دراسة: المشهد السياسي المصري بعد انتخابات مجلس الشيوخ كبروفة لمجلس النواب المقبل

انتهت جولة انتخابات مجلس الشيوخ بمصر، دون ضجيج، قطاعات كبيرة من المصريين لم يسمعوا بها، وفي محاولة من قبل النظام لخلق حالة، وتصوير مشهد ديمقراطي، لعبت وسائل الاعلام المصرية دور الحملات الانتخابية، وخلق أعراسا تمثيلية لمشاركة شعبية، في الانتخابات التي جرت هندسة معالمها بدوائر الاستخبارات والأمن الوطني.   أخطاء دستورية وجرت الانتخابات لاختيار 100 مقعد بالنظام الفردي، و100 مقعد بنظام القوائم المغلقة المطلقة، ويحق للأحزاب والمستقلين الترشح في كل منهما، على أن يُعيّن السيسي 100 عضو، ليكون المجلس مكوناً من 300 عضو، وبحسب قانون الانتخابات، تقسم مصر إلى 27 دائرةً تُخصص للانتخاب بالنظام الفردي، و4 دوائر تُخصص للانتخاب بنظام القوائم. وبحسب المستشار عصام الإسلامبولي، الفقيه الدستوري، هناك عدة أخطاء تتعلق بمشهد الانتخابات في مجلس الشيوخ، أولها الأخذ بنظام القائمة المغلقة التي تعني أنه سيكون هناك تكتل سياسي مدعوم من الحكومة وهو الذي سيفوز في هذه الانتخابات، مضيفا في تصريحات صحفية، “كنا نتمنى أن تكون القائمة الانتخابية مفتوحةً لأنها كانت ستعطي الفرصة للأحزاب السياسية للمشاركة بقوة”، كاشفاً عن أنّ الخطأ الثاني يتعلق بأن مجلس الشيوخ سيكون استشارياً يؤخذ برأيه في بعض القوانين المكملة للدستور، وفي هذا السياق، يشير الباحث عمرو هاشم ربيع إلى أن معظم دول العالم هجرت الانتخاب بنظام القوائم المغلقة، لأنه يهدر أصوات الناخبين التي قد تمنح لقوائم أخرى، ويتابع قائلًا “وجود قائمة واحدة في الانتخابات مؤيدة للحكومة هو “تعيين مقنع”، بحسب تعبيره.   النتائج الرسمية وبحسب الأرقام الرسمية، قدرت نسبة المشاركة بنحو 14 %، هو ما أرجعها المتحدث بإسم مجلس النواب إلى اتساع الدوائر الانتخابية!! فيما تُجرى جولة الإعادة يومي 6 و7 سبتمبر بالخارج، و8 و9 من الشهر ذاته بالداخل، على أن يتم إعلان النتائج النهائية في موعد أقصاه 16 سبتمبر المقبل، ووفق هيئة الانتخابات يحق لنحو 63 مليون ناخب التصويت لانتخاب 200 نائب في المجلس، مناصفة بين النظام الفردي والقائمة المغلقة، فيما يحق لرئيس الجمهورية تعيين ثلث أعضاء المجلس البالغ 300 عضو، وتنافس 787 مرشحا في النظام الفردي، فيما لم تترشح سوى قائمة واحدة موالية للنظام، ولم تحتاج سوى 5 % ممن لهم حق التصويت ليُعلن فوزها المحسوم سلفا. وأعلنت الهيئة حسم 74 مقعدًا على المقاعد الفردية بانتخابات مجلس الشيوخ 2020، وإجراء جولة الإعادة على 26 مقعداً آخر، كما أعلن المستشار لاشين إبراهيم نائب رئيس محكمة النقض ورئيس الهيئة الوطنية للانتخابات، عن فوز القائمة الوطنية من أجل مصر في الدوائر الأولى والثانية والثالثة والرابعة، وذلك لحصولها على نسبة تجاوزت 5% من إجمالي الأصوات الصحيحة وفقًا للقانون، مضيفا، بلغ نسبة الحضور 14.23% من إجمالي من يحق لهم التصويت، فيما بلغ نسبة إجمالي الأصوات الصحيحة 84.58%، فيما بلغت الأصوات الباطلة 15.42%. مجلس بلا صلاحيات وجاء مجلس الشيوخ نتاج تعديلات دستورية أُقرت في أبريل 2019، تسمح ببقاء السيسي في السلطة حتى 2023، وسط رفض واسع من المعارضة، ويتشابه المجلس الجديد مع “مجلس الشورى” (1980: 2012) الذي تم إلغاؤه نهائيا في 2014، بدعوى اتهامه بـ”الفساد السياسي” وانعدام الصلاحيات” و”تحميل موازنة الدولة أعباء مالية”، إضافة إلى أن ثلث نوابه معينون من رئيس البلاد، وبحسب مراقبين، جاءت انتخابات مجلس الشيوخ بمثابة محاولة لإحياء مجلس أعلنت السلطات نفسها وفاته قبل 6 سنوات، بينما تقول هي إنها تستهدف بإعادة هذا المجلس “إثراء التجربة النيابية”، ويمكن أخذ رأي مجلس الشيوخ من دون أن يكون ملزما في أمور، بينها “مشاريع