الموقف الصيني من العدوان الإسرائيلي علي غزة: الأبعاد والمحددات والتحديات

تفاعلت الصين مع عملية “طوفان الأقصى” التي قامت بها كتائب القسام “الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)” في غلاف غزة في 7 أكتوبر 2023، حيث وقفت الصين على طرف النقيض مع الموقف الأوروبي والأمريكي من حماس فلم تقم بإدانتها. ومع بدء العدوان الإسرائيلي علي غزة، حملت المواقف الصينية وتصريحات المسؤولين قدرًا من “تصعيد اللهجة” حيال سلوك إسرائيل، فانتقدت بكين القصف الإسرائيلي الشامل للمدنيين، وأدانت انتهاكات القانون الدولي، ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار، وإنشاء ممر إنساني للسماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة المحاصر. وذهب وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى أبعد من ذلك، واصفًا القصف الإسرائيلي للمدنيين في غزة بأنه “يتجاوز نطاق الدفاع عن النفس”[1].ولكن رغم تمايز الموقف الصيني عن مجمل المواقف الغربية المنحازة لإسرائيل، إلا أن هذا الموقف لم يكن له تأثيرًا كبيرًا، ولم يحدث اختراقًا باتجاه وقف إطلاق النار. مما أثار التساؤلات حول أبعاد الموقف الصيني من العدوان الإسرائيلي علي غزة، ومحددات هذا الدور، والقيود التي يمكن أن تحد من التأثير الصيني في الملف الفلسطيني خصوصًا، وقضايا الشرق الأوسط عمومًا.

أولًا: أبعاد الموقف الصيني من العدوان الإسرائيلي علي غزة:

يمكن الإشارة إلي أبعاد الموقف الصيني من العدوان الإسرائيلي علي غزة كما يلي:

1- التصريحات الرسمية: تبلور الموقف الصيني من عملية “طوفان الأقصى” بشكل سريع، حيث قالت الخارجية الصينية في 8 أكتوبر 2023، وبعد يوم واحد من العملية، “تعرب الصين عن قلقها العميق إزاء التصعيد الحالي للتوتر والعنف بين فلسطين وإسرائيل، وتدعو الدول المعنية إلى الحفاظ على التزام الهدوء وضبط النفس، والوقف الفوري لإطلاق النار، وحماية المدنيين، ومنع المزيد من التدهور في الوضع”[2].

وعقب بدء العدوان الإسرائيلي الوحشي علي قطاع غزة، فقد أكد وزير الخارجية وانغ يي، في 14 أكتوبر، أن تصرفات إسرائيل “تتجاوز نطاق الدفاع عن النفس”، وطالبها بالتوقف عن فرض “عقاب جماعي” على الفلسطينيين[3]. وبحسب تصريحات لوزير الخارجية الصيني، في 13 أكتوبر، فإن لإسرائيل الحق في إقامة دولة، وكذلك الأمر للفلسطينيين، معتبرًا أن الإسرائيليين حصلوا على ضمانات البقاء، ليكون من الواجب الآن الاهتمام ببقاء الفلسطينيين، وقال: “لم تعد الأمة اليهودية مشردة في العالم، ولكن متى تعود الأمة الفلسطينية إلى بيتها؟”، متحدثًا عن أن الظلم الواقع على الفلسطينيين مستمر منذ أكثر من نصف قرن، وهي المعاناة التي يجب العمل لمعالجتها من خلال “حل الدولتين” وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وبناءً على هذا الحل، يمكن أن ينعم الشرق الأوسط بالتعايش المتناغم بين الأمتين العربية واليهودية[4].

كما أعربت الناطقة باسم الخارجية الصينية ماو نينغ، في 19 أكتوبر، عن “خيبة أمل الصين العميقة” إزاء استخدام الولايات المتحدة حق النقض ضد القرار البرازيلي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يدعو إلى “هدنة إنسانية” في الحرب بين إسرائيل وحماس للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة[5].

وفي أول تصريحاته منذ بدء العدوان الإسرائيلي علي غزة، دعا الرئيس الصيني شي جين بينج، خلال اجتماع في بكين مع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في 19 أكتوبر، إلى “وقف فوري لإطلاق النار”، ومشيرًا إلي أن “السبيل الوحيد لكسر دائرة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يكمن في حل الدولتين، واستعادة الحقوق الوطنية المشروعة للفلسطينيين، وإقامة دولة فلسطين المستقلة”[6].

كما طرح مبعوث الصين إلى منطقة الشرق الأوسط، تشاي جون، في كلمته أمام قمة القاهرة للسلام المنعقدة في 21 أكتوبر 2023، موقف بلاده من الحرب على غزة، إذ يرى الجانب الصيني ضرورة منع توسيع رقعة الصراع، ووقف إطلاق النار وإنهاء القتال في أسرع وقت ممكن، وأن استخدام القوة بدون تمييز أمر غير مقبول، ولابد من فتح ممر الإغاثة الإنسانية في أقرب وقت ممكن، ويجب على إسرائيل أن تستأنف الإمدادات العادية مثل المياه والكهرباء والوقود لقطاع غزة، ووقف العقاب الجماعي على سكان القطاع[7].

وخلال القمة الاستثنائية لمجموعة “بريكس” حول القضية الفلسطينية الإسرائيلية، في 21 نوفمبر 2023، أكد الرئيس الصيني أنه منذ اندلاع الصراع الإسرائيلي– الفلسطيني الأخير وبكين تعمل على تعزيز محادثات السلام بين الطرفين، وقيادة الجهود الدولية للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. كما دعا الرئيس الصيني إلى “عقد مؤتمر دولي للسلام لحل الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين”[8]. يذكر أن الصين سبق وأن قدمت مقترحًا لعقد مؤتمر دولي للسلام، على أن يكون ذلك بمشاركة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن. وفي السابع والعشرين من سبتمبر 2023 – أي قبل عشرة أيام من اندلاع طوفان الأقصى – أعربت الصين في مجلس الأمن عن تأييدها دعوة الرئيس الفلسطيني “محمود عباس” إلى عقد مؤتمر دولي للسلام، وأن يقوم مجلس الأمن بإرسال بعثة إلى فلسطين وإسرائيل[9].

وقد طرحت بكين في 30 نوفمبر 2023 خمس نقاط محددة: أولها ضرورة “وقف إطلاق النار وإنهاء القتال على نحو شامل”، وثانيها “حماية المدنيين بخطوات ملموسة”، وثالثها “ضمان الإغاثة الإنسانية”، ورابعها “تعزيز الوساطة الدبلوماسية”، وخامسها “إيجاد حل سياسي”[10].

ولم تخرج التصريحات الصينية الرسمية عن هذه المفردات طوال فترة العدوان الإسرائيلي علي غزة. فعلي سبيل المثال؛ قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي، خلال مؤتمر صحفي في بكين في 7 مارس 2024، “إن الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة مأساة للبشرية ووصمة عار على الحضارة، حيث اليوم في القرن الحادي والعشرين هذه الكارثة الإنسانية لا يمكن وقفها”. وأضاف: “لا يوجد سبب يمكن أن يبرر استمرار النزاع”، مشددًا: “يجب على المجتمع الدولي أن يتحرك بشكل عاجل، ويجعل من التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار ووقف الأعمال العدائية أولوية قصوى”. وأكد أن “ضمان الإغاثة الإنسانية هو مسؤولية أخلاقية عاجلة”. وشدد وانغ: “نحن ندعم أن تصبح فلسطين عضوًا رسميًا في الأمم المتحدة”، مشيرًا إلى أن: “الكارثة في غزة ذكرت العالم مرة أخرى بحقيقة أنه لم يعد بالإمكان تجاهل أن الأراضي الفلسطينية محتلة منذ فترة طويلة”. وأضاف أن “رغبة الشعب الفلسطيني التي طال انتظارها في إقامة دولة مستقلة لم يعد من الممكن تفاديها، كما أن الظلم التاريخي الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يستمر لأجيال دون تصحيحه”[11].

2- الاتصالات الدبلوماسية: أجري وزير الخارجية وانغ يي مكالمات هاتفية مكثفة مع وزراء الخارجية وكبار الشخصيات السياسية في كل من فلسطين وإسرائيل ومصر والسعودية وإيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة والبرازيل وماليزيا وغيرها، لتسليط الضوء على موقف ورؤية الجانب الصيني تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بهدف تهدئة الصراع[12].

3– اللقاءات السياسية: فبعد لقاء السفير الإسرائيلي في بكين في 17 أكتوبر 2023، شرع المبعوث الصيني الخاص للشرق الأوسط، تشاي جون، في سلسلة من الرحلات، أولها إلى قطر حيث كان يجري التفاوض بشأن مصير بعض رهائن حماس في 19 و20 أكتوبر، ثم إلى مصر في اليوم التالي للمشاركة في قمة القاهرة للسلام، وإلى الإمارات في 24 أكتوبر، ثم إلى الأردن وتركيا[13].

ونقلت وسائل إعلام رسمية صينية عن مبعوث الصين الخاص للشرق الأوسط، بعد لقائه الممثل الروسي الخاص للشرق الأوسط ودول أفريقيا في العاصمة القطرية في 19 أكتوبر 2023، قوله باستعداد بلاده لمواصلة الاتصالات والتنسيق مع روسيا لتهدئة الأزمة بين طرفي الصراع، ومع تأكيدهما المشترك تبنيهما الموقف ذاته بشأن القضية الفلسطينية[14]. وتتوافق روسيا والصين علي عدم إدانة حركة حماس، ولو بشكل غير مباشر، ورفض تصنيفها بـ”الإرهاب”[15].

وشاركت الصين في قمة القاهرة للسلام 2023، والتي عقدت في 21 أكتوبر 2023 بالعاصمة الإدارية الجديدة، حيث دعت القمة إلى وقف الحرب الدائرة في غزة، وطالبت باحترام قواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وإعطاء أولوية خاصة لنفاذ وضمان تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية وإيصالها إلى مستحقيها من أبناء غزة، والتحذير من مخاطر امتداد رقعة الصراع الحالي إلى مناطق أخرى في الإقليم[16].

