التصعيد التركي الاسرائيلي حول غزة…فرص وتحديات  التحول لمواجهة مباشرة: تقدير موقف

من التهديدات الاعلامية، إلى المقاطعة الاقتصادية، وصولا للتهديد بالتدخل العسكري، ثم الانضمام إلى دعوى جنوب افريقيا بمحكمة العدل الدولية،  تنوع مسار التصعيد التركي ضد العدوان الإسرائيلي  على قطاع غزة..

أولا:الموقف التركي من التوازن إلى الغضب:

في 15 أكتوبر الماضي، وعقب أسبوع  من العدوان الاسرائيلي، صعّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من حدة خطابه بشأن الصراع بين إسرائيل وحماس، بعد انتقادات طالته خلال الأيام الماضية على إثر وصف موقف أنقرة بالمحايد والقائم على “التوازن الحذر”.

ووصفت تقارير غربية، تصريحات أردوغان في كلمته التي ألقاها لأعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم في البرلمان، بأنها “أقوى حديث له” منذ  اندلاع الحرب الإسرائيلية…

إذ كانت تمضي الحكومة التركية في انتهاج مسار قائم على محاولة لعب دور الوسيط، دون أن تتكبد خسائر سياسية جراء مواقفها، خاصة لرغبتها في عدم تعريض التقدم بعلاقتها مع تل أبيب للخطر، وفي نفس الوقت الحفاظ على الدعم للقضية الفلسطينية.

وأدانت تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي، مقتل مدنيين في هجوم حماس، لكنها حث القوات الإسرائيلية على التصرف بـ”ضبط النفس”، ومع تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، انتقدت أنقرة بشدة قصف الجيش الإسرائيلي للقطاع.

وكان مراقبون  ارتأوا أن خطاب أردوغان “المحايد” في الأيام الماضية، عرضه لانتقادات من الجانب الفلسطيني الذي كان يطمح في مواقف أكثر قوة..

لكنهم في الوقت ذاته رجحوا أن تؤثر تلك المواقف على مسار التطبيع المحتمل بين أنقرة وتل أبيب.

وقال أردوغان “حركة حماس ليست منظمة إرهابية بل هي جماعة تحرير تقاتل لحماية الأراضي الفلسطينية والشعب الفلسطيني”.

وأضاف “أدعو القوى العالمية إلى الضغط على إسرائيل لوقف الهجمات، ونحث على الوقف الفوري لإطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية”.

وواصل : “الدموع التي يذرفها الغرب من أجل إسرائيل بـ”نوع من الاحتيال”، ويتعين إبقاء معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة مفتوحا لمرور المساعدات الإنسانية”.

“كانت لدينا خطة لزيارة إسرائيل لكنها ألغيت، لن نذهب.. لقد صافحت هذا الرجل (رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو)، كانت لدينا نوايا حسنة لكنه استغلها”.

بيد أن خطاب أردوغان أثار ردود فعل منددة من الجانب الغربي، إذ انتقد نائب رئيسة وزراء إيطاليا ماتيو سالفيني تلك التصريحات واصفا إياها “بالخطيرة ولا تساعد في خفض التصعيد”.

وسبق أن أشار موقع “المونيتور” الأميركي، إلى أن أنقرة تحاول “موازنة” موقفها بعناية في مواجهة الحرب، مع تبريد العلاقات مع حركة حماس، إذ ضربت الأزمة في وقت يسعى فيه أردوغان إلى التطبيع مع القوى الإقليمية بما في ذلك إسرائيل بعد سنوات من الخلافات الثنائية، حيث سبق وأن التقى مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الشهر الماضي، ودعاه لزيارة أنقرة.

ثانيا: محطات التوتر:

-التهديد التركي بالتدخل العسكري:

وقد وصلت التوترات بين أنقرة وتل أبيب، إلى ذروتها مع تلويح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بالتدخل ضد إسرائيل، على خطى ما قامت به بلاده تجاه دعم “قرة باغ” وليبيا، وسط حرب كلامية” بين الجانبين على خلفية الحرب في غزة.

وتصاعد السجال بين تركيا وإسرائيل إثر تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال مؤتمر لحزب الحرية والعدالة مؤخرا،  قال فيها إن بلاده كما تدخلت في “قره باغ” وليبيا، تستطيع فعل الشيء نفسه في إسرائيل، مؤكدا أن امتلاك القوة كفيل باتخاذ مثل هذه الخطوة على حد تعبيره.

وقال أردوغان، خلال مشاركته في اجتماع لفرع حزب العدالة والتنمية بولاية ريزا، “كما دخلنا (الإقليم الأذري) قره باغ وليبيا، يمكننا فعل الشيء نفسه مع هؤلاء، فلا يوجد شيء يمنع ذلك، فقط علينا أن نكون أقوياء حتى نُقدم على هذه الخطوات”.

واثار هذا التصريح ردود فعل غاضبة باسرائيل، وتوجسا عالميا ، بتساع نطاق الحرب الدائرة بالشرق الأوسط.

-تهديد إسرائيل أردوغان بمصير صدام حسين:

وعقب  تصريحات أردوغان، رد سياسيون إسرائيليون ، فقال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن الرئيس أردوغان يسير على خطى الرئيس العراقي السابق صدام حسين ويهدد بمهاجمة إسرائيل.

وأضاف كاتس أنه ينبغي عليه أن يتذكر كيف انتهى ذلك الأمر في العراق.

من جانبه، قال زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد إن الرئيس التركي يثرثر ويهذي مرة أخرى، حسب تعبيره، ويشكل خطرا على الشرق الأوسط.

وأضاف لبيد أنه يجب على العالم، وبالخصوص أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أن يدينوا بشدة ما وصفها بتهديدات أردوغان الفظيعة ضد إسرائيل، ويجبروه على إنهاء دعمه لحماس، حسب قوله.

-حروب كلامية:

وإزاء وصف اسرائيل لأردوغان بمصير الرئيس العراقي صدام حسين، قالت وزارة الخارجية التركية، الأحد 28 يوليو  الماضي، إن نهاية مرتكب الإبادة الجماعية (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو) ستكون على غرار نهاية الزعيم النازي أدولف هتلر، وفقا لوكالة الأناضول.

وفي منشور عبر منصة إكس، قالت الوزارة، إنه كيفما كانت نهاية مرتكب الإبادة الجماعية هتلر، كذلك ستكون نهاية مرتكب الإبادة الجماعية نتنياهو.

وأكدت أن الإنسانية ستقف إلى جانب الفلسطينيين، ومن يستهدفون الشعب الفلسطيني لن يستطيعوا إبادته.

وأضافت: كما حوسب النازيون مرتكبو الجرائم الجماعية كذلك سيُحاسب الذين يسعون لإبادة الفلسطينيين.

