ارتفاع أسعار المترو: دلالات التوقيت وردود الفعل

 ارتفاع أسعار المترو: دلالات التوقيت وردود الفعل مقدمة ثمة شعور لدى الحكومة بأن هذا الشعب – بالأخص الطبقة الوسطى وبالتحديد الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى – يمتلك خزائن الأرض، وثمة عناد أو يمكن تسميته تحدّى لديها بصحة هذه المعلومة حيث قال وزير النقل بعد كم الغضب المهول الناتج عن ارتفاع الأسعار أنه لا تراجع وإن حدث تراجع من مستوى أعلى فسيستقيل. هذا أمر يصعب استيعابه فمجرد ربط وظيفته كوزير بقرار أخذه ذلك يعكس يقينه الأعمى بأنه على صواب وما دونه خطأ. ثار القليل ولكن الرادعون كُثُر، عشرات قاموا باحتجاجات وتم القبض عليهم ولكن مئات المدرعات وآلاف الجنود تم توزيعهم على كل محطات المترو في كل أنحاء القاهرة الكبرى حتى المحطات غير المؤثرة وذلك لردع محاولات التمني بتغيير الأوضاع. التوقيت في الوقت الذي يعاني فيه المواطن المصري اقتصاديًا أيًا كان موقعه من النسيج الطبقي من ارتفاع أسعار كل شئ، ظهرت تلك الارتفاعات التى تجاوز بعضها 3 أضعاف التسعيرة القديمة. كانت التنبؤات حول ما يفعله السيسي في ولايته الجديدة ما بين مصالحة مع الإخوان وبين تيسيرات اقتصادية وبين إفراج عن معتقليين لكن التوقعات فاقت كل الحدود والأحاديث القديمة إزاء ارتفاع سعر تذكرة المترو أصبحت حقيقة وأكثر. من الواضح أن النظام لا يبالي بالتوقيتات إلا فيما يخصه فقط، كعملية سيناء التى تمت قبل وأثناء انتخابات الرئاسية كألية تعبوية غير مباشرة فوقتذاك اهتم النظام بالتوقيت، ولكن لم يبالي بقدوم شهر رمضان المتعارف عليه استهلاكيًا بالمبالغة والمغالاة. الأرقام –          لا تهتم هذه الورقة بدراسة الأرقام من الناحية الاقتصادية بل من الناحية الأخلاقية والسياسية والاجتماعية فنجد أن البعض ممن كانوا يدفعون 2 جنية أصبحوا يدفعون 7 جنيهات أى أكثر من 3 أضعاف مما يتطلب بشكل بديهي تغيير في المدخلات الشهرية لهذا المواطن وذلك بالطبع لم ولن يحدث. –          من الزاوية الأخرى تظهر الدولة بفيض من المبررات المتعلقة كلها بديون المترو ومتطلبات الصيانة، وهنا تثار الأسئلة إزاء الأرقام ولكن المدهش هو قول الوزير بأن 60% من العوائد ستذهب لسد ديون مصر حيث الصحة والتعليم يتأثران بذلك[1]، وفي الحقيقة لا أدرى أين تكمن العلاقة بين ارتفاع سعر المترو وبين الصحة والتعليم لأنه من المفترض أن كل أجهزة الدولة لها مدخلاتها المالية ومخرجاتها. ثم يختم حديثة بأنه لا توجد نوايا لزيادة أسعار قبل عام[2] مما يخلق جملة خبرية تقول هناك نوايا للزيادة بعد عام، وكل ذلك فضلًا عن قوله بأن شريحة الـ 7 جنية مازالت مدعمة بعنف قرابة 4 جنية[3]. –          تقرير الأهرام عن موازنة 2013-2014 يقول أن 12.3 مليون جنيه يتم صرفهم للأمن، و32.3 مليون جنيه لـ"الحراسة والشرطة" على الرغم أن ذلك من صميم عمل الداخلية فلماذا تدفع هيئة حكومية لهيئة حكومية أخرى ؟.[4] تفسير القرار: لا شك أن الدعم وسيلة الدولة في استخدام مواردها السيادية من أجل توفير سلع وخدمات معينة وضرورية لمحدودي الدخل وبأسعار تقل عن تكلفتها الفعلية وذلك تحقيقا لمصالح عامة مختلفة، أهمها توفير الحماية الاجتماعية لمن يحتاجون إليها وتمكين مختلف طبقات وفئات المجتمع من الحصول على فرصهم العادلة في الموارد العامة وفى التقدم والمنافسة. يكون الدعم معيبا وبحاجة للإصلاح حينما يتوافر فيه واحد من الشروط التالية، أو كلها معا: (١) أن يكون متاحا على نحو لا يميز بين المستحقين وغير المستحقين بحيث يستفيد منه الأغنياء والفقراء معا. (٢) أن يكون موجها لتوفير خدمة أو سلعة ترفيهية أو غير أساسية مما لا يجوز أن يستهلك موارد الدولة. (٣) أن يكون مما يستغرق موارد أكبر بكثير من العائد الاجتماعي المتوقع أو المصلحة محل الحماية. (٤) أن يكون موجها لسلع يمكن تهريبها خارج البلاد وبالتالي يستفيد منها مواطنو دول أجنبية ويتاجر بها المهربون. (٥) أن يكون مما يؤدى لتشجيع المواطنين على أنماط سيئة من الاستهلاك. وفي الواقع فإن دعم المواصلات العامة، وعلى رأسها المترو، من الحالات القليلة والصارخة التي لا يتوافر فيها أي من هذه المعايير الخمس التي تدعو لترشيد الدعم أو التردد بشأنه. فالمترو ليس من الخدمات التي يستفيد منها الأغنياء والفقراء معا، بل يستخدمه بشكل عام من ليست لديهم سيارات خاصة أو سائقون خصوصيون ولا يقدرون على التكلفة اليومية لاستخدام سيارات الأجرة أو "أوبر" أو "كريم". وإذا كان هناك من الموسرين من يستخدمونه أحيانا فإن هذا لا يغير من حقيقة أنه وسيلة المواصلات الرئيسية لمتوسطي ومحدودي الدخل بما لا يبرر الحاجة لترشيده. والمترو ليس سلعة ترفيهية أو كمالية، بل من أساسيات المعيشة العصرية، لأن الغالبية الساحقة تستخدمه للوصول إلى أعمالها أو دراستها أو قضاء مشاويرها الضرورية. وإجمالي الدعم الذي يحتاجه المترو لا يتجاوز خمسمائة مليون جنيه سنويا، وهو مبلغ ضئيل بالنظر إلى أهمية الخدمة العامة التي يتيحها وأن عدد المستفيدين منها نحو ثلاثة ملايين راكب يوميا. وهذا المبلغ لا يتجاوز ١٥ في الألف من إجمالي بنود الدعم والانفاق الاجتماعي في مشروع موازنة العام القادم والبالغ ثلاثمائة وثلاثين مليار جنيها[5]. بناء على ما سبق؛ فالتفسير الأنسب لرفع أسعار تذاكر المترو، أنه فصل جديد في تخلي الدولة عن وظيفتها الاجتماعية ودورها التضامني مع الفئات الفقيرة والشرائح المعوزة في المجتمع، وتوكيد على تبنيها سياسات نيوليبرالية تصبح الدولة بموجبها مجرد bodyguard لحماية السوق وأباطرته في مواجهة الاختلالات الاجتماعية المتراكمة مع تغييب العدالة الاجتماعية؛ فعلى النقيض من كل بنود الدعم يبقى دعم المترو هو الأفضل في الوصول لمستحقيه، بينما دعم الوقود مثلاً يستفيد منه بشكل أكبر أصحاب السيارات الخاصة من ذوي الدخل الأعلى في المجتمع –كما اتضح. وهو قرار يأتي ضمن حزمة قرارات مفروضة من صندوق النقد الدولي كشرط ضروري للحصول على القروض التي يقدمها؛ وهي شروط حين تنفيذها تصبح الدولة مرتهنة لسياسات تدعم قوى الإستثمار وتشجعهم –حتى عبر التغافل عن تهربهم الضريبي- مقابل سياسات تقشفية قاسية بحق الطبقات الفقيرة والمتوسطة؛ بمعنى أنها سياسات تسرع من تآكل الطبقة المتوسطة وتعظيم الفروق الطبقية؛ خاصة في حال كانت الدولة المطبقة لهذه السياسات ذات اقتصاد ريعي تسيطر فيه الدولة على الجزء الأكبر من السوق؛ عندها تصب الأرباح الريعية المستفادة من الفرص التي تقدمها التسهيلات المقدمة للمستثمرين بتوصية من صندوق النقد الدولي في مصلحة نخبة الحكم الصغيرة؛ مقابل سياسات تقشفية تمتص اقوات الفئات الفقيرة –اغلبية المجتمع- فتتحول الدولة بموجب ذلك إلى دولة جباية، وتتآكل شرعيتها ويصبح احتكارها العنف هو الضامن الوحيد لبقائها. رد الفعل *رد الفعل الشعبي* 1-     مقاطعة: هم شريحة قادرة على الاستغناء سواء من ناحية المادة أو من ناحية الوقت، فالبعض كان لا يستخدم سيارته حفاظًا على البنزين والبعض كان يريد استثمار الوقت، فمن قاطع هو من استغنى عن هذا وذاك، وشريحة أخرى تخشى الاعتقال العشوائي في مثل هذه الأوقات فقاطعت بشكل مؤقت. 2-     استسلام: هم في الحقيقة فريقين، فريق الزيادة لا تؤثر بشكل قاتل في ميزانيته، وفريق يائس ولا يريد…