وجدير بالملاحظة هنا، أن وفد مكون من وزراء خارجية الدول الأعضاء في الجامعة العربية (السعودية، مصر، الأردن، قطر، دولة فلسطين) ومن منظمة التعاون الإسلامي (إندونيسيا، نيجيريا، تركيا) بدأ، في 20 نوفمبر 2023، جولته الدولية من أجل الوساطة الدولية لوقف العدوان الإسرائيلي علي غزة من بكين وليس من واشنطن أو أي دولة أوروبية[17]. حيث التقى نائب الرئيس الصيني هان تشنغ وعضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وزير الخارجية وانغ يي. وخلال اللقاء مع الوفد المشترك لوزراء الخارجية للدول العربية والإسلامية، قال نائب الرئيس إن الصين على استعداد لمواصلة العمل مع الدول العربية والإسلامية للدفع إلى التنفيذ الشامل للقرارات المعنية الصادرة عن الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي، وبذل جهود دؤوبة لوقف إطلاق النار، وتخفيف حدة الوضع الإنساني والعودة إلى “حل الدولتين”[18].

وفي اليوم التالي، في 21 نوفمبر، عقد اجتماع مجموعة البريكس+ (البرازيل وروسيا والصين وجنوب أفريقيا، والذي انضمت إليها منذ بداية العام إثيوبيا وإيران والإمارات والسعودية) مخصصًا بالكامل لهذه الحرب. وبعد ذلك بيومين، تم التوصل إلى أول وقف مؤقت لإطلاق النار، وأول تبادل للرهائن. رأى بعض المراقبين في ذلك دليلًا على فعالية الصين، وإن كان ذلك استنتاج متسرع بعض الشيء[19].

كذلك فقد التقي السفير الصيني لدى دولة قطر تساو شياولين، في 29 فبراير 2024، برئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية. وبحسب ما نشرته الحركة عبر قناتها الرسمية بتطبيق “تليجرام”، بحث الجانبان التطورات السياسية والميدانية المتعلقة بالأوضاع في قطاع غزة، وسبل وقف الحرب التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني. كما بحث الجانبان خلال اللقاء إيصال المساعدات العاجلة، خاصة في ظل ما يجري من تجويع متعمد في الشمال، وتصاعد العدوان والمجازر. كما عبر هنية عن اعتزازه بالعلاقة الوثيقة التي تربط الشعبين الصديقين، مشيدًا بالدور الذي تقوم به الصين في مجلس الأمن والأمم المتحدة وكذلك إرسال المساعدات الإنسانية الى قطاع غزة[20].

كما التقى سفير إدارة غرب آسيا وشمال أفريقيا بوزارة الخارجية الصينية وانج كهجيان بحضور تساو شياولين السفير الصيني لدى دولة قطر والوفد المرافق، في 17 مارس 2024، بإسماعيل هنية ووفد من قيادة حماس، حيث بحث الوفدان التطورات السياسية والميدانية المتعلقة بالأوضاع في قطاع غزة. وأكد السفير الصيني على العلاقة الوثيقة والتاريخية بين الشعبين الفلسطيني والصيني ومواقف الصين الثابتة تجاه القضية الفلسطينية ووقوفها إلى جانب المطالب العادلة للشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وإقامة الدولة. وشدد على ضرورة وقف هذه الحرب وإنهاء ما يتعرض له الفلسطينيون من قتل وتوفير احتياجاتهم الإنسانية. وأكد أن “حركة حماس جزء من النسيج الوطني الفلسطيني وحرص الصين على العلاقة معها”[21].

4- التحركات الأممية: تعد الصين من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وقد صوتت الصين لصالح قرارين تم طرحهما في مجلس الأمن الدولي الذي فشل في إصدارهما؛ بسبب استخدام الولايات المتحدة الأمريكية لحق النقض، أحدهما تقدمت به روسيا في 16 أكتوبر 2023 ويدعو إلى وقف إطلاق النار بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وحماية المدنيين ومنع استهدافهم، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. أما القرار الثاني فتقدمت به البرازيل في 18 أكتوبر 2023، ويتبنى الدعوة إلى هدنة إنسانية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.

في مقابل ذلك استخدمت الصين حق النقض “الفيتو” ضد مشروع قرار طرحته الولايات المتحدة الأمريكية في 25 أكتوبر 2023، يرفض ويدين بشكل قاطع “الهجمات الإرهابية الشنيعة التي شنتها حماس والجماعات الإرهابية الأخرى في إسرائيل” وكذلك أخذ وقتل الرهائن والقتل والتعذيب والاغتصاب والعنف الجنسي واستمرار الإطلاق العشوائي للصواريخ. وأكد علي الحق الأصيل لجميع الدول في الدفاع الفردي والجماعي عن النفس، وعلى ضرورة امتثال الدول الأعضاء- لدى الرد على الهجمات الإرهابية- لجميع التزاماتها بموجب القانون الدولي. ودعا مشروع القرار إلى اتخاذ جميع التدابير اللازمة، التي تشمل على وجه التحديد الهُدَن الإنسانية، للسماح بالوصول الكامل والسريع والآمن ودون عوائق للمساعدات الإنسانية إلى غزة.

وجاء الرفض الصيني؛ لأن مشروع القرار لم يتضمن الدعوة إلى الوقف الفوري لإطلاق النار، أو إعطاء هدنة إنسانية دائمة لدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، كما أنه يدين الهجمات التي شنتها حماس فقط وغيرها من الجماعات في إسرائيل. وبرر الممثل الصيني الدائم لدى الأمم المتحدة، شانج جون، معارضة بلاده لمشروع القرار الأمريكي؛ بأنه يشمل عناصر كثيرة تفرق ولا تجمع، وتتجاوز البعد الإنساني، وتخلط الحق والباطل، كما أنه لا يعكس الدعوة القوية لوقف إطلاق النار وإنهاء العنف. واعتبر “جون” أن وقف إطلاق النار ليس مجرد عبارة دبلوماسية، ولكنه يعني الحياة والموت لكثير من المدنيين، موضحًا أن مشروع القرار الأمريكي انتقائي في ذكر الأسباب الجذرية للأزمة الإنسانية، وأن تبنيه يعني الإطاحة بأفق حل الدولتين، ويدخل الطرفين في دائرة مفرغة من المواجهة والكراهية[22].

وفي 22 مارس 2024، استخدمت الصين وروسيا “الفيتو” ضد مشروع قرار أمريكي يدعو إلي وقف فوري ومستدام لإطلاق النار، والسماح بتوصيل المساعدات الإنسانية الأساسية إلى غزة، والإفراج عن جميع الرهائن المتبقين. حيث قال الممثل الدائم للصين لدى الأمم المتحدة، السفير جانغ جون إن مشروع القرار الأمريكي خضع الشهر الماضي لعدة تعديلات ويتضمن عناصر تستجيب لشواغل المجتمع الدولي، لكنه يتجنب دائمًا القضية الأكثر مركزية وهي وقف إطلاق النار. وأضاف أن نص مشروع القرار النهائي – الذي استخدم الفيتو ضده، “يظل غامضًا ولا يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، كما أنه لا يقدم حتى إجابة على سؤال تحقيق وقف إطلاق النار على المدى القصير”، مؤكدًا أن هذا “انحراف واضح عن إجماع أعضاء المجلس، وأقل بكثير من توقعات المجتمع الدولي”. وأوضح أن مشروع القرار الذي قدمته الولايات المتحدة يضع شروطًا مسبقة لوقف إطلاق النار (في إشارة إلي اشتراط إطلاق سراح الرهائن لدي حماس)، “وهو ما لا يختلف عن إعطاء الضوء الأخضر لاستمرار عمليات القتل، وهو أمر غير مقبول”. وأكد أن مشروع القرار غير متوازن للغاية في العديد من الجوانب الأخرى، وبشكل خاص فيما يتعلق بإعلان إسرائيل الأخير والمتكرر عن خططها لشن هجوم عسكري على رفح، قائلًا إن مشروع القرار لا ينص بوضوح وبشكل لا لبس فيه على معارضة تلك الخطط، الأمر الذي من شأنه أن يبعث بإشارة خاطئة تمامًا ويؤدي إلى عواقب وخيمة[23].

وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة، فقدأيدت الصين مشروع القرار العربي الذي تقدمت به الأردن كممثل عن المجموعة العربية، في الدورة الاستثنائية الطارئة العاشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي حمل عنوان “الأعمال الإسرائيلية غير القانونية في القدس الشرقية المحتلة وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة”. والذي تم التصويت عليه في 27 أكتوبر 2023، وحظي بأغلبية 121 عضوًا، وعارضه 14 دولة، فيما امتنعت 44 دولة عن التصويت. ويدعو القرار إلى هدنة إنسانية وفورية دائمة ومستدامة تقضي بوقف الأعمال العدائية وتوفير السلع والخدمات الأساسية للمدنيين في شتى أنحاء غزة فورًا وبدون عوائق[24].

وفي محكمة العدل الدولية، تم الاستماع في 22 فبراير 2024، إلى ممثل الصين لدى محكمة العدل الدولية، ما شين مين. وقد دافع عن حق الفلسطينيين في إقامة دولة، وميز بين “الإرهاب” و”الكفاح المسلح” من أجل الاستقلال. وقد جاء في خطابه: “في سعيه لتحقيق حق تقرير المصير، فإن استخدام الشعب الفلسطيني للقوة لمقاومة الاضطهاد الأجنبي واستكمال إنشاء دولة مستقلة هو حق غير قابل للتصرف، ومبني على القانون الدولي. وقد لجأت إليه، بعد الحرب العالمية الثانية، شعوب مختلفة للحصول على استقلالها. وتعترف العديد من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، مثل القرار 3070 لعام 1973، بشرعية نضال الشعوب من أجل التحرر من الهيمنة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي بكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك الكفاح المسلح… ومن ثم فإن الكفاح المسلح يستند إلى القانون الدولي ويختلف عن الأعمال الإرهابية”. في المقابل، فإن استخدام القوة من قبل أي كيان أو فرد باسم “الحق في تقرير المصير” خارج سياق الهيمنة الاستعمارية أو الاحتلال الأجنبي ليس أمرًا مشروعًا. علاوة على ذلك، أثناء الكفاح المسلح المشروع للشعوب، يتعين على جميع الأطراف احترام القانون الإنساني الدولي، وعلى وجه الخصوص الامتناع عن ارتكاب أعمال إرهابية تنتهك القانون الإنساني الدولي[25].

