علاقة صندوق النقد الدولي مع مصر: منقذة ام مهلكة

يرتبط اسم صندوق النقد في عقول الكثير من الناس بتهالك اقتصاد الدول والتبعية الاقتصادية وفقد الإرادة الوطنية ويعتبر الكثير الصندوق مجرد أداة لتحقيق إرادة الدول العظمى ويرتبط اسم الصندوق بالتدهور الاقتصادي للدول مثلما حدث للأرجنتين واليونان.

في هذا التقرير ندرس طبيعة علاقة الصندوق مع مصر وما إذا كانت قروض الصندوق قد ساهمت في علاج الإقتصاد المصري أم كانت مجرد مخدرات قصيرة المفعول

نبذة عن صندوق النقد الدولي

صندوق النقد الدولي (IMF) هو وكالة متخصصة تنبثق من الأمم المتحدة وترتبط بها،  وكان الهدف الرئيسي من إنشاء الصندوق هو خلق بيئة اقتصادية أكثر استقرارًا، ويختص الصندوق بتقديم القروض للدول الأعضاء لمعالجة العجز المؤقت في ميزان المدفوعات، وبالتالي يعمل على استقرار أسعار الصرف. يتم تحديد حقوق الاقتراض والتصويت بناءً على حصة الدولة من أموال الصندوق، على سبيل المثال، تمتلك الولايات المتحدة حصة تصويت تبلغ 23% ولذلك ليس من الغريب أن يكون مقره في واشنطن العاصمة، بينما تمتلك دول الجماعة الاقتصادية الأوروبية مجتمعة حصة تصويت تبلغ 19%. وعند حصول دولة ما على قرض، يكون ذلك مقابل تقديم قيمة معادلة من عملتها الوطنية، ويجب على الدولة استرداد هذه العملة الخاصة بها خلال فترة تتراوح بين ثلاث إلى خمس سنوات.

ينبغي ملاحظة أن صندوق النقد الدولي يعتمد في حساباته على ما يسمى “حقوق السحب الخاصة” وهي أصول احتياطية دولية ليست عملة في حد ذاتها، لكن قيمتها تعتمد على سلة تتألف من 5 عملات: الدولار الأميركي واليورو و الرنمينبي الصيني والين الياباني والجنيه الإسترليني البريطاني. ووفقا للموقع الرسمي لصندوق النقد، فإن كل حق سحب خاص يعادل نحو 1.325 دولار.

تاريخ العلاقة بين مصر وصندوق النقد

انضمت مصر إلى عضوية صندوق النقد الدولي في ديسمبر 1945، وتبلغ حصة مصر في الصندوق حوالي 1.5 مليار دولار، وقد لجأت مصر إلى الاقتراض من الخارج لأول مرة في تاريخها خلال عهد الرئيس الراحل أنور السادات، حيث اتفقت مع صندوق النقد الدولي في عام 1987-1988 على قرض بقيمة 185.7 مليون دولار من أجل حل مشكلة تأخر المدفوعات الخارجية وزيادة التضخم.

في نوفمبر 2016، وافق صندوق النقد الدولي على تقديم مساعدات مالية لمصر بقيمة 12 مليار دولار على ستة شرائح على مدار ثلاث سنوات. وفي يوليو 2019، قرر المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي صرف الشريحة النهائية من القرض البالغة قيمتها 2 مليار دولار بعد المراجعة الخامسة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي.

يهدف برنامج الإصلاح الاقتصادي إلى تنظيم عمل سوق الصرف الأجنبي، وتقليل العجز في الموازنة والدين الحكومي، وتعزيز التنمية الاقتصادية لخلق المزيد من فرص العمل، خاصة للنساء والشباب، بالإضافة إلى حماية ذوي الدخل المنخفض خلال عملية الإصلاح.

تدخل الصندوق في شؤون مصر الاقتصادية في عهد السيسي

خلال عام 2016 قامت مصر بتبني برنامج إصلاح اقتصادي مدته 3 سنوات، عقب الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد على 6 شرائح على مدار 3 سنوات تزامنا مع برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأت مصر تنفيذه في 2016.

وخلال 2020 حصلت مصر علي 2.77 مليار دولار كمساعدات عاجلة من خلال أداة التمويل السريع للمساهمة في مواجهة تداعيات أزمة جائحة كورونا.

