يواجه القطاع الإنتاجي بمصر، أزمات عديدة، خاصة القطاع الصناعي، في ظل سيطرة العسكريين، النهمين لبناء أمجاد شخصية ، على حسب المجتمع والدولة والمواطنين… غير عابئين بالمردود الاقتصادي أو الديون التي يفاقمونها على حساب الأجيال القادمة.
وباتت مصانع وشركات مصر الخاصة في مواجهة مباشرة مع أزمات التعثر والإغلاق وتشريد العاملين بها..
أما الشركات الحكومية والمصانع الحكومية فتقف أمام كارثة من نوع ثاني، تدور حول التعثر، سواء الطبيعي أو المخطط ، لأجل الوصول إلى البيع أو التخارج الحكومي أو التصفية والبيع أو التخريد…
وبلا شك فإن الأزمتان يدفع ثمنها العمال المصريين، الذين باتوا في مواجهة التشرد والبطالة…
أولا: أزمة إغلاق المصانع وبيع الشركات:
وتأخذ الأزمة العديد من الأشكال ، التي تترجمها القرارات الحكومية، أو قرارات المستثمرين في اغلاق مصانعهم، وتشريد العمالة، وخفض قدرات مصر الإنتاجية..ومن ضمن تلك الأشكال:
1-تعثر المصانع والشركات الخاصة:
يواجه أكثر من 13 ألف مصنع في مصر تحديات مستمرة، تقودها للتعثر والإغلاق، لأسباب تتعلق بالتكاليف المالية، شح المواد الخام، وتراجع التمويل..علاوة على تعويم الجنيه وزيادة الفائدة البنكية، والتي تعطل المصانع والشركات ، وتزيد عليها الأعباء المالية..
كما أنه منذ العام 2016، ارتفعت أسعار الخامات الأساسية بشكل كبير، مما أدى إلى زيادة الأعباء المالية على المصانع. ومع استمرار ارتفاع الأسعار، أصبحت الأمور أكثر صعوبة. بالإضافة إلى ذلك، تسببت التعديلات الإدارية والمالية التي اتبعتها الحكومة، مثل زيادة الفائدة على القروض وارتفاع الضرائب، في تفاقم الأعباء..
واضطرت المصانع لتقليص عدد العمالة لمواجهة الضغوط المالية.
وتتفاقم أزمة تعثر المصانع، في المناطق الصناعية، ففي عام 2018 بلغ عدد المصانع المتعثرة نحو خمسة آلاف مصنع من بين 19 ألف مصنع تعمل في مصر، وحاليُا تقدر بـ 13 ألف مصنع..
وتتمركز المصانع المتعثرة في عدد من المناطق الصناعية على مستوى الجمهورية، أبرزها منطقة العاشر من رمضان في محافظة الشرقية ، وتعد واحدة من أكبر المناطق في مصر التي تضم عددًا من المصانع المتعثرة التي تعاني من مشاكل مالية وإدارية، كذلك مناطق السادات في المنوفية، وحلوان في جنوب القاهرة، وشبرا الخيمة في القليوبية.
ومع تعثر المزيد من المصانع، التي باتت في مرمى الاغلاق، على إثر الأزمات المالية والمنافسة غير العادلة من شركات الجيش وأزمات الدولار، يرى سمير عارف، رئيس جمعية مستثمري العاشر من رمضان، أن الطريق لإنقاذ المصانع المتعثرة والمتوقفة، هو الدعم الحكومي لها، عبر توفير تمويلات سريعة لدعم المنشآت التي تعاني ماليًا، مع ضرورة حماية المصانع المتضررة من المنافسة غير العادلة مع المنتجات المستورد، وضرورة تقليل الاستيراد في القطاعات التي تتعرض لممارسات إغراق ، والتي تؤثر سلبًا على الإنتاج المحلي. بجانب التخلص من الإجراءات البيروقراطية التي تعيق عملية الإصلاح، وتخفيض نسب الفائدة المفروضة على المصانع من قبل القطاع المصرفي، مما يمكن أن يخفف الأعباء المالية ويحفز النمو في هذا القطاع.
وعلى الرغم من التصريحات المتعددة للحكومة وقياداتها، حول خطط الاستثمار والتطوير وإقالة تعثر الشركات والمصانع المهددة بالإغلاق، إلا أن القرارات والسياسات على أرض الواقع تنافي الخطط والتصريحات، تماما، وكانت الخطة الاستراتيجية لرؤية مصر 2030 ، قد تضمنت بندًا رئيسيًا يهدف إلى تعزيز التصنيع، وزيادة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي وزيادة فرص العمالة الصناعية بحلول عام 2030، إلا أن محمد المهندس، رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات المصرية، يرى أن القرارات الحكومية الصادرة لحل أزمة المصانع المتعثرة لم تحقق الهدف المرجو منها حتى الآن، موضحا في تصريحات صحفية ، أن القرارات السابقة لم تؤتِ ثمارها بشكل ملموس على أرض الواقع، وأنه لا يمكن اعتبار القرارات الجديدة جادة حتى يتم تطبيقها فعليًا..
ويعاني قطاع الصناعة من مشاكل متراكمة، لا تقتصر على قطاع بعينه، مشيرًا إلى أن العديد من المصانع المتعثرة ترفض الإفصاح عن أزماتها خوفًا من التأثير على سير أعمالها.
وأكد أن أبرز المشكلات تشمل الأزمات المالية والإدارية المتعلقة بالجهاز المصرفي وأجهزة الدولة مثل جهاز التنمية والسجل الصناعي.
وأضاف أن القرارات الحكومية المتخذة منذ عام 2019 لحل مشكلات المصانع المتعثرة لم تحقق النتائج المرجوة حتى الآن..
ووفق خطط حكومية، يسعى وزير الصناعة كامل الوزير، إلى زيادة مساهمة القطاع الصناعي في إيرادات الدولة، وخلق فرص عمل جديدة في القطاع الصناعي، مستهدفة أن يصل عدد العاملين في هذا القطاع إلى سبعة ملايين عامل بحلول عام 2030، وهو ضعف العدد الحالي الذي يبلغ نحو 3.5 مليون عامل، أي ما يمثل 13% من القوى العاملة.
ومن ضمن أسباب التعثر ، عدم قدرة المصانع على تدبير العملة الأجنبية منذ فبراير 2022 وحتى مارس 2024 وهو ما كان له تأثير كبير على توفير مستلزمات الإنتاج، مما أدى إلى انخفاض الأرباح وتعطل العمليات الإنتاجية.
وأكد بعض أصحاب المصانع أن المبادرات الحكومية، بما في ذلك تخفيض أسعار الطاقة وتقديم تسهيلات مالية، لم تساهم بشكل كافٍ في معالجة الأزمات الفعلية التي تواجههم. وبينما تواصل الحكومة الإعلان عن خطوات جديدة لحل المشكلة، فإن الكثير من المصانع المتعثرة لا تزال تنتظر حلولًا أكثر فعالية.
2-بيع الشركات الحكومية:
ووفق بيانات متوفرة باتحاد الصناعات، فإن عدد المصانع التى أغلقت أبوابها وتوقفت عن الانتاج وسرحت العمالة تزايد مؤخرا إلى أكثر من 13 ألف مصنع بسبب الأزمة الاقتصادية ..
وكانت هيئة التنمية الصناعية، قد أكدت أن عدد المصانع في مصر يتجاوز 34 ألف مصنع، باستثمارات تتخطى الـ300 مليار جنيه، فيما تبلغ أعداد المصانع المتعثرة 8222 مصنعًا بحسب اتحاد نقابات عمال مصر، أما اتحاد المستثمرين فيقدرها بـ1500 مصنع متعثر حتى عام 2013، منها 40% في قطاع الغزل والنسيج والملابس الجاهزة، بينما الاتحاد المصري للعمال والفلاحين يقدرها بـ4500 مصنع كانت تضم 250 ألف عامل.
وشهدت السنوات الأخيرة حالات تصفية لعدد من شركات قطاع الأعمال العام، مثل الشركة القومية للأسمنت في 2018، والحديد والصلب بحلوان في 2021، والنصر لصناعة الكوك في 2022.
فيما تبذل الدولة جهودًا حثيثة لجمع إيرادات من بيع الأصول العامة، مع تدهور احتياطات النقد الأجنبي منذ اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية في فبراير 2022.
ووفق مصطفى مدبولي، حققت الحكومة نحو 5.6 مليار دولار من خلال التخارج الكلي والجزئي من 14 شركة حكومية، حتى ديسمبر 2023..
وأعلنت الحكومة المصرية في ديسمبر الماضي، أنها ستضم شركات جديدة لبرنامج الطروحات الحكومية، ليصل إجمالي عدد الشركات المطروحة للبيع والبورصة إلى أكثر من 40 شركة وليس 35 شركة فقط.
مشيرة إلى أن إجمالي مبيعات الشركات التي طرحتها الحكومة للقطاع الخاص منذ بداية العام حتى شهر ديسمبر 2023 ، قارب نحو 3 مليارات دولار، وتستهدف خطة الحكومة تحقيق مبيعات تصل إلى 6 مليارات دولار ضمن برنامج الطروحات الأول الذي ينتهي في يونيو 2024.
كما أن هناك صفقات بيع لعدد من الشركات الحكومية تتم خلال الوقت الراهن، ولكن الحكومة تدرس أفضل العروض المقدمة لتحقيق مكاسب أفضل ..
وتعد الحكومة ملفات هيكلة بنك القاهرة والمصرف المتحد والبنك العربي الإفريقي تمهيدًا لطرحها في البورصة..
بجانب عدد من الشركات العاملة في قطاعات الصناعات الكيماوية، والاستثمارات المالية، والنقل وتداول الحاويات والكهرباء والطاقة المتجددة والبترول، والتأمين، لطرحها ضمن برنامج الطرح العام الأولي.
3- طرح شركات الجيش للبيع:
ومع تصاعد الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، ونقص السيولة، واتجاه السلطات إلى بيع شركات حكومية وعرض اسمهما في البورصة، ظل قادة المؤسسة العسكرية متمسكين، بأن يكون عرض شركاتهم “آخر الحلول”، وتطلب الأمر مفاوضات مع القيادة السياسية استمرت عدة أشهر.
والحديث عن تخلي الجيش عن شركات تابعة له، وطرحها للبورصة، يعود إلى 2018، ويأتي ضمن برنامج أكبر لإتاحة عدد غير محدد من شركات الدولة للقطاع الخاص للاستثمار فيها، من أجل توفير موارد دولارية من جهة.. بالأساس، مع تغليف الأمر بأمور كتشجيع القطاع الخاص.
وتواجه عملية طرح شركة صافي للمياه المعدنية التابعة للجيش، ومحطات وقود شركة وطنية المملوكة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة، صعوبات عدة، وتمتلك وطنية نحو 255 محطة خدمة ووقود سيارات على مستوى الجمهورية، التي كان من المقرر أن تنتهي خلال شهر ديسمبر الماضي،
وبعد الإعلان رسميا عن طرح شركتي “وطنية” وصافي”، ثار حديث عن المشكلات المستقبلية المتوقعة، والتي يدور أبرزها حول الكشف المالي، والربحية، والتنافس غير المتكافئ، وغموض الإطار القانوني، كما يقول الخبير بمركز “كارنيجي” للسلام “يزيد صايغ”، والذي يرى أن السعي للتهرّب من هذه المقتضيات، هو الذي دفع السيسي إلى التحوّل نحو صندوق الثروة السيادية، لإدارة أصول الدولة التي عمل الرئيس على تحوّيلها إليه وتسييلها، لكنه في النهاية، لم يجد بدا من الإعلان عن طرح أول دفعة من شركات الجيش.
لكن المشكلة ستظل قائمة، حيث تسود تخوفات بأن ينتهج الجيش طرقًا للالتفاف على المقتضيات القانونية والمالية الأكثر صعوبة التي يفرضها طرح الشركات العسكرية في البورصة المصرية، ما يسمح للدولة بالتعمية على الكشوفات المالية، ولو بشكل جزئي، والاحتفاظ بالسيطرة عمومًا، إن لم يكن بالملكية.
الجديد هذه المرة، هو أن صندوق النقد الدولي والمانحين الخليجيين يراقبون ذلك التحول بشكل غير مسبوق، بعد أن ألحوا على تنفيذه كمقدمة لمحاولة إصلاح هيكلية الاقتصاد التي باتت طاردة للقطاع الخاص وأحد أبرز معوقات النمو.