تابع القراءة

الاستعداد لمسرحية المحليات القادمة

 الاستعداد لمسرحية المحليات القادمة مقدمة منذ ثورة يناير وحل المجالس المحلية وقتذاك، كَثُرَ الحديث عن المحليات القادمة التى لم تأتِ بعد، ورفعت شعارات تتمحور حول "المحليات للشباب" واستعد شباب كثيرين وقتذاك لخوضهم الانتخابات وبدأت نماذج المحاكاة تتأسس في محافظات مختلفة برعاية من وزارة الشباب والرياضة وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، ولكن هدأت هذه الرياح المتبقية من ثورة يناير، وتُرك الأمر لصُنّاع القوانين ليحددوا الموعد والشروط. هل من موعد محدد ؟ تم الافصاح بمواعيد عديدة بخصوص انتخابات المحليات لعام 2018، ولكن لم تستقر بعد على تاريخ محدد فأعلن المتحدث الرسمي باسم برلمان السلطة النائب صلاح حسب الله أنها ستجري فى النصف الأول من عام 2019، عقب إقرار البرلمان لمشروع قانون الإدارة المحلية[1] ومن قبله أعلن وزير التنمية المحلية أنها في انتظار الانتهاء من انتخابات الرئاسة[2]. المحليات باعتبارها استحقاق دستوري يجب ألا تتأخر بهذا الشكل فكان يجب أن تكون على رأس أجندة برلمان السلطة بمجرد الانتهاء من الانتخابات السلطوية للرئاسة 2018 وخصوصًا أن مصر بلا محليات منذ أكثر من 7 سنوات مما سبب فجوة تتعلق بالأمور الخدمية في أقاليم مصر، ولكن قال جمال عبد العال، عضو المكتب السياسي لائتلاف دعم مصر "ائتلاف الأغلبية تحت قبة البرلمان"، إن نواب البرلمان يضعون كل تركيزهم ومجهودهم خلال الفترة الحالية للانتهاء من قانون الإدارة المحلية، مشيرًا إلى أن القانون يحتاج إلى مناقشته مجتمعية بشكل موسع قبل إصداره ثم تابع قائلًا «ماينفعش نبقى خارجين من انتخابات رئاسة من شهرين مثلاً ونجري انتخابات جديدة للمحليات، ظروف البلد لا تتحمل هذا الأمر»[3]. الاستعدادات للمحليات ظهرت الاستعداد من قبل الحكومة، ومن قبل الكيانات التى ستتنافس على مقاعد المحليات أيضًا، وفي هذا المسار طالب البرلماني خالد بشر الحكومة بالاستعداد الجيد للانتخابات[4]، وأعلن مقلد عضو لجنة التنمية المحلية بمجلس النواب أن هناك قانون أخر للمحليات الشعبية، والذي سيُشكّل علي أساس 25% شباب و25% للمرأة و50% عمال وفلاحين، ومن بين المنتخبين ذوي احتياجات خاصة، بذات تشكيلة مجلس الشعب الحالي[5].  ومن جانب الأحزاب فقد أعلنت أحزاب موالية للسلطة عدة استعدادها والمشترك بينهم جميعًا هو ربط المحليات بالشباب. حزب التجمع[6] : قال عمرو عزت أمين شباب حزب التجمع، إن الحزب سينظم سلسلة من الندوات لشباب الحزب لإعداد كوادر قادرة على خوض انتخابات المحليات، لافتًا إلى أن مجموعة من الخبراء سيعلمون الشباب الادوات التي يستخدمونها في العمل الرقابي ومنها "الاستجواب والسؤال وطرح الثقة". حزب المصريين الأحرار[7] : أكد إسلام الغزولي، مستشار رئيس حزب المصريين الأحرار لشؤون الشباب، أن الحزب يعمل حاليا على إعداد الشباب جيدًا لخوض معركة انتخابات المحليات المقبلة، ونسعى للحصول على أكبر عدد ممكن من مقاعد المجالس المحلية الشعبية. حزب المؤتمر[8] : قال أحمد خالد أمين شباب حزب المؤتمر، إن اتحاد شباب الحزب سينظم قريبًا سلسلة من الندوات والورش، لتدريب شباب الحزب ومحبيه على خوض انتخابات المحليات، متابعا: "سندرب الشباب على أساليب وأدوات الرقابة الشعبية، ومنها الاستجواب والسؤال وسحب الثقة". حزب مستقبل وطن[9] : قال أحمد الشاعر المتحدث باسم حزب مستقبل وطن، إن الحزب جاهز لانتخابات المجالس المحلية في أي وقت، وتم الإعداد والتجهيز للمحليات داخل الحزب منذ عامين، ولا زال العمل مستمر في إعداد الشباب للمنافسة بقوة في هذه الانتخابات ونطمح أن نحقق المركز الأول من حيث الحصول على مقاعد في المجالس المحلية على مختلف المستويات «محافظة – مركز – قرية». حزب الوفد[10] : عقد الدكتور هاني سري الدين، سكرتير عام حزب الوفد، اجتماعاً اليوم، مع عدد من شباب الحزب لمناقشة تطورات الأوضاع علي الساحة السياسية. وقال الدكتور ياسر الهضيبي، المتحدث باسم الحزب، إن شباب الحزب طالبوا خلال الاجتماع باستمرار "اتحاد الشباب الوفدي" وتفعيل دوره خلال الفترة المقبلة، و تم مناقشه تعزيز المشاركة السياسيه لشباب حزب الوفد، وكيفية تجهيز عدد من الشباب لخوض الانتخابات المحلية والبرلمانيه المقبله. خاتمة من المعلوم أن خريطة التحالفات الحزبية، وكذلك طبيعة الحشد والتعبئة باتت تحدث بالتنسيق مع الحكومة أو بمعنى أخر بما لا يتعارض مع أولوياتها. ربما تصبح فعلًا المحليات من نصيب الشباب ولكن أى شباب هؤلاء؟ هم شباب ليس لديهم أدنى مشكلة في الرقص على دماء الشهداء، وإن كان فيهم من تبرء من هذا الدم فهو في المكان غير الصحيح. ثمة تطرف يصيب الخاتمة حيث أن لا أمل في أن تُمارِس المحليات دورها بشكل مستقل عن الجهاز التنفيذي للدولة وسيتحول هؤلاء الشباب إلى أمرين، الأمر الأول مشهد انتخابي مفتعل ومزيف يمكن الإتجار به داخليًا وخارجيًا من حيث تمكين الشباب، والأمر الثاني هو صيرورتهم إلى تروس في منظومة لا يتحكمون هم في مخرجاته [1] متحدث البرلمان: انتخابات المحليات في النصف الأول من 2019،التحرير،4أبريل2018، الرابط : https://is.gd/g1M3pQ [2] بعد انتهاء «الرئاسية».. لهذه الأسباب انتخابات المحليات بعد 2018،التحرير،2أبريل2018، الرابط : https://is.gd/uVXkkm [3] المرجع السابق. [4] النائب خالد بشر يطالب الحكومة بالاستعداد لإجراء انتخابات المحليات، الوطن،7مايو2018، الرابط : https://is.gd/uVXkkm [5] "مقلد": انتخابات المحليات قبل نهاية 2018 بالقانون الجديد، و25% للمرأة،الوطن، 8مايو2018، الرابط : https://is.gd/Rgg5e6 [6] "التجمع" يدرب الكوادر الشبابية لخوض انتخابات المحليات، الوطن، 17ابريل2018، الرابط : https://is.gd/KUSoAA [7] "المصريين الأحرار": نعمل على إعداد الشباب لخوض معركة انتخابات المحليات،الوطن،4ابريل2018،الرابط : https://is.gd/5pti0N [8] "شباب المؤتمر": تنظيم ندوات للتدريب على خوض انتخابات المحليات،الوطن،19ابريل2018، الرابط : https://is.gd/wGNnRm [9] "مستقبل وطن": جاهزون لخوض انتخابات المحليات في أي وقت،الوطن،18ابريل2018، الرابط : https://is.gd/8M80lT [10] متحدث "الوفد": نجهز شبابنا للدفع بهم في انتخابات المحليات والبرلمان، الوطن،5مايو2018، الرابط : https://is.gd/PPkXvF