خلال عام 2021 عبر برنامج الاستعداد الائتماني الذي امتد على مدار عام حصلت مصر علي قرض إجمالي بلغ نحو 5.4 مليار دولار. ضمن “اتفاق الاستعداد الائتماني”، وذلك لمساعدة الدولة على سد العجز في ميزان المدفوعات، والذي وافق عليه صندوق النقد بشكل نهائي أواخر يونيو 2020، وجاء القرض بعد شهر من حصول مصر على تمويل آخر بقيمة 2.77 مليار دولار من صندوق النقد الدولي من خلال أداة التمويل السريع.

وخلال عام 2022 توصلت مصر لاتفاق مع صندوق النقد الدولي في أكتوبر/تشرين الأول عام 2022 للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار، لمواجهة أزمة نقص النقد الأجنبي في البلاد بعد خروج استثمارات أجنبية غير مباشرة بأكثر من 20 مليار دولار في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع معدلات التضخم عالميًا، وكان من المقرر استلامه على مدار 4 سنوات، على 9 شرائح، كل شريحة تقدر بنحو 347 مليون دولار.   لكن لم تحصل مصر إلا على الشريحة الأولى من القرض 347 مليون دولار، وأجّل الصندوق صرف باقي الشرائح لحين إجراء المراجعة الثانية والثالثة.

وفى 6 مارس 2024 توصلت مصر إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن زيادة قيمة قرضه من 3 إلى 8 مليارات دولار، على أن تطبق مصر مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية، أهمها الانتقال إلى نظام سعر صرف مرن، وخفض الإنفاق على مشروعات البنية التحتية، وتمكين القطاع الخاص

يأتي هذا الاتفاق بعد عدة قرارات اتخذها البنك المركزي المصري ، أبرزها رفع سعر الفائدة بأعلى نسبة في تاريخه بواقع 600 نقطة أساس بتاريخ 6/3/2024 ليرتفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي ليصل إلى 27.25%، 28.25% و27.75%، على الترتيب، والسماح لسعر الصرف أن يتحدد وفقًا لآليات السوق مما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار إلى 49.47 جنيه للشراء، و49.57 جنيه للبيع، في البنك المركزي، بنهاية الأربعاء 6 مارس 2024 ، كما وجه بفتح حدود استخدامات بطاقات الائتمان بالعملة الأجنبية .

وقال رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي، في مؤتمر صحفي مساء الأربعاء 6/3/2024  إن التوقيع على الاتفاق مع صندوق النقد، سيسمح للحكومة المصرية بالتقدم للحصول على قرض إضافي بقيمة 1.2 مليار دولار من صندوق الاستدامة البيئية التابع لصندوق النقد الدولي، ليصبح المجموع الكلي نحو 9 مليارات دولار.

وأضاف أن “توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي يسمح أيضا لباقي شركاء التنمية وعلى رأسهم البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، لتوفير قروض ميسرة للدولة المصرية بحيث يكون برنامج متكامل بأرقام كبيرة يُمكن مصر من الاستقرار النقدي والاستمرار في الإصلاحات الهيكلية”.

https://www.sis.gov.eg/Story/272189/%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%88%D8%B5%D9%86%D8%AF%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A?lang=ar

آثار قروض الصندوق على مصر

لقد كان لقروض صندوق النقد الدولي تأثير عميق على الاقتصاد المصري، سواء بشكل إيجابي أو سلبي. فقد جاءت هذه القروض مع مجموعة من الشروط وسياسات التكييف الهيكلي التي صُممت لتحقيق استقرار الاقتصاد، لكنها جلبت أيضًا تحديات كبيرة.

التأثيرات الإيجابية

استقرار سوق الصرف الأجنبي:

كان أحد الأهداف الرئيسية لبرنامج صندوق النقد الدولي هو استقرار الجنيه المصري، الذي كان تحت ضغط كبير. في نوفمبر 2016، قامت مصر تعويم عملتها كجزء من اتفاقية مع صندوق النقد الدولي. وعلى الرغم من أن ذلك أدى إلى انخفاض كبير في قيمة العملة، إلا أنه ساعد في استقرار سوق الصرف الأجنبي عن طريق القضاء على السوق السوداء لتبادل العملات.

