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وفي حال سحب أمريكا يدها ولو جزئيًا من دعم إسرائيل في تلك الخطوة فإن الأمر سيكون غاية في الصعوبة، لا سيما بعدما اتضح أن لولا الدعم الأمريكي لدولة الاحتلال لما استطاعت الصمود كل تلك الفترة، فضلًا عما كشفته “عملية الطوفان” ومن بعدها الرد الإيراني من تواضع إمكانياتها وهشاشة بنيتها الدفاعية والاستخباراتية[62].

ولذلك حرصت إسرائيل علي أن يكون ردها محدود ورمزي، يسمح لإيران بأن تتغاضى عنه، دون الحاجة لجولة أخرى من تبادل الضربات مع إسرائيل. حيث أفادت وسائل إعلام إيرانية في 19 إبريل 2024، بسماع دوي انفجارات في مدينة أصفهان بوسط إيران، والتي يُقال أنها جاءت جراء هجوم إسرائيلي استهدف مناطق قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية العسكرية التابعة للجيش الإيراني. وقد اختلفت الروايتان الإيرانية والإسرائيلية حول الحادث؛ حيث:

الرواية الإسرائيلية؛ صرحت تقارير صحافية، نقلًا عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين، بأن الجيش الإسرائيلي شن هجومًا جويًا داخل إيران، ردًا على الهجوم الإيراني بالصواريخ والطائرات المسيرة الذي استهدف الأراضي الإسرائيلية يوم 13 إبريل الجاري، حيث وفقًا لصحيفة “جيروزاليم بوست”، فقد تم استهداف قاعدة هشتم شكاري العسكرية لأنها من ضمن القواعد التي انطلقت منها المسيرات التي هاجمت إسرائيل.

كما أفادت تقارير بأن تل أبيب أخطرت الولايات المتحدة بالهجوم مسبقًا؛ إذ أشارت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” وشبكتا “NBC NEWS” و”CNN”، أن إسرائيل أبلغت واشنطن يوم 18 أبريل، بأنها تعتزم مهاجمة إيران خلال الساعات القادمة، فيما أكدت شبكة “NBC News” أن الولايات المتحدة لم تشارك في الهجوم.

وبينما لم تتبنى تل أبيب الهجوم حتى الآن، علقت النائبة الإسرائيلية طالي جوتليب، عضوة لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، على الحادث بـ”إسرائيل دولة قوية ومقتدرة، تستعيد قوة الردع لديها”[63]، فيما وصف وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الهجوم بـ”المسخرة”[64].

– الرواية الإيرانية؛ نفت طهران تعرضها لهجوم من الخارج، مؤكدة أنه لا هجوم صاروخي على البلاد، فيما أوضحت إيران أن دوى الانفجارات جاءت نتيجة لتصدي أنظمة الدفاع الجوي التي تم تفعيلها على عدد من المحافظات، إلى ثلاث مسيرات تم إطلاقها من قبل أشخاص تسللوا إلى داخل الأراضي الإيرانية (علي عكس تقارير إعلامية إسرائيلية التي تقول أن الهجوم تم بواسطة صواريخ أطلقتها طائرة من خارج الأجواء الإيرانية)، مشددة على أنه تم إسقاط الطائرات المسيرة بنجاح ودون حدوث أي أضرار[65]. حيث قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إن الطائرات المسيرة التي تقول مصادر إن إسرائيل أطلقتها على مدينة أصفهان يوم الجمعة لم تسبب خسائر مادية أو بشرية، قائلًا: إن “وسائل الإعلام الداعمة للنظام الصهيوني حاولت يائسة تصوير الهزيمة على أنها نصر في حين أن الطائرات الصغيرة التي أُسقطت لم تسبب أي أضرار أو إصابات”[66]، مضيفًا أن “ما حدث لم يكن هجومًا، وأن الأمر كان عبارة عن طائرتين أو ثلاث طائرات بدون طيار، تلك التي يلعب بها الأطفال في إيران”، وتابع “طالما أنه لا توجد مغامرة جديدة (هجوم عسكري) من قبل النظام الإسرائيلي ضد مصالح إيران، فلن نرد”[67].

وفي أعقاب هذا الهجوم، قامت السلطات الإيرانية بإغلاق المجال الجوي وتعليق الرحلات الجوية لمطارات طهران وأصفهان وشيراز والمطارات الغربية والشمالية الغربية والجنوبية الغربية، فيما غيرت شركات الطيران مسارات رحلاتها سريعًا فوق إيران وحولت رحلاتها إلى مطارات بديلة أو أعادت الطائرات إلى نقاط انطلاقها، ولكنها سرعان ما أعادت فتح المطارات والمجال الجوي واستئناف الرحلات الجوية في مطاري الخميني الدولي ومهر آباد بطهران.

ويتضح من الروايتان الإسرائيلية والإيرانية أن هناك رغبة مشتركة في عدم تجاوز قواعد الاشتباك؛ حيث يتضح من الهجوم الإسرائيلي على أصفهان ومن قبله الهجوم الإيراني على تل أبيب، أن الدولتان لا ترغبان في تحويل الوضع الراهن إلى حالة حرب شاملة إدراكًا منهما لخطورة تداعيات هذه الحرب في حال حدوثها، ولذلك فإنهما يتبادلان الضربات بشكل محدود ووفقًا لقواعد الاشتباك الحاكمة للصراع الإيراني الإسرائيلي، دون وقوع ضحايا أو أضرار، مما يشير إلى رمزية تلك الضربات، وهناك العديد من المؤشرات والمعطيات الدالة على هذه الرغبة؛ منها: سعي إيران إلى التقليل من تأثير الهجوم[68]، وعدم إعلان إسرائيل رسميًا مسؤوليتها عن الهجوم، وطلب وزارة خارجيتها من ممثلياتها بالخارج، الامتناع عن الإدلاء بأي تصريحات بشأن الضربة الإسرائيلية على أصفهان[69].

وإن كانت إسرائيل تسعي من خلف هذه الضربة بالتلويح بإمكانية الوصول للمنشآت النووية الإيرانية في الداخل، وأن البرنامج النووي الإيراني ليس بمعزل عن الضربات الإسرائيلية، ولذلك اختارت تل أبيب مدينة “أصفهان” حيث توجد العديد من المواقع النووية الإيرانية، بما في ذلك منشأة “نطنز” التي تعتبر محور البرنامج الإيراني لتخصيب اليورانيوم. ولذلك؛ سارعت “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” بالتأكيد على عدم وقوع أي ضرر في المواقع النووية الإيرانية في الهجوم، مشددة على أن المنشآت النووية لا ينبغي أن تكون أبدًا هدفًا في الصراعات العسكرية، داعية جميع الأطراف إلى ضبط النفس بأقصى درجة، فيما أكدت “وكالة تسنيم الإيرانية” على سلامة المنشآت النووية في أصفهان، موضحة أنها آمنة بالكامل[70].

جدير بالذكر هنا، أنه كان هناك عدة خيارات أمام إسرائيل للرد علي الهجوم الإيراني، منها:

السيناريو الأول: الرد بالمثل، حيث استهداف الداخل الإيراني عبر تنفيذ هجوم على قواعد عسكرية تابعة للحرس الثوري والجيش الإيراني، وخاصة تلك التي انطلقت منها المسيرات والصواريخ الإيرانية تجاه إسرائيل، أو حتى استهداف بنية تحتية نووية إيرانية، خاصة وأن هذا الخيار له دلالة مميزة بالنسبة لإسرائيل لأنه سيجمع بينها وبين الدول الغربية التي تعارض المشروع النووي الإيراني[71].