تابع القراءة

مؤشرات الانتخابات الماليزية والعربية

 مؤشرات الانتخابات الماليزية والعربية نستعرض في هذا التقرير ملامح الانتخابات الماليزية والعراقية واللبنانية بشكل يلقي الضوء على النتائج والدلالات بشكل أولي. الانتخابات الماليزية: انتهبت بفوز تحالف المعارضة بقيادة مهاتير محمد وحلفائه من القوي الإسلامية المرتبطة بأنور ابراهيم والاخوان المسلمين والحزب الاسلامي بالانتخابات الماليزية يعيد الفرحة لقلوب الماليزيين، ويضع ماليزيا من جديد على طريق النهضة من خلال البدء في تطهير مؤسسات الدولة من عمليات الفساد التي بدأت تنخر في عضد ماليزيا وجعلتها تنحرف عن البوصلة التي سبق وأن وضعها ماليزيا منذ عشرين عاماً. مخاوف سعودية واماراتية من فوز تحالف المعارضة وهزيمة رئيس الوزراء الموالي لهما في الانتخابات. والحقيقة أنه مع جلاء الاستعمار البريطاني عام 1957م تحوّل نظام الحكم في ماليزيا إلى حكم فدرالي باسم فيدرالية الملايو، وباتت ماليزيا بذلك ملكية دستورية فيدرالية. منذ استقلالها وخلال العقود الخمسة الماضية نعمت ماليزيا نسبيًا بحالة من الاستقرار السياسي، حيث انتظمت الانتخابات الديموقراطية الحرة في مواعيدها، ولم تحدث أية انقلابات، في ظل حالة من التوافق والتعايش العرقي والديني، وتطور اقتصادي انعكست فوائده على مجمل شرائح المجتمع الماليزي، واستقرار في الأمن الداخلي. بالتأكيد لم تخلو هذه الفترات من المشاكل والمنغصات؛ لكنها بقيت على كل حال في حدود ما يمكن استيعابه وتجاوزه[1]. أما الإنتخابات الأخيرة فقد أجريت في 9 مايو 2018، وقد تم إعلان النتائج الرسمية اليوم التالي 10 مايو 2018م، حصل تحالف الأمل PH بقيادة مهاتير محمد وأنور إبراهيم على 113 مقعداً من مجموع مقاعد البرلمان البالغ 222 مقعداً، أمّا التحالف الوطني BN بقيادة رئيس الوزراء السابق نجيب عبد الرزاق فقد حصل على 79 مقعداً، فيما حصل الحزب الإسلامي الماليزي PAS على 18 مقعداً، أمّا حزب واريسان في ولاية صباح فكان نصيبه 8 مقاعد فيما حصد المستقلون 3 مقاعد. يرى مراقبون أن خسارة الحزب الحاكم للإنتخابات لم تبدأ في هذه الدورة بل من الدورة السابقة عندما فقد أغلبية أصوات الناخبين ومنعه من خسارة الحكم التوزيع غير المتساوي لمقاعد البرلمان، ويعود ذلك بشكل رئيس إلى تآكل شعبية الحزب، ورغبة قطاعات واسعة من الشباب بالتغيير، ولعل السبب الأهم الذي يجعل هذه الدوافع تتفاعل وتؤدي إلى خسارة الحزب، هو تزعم مهاتير لهذه المعارضة، وإطلاقه حملة اتهامات واسعة لرئيس الحكومة بالفساد. فيما يتعلق بمنطقتنا: تعد ماليزيا ساحة تنافس بين السعودية وإيران. خلال السنوات الماضية ساءت العلاقة مع إيران في عهد نجيب وذلك بضغوط سعودية، حتى وصل الأمر إلى إصدار فتوى من جهات رسمية ماليزية بتكفير الشيعة مع اكتشاف حسينية شيعية في كوالالمبور وتشيع بعض الماليزيين، وهو ما حاولت إيران التغلب عليه من خلال إيفاد بعض الوفود غير الرسمية -حتى من السنة المؤيدين لها، لإقناع الماليزيين بتغيير موقفهم المتصلب. لا يبدو أن مهاتير يختلف من حيث المبدأ، عن نجيب في موقفه من التشيع، فقد علمت أن وفداً زار ماليزيا والتقى مهاتير طالباً منه التدخل لدى الحكم بهذا الشأن، فكان موقفه شديداً وقال أنّ مسلمي ماليزيا سنة شوافع ولا يحتمل وضع التجزئة، ورد الوفد خائباً، لكنه على الصعيد السياسي ربما يكون أبعد عن الضغوطات السعودية، ما يمكن أن يدفع إلى تحسين العلاقات مع إيران ولو بشكل محدود، خاصة مع الدور الخطير الذي اضطلعت به السعودية بالتأثير على مجريات الانتخابات عام 2013 عبر تقديمها مبالغ إلى رئيس الوزراء السابق من أجل التأثير على نتائجها، وأيضاً مع الفضائح المالية التي ارتبطت باسم حليفتها الإمارات والتي تم الكشف عنها في ماليزيا وخصوصاً استثمارات مؤسسة ساتو ماليزيا، وعلاقاتها المريبة مع رجالات الحكم السابق[2].   الانتخابات العراقية:  تعد الانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت 12 مايو 2018 هي الرابعة التي يجريها العراق منذ الغزو الأميركي عام 2003، والأولى منذ إعلان الحكومة العراقية النصر على تنظيم الدولة، وقد حققت الانتخابات نسبة مشاركة بلغت نحو 45% حسب النتائج الرسمية، وهي أقل نسبة مشاركة بين جميع الاستحقاقات الانتخابية الماضية؛ ففي عام 2014 سجلت نحو 60%، وفي عام 2010 بلغت 62%، ونحو 80% في عام 2005. مقابل انخفاض نسبة التصويت ارتفعت أعداد الأحزاب والتكتلات والمرشحين بشكل ملموس عن الانتخابات السابقة؛ حيث شارك نحو سبعة آلاف مرشح توزعوا على 87 حزبًا وتحالفًا سياسيًّا. جرت الانتخابات وسط تزايد ملحوظ في الرغبة بالخروج من دائرة الاحتشاد الطائفي، ولذلك تشكَّلت قوائم كثيرة عابرة للطائفية، وكان ذلك من سماتها المميزة واللافتة، لكن الانتخابات الأخيرة جرت أيضًا في سياق داخلي مشحون ومتوتر، فالكتلتان اللتان ظلتا الأكثر توحدًا وتأثيرًا في المشهد السياسي، وهم الشيعة والكرد، قد انفرط عقدهما في انتخابات 2018، ودخلا الانتخابات وسط اختلافات بنيوية بين أطرافهما، تبدت نتائجها في توزع القوى السياسية الشيعية على خمس قوائم رئيسية، والكرد على سبع، من دون أن يكون لهذا التشظي دواع تكتيكية انتخابية كما حدث في الانتخابات الماضية. ولعل الخطورة الأكبر في هذا الانقسام هي امتلاك كل من الأحزاب الشيعية والكردية على حد سواء لميليشيات مسلحة يمكن في أية لحظة أن تنقل الخلاف السياسي إلى مواجهات دموية. أما القوى السياسية السنية، فقد شاركت بقائمتين رئيسيتين، وبين أطرافها العديد من الخلافات، غير أن افتقاد السُّنَّة العرب في العراق للميليشيات المسلحة، بل وتجريد أغلب المناطق السنية من السلاح، يجعل استخدام العنف مستبعدًا بشكل عام لعدم توفر أدواته. وقد جرت الإنتخابات في سياق إقليمي ودولي متوتر بسبب الاشتباك السياسي والدعائي الأميركي-الإيراني، وبداهة أن يسعى كل من هذين الطرفيْن المنخرطين أصلًا وبقوة في العراق للاستحواذ على النفوذ السياسي، ربما لاستباق أي تطور محتمل في المواجهة بينهما، لكن المتغير الجديد في التدخل الخارجي، كان بروز المملكة العربية السعودية كطرف أجنبي ثالث في الانتخابات الأخيرة؛ فهي تنخرط لأول مرة بهذه القوة في الوضع العراقي، فيما يبدو أنه محاولة منها لمواجهة النفوذ الإيراني القوي في العراق، ولتحقيق اختراق سياسي لأول مرة في هذا البلد منذ الغزو قبل 15 عامًا. ولا يُعرف حجم تدخل هذه القوى الثلاثة في هذه الانتخابات، لكن المراقبين داخل العراق لاحظوا الحملات الدعائية المكلفة والمال السياسي الضخم الذي جرى إنفاقه من قبل بعض القوى والشخصيات المحسوبة على إيران أو السعودية بشكل خاص[3]. بحسب النتائج الأولية؛ احتل تحالف "سائرون" المرتبة الأولى (تحالف بين التيار الصدري الذي يتزعمه مقتدى الصدر مع الحزب الشيوعي العراقي بزعامة رائد فهمي وأحزاب أخرى)، كما حصل على أعلى نسبة من الأصوات في محافظة بغداد التي تحظى بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان، تلاه تحالف "الفتح" بقيادة الأمين العام لمنظمة "بدر" هادي العامري (قائمة تتألف من فصائل الحشد الشعبي والمجلس الأعلى الإسلامي العراقي)، ثم ائتلاف النصر (برئاسة العبادي)، وجاءت في المراتب اللاحقة تحالف "دولة القانون" (برئاسة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي)، والقائمة "الوطنية" برئاسة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي متحالفا مع رئيس البرلمان الحالي سليم الجبوري[4]. وبحسب النتائج الحالية، يبدو أن هناك سناريوهات اثنين لتشكيل الحكومة المقبلة: اولاهما تشكيل تحالف يشمل سائرون…

تابع القراءة

فن تغيير النظام الإيراني (ترجمات)

 فن تغيير النظام الإيراني[1] (ترجمات) كتب أستاذ العلاقات الدولية الأمريكي سيتفن والت – وهو معروف  بمنطلقاته  من مدرسة الواقعية وكشفه لابعاد تغلغل اللوبي الصهيوني في السياسية الامريكية الداخلية – مقالاً يحذر من توجه ادارة ترامب نحو استراتيجية تغيير النظام الايراني من الداخل بعد انسحابه من الاتفاق النووي . وهو مقال يكشف عن طبيعة نمط تفكير الرئيس الامريكي والدوائر المحيطة به فيما يخص المنطقة في المستقبل القريب. وفيما يلي نستعرض نص المقال الهام. نص المقال: إن لانسحاب ترامب من الاتفاق النووي له هدفا واحدا، لكن دون وجود خطة واضحة لتحقيقه. كما كان متوقعا فقد انصاع ترامب لعناده، فكرهه الشديد لأوباما هو وداعموه من المتشددين وفريقه الجديد من المستشارين بالإضافة إلى جهله، كلها أسباب دفعته للانسحاب من الاتفاق الدولي الذي يمنع إيران من تطوير برنامجها النووي تحت مسمى خطة العمل الشاملة المشتركة. من المهم فهم ما الذي يحدث هنا. لا يستند قرار ترامب على رغبة في منع إيران من تصنيع أسلحة نووية، إذ سيكون من المنطقي عدم الانسحاب من الصفقة النووية والتفاوض من أجل جعلها دائمة. كما تقر كل من الوكالة الدولية للطاقة الذرية (التي تراقب وتفحص المنشآت الإيرانية) وكذا المخابرات الأمريكية، أن إيران تمتثل امتثالاً كاملاً لبنود خطة العمل الشاملة المشتركة منذ توقيعها. وكما يقول بيتر بينارت.. إن الولايات المتحدة هي من فشلت بالوفاء بالتزاماتها. كما لم يأت قرار ترامب نتيجة لرغبته في التصدي لأنشطة إيران الإقليمية كدعمها لنظام بشار الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان. إذا ما افترضنا أن هذا ما يسعى إليه فسيكون من المنطقي ألا ينسحب من الاتفاق (الذي لا يسمح لإيران بتطوير برنامجها النووي) وتنضم المزيد من الدول إلى الولايات المتحدة للضغط على إيران من أجل الالتزام بهذا الاتفاق. سيكون من المستحيل على ترامب أن يستطيع جمع دول الائتلاف التي ساهمت في إنتاج خطة العمل الشاملة المشتركة، ولكن إيران لن تقبل أن تتفاوض مع الولايات المتحدة على نحو مضاعف الآن، بعد أن أظهر ترامب أن أمريكا لا تلتزم بوعودها بكل بساطة. فما الذي يحدث بالضبط؟ بشكل مبسط، يستند التخلي عن خطة العمل الشاملة المشتركة إلى الرغبة في "إبقاء إيران في خانة العقوبة" ومنعها من إقامة علاقات مع العالم الخارجي. يوحّد هذا الهدف بين كل من مجموعات اللوبي الإسرائيلي المتشددة (على سبيل المثال، لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية، ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وكذا منظمة "متحدون ضد إيران النووية")، وصقور المحافظين بمن فيهم مستشار الأمن القومي جون بولتون، ووزير الخارجية مايك بومبيو، وشخصيات عديدة أخرى. فقد كانوا متخوّفين من أن تُضطر الولايات المتحدة وحلفاؤها في الشرق الأوسط إلى الاعتراف بإيران كقوة إقليمية مشروعة ومنحها درجة من النفوذ الإقليمي، لا هيمنة إقليمية، وهو ما لا تسعى إليه إيران على الأرجح، وتفصلها عن تحقيقه سنوات ضوئية، وإنما الاعتراف بأن لإيران مصالح إقليمية وأن تفضيلاتها يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند حل المسائل الإقليمية المهمة. وهذا ما يسعى صقور المحافظين في الولايات المتحدة إلى تجنّبه، فهم يسعون إلى ضمان بقاء إيران منبوذة إلى الأبد. ومن هذا المنظور، يمكن القول إن صفارات تغيير في النظام قد بدأت تلوح في الأفق، وهو ما كان يسعى صقور الولايات المتحدة والقوات المناهضة للنظام لتحقيقه منذ عقود. هذا هو الهدف الرئيسي لجماعات مثل "مجاهدي خلق"، وهي جماعة إيرانية توجد في المنفى، وقد كانت فيما ما قبل ضمن لائحة المنظمات الإرهابية الخاصة بالولايات المتحدة. إن منظمة مجاهدي خلق محظورة داخل إيران لكن الساسة الجمهوريين والديمقراطيين (بما في ذلك بولتون) يؤيدونها حيث دُفعت أموال طائلة لهم في الماضي. من يدعي أنه لا يمكن شراء – أو على الأقل تأجير- سياسي أمريكي؟ يرى الصقور طريقين محتملين لتغيير النظام الإيراني. يعتمد النهج الأول على زيادة الضغط الاقتصادي على طهران على أمل ازدياد السخط الشعبي، وأن النظام الديني سوف ينهار ببساطة. بينما يتمثل الخيار الثاني في استفزاز إيران والدفع بها لاستئناف برنامجها النووي، الأمر الذي من شأنه أن يمنح واشنطن ذريعة لشن حرب وقائية. دعونا نتأمل هذه الخيارات جيداً: فيما يتعلق بالخيار الأول، فإن الاعتقاد القائم بأن فرض عقوبات أشد قسوة على إيران سيتسبب في انهيار النظام هو مجرد تمنٍّ. لقد استمر الحصار الأمريكي على كوبا لأكثر من 50 عاماً، ولا يزال نظام كاسترو قائماً (ولو كان "فيدل" قد مات الآن وأن شقيقه راؤول قد تنحى عن منصبه لصالح خليفته). كما إن 60 سنة أو تزيد من العقوبات المتصاعدة على نظام كوريا الشمالية، لم تمنعه من الحصول على ترسانة نووية قابلة للاستخدام. لقد قيل لنا منذ سنوات إن إيران على حافة الانهيار، ويبدو أن ذلك لن يحدث أبداً. كما إن العقوبات لم تسقط صدام حسين في العراق أو معمر القذافي في ليبيا. لقد تحمس المتشددون قبل بضعة أشهر عندما حدثت مظاهرات مناهضة للحكومة في العديد من المدن الإيرانية، لكن بهذا المنطق، فإن المظاهرات الضخمة التي حدثت في العديد من المدن الأمريكية منذ انتخاب ترامب، هي إشارات على أن تغيير النظام بات وشيكاً، وهو أمر يبدو بعيد المنال في كلتا الحالتين. يمكن أن تساعد الضغوط الاقتصادية في بعض الأحيان على إقناع المعارضين بالتفاوض وربما تغيير سياساتهم، ويمكن أن تُضعف اقتصاد العدو خلال زمن الحرب، لكن الانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة لن يُجبر إيران على الانصياع. ماذا لو كانت هذه التقديرات على خطأ وسقط نظام الملالي في إيران؟ كما سبق وأن شهدنا في بلدان أخرى، من الصعب أن تظل البلاد مستقرة وداعمة للولايات المتحدة بعد سقوط النظام.  فقد دعمت الولايات المتحدة تغيير النظام في العراق ما أدى إلى حرب أهلية وتمرد كبير وصعود للدولة الإسلامية. وقد حدث نفس الشيء في ليبيا. كما تدخلت الولايات المتحدة مراراً وتكراراً في أماكن تشمل الصومال واليمن وأفغانستان وسوريا في السنوات الأخيرة، وكل ما جنته هو جلب عدم استقرار وتمهيد الطريق أمام المنظمات الإرهابية. ودعونا لا ننسى أن الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة سابقا لتغيير النظام في إيران – للإطاحة برئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيا محمد مصدق، وأعيد تعيين الشاه محمد رضا بهلوي في عام 1953 – أدى إلى تعزيز العداء لأميركا منذ ثورة 1979. دعونا لا ننسى أن العديد من المعارضين البارزين للنظام – بمن فيهم قادة ما يسمى بالحركة الخضراء – يدعمون برنامج إيران النووي وليسوا مستعدين ليكونوا وكلاء لواشنطن وإن وصلوا بطريقة ما إلى سدة الحكم. أما بالنسبة للخيار الثاني – الحرب – الذي يعتبر مطمح الصقور المحافظين، إذ يرون في الحرب فرصة للقضاء على هذا النظام ويعتقدون أن المزيج المألوف من الصدمة والرعب سيقضي على البنية التحتية النووية الإيرانية ويلهم شعبها للانقلاب على قادتهم الذين أوصلوهم إلى هذا الوضع المؤسف. يُعتبر هذا السيناريو مثيرا للسخرية: فلن يتوانى الإيرانيون عن الرد إذا ما قامت…