بينما أكد عمر جليك، الناطق باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، أن التهديدات التي يطلقها الإسرائيليون ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، “بحكم العدم”.

وأوضح جليك في مؤتمر صحفي، الاثنين 29 يوليو ، أنه “في كل حدث يظهر مدى الشبه بين حكومة (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو وحكومة (الزعيم النازي أدولف) هتلر”.

وأضاف أن “نتنياهو وحكومته سيحاسبون أمام القضاء بسبب جرائم الحرب التي يرتكبونها”.

وبعد تغريدة  وزير الخارجية الاسرائيلي، اشتعلت الحرب الكلامية وغزت الحسابات التركية حساب وزير الخارجية الإسرائيلي، وبدأ السجال بين الأتراك والإسرائيليين ليبلغ عدد التفاعلات على التدوينة أكثر من 22 ألف تعليق و7 ملايين مشاهدة خلال ساعات محدودة.

وقال مغردون “بكل وقاحة يهدد مجرم الحرب إسرائيل كاتس وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي الرئيس التركي بمصير صدام حسين الذي توعد بحرق نصف إسرائيل وقصف تل أبيب عام 1990”.

وهذا الأمر يفضح دور الاحتلال في إسقاط نظام صدام حسين، ويثبت “بلطجية الصهاينة”، بحسب تعبير أحدهم!

وأشار آخرون إلى أن وزير خارجية الاحتلال يبدو أنه يتناسى أن تركيا بعكس دولة الاحتلال عضو رئيسي وصاحبة ثاني أكبر قوات مسلحة داخل حلف الناتو بعد أميركا، وأقوى قوات مسلحة في الشرق الأوسط وثامن أقوى قوات مسلحة في العالم.

وسخر آخرون من تهديد وزير الخارجية الإسرائيلي لأن جيش الاحتلال يتلقى ضربات موجعة من المقاومة الفلسطينية في غزة منذ 10 أشهر، رغم أنها تمتلك إمكانات محدودة.

كذلك طالب بعض الناشطين الأتراك الرئيس أردوغان بالبدء بوضع خطة لردع الاحتلال ودعم المقاومة الفلسطينية بشكل فعلي للحد من الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق أهالي غزة.

في المقابل، طالب مدوّنون إسرائيليون الناتو بإخراج تركيا من الحلف، ومحاسبة الرئيس أردوغان على تصريحاته التي وصفوها بغير المسؤولة.

بينما رأى متابعون إسرائيليون أن رد وزير خارجيتهم بهذه التدوينة وهذا الأسلوب يزيد من عزلة تل أبيب، وأن الدبلوماسية الإسرائيلية في خطر بسبب تهور رأس الهرم فيها.

ولأن تصريحات الرئيس التركي تهمّ أهالي غزة بالمقام الأول، فقد تفاعل معها بعضهم ووصفوها بالتصريحات المهمة في بعدها السياسي، وأنه لو لم تكن كذلك لم يهاجمها الاحتلال بكل قوة، داعين الزعماء في العالم العربي والإسلامي إلى أن ينتقلوا للتفكير بهذه المنهجية، على حد تعبيرهم.

وقال غزيون إن “دورنا ومهمتنا أن نعظم الحلفاء والأنصار حول قضيتنا، ولذلك نهجنا أن نبارك كل فعل وكلمة وموقف، وأن ندعو لتعزيز ذلك والاستمرار به، وتحييد الخصوم ما استطعنا لذلك سبيلا، وفضح الأعداء وكشف المنافقين”، و”هذا منهجي في النشر والمتابعة الإعلامية”، حسب تعبير أحدهم.

بينما طالب مراقبون أردوغان بتحويل تهديداته لواقع عملي، عبر خطوات تنفيذية، وتتمثل أولا: بطرد السفير الإسرائيلي من أنقرة، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وثانيا: قطع كل أشكال التبادل التجاري مع الاحتلال، وثالثا: تقديم مساعدات إنسانية عاجلة إلى أهالي غزة.

-تصعيد تجاري تركي:

وعلى الرغم من استراتيجية النظام التركي بفصل المسارات الاقتصادية عن المسارات السياسية، في مجال العلاقات الدولية، ورغم حجم التجارة الكبير بين  الجانبين، إلا أن أردوغان اتخذ خطوات تصعيدية بالغة الخطورة، ضد اسرائيل،  لردعها عن مسارها العدواني والتصعيد العسكري ضد الفلسطينيين.

ففي ابريل الماضي، أصدرت وزارة التجارة التركية، قرارا غير مسبوق،  بفرض قيود جمركية على الصادرات التركية لتل أبيب، شمل القرار الذي مهد له وزير الخارجية التركي، حقان فيدان، 54 منتجا، قالت وزارة التجارة إنها فرضت قيودا على تصديرهم إلى إسرائيل، وإنها لن تلغيها حتى تعلن الأخيرة “وقفا فوريا لإطلاق النار بغزة وتسمح بتقديم مساعدات كافية ومتواصلة للفلسطينيين”.

وسرعان ما هددت إسرائيل باتخاذ إجراءات مضادة، حيث أوعز وزير خارجيتها، يسرائيل كاتس، للقسم الاقتصادي في وزارته بإعداد قائمة واسعة من المنتجات التي سيمنعون تركيا من تصديرها إلى إسرائيل.

وأضاف أنهم سيعملون على “حث الدول والمنظمات المؤيدة لها لوقف الاستثمارات في تركيا، ومنع استيراد المنتجات منها”، معتبرا أن الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، “يضحي بمصالح تركيا الاقتصادية لصالح حماس”.

وفي البيان الذي أدلاه الوزير التركي فيدان، أشار إلى أن الإجراءات الجديدة التي اتخذوها تتعلق بعدم سماح إسرائيل لتركيا بالمشاركة في عمليات الإنزال الجوي للمساعدات الإنسانية في غزة.

وقال إن “الإجراءات ستبقى سارية حتى تعلن إسرائيل وقف إطلاق النار وتسمح بوصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، من دون انقطاع”.

ومثل القرار صدمة تحارية، ذاتتأثير كبير على الجانب الاسرائيلي وأيضا الجانب التركي، فحسب بيانات “معهد الإحصاء التركي، احتلت إسرائيل المرتبة 13 على قائمة صادرات تركيا، بحجم تجارة بلغ 5.4 مليار دولار في عام 2023. ووفقا لبيانات “جمعية المصدرين الأتراك”، انخفضت صادرات تركيا إلى إسرائيل بنسبة 21.6% في الربع الأول من عام 2024، أي بعد شهرين من بدء الأخيرة حربها في غزة.

