مؤخراً امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي في بالحديث عن مشكلة الدواء التي ازداد تفاقمها بشكل متسارع في الآونة الأخيرة، وتكمن مشكلة أزمة الدواء في أنها تمس المواطنين بشكل مباشر ويرى الجميع أثرها في حياتهم اليومية. في هذا التقرير نكشف بعض الحقائق المتعلقة بأزمة الدواء في مصر.
منشورات سوشيال عن الأزمة
أزمة الدواء المستمرة في مصر خرجت عن السيطرة منذ أوائل عام 2023، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى سوء إدارة الحكومة للمشاكل الاقتصادية، لا سيما النقص الحاد في العملة الأجنبية الضرورية لاستيراد الأدوية والمواد الخام. تدهورت الأوضاع بشكل حاد بحلول فبراير 2024، حيث أصبحت الأدوية الأساسية للحالات المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم نادرة بشكل حرج، مما ترك العديد من المرضى في خطر.
لم تعترف الحكومة المصرية بوجود الأزمة إلا في يوليو 2024، بعد شهور من تدهور الأوضاع. توجيهات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي المتأخرة لمعالجة النقص تبدو أشبه بمحاولة يائسة لإنقاذ نظام ينهار بالفعل أكثر من كونها حلاً حقيقيًا.
ويرجع المحللون أزمة الدواء في مصر إلى أسباب مختلفة:
أزمة العملة
في أوائل عام 2023، واجهت مصر صعوبة متزايدة في تأمين العملة الصعبة الضرورية لاستيراد السلع الأساسية، بما في ذلك الأدوية والغذاء. هذه الأزمة انعكست على قيمة الجنيه المصري، حيث بدأ يفقد قيمته أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى. نتيجة لذلك، شهدت مصر سلسلة من التخفيضات في قيمة الجنيه.
بحلول منتصف عام 2023، كانت قيمة الجنيه قد انخفضت بشكل كبير، مما أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار السلع المستوردة وزيادة التضخم بشكل عام. وفي محاولة لاحتواء الوضع، قامت الحكومة المصرية بتشديد السياسات المالية وزيادة أسعار الفائدة، لكن هذه الإجراءات لم تكن كافية لتحقيق استقرار حقيقي للعملة.
استمر هذا التدهور في عام 2024، حيث فشلت الإجراءات الحكومية في تحقيق الاستقرار المطلوب، وازدادت أزمة العملة تفاقمًا مع استمرار العجز في الميزان التجاري وتراجع الثقة في الاقتصاد المصري. هذا التداعي المستمر للجنيه المصري أثر بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطنين وزاد من الضغوط الاقتصادية على الأسر والشركات على حد سواء.
وفي ضوء تحرير سعر صرف العملة المحلية في مارس، من 31 جنيهًا إلى 48 جنيهًا للدولار، تجد شركات الأدوية نفسها في موقف صعب بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج. هذا يدفعها إلى المطالبة برفع أسعار حوالي 3,000 نوع من الأدوية، وفقًا لشعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية.
قال وزير الصحة خالد عبد الغفار في لقاء صحفي بمقر الوزارة بالعاصمة الجديدة في شهر يوليو الماضي أن قطاع الصحة يحتاج 350 مليون دولار شهرياً لشراء الأدوية والمستلزمات الطبية، ما يعني أن الفاتورة تبلغ سنوياً 16.8 مليار دولار.
وأشار إلى أن أزمة نواقص الأدوية في السوق المصري خلال الفترة الأخيرة سببها المباشر أزمة العملة في العام الماضي، مضيفًا: “كنا نجتمع بشكل أسبوعي لبحث الاحتياجات من أدوية ومستلزمات طبية وكذلك مواد خام ومستلزمات لمصانع الأدوية”.