5- المساعدات الإنسانية: وعدت الصين بإرسال المواد الغذائية والأدوية وغيرها من المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر الأمم المتحدة. وبالفعل، قدمت الصين مساعدات إنسانية عاجلة بقيمة مليوني دولار أميركي عبر السلطة الفلسطينية ووكالات الأمم المتحدة، إضافة إلى مواد إنسانية عاجلة بقيمة 15 مليون يوان صيني تشمل الغذاء والدواء إلى قطاع غزة عبر مصر[26].

6- التغطية الإعلامية: عرضت وسائل الإعلام الصينية الحرب الإسرائيلية باعتبارها عدوانًا إسرائيليًا، وكانت تقاريرها المبكرة مليئة بالتعليقات المعادية لإسرائيل، في حين تشير إلي أن حماس كانت تدافع عن “حل الدولتين”[27]. كما قامت كبري الشركات الصينية مثل “بايدو” و”علي بابا” بعدم الإشارة إلى إسرائيل بالاسم في الخرائط الرقمية التي تنشرها على الإنترنت[28]. ووفق أحد المتخصصين في الرأي العام الصيني فإن الخطاب الشعبي على “السوشيال ميديا” في الصين يرى أن العرب أقرب للصينيين من إسرائيل والغرب، كما أن الخطاب الشعبي يرى أن الصين لا يمكن أن تدعم إسرائيل المدعومة أصلًا من قبل أمريكا غريم الصين[29].

ولعل الأهم في هذا السياق، هو الدور الذي لعبه تطبيق “تيك توك” الصيني في التأثير علي توجهات الأميركيين تجاه العدوان الإسرائيلي علي غزة. فبعد أيام على “طوفان الأقصى”، وتحديدًا في 18-19 أكتوبر 2023، قامت جامعة “هارفارد” الأمريكية باستطلاع الرأي الذي تجريه شهريًا، وكان يتمحور حول الموقف الأميركي من “طوفان الأقصى”. تم توجيه سؤال إلى عدد من الأميركيين بشأن ما إذا كان الظلم الذي تعرض له الشعب الفلسطيني يشكل مبررًا كافيًا لما قامت به حركة حماس، فكانت النتيجة صادمة بالنسبة إليهم، بحيث أجاب 51٪ من الشبان المستطلعة آراؤهم بـ “نعم”، هجمات حماس لها ما يبررها.

كانت النتيجة لافتة جدًا، وخصوصًا أن البروباغندا الإسرائيلية كانت في أوجها، وتحدثت كذبًا عن قيام حركة حماس بقطع رؤوس الأطفال واغتصاب النساء وسوى ذلك من الأكاذيب، وكان لم يتضح بعد للشعب الأميركي وللعالم مدى زيف تلك الادعاءات. كما أن استطلاع الرأي جاء بعد أيام فقط على خطاب العاشر من أكتوبر، والذي ألقاه الرئيس بايدن، والذي كان أشد الخطابات تأييدًا لإسرائيل في تاريخ رؤساء الولايات المتحدة، بحيث تبنى بايدن كامل الرواية الصهيونية، على رغم تحذيرات مساعديه، وهو ما جعله يتراجع عنها لاحقًا بعد انفضاح زيفها.

وفي 2 نوفمبر 2023 كتب النائب الأميركي mike Gallagher مقالًا بعنوان: “لماذا يدعم الشباب الأميركي حماس؟ انظر إلى تيك توك”، شرح فيه دور خوارزميات التطبيق الصيني في التأثير في توجهات الشبان الأميركيين وموقفهم تجاه القضية الفلسطينية. وفي 9 نوفمبر، قال الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، في مقابلة أجريت معه، إن “تيك توك” يؤدي دورًا كبيرًا في غسل عقول الشبان الأميركيين ويؤثر في موقفهم الداعم لإسرائيل.

وقام عدد من المشاهير اليهود في الولايات المتحدة بشن حملة على التطبيق بحجة أنه يخلق أكبر حركة معاداة للسامية منذ النازيين. ففي مقابل كل مشاهدة واحدة للمنشورات المؤيدة لإسرائيل، يكون هناك54 مشاهدة للمنشورات المؤيدة للفلسطينيين. وما يزيد في مخاوفهم أن 43٪ من مستخدمي التطبيق بدأوا استخدامه في مشاهدة الأخبار، فأصبح مصدر معلوماتهم عما يجري في العالم، وأن 85٪ من الشبان بين 16 و25 عامًا يستخدمون “تيك توك” إلى درجة أنهم أصبحوا مدمنين عليه. وظهرت أصوات داخل الولايات المتحدة تقول إن ما يقوم به “تيك توك” ليس مجرد غسل دماغ للشبان الأميركيين، بل تحضيرهم لحركة احتجاجية مؤيدة لفلسطين.

لا شك في أن هذا الرأي يبدو مبالغًا فيه لأسباب يمكن تفهمها، هدفها الضغط على الإدارة الأميركية لوقف التطبيق، ليس لأنه منحاز إلى الفلسطينيين، بل لأنه لم يتدخل في حرف المحتوى الرقمي الحقيقي بشأن ما يجري من أحداث في غزة، على غرار ما يقوم به “فيسبوك” وغيره من مواقع التواصل الأميركية، والتي لمسنا جميعًا انحيازها وعدم مهنيتها[30].

ولذلك، فقد وافقت لجنة الطاقة والتجارة بمجلس النواب الأمريكي بالإجماع، في 7 مارس 2024، على تشريع يمنح شركة “بايت دانس” الصينية 6 أشهر للانسحاب من تطبيق الفيديو القصير “تيك توك”، أو مواجهة حظر أمريكي[31].

يتضح مما سبق؛ وبتسليط الضوء على الموقف الأمريكي المعروف، والداعم دون شروط، لإسرائيل في الحرب، يمكن استخلاص نقاط الاختلاف المهمة بين بكين وواشنطن في هذه الحرب:

  • الاختلاف في النظر إلى البعد السياسي للأزمة الإنسانية. فبينما ترغب الولايات المتحدة في فتح ممرات إنسانية وإدخال المساعدات للقطاع لتخفيف الضغط الدولي على إسرائيل وإظهار بعض الالتزام بالقانون الدولي في ظل دعمها للعملية العسكرية البرية في غزة، تقرن الصين المساعدات الإنسانية بوقف فوري لإطلاق النار وبدء المفاوضات السياسية. أي أن ملف المساعدات في المنطق الأمريكي قاعدة للتغطية على استمرار الحرب، بينما بالنسبة للصين مقدمة لإنهائها.
  • بينما تشدد الولايات المتحدة والقوى الغربية على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وفقًا لمقتضيات القانون الدولي وقوانين الحرب، تمتنع بكين عن إدانة هجوم 7 أكتوبر وتركز على حق تقرير المصير للفلسطينيين وعلى حل الدولتين. أي أن مقاربة الولايات المتحدة، أقله في هذه المرحلة، تتسم بطابع تكتيكي يخص التصعيد الحالي، بينما تسلط الصين الضوء على البعد التاريخي وعملية السلام باعتبارهما حلًا للأزمة.
  • بخصوص عملية السلام، تتفق إسرائيل وأوروبا على استمرار شرعية دور الولايات المتحدة كوسيط وحيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بينما تدفع الصين وروسيا لعقد مؤتمر سلام عالمي “لخلق توافق دولي” حول حل القضية، واكتساب الدولتين شرعية دولية، وتقليل دور واشنطن.
  • لا يتوقع أن تمانع الصين حلًا مستقبليًا في غزة قائمًا على منح السلطة الفلسطينية الدور المركزي في إدارة شؤون القطاع بدعم من قوى عربية، لكنها قد تفضل أن يتم ذلك عبر توافق إقليمي واسع.
  • بينما يتفق الجانبان على ضرورة عدم توسع المعركة واتخاذ بعد إقليمي، تعارض الصين منظومة الردع الأمريكية لتطبيق ذلك، متمثلة في إرسال حاملتي طائرات لشرق المتوسط وجنود إلى إسرائيل. تعتقد بكين (وموسكو أيضًا) أن هذه السياسات الأمريكية قد تسهم في زعزعة الاستقرار الإقليمي بدلًا من ضمانه[32].

هذا الموقف الصيني تسبب في ظهور ملامح احتجاج إسرائيلي، حيث قال يوفال واكس المسؤول الكبير في السفارة الإسرائيلية ببكين، في 8 أكتوبر 2023، إن إسرائيل كانت تتوقع أن تصدر الصين “إدانة أقوى” لحماس. وأضاف للصحفيين “عندما يُقتل الناس، يُذبحون في الشوارع، فهذا ليس الوقت المناسب للدعوة إلى حل الدولتين”[33]. وقالت وزارة خارجية الاحتلال الإسرائيلي، في 13 أكتوبر، في بيان إنها أعربت في اتصال هاتفي مع المبعوث الصيني إلى الشرق الأوسط تشاي جون عن خيبة أملها العميقة لعدم إدانة بكين الهجوم الذي نفذته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عليها في السابع من أكتوبر. وذكر البيان أن نائب مدير منطقة آسيا والمحيط الهادي بالخارجية الإسرائيلية رافي هارباز أعرب عن خيبة أمل إسرائيل العميقة إزاء البيانات والتصريحات الصينية بشأن الأحداث الأخيرة، إذ لم تتضمن تلك البيانات إدانة واضحة لما وصفها بـ”المجزرة الرهيبة” التي ارتكبتها حركة حماس ضد المستوطنات الإسرائيلية[34]. وفي المقابل؛ أشاد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية بموقف كل من روسيا والصين في مجلس الأمن وذلك لإفشالهما القرارات الأمريكية المنحازة لإسرائيل[35].