تابع القراءة

المشهد السياسي من 12 مايو إلى 18 مايو 2018م

 المشهد السياسي أولاً: المشهد الداخلي 3    زيادة أسعار المترو في مصر تتزامن مع نقل الولايات المتحدة سفارتها إلي القدس، لينشغل الشعب المصري بتداعيات تلك الزيادة فلا يتحرك لما يحاق لأراضيه ومقدساته التي يتم انتهاكها من قبل الصهاينة والأمريكان وبدعم عربي رسمي غير مسبوق. 3    بدعوى تأثيره السلبي على استقرار الدولة وقطاع السياحة، السيسي ينتقد مظاهر الاحتجاج الرافضة لرفع أسعار تذاكر المترو، أبرز ما يميز النقد الذي وجهه السيسي للمحتجين على تذاكر المترو؛ أولاً: لهجة السخرية والتهكم والتي تعكس عدم ثقة في المجتمع وفي قدرته على التعامل بعقلانية مع الأمور وتكشف عن إيمانه بفرضية جهل المجتمع وعدم جاهزيته للإدلاء برأيه ومواقفه في القضايا شديدة المساس بحياته ومصالحه؛ وهو موقف يكشف إلى أي مدى لا يؤمن السيسي بالديمقراطية كأسلوب في الحكم – على الأقل في مصر والمنطقة العربية – فيقول (الإجراء الاحتجاجي الواسع اللي بيقوموا بيه يأثر على البلد، لأنهم في الآخر بيرجعوا يناموا في البيت، وما يعرفوش نتائجه على الدولة واستقرارها)؛ ثانياً: نبرة التهديد الواضحة للمعارضة بشكل أساسي و بصورة أقل وغير مقصودة للمجتمع من بعده؛ حيث يقول (دور المعارضة هو عرض رؤى وحلول مختلفة للمشكلات لتحقيق هدف بناء الوطن، وهناك ثلاثة ملايين عامل في قطاع السياحة يجب أن يعملوا، ويجب أن يكون هناك شكل من أشكال الاستقرار النسبي، وتلك المعادلة الصعبة يجب أن تنفذ من قبل المسؤول التنفيذي، ومفيش حد عايز يتعامل مع أهله وناسه بإساءة). ثالثاً: شماعة الاستقرار ومقلوبها الطوارئ واستخدام هذه العملة (الاستقرار/ الطوارئ) بشكل مستمر في تجريم أية مساعي للتغيير أو لتفعيل منظومة حكم ديمقراطية. 3    والحقيقة أن الدعم وسيلة الدولة في استخدام مواردها السيادية من أجل توفير سلع وخدمات معينة وضرورية لمحدودي الدخل وبأسعار تقل عن تكلفتها الفعلية وذلك تحقيقا لمصالح عامة مختلفة، ويعتبر رفع أسعار تذاكر المترو فصل جديد في تخلي الدولة عن وظيفتها الاجتماعية ودورها التضامني مع الفئات الفقيرة والشرائح المعوزة في المجتمع، وتوكيد على تبنيها سياسات نيوليبرالية تصبح الدولة بموجبها مجرد bodyguard لحماية السوق وأباطرته في مواجهة الاختلالات الاجتماعية المتراكمة مع تغييب العدالة الاجتماعية؛ فعلى النقيض من كل بنود الدعم يبقى دعم المترو هو الأفضل في الوصول لمستحقيه، بينما دعم الوقود مثلاً يستفيد منه بشكل أكبر أصحاب السيارات الخاصة من ذوي الدخل الأعلى في المجتمع – كما اتضح، وهو قرار يأتي ضمن حزمة قرارات مفروضة من صندوق النقد الدولي كشرط ضروري للحصول على القروض التي يقدمها؛ وهي شروط حين تنفيذها تصبح الدولة مرتهنة لسياسات تدعم قوى الاستثمار وتشجعهم – حتى عبر التغافل عن تهربهم الضريبي – مقابل سياسات تقشفية قاسية بحق الطبقات الفقيرة والمتوسطة. 3    ردود الفعل الشعبية علي رفع أسعار المترو؛ مقاطعة من شريحة قادرة على الاستغناء سواء من ناحية المادة أو من ناحية الوقت؛ استسلام: ويضم فريق الزيادة لا تؤثر بشكل قاتل في ميزانيته، وفريق يائس ولا يريد أن يعتقل ولا يريد أن يتأخر عن العمل تجنبًا للخصم في مرتبه؛ احتجاجات  سياسية وثورية ممدوح حمزه يدعو لتسريح للعمالة الزائدة والضباط المتقاعدين؛ احتجاجات سلمية في المترو وتم خلالها رفع لافتات اعتراضًا وكان مصيرهم الاعتقال، واعتقل معهم بشكل عشوائي شباب أخرون، وفي محطات أخرى اقتحم البعض ممرات العبور إلى القطارات دون تذاكر أصلًا وبعد مقاومة أمنية غير كاملة بدأت قوات الأمن رفع الحالة من العادية إلى الزائدة وانتشروا في كل محطات مترو الأنفاق؛ وعلى صعيد العالم الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي كالعادة كانت منصة للتنفيس عن الغضب؛ رد الفعل الإعلامي اختلف عن الأحداث الفارقة السابقة، فلم تكن هناك تحيزات عمياء تجاه السلطة بل حدثت بعض الانتقادات، والنواب في النهاية تضامنوا مع الحكومة لا مع الشعب اللهم إلا القليل خصوصاً إلا القليل من النواب الذين يخشون علي كراسيهم أو لديهم حسابات خاصة تربطهم بالنظام أو المجتمع. 3    أربع حقائق صادمةً في بيانٍ جديدٍ لأسرة الرئيس مرسي؛ أصدرت أسرة الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب والمخطوف حاليًا في سجون العسكر، يوم الخميس، بيانًا جديدًا، أكدت فيه أن شهر رمضان الكريم هذا العام هو الشهر السادس على التوالي للرئيس في سجون العسكر، في ظل حالة من الحصار والتعتيم المتعمد عن طبيعة وظروف احتجازه منذ الانقلاب العسكري الذي حدث في مصر سنة 2013 م، ودون أن يسمح له بحقه الطبيعي في مقابلة أسرته وفريقه القانوني على مدار سنوات الاعتقال؛ أكد البيان علي أربع حقائق، أولاً: الرئيس محمد مرسي ممنوع تمامًا وكليًا من لقاء أي بشر أيا ما كان، وهو في اعتقال انفرادي تعسفي وحصار وعزلة كاملة منذ اختطافه عشية الانقلاب وحتى اليوم، ولم تتمكن أسرة الرئيس وفريق دفاعه القانوني من لقائه سوى مرتين على مدار سنوات الاعتقال الخمس؛ ثانيًا : أسرة الرئيس لا تعلم شيئًا عن مكان وظروف احتجاز الرئيس، ولا طعامه وشرابه ، فضلاً عن حالته الصحية وخاصة بعد حديث الرئيس عن تعرض حالته للخطر والتهديد المباشر داخل مقر احتجازه (8 أغسطس 2015، و 6 مايو 2017، و23 نوفمبر 2017)؛ ثالثًا: فيما يخص نجله أسامة مرسي المحامي ؛ فإننا نؤكد أنه ومنذ تاريخ اعتقاله في ديسمبر 2016 لم نتمكن من زيارته سوى مرة واحدة وحتى اليوم؛ رابعًا: إن ظروف اعتقال واحتجاز الرئيس مرسي ونجله أسامة مخالفة لكافة الدساتير والقوانين المنظمة للعدالة في مصر والعالم؛ وزيارتهما والاطمئنان عليهما حق لا مكرمة يقدمها أحد لنا. 3    قرار جمهوري بتشكيل لجنة لسرقة ومصادرة أموال المتحفظ عليهم، مؤتمر الشباب ومن بعده المؤشرات الدالة على البدء في تدشين حزب النظام ثم تشكيل لجنة التحفظ على أموال المعارضة الإسلامية في مصر؛ كلها دلائل على استبعاد النظام لخيار المصالحة وسعيه الجاد باتجاه تدشين كيان سياسي يدعمه، ويقوم بدور "الشرطي" الضابط والمسيطر على المساحة القائمة بين الدولة والمجتمع؛ وذلك بدل الاعتماد على فاعلين إسلاميين – أو حتى علمانيين – قد يغريهم موقعهم بعد ذلك في الانقلاب على النظام الذي منحهم هذا الموقع، خاصة أن النظام الحالي مسكون بالشك ولا يثق بأحد إلا بنخبة صغيرة مقربة تعجز عن السيطرة المباشرة على كافة مقاليد الأمور في البلاد. 3    انطلاق فعاليات المؤتمر الوطني الخامس للشباب بحضور السيسي بالقاهرة؛ بات مؤتمر الشباب هو النافذة التي يتعاطى النظام المصري عبره مع المجتمع والناس، وبات هو الكيان الذي يجند من خلاله اتباع ومصفقين وداعمين لسياساته، وبات يكشف بصورة جيدة رؤى النظام ومخاوفه وتطلعاته، ويمكن القول: أنه بات المنصة التي يطل بنا عليها النظام وعبرها تتكشف مساراته المستقبلية، وإن كان لا يزال يذكرنا بمؤتمرات الشباب التي كان يجري تدشينها في عهد الرئيس المخلوع "مبارك" وبرعاية نجله (الوريث) جمال مبارك. 3    كشفت تعليقات السيسي خلال فعاليات المؤتمر الخامس للشباب عن جزء هام من طبيعة السياسات العامة في البلاد خلال المرحلة القادمة؛ أبرز هذه الرؤى: الاستمرار في سياسات تقنين الاقتصاد غير الرسمي…