تصدير الأدوية بينما السوق المحلي بحاجة إليها
وفي لقاء لقناة BBC مع أمين نقابة الصيادلة السابق أحمد فاروق صرح فيه أن تصدير الأدوية هو أحد عوامل الأزمة حيث قال “أن التصدير يسبب أزمة في توافر الأنسولين فقط لا غير” حينما سألته المذيعة عن مدى تأثير التصدير على الأزمة وعن الأنسولين خصوصا حيث يتم تصنيع الأنسولين محلياً ولذلك ليس متأثراً بأسعار الصرف وأزمة العملة
منافسة الحكومة مع شركات الأدوية
ويرجع بعض الخبراء أحد أسباب أزمة الادوية إلى تنافس الحكومة مع شركات الأدوية وافتتاحها لعدد من المصانع الجديدة مما أدى إلى استحواذ الشركات على بعض أنواع الدواء وقلتها في السوق
ويرجع البعض الآخر الأزمة إلى فشل منظومة الدواء وفساد العاملين فيها
مثل سيطرة شركات الأدوية على بعض أنواع الدواء عالية الطلب وعدم توزيعها للصيدليات وانما بيعها في السوق السوداء وعلى الانترنت بأسعار مضاعفة
الأزمة تؤثر على حوالي ألف نوع من الأدوية من أصل 17,000 نوع مسجل رسميًا للاستخدام في مصر. تعني حالات النقص خسائر كبيرة لحوالي 80,000 صيدلية في البلاد، والتي لم تتمكن من توفير الأدوية المطلوبة في السوق لأكثر من عام، حتى في ظل تزايد الطلب على معظمها.
وعود غير مؤكدة
وكان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي قد قال إن الدولة تعمل على تجاوز أزمة الأدوية في غضون شهر. ولكن خلال مؤتمر صحفي في مدينة العلمين الجديدة شمال مصر يوم الأربعاء الماضي، تم تعديل هذا الجدول الزمني إلى ما بين شهرين وثلاثة أشهر. ومع ذلك، قال رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية المصرية، علي عوف، إن نقص الأدوية سينتهي تقريبًا بشكل كامل في فترة تتراوح بين 45 و60 يومًا على الأكثر.
الخطوات التي اتخذتها الحكومة لتخفيف الأزمة
- أعلنت الحكومة المصرية، يوم الخميس 9 أغسطس عن تخصيص سبعة مليارات جنيه بهدف حل أزمة توافر الأدوية والمستلزمات الطبية المطلوبة، وذلك ضمن اجتماع بمقر الحكومة بمدينة العلمين الجديدة.
وبحسب البيان الصادر عن رئاسة الوزراء المصرية، جاء ذلك ضمن حزمة الإجراءات التي اتخذتها وزارة الصحة والسكان بالتنسيق مع وزارة المالية وكل من الهيئة المصرية للشراء الموحد، وهيئة الدواء المصرية ومختلف الجهات المعنية لضمان توافر مختلف أنواع الأدوية والمستحضرات الطبية في السوق المصرية.
مصر تخصص 7 مليارات جنيه لحل أزمة نقص الأدوية والمستلزمات الطبية
- منذ أسبوعين، حصلت شركة العاشر من رمضان للصناعات الدوائية (راميدا) على موافقة الهيئة المصرية للأدوية على رفع أسعار جميع منتجاتها الأساسية التي تضم 22 صنفاً دوائياً، بمتوسط زيادة يتراوح ما بين 40%-50%، بحسب بيان الشركة.
“راميدا” ليست وحدها التي تحصل على موافقة هيئة الدواء لرفع أسعارها، فقد حصلت شركة يوني سواب المتخصصة في صناعة الأدوية على موافقة بالزيادة بنسب مختلفة للعديد من الأصناف، تبدأ من 20% و30% وتصل إلى 50% في بعض الأصناف لديها بحسب تصريحات نسيم أحمد مدير المبيعات بشركة يوني سواب لـ”الشرق”.
بعض الأمثلة لآثار الأزمة
سعر حقن أوزبك، على سبيل المثال، والتي تُستخدم لعلاج مرض السكري وتقليل الوزن، تراوح بين 1,400 جنيه (29 دولارًا) في السوق العادية و5,000 جنيه (103 دولارات) في السوق السوداء. ارتفع سعر بروليا، وهو دواء يُستخدم لعلاج التهاب المفاصل، من 1,350 جنيه (28 دولارًا) إلى 4,500 جنيه (93 دولارًا)، بينما وصل سعر أنسولين تريسيبا إلى 1,000 جنيه (21 دولارًا) في السوق السوداء، بعدما كان 380 جنيهًا (8 دولارات) في الصيدليات. كما ارتفع سعر ميكستارد، وهو دواء يُستخدم لمرضى السكري، من 55 جنيهًا (1.10 دولار) إلى 400 جنيه (8 دولارات على الأقل) في السوق السوداء.