القوانين، ومعاهدات الدولة، واقتراح مادة أو اثنتين لتعديل الدستور”. ونصت المادة 8 على أن “يؤخذ رأي مجلس الشيوخ في ما يأتي: الاقتراحات الخاصة بتعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، مشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة، مشروعات القوانين ومشروعات القوانين المكملة للدستور، التي تحال إليه من رئيس الجمهورية أو مجلس النواب، ما يحيله رئيس الجمهورية إلى المجلس من موضوعات تتصل بالسياسة العامة للدولة، أو بسياستها في الشؤون العربية أو الخارجية” ويرى نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عمرو هاشم ربيع، أنها الصلاحيات الأقل تاريخيا للغرفة الثانية للبرلمان المصري، كما يقول الباحث السياسي لبي بي سي: إن جميع الدساتير المصرية السابقة أقرت صلاحيات أوسع لمجلس الشيوخ، مضيفا أن هذا الضعف في الصلاحيات سيجعلها “تجربة فاترة”.   هندسة أمنية وكشفت التحركات السريعة التي صاحبت “هندسة” المشهد الانتخابي الخاص بـ”مجلس الشيوخ”، عن تصميم السلطة على الخروج بمجلس موالٍ تماماً، وخالٍ من معارضة حقيقية قد تكون مثيرةً للقلق، وجرت هذه الهندسة عن طريق تشكيل ما يُعرف بـ”تحالف القائمة الوطنية من أجل مصر”، برعاية حزب “مستقبل وطن”، الكيان المعروف في الأوساط السياسية بدعمه من قبل “الأجهزة السيادية” في الدولة، والذي يرأسه رئيس المحكمة الدستورية العليا الأسبق المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، والذي حصل على “نصيب الأسد” من المقاعد في هذه القائمة، فضلاً عن مرشحيه على المقاعد الفردية في جميع محافظات مصر. وضم “تحالف القائمة الوطنية من أجل مصر” أحزاب: مستقبل وطن، الشعب الجمهورى، الوفد، مصر الحديثة، حماة الوطن، المؤتمر، المصري الديمقراطي الاجتماعي، الحركة الوطنية المصرية، الإصلاح والتنمية، الحرية المصري، التجمع، واللافت للنظر في هذه التشكيلة أنه جرى استبعاد أحزاب محسوبة على السلطة مثل “الغد” الذي يقوده المهندس موسى مصطفى موسى، المرشح الرئاسي السابق، بدون أسباب معروفة، وكذلك “المصريين الأحرار”. وكشفت أسماء المرشحين لمجلس الشيوخ في تحالف “القائمة الوطنية من أجل مصر”، أو المرشحين على المقاعد الفردية، أنّ النظام يريد شخصيات معيّنة في هذا المجلس، وهي الشخصيات القادمة من كيانات سياسية أغلبها صنعتها “السلطة” نفسها، وأفسحت لها المجال في الشارع، ووفرت “ماكينةً إعلاميةً” تُروّج لها على نطاق واسع، فقد جاء من بين المرشحين رجال أعمال بارزون يستخدمون المال للولوج إلى الحياة السياسية، ثم “فلول” الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان مسيطراً على الحياة السياسية في عصر الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، والذي حُل رسمياً غداة حكم قضائي صدر عن المحكمة الإدارية العليا في 16 إبريل 2011، أما العنصر الثالث فيترّكز في عدد من القيادات الأمنية. وجاء الدور الكبير الذي لعبه رجال الأعمال المقرّبون من السلطة في الأحزاب السياسية ، وكان عاملاً مهماً في الدفع بهم سواء على القائمة أو الفردي، ومن أشهرهم الملياردير أحمد أبو هشيمة، نائب رئيس حزب “الشعب الجمهوري”، والذي ترشح عن محافظة بني سويف في “قائمة الصعيد”، وكذلك الملياردير محمد حلاوة، والملياردير محمد منظور، المرشحان ضمن القائمة الوطنية من أجل مصر عن القاهرة وشمال ووسط الدلتا، ورجل الأعمال عبد القادر الجارحي، المرشح ضمن القائمة الانتخابية الثالثة والتي مثلت قطاع شمال ووسط وجنوب الصعيد، وحتى المرشح حسام الخولي، الأمين العام لـ”مستقبل وطن”، وهو أيضاً رجل أعمال بجانب أنه سياسي بارز، وكان من قيادات حزب “الوفد” قبل خروجه منه. أما المرشحون عن حزب “مستقبل وطن” والذين كانوا في الأصل نواباً وأعضاءً سابقين…

