اللجنة العليا للإصلاح التشريعي في مصر:من الإصلاح إلى التحكم التشريعي؟

-حسام نادي (محلل سياسي)

تفصيلية حول دور اللجنة في ظل هيمنة السلطة التنفيذية

مقدمة

تأسست اللجنة العليا للإصلاح التشريعي في مصر عام 2017 بقرار جمهوري رقم 209 لسنة 2017، كهيئة مستقلة تدعي الحكومة المصرية أنها تهدف من خلالها إلى دعم وتطوير المنظومة التشريعية في البلاد. في ظل التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها مصر منذ عام 2011، كان من الضروري تحديث القوانين لتتوافق مع التغيرات وتساهم في خلق بيئة أكثر دعماً للتنمية. ومع ذلك، تثير اللجنة تساؤلات جوهرية حول مدى تحقيقها للشفافية والإصلاح الحقيقي، خاصة مع تزايد النفوذ التنفيذي على حساب البرلمان المنتخب.

في هذا التقرير، سنتناول بالتفصيل خلفية تأسيس اللجنة، أرقام القرارات الصادرة عنها، وتحليل التشريعات التي قامت اللجنة بإعدادها أو اقتراحها، ونقوم بمقارنة بين النقاشات التي جرت في اللجنة والمناقشات البرلمانية، كما سنحلل تأثير هذه اللجنة على توازن القوى بين السلطات، ودورها في تهميش دور البرلمان. هدفنا من هذا التقرير ليس فقط كشف الحقائق، وإنما تسليط الضوء على الطرق الممكنة لتعزيز الديمقراطية والحفاظ على استقلالية العملية التشريعية في مصر.

1. لماذا تأسست اللجنة العليا للإصلاح التشريعي؟

  • السياق التاريخي والتأسيسي: تأسست اللجنة بقرار جمهوري رقم 209 لسنة 2017 ، كجزء من محاولة لتحقيق إصلاحات قانونية وتشريعية ضرورية. وفقاً للتصريحات الرسمية، جاءت اللجنة لتقديم الدعم القانوني المتخصص، وتسريع وتيرة الإصلاح التشريعي، وتوفير الخبرة الفنية التي تفتقر إليها المؤسسات البرلمانية.
  • المبررات الرسمية: ورد في القرار الرسمي أن هدف اللجنة هو “تنظيم وإعادة هيكلة القوانين بما يتماشى مع الظروف المستجدة وتحقيق بيئة قانونية تدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية”. كما تضمنت مهامها تقديم توصيات لمجلس الوزراء وتقديم دراسات قانونية مفصلة.
  • رؤية نقدية: من زاوية معارضة، يثير تأسيس اللجنة تساؤلات حول مدى الحاجة إليها في ظل وجود مجلسي النواب والشورى، اللذين يمتلكان وفقاً للدستور الصلاحيات الكاملة في التشريع. فهل اللجنة فعلاً تخدم المصلحة العامة؟ أم أنها أداة تهدف إلى إحكام السيطرة على العملية التشريعية وتوجيهها بما يتماشى مع رغبات السلطة التنفيذية؟

2. صلاحيات اللجنة وأدوارها

  • التفويض والصلاحيات: يمنح القرار 209 لسنة 2017 اللجنة صلاحيات واسعة تشمل إعداد وصياغة مشاريع القوانين، مراجعة التشريعات الحالية، وتقديم اقتراحات للإصلاح التشريعي. وتشمل الصلاحيات تشكيل لجان فرعية داخل اللجنة ودعوة الخبراء والمختصين للمشاركة في إعداد التشريعات.
  • العلاقة مع البرلمان: بينما يُفترض أن يكون البرلمان هو الجهة الوحيدة المخولة بإصدار القوانين ومناقشتها، تعمل اللجنة بشكل مستقل في إعداد مشاريع القوانين وتقديمها للبرلمان كمسودات جاهزة. هذا قد يؤدي إلى تهميش دور البرلمان في التشريع، وتحويله إلى جهة مصادقة بدلاً من كونه مؤسسة للمناقشة والتعديل.

3. استقلالية اللجنة: واقع أم افتراض؟

  • التعيينات وعلاقتها بالسلطة التنفيذية: يتم تعيين أعضاء اللجنة بقرارات من جمهورية ورئيس مجلس الوزراء، مما يعني أن معظم الأعضاء يتم اختيارهم بناءً على معايير حكومية. تُعد هذه التعيينات عاملاً مهماً يؤثر على استقلالية اللجنة، حيث يكون أعضاء اللجنة ملزمين بشكل غير رسمي بتوجهات السلطة التنفيذية.
  • التأثير على التشريع: يُظهر تحليل دور اللجنة أنها غالباً ما تتجه لصياغة قوانين تتماشى مع رؤية الحكومة، خاصة في قضايا حساسة كالإفلاس، والاستثمار، وحماية المستهلك. يشير هذا إلى أن اللجنة تعمل كذراع للسلطة التنفيذية في توجيه التشريعات بشكل يخدم الأولويات الحكومية.