السيناريو الثاني: استهداف أذرع إيران ووكلائها في المنطقة، وعلى رأسها حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وميليشيا الحرس الثوري في سوريا، والميليشيات المدعومة إيرانيًا في العراق.

السيناريو الثالث:عمليات نوعية تستهدف مصالح وأهداف إيرانية في الداخل والخارج، مثل عمليات الاغتيالات الممنهجة لكبار القادة العسكريين الإيرانيين، واستهداف السفن الإيرانية في البحر الأحمر، واستهداف حقول النفط، وضرب القواعد العسكرية لها في الدول الإقليمية.

السيناريو الرابع: الاستهداف السيبراني (الإلكتروني)، حيث شن هجمات واسعة النطاق على المنظومة الإلكترونية للمواقع العسكرية التابعة للحرس الثوري ووزارة الدفاع والجيش الإيراني وأذرعها في الخارج. خاصة أن إسرائيل اعتادت خلال السنوات الماضية على تنفيذ مثل هذا النمط من العمليات من أجل إلحاق خسائر فادحة بإيران.

السيناريو الخامس: الحرب الدبلوماسية، حيث تأجيل الهجوم المضاد، ومنح فرصة لتشكيل تحالف دبلوماسي بقيادة الولايات المتحدة، بما يساعد على فرض طوق من العقوبات الاقتصادية والعسكرية على قادة إيران ووكلائها في المنطقة[72]. وفي هذا الإطار، صرح وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بأن إسرائيل تقود هجومًا دبلوماسيًا ضد إيران بالتزامن مع الرد العسكري على إطلاق الصواريخ والمسيرات. وأوضح في منشور على منصة “إكس” أنه أرسل رسائل إلى 32 دولة، وتكلم مع عشرات من وزراء الخارجية ومسؤولين حول العالم من أجل الدعوة لفرض عقوبات على مشروع الصواريخ الإيراني، ومن أجل إعلان الحرس الثوري الإيراني “منظمة إرهابية” كوسيلة لكبح جماح إيران وإضعافها[73].

2- بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية:

جاء التعامل الأمريكي مع الهجوم الإيراني علي إسرائيل كما يلي:

أ- دعم إسرائيل في صد الهجوم الإيراني: أعادت الولايات المتحدة تموضع مدمرتين، إحداهما كانت موجودة بالفعل في المنطقة، والأخرى أُعيد توجيهها إلى هناك؛ هما “يو إس إس أرلي بيرك” و”يو إس إس كارني”[74]. وأعلنت القيادة العسكرية الأميركية الوسطى (سنتكوم)، أن الولايات المتحدة، وبدعم من مدمرات أوروبية، تمكنت من تدمير “أكثر من 80 مسيرة و6 صواريخ باليستية على الأقل مخصصة لضرب إسرائيل انطلاقًا من إيران واليمن خلال الهجوم الإيراني”[75].

وفي سياق متصل، ففي أعقاب عملية “طوفان الأقصى” اتجه الكونجرس بغرفتيه إلى التركيز على الدعم الأمريكي لإسرائيل، إلا أن هذا الدعم قد واجه معرقلين أساسيين، ينصرف الأول إلى محاولة بعض الديمقراطيين ربط الدعم المقدم لإسرائيل بالدعم المقدم لأوكرانيا؛ بينما يستند الثاني إلى الضغوط التي فرضت على هذا الدعم جراء المجازر والوحشية الإسرائيلية في تعاملها مع سكان قطاع غزة. إلا أنه فيما يبدو كنتيجة للهجمات الإيرانية على إسرائيل سيذوب تأثير هذين المعرقلين، ويصبح التركيز على الدعم الأمريكي لإسرائيل بشكل لا جدال فيه[76]، وعلى هذا النحو فقد وافق مجلس النواب، في 20 إبريل، على مشروع قانون لتقديم مساعدات عسكرية جديدة لإسرائيل بقيمة 26 مليار دولار[77].

ب- مطالبة إسرائيل بضبط ردها على الهجوم الإيراني: عقب إعلان إسرائيل عن نجاحها في اعتراض 99% من الطائرات من دون طيار والصواريخ التي أطلقتها إيران، أخبر الرئيس الأمريكي جو بايدن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال اتصال هاتفي في 14 أبريل، أن ذلك يشكل “فوزًا لإسرائيل”؛ حيث لم يتم ضرب أي شيء “ذي قيمة”. ومن ثم، قد لا يكون من الضروري إجراء المزيد من الهجمات الإسرائيلية الانتقامية ضد إيران[78].

فيما صرح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض “جون كيربي”، يوم 14 إبريل، بأن أي رد على الهجوم الإيراني متروك للقوات الإسرائيلية، مشددًا على أن الرئيس “جو بايدن” لا يريد تصعيد الوضع أو جر الولايات المتحدة إلى أي صراع. وأضاف “كيربي” أن الدفاعات الموجودة أثبتت أن إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها، متابعًا: “لن أتحدث نيابة عن الإسرائيليين، الأمر متروك لهم ليقرروا ما إذا كانوا سيردون على ذلك وكيف”[79].

ج- التأكيد علي عدم المشاركة في الضربات الإسرائيلية: أبلغت الولايات المتحدة إيران بأنه ليس لها أي دور أو علم مسبق بالضربة التي طالت القنصلية الإيرانية في سوريا. وقد ذكر العديد من المسؤولين الأمريكيين أن إسرائيل لم تبلغ الإدارة الأمريكية قبل الضربة[80]. وتشير تقارير أمريكية إلى أن وزير الدفاع الأمريكي اشتكى إلى نظيره الإسرائيلي من أن استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق وضع القوات الأمريكية في الشرق الأوسط في خطر، وكان ينبغي للمسؤولين الأمريكيين أن يعرفوا بها[81].

وبحسب الإعلام الأمريكي، فأن الرئيس بايدن أخبر نتنياهو، خلال اتصال في 13 من الشهر نفسه، أن الولايات المتحدة لن تشارك في أي هجوم إسرائيلي مضاد ضد طهران. وأن الإدارة الأمريكية تطالب إسرائيل بالتنسيق معها قبل أي رد على الهجمات الإيرانية[82].

كما نفت الولايات المتحدة – علي لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن – مشاركتها في الهجوم الإسرائيلي على مدينة أصفهان الإيرانية. فيما قال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني أن واشنطن أوضحت لـ”مجموعة الدول السبع” أن إسرائيل أبلغتها في اللحظة الأخيرة بالهجوم على إيران، ولم تشارك فيه[83].

د- قيادة حملة دولية لمعاقبة إيران: أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أنها ستفرض عقوبات جديدة على إيران بعد هجومها الأخير الذي استهدف إسرائيل بعشرات المسيرات والصواريخ. وقالت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين أن أميركا ستستخدم العقوبات وتعمل مع الحلفاء “لمواصلة عرقلة أنشطة إيران الخبيثة والمزعزعة للاستقرار”. وأشارت الوزيرة إلى أن وزارة الخزانة الأميركية استهدفت أكثر من 500 فرد وكيان “على صلة بالإرهاب الذي تمارسه إيران ووكلاؤها منذ 2021”[84]. وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إن الولايات المتحدة تعتزم فرض عقوبات جديدة تستهدف برنامج الصواريخ والطائرات المسيرة الإيراني خلال الأيام المقبلة ردًا على هجومها على إسرائيل. وأضاف سوليفان أن العقوبات ستشمل أيضًا كيانات تدعم الحرس الثوري ووزارة الدفاع الإيرانية، وتوقع أن يحذو حلفاء بلاده حذوها[85].

