حسم ترامب سباق الرئاسة، متغلبا على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس. ومن المقرر أن يؤدي ترامب اليمين الدستورية في 20 يناير 2025، ليبدأ رسميًا مهامه الرئاسية.
وكان ترامب قال في كلمة بولاية ميشيغان التي تقطنها جالية مسلمة وعربية كبيرة إن منافسته الديمقراطية كامالا هاريس، “قادت حملتها رفقة ابنة نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني (ليز تشيني) الذي دمر الشرق الأوسط تقريبًا“.
وأضاف: “إذا فازت كامالا سيكون الموت والدمار فقط، أنا مرشح السلام“.
تجدر الإشارة إلى أن ديك تشيني، شغل منصب نائب الرئيس بولاية جورج دبليو بوش، أثناء غزو العراق.
ويأمل الفلسطينيون أن تفتح المعابر لدخول المواد التموينية والملابس الشتوية مع اقتراب فصل الشتاء، وأن تنتهي معاناة الغزيين بعد تولي ترامب الرئاسة الأمريكية.
ومنذ بداية حرب الإبادة الجماعية على غزة، والتي وسعت إسرائيل نطاقها إلى لبنان في 23 سبتمبر الماضي، تقدم إدارة بايدن لتل أبيب دعما قويا على المستويات العسكرية والمخابراتية والسياسية.
وخلال فترته الرئاسية الأولى قدَّم ترامب دعما كبيرا لتل أبيب، وقرر في 2017 اعتبار القدس الشرقية المحتلة عاصمة لإسرائيل ونقل إليها السفارة الأمريكية من تل أبيب، وهو ما يرفضه الفلسطينيون وينتهك القرارات الدولية ذات الصلة.
وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023 إبادة جماعية بغزة، خلفت أكثر من 146 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وتواصل إسرائيل مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.
ومع قدوم ترامب، تلوح في الأفق الكثير من الفرص والتحديات أيضا…
محورية فلسطين لدى الإدارة الأمريكية
فلنتائج الانتخابات الأمريكية أصداء عالمية واسعة خاصة فيما يتعلق بقضايا وملفات الشرق الأوسط، وأبرز تلك القضايا التي تطرح الآن وبقوة على الساحة هي القضية الفلسطينية، وبالأخص مع استمرار حرب الإبادة في فلسطين لما يزيد عن سنة كاملة وتجاوز عدد الشهداء في غزة أكثر من 42,000 شهيد حتى اليوم، منهم نحو عشرة آلاف طفل، مع تدمير ما يزيد عن 85% من المنازل وفقا لتقرير الأمم المتحدة،
ولذلك فإن هناك الكثير من المخاوف والتساؤلات المثارة حول كيف ستنعكس نتائج هذه الانتخابات على الوضع الفلسطيني مع بداية الولاية الرئاسية الثانية لترامب.
مختوف فلسطينية
الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل كان معروفا وواضحا لكلا المرشحين من
الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري، وبعد إعلان فوز دونالد ترامب على منافسته كامالا هاريس في انتخابات 2024، فقد أعيدت من جديد للذاكرة سياسات ترامب السابقة نحو القضية الفلسطينية، فهو من أوقف تمويل الأونرواوأغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن عام 2018، هذا بالإضافة لنقل سفارة بلاده إلى القدس وإعلانها عاصمة موحدة لإسرائيل عام 2017، ومن ثم أعلن عام 2020 رؤيته لتحقيق “السلام” فيما ما عرفت بـ“صفقة القرن” التي رفضها الفلسطينيون وقالوا إنها تنتقص حقوقهم ولا تتضمن إقامة دولة فلسطينية.
وبالنسبة للوقائع الجديدة فقد صرح ترامب أكثر من مرة في الفترة الأخيرة بأنه سينهي الحرب، ليس الحرب في غزة ولبنان فحسب، بل جميع الحروب أيضا..
تلك التصريحات التي تتماشى مع أسلوبه في التوصل إلى “صفقة” أو تسوية كبرى؛ حيث قال ترامب فى خطاب النصر الذى ألقاه أمام أنصاره في السادس من نوفمبر الجاري، بعد حسمه معركة الانتخابات الرئاسية ضد منافسته كامالا هاريس: «لن أبدأ الحروب، سأنهيها، ولن يكون من الضرورى استخدامها.. دعونا نأمل أنه لن تكون هناك حروب“.
