ارتفاع أسعار المترو: دلالات التوقيت وردود الفعل
ارتفاع أسعار المترو: دلالات التوقيت وردود الفعل مقدمة ثمة شعور لدى الحكومة بأن هذا الشعب – بالأخص الطبقة الوسطى وبالتحديد الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى – يمتلك خزائن الأرض، وثمة عناد أو يمكن تسميته تحدّى لديها بصحة هذه المعلومة حيث قال وزير النقل بعد كم الغضب المهول الناتج عن ارتفاع الأسعار أنه لا تراجع وإن حدث تراجع من مستوى أعلى فسيستقيل. هذا أمر يصعب استيعابه فمجرد ربط وظيفته كوزير بقرار أخذه ذلك يعكس يقينه الأعمى بأنه على صواب وما دونه خطأ. ثار القليل ولكن الرادعون كُثُر، عشرات قاموا باحتجاجات وتم القبض عليهم ولكن مئات المدرعات وآلاف الجنود تم توزيعهم على كل محطات المترو في كل أنحاء القاهرة الكبرى حتى المحطات غير المؤثرة وذلك لردع محاولات التمني بتغيير الأوضاع. التوقيت في الوقت الذي يعاني فيه المواطن المصري اقتصاديًا أيًا كان موقعه من النسيج الطبقي من ارتفاع أسعار كل شئ، ظهرت تلك الارتفاعات التى تجاوز بعضها 3 أضعاف التسعيرة القديمة. كانت التنبؤات حول ما يفعله السيسي في ولايته الجديدة ما بين مصالحة مع الإخوان وبين تيسيرات اقتصادية وبين إفراج عن معتقليين لكن التوقعات فاقت كل الحدود والأحاديث القديمة إزاء ارتفاع سعر تذكرة المترو أصبحت حقيقة وأكثر. من الواضح أن النظام لا يبالي بالتوقيتات إلا فيما يخصه فقط، كعملية سيناء التى تمت قبل وأثناء انتخابات الرئاسية كألية تعبوية غير مباشرة فوقتذاك اهتم النظام بالتوقيت، ولكن لم يبالي بقدوم شهر رمضان المتعارف عليه استهلاكيًا بالمبالغة والمغالاة. الأرقام – لا تهتم هذه الورقة بدراسة الأرقام من الناحية الاقتصادية بل من الناحية الأخلاقية والسياسية والاجتماعية فنجد أن البعض ممن كانوا يدفعون 2 جنية أصبحوا يدفعون 7 جنيهات أى أكثر من 3 أضعاف مما يتطلب بشكل بديهي تغيير في المدخلات الشهرية لهذا المواطن وذلك بالطبع لم ولن يحدث. – من الزاوية الأخرى تظهر الدولة بفيض من المبررات المتعلقة كلها بديون المترو ومتطلبات الصيانة، وهنا تثار الأسئلة إزاء الأرقام ولكن المدهش هو قول الوزير بأن 60% من العوائد ستذهب لسد ديون مصر حيث الصحة والتعليم يتأثران بذلك[1]، وفي الحقيقة لا أدرى أين تكمن العلاقة بين ارتفاع سعر المترو وبين الصحة والتعليم لأنه من المفترض أن كل أجهزة الدولة لها مدخلاتها المالية ومخرجاتها. ثم يختم حديثة بأنه لا توجد نوايا لزيادة أسعار قبل عام[2] مما يخلق جملة خبرية تقول هناك نوايا للزيادة بعد عام، وكل ذلك فضلًا عن قوله بأن شريحة الـ 7 جنية مازالت مدعمة بعنف قرابة 4 جنية[3]. – تقرير الأهرام عن موازنة 2013-2014 يقول أن 12.3 مليون جنيه يتم صرفهم للأمن، و32.3 مليون جنيه لـ"الحراسة والشرطة" على الرغم أن ذلك من صميم عمل الداخلية فلماذا تدفع هيئة حكومية لهيئة حكومية أخرى ؟.[4] تفسير القرار: لا شك أن الدعم وسيلة الدولة في استخدام مواردها السيادية من أجل توفير سلع وخدمات معينة وضرورية لمحدودي الدخل وبأسعار تقل عن تكلفتها الفعلية وذلك تحقيقا لمصالح عامة مختلفة، أهمها توفير الحماية الاجتماعية لمن يحتاجون إليها وتمكين مختلف طبقات وفئات المجتمع من الحصول على فرصهم العادلة في الموارد العامة وفى التقدم والمنافسة. يكون الدعم معيبا وبحاجة للإصلاح حينما يتوافر فيه واحد من الشروط التالية، أو كلها معا: (١) أن يكون متاحا على نحو لا يميز بين المستحقين وغير المستحقين بحيث يستفيد منه الأغنياء والفقراء معا. (٢) أن يكون موجها لتوفير خدمة أو سلعة