كما عقد الرئيس بايدن جلسة طارئة مع “مجموعة الدول السبع” التي تضم الولايات المتحدة، وبريطانيا، وكندا، وألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، واليابان من أجل مناقشة بلورة ائتلاف دولي دبلوماسي لعزل إيران، وفرض عقوبات ضدها على خلفية برنامجها النووي. وجاء في بيان مشترك صدر بعد اجتماع لوزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية لدول المجموعة، أنهم “يتعهدون بالتنسيق الوثيق لأي إجراء مستقبلي لتقويض قدرة إيران على الحصول على الأسلحة أو إنتاجها أو نقلها لدعم الأنشطة الإقليمية المزعزعة للاستقرار”[86].

وفي سياق متصل؛ قال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، عقب مؤتمر طارئ عبر الفيديو لوزراء خارجية الاتحاد لمناقشة تداعيات الهجوم الإيراني، إن الهيئة الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي ستبدأ العمل على مقترح قدمته بعض الدول الأعضاء في الاتحاد لتوسيع نطاق العقوبات على إيران ردًا على هجومها على إسرائيل. وقال بوريل إن المقترح سيوسع نظام العقوبات الذي يهدف إلى تقييد إمدادات الطائرات المسيرة الإيرانية إلى روسيا ليشمل أيضًا الإمداد بالصواريخ، وربما يغطي أيضًا الشحنات المرسلة إلى حلفاء طهران في الشرق الأوسط، مثل حزب الله اللبناني أو الحوثيين في اليمن. وقال إن بعض أعضاء الاتحاد أثاروا أيضًا احتمال فرض عقوبات على الحرس الثوري في إيران، لكنه كرر موقف الاتحاد المتمثل في أنه لا يمكن تصنيف فيلق القدس، ذراع الحرس الثوري في الخارج، منظمة “إرهابية” إلا إذا وجدت سلطة وطنية في الاتحاد أنه متورط في نشاط “إرهابي”. وقال إنه لا علم للاتحاد الأوروبي بوجود أي حالة من هذا القبيل، لكنه سيطلب من الهيئة الدبلوماسية للاتحاد فحص الأمر مرة أخرى[87].

وتفرض الولايات المتحدة وحلفائها عقوبات عديدة على إيران لأسباب متعددة. ويرجع سبب بعض تلك العقوبات إلى برنامج إيران النووي، وبعضها بسبب دعم إيراني لروسيا في حربها على أوكرانيا من خلال تزويدها بالمسيرات، وبعضها بسبب دعم إيراني لجماعة الحوثي اليمنية في العميات التي تشنها ضد السفن الإسرائيلية والأميركية في البحر الأحمر، وبعضها بدعوي ارتكاب إيران انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان[88].

ويمكن تفسير هذا التعامل الأمريكي في ضوء مجموعة من العوامل تتمثل في:

  • منذ العمليات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر الماضي والرئيس الأمريكي جو بايدن يعمل على عدم توسيعها إلى حرب إقليمية بين إسرائيل وإيران ووكلائها المسلحين المنتشرين في العراق وسوريا واليمن ولبنان[89]. وفي الوقت نفسه، تشعر واشنطن بأن حكومة نتنياهو تحاول جرها إلى اشتباك واسع في المنطقة ضد إيران[90].
  • أن تصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران يمكن أن يجر واشنطن إلى حرب لا ترغب فيها الإدارة الأمريكية، التي رفعت شعار إنهاء الحروب الأمريكية اللانهائية في الشرق الأوسط، وهي السياسة التي تجلت في عملية الانسحاب من أفغانستان في ٣١ أغسطس ٢٠٢١؛ وذلك من أجل التفرغ لمواجهة الصعود الصيني بمنطقة الإندو – باسيفيك، والذي يعد التهديد الاستراتيجي الأول للولايات المتحدة.
  • تتخوف الإدارة الأمريكية من أن التصعيد الإسرائيلي – الإيراني قد يعرض القواعد العسكرية الأمريكية في العراق وسوريا لهجمات مسلحة مجددًا، بعد نجاح الضربات الأمريكية ضد وكلاء إيران في العراق وسوريا، والتفاهمات الأمريكية – الإيرانية على وقفها، ولا سيما بعد أن أدت إحداها إلى مقتل ثلاثة جنود من الجيش الأمريكي في هجوم بطائرة من دون طيار على القاعدة الأمريكية في الأردن، في 28 يناير 2024، وهو الهجوم الذي دفع الإدارة الأمريكية إلى شن هجمات عسكرية ضد المليشيات الشيعية في العراق وسوريا[91]. وفي هذا السياق؛ فقد حرصت إيران على تجنب استفزاز الجانب الأمريكي، حيث قامت بإيصال الرسائل للجانب الأمريكي، عبر وسطاء، بأنها تعتزم ضرباتها ستكون بمنأى عن الإضرار بالقواعد والقوات الأمريكية في الدول المفترض أن تمر من خلالها الصواريخ والمسيرات الإيرانية المتجهة إلى إسرائيل، وهو ما حدث بالفعل[92].
  • أن تصاعد الصراع بين إيران وإسرائيل واستمراره لفترة أطول سيسبب مأزق لإدارة بايدن مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 5 نوفمبر القادم. وتعود أسباب هذا المأزق إلى أن إدارة بايدن سعت منذ يومها الأول في الحكم إلى الانقضاض على إرث الرئيس السابق “دونالد ترامب” فيما يتعلق بالتعامل مع إيران، وانتهجت في سبيل ذلك سياسة أكثر مهادنة ارتكزت بشكل أساسي على إعادة تحفيز المسار الدبلوماسي والتوصل لاتفاق مع طهران. وهو الأمر الذي نجم عنه في النهاية اتهام بعض الرموز الجمهورية لإدارة “بايدن” بأنها كانت السبب في وقوع هجمات “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر الماضي. ويأتي في مقدمتهم الرئيس السابق والمرشح الجمهوري “ترامب” الذي قال في حديثه، بتجمع حاشد بولاية بنسلفانيا، وهي إحدى أهم الولايات المتأرجحة في انتخابات 2024، إن هجوم حماس في 7 أكتوبر والهجمات الجوية الإيرانية على إسرائيل “لم تكن لتحدث لو كنت في المنصب”، وانتقد ما قال إنه “ضعف” الرئيس “بايدن” في الخارج. كما تفاخر بسجله في هذا الملف، مؤكدًا أنه حارب من أجل إسرائيل “كما لم يفعل أي رئيس من قبل”[93].

وفي ضوء ما سبق؛ يمكن القول أن الولايات المتحدة تتربع على عرش الرابحين من الرد الإيراني الذي جاء تحت أعينها وبالشكل المقبول بالنسبة لها، فهي بذلك حققت عددًا من المكاسب من وراء تلك الضربة، أهمها التزامها بالدفاع عن حليفها الإسرائيلي وتجنيبه أي تصعيد إيراني مفاجئ من شأنه أن يهدد الكيان، وذلك بالتنسيق مع طهران بشأن توقيت العملية وطبيعتها، وبالتالي منحت تل أبيب الفرصة والوقت والإمكانيات الكافية للإعداد واتخاذ إجراءات الحيطة الضرورية.