تابع القراءة

أزمات التعليم في مصر بعد ” 30 يونيو”

 أزمات التعليم  في مصر بعد  " 30 يونيو"  تكثر  الشكاوى من تدهور الوضع التعليمي في مصر، خصوصا بعد انقلاب 3 يوليو 2013م، وعدم جودة التعليم مقارنة بنظيره في بلاد العالم، وتخلفه عن مواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية، وعدم قدرته على تخريج كفاءات قادرة على سد احتياجات سوق العمل محليا ويكون مرغوبا فيها خارجيا لحل أزمة البطالة المزمنة التي يقبع فيها ملايين العاطلين. وإذا علمنا أن الكيان الصهيوني  الذي لا يبلغ تعداده  7 ملايين نسمة قد  خصص للتعليم في موازنة  2019 " 60 مليار شيكل أى نحو "17.6 مليار دولار[1]، بينما خصصت مصر التي يبلغ تعدادها "104" ملايين نسمة "7,1" مليارات دولار فقط في موازنة 2018/2019؛ ندرك حجم الفجوة في العناية بالتعليم والاستثمار في البشر الذي يتفوق فيه الصهاينة على كل الشعوب العربية. ويعانى عدد كبير من الطلاب بمختلف مراحل التعليم الأساسى الابتدائى والإعدادى والثانوى، من عدم القدرة على القراءة والكتابة، كما يعانى التعليم فى مصر، واقعياً، من تراكم الهموم، يأتى على رأسها الزحام الشديد، وتكدس الطلاب فى الفصول، لدرجة وصول كثافة الفصول إلى نحو 140 طالباً فى الفصل الواحد، ما يؤدى إلى حرمان المعلم من فرصة الشرح، وحرمان التلاميذ من إمكانية الاستماع والتركيز، كما أن الدروس الخصوصية تحولت من وسيلة لتقوية بعض الطلاب الضعاف إلى إمبراطورية لا يستطيع أحد الاقتراب منها. وانتشرت ظاهرة «السناتر» فى أحياء مصر ومدنها، حيث يلجأ المدرسون إلى استئجار قاعات واسعة لاستيعاب الطلاب، وتصل الأعداد فى كل «محاضرة» إلى المئات وتحولت إلى بزنس يدر المليارات على مافيا الدروس الخصوصية. ووفقا لإحصاءات رسمية[2] فإن عدد مدارس التعليم العام والخاص فى مصر بلغ 53 ألفاً و350 مدرسة، تضم نحو 21 مليوناً و500 ألف تلميذ، أما فى مرحلة التعليم الجامعى، فقد بلغ عدد المقيدين بالجامعات 2 مليون و295 طالباً وطالبة. ويوجد في  مصر، ثلاثة أنواع أساسية من الجامعات، وهي: جامعات حكوميّة مدعومة من أموال الضرائب وعددها 27 جامعة، وجامعات أهليّة غير ربحية وعددها 4 جامعات، وجامعات خاصّة مملوكة للقطاع الخاص ورجال الأعمال وعددها 20 جامعة، بالإضافة إلى 12 أكاديمية، وبذلك يكون إجمالي عدد الجامعات مع الأكاديميات في مصر 63 جامعة وأكاديميّة، كما توجد فيها 8 كليات عسكرية تُشرف عليها وتديرها وزارة الدفاع، ويلتحق خريجوها بالقوات المسلحة المصريّة بعد تخرُّجهم، كما توجد هناك 3 جامعات خارج حدود البلاد. وفي عهد العسكر أصاب الانهيار كل مكونات العملية التربوية والتعليمة  المعلمون والطلاب والقوانين واللوائح الضابطة للعملية التعليمية والوسائل  التعليمية والمناهج؛  وعلى وقع عسكرة التعليم تدهورت الأوضاع  وتفشى الفساد وبات التعليم بزنس ووسيلة للثراء  على حساب الوطن والشعب.     مصر خارج التصنيفات الدولية                                                            ورغم هذا العدد الهائل من الجامعات إضافة إلى عشرات الآلاف من المدارس في المراحل المختلفة الابتدائية والإعدادية والثانوية إلا أن مصر  بعد انقلاب 30 يونيو ، تبقى  خارج التصنيفات الدولية  في مستوى جودة التعليم وفقا لتصريحات الدكتور طارق شوقي وزير التعليم بحكومة 30 يونيو[3]، خلال مشاركته في مؤتمر "تطوير التعليم.. حلول إبداعية" الذي نظمته جامعة القاهرة ومؤسسة اخبار اليوم، مايو 2017م. ورغم تدهور أوضاع التعليم المصري بعد انقلاب 23 يوليو 1954م، إلا أنه بلغ ذروة الانهيار في مرحلة ما بعد انقلاب 30 يونيو 2013م،  وجاء ترتيب مصر خارج التصنيف في مؤشرات جودة التعليم الابتدائي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2014/2015، واحتلت المركز "141" من أصل "140" دولة، لكن وزارة التعليم بحكومة العسكر تباهت بحصولها على  المركز "134" من أصل "139" دولة، في مؤشرات  جودة التعليم الابتدائي الذي صدر في تقرير التنافسية الدولية في العام التالي 2016/2017م[4].   أزمات ما بعد 30 يونيو وبعد انقلاب 30 يونيو 2013، تضاعفت  أمراض وأزمات التعليم المصري، ومنها أزمات: ·       عسكرة التعليم ·       مرتبات المعلمين المتدنية ·       السناتر بديلا للمدارس وتفشي الدروس الخصوصية ·       انتشار منظومة الغش   أولا عسكرة التعليم بمجرد نجاح الثورة المضادة في مصر بانقلاب 3 يوليو 2013، بدأت عسكرة التعليم مبكرا؛ حيث أعلن اللواء أسامة عسكر، قائد الجيش الثالث الميداني، مطلع نوفمبر ٢٠١٣ م عن تصديق الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع وقائد الانقلاب، على إقامة مدرسة دولية بمدينة السلام فوق مساحة 30 فدانا بتكلفة وصلت ٩٠ مليون جنيه، وبالفعل تم افتتاح تلك مدرسة بدر الخاصة العسكرية للغات في مارس من عام ٢٠١٥ م. وحسب ما ورد ضمن تعريف بالمدرسة على موقعها الإليكتروني، فلقد خطط للمدرسة أن تكون الأولى ضمن سلسلة من المدارس الاستثمارية المملوكة للقوات المسلحة التي تدرس المنهجين البريطاني والأمريكي. وفي التعريف بها جاء أن المدرسة “تتبع بفخر أخلاق القوات المسلحة من أجل تمهيد الطريق لطرق تعليمية أرفع لكل طلابنا[5]. هذه السلسلة من المدارس تباهت بانتسابها للمؤسسة العسكرية مدعية أنها ترغب في أن تتصدر  قائمة المدارس الدولية بمصر من خلال تقديم أعلى جودة من التعليم (وفق المنهجين البريطاني والأمريكي) برسوم كبيرة للغاية وصلت إلى (32 ألف جنيه سنويا) وهو مبلغ كبير وقتها ـــــــــــ وقبل قرارات التعويم ــــــــــ لا تقدر عليه سوى طبقة الأثرياء ورجال الأعمال وأبناء كبار الجنرالات؛ ما أفضى إلى عاصفة من الانتقادات لتلك الفكرة؛ وتساءل البعض في اندهاش: «“هل هذه هي اللمسة الوطنية التي تتحدث عنها القوات المسلحة وهي تنشئ نظام تعليمي بريطاني وأمريكي في مصر وبهذه المبالغ الكبيرة؟!»[6]. وتواصلت عمليات العسكرة، حتى وصل عدد اللواءات المنتدبين لوزارة التربية والتعليم في عام 2015 بعهد الوزير محب الرافعي إلى 6 لواءات[7] هم اللواء حسام أبو المجد رئيس قطاع شؤون مكتب الوزير، واللواء عمرو الدسوقي رئيس الإدارة المركزية للأمن، واللواء نبيل عامر مستشار الوزير لتنمية الموارد، واللواء محمد فهمي رئيس هيئة الأبنية التعليمية، واللواء كمال سعودي رئيس قطاع الكتب، بالإضافة إلى اللواء محمد هاشم الذي تولى رئاسة قطاع الأمانة العامة بديوان عام الوزارة والتي تضم الشؤون المالية والإدارية!. ولم يتوقف بزنس العسكر  وأسر كبار الجنرالات الموجودين بالخدمة أو أولئك الذي تقاعدوا، وامتد هذا البزنس الحرام إلى المدارس الدولية التي تبلغ نحو (13 ألف ) ، يمتلك أكثرها قيادات وضباط بالمؤسسة العسكرية والأمنية، وعدد من رجال الأعمال المتحالفين معهم، وهي المدارس التي ارتفعت رسومها بصورة كبيرة للغاية»[8]. وبعد قرارات تعويم الجنيه في 3 نوفبر 2016م، وبلغت أكثر من 200 ألف جنيه في العام ما يحقق مليارات للجنرالات والمتحالفين معهم. وتعد أسرة المشير أحمد إسماعيل وزير الحربية السابق، نموذجا لسطوة عائلات الجنرالات في بزنس التعليم، فعن طريق ابنتيه الدكتورة نرمين التي تملك سلسلة مدارس (مصر 2000)  وشقيقتها  دينا المتزوجة من رجل الأعمال الدكتور حسن القلا، رئيس مجلس إدارة شركة القاهرة للاستثمار والتنمية العقارية، والذي يمتلك سلسلة مدارس المستقبل للغات، كما امتد نشاطه في بزنس التعليم حتى إنشاء «جامعة بدر»، التي تأسست امتدادا لمدارس بدر العسكرية، والتي تم الانتهاء من مرحلتها الثالثة والأخيرة مطلع عام(٢٠١٦)[9]، وتم افتتاحها خلال…

