ماذا يقصد الوزير بـ “إقتصاد الحرب”؟

منذ أيام قليلة في كلمة لرئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي قال الوزير انه في حال اتساع دائرة الحرب في المنطقة فسوف يتوجب على مصر تبنى “إقتصاد الحرب” على حد تعبيره. في هذا التقرير نستعرض ما الذي يعنيه مصطلح “إقتصاد الحرب” وبعض أمثلة له

معنى مصطلح إقتصاد الحرب

اقتصاد الحرب هو مصطلح يشير إلى الطريقة التي تدير بها الدولة أو الكيان السياسي الاقتصاد خلال فترة النزاع أو الحرب. يتميز هذا النوع من الاقتصاد بتركيز الجهود والموارد الاقتصادية لدعم المجهود الحربي وضمان استمرارية العمليات العسكرية. في ظل اقتصاد الحرب، تتغير الأولويات الاقتصادية بشكل جذري بحيث تصبح إنتاج وتوزيع الموارد الضرورية للحرب من الأساسيات، وغالباً ما تتخذ الحكومة تدابير استثنائية للسيطرة على الاقتصاد.

أهم ملامح اقتصاد الحرب تشمل:

تأميم أو تحكم الدولة في الإنتاج: في كثير من الأحيان تقوم الدولة بتأميم بعض الصناعات الأساسية أو التحكم في إنتاج المواد الخام الضرورية للحرب مثل المعادن، الوقود، والغذاء.

زيادة الإنفاق العسكري: يتم تحويل جزء كبير من الميزانية الوطنية نحو الإنفاق على المعدات العسكرية، تسليح الجنود، وعمليات البحث والتطوير العسكري.

التقنين والرقابة: يتم فرض تقنين على استهلاك السلع الأساسية لضمان توفر الموارد بشكل كافٍ للقوات المسلحة والسكان المدنيين.

التعبئة العامة: تعبئة الموارد البشرية والاقتصادية في خدمة المجهود الحربي، بما في ذلك تحفيز الصناعات لتعمل بأقصى طاقتها وتوظيف المدنيين في أعمال تخدم الجبهة الداخلية.

السيطرة على الأسعار والأجور: يمكن أن تقوم الحكومة بتحديد أسعار السلع والخدمات وحتى الأجور لضمان عدم حدوث تضخم مفرط أو نقص في الموارد.

بعض الأمثلة لتطبيق إقتصاد الحرب

1. الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية:

في فترة الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، قامت الولايات المتحدة بتحويل جزء كبير من اقتصادها لدعم المجهود الحربي بعد دخولها الحرب في 1941.

تم إنشاء مجلس الإنتاج الحربي (War Production Board) لتنظيم الإنتاج الصناعي وتوجيهه نحو تصنيع الأسلحة والمعدات الحربية.

تم فرض تقنين على استهلاك المواد الغذائية والوقود لتوفير المزيد من هذه الموارد للقوات المسلحة.

زادت نسبة النساء العاملات في المصانع، حيث اضطلعن بأدوار تقليدية للرجال الذين كانوا يخدمون في الجيش.

زيادة الإنفاق الحكومي على الأبحاث والتطوير العسكري أدى إلى اختراعات مهمة مثل الطائرة النفاثة والأسلحة النووية.

2. الاتحاد السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية:

خلال الحرب العالمية الثانية، خاصة بعد اجتياح ألمانيا النازية للأراضي السوفيتية في 1941، قام الاتحاد السوفيتي بتعبئة موارده الاقتصادية لمقاومة الهجوم.

تم نقل الصناعات من الجزء الأوروبي من الاتحاد السوفيتي إلى المناطق الآمنة في سيبيريا لضمان استمرار الإنتاج بعيدًا عن مناطق القتال.

التقنين الصارم تم تطبيقه على المواد الغذائية والسلع الأساسية لضمان إمدادات الجيش.

التعبئة العامة شملت تسخير الملايين من العمال المدنيين في الصناعات الحربية والزراعة لدعم المجهود الحربي.

3. بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية:

طبقت بريطانيا اقتصاد الحرب بشكل واسع خلال الحرب العالمية الثانية.

تم إنشاء وزارة التموين (Ministry of Food) التي فرضت تقنينًا صارمًا على المواد الغذائية مثل السكر، اللحم، والزبدة.

العمالة النسائية ازدهرت، حيث أصبحت النساء جزءًا أساسيًا من القوى العاملة، سواء في المصانع الحربية أو في الزراعة من خلال “جيش الأرض” (Land Army).

تم تحويل الصناعات المدنية إلى صناعات عسكرية؛ على سبيل المثال، تم تحويل مصانع السيارات إلى إنتاج الطائرات الحربية.

4. ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية:

مع صعود الحزب النازي إلى السلطة في الثلاثينيات واندلاع الحرب العالمية الثانية، تم توجيه الاقتصاد الألماني بالكامل لدعم المجهود الحربي.