إضافة إلى تجنب نشوب حرب مباشرة وكبيرة في الشرق الأوسط، بما يضع مصالح أمريكا في مرمى الاستهداف الإيراني من جانب، ويمنح خصوم واشنطن الشرقيين، موسكو وبكين، فرصة لتوظيف المشهد لحسابات سياسية واقتصادية تضر بالولايات المتحدة وتقزم من حضورها في المنطقة من جانب آخر.

كما أنها تمنح ذريعة جيدة لواشنطن لتكثيف وجودها في المنطقة وتدشين تحالف إقليمي ودولي لمواجهة طهران وهو التحالف الذي فشلت في تدشينه في السابق، هذا بخلاف إمكانية توظيف ما حدث لتحقيق مكاسب اقتصادية أخرى عبر تنشيط سوق السلاح وبيع صفقات جديدة لدول الخليج والشرق الأوسط.

يضاف إلى ذلك، توظيف المشهد الحالي دعائيًا بالنسبة لإدارة بايدن خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة، في نوفمبر المقبل، وذلك بعد موجة الانتقادات التي تعرض لها مؤخرًا وتسببت في تراجع شعبيته بسبب سياسته تجاه حرب غزة[94].

3- بالنسبة للدول العربية:

قامت إيران بتبليغ الدول العربية عزمها توجيه ضربات إلى إسرائيل، قبيل الهجوم بـ72 ساعة، حسب تصريحات وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، الذي قال: “أبلغنا أصدقاءنا وجيراننا في المنطقة أن رد إيران على إسرائيل مؤكد ومشروع ولا رجعة فيه”[95]. وقد يعزى ذلك الموقف لسببين، أولهما؛ تفادي الخسائر التي قد تنجم عن إطلاق الصواريخ والمسيرات من إيران حتى إسرائيل؛ الأمر الذي قد يتسبب في أضرار تتعلق بحركة الطيران أو المنشآت أو الأشخاص؛ ما دفع عددًا من دول المنطقة إلى إغلاق مجالها الجوي وتحويل رحلاتها الجوية بعيدًا عن مناطق التوتر. وثانيهما؛ محاولة احتواء غضب دول المنطقة الذي قد ينجم عن التصعيد الإيراني ضد إسرائيل، وما قد يرتبه ذلك من تداعيات وخيمة على الأمن والاستقرار الإقليمي، خاصة في الوقت الذي تسعى فيه طهران إلى كسب ود تلك الأطراف وتحسين علاقاتها معها خلال الفترة الماضية، ولاسيما بعد توقيع اتفاق عودة العلاقات مع السعودية برعاية صينية في 10 مارس 2023[96].

ولكن ما كان صادمًا – وإن كان متوقعًا –  أن الدول العربية بدلًا من أن تنحاز لإيران في ردها علي إسرائيل، أو حتي تقف علي الحياد، قد وقفت إلي جانب إسرائيل، وشاركت في إجهاض هذا الهجوم الإيراني علي إسرائيل. فبحسب تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”، فقد تمكنت القوات الإسرائيلية والأمريكية من اعتراض معظم الطائرات بدون طيار والصواريخ الإيرانية؛ لأن دولًا عربية قدمت معلومات استخباراتية بشأن خطط طهران الهجومية، وفتحت مجالها الجوي أمام الطائرات الحربية، وتبادلت معلومات التتبع بالرادار، أو في بعض الحالات، زودت قواتها الخاصة للمساعدة.

وبحسب الصحيفة، قبل الهجوم الإيراني بيومين، تواصلت طهران مع السعودية ودول خليجية أخرى وأخبرتها بموعد وخطط الهجوم على إسرائيل بحيث تحمي هذه الدول مجالها الجوي، لكن هذه الدول قامت بتمرير المعلومات إلى واشنطن التي قامت بدورها بتمريرها لتل ابيب كي تأخذ احتياطاتها، في حين سمح الأردن للطائرات الأمريكية والاسرائيلية باعتراض الصواريخ والمسيرات الإيرانية فوق مجاله الجوي كما شارك أيضًا في عملية الاعتراض عبر سلاح الجو الأردني. وتستطرد الصحيفة بأن المسيرات والصواريخ الإيرانية تم مراقبتها وتتبعها فور انطلاقها مباشرة عبر نظام الرادارات في الدول الخليجية، وتم إرسال إشارات إلى مركز العمليات بالقاعدة العسكرية الأمريكية في قطر، والتي تم نقلها مباشرة إلى الطائرات وأنظمة الدفاع الصاروخي والسفن الحربية الأمريكية بالمنطقة كي تبدأ عملية الاعتراض.

وقد أشارت الصحيفة إلي أن هذا التعاون الدفاعي والعسكري والاستخباراتي بين إسرائيل والدول العربية هو حصاد عقود من المحاولات والترتيبات الأمنية الأمريكية لبناء تحالف (أو ناتو) إسرائيلي-عربي في مواجهة إيران. وأن هذا التعاون زاد بشكل واضح بعد توقيع اتفاقات أبراهام عام 2020، والتي وقعت فيها دول عربية كالإمارات والبحرين (ثم المغرب والسودان) على اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل. وبعد عامين نقلت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” إسرائيل من القيادة المركزية الأوروبية إلى القيادة المركزية للشرق الأوسط والتي تضم بقية المنطقة، وهو تحرك قاد إلى تعاون عسكري أوسع مع الحكومات العربية وبرعاية أمريكية.

وأشارت الصحيفة إلي أنه تم وضع حجر الأساس في الحلف الدفاعي بين إسرائيل والدول العربية في لقاء سري بشرم الشيخ عقد في مارس عام 2022 حين التقى الجنرال البحري فرانك ماكنزي، الذي كان حينها القائد الأعلى للولايات المتحدة في المنطقة، اجتماعًا سريًا لكبار المسؤولين العسكريين من إسرائيل والدول العربية لاستكشاف كيفية التنسيق ضد قدرات إيران الصاروخية والطائرات بدون طيار المتنامية. وكانت المحادثات التي عقدت في شرم الشيخ بمصر هي المرة الأولى التي يجتمع فيها مثل هذا العدد من كبار الضباط الإسرائيليين والعرب تحت رعاية عسكرية أمريكية لمناقشة مواجهة إيران[97].

تكشف هذه المعلومات عن تصرف كارثي وانهيار أخلاقي رهيب وهجران لأبسط معاني الانتماء العروبي، حيث أنه لأول مرة تشارك دول عربية في الدفاع عن إسرائيل في معركة عسكرية، وفي ظل المجازر الفظيعة التي ترتكبها قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة، وعلي الرغم من أن هذا السلوك قد يعرض حياة مواطني هذه الدول للخطر[98]. حيث أن اعتماد إسرائيل والولايات المتحدة على دول عربية في التصدي للرد الإيراني يمكن أن يزيد من جرأة إيران في استهداف تلك الدول في أي رد على استهداف إسرائيلي أو غربي لها في أي موجة تصعيد محتملة، وربما لا يشمل ذلك القواعد الأمريكية في تلك الدول بقدر ما تكون رسالة موجهة لأنظمتها نتيجة انحيازها العسكري الإجرائي المباشر ضد إيران[99].

وفي حين سارع وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، إلي القول بأن المملكة ترى أن الصواريخ كانت تشكل “خطرًا حقيقيًا” على أراضيها، وأن بلاده ستفعل الشيء نفسه إذا استخدمت إسرائيل المجال الجوي الأردني لمهاجمة إيران، فإن ذلك لم يمنع الهجوم الإيراني اللاذع على الأردن، والذي دفع المملكة لاستدعاء سفير طهران. حيث استدعى الأردن السفير الإيراني لدى عمان، للاحتجاج على التصريحات الإيرانية التي نشرتها وسائل إعلام رسمية إيرانية في الأيام الماضية، وحملت تحذيرًا من أن الأردن سيكون “الهدف التالي” في حال تعاونه مع إسرائيل في مواجهة إيران.