ثانيًا: محددات الموقف الصيني من العدوان الإسرائيلي علي غزة:

تتمثل محددات الموقف الصيني من العدوان الإسرائيلي علي غزة في:

1- العلاقات الجيدة مع الفلسطينيين: حيث كانت الصين من أوائل الدول التي اعترفت بفلسطين بصفتها دولة في عام 1988؛ حيث أقام الطرفان رسميًا حينها العلاقات الدبلوماسية، وحافظت الصين في العقود التي تلت ذلك على علاقات ودية مع فلسطين[36]، كما أنها أيدت في عام 2012 انضمامها إلى الأمم المتحدة عضوًا مراقبًا، بل كانت من الدول التي رعت مشروع القرار الذي قدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بهذا الخصوص، وبالتبعية فإنها تدعم انضمام فلسطين إلى عضوية مختلف المنظمات الدولية[37].

وكانت الصين قدمت في 2013 مقترحًا من أربع نقاط لتسوية القضية الفلسطينية هي: (إقامة دولة فلسطينية مستقلة وكاملة السيادة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وأن المفاوضات هي الطريق الوحيد للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتأكيد على قرارات الأمم المتحدة المرتبطة بالصراع ومبادرة السلام العربية ومبدأ الأرض مقابل السلام، وتوفير الضمانات الضرورية لنجاح المفاوضات بين الجانبين مع التأكيد على أهمية زيادة المساعدات للفلسطينيين في إطار عملية التنمية الاقتصادية)[38].

كما أنه عقب طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في عام 2020، للخطة الأمريكية لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي في إطار ما سمي “صفقة القرن”، فقد انتقدت الصين خطة ترامب؛ لشعورها بأنها منحازة لمصلحة إسرائيل وتتجاهل التطلعات الفلسطينية، وشددت الصين على ضرورة أن يرتكز أي حل قائم على أساس الدولتين على مبدأ “الأرض مقابل السلام”[39].

وفيما يتعلق بعلاقتها مع حماس، فبعد أن فازت الحركة في انتخابات سنة 2006 وبادرت إلى تشكيل الحكومة. ومع أن القيادة الصينية كانت لديها تحفظاتها تجاه الإسلام السياسي، وكانت قد تبنت تعاملًا قمعيًا مع المسلمين في الصين، بما في ذلك مع الأغلبية السكانية من الإيغور في مقاطعة شينجيانغ، إلا إنها سعت لفصل هذه الاعتبارات عن علاقاتها الإقليمية في الشرق الأوسط. وخلافًا لسلوك الدول الغربية، التي حظرت التعامل مع حماس وفرضت مقاطعة علي السلطة الفلسطينية الواقعة تحت سيطرتها، اعتبرت بكين أن حماس كان لديها تفويض ودعم شعبيان، وقامت باستضافة محمود زهار، وزير الخارجية الجديد والعضو في قيادة حركة حماس في “منتدى التعاون الصيني- العربي” المنعقد في ذلك العام.

لكن إسرائيل احتجت على هذا التصرف؛ وجرى استدعاء سفير الصين من جانب وزارة الشؤون الخارجية وقيل له بأن هذا التصرف يهدد بمنح حماس الشرعية وبالمس بعلاقات الصين مع إسرائيل. وكانت شدة التقريع الإسرائيلي كافية لتجعل الصين تتراجع عن أي تعاط إضافي مع حماس، وتعود إلى موقفها السابق الذي يعطي الأولوية للعلاقات مع السلطة الفلسطينية وقيادة “فتح”. وهو موقف تبنته بعد ذلك إلى حد كبير، حتى بعد أن تم الفصل بين طرفي الأراضي المحتلة نتيجة القتال بين فتح وحماس في سنة 2007، بحيث باتت فتح تسيطر على الضفة الغربية وحماس على غزة. وعقب حرب عام 2014 بين إسرائيل وحماس في غزة، أعادت الصين فتح قناة الاتصال المباشر مع حماس؛ إذ التقى المبعوث الصيني الخاص، وو سيكيه، زعيم حركة حماس خالد مشعل في الدوحة في سعي للتوصل إلى وقف لإطلاق النار[40].

وعلى مدى العقدين الماضيين، استقبلت الصين الرئيس الفلسطيني وزعيم السلطة الفلسطينية “محمود عباس” خمس مرات، كان آخرها في يونيو 2023؛ قد حصل خلالها على وعود بدعم واسع النطاق من الصين للقضية الفلسطينية [41]. كما حاولت بكين الدخول على خط الوساطة بين حماس والسلطة الفلسطينية[42].

ورغم أن الصين أقامت علاقات عسكرية واقتصادية وازنة مع تل أبيب، ما تزال قائمة، فإنها ما فتئت تؤكد حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم والعيش بسلام، ذلك أن الصين بفضل قدراتها المالية الهائلة ما تزال قادرة على الفصل بين مواقفها السياسية (الأخلاقية) ومصالحها الاقتصادية[43]. ولعل الميزة الأهم أن الصين تتعامل مع الملف الفلسطيني كملف سياسة خارجية بالدرجة الأولى، على خلاف كل من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، التي تحتل فيها القضية الفلسطينية- الإسرائيلية مساحة واسعة في السياسة الداخلية، سواء عبر دور وتواجد اللوبيات الإسرائيلية، أم نتيجة إرث معاداة السامية، وهو ما يجعل الدول الغربية عاجزة عن رسم سياسة متوازنة تجاه قضية الشرق الأوسط[44]. ناهيك عن أن الموقف الصيني تجاه القضية الفلسطينية هو امتداد لإرث الصين الشيوعية القديم في النضال ضد الاستعمار؛ فهي قد عانت مثل الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية من الاحتلال الغربي والياباني، والقوى الغربية هي من ساعدت على انشقاق تايوان مثلما ساعدت القوى الغربية على تفكيك العالم العربي واحتلال فلسطين[45].

2- توتر العلاقات مع إسرائيل: بدأت علاقات الصين الدبلوماسية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي سنة 1992، وكانت ترى بكين أن علاقاتها مع تل أبيب ستساعد في تحسين صورتها في الغرب، وتمكنها من الحصول على التكنولوجيا العسكرية الغربية، حيث وصل التبادل التجاري بين الطرفين سنة 2022 إلى نحو 24.4 مليار دولار، ما جعلها تحتل المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. لكن ثبت للصين في محطات عدة، أن إسرائيل ليست منيعة تمامًا أمام الضغط الأمريكي، فقد واجهت مصاعب عدة في تنفيذ بعض المشاريع المتعلقة بمبادرة “الحزام والطريق” في ميناء “حيفا”، وتم حرمانها من تشغيل منشأة “سوريك” لتحلية المياه لمدة 25 عامًا، لأنها تجاور قاعدة “بالماخيم” الجوية، حيث تتمركز القوات الأمريكية، وقرب مركز “ناحال” للأبحاث النووية، وتراجعت إسرائيل أيضًا عن صفقة أسلحة وقعتها مع الصين واضطرت لدفع تعويضات لها[46]. والأهم من ذلك، أن تراجع العلاقات الإسرائيلية مع الصين يقابله تصاعد لعلاقاتها مع الهند – جارتها المكروهة-.  ففي حين تراجعت الصين التي كانت تحتل المرتبة الثالثة بين مشتري المعدات العسكرية الإسرائيلية، فقد حلت الهند محلها. كما أن مجموعة “أداني” الهندية هي من فازت بعملية تشغيل منشأة “سوريك” لتحلية المياه (وهي محطة جديدة في حيفا)، بعدما كانت “مجموعة موانئ شنغهاي العالمية” المملوكة للصين هي من فازت بها في مناقصة في عام 2015[47].

جاء السلوك الإسرائيلي من الحرب الروسية الأوكرانية وتحالف الدول الغربية ضد روسيا ليعزز القناعة لدى الصين أن إسرائيل متماهية مع المنظومة الأمريكية الغربية، وأن الحسابات الإسرائيلية قد تتغير، إذا ما قررت القوى الغربية اتخاذ خطوات عدائية أكبر ضد الصين، في ضوء أن الأمريكان يعلنون صراحة بأن بكين هي العدو التالي والأخطر عليهم.

من جهة أخرى، فإن مشاركة إسرائيل في مبادرة الممر الاقتصادي التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي جو بايدن على هامش قمة العشرين في نيودلهي في 9-10/9/2023، من الهند إلى الشرق الأوسط وصولًا إلى أوروبا عبر إسرائيل، واحتفاء نتنياهو بها، أعطى مؤشرًا سلبيًا، حيث ترى فيه الصين مشروعًا بديلًا عن مبادرة “الحزام والطريق” ويهدف لضربها.

وفي الوقت الذي تسعى فيه الصين إلى تعزيز الاستقرار في المنطقة لخدمة مشاريع “الحزام والطريق”، عبر مبادرات سياسية كان أبرزها إعلان السعودية وإيران استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، عقب مباحثات برعاية صينية في بكين، تعمل الولايات المتحدة بالشراكة مع إسرائيل، على تهديد طهران وإبقاء جذوة الصراع بينها وبين دول المنطقة مشتعلة، وهو ما يناقض تحركات الصين، ويزعزع الاستقرار في المنطقة، ويلحق الضرر بمشاريع الصين الاستراتيجية[48].