وبالمقارنة مع الربع نفسه من العام السابق، فقد بلغت نسبة الانخفاض حوالي 28%. وفي نفس الربع أيضا بلغت حصة الصادرات إلى إسرائيل من إجمالي الصادرات 2.06 %. وفي نفس الفترة من عام 2023، بلغ هذا المعدل 2.69%

وتشمل المنتجات المحظورة، كما أوردها بيان وزارة التجارة التركية: مقاطع الألمنيوم، أسلاك الألمنيوم، الدهانات، المقاطع النحاسية، القضبان والأسلاك، الأنابيب والتجهيزات الفولاذية، قضبان الأسلاك الفولاذية.  إضافة إلى الحاويات والخزانات الفولاذية، أجزاء الجسور الفولاذية، الأبراج الفولاذية، المقاطع الفولاذية، الأسمنت.

القائمة تضم أيضا جميع مواد البناء المصنوعة من الحديد والصلب وأسلاك الحديد والصلب، الحفارات، الكابلات الكهربائية، اللوحات الكهربائية، البلاط، كابلات الألياف الضوئية.

وتشمل حديد التسليح، آلات البناء، مواد عزل البناء، الزجاج المستخدم في البناء، المركبات الكيميائية، الأسمدة الكيماوية، الكبريت، الزيوت المعدنية، الرخام وآلات معالجة المعادن.

وفي تحليل نشره “بنك إسرائيل” في نهاية أبريل 2023، ذكر أن إسرائيل تطورت لتصبح “اقتصاد جزيرة” منفصلا عن دول الشرق الأوسط المجاورة منذ عقود. وجاء في التقرير أن تركيا هي “الاستثناء الوحيد في المنطقة”.

ووفق التحليل، زاد حجم الصادرات والواردات من تركيا وإسرائيل بشكل مطرد لمدة 10 سنوات تقريبا، وسلط الضوء على اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين التي دخلت حيز التنفيذ عام 1997.

وتشير بيانات نظام التجارة الخاصة الصادرة عن معهد الإحصاء التركي (TUIK) إلى ذلك، حيث توضح عند النظر إليها، أن صادرات تركيا إلى إسرائيل بلغت في عام 2002 (أي عندما بدأت حكومة “العدالة والتنمية”) 861.4 مليون دولار؛ ووارداتها 544.5 مليون دولار.

وفي عام 2022، ارتفعت الصادرات إلى 6.74 مليار دولار، فيما ارتفعت الواردات إلى 2.17 مليار دولار. وكان من المقرر أن تزيد هذه المعدلات بشكل إيجابي، عند إتمام مسار التطبيع.

وحسب رئيس “اتحاد الغرف التجارية”، أورئيل لين، فإنه في نهاية 2022، وصل وفد تركي كبير إلى إسرائيل مؤلف من 60 صناعيا، وأجرى هؤلاء لقاءات مميزة، ونتيجة لذلك، قرر نظراؤهم في تل أبيب إرسال وفد كبير من المشترين إلى المدن التركية.

وفي ديسمبر 2022، أرسل اتحاد الغرف التجارية الإسرائيلية ما لا يقل عن 80 مشتريا، و”كان هناك ما لا يقل عن 20 وسيلة إعلامية تركية استضافتنا في مؤتمر صحفي كبير، وكانت هناك أجواء إيجابية لا مثيل لها”، وفق لين.

وأضاف: “كان الهدف هو تشجيع المزيد من المستوردين الإسرائيليين على شراء المزيد من تركيا بدلا من الشراء من أوروبا والولايات المتحدة”.

كما أوضح أن “تركيا لديها صناعة متطورة، والأسعار ليست مرتفعة، وأسعار النقل منخفضة لأنها قريبة منا، حيث يمكن أن تصل البضائع خلال يوم واحد”.

ومع الانخفاض الشديد الحالي في حجم التبادل والقرار التركي بتقييد الصادرات لاسرائيل، أن تركيا كانت حريصة جدا على عدم المساس بالتجارة الثنائية، وإبعاد الاقتصاد عن السياسة…حتى وصل الأمر للتباين الواضح مؤخرا مع استمرار حرب الابادة ضد الفلسطينيين.. وتقول تركيا إن هذه القيود ستظل سارية حتى وقف إطلاق النار في غزة..

-تقليص الصادرات التركية لاسرائيل:

ووفقا للمعطيات الصادرة عن هيئة الإحصاء التركية، شهدت الصادرات إلى إسرائيل انخفاضا من 489 مليون دولار في أكتوبر 2022 إلى 348 مليونا في أكتوبر 2023، كما تراجعت الواردات من إسرائيل خلال الفترة ذاتها من 241 مليونا إلى 99 مليونا.

وأظهرت بيانات رسمية صادرة عن وزارة النقل التركية أنه منذ السابع من أكتوبر المنقضي، توجهت 701 سفينة تركية نحو إسرائيل، بمتوسط 8 سفن في اليوم. ومن هذا العدد، كانت 480 سفينة تتنقل بين أنقرة وإسرائيل مباشرة، بينما عبرت 221 سفينة عبر تركيا إلى إسرائيل، مما يمثل انخفاضا بنسبة 30% في الحجم الإجمالي للسفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية مقارنة بالعام الذي سبقه.

-مقاطعة شعبية تركية واسعة للمنتجات الاسرائيلية:

وترافق العدوان على غزة، والتوتر الذي أفرزه في العلاقات الثنائية، مع حملات مقاطعة شعبية متبادلة أدت إلى انخفاض التبادل التجاري بينهما -الفترة بين 7 أكتوبر و31 ديسمبر 2023- إلى حوالي 1.3 مليار دولار، بتراجع بنسبة 45% مقارنة مع العام 2022.

ومع حلول نهاية نوفمبر الماضي، كشفت تقارير إعلامية إسرائيلية أن تركيا قد استبعدت إسرائيل من قائمة الدول المستهدفة للتصدير، مما يشير إلى أن الدعم التركي للشركات التي تقيم تعاملات تجارية مع تل أبيب قد يتوقف.

-تهديد اسرائيلي بوقف اتفاقية التجارة الحرة:

ويدخل التصعيد الاقتصادي بين تركيا وإسرائيل مرحلة جديدة بإعلان وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموترييش أنه بصدد إلغاء اتفاقية “التجارة الحرة”، وفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 100% على البضائع المستوردة من تركيا.

وبينما توضع خطوته كرد فعل على ما اتخذته تركيا مؤخرا، بعدما أغلقت أبواب التجارة باتجاه إسرائيل بشكل كامل …

وتثار تساؤلات عما سيسفر عنه الإجراء الذي يهدد سموتريتش بتطبيقه في الأيام المقبلة.

وحسبما ذكرت وسائل إعلام عبرية ، قدم الوزير الإسرائيلي خطة إلغاء اتفاقية التجارة الحرة إلى الحكومة من أجل الموافقة عليها.