4. التأثير على الشفافية وغياب وسائل التواصل مع الجمهور

  • عدم وجود منصة رسمية: رغم مرور أكثر من خمس سنوات على تأسيس اللجنة، إلا أنها لا تمتلك حتى الآن منصة إلكترونية رسمية. وهذا يُعتبر نقصاً جوهرياً في الشفافية، حيث لا يستطيع المواطنون متابعة أعمال اللجنة أو معرفة التشريعات المقترحة أو حتى إبداء آرائهم بشأنها.
  • التجارب الدولية: بالمقارنة، تمتلك لجان الإصلاح التشريعي في دول أخرى مثل المملكة المتحدة وأستراليا منصات تتيح للجمهور متابعة أعمالها والتفاعل معها. غياب مثل هذه القنوات يثير الشكوك حول نية الحكومة في إبقاء عمل اللجنة مغلقاً وغير متاح للجمهور.
  • أثر غياب الشفافية: من خلال حجب المعلومات وعدم توفير وسائل تواصل، يضعف إيمان المواطنين بعمل اللجنة ويزيد من الشعور بأن التشريعات تُعد وتُقر بعيداً عن رقابتهم.

5. أمثلة على التشريعات المثيرة للجدل الصادرة عن اللجنة

  • قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017: تم إصدار هذا القانون بهدف جذب الاستثمارات وتسهيل الإجراءات. لكن مع ذلك، تعرّض القانون لانتقادات واسعة، إذ يرى معارضوه أنه يضع مصالح المستثمرين الأجانب فوق حقوق العمال المصريين، مما قد يؤثر سلباً على الطبقة العاملة.
  • قانون الإفلاس رقم 11 لسنة 2018: يهدف هذا القانون إلى تسهيل إجراءات الإفلاس وتمكين الشركات من إعادة هيكلة ديونها. بينما يصفه البعض بأنه خطوة جيدة لدعم الاستثمارات، يرى آخرون أن القانون يسهل على الشركات التهرب من مسؤولياتها تجاه العاملين والموردين.
  • قانون حماية المستهلك رقم 181 لسنة 2018: رغم أن هذا القانون وُضع لحماية حقوق المستهلكين، إلا أن تطبيقه يشهد تحديات كبرى، ويُتهم بأنه يخدم مصالح الشركات الكبيرة على حساب صغار المستهلكين، حيث تتضمن بنوده ثغرات تجعل من الصعب تطبيق العقوبات على المخالفين.

6. تأثير اللجنة على توازن القوى بين السلطات

  • تهميش دور البرلمان: أدى تأسيس اللجنة إلى تقييد دور البرلمان في العملية التشريعية. من خلال تقديم مسودات جاهزة للبرلمان، تُقلص اللجنة من مساحة النقاش البرلماني وتحوله إلى جهة إقرار، مما يفقده القدرة على تعديل أو رفض التشريعات.
  • تحويل التشريع إلى أداة حكومية: يؤثر هذا التداخل على مبدأ التوازن بين السلطات، حيث تصبح السلطة التنفيذية متحكمةً بالعملية التشريعية، بدلاً من أن تكون القوانين انعكاساً لإرادة الشعب المعبر عنها من خلال البرلمان.

7. غياب الرقابة البرلمانية والتفاعل مع المجتمع المدني

  • نقص مشاركة المجتمع المدني: عادةً ما يتم إشراك منظمات المجتمع المدني في إعداد التشريعات المهمة، وذلك لضمان تمثيل مصالح جميع الفئات. في حالة اللجنة العليا للإصلاح التشريعي، تفتقر عمليات إعداد القوانين إلى هذا النوع من المشاركة.
  • ضعف الرقابة البرلمانية: بسبب سيطرة اللجنة على إعداد التشريعات، لا يتاح للبرلمان مساحة كافية لمراجعة القوانين بشكل تفصيلي، مما يجعل من الصعب على الأعضاء البرلمانيين ممارسة الرقابة الكافية أو طلب تعديلات جذرية.

خاتمة: هل اللجنة العليا للإصلاح التشريعي تخدم الشعب أم الحكومة؟

تشكل اللجنة العليا للإصلاح التشريعي مثالاً على مدى تعقيد التوازن بين السلطات في مصر، فهي تؤدي دوراً مهماً في تطوير التشريعات، ولكنها تعاني من قلة الشفافية وتعمل تحت تأثير قوي من السلطة التنفيذية. تأسيس اللجنة كان من الممكن أن يكون خطوة إيجابية نحو الإصلاح، لكن غياب الاستقلالية وشفافية العمل يثيران الشكوك حول أهدافها الحقيقية.

في النهاية، إن وجود لجنة إصلاح تشريعي لا يمكن أن يكون بديلاً عن الدور التشريعي للبرلمان، ويجب أن تكون اللجنة جهة استشارية فقط، تساهم في تقديم الخبرات الفنية، وليس اتخاذ القرارات التشريعية. إن تحقيق إصلاح تشريعي حقيقي يتطلب شفافية أكبر ومشاركة فعلية من الشعب ومنظمات المجتمع المدني، بالإضافة إلى تعزيز دور البرلمان في الرقابة والمحاسبة.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022