بدورهم، يعرف المستثمرون الخليجيون أن الاكتتاب في شركات تابعة للجيش سيوفر لهم التمتع بالميزات التفضيلية التي تحظى بها شركات الجيش، مقارنةً بالمنافسة المحلية من القطاع الخاص المصري، والهيبة التي تحظى بها هذه الشركات باعتبارها تابعةً للجيش، وهو ما يُمكّنها من التغلب على البيروقراطية المحلية المشهورة.
ثانيا: استراتيجيات تخريب الشركات والمصانع:
1- تصفية الشركات ورفض تعويمها:
وتحت شعار “تصحيح المسار” بدأ السيسي في العام 2018، استراتيجيته للتخلص من عبء خسائر الشركات الحكومية، وبيعها لمستثمرين أجانب، وضم أموالها لخزينة الدولة.
وأوصى السيسي بعمل دراسة جدوى لمئات شركات قطاع الأعمال، وخسائرها بشكل مفصل خلال الفترة القادمة، وتقييم أصولها، تمهيدا لطرحها للبيع والتخلص منها. على أن يجري التخلص من العاملين بهذه الشركات، بعد الاتفاق مع عدد من المستثمرين الأجانب، الذين اشترطوا التخلص من العاملين والموظفين بهذه الشركات كشرط لشرائها…
ووفق دراسة لوزارة قطاع الأعمال، تم تقسيم شركات قطاع الأعمال إلى 3 شرائح، الأولى هى الجاهزة للطرح بالبورصة، نظراً لما تحققه من أرباح وكفاءتها مرتفعة، تماثل الشركات المدرجة بالبورصة..
ومن ثم لن تصبح شركات قطاع الأعمال مملوكة بالكامل للحكومة، ولكن ستتم إتاحة المشاركة للقطاع الخاص على مستوى الإدارة بالتمثيل النسبي، وسيتم تعديل قانون 203 لإلغاء المادة الخاصة بتعيين نصف أعضاء مجلس الإدارة من العاملين، متابعا: “لسنا مصريين على الإدارة”.
أما الشريحة الثانية، فهى الشركات التي تحقق أرباحا قليلة أو خاسرة ويمكن إعادة هيكلتها لتحقيق أرباح وتجهيزها للطرح بالبورصة..
والشريحة الثالثة وهى الشركات الخاسرة وتنقسم إلى شركات يمكن إعادة هيكلتها من خلال إصلاحات خفيفة أو ضخمة أو تحديثها بشكل كامل، أو شركات لا يمكن هيكلتها ولا بد من إغلاقها إما إغلاقا جزئيا أو كليا مثل الشركة “القومية للإسمنت”..
يشار إلى أن الشركات القابضة، تبلغ 121 شركة تابعة تضم 16 صناعة، منهم 48 شركة خسرت 7.5 مليار جنيه، وفق بيانات وزير قطاع الأعمال العام الاسبق هشام توفيق، وفق بيانات 2018..
2-برنامج الطروحات الحكومية:
وتستهدف مصر جمع 20 مليار دولار، من برنامج الطروحات خلال الفترة المقبلة، وفقًا لرئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، الذي أعلن زيادة برنامج الطروحات إلى 50 شركة بدلًا من 32 شركة حاليًا، تحت شعار “زيادة مشاركة القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية”. وذلك استجابة لإملاءات صندوق النقد الدولي، الذي يطالب مصر بتقليص الاستثمارات الحكومية وبيع شركات القطاع العام..
3-لجنة حكومية لتصفية الأصول:
ومن أجل تصفية أصول الاقتصاد المصري، وبيعها، أعلنت الحكومة منتصف يوليو 2024 – ضمن برنامج عملها المُقدم لمجلس النواب-، مشروعًا لإنشاء لجنة تصفية الأصول، تتبع وزارة المالية بهدف تحقيق 20 – 25 مليار جنيه سنويًا للخزينة من عائدات التخارج خلال الأعوام المقبلة. وتحويل نسبة 1% من الناتج المحلي الإجمالي من عائدات التخارج إلى الموازنة لخفض دين أجهزة الموازنة.
وكشفت وثيقة برنامج عمل الحكومة المصرية الجديدة -خلال الأعوام المالية الثلاثة المقبلة- عن تشكيل ما تسمى لجنة “تصفية الأصول” بهدف تحقيق عوائد مالية للخزينة العامة من خلال بيع الأصول المملوكة للدولة.
وهذه اللجنة الجديدة تبدو مختلفة تماما عن برنامج “الطروحات الحكومية” الذي تعهدت فيه الحكومة بطرح حصص في 32 شركة (حكومية) للبيع وتشمل عمليات البيع 18 قطاعا ونشاطا اقتصاديا.
ويأتي قرار تشكيل لجنة “تصفية الأصول” ضمن مجموعة من الإجراءات الاقتصادية التي تهدف لتعزيز الموارد المالية، لكنه يثير العديد من التساؤلات والمخاوف حول مستقبل هذه الأصول وتبعات بيعها على الاقتصاد والمجتمع.
وتمتد وثيقة برنامج عمل الحكومة المصرية، التي تداولتها مواقع محلية، من 2024-2025 حتى 2026-2027، ومن بين مستهدفاتها:
إنشاء لجنة “تصفية الأصول” بهدف تحقيق 20 – 25 مليار جنيه سنويًا للخزينة من عائدات التخارج خلال الأعوام المقبلة.
تحويل نسبة 1% من الناتج المحلي الإجمالي من عائدات التخارج إلى الموازنة لخفض دين أجهزة الموازنة.
وتتزامن هذه الخطوة مع جهود الدولة للانتقال من أحياء القاهرة العتيقة والمزدحمة إلى العاصمة الإدارية الجديدة، ومحاولة استغلال الأصول الحيوية والقديمة، مما يضيف بعدًا آخر لمناقشة الأصول المستهدفة، بما فيها أصول إستراتيجية مثل قناة السويس.
لكن الحكومة المصرية نفت اعتزامها بيع قناة السويس مقابل تريليون دولار، في أعقاب الإعلان عن تشكيل اللجنة ووصفته بـ”المفبرك”.
كما أثار القرار العديد من التساؤلات وردود فعل واسعة في ظل التدفقات المالية الكبيرة التي تلقتها مصر مؤخرًا، ومنها: تدفقات مالية بقيمة 60 مليار دولار بعد صفقة رأس الحكمة والتمويلات الدولية.
اتفاقيات استثمارية بقيمة 70 مليار يورو مع الاتحاد الأوروبي مطلع الشهر الجاري.
الفرق بين برنامج الطروحات ولجنة “تصفية الأصول”:
ووفق الخبير الاقتصادي والمسؤول السابق بوزارة الصناعة والتجارة عبد النبي عبد المطلب، فأن قرار تشكيل لجنة تصفية أصول الدولة مرتبط بقرار الحكومة السابق بإنشاء وحدة مركزية لحصر ومتابعة وتنظيم الشركات المملوكة للدولة وأصولها، والتعرف على أوضاعها المختلفة بهدف زيادة موارد الدولة ودعم القطاع الخاص، ولا علاقة له ببرنامج الطروحات الحكومية.
انتقد مسمى “تصفية أصول الدولة” لأن القرار لم يحدد نوع الأصول، وبالتالي يمكن أن يمتد التفكير إلى أي أصل مثل الموانئ البحرية والجوية وجميع المشروعات الزراعية والصناعية أو حتى قناة السويس وغيرها..
4-طرح شركات حكومية بالبورصة:
وفي فبراير 2023، أعلن مجلس الوزراء المصري، عن اتجاه مصر لطرح أسهم بنحو 32 شركة، وذلك على مدار عام كامل، يبدأ من الربع الأول من عام 2023، وحتى نهاية الربع الأول من عام 2024، سواء سيكون الطرح عاما من خلال البورصة، أو لمستثمر استراتيجي، أو كليهما.
والشركات الـ32 التي سيتم طرح نسب بها، تشمل 18 قطاعا ونشاطا اقتصاديا، وتضم بنك القاهرة، والمصرف المتحد، والبنك العربي الأفريقي الدولي.
كما تضم شركة مصر لتكنولوجيا التجارة (MTS)، والنصر للإسكان والتعمير، والمعادي للتنمية والتعمير، وشركة المستقبل للتنمية العمرانية، ومصر لأعمال الاسمنت المسلح، وفقا لبيان لـ”مجلس الوزراء”.
وتضم الشركات المزمع طرحها شركة حلوان للأسمدة، والشركة الوطنية للمنتجات البترولية، والشركة المصرية لإنتاج البروبلين والبولي بروبلين، والنصر للتعدين، وشركة المصرية لإنتاج الإيثيلين ومشتقاته (إيثيدكو)، وشركة الحفر للبترول، وشركة المصرية لإنتاج الألكيل بنزين الخطي (إيلاب)، وسيناء للمنجنيز.
وتضم تلك الشركات كذلك المصرية للسبائك الحديدية، والرباط لأنوار السفن، وبورسعيد لتداول الحاويات والبضائع، ودمياط لتداول الحاويات والبضائع، والصالحية للاستثمار والتنمية، والفنادق المملوكة لوزارة قطاع الأعمال العام، ومصر لتأمينات الحياة، ومصر للتأمين.
فضلا عن محطة توليد الرياح بجبل الزيت، ومحطة توليد الرياح بالزعفرانة، ومحطة بني سويف لتوليد الكهرباء، و”صافي” لتعبئة المياه، وتنمية الصناعات الكيماوية – سيد، وشركة البويات والصناعات الكيماوية (باكين)، والأمل الشريف للبلاستيك، ومصر للمستحضرات الطبية.
وستباع حصص في عدة شركات يتم تداول أسهمها بالفعل في البورصة، بما في ذلك شركة البويات والصناعات الكيماوية (باكين)، وشركة بورسعيد لتداول الحاويات والبضائع وشركة دمياط لتداول الحاويات والبضائع، حسب “رويترز”.
وهناك أيضا حصص في شركتين على الأقل تابعتين لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، وهما الوطنية للمنتجات البترولية التي تدير سلسلة من محطات الوقود، والوطنية لإنتاج وتعبئة المياه الطبيعية (صافي). حسب “رويترز”.
كما أعلن عبدالفتاح السيسي، أن الحكومة “مستعدة لطرح المزيد من الشركات بالبورصة أو طرحها للشراكة مع القطاع الخاص..
5-بيع الأصول لسداد الديون والالتزامات المالية:
وفي ظلّ صعوبة تنفيذ برنامج وثيقة الملكية العامة وطرح شركات الحكومة في البورصة المصرية، تدفع الأزمة المالية الهيئات والشركات العامة والمحافظات إلى التخلي عن أصولها قطعة قطعة بالبيع أو التأجير بحق الانتفاع لمدد زمنية طويلة. تستهدف الشركات توفير السيولة النقدية، بعضها لسداد الديون وأخرى لدفع أجور والتزامات مالية، لا توفرها الخزانة العامة.
وتُجرى البيوع بمزادات معلنة بالصحف وتعلق بأماكن البيع، بينما تظل بعيدة عن الرقابة البرلمانية والشعبية، في ظل رغبة جامحة لدى كبار المسؤولين بجمع المال الذي ينفد من خزائن الجهات الحكومية، بسبب تراكم الديون المحلية والخارجية.
تهرول الجهات الحكومية نحو البيع بعدما توقف منح الهيئات والشركات العامة قروضا بفوائد مخفضة، ومنع تمويل الاستثمارات العامة من خارج مخصصات الموازنة العامة ومنع بنك الاستثمار القومي، عن ممارسة دوره في دعم المشروعات المدرجة بالخطط الحكومية، وتجهيزه للبيع خلال الفترة المقبلة.
6-بيع أراضٍ وعقارات المحافظات والهيئات الحكومية:
ومؤخرا،حصلت هيئة المجتمعات العمرانية على موافقة مجلس الوزراء ببيع قطع من الأراضي المخصصة لتجمعات سكنية وتجارية وصناعية وللخدمات وصيانة السيارات، لنحو 17 شركة أجنبية بالدولار، بقرار خاص من مجلس إدارتها في 17 يوليو الماضي.
وأعلنت شركة مصر لإدارة الأصول العقارية، في 0 أغسطس الماضي، ولمدة أسبوعين، عن بيع بالمزايدة العلنية بالمظاريف المغلقة، أمام المستثمرين والشركات، لعدد من العقارات والأراضي بمنطقة وسط القاهرة، التي آلت للدولة عن طريق التأميم وإعادة هيكلة القطاع العام، على مدار عقدين.
والشركة، هي إحدى الشركات التابعة لشركة مصر القابضة للتأمين المملوكة للصندوق السيادي..