وأوضح من جانب آخر، وفق تقرير لوكالة “رويترز” أن الرسوم الجمركية الإضافية “ستظل سارية طالما بقي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في السلطة”.

ومع ذلك، اعتبرت وسائل إعلام تركية أن الخطوة الإسرائيلية كانت متوقعة، كونها جاءت في أعقاب إعلان إردوغان إغلاق أبواب التجارة مع إسرائيل “بافتراض أن حجم التبادلات المحدد بـ9 مليارات دولار غير موجود…

وتلى الاجراءت التركية، اعلان المالية الإسرائيلية إلغاء اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، وفرض رسوم جمركية على البضائع التركية بـ100%..

وتشكل اتفاقية التجارة الحرة التي تم توقيعها بين إسرائيل وتركيا عام 1996 “أساس العلاقات التجارية المزدهرة بين الجانبين”، كما توضح خبيرة السياسة الخارجية التركية في معهد “دراسات الأمن القومي” بجامعة تل أبيب، غاليا ليندنشتراوس.

ويقول المختصون إن “إسرائيل ومن خلال فرض الرسوم الجمركية ستعاقب مواطنيها”..

فأالموقف الذي تم التوصل إليه بين دولتين لديهما اتفاقية تجارة حرة ولكنهما يقومان بإلغائها دون الإشعار المسبق المطلوب يشكل “سابقة مثيرة للقلق بالنسبة للنظام الليبرالي”، على حد اعتقاد الباحثة الإسرائيلية، غاليا ليندنشتراوس.

ويوضح الباحث المختص بالشأن التركي، محمود علوش أن “هناك أثمانا اقتصادية سيتعين على تركيا أن تدفعها جراء تعليق النشاط التجاري مع إسرائيل”.

لكنه يقول في المقابل لموقع “الحرة” إن “حجم هذه الأثمان يتوقف في النهاية على الفترة والكيفية التي ستنتهي بها الحرب، وعلى قدرة أنقرة وتل أبيب في إدارة الأزمة بينهما ومنع وصولها إلى نقطة اللاعودة”.

وتتجاوز قيمة الصادرات التركية لإسرائيل بكثير حجم وارداتها منها، “ما يجعلها الأكثر تضررا من هذه المواجهة الاقتصادية”.

لكن وكما يضيف الباحث التركي “صمم إردوغان الضغط الاقتصادي كوسيلة أقل تكلفة على تركيا من المخاطرة بانهيار جديد للعلاقات الدبلوماسية”.

وحتى الآن ما تزال تركيا تسعى للحفاظ على هامش يتيح لها المناورة بشكل مناسب للحد من آثار الحرب على علاقاتها مع إسرائيل.

ويعتقد الباحث أن الإسرائيليين في المقابل يفضلون أيضا “إدارة الأزمة مع أنقرة بدلا من جعلها مكلفة للغاية على علاقات البلدين في المستقبل، وسيسعون لموازنة ردهم الاقتصادي على أنقرة”.

وكانت إسرائيل احتلت المرتبة 13 على قائمة صادرات تركيا، بحجم تجارة بلغ 5.4 مليار دولار في عام 2023، حسب البيانات التي يتيحها “معهد الإحصاء التركي”..

وفي المقابل تشير بيانات “جمعية المصدرين الأتراك” إلى أن صادرات تركيا إلى إسرائيل انخفضت بنسبة 21.6 %  في الربع الأول من عام 2024، أي بعد شهرين من بدء الأخيرة حربها في غزة.

وبالمقارنة مع الربع نفسه من العام السابق، فقد بلغت نسبة الانخفاض حوالي 28%. وفي نفس الربع أيضا بلغت حصة الصادرات إلى إسرائيل من إجمالي الصادرات 2.06 %. وفي نفس الفترة من عام 2023، بلغ هذا المعدل 2.69%.

ويورد الموقع الرسمي لوزارة التجارة التركية أنه تم التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا وإسرائيل في 14 مارس عام 1996 في القدس، ودخلت حيز التنفيذ في 1 مايو 1997.

وبالإضافة إلى إلغاء التعريفات الجمركية تنظم الاتفاقية العديد من المجالات مثل التدابير الصحية والصحة النباتية والضرائب الداخلية وميزان المدفوعات.

كما تنظم مسار المشتريات العامة، والمساعدات الحكومية، وحقوق الملكية الفكرية، ومكافحة الإغراق، وتدابير وقواعد الحماية من المنشأ.

وبالنسبة للمنتجات الصناعية فقد تم إلغاء جميع الرسوم الجمركية والرسوم ذات الأثر المماثل اعتبارا 1 يناير عام 2000.

وبحلول عام 2007، تم توسيع الاتفاقية بشكل أكبر لتشمل كمية كبيرة من المنتجات الزراعية، بما في ذلك البيض والخضروات والطماطم المجففة ومركزات القهوة والعصائر المختلفة والبيرة وأنواع عديدة من المكسرات.

موقع “التجارة التركية” يوضح أيضا أن تركيا أبرمت حتى الآن اتفاقيات تجارة حرة مع 38 دولة، بينما تم إلغاء 11 منها بسبب انضمام الدول الموقعة معها إلى الاتحاد الأوروبي.

ويوجد حاليا في تركيا 23 اتفاقية تجارة حرة سارية، بينها مع إسرائيل ومقدونيا والبوسنة والهرسك وتونس والمغرب ومصر وألبانيا والمملكة المتحدة وفنزويلا وسنغافورة.

-مذكرة احتجاج تركية للكونجرس الأمريكي بعد خطاب نتانياهو:

وبعد كلمة ناتنياهو الأخيرة في الكونغرس الأميركي، خلال زيارته لواشنطن،  أصدرت الجمعية العامة للبرلمان التركي ، مذكرة تصف الخطاب بأنه “وصمة عار”.

وأكدت المذكرة أن نتنياهو نقل الاحتلال الظالم المستمر منذ عقود والانتهاكات الجسيمة للقانون في فلسطين إلى مستوى غير مسبوق، من خلال حملة تطهير عرقي وحشية في غزة، وأن خطابه في الكونغرس “دخل التاريخ باعتباره وصمة عار”. وقالت: “نحن في مجلس الأمة التركي الكبير (البرلمان)، نعلن أننا قابلنا بكل أسف هذا العار الديمقراطي”.

وأكدت أنه “من المؤسف أن تصبح مؤسسة ديمقراطية أداة لاستعراض مليء بالأكاذيب يمنح القوة والشجاعة لمرتكبي الجرائم الكبرى ضد الإنسانية، بدلًا من كبح جماح العدوان الإسرائيلي الذي لا حدود له”.

وأردفت: “المكان الذي سيتحدث فيه مجرمو الحرب ليس منابر البرلمانات، بل قفص الاتهام في المحاكم الدولية”.