تابع القراءة

مستقبل التعامل مع إيران في ظل المهادنة الأمريكية- الكورية

 مستقبل التعامل مع إيران في ظل المهادنة الأمريكية- الكورية   أعلنت كوريا الشمالية إيقافها للتجارب النووية وإطلاق الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وأنه سيتم إغلاق موقعا للتجارب النووية في شمال البلاد إثباتا لذلك، كتعبير عن رغبتها في معالجة علاقتها بكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، خاصة مع قرب انعقاد كل من قمة الكوريتين، وقمتها مع الولايات المتحدة، وحاز هذا الإعلان على إشادات دولية واسعة، باعتباره تقدما في مسألة نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية. بالرغم من هذه الإشادات والتوقعات الإيجابية، تعددت وجهات النظر حول هذا الإعلان، فهناك من يرى صدق الإعلان وأن ما يستهدفه هو إعادة بناء الاقتصاد والمحافظة على بقاء النظام السياسي. وهناك من حذر من أن بيونج يانج تراوغ من أجل الحصول على ثقة الولايات المتحدة قبل القمة، خاصة وأن الموقع الذي تم الإعلان عن إغلاقه أصبح غير صالح للاستخدام، لذا فهي تسعى لتخفيف العقوبات الدولية عليها، وقالت صحيفة وول ستريت جورنال أن تعهد كوريا الشمالية بإغلاق مواقع التجارب النووية وتعليق الاختبارات الصاروخية لا يعني تخليها عن الترسانة النووية، أو إيقاف إنتاج الصواريخ، فما يريده "كيم جونج أون" هو الظهور في صورة الطرف الإيجابي، حتى يقع اللوم على الولايات المتحدة إذا لم تحقق قمتهما نجاحا كبيرا.[1] أما عن مدى تأثير مجريات هذه القمة المرتقبة على الوضع في الشرق الأوسط، وخاصة على الملف النووي الإيراني والاتفاق الذي يزمع ترامب الانسحاب منه، فيعد مصير جهود الحل الدبلوماسي للمشكلة النووية في شبه الجزيرة الكورية، مرتبطا بنجاح خطة العمل المشتركة مع إيران. إذ لن يساهم فشل الاتفاق النووي مع إيران بدون سبب قوي، في إقناع كوريا الشمالية بتنفيذ الاتفاقات المحتملة.[2] وتحاول إيران الاستفادة من حالة الهدوء الحاصلة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، فتعمل على تصعيد الموقف ضد الولايات المتحدة عبر التصريحات تارة، وإثارة مخاوف الدول الأوروبية من أجل إيقاف ترامب عن التخلي عن الاتفاق النووي تارة أخرى. ومن أمثلة التصعيد الذي اتبعته إيران مؤخراً، ما قاله وزير خارجيتها "جواد ظريف"، خلال حضوره اجتماع للأمم المتحدة حول السلام المستدام، بأن بلاده على استعداد لإعادة إنتاج وتخصيب اليورانيوم في حالة تخلي الولايات المتحدة عن الاتفاق. هذا يتفق مع تصعيد الرئيس الإيراني "حسن روحاني"، بأن الولايات المتحدة ستندم إذا انسحبت من الاتفاق، وأن طهران سترد في أقل من أسبوع في حالة حدوث ذلك.[3] ومن ناحية ترامب، ففي لقائه بالرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، حذر طهران من استئناف برنامجها النووي في حالة انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، وستكون لديهم مشاكل أكثر بكثير من أي وقت مضى، وأكد على وصف الاتفاق بالكارثي، وأكد الرئيس الفرنسي –في تهدئة لترامب- أن هناك هدفا مشتركا لتجنب التصعيد وانتشار النووي في المنطقة، وهناك خطة بديلة لمنع طهران من حيازة القنبلة الذرية.[4]   وتتداول بعض التقارير أن بريطانيا وفرنسا وألمانيا تقتربان من التوصل لخطة سيتم تقديمها لترامب من أجل إقناعه بالإبقاء على الاتفاق مع إيران، إذ من المتوقع الخروج بحزمة من الإجراءات التي ستتخذ ضد إيران، من أجل إرضاء ترامب واستمراره في الاتفاق، ولا يعني الأمر أنه سيكون هناك اتفاق جديد مع طهران. لكن هناك اختلاف في وجهات النظر الأوروبية، فترى ألمانيا أنه من الممكن القيام باتفاق تكميلي، لكن لا يمكن إعادة التفاوض على الاتفاق الأصلي لمجرد رغبة من ترامب. لكن يختلف عن ذلك، تصريح ماكرون بأن فرنسا "لن تترك الاتفاق، وقررنا مع الرئيس ترامب العمل بشأن اتفاق جديد شامل".[5]   الخلاصة، ما يريده ترامب من إثبات جدية توافقه مع كوريا الشمالية والتوصل لاتفاق ينزع سلاحها النووي، أن يقوم بإلغاء الاتفاق مع إيران، أو إصلاح ما يعيبه وفقا لوجهة نظره. هناك أيضا نقطة تدور حول أن إيران راقبت كوريا الشمالية جيدا وهي تتلاعب بإدارات كلينتون وبوش وأوباما للتقدم في برامجها النووية والصاروخية، وتحاول إيران أن تتبع نفس السلوك.[6] لكن إلى أي مدى يمكن لإدارة ترامب التوفيق بين ثغرات موقفها تجاه كل من الدولتين، في هذه الفترة الحرجة، والتي تسعى فيها كل منهما الحصول على ما يحميها؟ فإذا نظرنا إلى موقفهما، ففي الوقت الذي تصعد فيه كوريا الشمالية، تلجأ إيران للتهدئة، والعكس صحيح، مؤخرا تعمل إيران على التصعيد ردا على موقف ترامب من الاتفاق النووي، في وقت تسلك فيه كوريا الشمالية التهدئة والتي أوصلتها لحدوث قمة قريبة مع الولايات المتحدة. هناك من يرى أن ترامب مفاوض جيد وخبير في عقد الصفقات مع أن إدارته تحتاج لخبراء ودبلوماسيين محنكين وعلى دراية كاملة بهذه الملفات، كي يمكن إدارة الأمر جيدا. فإذا رفض الأوروبيون التراجع بخصوص الاتفاق الإيراني، فالأمر يعني منح إيران الفرصة لتسريع برنامجها النووي عالي التسليح خلال عقد من الزمان، وبهذا ستكون هناك صعوبة بالغة في إقناع كوريا الشمالية بالموافقة على نزع سلاحها النووي. ويعد التخلي الأمريكي التام عن الاتفاق النووي الإيراني، ثغرة قد تستغلها كوريا الشمالية لاعتبار الولايات المتحدة شريك غير جدير بالثقة، وهذا يعني أن ترامب بحاجة للاستفادة من التوجهات الأوروبية الخاصة بتعديل الاتفاق وليس إلغاؤه، من أجل إثبات الجدية مع كوريا الشمالية. [1] "وول ستريت جورنال: كيم جونج أون لا ينوي التخلي عن ترسانته النووية"، صدى البلد، 22/4/2018، متاح على الرابط: http://www.elbalad.news/3273024 [2] "روسيا: فشل الاتفاق النووي الإيراني قد يؤثر سلبا على الاتفاقات المقبة مع كوريا الشمالية"، سبوتنيك عربي، 24/4/2018، متاح على الرابط: http://cutt.us/i1e7F [3] يوسف أيوب، "إيران تناور للاستفادة من التقارب الأمريكي الكوري الشمالي"، اليوم السابع، 24/4/2018، متاح على الرابط: http://cutt.us/VJRtE [4] "ترامب يصف الاتفاق النووي الإيراني بالكارثة والفظيع خلال استقبال ماكرون"، فرانس 24، 24/4/2018، متاح على الرابط: http://cutt.us/p9hgk [5] "اتفاق تكميلي لإقناع ترمب بمهادنة إيران"، الجزيرة. نت، 26/4/2018، متاح على الرابط: http://cutt.us/pwhSs [6] ريتشارد جولدبرج، دعاء عويضة (مترجم)، "محور بيونج يانج- طهران"، وول ستريت جورنال، 14/3/2018. 