كما طرحت مؤسسة الأهرام الصحفية، المملوكة للدولة، الأحد أول سبتمبر الجاري، بيع أرض مملوكة للمؤسسة بالمزاد العلني، عند الكيلو 68.5 بالساحل الشمالي، على طريق إسكندرية- مرسى مطروح، تقع على البحر مباشرة، على مساحة 501 ألف متر مربع، سبق أن حصلت عليها المؤسسة لتقديم خدمات للعاملين بها.
كما وافق مجلس الوزراء على طلب وزير التعليم بالتعاقد مع شركة مصر للإدارة التعليمية لإدارة وتشغيل وصيانة مدارس النيل المصرية الدولية، بفروعها الخمسة بمدن العبور وأكتوبر وقنا والمنيا وبورسعيد لمدة عام، للتخلص من أعباء شرائها الكتب المدرسية ومستلزمات الدراسة التي تحتاج شراءها بالدولار من الأسواق الدولية.
وتعرضت الشركات للأزمة المالية، مع توسع الحكومة في بناء مشروعات توليد فوق طاقة احتياجات الشركات، بلغت قيمتها نحو 32 مليار دولار، دفعتها إلى اقتراض نحو 530 مليار جنيه من البنوك المحلية والدولية، بضمان وزارة المالية، تعاظمت خطورتها من ارتفاع معدلات الفوائد على الديون، وزيادة أسعار الوقود، و تراكم المديونيات المستحقة لهيئة البترول، بمبالغ تفوق 150 مليار جنيه.
وتستهدف الشركات سداد نحو 100 مليار جنيه للجهات الدائنة العام الجاري، عبر قروض من البنوك الحكومية بقيمة 50 مليار جنيه..
وفي نفس الإطار، عرض البنك الزراعي الحكومي بيع المخازن التابعة له، الواقعة على أراضٍ زراعية وداخل الكتل السكنية، بمزاد علني مع تسهيلات في السداد، بمحافظات المنيا بمساحات تبدأ من 628 متراً إلى 1050 متراً وفي سوهاج بإدارات البنك بمدن أخميم وساقلته وطهطا والمراغة والعدوة ودار السلام والبلينا، وبمحافظة الدقهلية، وقطعة أرض بمساحة 18 ألفاً و958 متراً بمدينة القنطرة غرب في الإسماعيلية.
وسير بنكا مصر والأهلي التابعان للدولة على نهج البنك الزراعي، حيث كُلف عدد من خبراء التثمين بيع عشرات القطع من الأراضي الزراعية والسكنية والتجارية بالمحافظات للبيع بمزادات عاجلة، خلال الأسبوعين الماضيين.
كما لجأ محافظون إلى بيع أراضٍ بحق الانتفاع، لمدة 25 عاماً قابلة للتجديد، للحصول على عوائد البيع في الإنفاق على مرتبات المعلمين والموظفين المدرجين بمشروعات الخدمات العامة داخل المدن، والتي ترفض الحكومة دمجهم ضمن حسابات المصروفات بالموازنة العامة للدولة. وظفت محافظة الغربية الأراضي التي نتجت عن تغطية الترع والمصارف بمدن المحافظة، بعرضها للبيع بحق الانتفاع لمدة 26 عاماً، بمدن طنطا وزفتى وغيرها وفقا لأحكام القانون رقم 182 لسنة 2018، بمساحات تصل إلى 28 فداناً.
وأيضا، تخطو شركة مياه الشرب بالقاهرة الكبرى على نهج المحافظين، إذ عرضت مزايدة في 15 سبتمبر الجاري، على بوابة المشتريات الحكومية، بتخصيص مساحات واسعة أمام المستثمرين، تقع وسط العاصمة، لإقامة منشآت رياضية واجتماعية عليها بحق الانتفاع لمدة 15 عاماً، بنظام BOT.
وأعلنت شركة إسكندرية للزيوت والصابون عن بيع بالمزاد العلني، في أغسطس الماضي، لأرض المجمع السكني لعمالها، بما عليها من عمارات وفيلات، بمدينة كفر الزيات وسط الدلتا.
6- استبدال الديون السعودية بأصول مصرية:
وكشفت زيارة وفد اقتصادي مصري قاده مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، إلى العاصمة السعودية الرياض، منتصف سبتمبر الجاري، للتفاوض حول تحويل ودائع سعودية بقيمة 5.3 مليارات دولار مستحقة على مصر مقابل شراء أراضٍ وأصول عامة، عن تفاقم أزمة الديون الخارجية، مع وجود مستحقات فوائد وأقساط واجبة السداد بقيمة 11 مليار دولار، خلال شهر نوفمبر المقبل، بالإضافة إلى ضغوط يمارسها صندوق النقد الدولي، لدفع الحكومة إلى الإسراع ببرنامج الطروحات العامة، قبل بدء المراجعة الرابعة لأداء الاقتصاد المقررة بداية أكتوبر المقبل.
وقدمت الحكومة المصرية إغراءات للجانب السعودي، تشمل التنازل عن أراض وشركات بصناعات استراتيجية وحل فوري لأزمات مزمنة عالقة مع المستثمرين السعوديين، مقابل التخلي عن الوديعة الدولارية،
وأعلن مدبولي عن طرح 5 مناطق استراتيجية على البر الأحمر، أمام السعوديين، من ضمنهم رأس بناس، ورأس جميلة..
وبعد تقديم مصر لتعهدات بحلحلة الازمات التي تواجه الاستثمارات السعودية بمصر، وافقت السعودية على تحويل وديعتها لاستثمارات، ستوجه للحصول على تخصيص أراض زراعية وللبناء العقاري، ومشروعات سكنية وفندقية، وأسهم بشركات بتروكيماويات.
7-التفاوض مع ألمانيا لبيع محطات سيمنز لتوليد الكهرباء:
وبالتوازي مع التفاوض مع السعودية ، تقوم حكومة السيسي بإجراء مفاوضات مع ألمانيا تسمح لها ببيع أصول أو جزء من محطات كهرباء أقامتها شركة سيمنز الألمانية، بقيمة 14.5 مليار دولار، للقطاع الخاص، دون الحاجة إلى إعادة التفاوض حول شروط القروض التي حصلت عليها مصر من حكومة ألمانيا، تتميز بدعم الفائدة والدفع على أقساط طويلة، تصل إلى 15 عاما.
وهو ما يعطس حجم الأزمة المالية لحكومة السيسي، التي تطرح كل المشاريع الاستراتيجية، التي سبق وتفاخرت بها، وهو ما يرشح لمزيد من الغلاء وارتفاع أسعار الكهرباء على المواطنين، ويفاقم أزمات الطاقة بمصر، ومن ثم رفع تكاليف الانتاج والسلع ..
8-مشاورات مع الصين لبيعها أبراج العاصمة والعلمين:
ومؤخرا، أجري رئيس الوزراء مصطفى مدبولي مشاورات مع الحكومة الصينية خلال وجوده بمنتدي التعاون الصيني الأفريقي التاسع الذي عقد في بيكين، مؤخرا، لتحويل قيمة وديعة تبلغ 18 مليار يوان، تعادل 3.2 مليارات دولار إلى استثمارات صينية، مقابل تمليك الشركات الصينية الحكومية المنفذة للبرج الأيقوني بالعاصمة الإدارية، وأبراج العلمين بالساحل الشمالي، بالإضافة إلى الحصول على قرض عاجل من صندوق التنمية الصيني، بقيمة مليار دولار، لدعم الاحتياطي النقدي.
9-بيع أصول مقابل الديون:
ويصف الخبراء ما يجري مع السعودية وألمانيا والصين وغيرها، بأنه عملية بيع أصول مقابل الديون، وهو ما يبعد تماما عن فكرة الاستثمار أساسا..
ويتم ذلك عبر عقود تنازل عن الملكية للأصول التي لا يمكن للدولة أن تتحكم في طريقة استخدامها أو تجبر مالكها على الالتزام بخطط استثمارية محددة، حيث يحق له حرية التصرف في الأصل، وكأنه حكم تغريم للمدين، وليس مبادلة للاستثمار.
وهو نفس ما حصل مع صفقة بيع رأس الحكمة، حيث منحت صندوق الاستثمار الإماراتي ملكية الأرض، دون أن تكون لديها خطة استثمار محدد تضمن قدرة المشروع على توليد دخل بالدولار، يحقق التنمية المستدامة،إذ يحق للمالك استخدام الأرض كما يشاء في بناء عقارات أو قصور، بما يضمن له استرداد رأس المال والأرباح، بمجرد طرحه لمشروعه، مع إمكانية الخروج بهذه الأموال قبل اكتمال المشروع، واستعادة ما جناه سواء بالجنيه المصري أو العملات الأخرى، بقيمة نفس العملة الصعبة التي دفعها، بما يعيد دورة الضغط على طلب الدولار من البنوك التي تلجأ إلى البنك المركزي لتدبير العملة الصعبة، في حالة عدم امتلاكها للمبالغ المطلوبة من المستثمر الأجنبي. ويفاقم كل ما سبق أزمات العمل والعمال في مصر ، التي باتت البطالة فيها رقما مخيفا، تخفيه الدوائر الحكومية. كما ينعكس سلبا على المواطن المصري ومستقبل الأجيال المقبلة..
10- تحرير أسعار الطاقة للمصانع:
ولعل من اكبر كوارث الاقتصاد المصري، هو رفع الحكومة الدعم عن أسعار الطاقة، وبيعها بأسعار التكلفة للمصانع والشركات الانتاجية، ما يتسبب في رفع تكلفة الانتاج، وتخريب خطوط الانتاج، ومن ثم اغلاق المصانع ، وتشريد العمالة..
11-عسكرة الاقتصاد:
ولعل أكثر من يسرع الانهيار الاقتصادي وتدمير المصانع والشركات، هو دخول الجيش بثقله في القطاع الاقتصادي، وتمتعه بمزايا تنافسية غير موجودة لأحد على أرض مصر، من اعفاءات جمركية واعفاءات ضريبية، والحصول على الكهرباء والمياة وجميع الخدمات بالمجان، وهو ما يضرب أي شركة منافسة أو مصنع، ويخربه، بفعل عدم القدرة على منافسة مصانع وشركات الجيش، التي تحظى بالاستحواذ على الأراضي بالمجان والعمالة المجانية للجنود بنظام السخرة، وهو ما يرتد على كل القطاع الاقتصادي المدني سلبا، سواء المصنع الخاصة أو الحكومية…
كما أن سيطرة المؤسسة العسكرية على قطاعات اقتصادية زاد من غضب رجال الأعمال وأصحاب الشركات، ما أدى إلى غلق الكثير من المصانع في مصر بعدما هيمن الجيش على الحياة العامة والاقتصادية.
ثالثا: أسباب اللجوء للبيع والتصفية:
وقد دفعت العديد من المشكلات والأزمات النظام للاتجاة نحو البيع واغلاق المصانع والشركات وتخريد بعضها، وهو ما يخصم من قوة مصر الانتاجية ويهدد عمالها بالبطالة والتعطل عن العمل والانتاج، وهو ما يرتد سلبا على الأمن القومي والأمن المجتمعي..ومن ضمن الأسباب..
1-أزمات اقتصادية متداخلة:
في ظل حالة التدهور الاقتصادي التي تعاني منها مصر، يعاني القطاع الصناعي من أزمات حادة تتفاقم يوماً بعد يوم. علاوة على تراجع قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، ووقف الاستيراد، ونقص المواد الخام ومستلزمات الإنتاج، ساهمت في توقف آلاف المصانع عن العمل. وقد تأثرت الشركات والمصانع بشكل كبير من هذه الأزمات، مما أدى إلى تعثر أكثر من 13 الف مصنع وشركة، وفقًا للتقارير الرسمية.
2-نقص التمويل:
كما أنه من أبرز العوامل التي ساهمت في أزمة الشركات والمصانع هو نقص التمويل. ويعاني العديد من أصحاب المشاريع من صعوبة في الحصول على القروض والتمويل اللازم لتوسيع أعمالهم أو حتى لتلبية احتياجات التشغيل اليومية.
وباتت البنوك والمؤسسات المالية أكثر حذرًا في تقديم القروض بسبب الأوضاع الاقتصادية غير المستقرة والمخاوف من عدم السداد، مما جعل من الصعب على الشركات الصغيرة والمتوسطة الحصول على الدعم المالي الذي تحتاجه.
وعقدت ضبابية المشهد المحيط بالمنطقة، في ظل تصاعد أحداث الحرب الإسرائيلية بغزة والضفة الغربية وتصاعد التوتر العسكري بالبحر الأحمر ولبنان. توقفت البنوك عن منح تمويلات جديدة لشركات عامة، من بينها شركات عقارية وأسمدة، خشية “مخاطر تعثر محتملة”.