تابع القراءة

الأزمة السياسية في إثيوبيا وتأثيرها على مفاوضات سد النهضة

شهدت إثيوبيا منذ عام 2015 عددًا من الاحتجاجات هي الأعنف منذ ما يقرب من ربع قرن، والتي عمَّت مناطق متفرقة من البلاد، خاصةً تلك التي وقعت في المناطق الحدودية بين إقليم الصومال الإثيوبي وإقليم أورومو، وتسببت في سقوط ما يقرب من ألف قتيل ونزوح عشرات الآلاف، وفي هذا الإطار قدَّم رئيس وزراء إثيوبيا السابق هايلي مريام ديسالين، استقالته الخميس 15 فبراير2018، على خلفية تلك الاضطرابات التي شهدتها بلاده، والتي سقط فيها الكثير من الضحايا؛ وذلك للمطالبة بالإفراج عن المزيد من قيادات المعارضة، وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية لبقية الأطياف العرقية في المجتمع الإثيوبي.   ليأتي فيما بعد آبي أحمد في 2 أبريل 2018، الذي تمكَّن -لما حظي به من قبول شعبي- من إعادة الاستقرار والهدوء للحياة السياسية الإثيوبية، فمن ناحية أعاد آبي أحمد خلال سنته الأولى هيكلة مؤسسات الدولة الديمقراطية، وعمل على تمكين المرأة الإثيوبية، وإطلاق سراح المعتقلين والسجناء المعارضين، بالإضافة إلى رفع حركات المعارضة المسلحة من لائحة المجموعات الإرهابية في البلاد، كما استطاع تحقيق السلام الإثيوبي الإريتري، الذي يُعد أحد أهم الإنجازات التاريخية التي حققها آبي أحمد؛ لتتم مكافأته بجائزة نوبل للسلام.   إلا أن هذا الوضع لم يدم طويلًا؛ فما لبث الوضع أن عاد للتوتر في بداية العام الثاني لحكم آبي أحمد، ففي 22 من يونيو 2019 جرت محاولة انقلاب فاشلة على آبي أحمد، فقد خلالها 5 من كبار معاونيه من مسؤولي الحكومة والجيش، كان أبرزهم رئيس هيئة الأركان الجنرال سعري مكنن، الذي لم يفارق آبي أحمد منذ تعيينه في جميع مشروعاته لإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، وما لبثت بعدها أن توالت الأزمات التي فجرَّت الوضع في الداخل الإثيوبي، فما هي جذور هذا التوتر؟ وما هي التداعيات التي أخلفها على أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا؟ هذا هو ما سنحاول الإجابة عنه خلال السطور القليلة القادمة.     جذور الأزمة الإثيوبية   على مدى عقود، ظل حزب واحد، أعضاؤه من إقليم تيجراي الشمالي، يهيمن على الائتلاف الحاكم في إثيوبيا، ما أثار استياء الأورومو المقيمين باتجاه الجنوب، وأثارت خطة حكومية لتوسعة العاصمة باستخدام أراضٍ زراعية مملوكة للأورومو في عام 2015 احتجاجات استمرت ثلاث سنوات، وقمعًا دمويًّا، قاد في نهاية الأمر إلى استقالة رئيس الوزراء وتعيين آبي أحمد، الذي أتاح حريات كبيرة على مستوى البلاد، لكن أجزاء من أوروميا في الغرب والجنوب ظلت خاضعة للحكم العسكري الفيدرالي؛ حيث سجلت منظمة العفو الدولية أعمال قتل وانتهاكات تمارسها قوات الأمن[1].   وتمكَّن آبي أحمد من إحداث تغيير في حزب الائتلاف الحاكم، وقام بتوسيع مساحاته، بعد أن ظل حبيس 4 أحزاب رئيسة منذ تأسيسه عام 1991، وأعلن عن حزب الازدهار الجديد، الذي استوعب فيه الجميع؛ ليكون حزبًا قوميًّا، وائتلافًا جديدًا لأكثر من 8 أحزاب، بينها خمسة أحزاب جديدة، وأعلن حزب الازدهار الذي يقوده رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في ديسمبر 2019 خوض الانتخابات المقبلة، ويضم 8 أحزاب، بينها 3 رئيسة تشكل الائتلاف الحاكم بالبلاد، وهي (الأورومو الديمقراطي، والأمهرا الديمقراطي، والحركة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا)[2]. إلا أن شعب الأورومو ينتقد هذا التحرك لآبي أحمد؛ حيث يرون بأنه دفع بحزبه الجديد على حساب الأورومو.   وفي 29 يونيو 2020 أثار مقتل المغني الشاب وكاتب الأغاني الإثيوبي هاشالو هونديسا، رميًا بالرصاص في إحدى ضواحي أديس أبابا، ردود فعل غاضبة، قلبت إثيوبيا رأسًا على عقِب، أفضت إلى احتجاجات عنيفة، تخللتها اشتباكات بين مواطنين وقوات أمن، ردت عليها السلطات بحظر لخدمات الإنترنت والاتصالات، واعتبرت المعارضة مقتل هونديسا ضربة لقومية الأورومو التي ينتمي إليها[3]. وخرج آلاف الأشخاص في منطقة أوروميا إلى الشوارع؛ اعتراضًا على مقتل هونديسا، وقُتل المئات خلال تلك الاحتجاجات، واعتُقل جوار محمد وبيكيلي جربا، وهما من المعارضين البارزين لآبي من قبيلة أورومو، وانتقد السياسيون المعارضون لحكومة آبي أحمد إعلانها حالة الطوارئ في أبريل؛ بسبب تأثير فيروس كورونا، وكذلك بسبب تصويت البرلمان لتأجيل الانتخابات المقرر إجراؤها في أغسطس، والسماح لآبي أحمد بالبقاء في منصبه، وصار من غير المحتمل الآن أن تكون هناك انتخابات حتى تسعة أشهر على الأقل بعد زوال تهديد فيروس كورونا، وهو ما اعتبره خصوم آبي أحمد محاولة للتمسك بالسلطة[4].   هذا بجانب تردد أنباء عن كون وزير الدفاع الإثيوبي ليما ميجرسا يخضع للإقامة الجبرية بعد إقالته من قِبل آبي أحمد، وهو ما يعتبره المنتمون لشعب الأورومو خيانة لقضيتهم التي أوصلت آبي أحمد إلى السلطة؛ حيث يُعد ليما هو الرجل الذي وضع آبي أحمد في المقدمة، وجعله رئيسًا للوزراء[5]. كل هذا أجَّج الوضع في الداخل الإثيوبي، بالشكل الذي أعاد للمشهد الدعوات المنادية بالانفصال.     تداعيات الأزمة الإثيوبية على مفوضات سد النهضة   لطالما راهنت الحكومة الإثيوبية على المضي في إجراءاتها الأحادية من أجل توحيد جبهتها الداخلية، وهو الأمر الذي من ناحية ربما يدفع إثيوبيا إلى التصعيد في المفاوضات؛ بهدف تعبئة الرأي العام الداخلي في اتجاه قضية السد، بدلًا من التفاته للمشكلات الداخلية، ومن ناحية أخرى قد يدفعها للتهدئة في المفاوضات، أو على الأقل تأجيلها؛ بحجة التوتر الذي يعيشه الداخل الإثيوبي، فإثيوبيا تسعى دائمًا لتوظيف الأزمات الخارجية لتوحيد الداخل، وتوظيف الداخل لتهدئة الخارج، وهو الأمر الذي قد ينتج عنه مد في أمد المفاوضات حول أزمة سد النهضة. [1]  “لماذا أثار قتل مغنٍّ احتجاجات دامية بين شعب الأورومو في إثيوبيا؟”، العربي الجديد، 2/7/2020. https://2u.pw/pHUfc [2]  “إنجازات وآلام .. عامان لآبي أحمد في رئاسة وزراء إثيوبيا”، شبكة عين الإخبارية، 2/4/2020. https://2u.pw/bBX4O [3]  “احتجاجات عنيفة وقطع للإنترنت بعد “قتل مغنٍ معارض” .. ماذا يحدث في إثيوبيا؟”، مصراوي، 30/6/2020. https://2u.pw/r2Lzr [4] “Is Ethiopia spiralling into political crisis?”, Aljazeera, 5/7/2020. https://2u.pw/veRPS [5] Awol Kassim Allo, Post on Facebook, 12/8/2020. https://2u.pw/y5oag.