تابع القراءة

ما الذي تقوم به إدارة ترامب فعلا في سوريا؟

 ما الذي تقوم به إدارة ترامب فعلا في سوريا؟ تشغل سوريا حيزا كبيرا من الاهتمام الأمريكي مؤخرا، ليس آخرها مقوله ترامب بأنه سيتم الانسحاب الأمريكي من سوريا، بما يعني أنه ينفذ ما قاله في حملته الانتخابية بتقليل التواجد الأمريكي في الخارج، يأتي مقالا منشور في "ديلي بيست"[1] ليوضح أن الأمور تسير بعكس ما هو ظاهر للعيان، وأن الولايات المتحدة تمتلك بالفعل استراتيجية واضحة المعالم في سوريا، ومن المتوقع، على الأقل في المدى القريب، أنها لن تترك الساحة السورية. وفيما يلي نعرض نص التقرير الهام مع تعليق ختامي حول مجمل الاستراتيجية الأمريكية في المشرق العربي.  نص المقال: خلق الرئيس الكثير من الالتباس حول وضع الولايات المتحدة في سوريا، وربما للضغط على السعودية للحصول على نقود، لكنه في نفس الوقت يعقد السياسة التي وقّع عليها بالفعل. "سنخرج من سوريا، قريبًا جدًا.. دع الآخرين يعتنون بها الآن"، هكذا تحدث رئيس الولايات المتحدة في ريتشفيلد بولاية أوهايو في تجمع كان من المفترض أن يدور حول البنية التحتية. صمم هذا الخطاب ليكون جاذبا ومؤكدا على أن دونالد ترامب هو ذاته الذي فاز في الانتخابات، والذي قال أنه سيعمل على جعل الولايات المتحدة عظيمة مرة أخرى، وليس الشرق الأوسط. لكن ما يحدث هو أن البيت الأبيض لديه بالفعل خطة طويلة الأمد في سوريا، وذلك وفقا لما قاله مسئولين سابقين وحاليين في الإدارة، وهو ما يعني أن الخطة هي أن تبقى الولايات المتحدة على وضعها إلى أجل غير مسمى. الواضح هو أن ترامب يجتهد دائما لجعل الآخرين هم من يدفعون الفاتورة، وهذا ما تبين خلال مؤتمره الصحفي الأخير مع ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان"، إذ كان محددا تماما حين قال أن "المملكة العربية السعودية تهتم جدا بقرارنا.. إذا كنت تريد منا البقاء، فعربما يتعين عليك الدفع". لكن ماذا يعني البقاء؟ كان وزير الخارجية "ريكس تيلرسون"، الذي أقيل عبر تويتر، قد أوضح في يناير الخطوط العريضة لاستراتيجية الولايات المتحدة ما بعد داعش، على الرغم من أنه لا تيلرسون ولا وزارة الخارجية الذين قاموا بصياغتها. إذ قام البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي بذلك، وهي ما وقع عليها ترامب، وهذا يعني إما أن ما قاله في كليفلاند جاء بشكل ارتجالي عفوي، أو أن الأمر يعبر عن سياسة حكومية مدروسة أو أنه شخصية داهية. ووفقًا لما ذكره تيلرسون، الذي أوجز الاستراتيجية الأصلية في مؤسسة هووفر بجامعة ستانفورد، فإن هناك خمسة أهداف: 1.    يجب على تنظيم "الدولة الإسلامية" والقاعدة أن يتكبدوا "هزيمة دائمة"، ويجب ألا تتحول سوريا مرة أخرى إلى منصة للتنظيم الإرهابي العابر للحدود الذي يستهدف مواطني الولايات المتحدة. 2.    يجب أن تنتهي الحرب الأهلية التي دامت سبع سنوات في سوريا من خلال تسوية دبلوماسية تتوسط فيها. 3.    يجب أن "ينقص" نفوذ إيران في سوريا وأحلامها بالهلال الشيعي. 4.    يجب تهيئة الظروف للسماح للاجئين السوريين والنازحين داخلياً بالعودة إلى ديارهم. 5.    يجب أن تكون سوريا خالية من أسلحة الدمار الشامل. شدد تيلرسون على الفظائع الموثقة جيدا التي ارتكبها نظام الأسد، بالإضافة إلى تواطئه الذي دام عقدًا من الزمن مع داعش أو تسهيل العديد من تجليات هذا التنظيم، الذي كان سببا في تدخل الولايات المتحدة في سوريا، والذي جعل من المستحيل حدوث مصالحة أمريكية مع دمشق في الوقت الحالي. لذا أصبحت فكرة نية تخلي الولايات المتحدة عن الأراضي التي حررتها من تنظيم الخلافة وإعطائها للنظام لتمكينه من إعادة تأهيلها، لا أساس لها من الصحة. إذ ستشرع الولايات المتحدة في مشروع أكثر طموحا لإنشاء محمية أمريكية في شرق سوريا، لتشمل جزءًا كبيرًا من الحدود التركية السورية وكامل الحدود السورية العراقية. وللقيام بذلك، ستبقى القوات الأمريكية في سوريا إلى أجل غير مسمى. في النهاية –وكما أوضح أحد كبار المسئولين الأمريكيين- فإن إبقاء الأسد معزولاً دبلوماسياً وتقويضه اقتصاديا، وحصره في دولة غير مستقرة، سيثبت أن هذه سياسة باهظة التكلفة، خاصة في ظل وجود رعاة له –روسيا وإيران-. لم يكن دعم كل من بوتين وخامنئي لسوريا من أجل الإحسان، إنما يتطلع كل منهما إلى الاستفادة من نجاحهما في إنقاذ الدولة، فيسعى بوتين إلى وجود عسكري دائم في المشرق، ويريد خامنئي وقائده العسكري المتشدد قاسم سليماني الحصول على خط اتصال مباشر لفيلق الحرس الثوري الإسلامي ووكلائه الشيعة المتعددين، أو "الهلال الشيعي" كما ألمح له تيلرسون، أو ما يسمى بـ"الجسر البري" الإيراني، وهو الذي يمتد من طهران على طول الطريق إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط. ويعد تمدد الملالي بالنسبة لإسرائيل وتركيا ودول الخليج العربي أكثر خطرا بكثير من انتشار الجهاد السني في سوريا، والذي تعتبره هذه الدول أكثر قابلية للاحتواء ولا يمثل تهديده شكلا وجوديا لها. أراد المسئولون الذين صاغوا سياسة ترامب في الأساس، أن يضمنوا استمرار فكرة الانتصار على الإرهاب في سوريا، بعكس ما حدث في العراق حين أدى الانسحاب الأمريكي عام 2011 لانتزاع الجهاديين انتصارات كبيرة في 2014، مما يعني هزيمة الاستراتيجية الأمريكية. وفي نفس الوقت يريدون منع موسكو وطهران من الحصول على الغنائم التي يريدونها.. وهو الأمر الذي يعكس المبدأ الدفاعي الجديد للبنتاغون، الذي ألغى أولوية الحرب العالمية على الإرهاب ويشدد على صراع القوى العظمى الذي يعود إلى القرن العشرين باعتباره التحدي الأمني ​​الأبرز للولايات المتحدة. بهذا، فإن السياسة التفصيلية تجاه سوريا تسعي لتفادي مخاطر الحملة التي كانت موجهة ضد عدو واحد لمدة 15 عاما، عندما غزت إدارة جورج دبليو بوش العراق لخلق مجال لنفوذ أمريكي، لتجد نفسها تخوض حربا ضد التمرد، ورثت إدارة ترامب نفس فكرة الحرب لمكافحة التمرد، للحصول على نفوذ أمريكي أيضا، لكن دون وجود مخاوف من فكرة إعادة التاهيل، أو حدوث فوضى نتيجة للاحتلال كالذي حدث في العراق. هل تتمتع مثل هذه السياسة بفرصة في ظل ظروف جيوسياسية ومحلية مواتية؟ وحتى إذا كانت أمامها فرصة بالاستمرار، فإن العناصر النفسية ستساهم بشكل كبير في تقويضها بسبب الخلط الذي أحدثه ترامب. سياسة الاعتماد علي القبلية في سوريا من خلال الإعلان عن نشر القوات الأمريكية إلى أجل غير مسمى في سوريا، كانت الإدارة قد قوّت علاقاتها الأمنية وبنت ثقة دائمة مع القبائل العربية السنية على وادي نهر الفرات، وتمثل تلك الدائرة فرصة للإدارة الأمريكية. القبائل السورية عبارة عن كونفدراليات للعائلات المنتشرة عبر منطقة جغرافية واسعة تشكل شبكات قائمة على العشائر وتمارس سياسة التوافق، وتمثل 30٪ من سكان سوريا، وتسكن أكثر من 60٪ من أراضيها، بما في ذلك أكثر المناطق الغنية بالنفط. وتتمتع القبائل بتركيزاتها الأعلى في أربع محافظات هي: درعا ودير الزور والحسكة والرقة، وسيتم دمج الثلاثة الأخيرة في منطقة النفوذ الأمريكية الناشئة. في كل واحدة من الأقاليم الأربعة تشكل القبائل حوالي 90٪ من السكان، مما يعني أنها ستكون رأس المال البشري الذي سيكون على أمريكا أن تستثمره بكثافة. معروف عن…