3- تعزيز العلاقات مع الدول العربية وإيران: تسعي الصين إلى استثمار العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة لتعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، التي أضحت ساحة منافسة جديدة مع الولايات المتحدة، وذلك عبر محاولة تحقيق عدد من الأهداف، التي يتمثل أبرزها في:

أ- تعزيز مصداقية الدور الصيني: فبينما تتزايد معدلات المعارضة الشعبية بين مواطني الدول العربية لمواقف إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لدعمها اللا متناهي للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، واستهدافها المدنيين والبنى التحتية من مدارس ومستشفيات القطاع، ورفض الضغط على إسرائيل لوقف الحرب وإدخال المساعدات، فإن بكين كانت على خلاف مع واشنطن بشأن نهجها تجاه الحرب الحالية، ولا سيما فيما يتعلق بالوقف الفوري لإطلاق النار. وكانت عديد من استطلاعات الرأي العام للمواطنين العرب تشير إلى انخفاض نسب التأييد الشعبي داخل الشرق الأوسط للسياسات الأمريكية في المنطقة، ولا سيما في بعض الدول الحليفة للولايات المتحدة، خلال السنوات الأخيرة، في مقابل ارتفاع نسب تأييد مواطني عديد من دول المنطقة للسياسات الصينية. ناهيك عن أن هذا الموقف الصيني المنحاز للفلسطينيين في هذه الحرب سيجنب المنتجات الصينية من المقاطعة الشعبية المتصاعدة تجاه المنتجات الغربية، بل وربما تري الصين أن ذلك يمثل فرصة لإحلال منتجاتها محل هذه المنتجات الغربية.

ب- تأكيد المكانة كقوة كبرى صانعة للسلام: تحاول الصين ممارسة دور دبلوماسي نشط في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بما يعزز من مكانتها كقوة عالمية رئيسية تسعى إلى تحقيق السلام والاستقرار الدوليين ودحض الرؤية الأمريكية بأنها “قوة تعديلية” في النظام الدولي الذي ساهمت الولايات المتحدة في تأسيسه في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية في عام ١٩٤٥. وتحاول بكين تعزيز دورها كـ”وسيط نزيه” بين الفلسطينيين والإسرائيليين، عبر الترويج إلى أن الدور الأمريكي أخفق في ممارسة هذا الدور، في ظل دعم إدارة الرئيس بايدن لإسرائيل، ومن خلال استثمار نجاح الصين في التوصل إلى اتفاق بين إيران والسعودية، في 10 مارس 2023، والذي أنهى القطيعة الدبلوماسية بين البلدين منذ عام ٢٠١٦[49].

ج- تعزيز العلاقات مع دول المنطقة: تمثل الحرب في غزة فرصة للصين من أجل تعزيز  علاقاتها القوية بالفعل مع الدول الإقليمية في المنطقة،  حيث لعبت بكين دورًا فعالًا في ضم أربع دول شرق أوسطية – مصر والسعودية وإيران والإمارات – إلى مجموعة “البريكس” في أغسطس 2023، خاصة وأن من المرجح أن الأزمة الحالية ستحفز دول المنطقة للاستمرار في تعزيز علاقاتها مع روسيا والصين، باعتبار أن هذه العلاقات باتت مهمة وتوفر بدائل لدول المنطقة في ظل مواقف الغرب في هذه الأزمة والتي اعتبرتها حكومات عربية منحازة بشكل غير مسبوق. كانت الضغوط الغربية على بعض الدول العربية من أجل قبول تهجير أهل غزة إلى تلك الدول مزعجة إلى أقصى حد، وأظهرت عدم اهتمام الغرب بالاعتبارات الأمنية الداخلية لحلفائه، وأنه مستعد لحل مشكلة الاحتلال الديمغرافية دون اكتراث بمصالح باقي الدول. كما أن الموقف الغربي إزاء الوضع الإنساني في غزة جعل مسؤولين في دول عربية حليفة لواشنطن مقتنعين أن الغرب لا يكترث لحياة المدنيين فقط لأنهم عرب، بينما روسيا والصين أظهرتا جدية أكثر إزاء دعم دعوات وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية إلى غزة[50].

بعبارة أوضح، لقد منحت الحرب في غزة الصين مساحة أوسع بكثير للتحرك سياسيًا في المنطقة، ومصداقية تفوق الولايات المتحدة بكثير، خاصة أنها لا تمتلك إرثًا استعماريًا في المنطقة (مثل الغرب) ولم تتورط من قبل في صراعاتها (مثل روسيا)، بخلاف الشعبية التي اكتسبتها كونها تقدم نموذجًا تنمويًا جذابًا ومزايا اقتصادية على عكس روسيا التي تعاني اقتصادًا مأزومًا، ناهيك عن أن الصين تنحي قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان من التأثير في علاقاتها مع النظم العربية علي عكس الولايات المتحدة والدول الأوروبية[51].

4- تصاعد الخلافات مع الدول الغربية: يمكن فهم موقف الصين من الصراعات الدولية التي اشتعلت مؤخرًا. أولها الصراع في القوقاز وحرب أذربيجان وأرمينيا عام 2020، حيث التزمت بكين نظريًا بالحياد، لكنها تميل نسبيًا منذ سنوات إلى أرمينيا، لا سيما وهي تملك تعاونًا عسكريًا معها، وذلك بالنظر إلى التحالف المتين بين أذربيجان والولايات المتحدة، علاوة على العلاقة الوطيدة بين أذربيجان وإسرائيل. يضاف إلى ذلك أن أرمينيا حليف وثيق لإيران، التي هي بدورها الدولة الأقرب للصين في المنطقة. ثم أتت حرب أوكرانيا عام 2022، والتزمت بكين مجددًا بدرجة من الحياد ولم تنحز انحيازًا صارخًا لأي من الطرفين، لكنها بلورت حيادها بشكل تضمن نقدًا ضمنيًا للدور الأميركي، ولمحاولته استمالة أوكرانيا إلى مدار حلف الناتو، التي اعتبرتها بكين الخطيئة الأولى التي أشعلت الحرب. ولذا حافظت الصين على علاقة جيدة بروسيا، ورفضت إدانة الغزو الروسي صراحة.

وعليه يبدو أن هنالك خيط ناظم في المواقف الصينية تجاه الصراعات المختلفة، إذ إن الصين تبدأ برفض الرؤية الأميركية، وتتحفظ على الرواية التي يقدمها حلفاء واشنطن، ثم تمتنع عن أي إدانة علنية لمن تعتبرهم واشنطن أعداءها، فاتحة الباب لموقف مغاير للموقف الأميركي، ولدور أكثر مصداقية بين كل الدول التي تقع خارج شبكة التحالفات الأميركية. وثمة مزايا عديدة للصين من هذا المسلك السياسي، أبرزها قدرتها على صنع شعبية لها في تلك الدول التي عانت من ترتيبات إقليمية غير عادلة تحت وطأة التحالفات الأميركية، ويتجلى ذلك بوضوح في المنطقة العربية، حيث يتمترس الموقف الأميركي وراء إسرائيل الصغيرة، في حين يحظى كل من انحازوا ولو جزئيًا للقضية الفلسطينية بشعبية متزايدة في العالم العربي الممتد من المحيط إلى الخليج، بدءًا من الصين وحتى جنوب أفريقيا[52]. وهو الأمر الذي يخدم السردية الصينية حول حاجة العالم إلى بناء نظام عالمي بديل عن النظام الذي تقوده واشنطن[53].ويتوافق ذلك مع دعوة الصين لعقد “مؤتمر دولي” للسلام لتسوية الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين بديلًا عن الوساطة المنفردة للولايات المتحدة في هذا الصراع[54].

بالإضافة إلى ذلك ترغب بكين في ضمان مساندة دول الجنوب العالمي والدول العربية والإسلامية لمصالح الصين الأساسية، وتحديدًا في تايوان[55]. فتايوان عملت خلال السنوات الماضية على تعزيز تحركاتها الدبلوماسية على الساحة الدولية بما في ذلك إسرائيل، التي تستضيف مكتبًا اقتصاديًا وثقافيًا لتايوان. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحرب الراهنة بين إسرائيل وحماس أعادت قضية تايوان إلى الواجهة مجددًا في العلاقات بين الصين وإسرائيل؛ حيث أشادت المبعوثة الإسرائيلية لدى تايوان “أمايا يارون”، في تصريحات لها يوم 26 أكتوبر 2023، بدعم حكومة تايوان القوي وتعاطفها مع إسرائيل، واصفة تايوان بأنها “صديقة جيدة”؛ حيث أدانت تايبيه هجوم حركة حماس على إسرائيل[56].

كذلك، فإن موقف الصين يختلف عن موقف كل من الهند واليابان وكوريا الجنوبية (حلفاء واشنطن) اللذين سارعوا إلي إدانة هجوم حماس، وأعلنوا عن دعمهم لإسرائيل في حربها الحالية علي قطاع غزة.

من ناحية أخري، ينظر الصينيون بقلق إلى التحشيد العسكري الأمريكي الغربي الهجومي والدفاعي في المنطقة (بما في ذلك قدوم حاملات طائرات أمريكية). وقد تزايد هذا القلق الصيني عقب التطورات الجارية في البحر الأحمر خلال الأسابيع الماضية على خلفية استمرار الهجمات الحوثية ضد السفن منذ 19 نوفمبر 2023، وما أعقبها من تشكيل واشنطن لتحالف “حارس الازدهار” في 19 ديسمبر 2023؛ ثم شن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ضربات ضد أهداف حوثية في اليمن منذ 12 يناير 2024؛ ثم تأسيس الاتحاد الأوروبي “قوة أسبيدس” في 19 فبراير 2024. حيث أن هيمنة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين على البحر الأحمر عسكريًا سوف تؤثر سلبًا علي الصين في أربعة محاور رئيسية هي:

  • حرمان الصين من استغلال العقوبات على روسيا؛بعد أن خلصت التقييمات الأمريكية إلى أن الصين وراء عدم كفاءة العقوبات التي فرضها الغرب على موسكو منذ فبراير 2022، وأن بكين باتت أكبر المستفيدين من النفط والغاز الروسي الرخيص الذي يمر من البحر الأحمر في طريقه إلى الصين، وتعتبر واشنطن أن هيمنتها الكاملة على الممرات البحرية التي تنقل الطاقة الروسية إلى الصين؛ ضربة مزدوجة لكل من موسكو وبكين. 
  • وفقًا لوزارة التجارة الصينية؛ فإن 60% من صادرات الصين من البضائع إلى أوروبا تستخدم البحر الأحمر، وبالتالي فإن السيطرة العسكرية على هذا الممر الاستراتيجي تجعل تلك التجارة تحت مراقبة الولايات المتحدة.
  • توصيل رسالة أمريكية لدول الشرق الأوسط مفادها أن واشنطن هي الفاعل الرئيسي الأمني والاستراتيجي في المنطقة،وذلك ردًا على بعض الدعوات التي تطالب بتغيير التحالفات من الغرب إلى الشرق وبصفة خاصة ناحية الصين.
  • إضعاف مبادرة “الحزام والطريق”؛ لأن هجمات الحوثيين وتصدي الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين لها وحدهم؛ يوضح بشكل مباشر أن الصين لن تكون قادرة في المستقبل على حماية “الحزام والطريق”؛ إذ تستورد بكين أكثر من 46% من النفط من الشرق الأوسط، كما أنها تصدر إلى أوروبا أكثر من الولايات المتحدة. وهذا ما قد يعرقل الدعوات الصينية نحو عالم متعدد الأقطاب؛ لأن سيطرة واشنطن وهيمنتها الكاملة على الممرات الملاحية في الشرق الأوسط تؤكد أنها ما تزال تمسك بخيوط القيادة الدولية للعالم الذي تشكل بعد الحرب الباردة[57].