ومؤخرا، ألقى نتنياهو خطابًا أمام الكونغرس الأميركي استمر نحو ساعة، زعم فيه أن إسرائيل “لم تقتل أي مدني تقريبًا” بمدينة رفح، وسط احتجاجات ضخمة لآلاف المؤيدين لفلسطين في شوارع واشنطن مطالبين بإنهاء العدوان على قطاع غزة، ووقف تسليح إسرائيل.

-انضمام تركيا لدعوى جنوب افريقيا الدولية ضد اسرائيل:

وفي تصعيد لافت ضد اسرائيل، أعلنت تركيا في 7 أغسطس 2024، تقديمها طلبا للانضمام إلى قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية.

ويحق لتركيا تقديم بيان للانضمام إلى القضية، لأنها طرف في “اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها”، التي اعتمدتها الأمم المتحدة عام 1948.

وفي 29 ديسمبر 2023، تقدمت جنوب إفريقيا بدعوى من 84 صفحة، تعرض خلالها دلائل على انتهاك إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال لالتزاماتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وتورطها في “ارتكاب أعمال إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة”.

وحددت المحكمة 28 أكتوبر 2024 موعدا نهائيا لجنوب افريقيا،  من أجل تقديم رأيها في القضية، كما تم تحديد الموعد النهائي لإسرائيل لتقديم وجهة نظرها المعارضة في 28 يوليو 2025.

وتكون وفد تركيا إلى المحكمة من السفير سلجوق أونال، ونائب حزب العدالة والتنمية في إسطنبول جنيد يوكسل، ورئيس اللجنة البرلمانية المشتركة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، ونائب حزب العدالة والتنمية في إسطنبول إسماعيل إمراه كارايل، وعضو اللجنة الدستورية في البرلمان جاهد أوزكان.

وسلموا جميعهم بيان انضمام تركيا إلى قضية الإبادة الجماعية المرفوعة ضد إسرائيل إلى هيئة محكمة العدل الدولية.

وبذلك، تصبح تركيا الدولة السابعة التي تقدم بيان انضمام في قضية الإبادة الجماعية بين جنوب إفريقيا وإسرائيل أمام محكمة العدل الدولية. وذلك بعد نيكاراغوا وكولومبيا وليبيا والمكسيك وفلسطين وإسبانيا. ورغم ذلك، تبرز تركيا باعتبارها أهم دولة إقليمية قدمت إعلان تدخل حتى الآن، وفق مراقبين.

وقبل تقديم تركيا لبيانها في المحكمة، قدم السفير التركي لدى لاهاي، أونال، ونائب حزب العدالة والتنمية في اسطنبول، يوكسل، بيانا أمام الصحفيين. مشيرا إلى دعم بلاده للقضية الفلسطينية، قال يوكسل: “تعلن تركيا مرة أخرى للعالم بصوت عال وجريء أنها تقف إلى جانب القانون الدولي القائم على القوانين وأنها ضد الإبادة الجماعية وأنها تدافع عن حقوق الإنسان، وذلك في أعلى هيئة قضائية للأمم المتحدة، والتي نسميها محكمة العالم (UAD)”.

وأوضح يوكسل أنهم عملوا بدقة كفريق قانوني من البرلمان التركي منذ اللحظة التي اتخذ فيها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قرار التدخل. لافتا إلى أنهم أكملوا هذا العمل بالتعاون مع وزارتي الخارجية والعدل وفريق قانوني من الخبراء الدوليين.

وفي إشارة إلى أن تركيا تتابع القضية عن كثب منذ البداية، قال أونال: “اتُّخذت 3 قرارات قضائية مؤقتة، ولكن للأسف رأينا جميعا على أرض الواقع أن إسرائيل لم تمتثل لأي منها. ونحن ندرك جديا مدى تفاقم هذه الكارثة.

كما صرح رئيس البرلمان التركي نعمان قورتولموش، أن “تقديم تركيا بيان انضمامها إلى قضية الإبادة الجماعية المرفوعة ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية يُعد خطوة ملموسة وتاريخية لمستقبل القضية الفلسطينية”.

وتابع: “سنواصل عملنا لضمان محاكمة إسرائيل أمام المحكمة الدولية بتهمة ارتكاب الإبادة الجماعية، بالإضافة إلى محاكمة نتنياهو وعصابته لينالوا أقسى عقوبة يستحقونها على الجرائم التي ارتكبوها”.

-تصعيد دبلوماسي متدرج:

وتميز الموقف التركي من العدوان الإسرائيلي على غزة بأنه موقف متدحرج، إذ بدأ بمقاربة دبلوماسية حذرة، ليتطور في ظل فظائع الجرائم الإسرائيلية وما أنتجته من ضغط داخلي متزايد إلى حالة صدامية حذرة صارت أكثر اندفاعًا مع مرور الوقت.

فعلى الصعيد الدبلوماسي قررت تركيا استدعاء السفير التركي في تل أبيب للتشاور، وإلغاء زيارات رسمية وخطط تعاون مع «إسرائيل».

ترافق هذا الموقف الدبلوماسي مع صدامية خطابية انطوت على محورين بارزين، الأول هو الدفاع المتكرر عن حركة المقاومة الإسلامية «حماس» بوصفها حركة تحرر وطني، والثاني هو الهجوم على «إسرائيل» ووصفها بأنها دولة إرهابية. وقد وصل الأمر إلى هجوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، واصفًا إياه وأفعاله في غزة بأنها أفظع من أفعال الزعيم النازي أدولف هتلر. لكن، ورغم هذه الصدامية على المستوى الخطابي والدبلوماسي، ظل سؤال غياب الاقتصاد عن معادلة السياسة في العلاقات بين الطرفين يتردد بقوة.

إلى أن جاء قرار وقف تصدير العديد من المنتحات التركية إلى اسرائيل…

ثالثا: دوافع التصعيد التركي ضد إسرائيل:

ويمكن استنتاج عدة دوافع للمواقف التركية المتصاعدة ضد اسرائيل، إلى جانب المأساة الانسانية المتصاعدة في غزة، والتي باتت تفوق حدود العقل والمتصور انسانيا…هناك عدة دوافع أبرزها:

-محاولات المعارضة المزايدة على أردوغان بورقة العلاقات مع اسرائيل:

إذ صارت قضية التجارة مع «إسرائيل» واحدة من أكثر القضايا جدلًا في الداخل التركي في الأشهر الأخيرة حتى تحولت إلى ما يمكن وصفه بجبهة صدام جديدة بين الخصوم التقليديين على المستويات الشعبية والحزبية. وبمعزلٍ عن دوافع الجدل، سواء كانت من أجل نصرة فلسطين فعلًا أو لمجرد المزايدة على الخصوم الداخليين، تصاعدت بعض المطالب الشعبية والحزبية الداعية لاتخاذ خطوات عملية تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة، فيما يرى كثيرون أن ملف التجارة مع «إسرائيل» هو اختبار عملي لمصداقية حزب العدالة والتنمية تجاه القضية الفلسطينية. إذ تعتبر شريحة ملحوظة أن هناك تناقضًا كبيرًا بين الخطاب الاعلامي ، الذي تبناه أردوغان في الملف الفلسطيني واستمرار التجارة مع «إسرائيل»، ما عزز الاتهامات الموجهة إليه بالتضارب بين القول والفعل الرسمي.