تابع القراءة

الأزمة السياسية في مالي

مالي هي أحد دول الساحل الإفريقي، نظام الحكم فيها ديمقراطي جمهوري، وقد عانت منذ استقلالها من الأزمات السياسية؛ نتيجة للانقلابات العسكرية المتتالية، والتدخل السافر لفرنسا في شؤونها الداخلية؛ نظرًا لموقع مالي المتميز في الساحل الإفريقي، وقربها من المغرب العربي، وما تمتلكه من ثروات اقتصادية كبيرة.   جذور الأزمة شهدت مالي انتقال زمام الحكم بين خمسة رؤساء منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1960، وهم على الترتيب: موديبو كايتا ما بين 22 سبتمبر1960 و19 نوفمبر 1968، الذي أُطيح به بانقلاب عسكري من قبل الملازم موسى تراوري، والذي تولى الحكم من 19 نوفمبر 1968 وحتى 26 مارس 1991، وأُطيح به بانقلاب عسكري من طرف الكولونيل أمادو توماني توري، الذي تولى رئاسة الهيئة الانتقالية بتاريخ 26 مارس1991 حتى 8 يونيو 1992، ونظم انتخابات رئاسية ديمقراطية فاز فيها المعارض ألفا عمر كوناري، وأُعيد انتخابه لفترة ثانية في مايو 1997 وحتى 8 يونيو 2002، وانتُخب لعهدتين متتاليتين، حسب ما يسمح به الدستور؛ حيث عمل على محاربة الفساد، وتحقيق الإصلاح السياسي والاقتصادي، وأصبح وسيطًا بارزًا في النزاعات الإفريقية، ليأتي بعده أمادو توماني توري من 8 يونيو 2002، وأُعيد انتخابه سنة 2007، وأُطيح به بانقلاب عسكري بقيادة الكابتن أمادو سانوغو في 22 مارس 2012، وقاد الحكومة الانتقالية بعدها من أبريل 2012 ديانكوندا تراوري، رئيس البرلمان السابق وأحد المقربين من الرئيس السابق أمادو تومانيتوري، حتى أتى إبراهيم أبو بكر كيتا بعد الانتخابات التي عُقدت في 5 سبتمبر 2013[1]. وهكذا يتبين من الانقلابات المتتالية في تاريخ مالي مدى عمق الأزمة السياسية التي تعيشها تلك الدولة منذ الاستقلال، التي تفاقمت في السنوات الأخيرة؛ نتيجة لحدثين رئيسين وقعا في نهاية مارس وبداية أبريل 2012، أدخلا البلاد ومنطقة الساحل الإفريقي في أزمة كبيرة: أولهما: الانقلاب العسكري على حكومة الرئيس أمادو توماني توري وتعليق المؤسسات الدستورية في البلاد، الذي لم تعترف به أية دولة  في العالم، وثانيهما: سيطرة قوات حركة تحرير الأزواد -مع ثلاث حركات جهادية أخرى (هي القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وأنصار الدين، وحركة الجهاد والتوحيد في غرب إفريقيا)- على شمال البلاد، وبعد ذلك أعلنت حركة الأزواد عن وقف العمليات، ومن ثمَّ إعلان استقلال تلك المنطقة؛ لأنها منطقة شعب الأزواد كما تقول، وقد رفضت القوى الدولية الاعتراف بهذا الاستقلال، ويرتبط الحدث الأول بالثاني في الأسباب، والمسارات المحتملة لموازين القوى داخل البلاد، وفي الجوار الإقليمي؛ فالعسكريون انقلبوا –على حد قولهم- احتجاجًا على خذلان القيادة السياسية والعسكرية لهم في قتالهم لقوات حركة تحرير الأزواد؛ حيث لم توفر لهم السلاح والدعم الكافيين، وعجزت عن قيادة العمليات العسكرية، إلا أن الانقلاب أحدث نتيجة عكسية للهدف الذي أعلنه منفذوه، حيث قضى على القيادة السياسية الشرعية، وأحدث شرخًا في الجيش المالي بين مؤيد للانقلاب ومعارض له، ووجَّه مجهود الانقلابيين إلى تأمين سلطتهم الجديدة؛ مما أضعف القوات المالية المقاتلة في الشمال، فانتهزت حركة الأزواد الفرصة، وسيطرت على كل شمال مالي في مدة 3 أيام، دون قتال تقريبًا، وهو الأمر الذي وجدت فيه فرنسا حجة للتدخل في مالي؛ بحجة وقف تقدمهم للجنوب، وحماية العاصمة باماكو[2].   