كريم الأحمدي (محلل اقتصادي أمني)
مع تصاعد التوترات في البحر الأحمر بسبب الهجمات الحوثية ضد السفن التجارية، تعاني مصر من خسائر متزايدة في إيرادات قناة السويس، حيث أعلنت عن خسائر تُقدر بنحو 6 مليارات دولار. تأتي هذه الهجمات في إطار حملة الحوثيين المستمرة لاستهداف المصالح البحرية المرتبطة بإسرائيل. وباعتبار قناة السويس شريانًا اقتصاديًا بالغ الأهمية للاقتصاد المصري، فإن هذه الهجمات تمثل تهديدًا استراتيجيًا مزدوجًا للاقتصاد والأمن القومي المصري، ما يثير تساؤلات حول الاستجابة المصرية والدولية لهذه الأزمة المتفاقمة.
تحليل الخسائر الاقتصادية والاستراتيجية: تشكل قناة السويس واحدة من أبرز موارد الدخل القومي في مصر، حيث تساهم بشكل رئيسي في تعزيز احتياطيات النقد الأجنبي وتدفق الإيرادات الحكومية. في العام المالي 2022/2023، حققت القناة إيرادات بلغت 9.4 مليار دولار، بزيادة قدرها 35% عن العام السابق، حيث كانت الإيرادات 7 مليارات دولار. ومع تزايد المخاطر الأمنية على حركة الملاحة في القناة، تتجه مصر نحو خسائر مالية تتجاوز مجرد الإيرادات الآنية، إذ إن تأثيرات الهجمات تمتد إلى السمعة الدولية للقناة كمعبر آمن للتجارة العالمية. في سياق أكبر، قد يؤدي ذلك إلى تراجع ثقة المستثمرين والملاحة العالمية في الاعتماد على القناة، مما يفرض على مصر تحديات اقتصادية لا تقل خطورة عن التحديات الأمنية.
تحليل التصعيد الحوثي ودوافعه الإقليمية: تكشف تصريحات المتحدث العسكري للحوثيين، يحيى سريع، عن استمرارية النهج الحوثي المتشدد ضد أي سفن مرتبطة بإسرائيل، مما يعكس تحولاً نحو استراتيجية بحرية أوسع تهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة. هذا التوجه يظهر مدى الدعم الإقليمي الذي يتلقاه الحوثيون من قوى كبرى، مثل إيران، التي تنظر إلى البحر الأحمر باعتباره ميدانًا استراتيجيًا يمكنها من الضغط على خصومها، وخصوصًا في ظل وجود تحالفات إقليمية تربط الحوثيين بإيران. علاوة على ذلك، كشفت تقارير عن دعم روسي للجماعة من خلال توفير بيانات الأقمار الصناعية، مما يرفع من كفاءة ودقة عملياتهم البحرية، ويوضح مدى التداخل الجيوسياسي العالمي في الصراع اليمني.
تأثير التصعيد على المصالح الاقتصادية الإقليمية والدولية: الهجمات المتكررة على الشحن في البحر الأحمر لم تؤثر فقط على مصر، بل أيضًا على الاقتصاديات العالمية، حيث شهدت تكاليف التأمين على السفن والشحنات ارتفاعًا ملحوظًا نتيجة المخاطر المتزايدة. ووفقًا لبيانات من “كلاركسونز”، سجلت التجارة عبر الشحن البحري ارتفاعًا في التكاليف. كما أشار تقرير صادر عن الأونكتاد إلى أن التصعيد الحوثي ساهم في تحقيق شركات الشحن الكبرى أرباحًا قياسية بسبب ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، ما يبرز مدى تعقيد التأثيرات الاقتصادية للهجمات ويزيد من احتمالية حدوث تغييرات هيكلية في أسواق الشحن العالمية.
ردود الفعل المصرية والدولية الممكنة: مع استمرار التهديدات الحوثية، تواجه مصر معضلة استراتيجية صعبة؛ فعلى الرغم من إدانة وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، للهجمات خلال اجتماعه مع الأمين العام للمنظمة البحرية الدولية، إلا أن الرد الفعلي لم يكن كافيًا للحد من التهديدات المستمرة. قد تضطر مصر، بالتنسيق مع حلفائها الدوليين والإقليميين، للنظر في خطوات تصعيدية، ربما تشمل تعزيز التدابير الأمنية أو استدعاء دعم بحري إضافي لحماية القناة. من الناحية الدبلوماسية، قد ترفع مصر القضية إلى الأمم المتحدة للحصول على دعم دولي ضد هذه التهديدات المتزايدة، ما يطرح السؤال حول إمكانية تشكيل تحالفات أمنية جديدة لحماية مسارات الشحن الحيوية.
التداعيات الجيوسياسية على توازن القوى الإقليمي: تتجاوز تداعيات هذا التصعيد مجرد التأثير على حركة التجارة إلى إعادة تشكيل ديناميكيات القوى في البحر الأحمر، حيث أصبح الصراع على النفوذ أكثر وضوحًا بين القوى الإقليمية والعالمية. يشكل دعم روسيا وإيران للحوثيين تحديًا جديدًا لدول الخليج ومصر، مما يضع المنطقة أمام احتمالات جديدة للتصعيد. في حال استمرار استهداف الحوثيين للسفن، قد تضطر الولايات المتحدة وشركاؤها في المنطقة إلى تعزيز حضورهم العسكري لضمان حرية الملاحة، مما قد يفتح الباب أمام صراعات مسلحة غير مباشرة.
خاتمة وتحليل مستقبلي: التصعيد الحوثي في البحر الأحمر، رغم أنه يهدف إلى تحقيق أهداف سياسية وعسكرية، قد ينتهي به المطاف إلى إلحاق الضرر باقتصاديات متعددة، بدءًا من الاقتصاد المصري وحتى الاقتصاديات العالمية التي تعتمد على ممرات الشحن الدولية. وقد يؤدي استمرار هذا التصعيد إلى نشوء تحالفات جديدة أو حتى إلى تدخلات عسكرية دولية تهدف إلى حماية طرق الملاحة.