فيما لجأت الحكومة إلى زيادة موارد الشركات برفع أسعار الكهرباء والمحروقات والمياه والنقل بنسب تصل إلى 46%، مع زيادة هائلة بقيمة الخدمات الحكومية، بما يضمن توفير سيولة هائلة لمنفذي تلك الخدمات من المستهلكين، مع إلزام الجهات الحكومية بترشيد الاستهلاك، وسداد فواتير الاستهلاك الفعلية، عبر الدفع النقدي وعمل مقاصة بين الجهات المدينة، تستقطع من المنبع عبر قنوات وزارة المالية.
3-تعويم الجنيه وتداعياته:
التعويم، الذي يشير إلى تحرير سعر الصرف للعملة المحلية وجعلها تتأثر بالعرض والطلب في السوق، كان له تأثير كبير على القطاع الصناعي في مصر. واثر التعويم سلبا على العديد من الشركات والمصانع، إذ ارتفعت تكلفة المواد الخام المستوردة ، ما أدى لزيادة التكاليف التشغيلية بشكل كبير.
أما الشركات التي تعتمد على المواد الخام المستوردة لم تتمكن من التكيف مع الزيادة المفاجئة في الأسعار، مما أثر على قدرتها التنافسية في السوق. إضافة إلى ذلك، أدى ارتفاع أسعار الدولار إلى زيادة تكاليف الإنتاج والتشغيل، مما أثر على هوامش الأرباح وأدى إلى بالعديد من الشركات لتقليص أنشطتها أو حتى إغلاق أبوابها.
4-التضخم:
وأيضا، لعبت الأزمات الاقتصادية التي مرت بها مصر في السنوات الأخيرة، مثل التضخم المرتفع والبطالة، للعب دور كبير في اغلاق الكثير من المصانع وتخريب الشركات، ومفاقمة خسائرها..
كذا ساهم انخفاض القوة الشرائية للمستهلكين في تراجع الطلب على المنتجات والخدمات، مما أجبر العديد من الشركات على تقليص حجم أعمالها أو إيقافها بالكامل.
5-ضغوط صندوق النقد على مصر:
ومع خضوع الحكومة لضغوط صندوق النقد الدولي الذي حدد للحكومة سقفا لتمويل الاستثمارات العامة بحد أقصى تريليون جنيه ، خلال العام المالي الجاري، مع حظر دعم الفائدة من البنك المركزي، لأي مشروعات أو جهة بالدولة للحفاظ على مبدأ تكافؤ الفرص بين المتعاملين، وعدم تحميل الموازنة العامة أي أعباء مالية إضافية، لا تمكنها من الوفاء بالتزاماتها تجاه الجهات الدائنة، ساهم ذلك في العجز المالي الكبير وتراجع الانتاج، وفقدان الشركات الكبرى لآليات الانتاج، ومن ثم الخسارة أو الافلاس، ومن ثم التخريد أو العرض للبيع بأي من الوسائل المتبعة..
وتصل قيمة القروض المحلية والأجنبية الواجب سدادها خلال العام المالي الجاري 2024/ 2025 إلى نحو 1.6 تريليون جنيه، بما يقارب إيرادات الدولة، بينما ارتفع إجمالي الدين العام إلى ما يعادل 6 تريليونات جنيه، بنهاية 2023/ 2024.
7- البيروقراطية الإدارية:
ويعد نقص التمويل أحد الأسباب الرئيسية لتعثر المصانع، حيث تواجه الشركات صعوبة في الحصول على القروض اللازمة لشراء المواد الخام أو تحديث المعدات.
كما أن الشروط المشددة للحصول على القروض من البنوك تجعل من الصعب على الشركات الصغيرة والمتوسطة التوسع أو حتى الاستمرار في العمل. بالإضافة إلى ذلك، تساهم الإدارة الضعيفة أو نقص الكوادر الإدارية ذات الخبرة في تراجع الإنتاجية وزيادة تكاليف التشغيل.
وكذا فإن الأنظمة والتشريعات القديمة تعيق عملية النمو والتوسع الصناعي. وتزيد الإجراءات البيروقراطية المعقدة من تكاليف التشغيل وتعقد العمليات الإدارية واللوجستية، مما يضع عوائق أمام الشركات التي تحاول التوسع أو تحسين عملياتها.
8-ارتفاع أسعار مدخلات الانتاج و الكهرباء والوقود:
وأعاد ارتفاع أسعار الكهرباء للقطاع الصناعي في مصر مخاوف إفلاس الشركات الحكومية، ومنها أكبر شركة حكومية لصناعة الألمونيوم، فيما تتوجه شركات الإسمنت إلى خفض معدلات الإنتاج لمواجهة زيادة الكلفة وقلة الطلب. وتسببت الزيادة على الفواتير في قطاع يستهلك نحو 30% من الطاقة في زيادة كلفة الإنتاج في صناعات الحديد والمسابك ما بين 170 و200 جنيه للطن.
وكشف محمد البهي، مدير غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات، عن عدم إخطار وزارة الكهرباء اتحاد الصناعات بالأسعار الجديدة مباشرة، مشيرا إلى أن العاملين في الصناعة تعاملوا مع ما نشرته الصحف على أنه واقع سبق أن اتفقوا مع الحكومة على تنفيذه منذ خمس سنوات، وأكد أن الاتفاق يتضمن رفع أسعار الكهرباء تدريجيا للقطاعات الصناعية، للوصول إلى سعر كلفتها الاقتصادية عام 2024، والذي تأجل تطبيقه لمدة عامين، ثم شرعت الحكومة بتنفيذه في يناير2024.
وتتسبب زيادة قرش واحد على تعرفة الكهرباء في رفع قيمة فاتورة الاستهلاك لشركة مصر للألمونيوم ، مثلا ، بنحو 50 مليون جنيه سنويا، وفق دراسة فنية للدكتور مدحت نافع، رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية السابق، التي تمتلك أصول “مصر للألمونيوم”.
9- نقص إمدادات الغاز والكهرباء للشركات والمصانع:
وتعاني مصر من أزمات طاقة متشعبة، على غثر تراجع انتاج حقل ظهر، واعتماد مصر على الغاز الاسرائيلي، المحاط بأزمات جيوسياسية عديدة، أثر على تشغيل المصانع وتعطل خطوط الانتاج في الكثير من الشركات الاستراتيجية..
في هذا السياق ، قالت الشركة القابضة المصرية الكويتية، في بيان للبورصة المصرية، الاثنين 1 يوليو 2024، إن شركة الإسكندرية للأسمدة التابعة لها، أوقفت مصانعها بسبب أزمة نقص إمدادات الغاز. مضيفة أنه نظرًا لظروف تشغيلية طارئة بالشبكة الإقليمية للغاز بالتزامن مع زيادة الاستهلاك نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، تم إيقاف إمداد الغاز الطبيعي لشركة الإسكندرية للأسمدة.
كما أعلنت أبو قير للأسمدة مع ثلاث شركات كبرى أخرى في قطاع الأسمدة والكيميائيات هي موبكو وسيدي كرير للبتروكيميائيات وكيما، نهاية يونيو الماضي، وقف الإنتاج بسبب نقص الغاز الطبيعي الذي يشكل أحد مدخلات الإنتاج الرئيسية. وتزامنت عمليات الإغلاق تلك مع تفاقم فترات انقطاع التيار الكهربائي المتكررة التي يشهدها المصريون منذ العام الماضي، بسبب نقص الغاز.
ويعد الإغلاق الذي جرى في يوليو الماضي، المرة الثانية التي تغلق فيها شركات الكيميائيات والأسمدة مصانعها منذ بداية يونيو الماضي. وجاءت عمليات الإغلاق الأولى بعدما خفضت الحكومة مؤقتا إمدادات الغاز إلى المصانع.
ولمواجهة أزمة إمدادات الغاز للمصانع، أعلنت شركة سيدي كرير للبتروكيميائيات “سيدبك”، أنها تخطط من خلال تحالف يضم عدة أطراف لاستيراد غاز الإيثان السائل “الغاز الصخري الأميركي” وأضافت الشركة في بيان صحفي آنذاك ، أنه بعد الانتهاء من الحصول على موافقة أطراف التحالف سيتم البدء باتخاذ الإجراءات اللازمة لإنشاء شركة خاصة بالمشروع خلال العام الجاري.
من جانبها، أعلنت شركة أبو قير للأسمدة، وهي واحدة من أكبر شركات الأسمدة المصرية، نيتها التحول جزئيا إلى الاعتماد على الهيدروجين في وقت تشهد البلاد نقصا في الغاز الطبيعي يتسبب في انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع. وقالت الشركة في إفصاح للبورصة عن ملخص قرارات مجلس إدارة الشركة الذي انعقد وفقا لوكالة رويترز، أن “الموافقة بالإجماع على البدء في إجراءات مشروع الإحلال الجزئي للغاز الطبيعي بالهيدروجين. الموافقة بالإجماع على تركيب محطات طاقة شمسية في الشركة بقدرة إجمالية 2.5 ميغاوات لتقليل استهلاك الكهرباء من الشبكة أو مولدات الكهرباء الداخلية”.
10-فشل سياسات إنقاذ الصناعة الوطنية:
ويواجه القطاع الصناعي والمصانع بمصر أزمات عدة، في مقدمتها، عدم توفير الأراضي الصناعية للمستثمرين بأسعار مناسبة، وصعوبة تدبير الدولار لهم لاستيراد الخامات اللازمة للصناعة.
علاوة على أن أي مستثمر يأتي إلى مصر يعاني من عذاب رهيب حتى ينهي الإجراءات والاشتراطات الحكومية لتنفيذ مشروعه”.
ووفق تقرير للجنة الصناعة بالبرلمان، في العام 2022،
فإنه منذ عامين، ولا يستطيع أي مستثمر شراء أرض في مصر، وتصريحات المسؤولين الحكوميين عن تسهيل إجراءات توفير مدخلات الإنتاج لصالح الصناعة المحلية هي للاستهلاك الإعلامي..
ولا توجد إرادة حقيقية للنهوض بهذا القطاع الهام والحيوي، والأسباب متعددة وراء أزمة الصناعة المصرية، ومنها عدم توفر الدولار للمصنعين لاستيراد الخامات بعد رفع سعره مؤخراً مقابل الجنيه..
كما لم تقدم الدولة شيئاً لتشغيل المصانع المحلية، و50% تقريباً من مساحات المناطق الصناعية غير مستغلة..
محافظة المنيا على سبيل المثال يعمل فيها 200 مصنع فقط من أصل 580، والمساحة المتبقية من المنطقة الصناعية غير مستغلة.
كما أن الهيئة العامة للتنمية الصناعية فيها أشخاص لا يصلحون لشغل مناصبهم..
ووفق برلمانيين، فإن أداء وزارة التجارة والصناعة لا يليق بدولة في حجم مصر. والحكومة تضع أسعاراً مرتفعة للغاية في المدن الصناعية بدلاً من أن تكون بالمجان…
متسائلين “هل يعقل أن يصل سعر المتر إلى 700 جنيه في المدن الصناعية، بخلاف تحمل المستثمر جميع تكاليف توصيل المرافق”.
رابعا: قطاعات استراتيجية تواجه الانهيار:
1-الغزل والنسيج:
ومؤخرا، كشف مسئول نقابي بالغزل والنسيج أن هناك اتجاهاً لتصفية وبيع ما يقرب من 70% من مصانع الغزل والنسيج من نهاية عام 2019، الموجودة بمنطقتي “المحلة الكبرى” بمحافظة الغربية و”شبرا الخيمة” التابعة لمحافظة القليوبية ، وطرح أراضي تلك المناطق للبيع، لإقامة مشروعات استثمارية خاصة من بينها أبراج سكنية ومستشفيات ومدارس تابعة للقطاع الخاص، ما يتسبب في تشريد الآلاف من العمال.
كما أن وزارة قطاع الأعمال تقوم بتصفية ما يقرب من 800 مصنع غزل ونسيج بمدينة المحلة الكبرى من بين 1200 مصنع يعمل فيها ما يقرب من نصف مليون عامل، ونفس الأمر في مصانع “شبرا الخيمة” التي تدهور بها الحال، وانخفضت أعداد الورش إلى أقل من 200 ورشة بدلاً من 600، بسبب الديون وارتفاع التكاليف وهجرة العمالة إلى صناعات أخرى، وبات غلق مصانع النسيج في المحافظات وبيع معداتها خردة أمراً مألوفاً.