الحراك الأخير في مالي في الفترة الأخيرة تم تأسيس حراك 5 يونيو، المُطالب بإسقاط الرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا، وبدأ الحراك بشكل عملي يوم الجمعة 5 يونيو الماضي، وتوالت حلقاته خلال الأسابيع التالية، وذلك مع مظاهرات مساء كل جمعة، غير أن التوتر بين الأطراف وتوجه المعارضة إلى الاحتكام للشارع بدأ منذ عدة أشهر، وذلك على خلفية ما يعتبره المتظاهرون فشلاً للسلطة في مواجهة التحديات الأمنية التي تعيشها البلاد، وحالة الركود الاقتصادي التي استفحلت بعد أزمة كورونا، هذا فضلًا عن الظروف التي أُجريت فيها الانتخابات التشريعية، حيث زاد الاستياء الشعبي؛ بسبب قرار المحكمة الدستورية إبطال حوالي 30 نتيجة، بالإضافة إلى تهم التزوير التقليدية. ويحدد الحراك مطالب متعددة، على رأسها استقالة الرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا، وحل المحكمة الدستورية، ومحاربة الفساد، ومحاكمة المتورطين في القتل وأعمال العنف ضد المواطنين، بالإضافة إلى إلغاء الانتخابات التشريعية الأخيرة المزورة وفق رأي المعارضة، ومن ضمن مطالب المعارضة أيضًا تفكيك سيطرة أسرة ومقربي الرئيس على مفاصل الحكم ومنافذ السياسة والمال[3]. ويُشكل حراك 5 يونيو أبرز تجمع معارض في تاريخ مالي؛ وذلك لضمه أجنحة متنوعة دينيًّا وعرقيًّا وسياسيًّا تحت رايته، كما تمكن من حشد أكبر التظاهرات في البلاد، ويرجع ذلك إلى شخصية الإمام محمود ديكو الذي يقود الحراك، والمُلقب بإمام الشعب، ويُعد أكثر شخصية دينية مؤثرة في السنوات العشر الأخيرة بالبلاد؛ حيث ترأس خلالها المجلس الإسلامي الأعلى، وينتمي ديكو جغرافيًّا إلى إقليم أزواد، إلا أنه يؤيد وحدة مالي، وسبق للسلطات أن اختارته مفاوضًا مع بعض التنظيمات المسلحة[4].   موقف الجيش من الحراك أعلنت قيادة الجيش قبل أسابيع في بيان صادر عنها التزامها بالحياد بين أطراف النزاع، واحترامها للشرعية الدستورية التي يمثلها رئيس الجمهورية، وتقف أمام تدخل الجيش عدة عوائق، أبرزها وقوف المنظمة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) بوضوح وقوة ضد الانقلابات العسكرية، التي طالما عانت منها دولها، حيث سبق للمجتمع الدولي أن أرغم الجيش على تسليم السلطة للمدنيين عقب الانقلاب العسكري الذي وقع في 2012، لكن تدخل الجيش -رغم كل ذلك- غير مُستبعد إذا توترت الأوضاع، وخرج الصراع السياسي عن السيطرة[5].   موقف فرنسا من الحراك في ظل هذا الوضع للنظام السياسي المالي، ووفقًا للعلاقات المتميزة لفرنسا مع الأنظمة الحاكمة في مالي الموالية لها، تترسخ عقيدة سياسية وأمنية، لدى صناع ومتخذي القرارات والسياسات في الحكومة الفرنسية، بأهمية الحفاظ على تلك الأنظمة الموالية لها، ومن ثمَّ فإن أية تغييرات يمكن أن تطرأ على الواقع السياسي لدولة مالي، ويتعارض مع أهدافها ومصالحها، يحتم عليها التحرك والتدخل السريع والعاجل لاستعادة الأوضاع، والحيلولة دون حدوث تغييرات سياسية يمكن أن يكون لها تأثير مباشر أو غير مباشر على منظومة المصالح الفرنسية[6]، وما من شك أن تزعم القوى الدينية السلفية والصوفية، وحضور البعد الديني في الخطابات السياسية لمناوئي الرئيس، إضافة إلى بروز قوى مناوئة للدور الفرنسي في مالي ضمن المطالبين بإسقاط كيتا، سيجعل فرنسا متوجسة من هذا الحراك، وحريصة على صناعة مخرج سياسي يضمن لها الحفاظ على المصالح، إن لم يكن تعزيز السيطرة[7].   موقف الرئيس إبراهيم كيتا من مطالب المتظاهرين يراوح الرئيس كيتا -الذي انتخب لفترة رئاسية ثانية في عام 2018- في موقفه بين الصرامة في الرفض لخيار التنحي، والمرونة في الاستجابة المتدرجة لمطالب المتظاهرين، وألقى الرئيس كيتا عدة خطابات، تضمنت رؤيته وموقفه، وأعلن خلالها بعض القرارات المستجيبة لجزء من مطالب المحتجين، ففي 12 يونيو الماضي جدد ثقته في رئيس الوزراء بوبو سيسيه، وكلفه بتشكيل حكومة جديدة، وفتح الباب أمام حكومة وحدة وطنية في 16 يونيو، وفي 7 يوليو، لوّح بالاستجابة لتحفظات المتظاهرين فيما يتعلق بعدد من المرشحين للبرلمان أعلن فوزهم في البداية، ثم ألغت المحكمة الدستورية النتيجة،…