مقاربات أمريكية لصالح اسرائيل
يتوقع الكثير من الخبراء أن ترامب سيحاول أن يتوصل إلى مقاربات جديدة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية من خلال تفعيل مشروع التطبيع العربي الاقتصادي والسياسي ومحاولة إدارة الأمور بعيدا عن المواجهات العسكرية مرجحا “تطبيعا عربيا شاملا تنضم إليه أغلب الدول العربية، لأنه (ترامب) يعتقد أن الفلسطيني غير قادر ولا يرغب في اتخاذ قرارات تاريخية ويعترف فيها بإسرائيل“.
كما أنه من المرجح أن يتحرك ترامب لوقف الحرب على غزة، لكن في المقابل ستدفع الضفة ثمنا كبيرا لأنه “قد يبارك خطوات الحكومة اليمينية الإسرائيلية بضم الجزء الأكبر منها“.
وفي تصريح للكاتب تائير ألتشولر في“القناة 14” العبرية، ، أنّ: “ولاية ترامب الثانية قد تؤدي لدعم أمني قوي لدولة الاحتلال، واتخاذ موقف أمريكي حازم ضد إيران، والسعي لتوسيع اتفاقيات التطبيع مع دول عربية إضافية“.
فلا يمكننا إغفال التأثير المباشر لسياسات ترامب في فترة رئاسته الأولى والقرارات التي اتخذها وعززت أكثر من علاقته مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووفّر للاحتلال الدعم الدبلوماسي.
فقد يعمل ترامب على العودة لسياسته “أمريكا أولا“، ما يعني انخراطا أقلّ في الشرق الأوسط، لكنه في الوقت نفسه سيدعم فرض عقوبات أكثر صرامة على إيران، والتعبير عن موقف صارم ضد منظمتي حماس وحزب الله، الأمر الذي يدفع للحديث عن التأثير المتوقع لفوزه على مستقبل الحرب الجارية“.
ومن المتوقع أن يواصل ترامب النهج المتشدد تجاه إيران وتشديد العقوبات، مما قد يضع ضغوطا إضافية على حزب الله، لكن من الممكن أيضا أن يطالب الاحتلال بالتصرف بشكل أكثر استقلالية من الناحية الأمنية..
كل هذا يجعلنا نتوقع حالة من الهدوء المزيف للأوضاع في غزة يرمي بظلاله بعيدا عن حقوق الشعب الفلسطيني الأساسية والشرعية ليس فقط بالاستقلال بأرضه، وإنما بآدميته واحتياجاته الأساسية كإنسان، فنحن الآن نعيش واحدة من أفظع وأطول المجاذر التي ارتكبها الاحتلال في تاريخه الاستيطاني والتي تندرج تحت مسمى الإبادة لشعب كامل، فهل ستكون الرغبة في وقف الحرب وتطبيق مزيد من التطبيع كافيا لاستقرار المنطق..
دعم أكبر لاسرائيل
وفقا لما نقل عن دراسة حديثة نشرت مؤخرا في جامعة براون بالولايات المتحدة، ضمن مشروع يسمى “تكلفة الحرب“، والتي تناولت تقديرات أولية لنطاق المساعدات العسكرية الأمريكية المقدمة للاحتلال الاسرائيلي؛
فقد أكد ستيفن سيملر، أحد مؤلفي الدراسة، أن “المساعدات العسكرية الأمريكية المقدمة للاحتلال بعد السابع من أكتوبر تتجاوز ما قدمتها له بعد اتفاقية كامب ديفيد 1978، وبعد حرب 1973، حيث بدأت المساعدات له كمساعدات اقتصادية بعد قيام الدولة 1948، وخلال إدارة الرئيس جو كينيدي، وأصبحت في الغالب مساعدات عسكرية، وتزايدت بعد حرب 1967، وفي السبعينيات في إطار الحرب الباردة.
وكشف ويليام هارتونغ، أحد معدّي الدراسة، أن “تقديرًا متحفظًا يضع نطاق المساعدات العسكرية الأمريكية للاحتلال بعد السابع من أكتوبر 2023 وحتى سبتمبر 2024 بما لا يقل عن 17.9 مليار دولار، ويشمل هذا المبلغ مساعدات عسكرية لأوقات الطوارئ بقيمة 14.1 مليار دولار، و3.8 مليار دولار أخرى كمساعدات عسكرية قياسية سنوية، كما أنه تم التوقيع عليها في إطار اتفاق التفاهم في عهد إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما“.