تعزيز الاحتياطيات الأجنبية:

ساعدت قروض صندوق النقد الدولي، إلى جانب الدعم المالي الدولي الآخر، في تعزيز احتياطيات مصر من العملة الأجنبية، التي كانت قد تآكلت بعد ثورة 2011 وما تلاها من عدم استقرار اقتصادي. أدى هذا الارتفاع في الاحتياطيات إلى استعادة بعض الثقة لدى المستثمرين وتحسين قدرة البلاد على دفع ثمن الواردات الأساسية.

تاريخ احتياطي العملة الأجنبية منذ 2010

النمو الاقتصادي:

بعد عام 2016، شهدت مصر فترة من النمو الاقتصادي، حيث ارتفعت معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي. ساعدت الإصلاحات في خلق بيئة أكثر ملاءمة للاستثمار والنشاط التجاري، مما أدى بدوره إلى نمو في قطاعات مثل السياحة والبناء والطاقة.

 

التأثيرات السلبية

الصعوبات الاجتماعية والتضخم:

أدى تعويم الجنيه المصري إلى انخفاض حاد في قيمته، مما تسبب في ارتفاع كبير في أسعار السلع المستوردة. وقد أدى ذلك، بالإضافة إلى خفض الدعم، إلى زيادة كبيرة في معدلات التضخم، التي أثرت بشكل خاص على المصريين من ذوي الدخل المنخفض والمتوسط. ارتفعت تكلفة المعيشة بشكل كبير، مما أدى إلى انتشار الاستياء الاجتماعي.

معدل التضخم حسب البنك المركزي

الفقر وعدم المساواة:

تأثرت الفئات الفقيرة المستضعفة بشكل غير متناسب بالإجراءات التقشفية التي فرضها صندوق النقد الدولي، مثل خفض الدعم وزيادة الضرائب. وعلى الرغم من أن الحكومة قدمت برامج تحويل نقدي للتخفيف من الأثر، إلا أن العديد من المصريين شهدوا تراجعًا في دخولهم الحقيقية، وازداد معدل الفقر.

الدين العام:

على الرغم من أن برنامج صندوق النقد الدولي كان يهدف إلى تقليل عجز الموازنة، إلا أن الدين العام لمصر ظل مرتفعًا. وعلى الرغم من تقليل العجز المالي، فإن الإجراءات التقشفية ساهمت في الاستياء الاجتماعي ولم تخفض بشكل كبير نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في المدى القصير. ولا يزال عبء خدمة الدين يمثل تحديًا للاقتصاد المصري.

البطالة والاضطرابات الاجتماعية:

على الرغم من أن الإصلاحات الاقتصادية عززت الاستقرار الاقتصادي الكلي، إلا أنها لم تترجم بشكل فوري إلى خلق واسع لفرص العمل، خاصة في القطاع الرسمي. وظلت البطالة، خاصة بين الشباب والنساء، مرتفعة. كما أدت الصعوبات الاجتماعية الناتجة عن الإصلاحات إلى زيادة الاضطرابات والاستياء من الحكومة.

احصائيات صندوق النقد

كما يظهر في الجدول السابق فقد استلم السيسي حكم البلاد ومصر لا تدين بدولار واحد لصندوق النقد، وحاليا تدين مصر لصندوق النقد بأكثر من 14.9 مليار دولار

الخلاصة

قروض صندوق النقد الدولي هي كسيف ذو حدين، لا يُلجأ إليها إلا في حالة اليأس الشديد في الحصول على السيولة المادية وهناك الكثير من الامثلة لدول اقترضت من الصندوق لتفادي مشكلة مؤقتة ثم قامت بتسديد ديونها وإيقاف القروض ودول أخرى مثل مصر اقترضت ثم اقترضت مجددا لتسديد قروضها وظلت تدور في حلقة مفرغة إلى أن وصلت لدرجة عالية من التدهور الاقتصادي فالأمر يعتمد على طريقة الإدارة للقروض والاقتصاد في المقام الأول وكما اوضحنا في التقرير فقد فشل السيسي وحكومته فشلاً ذريعاً في إدارة الأمر (مصر في المركز الثاني بعد الأرجنتين كأكثر الدول المدينة للصندوق) وبدأت مصر تفقد إرادتها الإقتصادية شيئاً فشيئاً

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022