وترجع مشاركة الأردن في التصدي للهجمة الإيرانية إلى اتفاقية التعاون الدفاعي والموقعة عام 2021 بين الولايات المتحدة والأردن والتي قيل إنها جاءت في إطار التعاون لمواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)[100]. كما يمكن إرجاعه إلي اعتماد الأردن علي مساعدات بمليارات الدولارات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ سواء المساعدات المستمرة تقريبًا من صندوق النقد الدولي منذ عام 1989، أو المساعدات الأمريكية المقدرة بـ1.45 مليار دولار سنويًا. وفي المقابل، فإن القوة المتنامية للميليشيات المدعومة من إيران في العراق وسوريا، وتورطها في تهريب المخدرات والأسلحة إلى الأردن وعبره، دفعت الملك إلى الإعلان، في يوليو 2023، أن بلاده “تواجه هجمات منهجية على حدودها” من قبل هذه الجماعات[101].

وفيما يبدو كمكافأة إسرائيلية للدور الأردني، رجحت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية أن تل أبيب ستوافق على تمديد اتفاقية المياه مع الأردن لعام إضافي. وذكرت الصحيفة أن “إسرائيل كانت مترددة للغاية بشأن هذه القضية، في ضوء التصريحات التحريضية من قبل مسؤولين أردنيين كبار فيما يتعلق بالحرب في غزة”. واستدركت الصحيفة: “من المتوقع أن يلتزم وزير الطاقة والبنية التحتية الإسرائيلي إيلي كوهين، مع طلب الأردن وتمديد اتفاقية المياه المتزايدة مع إسرائيل لمدة عام آخر”. وتابعت: “حتى يومنا هذا، إسرائيل في حيرة كبيرة بشأن هذه القضية، حيث واصل المسؤولون الأردنيون، ومن بينهم وزير الخارجية أيمن الصفدي، التحريض ضد إسرائيل فيما يتعلق بالحرب في قطاع غزة. ومن ناحية أخرى، مارس الأمريكيون ضغوطًا على إسرائيل للاستجابة للطلب”. ونوهت إلى أن الطلب الأردني الأصلي هو تمديد اتفاقية المياه لمدة خمس سنوات أخرى، “ولكن بعد أن تأخرت إسرائيل في إعطاء الجواب، قام الأردنيون بتخفيض الطلب وطلبوا التمديد لمدة عام واحد فقط”[102].

يذكر أن هذا الموقف الأردني يتناغم بشكل كبير مع موقف المملكة منذ بداية الحرب والذي كان مثار جدل وانتقادات حادة. البداية حين فتحت المملكة الطريق البري لإدخال المساعدات والشاحنات لإسرائيل، بمساعدة الإمارات، بعد إغلاق طريق باب المندب على أيدي الحوثيين، لتتحول إلى شريان حياة ورئة تنفس ضرورية للكيان المحتل الذي يشن حرب إبادة ضد الفلسطينيين الذين يموتون قصفًا وجوعًا على أيدي قواته. ثم عاودت الجرة حين قمعت التظاهرات الداعمة لفلسطين بصورة غير مسبوقة، فيما أطلقت أبواقها الإعلامية لتخوين المشاركين في الحراك الشعبي وشيطنة أهدافه[103].

4- بالنسبة للحرب علي غزة:

مع بداية الضربة كان التساؤل الأبرز على ألسنة المحللين والمتابعين: ما تأثير ذلك على الوضع في غزة؟ وهل يصب هذا الرد في صالح سكان القطاع؟ وما طبيعة هذا الصب، إيجابًا وسلبًا؟، وإزاء علامات الاستفهام تلك التي تطل برأسها باحثة عن إجابة، انقسمت الآراء بشأنها إلى قسمين:

الأول: يستبعد أن يكون لهذا الرد أي تأثير على المشهد الغزي، مثله مثل الضربات الأخرى التي يوجهها حلفاء إيران في المنطقة، جنوب لبنان واليمن وسوريا والعراق، فهي تأتي في إطار التضامن الرمزي دون إحداث تغييرات جذرية في قواعد اللعبة[104]. كما أنه في ظل اكتفاء دولة الاحتلال برد محدود علي الهجوم الإيراني، فإن التأثير على غزة سيكون محدودًا وضئيلًا؛ بمعنى استمرار الحرب البرية الإسرائيلية، بما في ذلك احتمالات دخول رفح.

ومما يدعم هذا الرأي، أن طهران لم تعلن أن هجومها يستهدف وقف العدوان على غزة، ولا نصرة مقاومتها، ولا حتى أعلنت أنها تأتي في إطار مواجهة مفتوحة مع الاحتلال، وإنما كرسالة تحذير لما يمكن أن تفعله مستقبلًا في حال استمر استهدافها من قبل إسرائيل. بهذا المعنى، فغزة ليست حاضرة في قلب دوافع الرد الإيراني[105].

يذكر هنا أن حركة حماس ربما التقطت إشارة الرد الإيراني، وأرسلت رسالة تعكس عدم رضاها على الرد حين اقتصر بيان الحركة على أنه كان “حقًا طبيعيًا وردًا مستحقًا على جريمة استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق واغتيال عدد من قادة الحرس الثوري فيها”[106]، ولم تربط الرد الإيراني بغزة أو بطوفان الأقصى أو تشيد به، مما عكس مدى الغضب الصامت الحمساوي على هذا الرد وحجمه التي كانت تتوقع على ما يبدو أن يكون ردًا يتناسب مع حجم الصفعة التي تعرض لها الحرس الثوري الإيراني في دمشق غير مرة، والتي كان آخرها استهداف القنصلية الإيرانية في سوريا[107].

الثاني: يرى أن أي ضربة للكيان المحتل مهما كانت رمزية، فهي مفيدة لسكان غزة، كونها تخفف الضغط وأعباء الحرب التي تشنها إسرائيل عليهم. ففي ظل استعداد إسرائيل لاحتمالية الرد الإيراني بعد قصفها القنصلية الإيرانية في سوريا، بدأت إسرائيل تسحب معظم قواتها من غزة، فيما يبدو أنه استعداد وقائي لأي مواجهة على الحدود الشمالية مع لبنان وسوريا، بحكم التحكم الاستراتيجي الإيراني في هاتين الجبهتين[108]. كما كان ملاحظًا أن العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة جوًا وبحرًا تراجعت وانحسرت أضرارها في ليلة الهجوم الإيراني، وبالتالي فإن استمرار المواجهة بين إسرائيل وإيران سيخفف من حدة الهجوم الإسرائيلي علي غزة[109].

بالإضافة إلى ذلك، فإن التأثير النفسي للهجوم الإيراني وتبعاته على الداخل الإسرائيلي سيجعل إسرائيل تتردد في الدخول في عملية عسكرية جديدة تجاه مدينة رفح، وسيضطرها لإعادة تقييم خططها العسكرية نظرًا للظروف المتغيرة، وهذا قد يخلق نافذة فرص جديدة لمسار المفاوضات بينها وبين حركة حماس[110].

كذلك فإن احتمالات التصعيد المتدرج أو المنفلت، يعني أن احتمالات خروج الأمور عن السيطرة بالكامل، وتحولها لحرب إقليمية موسعة أو مواجهة شاملة، تتعاظم مع الوقت، وتصبح راجحة، وهو ما سيعزز مساعي الاحتواء وضبط الأمور، وبالتالي دعم جهود وقف الحرب على غزة؛ تجنبًا للسيناريو الذي لا تريده واشنطن، على الأقل في المرحلة الحالية[111].