هتلر ومستشاره الاقتصادي ألبرت شبير قاما بتنظيم موارد ألمانيا لتصنيع الأسلحة والمعدات الحربية بكميات هائلة.

تم تطبيق تقنين صارم على السلع الاستهلاكية، واستخدمت ألمانيا العمالة القسرية من البلدان المحتلة لدعم صناعاتها.

التحول الصناعي شمل تصنيع الدبابات والطائرات بشكل مكثف.

5. سوريا خلال الحرب الأهلية:

منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011، اضطرت الحكومة السورية إلى إعادة هيكلة اقتصادها لدعم العمليات العسكرية والبقاء في السلطة.

تم توجيه الموارد المتبقية نحو دعم الجيش وتمويل المليشيات الموالية للحكومة.

تعرضت سوريا لعقوبات اقتصادية دولية، مما زاد من الحاجة إلى توجيه الموارد المحدودة نحو المجهود الحربي.

في هذه الحالة، تم استخدام اقتصاد الحرب بشكل أساسي للبقاء على قيد الحياة في ظروف حرب مستمرة وعقوبات شديدة.

وبالتأكيد لا ننسى الأمثلة في تاريخ مصر:

1. أثناء حرب 1948 (النكبة):

خلال حرب فلسطين 1948، والتي كانت أول مواجهة عسكرية كبيرة لمصر بعد الاستقلال النسبي عن الاستعمار البريطاني، قامت الحكومة المصرية بتخصيص جزء كبير من الموارد لدعم الجيش.

الإنفاق العسكري زاد بشكل ملحوظ لدعم القوات المشاركة في الحرب ضد إسرائيل، لكن هذه الفترة لم تشهد اقتصاد حرب شامل كما في الحروب التالية.

2. أثناء العدوان الثلاثي 1956:

بعد تأميم قناة السويس في 1956، واجهت مصر هجومًا مشتركًا من بريطانيا، فرنسا، وإسرائيل (العدوان الثلاثي). في هذه الفترة، اتجهت الحكومة المصرية نحو إدارة الاقتصاد بطريقة تدعم المجهود الحربي.

تقنين الموارد: كان هناك نقص في المواد الاستهلاكية، نتيجة للحصار البحري المفروض على مصر من قبل القوى المعتدية، مما أدى إلى تقنين بعض السلع الغذائية والوقود.

قامت الحكومة بالسيطرة على بعض الموارد الحيوية وتوجيهها لدعم الجيش والدفاع عن البلاد.

3. أثناء حرب 1967 وحرب الاستنزاف (1967-1970):

بعد الهزيمة في حرب 1967 وفقدان شبه جزيرة سيناء، بدأت مصر تحت حكم الرئيس جمال عبد الناصر بتطبيق نظام اقتصاد الحرب لدعم حرب الاستنزاف ضد إسرائيل (1967-1970).

تأميم وتوجيه الاقتصاد: تم تأميم الصناعات الكبرى، وكان التركيز على دعم الصناعات العسكرية، خاصة في مجال إنتاج الأسلحة والذخيرة.

الإنفاق العسكري: تم تخصيص نسبة كبيرة من الميزانية لدعم الجيش، وزاد الإنفاق على البحث والتطوير في مجال التسليح.

التعبئة العامة: شملت تجنيد أعداد كبيرة من الشباب المصري للخدمة العسكرية أو للعمل في المصانع المرتبطة بالمجهود الحربي.

4. أثناء حرب أكتوبر 1973:

خلال حرب أكتوبر 1973، طبقت مصر تحت حكم الرئيس أنور السادات نظامًا صارمًا لاقتصاد الحرب.

تعبئة عامة للموارد: تم توجيه جميع الموارد الاقتصادية لدعم المجهود الحربي، بما في ذلك تحويل العديد من الصناعات المدنية إلى صناعات عسكرية.

التقنين: تم تقنين بعض السلع الأساسية، وتوجيه المواد الغذائية والوقود لدعم الجيش والمجهود الحربي.

المساعدات الخارجية: ساهمت الدول العربية، خصوصًا السعودية وليبيا، في تقديم دعم مالي ضخم لمصر لدعم اقتصادها وتمويل الحرب. كما استخدمت مصر عائدات النفط والدعم العربي في تعزيز قدراتها العسكرية.

التحفيز الصناعي: تم استخدام المصانع المصرية في إنتاج المعدات العسكرية وإصلاح الدبابات والطائرات المقاتلة، ما ساعد في الحفاظ على القوات المسلحة المصرية خلال الحرب.

ويتضح للقارئ أنه في كل الأمثلة السابقة كان هناك عاملين اساسيين لابد من تواجدهما لتطبيق “إقتصاد الحرب وهما: وجود الحرب، ووجود العدو

وهو ما يدعو للتساؤل؛ الحرب موجودة …. فأين العدو؟

والسؤال الثاني: لم قد يحتاج الجيش المصري للدعم من ميزانية الدولة بينما يستولي الجيش بالفعل على الإقتصاد المصري؟

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022