وفي نهاية 2019 قدّم أعضاء النقابة العامة للغزل والنسيج برئاسة عبد الفتاح إبراهيم مذكرة عاجلة إلى رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ووزير قطاع الأعمال، للمطالبة بإنقاذ قطاع الغزل والنسيج بعدما دخل “نفقاً مظلماً” مليئاً بالكثير من التحديات، من بينها تهالك المعدات وعدم قدرة المصانع على تحديث الآلات وصعوبة تدبير قطع الغيار نتيجة تراكم الديون، بالإضافة إلى مشكلات التعثر ونقص السيولة وزيادة أسعار الخامات، وهو ما أدى إلى ضعف القدرة التنافسية أمام المنتجات المستوردة من الخارج.
2-الحديد والصلب:
وتواجه مصانع الحديد والصلب تحديات كبيرة فى عهد الانقلاب بقيادة عبدالفتاح السيسي تهدد بإفلاسها وإغلاق أبوابها بسبب تراجع مبيعاتها و تزايد مديونيات البنوك، ومع تصاعد الأزمة قررت بعض المصانع إطفاء أفران الصهر لديها كما حدث فى مصنع بيانكو والذى كان مستأجرا من رجل أعمال سكندرى شهير تعرض مؤخرا للتعثر المالى.
كما تسبب ضعف الطلب على الحديد ومسطحات الصلب فى بعض المصانع الكبيرة في مشاكل مع البنوك الدائنة منها مجموعة عز، وبشاى، والجارحى، والعشرى بقليوب و6 أكتوبر، والمراكبى، والجيوشى، وعياد، والحديد والصلب المصريه وغيرها.
يشار إلى أن كل هذه الشركات أصبحت عاجزة عن سداد أصول وفوائد ديونها للبنوك الدائنة فى ظل التراجع الشديد فى الأرباح والمبيعات نتيجة تراجع الطلب والضعف الرهيب فى مسحوبات الحديد والمسطحات سواء الباردة أو الساخنة والصاج، بالإضافة إلى رفض حكومة الانقلاب تقديم حزمة إجراءات إصلاحية لواحدة من أهم الصناعات المصرية كما فعل الاتحاد الأوروبى مؤخرا عندما توسع فى الإجراءات الحمائية بهدف حماية صناعته.
وكانت مصانع الحديد قد واجهت أزمة كبيرة عقب قرار حكومة الانقلاب في العام 2019 بفرض رسوم على خام البليت بنسبة 15%، ما أدى إلى توقف إجباري لمصانع الدرفلة عن الإنتاج بسبب عدم توافر الموا الخام لدى المصانع المتكاملة التي تستكمل احتياجاتها منه لتشغيل الطاقة الإنتاجية لديها في مصانعها من الدرفلة إلى جانب ارتفاع سعر البليت المستورد مضافا إليه الرسم 15%، ليصل سعره إلى نحو 10880 جنيها-وفق إحصاءات 2020- في الوقت الذي تتجاهل فيه حكومة الانقلاب حل أزمة المصانع المتوقفة عن العمل.
وتكمن مشكلة أصحاب المصانع أساسا إلى ارتفاع أسعار الطاقة، بالإضافة إلى فوائد القروض البنكية..
3-الصناعات المعدنية: شركة ميتالكو للمعادن:
وبعد 56 عامًا من العمل بالسوق المصرية والأسواق الخارجية، قررت الحكومة تصفية وإغلاق الشركة المصرية للإنشاءات المعدنية “ميتالكو”، وكلفت فريق عمل لإنهاء الإجراءات المتعلقة بالتصفية.
والسبب في اتخاذ قرار التصفية، هو تنامي خسائر الشركة في السنوات الأخيرة، على الرغم من تطبيق إجراءات لإنقاذها، لكن الخسائر المجمعة في نهاية 2023 ارتفعت إلى 1.394 مليار جنيه، يمثل 975% من حقوق المساهمين، ووجود مديونية على الشركة بلغت 1.476 مليار جنيه، وبلغ رأس المال العامل بالسالب 1.335 مليار جنيه، وظهر إجمالي الاستثمار بالسالب بنحو 1.250 مليار جنيه.
وبدأت الشركة المصرية للإنشاءات المعدنية “ميتالكو” نشاطها عام 1968 في مجال تصميم وتصنيع وتركيب كافة أنواع الإنشاءات المعدنية، وتعتبر من أولى الشركات التي تخصصت في هذا المجال.
وعملت الشركة في مشروعات البنية الأساسية للصناعات المعدنية والكيميائية حيث قامت بتنفيذ مشروعات البنية الأساسية للصناعات المعدنية والكيميائية داخل مصر مثل مصانع الحديد والصلب المصرية، مصر للألومنيوم، النحاس المصرية، السبائك الحديدية والعديد من مصانع الأسمدة والأسمنت ومصانع السكر، وكذلك المشروعات القومية مثل الكباري المعدنية وصوامع التخزين وخزانات البترول والمياه والزيوت.
وحققت الشركة خلال فترة عملها تميزا في تصنيع أبراج الكهرباء التي غطت كل ربوع مصر وكذلك أبراج الاتصالات السلكية واللاسلكية.
4-صناعة الألومنيوم:
وتدفع زيادة فاتورة الكهرباء “مصر للألمونيوم” إلى خسائر تقدر بنحو 1.5 مليار جنيه سنويا، دفعتها إلى الاتفاق مع شركة أوروبية لإقامة محطة توليد كهرباء خاصة بقدرة 1000 ميجاوات، تعمل بنظام مزدوج يعمل بالطاقة الشمسية والوقود الحراري..
وتدفع الأزمة المالية شركة مصر للألمونيوم إلى الاقتراض من البنوك بضمان أصولها، وفي ظل قرارات اتخذتها الحكومة أخيرا تفيد بأن الشركة التي تتعرض لتآكل رأسمالها تتعرض للدمج بشركات أخرى أو للتصفية، بما يهدد مصير نحو 30 ألف عامل يقيمون داخل تجمع صناعي وسكني خاص بها، على بعد 100 كيلومتر شمال مدينة الأقصر بجنوب البلاد.
ويخشى مراقبون أن تلقى شركة مصر للألمونيوم مصير شركات “الحديد والصلب” و”الهندسية للمعادن” التابعتين للشركة القابضة للصناعات الهندسية، اللتين تباع مصانعها خردة للاستفادة من عوائد بيع أراضيهم وأصولهم العقارية، مع تسريح آلاف العاملين بعد منحهم مكافآت هزيلة، بينما تفتح الحكومة أبوابها لاستيراد منتجات الشركات المغلقة من الأسواق الدولية، تستنزف العملة الصعبة وترفع قيمة الواردات.
5-صناعة الأسمدة:
ومن ضمن القطاعات الاستراتيجية، التي يفرط بها السيسي، معرضا مصر للخسائر وشل الاقتصاد وتفاقم البطالة..
وفي مايو الماضي ، أوقفت مصانع أسمدة و شركات كيماويات في مصر العمل مؤقتاً وبشكل احترازي في مصانعها بسبب نقص الغاز وزيادة الضغوط الناجمة عن الاستهلاك على شبكة الغاز الطبيعي، ما أدى إلى عدم استقرار في الشبكة، فيما أعلنت وزارة البترول عودة إمدادات الغاز إلى المصانع بصورة تدريجية..
وقالت الشركة القابضة المصرية الكويتية وشركة مصر لإنتاج الأسمدة (موبكو) وشركة أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية إنها ستتوقف عن العمل لمدة 24 ساعة حتى يستقر الضغط على الشبكة، فيما لم تحدد شركة الصناعات الكيماوية المصرية (كيما) وشركة سيدي كرير للبتروكيماويات جدولاً زمنياً للتوقف.
وتضررت إمدادات الغاز الموجهة إلى مصانع أسمدة من القطع ..
فيما أوضحت وزارة البترول في بيان أن حصة مصانع الأسمدة من الغاز وُجِّهَت إلى محطات توليد الكهرباء في ضوء أعمال الصيانة الوقائية للشبكات.
ونشرت “بلومبيرغ” أخيراً تقريراً عن نقص الغاز في الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في الشرق الأوسط، قالت فيه إن “مصر، وهي عادة دولة مصدرة للغاز، بدأت بشراء شحنات من الغاز الطبيعي المسال لدرء النقص المتزايد في الطاقة”.
6-صناعة الورق:
أما صناعة الورق، فالبيانات الخاصة بالهيئة العامة للاستثمار المصرية، تظهر عبر نموذج لدراسة جدوى لصناعة الكرتون، أن استهلاك مصر من الورق يصل إلى 600 ألف طن، في حين تنتج مصر نحو 225 ألف طن، وذلك وفق بيانات عام 2019.
وتعتمد مصر على استيراد الورق بنسبة كبيرة، فيتم استيراد 60% من الاحتياجات السنوية من الورق الأبيض اللازم للسوق المصري، وكذلك يتم استيراد نسبة 90% من ورق الصحف.
7-صناعة السكر:
وإلى جانب سياسات التضييق على زراعات المحاصيل الاستراتيجية، كالبنجر وقصب السكر، وتعمد تخسير الفلاحين، بتحديد أسعار متدنية لتوريد المحاصيل الاستراتيجية، شهدت مصر خلال الشهور الماضية، مشكلة كبيرة في مصانع السكر، إذ تم إيقاف خطوط الإنتاج بشركة “أبو قرقاص” لنحو شهرين، ثم عاودت الإنتاج مرة أخرى، مما جعل الشكوك تحوم حول نية الحكومة لتصفية الشركة، في الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمة سكر في كافة مدنها وقراها.
خامسا: إشكالات حول عمليات التصفية والاغلاق:
وفي كثير من حالات اغلاق المصانع وبيع الشركات، حدثت العديد من الاشكالات، والأزمات التي تنعكس على المجتمع المصري ككل..
1-فساد حكومي كبير في قوانين تحصين عقود الحكومة:
وكانت منظمتا “هيومن رايتس ووتش” ومنظمة “الديمقراطية الآن للعالم العربي” حذرتا، مؤخرا، من بعض البنود في اتفاق القرض الجديد الذي أبرمه “صندوق النقد الدولي” مع مصر مثل التقشف وبيع أصول الدولة.
وذكر، في بيان مشترك، أن “تركيز البرنامج الشديد على بيع الأصول الحكومية قد يؤدي إلى خطر الفساد الذي يصب في مصلحة البلدان ذات السجلات الحقوقية التعسفية، فثمة تاريخ طويل من استخدام عمليات البيع مثل هذه لإثراء النخبة السياسية”.
وكانت المحكمة الدستورية العليا في مصر، قررت رفض دعوى عدم دستورية قانون تنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة، الذي يقصر حق الطعن في صحة عقود الدولة بالتصرف في الممتلكات العامة أمام المحاكم على طرفي العقد فقط دون غيرهما.
بينما ترى الحكومة المصرية أن هذه الخطوة ضرورية وستساعد الاقتصاد المصري في التعافي من خلال إعادة هيكلة الشركات وزيادة رأس مالها ونشاطها والتوسع في خطوط إنتاج جديدة، ومن ثم إضافة فرص عمل وتوسعة عملية الإنتاج.
ولم تضع الحكومة المصرية رؤية اقتصادية شاملة لحل مشكلات البلاد، لكنها تتجه لبيع “أصول الدولة”، من أجل “سداد الديون والقروض وفوائدهما”..
وتبرر الحكومة أن بيع الشركات لمستثمرين أو شركاء استراتيجيين، يعود بالنفع على الدولة، اذ أن تلك الشركات ستدفع “ضرائب أكثر” تصب في الموازنة العامة للدولة ويمكن استغلال جزء منها لدعم المهمشين والأكثر احتياجا.
2–تجاهل حلول إنقاذ الشركات :
وفي وسط السعر الحكومي المتصاعد للبيع من أجل الحصول على الدولار ، من أجل سداد ديون السيسي المستحقة، تجاهلت الحكومة خطط إنقاذ الشركات المتعثرة والمعروضة للخصخصة، أو تلك التي وقعت تحت طائلة مقصلة التصفية، فهناك العديد من الحلول التي كان اللجوء إليها مسارا للحل، مثل التأجير للقطاع الخاص، أو البحث عن شريك أجنبي يعمل على التطوير.
وثمة أمر مثير للريبة بشأن الشركات التي يتم تصفيتها، أنه يتم تغيير في إداراتها، ثم زيادة معدلات خسائرها وارتفاع مديونيتها، لتكون مؤهلة أمام الرأي العام للتصفية، وليس البيع أو الخصخصة الجزئية.
3-خسائر مالية بالجملة:
وثمة تقديرات مهمة لوجود الشركات التي يتم تصفيتها في مصر، فغالبية هذه الشركات، تم إنشاؤها في خمسينيات وستينيات القرن الـ20، وكانت تقدم منتجات حقيقية، بل إستراتيجية، فلنا أن نتخيل أن مصر تعاني من عجز في موازينها التجارية لسلعتي الحديد والورق، إذ قامت الحكومة بتصفية شركتين مهمتين في هذا المجال.