وفي هذا السياق، صار هذا الملف مادة أساسية للعديد من الأحزاب في البرلمان للهجوم على العدالة والتنمية ومقاربته. مثالُ ذلك النائب عن حزب السعادة، حسن بيتمز، الذي توفي على منصة البرلمان بينما كان يهاجم «إسرائيل» والعلاقات معها متهمًا حزب العدالة والتنمية بالشراكة في الجريمة بسبب استمرار التجارة. وقد تقدم حزب السعادة أيضًا بمقترح برلماني لإخضاع البضائع التركية المصدرة إلى «إسرائيل» إلى آلية تقييم دقيق للبحث في كمية ونوع هذه البضائع ودخولها المباشر من عدمه في الصناعات العسكرية التي لها علاقة بالحرب على غزة. لكن تحالف السلطة المكون من نواب حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية أسقط هذا المقترح، ما عمّق حالة الهجوم على العدالة والتنمية في ملف التجارة مع «إسرائيل» بشكل خاص، وموقفه من فلسطين بشكل عام.

وحرص “العدالة والتنمية” على دعم حملة المقاطعة الشعبية ضد «إسرائيل» إلى درجة مشاركة بلدياته ومؤسسات أخرى مقربة منه فيها، لكن هذه المقاطعة لم تمتد إلى المستوى الحكومي الرسمي ما خلق حالة تناقض لافتة. وفي هذا السياق، وبينما كان يحشد العدالة والتنمية حلفاءه وقواعده لمظاهرات كبيرة تحت عنوان دعم فلسطين، ركزت المعارضة على استغلال ملف السفن واستمرار التجارة للطعن في مصداقية الرئيس أردوغان وحكومته. مثلًا اعتبر زعيم أكبر أحزاب المعارضة، حزب الشعب الجمهوري، أن المظاهرات الداعمة لفلسطين أمر صحيح لكن قيام السلطة بها «أمر مضحك»، مطالبًا الحزب الحاكم باتخاذ إجراءات عملية، قائلًا إنه بينما يدين العدالة والتنمية «إسرائيل» في مظاهراته تستمر سفن التجارة معها بالإبحار.

وقد صارت حملات قواعد العدالة والتنمية ضد علامات تجارية داعمة لـ«إسرائيل» محلّ تندرٍ من المعارضة على المستوى الشعبي والحزبي على اعتبار أن «القهوة أو الكولا لا تقتل الأطفال، بل الأسلحة المصنوعة من الصلب المصدر من تركيا هي من قتلت آلاف الأطفال» كما صرح بذلك أحد النواب عن حزب الشعب الجمهوري. وقد انتقد الحزب الجيد على لسان العديد من قادته هتافاتٍ أطلقت في مظاهرات المحافظين الداعمة لفلسطين تدعو الجيش التركي إلى التدخل في غزة، من ذلك ما أشار له نائب رئيس المجموعة البرلمانية للحزب الجيد من أن ناقلات النفط تنطلق من مدينة أضنة التركية إلى «إسرائيل» لتزويدها باحتياجاتها من الطاقة، معتبرًا أن المطالبين بذهاب الجيش التركي إلى غزة يجب عليهم أولًا إيقاف تدفق النفط إلى «إسرائيل» إن كانوا صادقين.

يمكن القول بسهولة -وبمعزلٍ عن النوايا- إن المعارضة التركية بمختلف توجهاتها وجدت في ملف التجارة مع «إسرائيل» مخرجًا سياسيًا ضد توظيف العدالة والتنمية للملف الفلسطيني في الداخل التركي. إذ تسعى المعارضة إلى استخدام هذا الملف بشكل فعال لسلب أردوغان ورقة دعم غزة التي يوظفها بكثرة للحشد والتعبئة خاصة عبر هجومه المزدوج على «إسرائيل» وجرائمها وعلى بعض أحزاب المعارضة التركية التي تهاجم حماس وتتّهمها بالإرهاب مثل حزبي الشعب الجمهوري والجيد. من المهم الإشارة في هذا السياق إلى أن أردوغان وحلفاءه تجاهلوا هجمات المعارضة باستخدام ملف التجارة، مع اكتفاء الوزارات المعنية بتصريحات عن انخفاض وتيرتها. وبذلك أصبح ملف التجارة مع «إسرائيل» -والعدوان على غزة نفسه- ملف مزايدات شعبوية على طاولة السياسة الداخلية..

-السجالات الانتخابية ضد أردوغان:

وجاءت خطوات التصعيد  التركية،  تماشيا مع  عدة ظروف داخلية، متعلقة بمواقف القوى السياسية التركية، المنتقدة لاستمرار العلاقات التجارية والاقتصادية  بين تركيا واسرائيل..

فعلى مدى الأشهر الماضية وقبل أن تنظم تركيا انتخابات البلديات في 31 مارس الماضي، تعرضت الحكومة لانتقادات متواصلة لعدم قطعها عمليات التبادل التجاري مع إسرائيل، احتجاجا على ما تقوم به الأخيرة في غزة.

وبعدما وصلت إثارة تلك القضية إلى مستويات عالية قبل الانتخابات بأيام وخلال يوم تنظيمها، وضعها إردوغان كسبب من مجموعة أسباب كانت وراء خسارة شعبية حزبه “العدالة والتنمية” في الكثير من البلديات.

وكان حليف إردوغان السابق، زعيم حزب “الرفاه من جديد”، فاتح إربكان، قد حدد التحالف معه بشروط منها “طرد السفير الإسرائيلي والوقف الكامل للتجارة مع إسرائيل”.

لكن ذلك لم يتحقق، مما دفع إربكان لخوض المنافسة منفردا قبل أسبوعين، الأمر الذي انعكس على القاعدة التصويتية للحزب الحاكم وعزوف الناخبين باتجاه صناديق أخرى.

-دعم عربي لموقف  فلسطين:

ويأتي  تطور موقف أردوغان تجاه الحرب في غزة، بعد سلسلة من المحادثات والاتصالات التي أجرتها الحكومة التركية مع دول مختلفة بالمنطقة خاصة مصر والسعودية وقطر.