تابع القراءة

إعلان وقف إطلاق النار بليبيا.. تحديات وفرص الوصول لتسوية سياسية بضغوط دولية

وسط ترحيب دولي وإقليمي، وفي تطور مهم، جاء قراري وقف إطلاق النار بليبيا، الصادرين عن رئيس المجلس الرئاسي “فايز السراج” ورئيس مجلس النواب شرقي ليبيا “عقيلة صالح”، وجاء في البيان الصادر عن السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الجمعة 21 اعسطس: “انطلاقا من مسؤوليته السياسية والوطنية، وما يفرضه الوضع الحالي الذي تمر به البلاد والمنطقة وظروف الجائحة، يصدر رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني تعليماته لجميع القوات العسكرية بالوقف الفوري لإطلاق النار وكافة العمليات القتالية في كل الأراضي الليبية”. كما أكد عقيله صالح في بيانه أن الاتفاق على الوقف الفوري لإطلاق النار في جميع أنحاء ليبيا “يقطع الطريق على أي تدخلات عسكرية أجنبية وصولُا إلى إخراج المرتزقة” وتابع البيان أنه “تأكيداً على حفظ مقدرات الشعب الليبي يستأنف إنتاج وتصدير النفط، وتجميد إيراداته بالحساب الخاص للمصرف الليبي الخارجي، ولا يتم التصرف فيها إلا بعد التوصل إلى تسوية سياسية” وبحسب بيان عقيلة صالح، فإن وقف إطلاق النار يجعل من سرت مقراً مؤقتاً للمجلس الرئاسي الجديد وتتولى قوة شرطية من مختلف المناطق تأمينها، لحين اجراء انتخابات عامة في مارس المقبل. وعبرت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة في ليبيا “ستيفاني وليامز” عن ترحيبها بـ “قرارات شجاعة ليبيا في أمس الحاجة إليها في هذا الوقت العصيب” داعية لأن “يُفضي الاتفاق إلى الإسراع في تطبيق توافقات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) والبدء بترحيل جميع القوات الأجنبية والمرتزقة الموجودة على الأراضي الليبية” منتقدة  الاستمرار في حرمان الشعب الليبي من ثرواته النفطية ، التي اعتبرته “ضربا من التعنت غير المقبول محلياً ودولياً”. وفي مصر الداعمة لانقلاب خليفة حفتر، رحب عبد الفتاح السيسي، بالإعلان، وكانت سرت والجفرة موضع خلاف كبير بين القوى الإقليمية ذات النفوذ في الملف الليبي، حيث هددت مصر بالتدخل العسكري حال تجاوزتهما حكومة الوفاق المدعومة من تركيا، فيما دعت أطراف دولية إلى نزع سلاح المنطقتين الاستراتيجيتين. وتشهد ليبيا منذ أعوام نزاعاً بين سلطتين، حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة، ومقرّها طرابلس، وتدعمها تركيا، وقوات اللواء خليفة حفتر، الذي يسيطر على شرقي البلاد، وجزء من جنوبها، والمدعوم من مصر والإمارات وفرنسا وروسيا. تحرك دولي ويشهد الملف الليبي جهودا حثيثة لعودته للمفاوضات السياسية من أجل التوصل إلى حلول بناء على مشاورات واتصالات بين الدول المعنية بطرفي الصراع في البلاد، في الوقت الذي يعيش معسكر اللواء المتقاعد خليفة حفتر مزيدا من الحصار في مواجهة هزات شعبية جديدة، وبحسب مصادر ليبية برلمانية من طبرق وحكومية من طرابلس، فإن العاصمة المغربية الرباط ومدينة جنيف السويسرية، تستعدان لاستقبال لجان المفاوضات الليبية مجددا، بعد انخراط دولي جديد تقف وراءه واشنطن لتسريع عودة الملف الليبي لطاولة التفاوض، ووقف التصعيد العسكري في مناطق سرت والجفرة. وبينما أبدى رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، استعداده للقاء مشروط برئيس نواب طبرق عقيلة صالح بالمغرب، رحب الأخير باللقاء مع المشري دون إبداء أي تفاصيل، وبحسب تصريحات المشري لفضائية “مغربية”، فقد اشترط إجراء اللقاء بشكل علني وبحضور الجانب المغربي وبوجود ضمانات دولية، مشدداً على ضرورة الحل السياسي للأزمة في البلاد. من جهتها، قالت البعثة الأممية في ليبيا إنّ رئيستها بالإنابة، ستيفاني وليامز، بحثت مع رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، سبل إعادة تفعيل المسار السياسي، وأشارت البعثة، في بيان لها، الخميس الماضي، إلى أنّ وليامز حثت المشري، خلالها لقائها معه، في جنيف، على ضرورة تسريع إعادة تفعيل العملية السياسية بهدف “الحد من التدهور المحتمل للوضع العسكري”، وأوضحت أن الطرفين بحثا الأوضاع الراهنة والمسارات المنبثقة عن مؤتمر برلين. تحديات أمام التسوية السياسية وعلى الرغم من الحلحلة الإيجابية التي جرت، الجمعة، نحو حل سلمي للأزمة الليبية، يتبقى العديد من التحديات المختلفة، من ضمنها: عقبة حفتر قال المستشار الإعلامي لعقيلة صالح، حميد الصافي، في تصريحات صحافية، الخميس، إن صالح “وافق على لقاء المشري”، دون أن يفصح عن المزيد من التفاصيل، لكن مصادر برلمانية ليبية تحدثت عن معارضة كبيرة من جانب حفتر لانخراط مجلس النواب المجتمع في طبرق في أي عملية سياسية تقوم على أساس تسليم مدن سرت والجفرة، وإشراف دولي على مواقع النفط، سواء الحقول أو الموانئ. لكن مصادر حكومية من طرابلس قالت إن جنيف السويسرية ستستضيف لقاءات جديدة للجنة العسكرية المشتركة (5 + 5) برعاية أممية وبدفع أميركي كبير، من أجل التوصل إلى اتفاق على إخلاء منطقتي سرت والجفرة من السلاح قبل المضي في العملية السياسية التي من المرجح أن تستأنف استضافتها الرباط بعد أن استضافت في 26 من الشهر الماضي لقاءات غير مباشرة بين صالح والمشري، في إطار ما عرف باتفاق الصخيرات2، وبحسب المصادر البرلمانية ذاتها، فإن جانب حفتر خضع لضغوطات دولية كبيرة بشأن إعادة تشغيل الحقول النفطية والموانئ، وقبوله بحل منزوع السلاح تمهيدا لمفاوضات سياسية. وأعلن حفتر، الثلاثاء الماضي، عن إعادة تشغيل الحقول والموانئ، قبل أن يتراجع عن قراره ويعلن فتحا جزئيا لتصدير محتوى خزانات النفط في الموانئ دون تشغيل الحقول، فيما لا يزال يرفض إنشاء منطقة منزوعة السلاح، وقال المتحدث الرسمي باسم قيادة حفتر، أحمد المسماري: “لن نسمح بجعل سرت والجفرة منطقة منزوعة السلاح”، مشيرا إلى أن المنطقتين “لا يوجد بهما نزاع مسلح وآمنتان” واعتبر المسماري، في مؤتمر صحافي الأربعاء الماضي، أن الحديث عن منطقة منزوعة السلاح “الغرض منه تسليمهما للغزو التركي الطامع في التمدد إلى ما بعد سرت شرقًا” وهو ما يؤكد أن حفتر لا يزال منذ ست سنوات يعرقل السلام والتوافق في أي جهد ومحاولة، حيث يحاول العودة للمشهد تدريجيا بعد اختفائه لشهرين، حيث يجد في كل مرحلة طرفا يتعلق وينحاز له لعرقلة أي توافق لا يكون فيه رأسا للحكم في البلاد، وحاليا يجد في الموقف الروسي الغائم ملجأ يتكئ عليه لرفض المنطقة منزوعة السلاح حول سرت والجفرة. خلافات دولية حول المقترح الأمريكي وبحسب مراقبين، فالجانب المصري يرفض انحياز حفتر للموقف الروسي في ليبيا، وكان حفتر أكد، مؤخرا، أنه تسلم رسالة من عبد الفتاح السيسي سلمها له مسؤول بارز في المخابرات المصرية، وهي دون شك تعارض ركونه للموقف الروسي، لكن حفتر أبرزها في وسائل الإعلام ليوهم الرأي العام بأن مصر لا تزال تقف وتتعامل معه، فيما ستتواجه تركيا بتحديات جمة، قد تعيد بسببها ترتيب اوراقها بليبيا. الغضب الشعبي وتشهد الساحة الليبية دعوات للنشطاء للخروج في احتجاجات واسعة، حدد لها يوم الأحد المقبل موعدا لانطلاقتها في مناطق سيطرة حفتر، احتجاجا على تردي الأوضاع الأمنية والمعيشية، قابلتها تهديدات من حفتر، حيث أعلنت قيادة حفتر عن “منع أي مظاهرة” في مناطق الجنوب، معللة أسباب منعها بأنها “مظاهرات تقف وراءها جماعة الإخوان المسلمين لزعزعة الأوضاع” وفي بيان آخر، قالت مليشيا “خالد بن الوليد” التابعة لحفتر إن من يقف وراء التظاهرات “داعمو سيف الإسلام القذافي”، في الوقت الذي نقلت فيه قناة “ليبيا 24” الموالية لأنصار النظام…