ثالثًا: تحديات الموقف الصيني من العدوان الإسرائيلي علي غزة:

علي الرغم من تمايز الموقف الصيني عن مجمل المواقف الأمريكية والأوروبية، لكن هذا الموقف لم يكن له تأثيرًا كبيرًا، ولم يحدث اختراقًا باتجاه وقف إطلاق النار. ما أرجعه مراقبون لعدة أسباب تتعلق بمحدودية الدور الصيني في الملف الفلسطيني خصوصًا، وقضايا الشرق الأوسط عمومًا، وتتمثل هذه الأسباب في:

1- أن مقاربة الصين للتعامل مع الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي تقوم على تجنب الانخراط المباشر. وهو ما يمكن تلمسه عندما أعلنت الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا تشكيل “اللجنة الرباعية” في سنة 2002 لتنسيق النشاطات الدولية بشأن حل الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين. فالصين لم تسع للانضمام إلى الرباعية، لكنها، في المقابل، أعلنت عن مبعوثها الخاص إلى الشرق الأوسط. لكن هذا الإجراء كان رمزيًا إلى حد بعيد، إذ بقي المبعوثون في بكين واكتفوا بزيارات موسمية للمنطقة للالتقاء بممثلين رسميين عن الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.

كما كانت محدودية تواصل الصين مع الجماعات الفلسطينية الأُخرى جلية أيضًا حين امتنعت عن الاعتراف بـ”حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات” (BDS). ومع أن هذه الحركة تعتبر من بين الحركات الفلسطينية الأوسع فاعلية، إلا إنها وجدت صعوبة في العمل مع الصين وداخل الصين. وهذا يعود جزئيًا إلى أسلوب عمل الحركة، القائم على أساس بناء علاقات عابرة للقوميات مع جماعات تتشارك معها في الأفكار ذاتها، ومع منظمات وحركات في المجتمعات المدنية لدول أُخرى، حيث تحذر الدولة الصينية وترتاب من استقلالية المجتمع المدني لديها.

وكانت مقاربة الصين المحدودة هذه جلية كذلك في المنابر متعددة الأطراف مثل دول “بريكس ” (BRICS). ففيما عبرت الصين ودول “بريكس” الأخرى بانتظام، في الإعلانات السنوية الصادرة عن اجتماعات قممها، عن دعمها “حل الدولتين” وانتقدت إسرائيل لاحتلالها ولبناء المستوطنات في الأراضي المحتلة، إلا إن هذه الدول لم تدعم هذه الإعلانات بإجراءات عملية جماعية ضد إسرائيل ولدعم الفلسطينيين.

كذلك فعقب زيارة الرئيس محمود عباس لبكين في 2017، اقترح الرئيس شي جين بينغ استضافة اجتماعات بين الإٍسرائيليين والفلسطينيين معًا في سعي لإيجاد طريقة للتقدم في عملية السلام. وفعلًا، انعقد “منتدى السلام” بين الوفدين الإسرائيلي والفلسطيني طوال يومين في ديسمبر من ذلك العام. لكن الصينيين لم يتمكنوا من دفع الطرفين إلى تبني أكثر من بيان غير ملزم أعاد صوغ الكثير من المكونات الرئيسية لعملية أوسلو.

وفي مايو ويونيو 2021، أعارت وسائل الإعلام اهتمامًا ملموسًا لموقف الصين تجاه العنف الذي اندلع بين إسرائيل والفلسطينيين، وهو أمر من الممكن تفسيره باعتباره ظرفيًا وإجرائيًا في الأساس، لأن الصين كانت تحتل في شهر مايو من ذلك العام رئاسة مجلس الأمن في الأمم المتحدة.

ويمكن أن ينظر كذلك إلى اقتراح الصين التوسط بين إسرائيل والفلسطينيين في إبريل 2023 بكونه خطابيًا أكثر منه عمليًا. فقد جاء مقترح وزير الخارجية، تشين غانغ، بعد فترة وجيزة من استضافة الصين مفاوضات بين إيران والسعودية، أعلن الطرفان في نهايتها قرارهما بإعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما.

ويظهر تقدير الصين الثانوي للمصالح الفلسطينية أيضًا بصورة ملموسة في حجم المساعدات التي قدمتها على دفعات للفلسطينيين. فبين سنة 2008 وسنة 2022، مثلًا، لم تقدم الصين سوى مبلغ متواضع من الدعم الإنساني، وصل مجموعه إلى 11.28 مليون دولار[58].

وبالنظر إلي التصريحات الصينية خلال الحرب الحالية، تظهر الصين بأنها لا تريد العمل منفردة، بل تركز على أن دورها سيكون في إطار الجهود الدولية. ولكن السؤال المطروح هنا أنه لا توجد جهود دولية حقيقة لوقف العملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة. والغريب هنا أن الصين، الدولة الكبرى والعضو الدائم في مجلس الأمن، تنتظر الجهود الدولية عوض أن تبادر وتقوم بها[59].

كما أن الخطابات الصينية جميعها أدانت الجانبيين الفلسطيني والإسرائيلي، دون ذكر إسرائيل أو حماس، وحتى في تصريحها حول قصف مستشفى المعمداني، لم تذكر الصين إسرائيل، ولم توجه لها أي انتقاد أو اتهام مباشر[60]. كما أعلنت الصين عن أسفها العميق لسقوط مدنيين من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وأعلنت عن معارضتها للأعمال التي تضر بالمدنيين. وهنا أيضًا فإنها استمرت في استخدام مفردتي فلسطين وإسرائيل. وحديثها لم يفرق بين مدنيين من هذا الطرف أو ذاك[61]. فلسطينيًا، يضعف هذا الخطاب الموقف الفلسطيني، ولا يدعمه، فهو يحمل في طياته مساواة بين الجرائم الإسرائيلية، وردود أفعال المقاومة الفلسطينية، وينزع عن الفلسطيني حقه الشرعي في الكفاح المسلح.

إضافة إلي ذلك، شرعنة الصين الوجود الاستيطاني، عبر استثمار مباشر وغير مباشر في المستوطنات، أو إقامة علاقات تجارية واستثمارية واسعة مع أكثر من 27 شركة، أثبتت تقارير الأمم المتحدة أنها تستثمر مباشرة في المستوطنات. وتعتبر يهودية الدولة الإسرائيلية، والمستوطنات جوهر المسألة الفلسطينية في الوقت الحاضر[62].

2- أن النفوذ الدبلوماسي الفعلي لبكين في الشرق الأوسط لا يزال محدودًا. وعلى الرغم من التشكيك الصريح في المنطقة تجاه سياسة الولايات المتحدة، فقد تمكنت واشنطن منذ فترة طويلة من العمل كوسيط في أزمات الشرق الأوسط بما أنها تستوفي شرطين أساسيين، هما: تمتعها بعلاقات وثيقة (وإن لم تكن دافئة دائمًا) مع معظم الأطراف الرئيسية في المنطقة، واستعدادها لتكبد التكاليف (سواء كانت اقتصادية أم عسكرية) من أجل إحداث التغيير والمحافظة على النتائج التي يتم تحقيقها هناك. ولا ينطبق أي من ذلك على الصين، التي فشلت في اكتساب نفوذ دبلوماسي كبير على أي دولة في الشرق الأوسط (حتى إيران) أو إبداء أي استعداد لتحمل التكاليف سعيًا لتحقيق أهدافها هناك. وينطبق الأمر ذاته على العدوان الإسرائيلي الحالي علي قطاع غزة.

باختصار، لم تشكل الصين بعد لاعبًا دبلوماسيًا جادًا في الشرق الأوسط، على عكس الولايات المتحدة، التي تعتبرها الدول العربية عنصرًا لا غنى عنه لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني حتى لو كانت تختلف مع السياسة الأمريكية بشأن هذه القضية. بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض الدول العربية – مهما كان خطابهم العلني – لا يريدون نتيجة تؤدي إلى انتصار حماس، بل ويرغبون في القضاء عليها؛ باعتبارها وكيلة لإيران – بحسب تصورهم –  وجزء من جماعة الإخوان المسلمين المعادية لهم[63]. ويلاحظ هنا أن الموقف الصيني من الحرب مشابه تمامًا لمواقف الدول العربية المطبعة مع إسرائيل، أو التي تقف على طابور التطبيع: إدانة العنف، التصويت في الأمم المتحدة، وتكرار دعمها لحل الدولتين[64].