فالبيانات الخاصة بالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2023، تعكس وجود عجز في الميزان التجاري لحديد التسليح بما يقارب ملياري دولار، فالواردات في هذا العام من حديد التسليح بلغت 4.21 مليارات دولار، بينما الصادرات بلغت 2.33 مليار دولار.
فضلا عن كون الحديد لا تقتصر فائدته على قطاع التشييد والبناء، ولكنه مكون رئيس في العديد من الصناعات القائمة على التعدين، في المجالات المختلفة، ويعد التحدي الكبير في هذه الصناعة على القيمة المضافة التي تصنعها التكنولوجيا لخام الحديد.
أما صناعة الورق، فالبيانات الخاصة بالهيئة العامة للاستثمار المصرية، تظهر عبر نموذج لدراسة جدوى لصناعة الكرتون، أن استهلاك مصر من الورق يصل إلى 600 ألف طن، في حين تنتج مصر نحو 225 ألف طن، وذلك وفق بيانات عام 2019.
وتعتمد مصر على استيراد الورق بنسبة كبيرة، فيتم استيراد 60% من الاحتياجات السنوية من الورق الأبيض اللازم للسوق المصري، وكذلك يتم استيراد نسبة 90% من ورق الصحف.
فما بالنا أن الدولة تتخلى عن مصانع قائمة و تسد فجوة ضرورية داخل السوق المحلي؟!!!
أما بالنسبة لصناعة الأسمنت، وإن كانت مصر تحقق اكتفاء ذاتيا في هذه السلعة، وتعمل على التصدير، فإن ما تم بالنسبة للشركة القومية للأسمنت، يطرح العديد من الأسئلة عن قرار التصفية، فالحكومة في الوقت الذي تصفي فيه الشركة، يقوم الجيش بإقامة مصنع جديد للأسمنت، في محافظة بني سويف.
4– غياب الشفافية في عمليات التصفية:
كما تغيب الشفافية لدى الحكومة المصرية بشأن تصفية الشركات العامة، فنحن أمام أصول رأسمالية متمثلة في العدد والآلات، فكيف ستتصرف فيها الحكومة؟ هل ستعلن عن بيعها خطوط إنتاج للقطاع الخاص المحلي أو في خارج مصر؟ أم سيتم التصرف فيها على أنها خردة، وبطبيعة الحال في حالة تبني الخيار الأخير، سوف تباع بثمن زهيد مقارنة بثمنها الذي اشتريت به.
وكانت العديد من الدول الشرقية، اعتمدت بيع خطط الإنتاج للدول النامية، ولم تبعها كخردة، وهو ما حقق لها كفاءة مالية..
7- إشكالات تنفيذية :
ويؤكد الباحث في الاقتصاد السياسي، وائل جمال، وجود مشاكل جوهرية في برامج الحكومة الاقتصادية التي تعلنها سواء بالاتفاق مع صندوق النقد أو غيره “وتتمثل في غياب الشفافية، وعدم وضوح آليات تنفيذ هذه البرامج، مما يُثير قلق المواطنين ويُفقد الثقة بجدوى هذه البرامج الحكومية” وأضاف “ولا أعتقد أنها برامج وطنية”.
مضيفا أن هناك أبعادا أخرى تتعلق بعوائد بيع الأصول المملوكة للمصريين، وتساءل: هل يعكس هذا القرار حاجة الدولة الماسة إلى سيولة نقدية رغم التدفقات المالية الكبيرة التي تلقتها مؤخرًا؟ ثم أجاب: نعم الفجوة التمويلية ضخمة، والتدفقات المالية لا تصل في يوم وليلة وإنما على دفعات.
كما طرح جمال -وقد شغل رئيس وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية- العديد من الأسئلة الأخرى:
ما هي الأصول المستهدفة بالتصفية؟
وهل تُستخدم في تمويل مشاريع تنموية جديدة أم تُوجه لسد العجز في الموازنة؟
هل هناك شفافية في كيفية استخدام هذه العوائد؟
وأجاب بالقول: بالطبع جزء منها يذهب لسداد أقساط الديون وفوائدها وزيادة حجم الاحتياطي النقدي، ولكن لا نعلم المزيد.
وعن الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لبرنامج الطروحات أو تصفية الأصول على المواطنين، يعتقد جمال أن ذلك يعني تخلي الدولة عن مسؤولياتها تجاه الخدمات المقدمة للمواطن بأسعار مناسبة من جهة، وبيع الأصول والشركات القيمة للدولة مقابل الحصول على إيرادات لمرة واحدة بدلا من الاستفادة من الأرباح السنوية لتلك الأصول سواء كانت شركات أو مصانع أو بنوكا أو عقارات.
سادسا: انعكاسات بيع خصخصة الشركات الحكومية وإغلاق المصانع:
1-أزمات اقتصادية واجتماعية بالجملة:
كانت قرارات خصخصة الشركات والمؤسسات العامة خلال السنوات الماضية في مصر مثيرة للجدل، لما ترتب عليها من تسريح لجزء كبير من العمالة، أو تملك الأجانب لحصص معتبرة من ملكية الشركات العامة، فضلا عما تم من فساد في بعض عقود الخصخصة، وكانت ساحات القضاء زاخرة بهذه القضايا.
كما أن العائد من عملية الخصخصة، لم يوجه لإقامة أصول رأسمالية جديدة، بل وجه لسد عجز الموازنة العامة للدولة، وسداد ديون هذه الشركات، ودفع مستحقات العمال بالشركات المخصخصة في إطار برنامج المعاش المبكر، أو تسوية مستحقاتهم.
وبحسب بيانات وزارة المالية، عبر التقرير المالي الشهري لفبراير 2024، فإن عدد الشركات التي تم بيعها وتصفيتها على مدار الفترة 1993-2016، بلغت 282 شركة، بقيمة بلغت 53.6 مليار جنيه مصري. وكان عدد الشركات التي تم تصفيتها خلال هذه الفترة 34 شركة.
ولكن توجه الحكومة خلال السنوات الماضية، لعملية تصفية الشركات، وبيع خطوط الإنتاج بها كخردة، واعتبار أراضيها فرصة لمشروعات عقارية، مثل أحد أهم أوجه الاعتراض، لخروج هذه الشركات من دائرة العمل والإنتاج.
والبداية كانت شركة القومية للأسمنت، ثم شركة الحديد والصلب المصرية، ومؤخرا شركة راكتا لإنتاج الورق.
2-إهدار أصول الدولة بلا عائد على الشعب:
وتكمن المشكلة في برنامج الطروحات الحكومية وبيع الشركات، بحسب الخبير الاقتصادي الدكتور إبراهيم نوار، في “أن إيرادات بيع الأصول الاستثمارية في قطاعات الطاقة والكيماويات والأسمدة والتمويل والإسكان ستذهب لسداد فوائد الديون ومن الصعب تعويضها أو تكرارها”.
ومن المتوقع أن تتراوح نسب بيع حصص الدولة في الأصول ما بين 5% و20% من أسهم الشركات المطروحة للبيع، إذ أن البيع سيتركز في قطاع الطاقة وشركات هذا القطاع ذات طبيعة استثمارية جاذبة، لأنها حيوية من جهة ومربحة من جهة أخرى.
3-عدم إقامة أصول رأسمالية جديدة:
والأدهى من عمليات البيع وإغلاق المصانع والتفريط في أصول مصر، أن العائد من عملية الخصخصة، لم يوجه لإقامة أصول رأسمالية جديدة، بل وجه لسد عجز الموازنة العامة للدولة، وسداد ديون هذه الشركات، ودفع مستحقات العمال بالشركات المخصخصة في إطار برنامج المعاش المبكر، أو تسوية مستحقاتهم.
وبحسب بيانات وزارة المالية، عبر التقرير المالي الشهري لفبراير 2024، فإن عدد الشركات التي تم بيعها وتصفيتها على مدار الفترة 1993-2016، بلغت 282 شركة، بقيمة بلغت 53.6 مليار جنيه مصري.
وكان عدد الشركات التي تم تصفيتها خلال هذه الفترة 34 شركة.
ولكن توجه الحكومة خلال السنوات الماضية، لعملية تصفية الشركات، وبيع خطوط الإنتاج بها كخردة، واعتبار أراضيها فرصة لمشروعات عقارية، مثل أحد أهم أوجه الاعتراض، لخروج هذه الشركات من دائرة العمل والإنتاج.
فالبداية كانت بشركة القومية للأسمنت، ثم شركة الحديد والصلب المصرية، وشركة راكتا لإنتاج الورق.
4-تشريد العمالة الماهرة:
وتعد قضية العمالة المسرحة واحدة من أهم القضايا الاجتماعية السلبية الناتجة لعمليات خصخصة وتصفية المشروعات العامة في مصر، ففي الشركات الثلاث التي تم تصفيتها خلال السنوات القليلة الماضية (القومية للأسمنت، وشركة الحديد والصلب، وشركة راكتا للورق) يبلغ عدد العاملين نحو 9.5 آلاف عامل.
وتأتي هذه القرارات في الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمة اقتصادية ومالية خانقة، بل المثير للدهشة أنه في شركة راكتا، على سبيل المثال، أتت البيانات الخاصة بتحقيقها خسائر في السنة الأخيرة، بسبب ما اقترضته الشركة لسداد مستحقات العاملين المحالين للمعاش المبكر.
ويضاف لسوق العمل هذا العدد من العاطلين الجدد، فأعمارهم متفاوتة، وخبراتهم كبيرة نظرا لما حصلوا عليه من تدريب وعمل حقيقي لسنوات، فيعزف عنهم القطاع الخاص، هروبا من دفع رواتب لهؤلاء العاملين تكافئ خبراتهم.
وعادة ما تأخذ الحكومة في مجال تسريح العمالة، خطوة واحدة، وهي التخلص من العمال لخصخصة الشركات أو تصفيتها، ولكنها لا تتبنى برامج لإعادة تأهيل للعمالة المسرحة لتدفع بها مرة أخرى لسوق العمل، فعمال هذه الشركات، تعودوا على حركة عمل كبيرة وبيئة عمل منظمة، وحقوق اقتصادية واجتماعية، لا يوفرها لهم القطاع الخاص، فضلا عن سوق العمل غير المنظم.
أو حتى خطوة توفير مشروعات متناهية الصغر للعمالة المسرحة، لا توفرها الحكومة، ولكنها تتركهم وشأنهم، لتفرط في أهم مكونات الموارد الاقتصادية، وهي الموارد البشرية.
ويحمل إغلاق المصانع العديد من التداعيات الخطيرة، من تسريح العمال وانضمامهم إلى طوابير البطالة، علاوة على ارتفاع الأسعار للسلع الغذائية والملابس وغيرها من السلع الضرورية .
كما تتهم الحكومة المصرية بأنها لا تتبنى برامج لإعادة تأهيل العمالة المسرحة لتدفع بها مرة أخرى لسوق العمل ..
5- تدمير قطاعات العمل والعمال وزيادة التوتر الاجتماعي:
وتعد قضية العمالة المسرحية واحدة من أهم القضايا الاجتماعية السلبية الناتجة لعمليات خصخصة وتصفية المشروعات العامة في مصر، ففي الشركات الثلاث التي تم تصفيتها خلال السنوات القليلة الماضية (القومية للأسمنت، وشركة الحديد والصلب، وشركة راكتا للورق) يبلغ عدد العاملين نحو 9.5 آلاف عامل.
وتأتي هذه القرارات في الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمة اقتصادية ومالية خانقة، بل المثير للدهشة أنه في شركة راكتا، على سبيل المثال، أتت البيانات الخاصة بتحقيقها خسائر في السنة الأخيرة، بسبب ما اقترضته الشركة لسداد مستحقات العاملين المحالين للمعاش المبكر.
فيضاف لسوق العمل هذا العدد من العاطلين الجدد، وأعمارهم متفاوتة، وخبراتهم كبيرة نظرا لما حصلوا عليه من تدريب وعمل حقيقي لسنوات، فيعزف عنهم القطاع الخاص، هروبا من دفع رواتب لهؤلاء العاملين تكافئ خبراتهم.