تابع القراءة

لماذا يخشى طغاة العرب هزيمة “ترامب” وصعود الديمقراطيين؟

انتهى تقدير موقف أعده معهد الشرق الأوسط للبحوث والدراسات إلى أن الفوز المحتمل لـ”جو بايدن”، المرشح الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المرتقبة في نوفمبر 2020م أمام الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، يمثل تهديدا لأجندة المحور المعادي للثورات في المنطقة العربية، في إشارة إلى تحالف الثورات المضادة الذي يضم “الإمارات والسعودية ومصر”، وبحسب التقرير فإن  دخول “ترامب” إلى المكتب البيضاوي عام 2017، أغرى بعض شركاء واشنطن العرب، بما في ذلك الإمارات، على لعب دور أكبر من أوزانهم الحقيقية سعيا لتحقيق أهدافهم، وهو ما تحقق في جنوب اليمن، والسودان ما بعد “عمر البشير”، وليبيا والحصار المفروض على قطر، وعند النظر في الآثار المحتملة لرئاسة “بايدن”، سيكون أحد الاعتبارات الرئيسية هو النجاح المحتمل الذي يمكن أن تحققه القيادة الأمريكية الجديدة في كبح أجندات المحور المعادي للثورات في المنطقة العربية. وينظر الحكام في مصر والإمارات والسعودية -بحسب تقدير الموقف- إلى الانتخابات الديمقراطية على أنها تهديد وجودي يمكن أن يؤدي إلى صعود قوى إسلامية، وبالتالي تتماشى رعايتهم لـ “حفتر” في الحرب الأهلية الليبية مع رؤيتهم لجعل العالم العربي منطقة خالية من جماعة “الإخوان المسلمين”، وهي رؤية تتصادم بشكل مباشر مع دعوة المؤسسة الدبلوماسية الأمريكية لتبني النموذج التونسي لليبيا، وعلى الرغم من ذلك فإن إدارة ترامب لا تضغط على هذه الدول العربية “محورالثورات المضادة” لإبداء المزيد من المرونة في أجندة سياستها الخارجية المناهضة للديمقراطية والإسلاميين في ليبيا على سبيل المثال، ناهيك عن التخلي عنها، لكن المرجح أن تتخذ إدارة “بايدن” نهجا أقل ودية تجاه هذه القوى العربية، ويمكن أن تمارس المزيد من الضغط على أنصار “حفتر” للامتثال لحظر الأسلحة المفروض على ليبيا. ومن الناحية الواقعية، سيعمل شركاء أمريكا العرب، الذين يتبعون أجندات معادية للثورة في ليبيا وأماكن أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على منع ليبيا من أن تصبح ديمقراطية شاملة على غرار تونس ما بعد الربيع العربي، وبالتالي فإن هذه القوى العربية سوف تستغل الفترة المتبقية من رئاسة ترامب للعمل من أجل تعظيم مساعيها في ليبيا وأماكن أخرى خلال الفترة المتبقية من عام 2020، ومثل هذا النهج يمكن أن يخلق مشاكل بين الكتلة السعودية الإماراتية المصرية وإدارة “بايدن” المحتملة، بشكل يعيد إلى الإذهان التوترات التي شكلت العلاقات الأمريكية الخليجية خلال رئاسة “باراك أوباما”، وعلى النقيض من ذلك، من المرجح أن ترحب تركيا وقطر وإيطاليا برئاسة “بايدن” التي تتحدى المحور المعادي للثورات في المنطقة العربية.[[1]] وأمام استطلاعات الرأي التي تؤكد تراجع “ترامب” بشكل كبير أمام “بايدن”، أكدت صحيفة “واشنطن بوست” في تحليل لها أول أغسطس 2020م، أن حملة ترامب الرئاسة تعمل في جو من اليأس وتعمل على تجنب كارثة سياسية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، موعد إجراء الانتخابات الرئاسية.[[2]]   سياسة بايدن تجاه الشرق الأوسط يعزز من مخاوف “تحالف الثورات المضادة” أن برنامج الحزب الديمقراطي “2020”  الذي جاء في 80 صفحة وشارك في إعداده وصياغته “150” من قادة وأعضاء الحزب، وضع خطوطا عريضة يتوقع أن تسير عليها إدارة بايدن في الملفين الداخلي والخارجي، حال فوزه بالرئاسة، يدعو إلى مراجعة السياسات الأمريكية القائمة حاليا في التعامل مع ملفات مفتوحة في المنطقة على رأسها حرب اليمن والعلاقات مع إيران وملف الأسلحة، وينادي البرنامج الديمقراطي بطى صفحة عقدين من عمليات الانتشار العسكرى الواسعة النطاق والحروب المفتوحة فى الشرق الأوسط، إلا أنه أشار إلى أن ذلك لا يعنى أن الولايات المتحدة ستتخلى عن المنطقة ولا عن شركائها حيث إنه لا تزال لديها مصالح دائمة فيها،[[3]] لكن مخاوف  تحالف الثورات المضادة يرتبط بعدة أبعاد وزوايا تضمنها البرنامج الديمقراطي. من زاوية أولى، البرنامج الذي يكشف عن حجم التغيرات التى شهدها الحزب الديمقراطى خلال السنوات الأربع الماضية، من زيادة حجم ونفوذ القوى اليسارية المرتبطة بالسيناتور “بيرنى ساندرز” داخل الحزب، يدعو إلى إلى إنهاء دور الولايات المتحدة فى الصراع فى اليمن فيما يمثل تراجعا واضحا عن سياسة اتبعتها إدارة الرئيس الديمقراطى السابق باراك أوباما حيث كان جو بايدن، المرشح الحالى، نائبا للرئيس، وتعهد المرشح بايدن بوقف التدخل فى حرب اليمن عن طريق وقف دعم السعودية والتوقف عن تسليحها، كما تعهد البرنامج بعدم مواصلة سياسة إدارة ترامب التى تمنح شيكا على بياض وتدعم الممارسات الاستبدادية، والمنافسات الداخلية، والحروب بالوكالة، وتعرقل الانفتاح السياسى فى جميع أنحاء المنطقة، وتعهد البرنامج الديمقراطى بإنهاء «الدعم الأمريكى للحرب التى تقودها السعودية فى اليمن، والعمل على وقف الحرب»، واعتبر البرنامج أن مسئولية العالم تتطلب أن يتم وقف «أسوأ كارثة إنسانية فى التاريخ، وعلى الولايات المتحدة دعم الجهود الدبلوماسية وليس عرقلتها»، ويؤمن الديمقراطيون أنه حان الوقت «لإعادة التوازن فى أدوات تنفيذ السياسة الخارجية فى الشرق الأوسط من خلال دعم الشراكات والعلاقات المختلفة بعيدا عن التدخل العسكرى، ويجب أن تكون الدبلوماسية العملية هى حجر الأساس لجعل المنطقة أكثر سلاما واستقرارا وحرية». من جهة ثانية، تعهد الديمقراطيون كذلك بإنهاء «مسار ترامب نحو الحرب مع إيران مع إعطاء الأولوية للدبلوماسية وخفض التصعيد والحوار الإقليمى»، ويؤكد البرنامج أن الاتفاق النووى مع إيران «لا يزال أفضل وسيلة، بشكل يمكن التحقق منه، لقطع جميع مسارات إيران إلى قنبلة نووية، وأن انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووى مع إيران أدى إلى عزلة أمريكا عن حلفائها وفتح الباب أمام إيران استئناف مسيرتها نحو اقتناء الأسلحة النووية التى أوقفتها خطة الاتفاق النووى»، وفي هذا الصدد يشار إلى أن بايدن  كان من المتحمسين للاتفاق النووى مع إيران والتى اعتبرته جميع الدول الخليجية بمثابة اتفاق غادر. من جهة ثالثة، يتوقع أن يتحرك بايدن وحزبه نحو سياسة خليجية أكثر توجها نحو حقوق الإنسان من التوجه نحو القضايا الأمنية، كما يعتقد معظم المحللين الأمريكيين أن بايدن قد يضطر إلى التحرك نحو حظر تصدير السلاح لبعض الدول الخليجية، ويرى بعض الخبراء أن إدارة بايدن ربما تكرر تعليق إدارة أوباما فى فترة ما بعد الربيع العربى شحنات الأسلحة إلى البحرين، ولكن على نطاق أوسع وأعمق هذه المرة، وهذا مصدر قلق كبير لدول الخليج، ويعتقد الديمقراطيون أن واشنطن بحاجة إلى إعادة ضبط علاقاتها مع شركائها الخليجيين من أجل خدمة مصالحها وقيمها بصورة أفضل، كما أشار البرنامج إلى أن «لواشنطن مصلحة فى مساعدة شركائنا فى الخليج لمواجهة التهديدات الأمنية المشروعة، وسوف ندعم حلفائنا سياسيا واقتصاديا، ونشجع الجهود الرامية إلى الحد من التوترات الإقليمية».   مغزى تهديدات “بايدن” للسيسي من جهة رابعة، بخلاف ما جاء في البرنامج الديمقراطي، فإن الانتقادات التي وجهها “بايدن” لرئيس الانقلاب في مصر عبدالفتاح السيسي، وتهديداته الصريحة بأن إدارته لن تمنح دكتاتور ترامب المفضل شيكا على بياض، مثلت رسالة واضحة المغزى والدلالة؛ وشدد ــ في تغريدة له يوم 12 يوليو 2020م ــ على أن انتهاكات نظام السيسي المتكررة لحقوق الإنسان لن تقابلها إدارته بالتجاهل والصمت كما تفعل إدارة الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، وجاءت تغريدة بايدن…