ناهيك عن زيادة الدعم العسكري والتقني الإيراني للمقاومة الفلسطينية كمًا ونوعًا؛ نكاية في إسرائيل وانتقامًا منها، وقد يؤدي ذلك إلى تطور نوعي في تسليح المقاومة وأدائها[112].

ويدعم هذا الرأي حجته بالإشارة إلي أن الاستهداف الإسرائيلي للمستشارين العسكريين الإيرانيين في سوريا جاء بسبب دورهم في دعم المقاومة الفلسطينية. كما أن الرد الإيراني المباشر بهذه الطريقة لم يكن ليحصل لولا معركة “طوفان الأقصى”، وما تبعها من تطورات منذ السابع من أكتوبر، التي أزالت الكثير من هالة القوة حول الاحتلال، وكسرت هيبته، وكشفت بعض ثغراته وفتحت الباب أمام معادلات جديدة في التعامل معه.

هذا، مع عدم إغفال أن الاحتلال ومن خلفه الولايات المتحدة الأميركية، ينظران للفعل الإيراني من زاوية الحرب في غزة، إذ طالما كان لطهران سهم مهم في مراكمة القوة في القطاع، كما كان لعدد من القوى المحسوبة عليها في كل من لبنان واليمن والعراق، مساهمات في هذه الحرب إسنادًا لغزة، فضلًا عن أن الخطاب المؤسس لمعركة “طوفان الأقصى” في الأساس كان يتحدث عن حرب شاملة وفق منطق “وحدة الساحات”[113].

كما أن إيران قالت إنها لن تهاجم إسرائيل – ردًا علي الهجوم الإسرائيلي علي القنصلية الإيرانية في دمشق- إذا كان هناك وقف إطلاق نار في غزة[114].

الخلاصات والاستنتاجات:

1- يمكن القول أنه وبصرف النظر عن نتائج الضربات الإيرانية على إسرائيل، التي أشارت أغلب التقديرات إلى أنها كانت محدودة، على الأقل من الناحية العسكرية، إلا إنها قد فتحت بابًا جديدًا من الصراع بين الجانبين، يتعدى “الخطوط الحمراء” وقواعد الاشتباك المتعارف عليها في السابق، وينتقل إلى خط جديد يمكن فيه مهاجمة أراضي الطرف الآخر وبشكل علني[115]. فكما أن إسرائيل كسرت القواعد باستهداف مقر دبلوماسي، فإن إيران كسرت الخطوط الحمراء أيضًا باستهداف إسرائيل من داخل إيران وليس عبر وكلائها في العراق وسوريا ولبنان[116].

2- إن الهدف الإيراني من الهجوم ليس متعلقًا بتغيير معادلة حرب غزة نفسها أو التأثير الميداني على عمليات وخطط جيش الاحتلال داخل القطاع، وإنما تدافع إيران عن موقعها كقوة إقليمية لها مشروع، فضلًا عن استعادة ثقة الرأي العام الإيراني الداخلي وحلفائها الإقليميين في قدرة إيران عسكريًا على التصدي لسلسلة الاعتداءات الإسرائيلية[117].

3- يبدو أن الولايات المتحدة مستعدة لحماية أمن إسرائيل والدفاع عنها ضد أي هجمات إيرانية، لكنها غير مستعدة لتشاركها الهجوم على إيران. وتعمل علي واشنطن بصورة كبيرة علي استغلال الهجوم الإيراني علي إسرائيل لإبراز وتنشيط التحالف الدفاعي الاقليمي بين إسرائيل ودول عربية (الناتو العربي) في مواجهة إيران؛ مما يحقق لها مكاسب داخلية وخارجية.

4- يبدو أن سيناريو العودة إلى “حرب الظل” والمواجهة غير المباشرة هو السيناريو الأرجح بين الطرفين، يقصد بها أن الجانبين سيستوعبان خطورة التصعيد وتخطي الخطوط الحمراء، ومن ثم سيتجنَبان في المستقبل الاستهدافات المباشرة، والتعدي على السيادة الإقليمية، لكنهما سيبقيان على حرب الظل والمواجهة غير المباشرة، بحيث لا يتحمل الطرفان مسؤولية عن إلحاق الضرر بمصالح الآخر، ومن ثم ستعود إسرائيل إلى استهداف القادة والمليشيات الإيرانية في دول المنطقة، فضلًا عن استهداف المليشيات والجماعات التابعة لإيران، مع هجمات داخل إيران ضد المنشآت والأهداف الحساسة، لكن دون تحمل مسؤولية أو إعلان عن ذلك، وبالمقابل سترد إيران على ذلك من خلال هجمات عن طريق وكلائها، كـ”حزب الله” في لبنان، أو “الحوثيين” في اليمن، أو من خلال هجمات سيبرانية ضد أهداف داخل إسرائيل، أو هجمات ضد مصالحها وبعض عناصرها في دول أخرى، فضلًا عن احتجاز السفن الإسرائيلية أو توجيه ضربات لها[118].

5- أن استفادة قطاع غزة من الرد الإيراني تتوقف علي مدي استمرار هذه الضربات الإيرانية، وعلي عدم استغلال هذه الضربات لشن حرب واسعة ضد إيران من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، وهو احتمال مستبعد.


[1] “منازلة بلا قفازات بين إيران وإسرائيل.. حدود الضبط والتصعيد”، الجزيرة نت، 15/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/3vvdu7kx

[2] “الردع المتبادل: ماذا يعني الهجوم الإيراني المباشر على إسرائيل؟”، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 15/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/4hcdp9mt

[3] ” رسائل طهران: انتهت مرحلة الصبر الإستراتيجي”، مركز الجزيرة للدراسات، 17/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/3dm66ymw

[4] “حسابات المواجهة بين إيران وإسرائيل وآفاقها”، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 18/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/bdfuysjd

[5] “بعثة إيران لدى الأمم المتحدة: العمل العسكري الإيراني كان ردا على عدوان إسرائيل.. ويمكن اعتبار الأمر منتهيا”، CNN عربية، 14/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/57atwrry  

[6] “عبد اللهيان: كان باستطاعة إيران تنفيذ عملية أوسع ضد إسرائيل”، العربية نت، 16/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/rztv2wua

[7] “دلالات أول هجوم إيراني مباشر على إسرائيل”، أسباب، 4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/yc3bare5

[8] “ماذا بعد أول هجوم صاروخي إيراني ضد إسرائيل؟”، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، 15/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/msf97bna

[9] “الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية “المباشرة” على إسرائيل”، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 16/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/4yz4jd66

[10] “حسابات المواجهة بين إيران وإسرائيل وآفاقها”، مرجع سابق.

[11] “دلالات أول هجوم إيراني مباشر على إسرائيل”، مرجع سابق.

[12] “منازلة بلا قفازات بين إيران وإسرائيل.. حدود الضبط والتصعيد”، مرجع سابق.

[13] “الهجوم الإيراني على إسرائيل… التقييم.. والتداعيات.. والسيناريوهات”، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية (رصانة)، 15/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/85v3mmbe

[14] “الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية “المباشرة” على إسرائيل”، مرجع سابق.

