يدرك الشعب المصري اليوم، بلا أدنى شك، كيف تتعامل السلطات العسكرية وأنظمتها مع المواطنين في مختلف القطاعات. فبغض النظر عن الجهود الإعلامية التي تحاول رسم صورة براقة لمصر كـ”إيجيبت” المستقبل، تأتي اللحظات التي تكشف عن واقع مرير يشير إلى أن القائمين على هذه “إيجيبت” ما هم إلا جماعة تسعى إلى إخضاع الشعب المصري بكل الوسائل الممكنة.
يأتي إضراب عمال شركة وبريات سمنود كحلقة أخرى في مسلسل المحاولات المتكررة لإخضاع العمال تحت سيطرة الدولة. فقد بدأ الإضراب يوم الأحد 18 أغسطس، بعد تكرار مطالب العمال للإدارة بتطبيق الحد الأدنى للأجور بناءً على قرار وزير قطاع الأعمال، إلا أن الإدارة تجاهلت تلك المطالب، مما دفع العمال إلى الاعتصام داخل الشركة يوم السبت 24 أغسطس. هذا التصعيد أسفر عن اعتقال عدد من العمال واستجوابهم أمنيًا بناءً على شكوى من الشركة.
يتزامن هذا مع تدني الحد الأدنى للأجور الذي يبلغ الآن 2700 جنيه مصري، ما يعادل 55 دولارًا فقط بعد انخفاض قيمة الجنيه، حيث تسبب هذا التدهور في تراجع القوة الشرائية للعمال وزيادة أعباء الحياة اليومية عليهم.
ورغم مرور عشرين يومًا على الإضراب، تستمر إدارة الشركة في تجاهل مطالب العمال، بل وتزيد من إجراءاتها التعسفية ضدهم. وفقًا لدار الخدمات النقابية والعمالية، تم إيقاف عشرة عمال عن العمل وإحالتهم إلى التحقيق، كما تم حجب أجور كافة العمال عن شهر أغسطس باستثناء أفراد الأمن الذين استلموا رواتبهم. كما تم اعتقال عدد من العمال وإحالتهم إلى النيابة في إطار تصعيد أمني مستمر.
الأجور في شركة وبريات سمنود تتراوح بين 2000 و3500 جنيه، وهي أجور متدنية جدًا مقارنة بتكاليف المعيشة الحالية. ولعل الأمر الأكثر إيلامًا هو أن غالبية العمال هم من النساء اللاتي يتحملن مسؤوليات كبيرة سواء كأمهات أو معيلات لأسرهن.
كما هو الحال في العديد من النزاعات العمالية في السنوات الأخيرة، لم تتأخر السلطات الأمنية في التحرك لاعتقال العمال واحتجازهم. حيث تم إلقاء القبض على تسعة منهم يوم 25 أغسطس، بينهم ثلاثة عاملات، وتم إخفاؤهم قسريًا قبل أن يتم عرضهم أمام النيابة وتجديد حبسهم.
التعامل الأمني مع النزاعات العمالية أصبح نمطًا متكررًا في ظل النظام العسكري الحالي، الذي يعادي حرية التعبير والاحتجاج السلمي. وبدلاً من أن تلجأ الشركات إلى الحوار مع العمال، أصبح دور الأجهزة الأمنية هو التفاوض، ولكن بأسلوب مليء بالتهديدات والقمع.