وأضاف أن “المساعدات العسكرية الأمريكية المقدمة للاحتلال الإسرائيلي ذهبت عبر عدة قنوات، أهمها برنامج التمويل العسكري الأجنبي، وقانون الإنتاج الحربي الفائض، مع العلم أن المسار البيروقراطي لهذه المساعدات يبدو معقدا، ويمكن للرئيس فقط أن يقرر منحها، حتى بدون موافقة مجلس الشيوخ والكونغرس“.
وتبين أن معظم الطائرات المقاتلة والمروحيات والذخائر التي يستخدمها سلاح الجو الإسرائيلي، إن لم يكن كلها، من صنع أمريكي أو في إنتاج صناعات الأسلحة الإسرائيلية بدعم مالي أمريكي، علما بأن إسرائيل ليست عضوا في حلف شمال الأطلسي“.
كما كشف أنه “في أغسطس 2024 أعلنت إدارة الرئيس جو بايدن عن اتفاق لبيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20.3 مليار دولار بموافقة وزارة الخارجية والبنتاغون، ويشمل توريد 50 طائرة بوينغ من طرازF-15 بقيمة 18.8 مليار دولار، و32 ألف قذيفة دبابة مقابل 774 مليون دولار، وعدد سري من المركبات التكتيكية مقابل 583 مليون دولار، و30 صاروخ جو–جو مقابل 102 مليون دولار، و50 صاروخًا خارقًا للتحصينات. بقيمة 61 مليون دولار“.
كل هذا يفسح لنا المجال واسعا لتخيل المشهد وتوقع المزيد من التطورات في الفترة القادمة بفعل السياسات الأمريكية الداعمة لإسرائيل، وإن اختلفت أساليبها ووسائل تنفيذها ولكنها في النهاية تخدم المخطط الصهيوني في بسط النفوذ والسيطرة في المنطقة وتحقيق مصالح الكيان.
ويبقى أن ثبات المقاومة الفلسطينية، وتعميق حدة الساحات، بين قوى المقاومة، عنصرا حاسما، في مواقف الادارة الامريكية الحديدة، وقدرات المعسكر العربي على التأثير الاقتصادي على الادارة الامريكية، وهو امر غائب في ظل النظم العربية التابعة للامريكان، يدعم الفلسطينيين وقضياهم..
كما أن ايران ستتمثل عنصرا حاسما أيضا في دعم الموقف الفلسطيني، ولكن البراجماتية الايرانية ومخاوفها المستحقة من الاسنهداف الغربي لمشروعها النووي، يبقى معرقلا لاتخاايران موقفا أكثر وضوحا بدعم الفلسطينيين..
ولكن ووفق التقديرات الاستراتيجية، فإن ما أصاب الفلسطينيين من قتل وتدمير لن يأتي أسوأ منه، فقد تعرضوا لذروة الابادة والتدمير، ولم يعد لديهم ما يخسرونه، وهم بصمودهم يكبدون لمعسكر الصهيوني تكاليف كبيرة، قد تلجئهم للخضوع للمطالب الفلسطينية، بالذهاب نحو وقف لاطلاق النار، ثم تأتي مرحلة المقايضات، في ظل خسائر اقتصادية كبيرة لاسرائيل، وهروب من قبل سكانها الى بلدانهم، وتنامي عصيان جنودها للعودة للقتال..
وتبقى الأيام المقبلة حبلى بالكثير من الفررص للفلسطينيين، مع استمرار عمليات المقاومة…
………
مراجع:
لؤي صوالحة، “تأثير نتائج الانتخابات الأميركية على القضية الفلسطينية!”،الجزيرة نت، 7/11/2024،
الأناضول، فوز ترامب يُشعل آمالا خافتة ومخاوفا متجددة في غزة ، 7.11.2024
خالد سيد أحمد، “ترامب ..وحرق الخرائط“، عربي 21، 9/11/2024
عربي 21، “معطيات جديدة حول حجم الدعم الأمريكي للعدوان على غزة“، 9/11/2024
عوض الرجوب، “ما مستقبل القضية الفلسطينية بعد فوز ترامب؟“، الجزيرة نت، 6/11/2024،
عوض الرجوب، المرجع نفسه
الاستقلال،“ما تبعا ت فوز ترامب على العلاقة مع الاحتلال وحرب غزة والتطبيع؟“،6/11/2024