ووفق خبراء أتراك، فإن “أردوغان وحكومته صعدوا حدة خطابهم تجاه ما يجري نظرًا لوجود دعم عربي للجانب الفلسطيني ومحاولة غربية للسماح بمزيد من العمليات العسكرية في غزة، ولا يريد أن يكون متأخراً عن الموقف الإقليمي الرافض مباشرة لما يجري”.

رابعا: دلالات التصعيد:

-توتر العلاقات المتبادلة:

وتتدهور العلاقات بين إسرائيل وتركيا منذ أكثر من عقد بعد أن كانا ذات يوم حليفين إقليميين مقربين..

وتأتي تصريحات الرئيس التركي، كجولة جديدة من جولات التلاسن بين أنقرة وتل أبيب، في أعقاب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة،

-غضب تركي من تصاعد الجرائم الاسرائيلية  ضد غزة:

وتوترت العلاقات بين تركيا وإسرائيل بسبب الحرب التي تشنها تل أبيب على غزة، لكن لم يسبق للرئيس التركي أن لوح بتدخل مباشر في الصراع الذي اندلع في أكتوبر الماضي.

ووسط جهود سابقة لتحسين العلاقات بين تركيا وإسرائيل بعد سنوات من التوتر، التقى أردوغان بنتنياهو في سبتمبر الماضي، للمرة الأولى منذ سنوات، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

وعادة ما يتلاسن أردوغان ومسؤولون إسرائيلين بالتصريحات والمواقف..

وعلى وقع الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، وقتلت ما يربو إلى 40 ألف فلسطيني، جاءت الواقف التركية متسارعة، في محاولة للوصولإلى مرحلة ردع سياسي، لنتانياهو، ما زال بعيد المنال…

خامسا: أهداف التصعيد التركي:

-تقديم دعم عسكري لحماس:

ووفق تقديرت استراتيجة لخبراء دوليين، قد يفتح  التصعيد التركي احتمالات “تمويل” بالسلاح للفصائل الفلسطينية، على غرار ما قامت به أنقرة من دعم مسلح لقرة باغ وليبيا، غير أنهم يشيرون إلى صعوبة ترجمة ذلك على أرض الواقع.

-ايجاد دعم دولي لحماس:

فيما تذهب تقديرت إلى أن توقيت إطلاق تصريحات أردوغان، مرتبط بـ”حرب كلامية” مع تل أبيب،  في محاولات تركية لدفع المجتمع الدولي لممارسة ضغوط لوقف الحرب بغزة..

وتحمل تلك التصريحات خلافا عميقا،  بين أنقرة وتل أبيب، كما تهدف خارجيا إلى ممارسة ضغوط عليها للقبول باتفاق الهدنة المتعثر من شهور بسبب عراقيل إسرائيلية.

ومن قبل التصعيد الأخير، جاءت خطوات اردوغان بفرض تقييد تجاري على الصادرات التركية لاسرائيل، من أجل خلق دعم انساني وسياسي لغزة..

وتعد الاجراءات التركية تدبيرا قسريا يهدف إلى تحفيز الحوار البناء واتخاذ الإجراءات اللازمة للتخفيف من محنة الشعب الفلسطيني..

وضمن مستدفات  المواقف  التركية، توسيع الدور التركي في دعم المساعدات الإنسانية إلى غزة، في خطوة محورية نحو تخفيف المعاناة، فضلا عن الوقف النهائي للأعمال العدائية، الذي يمثل الهدف الأسمى..

وؤكد أيضا المواقف التركية، اتباع النظام نهج متعدد الأوجه لا يهدف إلى معالجة الشواغل الإنسانية المباشرة فحسب، بل أيضا إلى تهيئة بيئة مواتية لإحراز تقدم دبلوماسي ملموس نحو حل دائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني…

-خلق شعبية  داخلية لأردوغان:

ويقدر البعض أن  أردوغان يريد تحقيق مكاسب داخلية لإعادة شعبية حزب العدالة والتنمية التركي من جهة أخرى. وقد جاءت تصريحات أردوغان خلال  لقاء مع حزبه “العدالة والتنمية”، والذي كان قد مني بخسارة انتخابية مؤخرا، في الانتخابات البلدية، في عقر داره..وهو ما  أرجعه خبراء سابق، في سياسات أردوغان المائعة في بعض الملفات الحيوية، داخل التيار الاسلامي وحزب العدالة والتنمية، كالموقف ن اسرائيل، إذ أن العلاقات التركية مع اسرائيل في ظل حكم أردوغان، اتسمت بالالبرود، دون تصعيد مرضي للشارع التركي المؤيد لفسطين..أو ما يطلق عليه خبرراء، بأنها علاقات في دائرة الصداقة بطعم العداوة!!!

سادسا: تداعيات التصعيد::

دحول الخلافات دائرة المواجهة:

وقد أشعل التلويح التركي بالتدخل ضد إسرائيل، “حربا كلامية” جديدة بين تل أبيب وأنقرة، في ظل توتر العلاقات بينهما على خلفية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المستمرة منذ 10 أشهر..

وتعالت التصريحات بعيدا ع اللغة الدبلوماسية، بتوجيه وزير خارجية الكيان الاتهامات لتركيا وللرئيس أردوغان..فيما حذرت تركيا، الإثنين 29 يوليو ، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من مصير الزعيم النازي أدولف هتلر…

وندّدت الخارجية التركية بما وصفتها بـ”الأكاذيب والافتراءات” الإسرائيلية و”أنشطتها القذرة” على خلفية اتهامات وجهها كاتس لتركيا بـ”توفير السلاح والمال إلى حماس

وكان كاتس اتهم أردوغان في تغريدة عبر “إكس بـ”توفير أسلحة وأموال لحركة حماس لقتل الإسرائيليين”، وقال إن أجهزة أمنية إسرائيلية فككت “خلايا إرهابية” كانت تتلقى الأوامر من “مقر حماس في تركيا”.

ويهدد عودة التراشق بين أنقرة وتل أبيب، المتواصلة منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، بمواجهات مباشرة، سواء عبر مواجهة عسكرية، أو أعمال مخابراتية مضادة، أو أعمال عدائية في الخببفيات الجغرافية لكلا الدولتين، في الامتدادات الجيوسيسية للبلدين..

ومن جهة ثانية،  قد يفتح  التصعيد والضغوط التركية، على حلفاء اسرائيل لوقف الحرب الممتدة منذ 10 أشهر..

ويوضح الباحث الاقتصادي التركي في مركز “سيتا”، دينيز استقبال، أن سياسة بلاده تجاه القضية الفلسطينية “منسوجة بشكل معقد” مع السعي لإنهاء الصراع الدائم والدعوة إلى حل الدولتين القابل للحياة.