3- إن الحديث عن إمكانية وساطة الصين لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي علي غرار وساطتها في تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران في 10 مارس 2023 هو أمر غير ممكن. فعند الحديث عن الوساطة الصينية بين السعودية وإيران فإنه لابد من الإشارة إلى مسألتين مهمتين: الأولى أشار إليها البيان الثلاثي المشترك في 10 مارس 2023، وهي المتمثلة في وجود مفاوضات سابقة بين كل من السعودية وإيران على مدار عامي 2021 و2022 في كل من سلطنة عمان والعراق. إذ توجهت كل من السعودية وإيران بالشكر والتقدير لهما لاستضافتهما جولات الحوار السابقة لحوار بكين. والمسألة الثانية أنه كانت هناك رغبة من الطرفين السعودي والإيراني في طي صفحة القطيعة، وهذا مما سهل على بكين قطف ثمرة الإعلان عن المصالحة بينهما من بكين. وهنا يطرح السؤال: هل لو كانت الحسابات السعودية والإيرانية لم تتغير، وهل لو لم يكن هناك مفاوضات سابقة كان من السهل على الصين أن تصل بالأمور إلى ما وصلت إليه؟[65].

ناهيك عن أن الصين لا تستطيع أن تتدخل في وساطة بين الفلسطينيين وإسرائيل بسبب عدم ترحيب الأخيرة التي تفضل وسيطًا منحازًا لمصلحتها (الولايات المتحدة)[66]. كما أن واشنطن لن تسمح بأن تمارس بكين دور الوساطة بين الجانبين، وأن يكون لها نفوذ كبير في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط، وخصوصًا بعد نجاح وساطتها لإعادة العلاقات بين السعودية وإيران، والمساعي التي تقوم بها للتوسط في حل الأزمات عالميًا، كما هي الحال في حرب روسيا وأوكرانيا[67].

4- أن الصين تنظر إلى الحرب في غزة من زاوية مواجهتها المتصاعدة مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين وليس من زاوية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. حيث تسعى واشنطن، ومنذ قدوم إدارة الرئيس جو بايدن، إلى خفض التصعيد في منطقة الشرق الأوسط لحشد الجهود الدولية للتركيز على الصراع في أوكرانيا والذي تهدف واشنطن عبره لإضعاف حليف بكين في موسكو. إضافة إلى تركيز جهودها على المواجهة التي تخوضها مع بكين في المحيطين الهادي والهندي.

ومن المحتمل أن ترى الصين أن الصراع في الشرق الأوسط – وقد تكون المواجهة في قطاع غزة شرارته الأولى – عامل قد يدفع الولايات المتحدة للانشغال في أتون صراعات المنطقة المعقدة، التي لا تجد واشنطن مفرًا من التدخل فيها، خاصة في ظل انخراط حليفها الرئيسي إسرائيل بشكل مباشر فيها. وبلا شك ستكون بكين أكثر اطمئنانًا برؤية واشنطن تنجر مرة أخرى إلى الصراع في المنطقة.

ويعتقد الخبراء الصينيون أنه كلما زادت المسارح الاستراتيجية غير الشرق آسيوية التي تتطلب اهتمام واشنطن، كسبت الصين المزيد من الوقت والمساحة لتأكيد هيمنتها الاستراتيجية في منطقة المحيطين الهندي والهادي[68].

وعليه؛ فإن الصين قد تكون غير متحمسة لإنهاء هذه الحرب في القريب العاجل، وإن كانت لا ترغب في توسع الصراع بين حماس وإسرائيل وانخراط أطراف إقليمية أخرى فيه، وخاصة إيران التي سعت بكين إلى تطوير علاقاتها معها خلال السنوات الماضية. ولعل هذا ما يفسر حرص واشنطن على التواصل مع بكين ومطالبتها بإقناع إيران بعدم التدخل في الحرب الدائرة بين حماس وإسرائيل. وفي هذا الصدد، نقلت صحيفة “فايننشال تايمز”، في تقرير يوم 28 أكتوبر 2023، عن مسؤولين أمريكيين قولهم أن واشنطن طالبت وزير الخارجية الصيني “وانج يي”، خلال زيارته للولايات المتحدة، “اتخاذ نهج أكثر إيجابية، وهذا سيشمل بالطبع التواصل مع الإيرانيين للحث على الهدوء”[69].

5- تناقض الموقف الصيني من الحرب علي غزة مع سياستها في انتهاك حقوق الأويغور المسلمين في شينجيانغ. وللمفارقة؛ فإن ذلك لا يمثل تحدي للموقف الصيني الأخلاقي بين العرب فقط، بل إن إسرائيل تستخدمه هي الأخرى كورقة مساومة في علاقتها مع الصين. حيث انضمت إسرائيل، في أواخر يونيو 2021، لبيان في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يندد بمخالفات حقوقية ترتكبها الصين بحق أقلية الأويغور المسلمة[70]. وقد جاء هذا الموقف الإسرائيلي كرد فعل علي موقف الصين من العدوان الإسرائيلي علي غزة في مايو 2021، حيث عرضت الصين قرارات لمجلس الأمن الدولي تطالب بوقف إطلاق النار، ووصفت الإجراءات الإسرائيلية في غزة بأنها “انتهاكات للقانون الدولي”[71].

الخلاصات والاستنتاجات:

1- يمكن وصف الموقف الصيني تجاه الحرب الحالية بأنه “حياد مؤيد للفلسطينيين”[72]، وهو ما ظهر في رفض أي قرار أممي لا ينص بشكل واضح على “وقف إطلاق النار”، كما رفضت تحميل الصراع الحالي لحركة حماس وتقديمها كحركة “إرهابية” كما فعلت الدول الغربية[73]. في مقابل، تصاعد حدة خطابها ضد إسرائيل، والتأكيد بأن رد فعلها تجاوز “حق الدفاع عن النفس”، وبأنها “تنتهك القانون الدولي”، وأنها ترتكب “إبادة جماعية” بحق الفلسطينيين في غزة. رغم زعم السلطات الإسرائيلية أن أربعة مواطنين صينيين قُتلوا في عملية “طوفان الأقصى”، وأن حماس أخذت ثلاث رهائن صينيين آخرين[74].

2- تقوم الصين باستغلال الوضع القائم في القضية الفلسطينية لتعزيز مكانتها العالمية، من خلال كسب ود دول الشرق الأوسط والدول المتعاطفة مع فلسطين، وعليه، تزداد شعبية الصين على حساب شعبية الولايات المتحدة المتقلصة تدريجيًا في هذه الدول. وعلى هذا الأساس، تعد هذه الحرب الأخيرة فرصة لبكين، لتقدم للدول النامية رؤية بديلة للقيادة العالمية تزيح الولايات المتحدة وسياستها[75].

3- رغم الخطاب الصيني الداعم للفلسطينيين إلا أنها لم تقم بجهود كبيرة لدعم هذا الخطاب بالأفعال. فالدعم الصيني للفلسطينيين هو إلى حد كبير سطحي ومحدود، ولا يبدو أن هناك احتمالًا لأن يتغير في المستقبل القريب[76]. ويعود ذلك بصورة رئيسية؛ لغياب الوجود السياسي والأمني الصيني القوى في المنطقة؛ مما لا يوفر لبكين أوراق ضغط على أطراف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، فضلًا عن القوى الإقليمية والدولية علي عكس الولايات المتحدة[77]. ناهيك عن أن الصين نفسها لا تسعي إلى تحقيق السلام وإنهاء الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بقدر ما تسعي إلي تحقيق الاستقرار في المنطقة[78].

4- مع ذلك، علينا أن لا نضيع الفرصة، ولا نترك للحركة الصهيونية كسب الصين، هي الأخرى، إلى صفها. ألا يكفي أن الصين لم تستجب للدعاية الصهيونية والغربية التي حاولت شيطنة المقاومة الفلسطينية، على عكس ما فعلته الدول الغربية وبعض الدول العربية[79].


[1] “ما تأثير حرب غزة على السياسة الخارجية الصينية في الشرق الأوسط؟”، الجزيرة نت، 6/11/2023، الرابط: https://tinyurl.com/5yrjmx8b

[2] “الخارجية الصينية: بكين تدعو إسرائيل وفلسطين إلى الوقف الفوري لإطلاق النار”، سبوتينك عربي، 8/10/2023، الرابط: https://tinyurl.com/3py5w557

[3] ” بكين: إسرائيل تتصرف “خارج حدود الدفاع عن النفس””، سكاي نيوز عربية، 15/10/2024، الرابط: https://tinyurl.com/48hnwdba

[4] ” الصين ترفض وصف حماس بالإرهاب”، القدس العربي، 28/10/2023، الرابط: https://tinyurl.com/4nnay9k6  

[5] ” بكين تعرب عن خيبة أملها حيال فيتو أميركا في مجلس الأمن”، 19/10/2023، الرابط: https://tinyurl.com/tvr3vkm3

[6] ” الرئيس الصيني: بكين ترغب في جلب المزيد من الاستقرار إلى الشرق الأوسط”، سبوتينك عربي، 19/10/2023، الرابط: https://tinyurl.com/a9tehk2n  

[7] “أبعاد الموقف الصيني من الحرب على غزة”، القاهرة الإخبارية، 6/11/2023، الرابط: https://tinyurl.com/49xn58h3

[8] ” الرئيس الصيني يدعو إلى «مؤتمر دولي للسلام» لحل الصراع بين إسرائيل و«حماس»”، الشرق الأوسط صحيفة العرب الأولي، 21/11/2023، الرابط: https://tinyurl.com/ynsp7wv3  

[9] ” عرض الوساطة: أبعاد الموقف الصيني من الحرب بين إسرائيل و”حماس””، إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية، 31/10/2023، الرابط: https://tinyurl.com/me728snp

[10] ” حدود الدور الصيني في الشرق الأوسط”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 11/3/2023، الرابط: https://tinyurl.com/3vt24upu

[11] ” وزير الخارجية الصيني: الحرب الإسرائيلية في غزة وصمة عار على الحضارة”، RT عربي، 7/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/2ebzh9sw

[12] “جهود الصين الدؤوبة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة”، الميادين، 30/11/2023، الرابط: https://tinyurl.com/bde3dktu

[13] “غزة والاستراتيجية الصينية”، العربي الجديد، 28/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/dat9ubwd

[14] ” عرض الوساطة: أبعاد الموقف الصيني من الحرب بين إسرائيل و”حماس””، مرجع سابق.