[15] “الرد الإيراني.. حدوده وآفاقه”، عربي21، 16/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/4epndh56

[16] “لماذا انتقل الصراع الإيراني الإسرائيلي إلى المواجهة المباشرة؟”، ستراتيجيكس، 14/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/52mdy5sb

[17] ” الجيش الإسرائيلي: إيران أطلقت طائرات مسيرة باتجاه إسرائيل”، قناة الجزيرة، 13/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/mkzxfu4v

[18] ” إيران: أبلغنا واشنطن وجيراننا قبل 72 من الهجوم على إسرائيل”، العربية نت، 14/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/53hprnjv

[19] “الهجوم الإيراني على إسرائيل… التقييم.. والتداعيات.. والسيناريوهات”، مرجع سابق.

[20] “تأثر حركة الطيران في عدة بلدان في الشرق الأوسط نتيجة التشويش على نظام GPS”، RT عربي، 13/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/2rrndp92

[21] ” ضربة “حفظ ماء الوجه”.. غرائب في الهجوم الإيراني على إسرائيل”، سكاي نيوز عربية، 14/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/4vjtprmm  

[22] ” إسرائيل تؤكد اعتراض “99 بالمئة” من المسيّرات والصواريخ الإيرانية”، الحرة، 14/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/5yyn5fk8

[23] “الهجوم الإيراني على إسرائيل… التقييم.. والتداعيات.. والسيناريوهات”، مرجع سابق.

[24] “سبب الاختلاف في تفسير الرد الإيراني”، الجزيرة نت، 19/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/3e2kdpdj

[25] “محددات استعراض القوة الإيراني”، القدس العربي، 15/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/3wybmu2u

[26] ” المسرحية الإيرانية الإسرائيلية والمتفرجون العرب!”، عربي21، 15/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/d9cbusex

[27] “الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية “المباشرة” على إسرائيل”، مرجع سابق.

[28] “رسائل وتداعيات الردّ الإيراني على العدوان الإسرائيلي”، الميادين نت، 18/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/dw2j3hfx

[29] “رئيسي: أي تحرك ضدنا سيواجه برد حاسم”، الجزيرة نت، 17/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/5n8rwdwu

[30] “تل أبيب تهدد وواشنطن تحذّر.. إيران: سنرد خلال ثوان على أي هجوم إسرائيلي”، الجزيرة نت، 16/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/8hafbdha

[31] “قائد القوات البرية الإيرانية محذرا إسرائيل: عصر اضرب واهرب انتهى”، الجزيرة نت، 17/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/tsm3xf7c

[32] “لماذا انتقل الصراع الإيراني الإسرائيلي إلى المواجهة المباشرة؟”، مرجع سابق.

[33] “الضربة الإيرانية.. “المسرحية” التي قد تغير قواعد الاشتباك”، نون بوست، 14/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/3f744a9z

[34] ” ما دون التصعيد.. تقييم عسكري لضربة “نيفاتيم” الإيرانية”، المرصد المصري، 14/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/v42m6m2d

[35] “الهجوم الإيراني على إسرائيل… التقييم.. والتداعيات.. والسيناريوهات”، مرجع سابق.

[36] “مليار دولار وأكثر… تكلفة صد إسرائيل للهجوم الإيراني”، BBC عربي، 16/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/2vmnzu9h

[37] “منازلة بلا قفازات بين إيران وإسرائيل.. حدود الضبط والتصعيد”، مرجع سابق.

[38]“حسابات المواجهة بين إيران وإسرائيل وآفاقها”، مرجع سابق.

[39] ” رسائل طهران: انتهت مرحلة الصبر الإستراتيجي”، مرجع سابق.

[40] “الضربة الإيرانية.. “المسرحية” التي قد تغير قواعد الاشتباك”، مرجع سابق.

[41] “تقويض الردع.. دلالات الهجوم الإيراني على إسرائيل”، القاهرة الإخبارية، 18/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/2dpp3aae

[42] “دلالات أول هجوم إيراني مباشر على إسرائيل”، مرجع سابق.

[43] “ماذا بعد أول هجوم صاروخي إيراني ضد إسرائيل؟”، مرجع سابق.

[44] “يديعوت أحرونوت: 7 أمور مهمة استفادتها إسرائيل من الهجمات الإيرانية”، الجزيرة نت (مترجم)، 15/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/2f5wsfu4

[45] “عن المواجهة الإسرائيلية الإيرانية الأولى”، العربي الجديد، 17/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/bdee2djv

[46] “ماذا بعد أول هجوم صاروخي إيراني ضد إسرائيل؟”، مرجع سابق.

[47] “دلالات أول هجوم إيراني مباشر على إسرائيل”، مرجع سابق.

[48] “عن المواجهة الإسرائيلية الإيرانية الأولى”، مرجع سابق.

[49] “الهجوم الإيراني على إسرائيل… التقييم.. والتداعيات.. والسيناريوهات”، مرجع سابق.

[50] “كيف غلبت البراغماتية الإيرانية عقيدتها في الهجوم على إسرائيل؟”، مركز رع للدراسات الاستراتيجية، 15/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/5n8rbzbe 

[51] “لماذا انتقل الصراع الإيراني الإسرائيلي إلى المواجهة المباشرة؟”، مرجع سابق.

[52] “الضربة الإيرانية.. “المسرحية” التي قد تغير قواعد الاشتباك”، مرجع سابق.

[53] “الصفحة الرسمية للدكتور خليل العناني علي الفيسبوك”، الرابط: https://tinyurl.com/5n8mnzzj

[54] “لماذا انتقل الصراع الإيراني الإسرائيلي إلى المواجهة المباشرة؟”، مرجع سابق.

[55] “الهجوم الإيراني على إسرائيل… التقييم.. والتداعيات.. والسيناريوهات”، مرجع سابق.

[56] “في أولِ هجومٍ مباشرٍ: تحليلٌ للهجومِ الإيرانيِ على الداخلِ الإسرائيليِ”، مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية، 15/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/yc89ayyy

[57] “نفي أميركي حول إعطاء إسرائيل الضوء الأخضر لعملية برفح مقابل رد محدود على إيران”، العربية نت، 18/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/5a8ep8ww

[58] “بن غفير يطالب بـ”رد جنوني” على إيران وسموتريتش يؤكد: إسرائيل في خطر وجودي”، RT عربي، 14/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/5n8ubvkm  

[59] “في أولِ هجومٍ مباشرٍ: تحليلٌ للهجومِ الإيرانيِ على الداخلِ الإسرائيليِ”، مرجع سابق.

[60] “الرد الإسرائيلي على الرد الإيراني: تصعيد المواجهة أم احتواؤها؟”، الجزيرة نت، 22/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/ysprz46m

[61] “الشرق الأوسط وسيناريوهات الحرب الكبرى”، المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، 17/4/2024، الرابط: https://ncmes.org/3456/

[62] “الرد الإسرائيلي على الرد الإيراني.. ضغوط وسيناريوهات”، نون بوست، 17/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/4x2a2w5t

[63] “الحديث عن هجوم إسرائيلي على مدينة أصفهان الإيرانية… الرسائل والدلالات”، مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية، 19/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/musfca43

[64] “بن غفير معلقا بكلمة على الهجوم ضد إيران: مسخرة”، الجزيرة نت، 19/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/4mzb254n

[65] “الحديث عن هجوم إسرائيلي على مدينة أصفهان الإيرانية… الرسائل والدلالات”، مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية، 19/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/musfca43

[66] “وزير خارجية إيران: المسيرات الإسرائيلية لم تسبب خسائر مادية أو بشرية في أصفهان”، RT عربي، 19/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/yd877v9y

[67] “عبداللهيان يقلل من «هجوم أصفهان»… ويؤكد: لن نردّ طالما أن مصالحنا لم تتضرّر”، الشرق الأوسط صحيفة العرب الأولي، 20/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/un8ky5xa

[68] “الحديث عن هجوم إسرائيلي على مدينة أصفهان الإيرانية… الرسائل والدلالات”، مرجع سابق.