-تغيير معادلات التوازن الاستراتيجي بالمنطقة:

ويؤكد فرض الحظر التجاري مؤخرا على إسرائيل “التزام تركيا بتعزيز السلام في المنطقة وتسهيل وقف إطلاق النار المستدام”، وفق استقبال.

ويقول لموقع “الحرة”: “رغم أن حجم التجارة الثنائية بين إسرائيل وتركيا يصل إلى 7 مليارات دولار، وهو رقم لا يعتبر كبيرا في المخطط الكبير لأي من الدولتين، فمن الضروري أن ندرك أن المعاملات الاقتصادية لا تملي فقط جوهر العلاقة بينهما”.

وفي هذا السياق، يحمل مسار العلاقات الإسرائيلية التركية إمكانية النمو والتعزيز، “لا سيما في بيئة تصبح فيها المعاملة الإنسانية تجاه غزة هي القاعدة”، حسب استقبال.

-امتصاص غضب الشارع التركي:

وتشهد الساحة التركية تصاعدا في حدة الانتقادات الموجّهة للحكومة، حيث نظمت عدة أحزاب سياسية ومنظمات إنسانية اعتصامات ووقفات احتجاجية مطالبين بتعليق فوري لتصدير البضائع إلى إسرائيل.

وكان عدد من المواطنين اتخذ خطوة جريئة باعتراض طريق وزير العمل وداد إشيق هان،  في مارس الماضي، مطالبين بقطع العلاقات التجارية مع إسرائيل وداعين إلى إغلاق الموانئ أمام سفنها كإجراء ضاغط.

كما نظمت مجموعة من المواطنين مظاهرة أمام مقر “زورلو” القابضة، وهي إحدى أبرز الشركات الاستثمارية في تركيا العاملة في مجال الطاقة ذات الحضور القوي بإسرائيل، والمقدرة استثماراتها هناك بما يزيد على مليار دولار.

وطالب الأتراك حكومتهم باتخاذ إجراءات صارمة ضد هذه الشركة، ودعوا إلى إغلاقها أو الضغط عليها لقطع علاقاتها التجارية مع إسرائيل.

-صعوبة التدخل العسكري التركي لدعم الفصائل الفلسطينية:

ويرى خبراء أن توجيه تركيا الدعم العسكري لقرة باغ وليبيا، مختلف تماما عن الفصائل الفلسطينية، إذ إنهما دولتان قائمتان وطلبتا مساعدة من أنقرة التي تحركت في هذا الصدد ، أما في حالة الفصائل الفلسطينية فالأمر مختلف وصعب تحقيقه على أرض الواقع.

كما  أن تل أبيب قد تحاول الضغط أكثر على أنقرة اقتصاديا عبر مطالبات لدول أوروبية بتقليل التعاون مع تركيا، أو بطلب دعم من حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية.

كما يبدو من المشهد أن واشنطن لن تسمح للجانبين، بتجاوز حدود الخلافات السياسية إلى المواجهة العسكرية، في ظل توترات الأوضاع مع ايران ..

إلا أن أنقرة ستستخدم وسائل ضغط مختلفة، تتراوح بين الضغوط الاقتصادية وتعكيل خطوط الطاقة من وإلى اسرائيل، الممتدة نحو القوقاز وغيرها من مناطق التماس…

وتقوم تركيا إلى جانب العلاقات الاقتصادية مع اسرائيل، بدور كبير في توفير موارد الطاقة من وسط آسيا إلى أوروبا، ولذلك فإن تحركه ضد نقل دول أخرى (أذربيجان وكازاخستان) للنفط إلى «إسرائيل»، بعد موافقته على ذلك لسنوات، خطوة ستؤثر سلبًا على أطروحة «ممر الطاقة الآمن» التي يتبناها. إضافة إلى ذلك، تُعتبر العلاقة الاقتصادية بين الطرفين علاقة راسخة واستراتيجية على مستوى القطاع الخاص بحيث يمكن القول إن هناك شبكة مصالح متشابكة، مكونة من مستثمرين وشركات من الجانبين، تمتلك علاقات سياسية قوية وتحيط العلاقات التجارية بحصانة ملحوظة تمنع تأثرها بشكل جوهري بالمستجدات السياسية المختلفة.

قد تعاني العلاقات التجارية والاقتصادية بين تركيا و«إسرائيل» تراجعًا على هامش حملات المقاطعة الشعبية المستمرة، إلا أن ذلك لن يؤثر على جوهر هذه العلاقات وثقلها في ظل استمرار السياسة الرسمية المتبادلة بالفصل بين الاقتصاد والسياسة.

……………

مراجع:

الجزيرة، بعد تلويحه بالتدخل عسكريا.. إسرائيل تذكر أردوغان بمصير صدام وأنقرة تذكرها بنهاية هتلر، 29/7/2024

سكاي نيوز عربية،  تهديدات أردوغان لإسرائيل.. هل يمكن تحقيقها على أرض الواقع؟، 29 يوليو 2024

DW ، ردا على تهديد بلاده.. وزير إسرائيلي يذّكر أردوغان بمصير صدام، 29يوليو ٢٠٢٤

الجزيرة، معركة تغريدات بين الأتراك والإسرائيليين بعد تصريحات لأردوغان، 29/7/2024

الحرة، بعد تهديد إردوغان بـ”دخول” إسرائيل.. ماذا طلب كاتس من “الناتو”؟، 29 يوليو 2024

القدس، بعد تهديدات أردوغان بغزو إسرائيل.. وزير إسرائيلي يطالب حلف الأطلسي بطرد تركيا من عضويته ورئيس جمهورية شمال قبرص يدين تصريحات كاتس “الدنيئة” ضد الرئيس التركي، 29 يوليو 2024

TRT عربي،  ألطون: من يتجرؤون على تهديد أردوغان عليهم تحمل مسؤولية ما سيحلّ بهم، 29 يوليو 2024

الأناضول، “نهاية هتلر” و”مصير صدام حسين”.. تلاسن جديد بين أردوغان وإسرائيل، 29 يوليو 2024

موقع الحرة، بعد أن كسرت تركيا “القاعدة الثابتة” مع إسرائيل.. لمن ترجح كفة الميزان؟، 11 أبريل 2024

الجزيرة، استمرار التبادل التجاري مع إسرائيل يُغضب الشارع التركي، 5/3/2024

الجزيرة، ماذا لو ألغيت اتفاقية “التجارة الحرة” بين تركيا وإسرائيل؟،17 مايو 2024

موقع الدفاع العربي، تركيا تقرر توقيف عملياتها التجارية مع إسرائيل، 2 مايو 2024

التلفزيون العربي، بعد تهديد أردوغان الأخير.. التوتر التركي الإسرائيلي يصل ذروته، 29 يوليو 2024

سكاي نيوز، لماذا صعد أردوغان حدة خطابه ضد إسرائيل؟،  25 أكتوبر 2023

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022