ترفيهية أو غير أساسية مما لا يجوز أن يستهلك موارد الدولة. (٣) أن يكون مما يستغرق موارد أكبر بكثير من العائد الاجتماعي المتوقع أو المصلحة محل الحماية. (٤) أن يكون موجها لسلع يمكن تهريبها خارج البلاد وبالتالي يستفيد منها مواطنو دول أجنبية ويتاجر بها المهربون. (٥) أن يكون مما يؤدى لتشجيع المواطنين على أنماط سيئة من الاستهلاك. وفي الواقع فإن دعم المواصلات العامة، وعلى رأسها المترو، من الحالات القليلة والصارخة التي لا يتوافر فيها أي من هذه المعايير الخمس التي تدعو لترشيد الدعم أو التردد بشأنه. فالمترو ليس من الخدمات التي يستفيد منها الأغنياء والفقراء معا، بل يستخدمه بشكل عام من ليست لديهم سيارات خاصة أو سائقون خصوصيون ولا يقدرون على التكلفة اليومية لاستخدام سيارات الأجرة أو "أوبر" أو "كريم". وإذا كان هناك من الموسرين من يستخدمونه أحيانا فإن هذا لا يغير من حقيقة أنه وسيلة المواصلات الرئيسية لمتوسطي ومحدودي الدخل بما لا يبرر الحاجة لترشيده. والمترو ليس سلعة ترفيهية أو كمالية، بل من أساسيات المعيشة العصرية، لأن الغالبية الساحقة تستخدمه للوصول إلى أعمالها أو دراستها أو قضاء مشاويرها الضرورية. وإجمالي الدعم الذي يحتاجه المترو لا يتجاوز خمسمائة مليون جنيه سنويا، وهو مبلغ ضئيل بالنظر إلى أهمية الخدمة العامة التي يتيحها وأن عدد المستفيدين منها نحو ثلاثة ملايين راكب يوميا. وهذا المبلغ لا يتجاوز ١٥ في الألف من إجمالي بنود الدعم والانفاق الاجتماعي في مشروع موازنة العام القادم والبالغ ثلاثمائة وثلاثين مليار جنيها[5]. بناء على ما سبق؛ فالتفسير الأنسب لرفع أسعار تذاكر المترو، أنه فصل جديد في تخلي الدولة عن وظيفتها الاجتماعية ودورها التضامني مع الفئات الفقيرة والشرائح المعوزة في المجتمع، وتوكيد على تبنيها سياسات نيوليبرالية تصبح الدولة بموجبها مجرد bodyguard لحماية السوق وأباطرته في مواجهة الاختلالات الاجتماعية المتراكمة مع تغييب العدالة الاجتماعية؛ فعلى النقيض من كل بنود الدعم يبقى دعم المترو هو الأفضل في الوصول لمستحقيه، بينما دعم الوقود مثلاً يستفيد منه بشكل أكبر أصحاب السيارات الخاصة من ذوي الدخل الأعلى في المجتمع –كما اتضح. وهو قرار يأتي ضمن حزمة قرارات مفروضة من صندوق النقد الدولي كشرط ضروري للحصول على القروض التي يقدمها؛ وهي شروط حين تنفيذها تصبح الدولة مرتهنة لسياسات تدعم قوى الإستثمار وتشجعهم –حتى عبر التغافل عن تهربهم الضريبي- مقابل سياسات تقشفية قاسية بحق الطبقات الفقيرة والمتوسطة؛ بمعنى أنها سياسات تسرع من تآكل الطبقة المتوسطة وتعظيم الفروق الطبقية؛ خاصة في حال كانت الدولة المطبقة لهذه السياسات ذات اقتصاد ريعي تسيطر فيه الدولة على الجزء الأكبر من السوق؛ عندها تصب الأرباح الريعية المستفادة من الفرص التي تقدمها التسهيلات المقدمة للمستثمرين بتوصية من صندوق النقد الدولي في مصلحة نخبة الحكم الصغيرة؛ مقابل سياسات تقشفية تمتص اقوات الفئات الفقيرة –اغلبية المجتمع- فتتحول الدولة بموجب ذلك إلى دولة جباية، وتتآكل شرعيتها ويصبح احتكارها العنف هو الضامن الوحيد لبقائها. رد الفعل *رد الفعل الشعبي* 1- مقاطعة: هم شريحة قادرة على الاستغناء سواء من ناحية المادة أو من ناحية الوقت، فالبعض كان لا يستخدم سيارته حفاظًا على البنزين والبعض كان يريد استثمار الوقت، فمن قاطع هو من استغنى عن هذا وذاك، وشريحة أخرى تخشى الاعتقال العشوائي في مثل هذه الأوقات فقاطعت بشكل مؤقت. 2- استسلام: هم في الحقيقة فريقين، فريق الزيادة لا تؤثر بشكل قاتل في ميزانيته، وفريق يائس ولا يريد…