تابع القراءة

قوة عسكرية عربية في سوريا…الأهداف والإمكانيات المتاحة

 قوة عسكرية عربية في سوريا…الأهداف والإمكانيات المتاحة منذ أيام، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن تواصل مستشار الأمن القومي لترامب "جون بولتون" مع رئيس المخابرات المصرية "عباس كامل"، لاستطلاع مدى استعداد القاهرة للمشاركة في مبادرة لتشكيل قوة عربية مشتركة تعوض الانسحاب للقوات الأمريكية من سوريا، والذي يصل عددها إلى 2000 جندي أمريكي، وهو موقف يخالف موقف مستشاريه، بأن الفراغ الذي ستتركه القوات الأمريكية ستملأه إيران وروسيا، بالأصالة أو بالوكالة، فضلا عن المجموعات المتطرفة الأخرى. هناك آراء تحليلية ترى أن أي تحرك لتجميع وحدة عسكرية عربية سيتم نشرها بعد مغادرة القوات الأمريكية سوف يواجه عقبات، إذ لن تحرص الدول العربية على إرسال قوات لسوريا إذا لم يوافق الجيش الأمريكي على الاحتفاظ ببعض القوات هناك، ويجب أن تكون تلك القوة الجديدة قوية بما يكفي لمواجهة الأسد أو إيران إذا أرادت استعادة المنطقة، خاصة إذا دخل في الأمر مساعدة روسية، وستكون من مهماتها أيضا التنسيق والعمل مع المقاتلين الأكراد والعرب المحليين الذين تدعمهم الولايات المتحدة. فتعمل الولايات المتحدة على تقوية قوات سوريا الديمقراطية لتلعب دور حائط الصد أمام تركيا، وذلك لصعوبة الاعتماد على العرب وحدهم للتصدي لتركيا، بحكم تباين العلاقات العربية التركية.    في يناير، كان يأمل العسكريون الأمريكيون إنهاء الحملة في سوريا خلال أشهر، ثم العمل على تثبيت الاستقرار في المناطق التي كان يسيطر عليها داعش، لكن تم تقويض تلك الخطة عندما تخلى العديد من المقاتلين الأكراد السوريين المدعومين من الولايات المتحدة عن القتال ضد داعش، وذهبوا إلى عفرين لصد الهجمات التركية. النظام المصري شريك صعب: وبخصوص مشاركة مصر، ورأت وول ستريت أن نية مصر لم تكن واضحة، لأن الجيش المصري يقاتل بالفعل فرع داعش في سيناء على الحدود الشرقية، ويؤمن الحدود الغربية مع ليبيا من الميليشات المسلحة، وأشارت الصحيفة أيضا أن مصر نادرا ما تنشر قواتها خارج حدودها منذ حرب الخليج 1991.[1] نشرت المونيتور مقالا،[2] يدور حول العلاقات المصرية الأمريكية في الآونة الأخيرة، وإلى أي مدى يمكن أن تستجيب مصر لفكرة قوة عربية في سوريا كبديل للقوات الأمريكية، وهذا أبرز ما جاء فيه: أشار إعلان الرئيس دونالد ترامب عن ضربة تقودها الولايات المتحدة على مواقع أسلحة كيميائية سورية مشتبه بها في الأسبوع الماضي إلى تغيير وضع القوات في البلد الذي مزقته الحرب. فبعد أن تم ضرب ثلاث منشآت سورية بالصواريخ، قال القائد الأعلى للقوات الأمريكية إنه سيسعى إلى تسليم المزيد من المسؤوليات في الصراع المستمر منذ سنوات إلى الشركاء العرب. في إطار الضربة التي وجهها أكثر من 100 صاروخ أمريكي وبريطاني وفرنسي بشكل دقيق، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن مستشار الأمن القومي جون بولتون تواصل مع كبار المسؤولين المصريين ليطلب من القاهرة المساهمة بالقوات والمال لدعم جهود الولايات المتحدة لدحر داعش في شمال شرق سوريا. وقال ترامب: "لقد طلبنا من شركائنا تحمل مسئولية أكبر لتأمين منطقتهم، بما في ذلك المساهمة بكميات كبيرة من الأموال من أجل دعم الموارد والمعدات وجميع جهود مكافحة الإرهاب"، وقال "أن المشاركة المتزايدة من أصدقائنا، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر ومصر وغيرهم، يمكن أن تضمن عدم لجوء إيران إلى تحقيق مكاسب بعد القضاء على داعش" طلب البيت الأبيض من هذه الدول العربية المساهمة بأموال وقوات لإرساء الاستقرار في سوريا بعد مغادرة 2000 جندي أمريكي للبلاد. لكن لا تزال كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة متورطتان في اليمن، وقد ساهم التزام مصر الضعيف بمكافحة الإرهاب في إحباط الولايات المتحدة، على الرغم من تقديم 1.3 مليار دولار من المنح العسكرية السنوية. وبالعودة لإدارة أوباما، فيقول خبراء، أن البنتاجون حاول كثيرا لجعل القوات المسلحة المصرية تتعامل مع التهديد الإرهابي المستمر من خلال الزيارات المتكررة رفيعة المستوى لمصر والجهود الرامية إلى إعادة تنظيم العقيدة العسكرية لمحاربة "المتمردين الإسلاميين". وواصلت إدارة ترامب سياسة عهد أوباما لجعل مصر تركز على طرد المتمردين الإسلاميين الذين استغلوا فراغ السلطة في البلاد للحصول على موطئ قدم في صحراء سيناء من خلال الحد من المشتريات العسكرية (المرتبطة بصراعات الجيوس  وليس الارهاب) وهي باهظة الثمن. وفي سبتمبر 2017، استضاف البنتاجون نسخة مصغرة من عملية النجم الساطع، وهي مناورة عسكرية ثنائية تم تعليقها منذ عام 2013، وتم إعادة تشكيل المهمة التي تستغرق عشرة أيام للتركيز على التعامل مع الإرهاب. وقال كينيث بولاك، وهو باحث مقيم في معهد أميركان إنتربرايز، وهو مركز أبحاث في واشنطن: "ما يريد المصريون فعله هو الخروج من المشكلة"، وأوضح أن الإنسانية تأكدت مرارا أنه لا يمكن الانتهاء من مشكلة إرهابية أو تمرد (بدون حلول سياسية واقتصادية). منذ أن رفعت إدارة أوباما القيود المفروضة على الأسلحة المفروضة على القاهرة في عام 2015، بعد أن تسلم السيسي السلطة في انقلاب، ضغط المسئولون العسكريون المصريون على نظرائهم الأمريكيين للحصول على تكنولوجيا عسكرية عالية القيمة مثل طائرات استطلاع بدون طيار. في هذه الأثناء، رفض الضباط المصريون جهوداً متكررة لتطبيق أساليب مكافحة التمرد التي كان أول من قام بتطبيقها الجنرال ديفيد بترايوس أثناء زيادة عدد القوات في العراق عام 2007، والتي ركزت على تقليل الإصابات في صفوف المدنيين وبناء المجتمعات المحلية، في ظل نقص المعدات. وقال المسئولون الأمريكيون السابقون إن القوات المصرية أبلت بلاءاً حسناً في نزع أسلحة العبوات الناسفة، ولكنها واجهت تحديات في مهمات عسكرية أكبر مثل إطلاق الذخيرة على أهداف ثابتة والدوريات. في غضون ذلك، واصل المسؤولون المصريون اتهام الولايات المتحدة بحجب الأسلحة الفتاكة التي أصروا على أنها قد تسرع من سحق التهديد في سيناء. قال أندرو ميلر، وهو مدير سابق لمجلس الأمن القومي، "ور": "اعتقدوا أنّ لدينا تكنولوجيا غير موجودة"، وأكد أن "بعض التكنولوجيا التي اذا ما وضعت أيديهم عليها ستغير الوضع على الارض." على الرغم من استئناف التدريبات التي قادتها الولايات المتحدة ودعوة بولتون إلى القاهرة الأسبوع الماضي، يبدو أن العلاقات العسكرية مع مصر تحت حكم ترامب كانت متراجعة. في العام الماضي، علق وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون مبلغ 290 مليون دولار كمساعدات عسكرية بعد أن فشل السيسي في الوفاء بشروط حقوق الإنسان التي حددها الكونجرس وأصدر قانون المنظمات غير الحكومية الصارم على المعارضة الأمريكية. في الوقت نفسه، أصبح التهديد الإرهابي في سيناء أكثر تحديًا، حيث قتل المسلحون 305 من المصلين في نوفمبر في أكثر الهجمات دموية على الأرض المصرية. منذ ذلك الحين، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز في فبراير أن السيسي وافق على أكثر من 100 غارة جوية إسرائيلية في المحافظة الصحراوية. في السنوات الأخيرة، بحث الكونغرس أيضًا في قدرة المصريين على البقاء كشركاء في أسس حقوق الإنسان، شكك السناتور باتريك ليهي في قدرة البنتاجون القانونية على تزويد الوحدات التي ارتكبت أعمال قتل خارج نطاق القانون في سيناء بالبنادق التي ستحتاجها للنجاح على الأرض في سوريا….

تابع القراءة

سقف طموحات صهيوني أعلي من محدودية الضربة الأمريكية لسوريا

 سقف طموحات صهيوني أعلي من محدودية الضربة الأمريكية لسوريا حينما أظهرت عكس ما أبطنت ، أُحبَطِتْ تقديم كان يطمح الكيان الصهيوني قبل الضربة الأمريكية في سوريا أن تصيب نقاط تمركز إيرانية تحقيقًا للأهداف الاستراتيجية الصهيونية ولكن خاب ظنها في نفس السياق كتبت "نيويورك تايمز" معلقة على الهجوم: ضرب الرئيس ترامب أهدافًا أكثر، واستخدم قوة نيران أكثر ممّا فعل في الضربة العسكرية المماثلة في العام الماضي؛ لكن في النهاية، اختار ترامب عملية محدودة كان من الواضح أنها محسوبة لتجنب استفزاز راعيي سوريا (روسيا وإيران) ودفعهما للانتقام[1]. تعدد أقاويل على الرغم من كثرة الأقاويل حول مشاركة الكيان الصهيوني في التخطيط لهذه الضربة إلا أنها لفي الواقع لم يحدث فمن الواضح أن الولايات المتحدة غير مستعدة للاشتباك مع حلفاء بشار الأسد من روس وإيرانيين مما أزعج الصهاينة وجعلهم يشنون هجومًا على السياسات الأمريكية التي يقودها ترامب فيما يتعلق بالملف السوري خيبة أمل نشر كبير المراسلين العسكريين "رون بن يشاى" مقالًا يعرب فيه عن خيبة أمله في الضربة بقوله أن سوريا بشار الأسد يمكنه أن يتنفس الصعداء، وكذلك الروس والإيرانيون، فالهجوم الذي نفذته كلٌ من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على مواقع السلاح الكيماوي في سوريا كان محدودًا في أهدافه، ولم يوقع أضرارًا خطيرة للنظام كانت الأهداف المعلنة ردع الأسد والتلويح للروس بالبطاقة الحمراء، لكن ما تم تنفيذه عمليًا لم يحقق هذا الهدف، وبالكاد أخرجوا للروس بطاقة صفراء باهته، وأيضًا تهديدات ترامب وماتيس كانت على المستوى النظرى أقوى بكثير مما حدث[2]. أمريكا تتجنب روسيا ففي المجمل يرى الصهاينة تراجع ترامب عن توسيع الضربة خشية إصابة مدنيين مسالمين إدعاء ولكن الحقيقة هى خشية غضب بوتين. القناة 14 العبرية كشفت عقد مستشار الأمن القومي الإسرائيلي "مئير بن شبات" محادثات تنسيق مع نظرائه في البلدان المهاجمة أميركا وفرنسا وبريطانيا قبل الهجوم بقليل على سوريا. وأكد نتنياهو دعمه لما يفعله ترامب حيث أنه ضد انتشار الكيماوى في أى مكان ثم قال أن بشار باستخدامه لهذه الأسلحة يعرض بلاده للخطر بتجاهله للقانون الدولي واستعداده لتمركز قوات إيرانيه عنده[3]. الختام كانت اسرائيل تبارك الضربة من البداية حيث كانت على تواصل مع بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة لأخر لحظة قبل الهجوم وكانت على أمل إيذاء إيران بأى طريقة ، ومن المؤكد أن غرضها لم يكن شريفًا لدرجة حماية ثوار سوريا من كيماوى الأسد ولكن دعمها للضربة كان خشية أى تمركزات إيرانية في المنطقة . استعداد نتنياهو لأى سيناريو تحدده الولايات المتحدة يعكس حجم القلق من الجانب الإيراني وربما يمكن التنبؤ بخلق أزمة من أجل الضرب مرة أخرى بطريقة جديدة بشكل يؤذي القواعد الإيرانية. [1] خيبة أمل إسرائيلية من العدوان الثلاثي، سمانيوز،16ابريل2018، الرابط : https://is.gd/Gpq21Z [2] المرجع السابق [3] قناة عبرية: إسرائيل شاركت في التحضير للعدوان، أمد،15إبريل2018، الرابط : https://is.gd/9qeVYl

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022