[15] ” إضاءات سياسية (2): الموقف الصيني من الحرب الإسرائيلية على غزة”، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 1/11/2023، الرابط: https://tinyurl.com/2dp9xkhe

[16] “أبعاد الموقف الصيني من الحرب على غزة”، مرجع سابق.

[17] “غزة والاستراتيجية الصينية”، مرجع سابق.

[18] “جهود الصين الدؤوبة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة”، مرجع سابق.

[19] “غزة والاستراتيجية الصينية”، مرجع سابق.

[20] ” إسماعيل هنية يبحث مع السفير الصيني لدى قطر سبل وقف الحرب على غزة”، الشروق، 29/2/2024، الرابط: https://tinyurl.com/3up4jm4z

[21] “هنية يبحث مع دبلوماسي صيني سبل وقف الحرب وإيصال المساعدات العاجلة لغزة”، الشروق، 18/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/yptcx4d9

[22] ” فشل مشروعي قرارين حول غزة وإسرائيل في مجلس الأمن الدولي”، أخبار الأمم المتحدة، 25/10/2023، الرابط: https://tinyurl.com/3pajmpjs  

[23] “روسيا والصين تستخدمان الفيتو ضد مشروع قرار أمريكي يؤكد أهمية وقف إطلاق النار في غزة”، أخبار الأمم المتحدة، 22/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/2s3vnv4c

[24] “أبعاد الموقف الصيني من الحرب على غزة”، مرجع سابق.

[25] “غزة والاستراتيجية الصينية”، مرجع سابق.

[26] “جهود الصين الدؤوبة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة”، مرجع سابق.

[27] ” لماذا تنحاز الصين ضد إسرائيل ولماذا سيأتي ذلك على الأرجح بنتائج عكسية؟”، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني، 29/11/2023، الرابط: https://tinyurl.com/mr3k6t7t

[28] ” خرائط بايدو وعلي بابا الصينية تظهر حدود إسرائيل دون اسمها”، الجزيرة نت، 31/10/2023، الرابط: https://tinyurl.com/29x5r9xb

[29] “حرب غزة وتصاعد الدور الصيني”، عربي بوست، 26/11/2023، الرابط: https://tinyurl.com/6k62a6ap

[30] “كيف ساهم طوفان الأقصى في تأجيج الصراع الأميركي الصيني على تطبيق تيك توك؟”، الميادين، 17/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/3jdjye8b

[31] ” 50 صوتا تحرم 170 مليون أمريكي.. “تيك توك” في مرمى غضب الكونجرس”، القاهرة الإخبارية، 8/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/mrx27d9m

[32] “حجز مكان على الطاولة: محددات المقاربة الصينية للحرب في غزة وآفاقها”، مركز الإمارات للدراسات، 2/11/2023، الرابط: https://tinyurl.com/mvr2323z

[33] ” السفارة الإسرائيلية في بكين: كنا نتوقع إدانة أقوى من الصين لحماس”، SWI عربية، 8/10/2023، الرابط: https://tinyurl.com/yt234yr6

[34] ” خيبة أمل إسرائيلية لعدم إدانة الصين حركة حماس”، الجزيرة نت، 13/10/2023، الرابط: https://tinyurl.com/ycx3ykyd

[35] “”حماس” تشيد بموقف روسيا والصين في مجلس الأمن لإفشالهما القرار الأمريكي المنحاز”، RT عربي، 25/10/2023، الرابط: https://tinyurl.com/mwab4mvp

[36] ” عرض الوساطة: أبعاد الموقف الصيني من الحرب بين إسرائيل و”حماس””، مرجع سابق.

[37] “دلالات الموقف الصيني من التصعيد في الشرق الأوسط”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 10/10/2023، الرابط: https://cutt.us/hPYhf

[38] “أبعاد الموقف الصيني من الحرب على غزة”، مرجع سابق.

[39] ” الصين وقضية فلسطين: من التضامن الثوري إلى الدعم الخطابي”، الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية، 1/9/2023، الرابط: https://tinyurl.com/ycxf7f7x

[40]  المرجع السابق.

[41] ” عرض الوساطة: أبعاد الموقف الصيني من الحرب بين إسرائيل و”حماس””، مرجع سابق.

[42] ” إضاءات سياسية (2): الموقف الصيني من الحرب الإسرائيلية على غزة”، مرجع سابق.

[43] “الصين وفلسطين… رؤية من شنغهاي”، العربي الجديد، 29/11/2023، الرابط: https://tinyurl.com/3v8bakee

[44] “حرب غزة وتصاعد الدور الصيني”، مرجع سابق.

[45] ” لماذا رفضت الصين شجب عملية “طوفان الأقصى”، وما دورها في منع صدور قرار من مجلس الأمن يدين حماس؟”، عربي بوست، 10/10/2023، الرابط: https://tinyurl.com/34bcr9s9  

[46] ” إضاءات سياسية (2): الموقف الصيني من الحرب الإسرائيلية على غزة”، مرجع سابق.

[47] “غزة والاستراتيجية الصينية”، مرجع سابق.

[48] ” إضاءات سياسية (2): الموقف الصيني من الحرب الإسرائيلية على غزة”، مرجع سابق.

[49] “حسابات بكين: كيف تعاملت الصين مع التصعيد الإسرائيلي في غزة؟”، الحائط العربي، 22/11/2023، الرابط: https://tinyurl.com/24pxez6a

[50] “كيف تعزز الحرب في غزة موقع روسيا والصين في الشرق الأوسط؟”، أسباب، 10/2023، الرابط: https://tinyurl.com/bsf9jpv3

[51] “100 يوم على طوفان الأقصى.. نقطة لبكين وهدية لموسكو”، ميدان، 14/1/2024، الرابط: https://tinyurl.com/27sdeatd

[52] المرجع السابق.

[53] “كيف تعزز الحرب في غزة موقع روسيا والصين في الشرق الأوسط؟”، مرجع سابق.

[54] ” عرض الوساطة: أبعاد الموقف الصيني من الحرب بين إسرائيل و”حماس””، مرجع سابق.

[55] “حجز مكان على الطاولة: محددات المقاربة الصينية للحرب في غزة وآفاقها”، مرجع سابق.

[56] ” عرض الوساطة: أبعاد الموقف الصيني من الحرب بين إسرائيل و”حماس””، مرجع سابق.

[57] ” فرصة أمريكية:هل تستهدف “عسكرة” البحر الأحمر النفوذ الصيني في المنطقة؟”، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 13/3/2024، الرابط: https://tinyurl.com/4pe6ym97

[58] ” الصين وقضية فلسطين: من التضامن الثوري إلى الدعم الخطابي”، مرجع سابق.

[59] “طوفان الأقصى: أين الصين؟”، العربي الجديد، 18/10/2023، الرابط: https://cutt.us/eYZHr

[60] “طوفان الأقصى: إحياء أيزنهاور وفورد واعدام ماو تسي تونغ”، العربي الجديد، 29/10/2023، الرابط: https://tinyurl.com/yc7vvr6v

[61] “دلالات الموقف الصيني من التصعيد في الشرق الأوسط”، مرجع سابق.

[62] “طوفان الأقصى: إحياء أيزنهاور وفورد واعدام ماو تسي تونغ”، مرجع سابق.

[63] ” لماذا تنحاز الصين ضد إسرائيل ولماذا سيأتي ذلك على الأرجح بنتائج عكسية؟”، مرجع سابق.

[64] “طوفان الأقصى: إحياء أيزنهاور وفورد واعدام ماو تسي تونغ”، مرجع سابق.

[65] ” حدود الدور الصيني في الشرق الأوسط”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 11/3/2023، الرابط: https://tinyurl.com/3vt24upu

[66] “غزّة والصين وتغيير النظام العالمي”، العربي الجديد، 10/2/2024، الرابط: https://tinyurl.com/yut6rscs

[67] “طوفان الأقصى: إحياء أيزنهاور وفورد واعدام ماو تسي تونغ”، مرجع سابق.

[68] “ما تأثير حرب غزة على السياسة الخارجية الصينية في الشرق الأوسط؟”، الجزيرة نت، 6/11/2023، الرابط: https://tinyurl.com/5yrjmx8b

[69] ” عرض الوساطة: أبعاد الموقف الصيني من الحرب بين إسرائيل و”حماس””، مرجع سابق.

[70] ” في خطوة نادرة.. إسرائيل تنضم لانتقادات بحق الصين في مجلس حقوق الإنسان الأممي”، RT عربي، 23/6/2021، الرابط: https://tinyurl.com/2xbyyz62  

[71] ” لماذا تنحاز الصين ضد إسرائيل ولماذا سيأتي ذلك على الأرجح بنتائج عكسية؟”، مرجع سابق.

[72] “ما وراء موقف الصين من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.. هل تقترب بكين أكثر نحو العالم الإسلامي؟”، عربي بوست، 27/10/2023، الرابط: https://tinyurl.com/53893y8k /

[73] “الصين ترفض وصف حماس بالإرهاب”، القدس العربي، 28/10/2023، الرابط:  https://tinyurl.com/4hwduhr4 /

[74] ” “تستنزف الموارد الغربية”.. كيف ترجّح الحرب على غزة توازن القوى العالمية لصالح روسيا والصين؟”، عربي بوست، 18/10/2023، الرابط: https://tinyurl.com/wsystheb  

[75] “دعم القضية الفلسطينية: سياسة الصين في الشرق الأوسط”، المرصد المصري، 22/10/2023، الرابط: https://cutt.us/Ub1ie

[76] ” الصين وقضية فلسطين: من التضامن الثوري إلى الدعم الخطابي”، مرجع سابق.

[77] “حسابات بكين: كيف تعاملت الصين مع التصعيد الإسرائيلي في غزة؟”، مرجع سابق.

[78] ” ما وراء موقف الصين من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.. هل تقترب بكين أكثر نحو العالم الإسلامي؟”، مرجع سابق.  

[79] “الصين وفلسطين… رؤية من شنغهاي”، مرجع سابق.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022