وعادة ما تأخذ الحكومة في مجال تسريح العمالة، خطوة واحدة، وهي التخلص من العمال لخصخصة الشركات أو تصفيتها، ولكنها لا تتبنى برامج لإعادة تأهيل للعمالة المسرحة لتدفع بها مرة أخرى لسوق العمل، فعمال هذه الشركات، تعودوا على حركة عمل كبيرة وبيئة عمل منظمة، وحقوق اقتصادية واجتماعية، لا يوفرها لهم القطاع الخاص، فضلا عن سوق العمل غير المنظم. أو حتى خطوة توفير مشروعات متناهية الصغر للعمالة المسرحة، لا توفرها الحكومة، ولكنها تتركهم وشأنهم، لتفرط في أهم مكونات الموارد الاقتصادية، وهي الموارد البشرية.
ويعاني معظم عمال مصر من سوء أحوال معيشية في ظل تدني رواتبهم واستمرار غلق آلاف المصانع، في وقت يتعامل الأمن بمنتهى الشدة والتهديد بالاعتقال لكل من تسوّل له نفسه القيام بأي أعمال احتجاجية في الشوارع وأمام الإدارات الحكومية ومجلس النواب.
ويعاني عمال القطاع الخاص الكثير من المشكلات، منها التهديد بالفصل التعسفي حال المطالبة بأي حقوق مشروعة لهم، في حين لا يوقع معظم العاملين في هذا القطاع عقود عمل قانونية بحسب الأصول، بل يوقعون على استقالة تشتهر في مصر باسم “استمارة 6″، وتكون جاهزة للتفعيل في أي وقت يرغب صاحب العمل في إقالة أي عامل من دون إبداء أسباب، وهو ما أدى إلى إدراج منظمة العمل الدولية مصر في القائمة السوداء للدول المنتهكة لحقوق العمال.
ووفقاً لتقارير اقتصادية من اتحاد الصناعات المصرية، فإن عدد المصانع المغلقة في مصر تجاوز 13 ألف مصنع، خلفت وراءها ما يقرب من 600 ألف عامل مصري عاطل من العمل انضموا إلى طابور المتعطلين، بعد أن كان إنتاجهم يصدر لدول مختلفة، وهي مصانع ساهمت يوماً في توفير العملة الصعبة.
6-غياب البديل الانتاجي للمصانع والشركات المخربة:
وتمثل الشركات التي يتم تصفيتها، حصة معتبرة من الإنتاج المحلي كما ونوعا، ومع ذلك يتم تصفيتها، من دون وجود بديل يقوم بدورها، ويحرم السوق المحلي من الحصة التي كانت تؤديها هذه الشركات.
فلا يتوفر البديل، سواء من قبل القطاع العام أم القطاع الخاص، ولا حتى من قبل شركات الجيش، فكيف للقطاع الخاص في مصر أن يقيم شركات بحجم وقيمة الشركة القومية للأسمنت، وشركة الحديد والصلب، أو شركة راكتا للورق، فمساحات الأراضي كبيرة، وخطوط الإنتاج كذلك، فضلا عن العمالة المدربة والماهرة، والتي تكلفت الشركات في بنائها ملايين الجنيهات.
إن كل ما شغل الحكومة عند تصفية شركتي الأسمنت والحديد، هو مساحات الأراضي، التي سوف توظفها في الاستثمار العقاري. وهو أمر يعكس أضرارا كبيرة لأداء الناتج المحلي، فتحويل المؤسسات الإنتاجية للسلع إستراتيجية، إلى مجرد تجمعات سكانية، يعني تحول من الإنتاجية إلى الريعية، ويدفع بالبلاد إلى مزيد من التبعية للخارج.
والغريب أن الدولة تتخلص من شركات إنتاج الحديد والصلب، في الوقت الذي تعتمد في أدائها بالنشاط الاقتصادي على مشاريع كبيرة في مجال البنية الأساسية، مما يعني تفاقم أزمة النقد الأجنبي خلال السنوات القادمة، بسبب استيراد مواد الحديد والورق من الخارج بمبالغ أكبر مما كان عليه الوضع في السنوات الماضية.
7-خسارة لمصر ومكاسب للمستثمر الأجنبي:
وفي العام 2023، أظهرت نتائج أعمال أبو قير للأسمدة ارتفاع صافي أرباح الشركة خلال النصف الثاني من 2022 إلى 7.2 مليار جنيه ما يمثل زيادة بنحو 125.8% عن نفس الأرباح المسجلة في نفس الفترة من العام السابق.
وقامت أبو قير مؤخرا بإتمام سلسلة من صفقات البيع للحصص الحكومية في الشركة، حيث باعت في ديسمبر 2021 نسبة 10%، في واحدة من الخطوات التي تستجيب للمطالبات بتعميق مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، وفي إبريل، وتم الإعلان عن بيع حصة أخرى بنسبة 21.5%، وفي أغسطس تم بيع نحو 20% من الشركة. لكن صفقات البيع أثارت جدلا بالنظر إلى محدودية قيمة العائد منهما أمام فرص الشركة في الربح.
وقالت أبو قير في بيان للبورصة إنها كانت تخطط لأن تربح خلال النصف الثاني من 2022 ما قيمته 1.7 مليار جنيه فقط، وأن الأرباح الفعلية جاءت بزيادة 315.8% عن المخطط.
وأوضحت الشركة في بيانها إن الأرباح تحسنت مع تحرير سعر الصرف في أكتوبر 2022، مع توجيه الشركة نسبة مهمة من إنتاجها نحو التصدير.
وأشارت الشركة أيضا في سياق حديثها عن أسباب الربح إلى موافقة الحكومة خلال 2021 على رفع سعر توريد طن الأسمدة الأزوتية المدعمة (يوريا ونترات) إلى 4400- 4500 جنيهًا للطن من 2900- 3000 جنيهًا، كما تمت زيادة أسعار البيع الحر (يوريا ونترات) اعتبارا من مايو 2022 إلى 9450-9650 جنيهًا للطن من متوسط 8302 جنيه للطن.
8-أزمات معيشية وغلاء الأسعار:
وفي مصر، يعيش ثلث سكان البلاد البالغ عددهم 110 ملايين، تحت خط الفقر، وفق البنك الدولي، بينما ثلث آخر “معرضون لأن يصبحوا فقراء”.
ولعل بيع المصانع واغلاقها، يفاقم من فقر المصريين، إذ أن طرح الشركات وبيعها العديد من الآثار السلبية الكارثية على معيشة المصريين، فبيع الشركات سيقلل من فرص الأجيال القادمة للاستفادة من المدخلات الحكومية..
فالمواطن البسيط لن يستفاد من السلع والخدمات التي كانت تقدمها الشركات والبنوك التابعة للدولة..كما أن الأسعار سوف تتضاعف لأن المستثمر يهمه الربح فقط..ومن ثم فأن بيع الشركات سيزيد من الأعباء على كاهل المواطن، لأن ذلك يعني حرمان قطاع من الشعب المصري لا يملك سوى قوت يومه من الحصول على أسهم الشركات وبالتالي الحصول على أرباحها..
وهناك ما بين 20 إلى 30 % من أرباح الشركات لن يتمتع بها المواطن المصري سواءً بالجيل الحالي أو الأجيال القادمة…
7- خسارة استراتيجية لمصر:
وتتفاقم الأزمات الناجمة عن بيع وتخريب المصانع والشركات، أن أغلب المصانع كانت تنتج منتجات استراتيجية، اذ انه من بين المصانع المغلقة 1200 مصنع تابع لقطاع الغزل والنسيج، نتيجة توقف زراعة القطن وتهالك المصانع، إضافة إلى عدد كبير من المصانع بمدن 6 أكتوبر والسادات والعاشر من رمضان وبرج العرب والعبور وبدر وأسيوط الصناعية والكوثر وشبرا الخيمة.
وأعلن العديد من أصحاب المصانع إفلاسهم، بسبب تفاقم الديون عليها، في الوقت الذي تؤكد فيه الحكومة المصرية على جذب الاستثمارات، وتعديل قانون الاستثمارات بزعم استثمارات عربية وأجنبية واستثمارات داخلية.
ومن مصانع قطاع الأعمال التي توقفت عن العمل، نتيجة خلافات إدارية كبيرة مع الحكومة، مصنع “إسمنت طره” الذي يعد أحد قلاع صناعة الإسمنت في المنطقة، وتوقفه عن العمل أدى إلى زيادة أسعار طن الإسمنت داخل البلاد،
فيما تحدث العمال عن تعمداً من إدارة الشركة للخسارة والتخريب لتسريح العمال وتصفية الشركة لبيعها، ومن المصانع الحكومية التي خربتها الخصخصة، طنطا للكتان، ومصنع مصر للألبان، والشركة الأهلية للحديد والصلب في أبوزعبل، والمصرية للنشا والخميرة، وعمر أفندي، والمصرية لصناعة السيارات.
ومن المصانع المغلقة فى مصر “مصر- لبنان” للملابس الجاهزة، بسبب تعثر صاحبه في تمويله، وآخر لصناعة الباركيه وهو “‘مصنع باركو” ومصنع “أنكل أميركان” لصناعة المواد الغذائية.
ويأتي إغلاق تلك المصانع وغيرها، بسبب تفاقم الديون عليها وتعثرها المادي ورفض البنوك تمويلها لسد العجز.
وأصبحت المصانع المغلقة خاوية يأكلها الصدأ، والتراب يتراكم على جدرانها، ولا يتواجد بداخل تلك المصانع أي شخص، وهو ما يهدد بكارثة حقيقية في الصناعة المصرية.
ووفق تقديرات استراتيجية، فإن غلق المصانع والشركات في مصر يدفع ثمنها في النهاية العمال، والذين يدفعون حاليا، الثمن غاليا، من انهيار صناعة الغزل بعد ارتفاع أسعار الغزول المستوردة، وزيادة الأعباء على أصحاب المصانع، وزيادة أسعار الطاقة وغيرها.
ويرى خبراء أن جبالي المراغي رئيس اتحاد عمال مصر ورئيس لجنة القوى العاملة في مجلس النواب، يحابي النظام في قضايا العمال من أجل منصبه السياسي..
حيث تتزايد المشكلات العمالية، لكن بلا تحرك من اتحاد العمال وقياداته، بسبب ملء جيوبهم بالمال الحرام.
8- اختلال الميزان التجاري المصري:
وثمة تقديرات مهمة حول الشركات التي يتم تصفيتها في مصر، فغالبية هذه الشركات، تم إنشاؤها في خمسينيات وستينيات القرن الـ20، وكانت تقدم منتجات حقيقية، بل إستراتيجية، فلنا أن نتخيل أن مصر تعاني من عجز في موازينها التجارية لسلعتي الحديد والورق، إذ قامت الحكومة بتصفية شركتين مهمتين في هذا المجال.
فالبيانات الخاصة بالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2023، تعكس وجود عجز في الميزان التجاري لحديد التسليح بما يقارب ملياري دولار، فالواردات في هذا العام من حديد التسليح بلغت 4.21 مليارات دولار، بينما الصادرات بلغت 2.33 مليار دولار.
فضلا عن كون الحديد لا تقتصر فائدته على قطاع التشييد والبناء، ولكنه مكون رئيس في العديد من الصناعات القائمة على التعدين، في المجالات المختلفة، ويعد التحدي الكبير في هذه الصناعة على القيمة المضافة التي تصنعها التكنولوجيا لخام الحديد.
فما بالنا أن الدولة تتخلى عن مصانع قائمة و تسد فجوة ضرورية داخل السوق المحلي؟
9- إهدار أموال التخارج وبيع الشركات:
والغريب أن تسريع عمليات تصفية الشركات والمصانع، وإنشاء لجنة لبيع أصول مصر الاقتصادية، يثير الكثير من المخاوف، إذ إنشاء تلك اللجنة، جاء في ظل التدفقات المالية الكبيرة التي تلقتها مصر مؤخرًا، ومنها 60 مليار دولار بعد صفقة رأس الحكمة والتمويلات الدولية، واتفاقيات استثمارية بقيمة 70 مليار يورو مع الاتحاد الأوروبي مطلع يوليو الماضي.
ولعل ما يثير الشكوك حول اللجنة ، هو طبيعة عمل اللجنة، وأحقية الحكومة بالتصرف في الممتلكات العامة للدولة، والتداعيات الاقتصادية والسياسية المترتبة على قرارات اللجنة المحتملة، خاصة على مستقبل الأجيال القادمة، في ظل غياب التوضيحات الرسمية بخصوص الأمر.
وقبل أيام من الإعلان الرسمي، كشف صندوق النقد الدولي أن مصر تستهدف في العام المالي 2024-2025 بيع أربعة أصول على الأقل في قطاعي الطاقة والتصنيع، من المتوقع أن تدر عوائد بقيمة 3.6 مليار دولار في شكل تدفقات أجنبية، وأوضح تقرير الخبراء بشأن المراجعة الأولى والثانية من برنامج الإصلاح الاقتصادي، أنه يتم توجيه هذه التدفقات إلى موازنة السنة المالية الجديدة 2024/2025 بهدف تقليص الدين العام.