[69] ” القناة 12: الخارجية الإسرائيلية تطلب من سفاراتها الامتناع عن التعليق على الأحداث في إيران”، RT عربي، 19/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/57z9twjw

[70] “الحديث عن هجوم إسرائيلي على مدينة أصفهان الإيرانية… الرسائل والدلالات”، مرجع سابق.

[71] “فرص “نتنياهو”: ما حدود الرد الإسرائيلي على الهجمات الإيرانية؟”، إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية، 15/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/57h8kwhm 

[72] “الرد الإسرائيلي على الرد الإيراني.. ضغوط وسيناريوهات”، مرجع سابق.

[73] ” قبل الرد العسكري.. إسرائيل تقود “حملة دبلوماسية” ضد إيران”، سكاي نيوز عربية، 16/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/5n98e432  

[74] ” “وول ستريت جورنال”: واشنطن تعيد نشر مدمرتين وسط مخاوف من هجوم إيراني على إسرائيل”، RT عربي، 13/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/2anke5hv

[75] “هكذا ساعدت الولايات المتحدة في كبح هجوم إيران على إسرائيل”، الجزيرة نت، 15/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/y7285fu3

[76] “مأزق إدارة “بايدن” في التعامل مع الهجوم الإيراني على إسرائيل”، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 14/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/bdzaxee4

[77] ” النواب الأميركي يقر مساعدات أمنية بعشرات المليارات لإسرائيل وأوكرانيا”، الجزيرة نت، 20/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/25nun2s8

[78] ” مصدر يكشف لـCNN ما قاله بايدن لنتنياهو بشأن الهجوم الإيراني على إسرائيل”، CNN عربية، 14/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/2s3w2754  

[79] “فرص “نتنياهو”: ما حدود الرد الإسرائيلي على الهجمات الإيرانية؟”، مرجع سابق.

[80] “هجوم القنصلية الإيرانية بدمشق.. واشنطن تتنصل وإسرائيل تتحسب وطهران تدوّل”، الجزيرة نت، 2/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/44w6cjed

[81] ” “واشنطن بوست”: البنتاغون مستاء من تل أبيب لعدم إخطاره مسبقا بهجوم القنصلية الإيرانية في دمشق”، RT  عربي، 12/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/ye2xx7a3  

[82] ” إعلام أميركي: بايدن أبلغ نتنياهو بأن واشنطن لن تشارك بأي عمليات هجومية ضد إيران، العربية نت، 14/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/yc2tvvtk  

[83] “أميركا تنفي ضلوعها بهجوم أصفهان ودول غربية وعربية تدعو لوقف التصعيد”، الجزيرة نت، 19/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/38yy6ae7

[84] “وزيرة الخزانة الأميركية: أفعال إيران تهدد الاستقرار وسنستخدم العقوبات لردعها”، الجزيرة نت، 16/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/hcveab29 

[85] “عقوبات أميركية أوروبية وشيكة على إيران لمهاجمتها إسرائيل”، الجزيرة نت، 17/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/2d246dsz

[86] “عقوبات أوروبية على إيران تستهدف شركات تنتج مسيّرات وصواريخ”، الجزيرة نت، 18/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/whj9wsyk

[87] “عقوبات أميركية أوروبية وشيكة على إيران لمهاجمتها إسرائيل”، مرجع سابق.

[88] “وزيرة الخزانة الأميركية: أفعال إيران تهدد الاستقرار وسنستخدم العقوبات لردعها”، الجزيرة نت، 16/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/hcveab29 

[89] “تجنُّب التصعيد: ما حدود الانخراط الأمريكي في عمل عسكري ضد إيران؟”، إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية، 16/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/4smkd8rw

[90] “لماذا انتقل الصراع الإيراني الإسرائيلي إلى المواجهة المباشرة؟”، مرجع سابق.

[91] “تجنُّب التصعيد: ما حدود الانخراط الأمريكي في عمل عسكري ضد إيران؟”، مرجع سابق.

[92] “الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية “المباشرة” على إسرائيل”، مرجع سابق.

[93] ” ترامب: الهجوم الإيراني على إسرائيل لم يكن ليحدث لو كنت رئيسا”، CNN عربية، 14/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/4ynf3zmc  

[94] “الضربة الإيرانية.. “المسرحية” التي قد تغير قواعد الاشتباك”، مرجع سابق.

[95] ” إيران: أبلغنا واشنطن وجيراننا قبل 72 من الهجوم على إسرائيل”، مرجع سابق.

[96] “الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية “المباشرة” على إسرائيل”، مرجع سابق.

[97] “WSJ: كيف شكلت واشنطن تحالفا في الشرق الأوسط لمواجهة إيران؟”، عربي21، 15/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/yknpr6rk

[98] “سبع ملاحظات حول الهجوم الصاروخي الإيراني”، القدس العربي، 18/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/2s4347hd

[99] “دلالات أول هجوم إيراني مباشر على إسرائيل”، مرجع سابق.

[100] “هل ساعدت دول عربية إسرائيل في التصدي للهجوم الإيراني؟”، DW عربية، 15/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/4dcypb2b

[101] “المواجهة بين إسرائيل وإيران تضع الأردن على “حافة الصراع””، الحرة (مترجم)، 17/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/y6c9hzyb

[102] “ترجيح إسرائيلي بتمديد اتفاقية المياه مع الأردن لعام إضافي”، عربي21، 15/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/mr7s6t23

[103] “الضربة الإيرانية.. “المسرحية” التي قد تغير قواعد الاشتباك”، مرجع سابق.

[104] المرجع السابق.

[105] “غزة والرد الإيراني على دولة الاحتلال”، الجزيرة نت، 18/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/ynw7hs7t

[106] ” “حماس”: الهجوم الإيراني على إسرائيل حق طبيعي وردّ مستحق”، RT عربي، 14/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/4m3mny4f

[107] “الرد الإيراني.. حدوده وآفاقه”، مرجع سابق.

[108] “رسائل النيران بين إيران وإسرائيل”، الجزيرة نت، 14/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/mtxmxz46

[109] “غزة والرد الإيراني على دولة الاحتلال”، مرجع سابق.

[110] “في أولِ هجومٍ مباشرٍ: تحليلٌ للهجومِ الإيرانيِ على الداخلِ الإسرائيليِ”، مرجع سابق.

[111] “غزة والرد الإيراني على دولة الاحتلال”، مرجع سابق.

[112] “رسائل النيران بين إيران وإسرائيل”، مرجع سابق.

[113] “غزة والرد الإيراني على دولة الاحتلال”، مرجع سابق.

[114] ” تقرير : ايران لن ترد على هجوم ضد القنصلية في دمشق إن تم التوصل لوقف إطلاق نار في غزة”، i24  نيوز، 8/4/2024، الرابط: https://tinyurl.com/465k2dhv   

[115] “الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية “المباشرة” على إسرائيل”، مرجع سابق.

[116] “الهجوم الإيراني على إسرائيل… التقييم.. والتداعيات.. والسيناريوهات”، مرجع سابق.

[117] “دلالات أول هجوم إيراني مباشر على إسرائيل”، مرجع سابق.

[118] “الهجوم الإيراني على إسرائيل… التقييم.. والتداعيات.. والسيناريوهات”، مرجع سابق.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022