وسددت مصر ثلاثة مليارات دولار لصندوق النقد الدولي في النصف الأول من العام الجاري 2024، وتعتزم سداد 257 مليون دولار أخرى حتى نهاية شهر يونيو الماضي..
10-كارثة بيع الشركات الرابحة:
وعلى مدار السنوات الماضية كان الصندوق السيادي للدولة يختص بشكل أساسي بمسألة إدارة الأصول والاستثمار بها، واليوم انتقلت إدارة الأمر برمته للجنة، والغرض سد عجز الموازنة ولكن بالدولار، لذلك ربما يعتمد الأمر بشكل كبير على مستثمرين أجانب، حسب تحليل خبراء تحدثنا معهم.
كما أن من المستغرب، أن الأصول القابلة للبيع عادة تكون أصولًا رابحة، وبالتالي تحرم عملية بيعها الدولة من الأرباح. كما أن حصيلة البيع تدخل خزينة الدولة مرة واحدة فقط نظير صفقة البيع، وبعد ذلك تكون الدولة ملزمة بتوفير سيولة دولارية للمستثمر، لجني أرباحه بالدولار وليس بالعملة المحلية، وهذا يمثل عبئًا إضافيًّا.
كما لا توجد شروط في عملية تضمن الاحتفاظ بالأرباح لمدة محددة وإعادة استثمارها داخل مصر، لم توقع الدولة أي شروط من هذا النوع، وبالتالي تستفيد الدولة من ثمن البيع مرة واحدة، غالبًا تذهب لسداد الديون، ثم يصبح المستثمر جزءاً من أزمة جديدة؛ لأنه يضغط على الحكومة لتوفير دولار، مثلما حدث في الشركة الشرقية للدخان، على سبيل المثال..
وأيضا، فإن اعتماد الدولة على تصفية الأصول لحل الأزمة الاقتصادية الراهنة بأنها مسكن مؤقت فقط، وبعد ذلك تتحول إلى مصدر ضغط إضافي وأزمة جديدة للدولة.
وهناك أزمة أخرى تتعلق بمستقبل آلية عمل الشركات والأصول التي يتم بيعها، ولا توجد معلومات حول قيمة أو حجم امتلاك الأجانب للشركات منها شركات الأسمدة، وكيف سيؤثر ذلك على السوق المحلية والأسعار، وفي شركة الشرقية للدخان ما حدث أن النسبة الأكبر بالشركة أصبحت للمستثمر الأجنبي (الخليجي) وهي في الأصل شركة محتكرة للسوق، وبالتالي نُقِل الاحتكار من الدولة – حيث يخضع للعديد من الأدوات الرقابية- إلى المستثمر الأجنبي دون أي رقابة، ما يمثل خطرًا فادحًا.
ومن هنا تأتي مخاطر بيع الشركات المملوكة للدولة، خاصة وأنها رابحة، وتدر دخلاً على الموازنة العامة، وموجودة بالبورصة وتخضع للرقابة بالفعل..وتتحمل بالمقابل توفير عملة أجنبية لأرباح المستثمر، فضلًا عن منح أحقية احتكار السلع داخل الدولة لغير المصريين.
ومن ضمن ذلك، أزمة شركات الدواء، التي تراجعت حصة الإنتاج الرسمي بها إلى أقل من 10%، الأمر الذي تسبب في أزمة كبرى في الوقت الراهن وعدم توفير أي بدائل للعلاج.
ووفق أستاذ الاقتصاد السياسي كريم العمدة، فإن مشروع تصفية الأصول منذ عام 2023، والهدف منه تحقيق استثمارات لرفع السيولة الدولارية، لخفض الدين العام ومعالجة عجز الموازنة العامة للدولة، وتعني تخارُج الدولة أو شركات القطاع العام من بعض المشروعات خاصة الشركات والأصول غير المستغلة.
وفي ضوء اضطرار الحكومة المصرية للتعامل مع صندوق النقد، يجب الالتزام بالشروط، منها إعادة النظر في الدعم وتخفيض تدخل الدولة في الاقتصاد، وبناء عليه، وفي ظل الظروف الصعبة التي تمر بها مصر لا يوجد مصدر دخل سريع سوى التصرف في الأصول، وتقليل التكاليف على الدولة…
رغم ذلك هناك بعض القطاعات الاستراتيجية ذات الحساسية مثل المنتجات البترولية والأسمدة يتم أيضًا طرحها للاستثمار الخاص، رغم أنها صناعات واعدة ومهمة، وقد استحوذت الإمارات العربية المتحدة على جزء كبير من هذه الاستثمارات، لكن ليس جميعها تم بيعه..وهناك جزء منها استثمارات مشتركة، مثل قطاع الألمنيوم الذي يُدَار بشكل مشترك..
ووفقًا لوصفه، يعاني القطاع العام من الفساد والبيروقراطية، وكلما تمكنت الدولة من التخلص من أعباء القطاع العام كلما تمكنت من دفع وتيرة الاقتصاد بشكل أسرع، بالرغم من ذلك قد يتضرر عدد من الموظفين في هذه القطاعات.
خاتمة:
يشار إلى أن الخصخصة وتصفية الشركات واغلاق المصانع، يتزامن ذلك مع تحركات لنقل كافة المرافق الحيوية؛ بما فيها الوزارات ومجلسي الوزراء والنواب من القاهرة إلى العاصمة الإدارية الجديدة؛ ما يفتح الباب واسعًا أمام احتمالات استغلال مرافق وأصول حكومية تقدر بمليارات؛ بما في ذلك أصول استراتيجية مثل قناة السويس، التي نفت الحكومة لاحقًا بيعها مقابل تريليون دولار.
وفي عام 2023 أعلنت الحكومة المصرية بيع أصول حكومية لشركات قطاع خاص، بقيمة 1.9 مليار دولار حتى الآن ضمن برنامج الطروحات الحكومية، وخلال مؤتمر صحفي، قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي: “حققنا عقودا مع القطاع الخاص بإجمالي 1.9 مليار، الحكومة تتخارج من عدد من الشركات بإجمالي 1.9 مليار دولار”، مشيرًا إلى أن صافي ما سيؤول للحكومة المصرية من هذه العقود بالدولار هو 1.65 مليار دولار والباقي بالجنيه.
من جانبها، قالت وزيرة التخطيط المصرية السابقة، هالة السعيد، إن الصفقات تضمنت بيع حصص أقلية في ثلاث شركات بـ قطاع النفط والبتروكيماويات لصندوق أبوظبي للثروة السيادية (القابضة إيه.دي.كيو) مقابل 800 مليون دولار، وصفقة لجمع 700 مليون دولار عن طريق زيادة رأس مال شركة تمتلك مجموعة فنادق في مصر، وصفقة بيع حصة 31 % في شركة عز الدخيلة للصلب مقابل 241 مليون دولار.
قبل ذلك، وفي عام 2022 أعلنت الحكومة عن استحواذ صندوق الاستثمارات السعودي على حصص أقلية مملوكة للدولة المصرية في أربع شركات رائدة مدرجة بالبورصة بقيمة 1.3 مليار دولار، وأتى ذلك بعد أربعة أشهر من إعلان القاهرة بيع حصص في خمس شركات للصندوق السيادي الإماراتي مقابل 1.8 مليار دولار، وسبقها بيع حصة مصر في شركتين أخريين للصندوق الإماراتي. علق الرئيس السابق لجمعيتي الاستثمار المصرية والعربية، هاني توفيق، على الأمر قائلًا إن”البيع كان اضطراريًا للسعودية والإمارات لحاجة مصر إلى تسديد أقساط وفوائد ديونها المستحقة”.
وتبدو لجنة تصفية أصول مصر، مختلفة تمامًا عن برنامج “الطروحات الحكومية” الذي تعهدت فيه الحكومة بطرح حصص في 32 شركة (حكومية) للبيع وتشمل عمليات البيع 18 قطاعا ونشاطا اقتصاديًا.
هل يحق للحكومة بيع أصول الدولة؟
ولكن يبدو هذا السؤال مستغربا، في أوساط المسئولين الحكوميين، اذ أجرت مصر منذ عام 2014 تعديلات قانونية تسمح للحكومة ببيع الأصول، ويحظر قانون تنظيم الطعن على عقود الدولة رفع الدعاوى القضائية من أطراف ثالثة ضد العقود التي تبرم مع الدولة، ويعني هذا أن الأطراف المشاركة في عقود الدولة فقط هي التي يمكنها رفع دعوى قضائية بشأنه ما لم يدان أي من أطراف تلك العقود بجريمة التعدي على المال العام.
وكان الرئيس المؤقت السابق عدلي منصور أقر مشروع القانون المثير للجدل في عام 2014، وجاء مشروع القانون عقب ثورة يناير من عام 2011، وهدف عدم التدخل في عقود الدولة (أو تعرُّض أعضاء مجلس الوزراء والموظفين الحكوميين للمقاضاة من آخرين)، لكونهم يعملون للصالح العام.
وكانت المحكمة الإدارية قد أحالت القانون إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستوريته، وذلك في إطار دعوى قضائية رفعها قبل سنوات موظفو شركة النوبارية لإنتاج البذور (نوباسيد) ضد قرار الحكومة بخصخصة الشركة. لكن الدستور المصري يلزم الحكومة بحماية ممتلكات الدولة ومقدراتها، وتنص المادة 32 من الدستور على “الثروات المعدنية، والموارد الطبيعية للدولة ملك الشعب، وعوائدها حق له تلتزم الدولة بالحفاظ عليها، وحسن استغلالها، ومراعاة حقوق الأجيال فيها. ولا يجوز التصرف في أملاك الدولة العامة، ويكون منح امتياز باستغلالها، أو التزام مرفق عام بقانون، ولمدة محددة. ويحدد القانون أحكام التصرف في أملاك الدولة الخاصة، والقواعد والإجراءات المنظمة لذلك”.
ومن ثم فإن بيع أصول الدولة تعد جريمة يحاسب عليها القانون، وتعدي على حقوق الأجيال القادمة.
تؤثر سلبا على كل مفاصل المجتمع المصري، عمالا وانتاجا وعملة وطنية تنهار يوما تلو الآخر، بفعل تراجع الإنتاج وزيادة الاستيراد…
…………………………….
مراجع:
الحرة، طرح شركات حكومية بالبورصة المصرية.. “بيع للأصول” أم ضرورة للتنمية؟،
10 فبراير 2023
سكاي نيوز عربية، مصر.. قائمة بـ 32 شركة حكومية للطرح في البورصة خلال عام، 8 فبراير 2023
الجزيرة، كيف يؤثر طرح 20 شركة حكومية في البورصة على الاقتصاد المصري؟، 8/2/202
العربي الجديد، أزمة إمدادات الغاز في مصر: مصانع أسمدة تعاود وقف الإنتاج، 1 يوليو 2024
الميادين نت، مصر تقرر بيع 32 شركة مملوكة للدولة،
8 فبراير 2023
الخليج الجديد، إيكونوميست: لماذا يجب على العالم إنقاذ مصر من أزمتها؟، 9 فبراير 2023
العربي الجديد، عمّال مصر في عيدهم: أكثر من 7 آلاف مصنع مقفلة والاحتجاج ممنوع، 30 ابريل 2018
التلفزيون العربي، 8500 مصنع متوقف في مصر.. وتفشي البطالة في القطاع، 6 يونيو 2022
عربي بوست، مصانع أسمدة تتوقف عن الإنتاج في مصر بسبب نقص الغاز… والحكومة تعد باحتواء الأزمة، 5 يونيو 2024
عبد الحافظ الصاوي،قرارات تصفية الشركات العامة في مصر.. ما السلبيات الاقتصادية والاجتماعية؟، الجزيرة، 1/4/2024
القدس العربي، نقص التمويل والتعويم يقضى على الشركات والمصانع المصرية، 2 سبتمبر 2024
العربي الجديد، مصر: سباق بيع أصول وأراضٍ لسداد الديون، 4 سبتمبر 2024
إندبندنت عربية ، بيع أصول مصر ليس خطأ وسداد الديون أولى من المشروعات، 17 فبراير 2024
الجزيرة، جدل في مصر حول لجنة “تصفية الأصول” والمخاوف تمتد لقناة السويس، 8/7/2024
زاوية ثالثة ، تصفية الأصول: هل تبيع مصر أملاكها لسداد الديون؟ ، 29 يوليو, 2024
العربي الجديد، ثروات مصرية مقابل الديون… مبادلة الودائع السعودية والصينية بأصول، 20 سبتمبر 2024