تابع القراءة

اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان الدوافع والتداعيات

وقعت مصر واليونان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بينهما؛ لتحديد المناطق الاقتصادية في السادس من أغسطس 2020، ورغم أنه لم يتم نشر بنود الاتفاقية حتى الآن (13 أغسطس 2020)، إلا أن التوقيع على الاتفاقية بين الجانبين معناه أنهما توصلا إلى تفاهمات بخصوص الخلافات التي عطلت الاتفاق في السابق. هذه الخلافات هي: – اليونان كانت تصر على اعتبار بداية حدودها عند جزيرة صغيرة تبعد عن مدينة أنطاليا التركية لمسافة 1.5 كم فقط، وتسمى كاستيلوريزو. التوقيع بهذا الشكل كان سيمنح اليونان مساحة هائلة إضافية من المنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر وممرًّا بحريًّا يربطها بجزيرة قبرص (اليونانية). من غير المعروف بعدُ ما إذا كانت مصر وافقت أم لم توافق على هذا البند في الاتفاقية الجديدة. – في وثائق مسربة في ديسمبر 2019، ذكرت وزارة الخارجية المصرية أن اليونان كانت تصر على ترسيم الحدود مع مصر وفقًا لمبدأ “خط المنتصف” (قياس المسافة بين ساحل الدولتين ورسم خط الحدود في منتصفها)، الذي كان سيخصم من مساحة المنطقة المصرية قرابة 7 آلاف كم2. لكن مصر تمسكت -وفقًا للخارجية- بمبدأ التناسب (تناسب مساحة المنطقة الاقتصادية الخالصة للدولة مع طول ساحلها). – إصرار وزارة الخارجية المصرية على عدم إدراج بند لإقرار الدولتين بشكل متبادل بأية حقوق محتملة لهما ناحية الشرق، فيما يتجاوز خط الطول 28، وهو “ما يؤثر على أحقية مصر في تعيين الحدود بشكل منفرد مع تركيا في المستقبل”. لم تنف الحكومة المصرية صحة هذه الوثائق حتى الآن، كما لم يتم التعرف بعدُ إلى ما إذا كانت مصر وافقت على إدراج مطالب اليونان في الاتفاقية الجديدة[1].   أولًا: دوافع توقيع الاتفاقية: تتمثل الدوافع التي تقف خلف قيام كل من مصر واليونان بتوقيع اتفاقية لترسيم حدودهما البحرية في تحقيق مجموعة من المكاسب التي تحققها تلك الاتفاقية لكلا الدولتين: 1- اليونان: أ- اتفاق ترسيم الحدود البحرية التُركي مع حكومة السراج ينتقص في الأساس من المنطقة الاقتصادية الخالصة اليونانية (وفقًا للادعاء اليوناني)، بما يعني أن أول استفادة تجنيها اليونان من ترسيم الحدود البحرية مع مصر هو توفير إطار قانوني يضبط حدودها البحرية غير المُرسمة لعشرات الأعوام في منطقة شرق المتوسط، وهو ما يطوق نتائج الاتفاق التُركي مع حكومة السراج، وذلك من خلال: (1) إعطاء سند قانوني لليونان -بالإضافة لقانون البحار- في شكل اتفاقية دولية تناقض الاتفاق التُركي – الليبي؛ مما يُعزز من موقفها في حفظ مياهها الاقتصادية الخالصة، أمام المُنظمات الدولية والمُجتمع الدولي بشكل عام. (2) تفويت الفُرصة على تُركيا في ترسيم حدودها البحرية مع مصر التي تُعتبر مُشاطئة لها، وهو ما سعت له تُركيا بشدة خلال الفترة الماضية، من خلال عرض منطقة اقتصادية أكبر من تلك التي قد يُسفر عنها الترسيم مع اليونان، لكن مصر رفضت ذلك. ب- ظلت المنطقة البحرية جنوب شرق جزيرة كريت غير مُستغلة اقتصاديًّا برغم ما تشير إليه التقديرات من وجود كميات ضخمة من الغاز بها؛ وذلك بسبب عدم ترسيم الحدود مع مصر لعشرات الأعوام، على عكس المناطق في البحر الأيوني التي طُرحت للتنقيب غرب البلاد خلال عامي 2019/ 2020. وبدأت الشركات العالمية عمليات المسح والتنقيب فيها فعليًّا، على الرغم مما تُشير إليه التوقعات بوجود كميات ضخمة من النفط والغاز في حوض شرق البحر المتوسط عمومًا. ج- ترسيم الحدود مع مصر يُمكّن اليونان من التحول إلى معبر للطاقة الأوروبية من ناحية الجنوب، وذلك بعد إتمام مشروع خط غاز شرق المتوسط East- Med مع كُل من إسرائيل وقبرص، الذي يستهدف نقل الغاز من الدول المُنتجة في الحوض إلى داخل أوروبا عبر الأراضي اليونانية، وما يرتبط به من الحصول على تفضيلات سعرية وتعريفات مرور تخدم الاقتصاد اليوناني. بالإضافة إلى تلقيها شحنات الغاز المصرية المُسالة من إدكو ودمياط عبر محطة Revithoussa غرب أثينا، وأخيرًا عبر الربط الكهربي بينها وبين مصر، وهي مشروعات جميعها كانت مهددة في ظل المنطقة الاقتصادية الخالصة التُركية المزعومة، والنتائج المُترتبة عليها من قطع الاتصال الجغرافي بين دول شرق المتوسط واليونان[2]. د- كما أن الاتفاقية تمثل نجاحًا دبلوماسيًّا لليونان، التي تمكنت من توقيع اتفاقية مشابهة لترسيم الحدود مع إيطاليا في يونيو 2020[3].   2- مصر: أ- يُتيح الاتفاق لمصر استكشاف المنطقة الغربية من حدود البحر المتوسط؛ لاستخراج الثروات الموجودة بها، فبينما المنطقة الشرقية تنتشر بها الامتيازات بسبب ترسيم الحدود مع قبرص، ظلت المنطقة الغربية بعيدة كُل البعد عن الاستغلال؛ حيث لا تعمل الشركات الدولية في المناطق غير المُرسمة بحدود مُنضبطة غير مُتنازع عليها. ب- يُمكّن الاتفاق مصر من استكمال مشروعها في التحول لمركز إقليمي لتداول الطاقة، من خلال: (1) تسييل الغاز من كُل من قبرص وإسرائيل ونقله للأراضي الأوروبية عبر اليونان، حيث ارتبطت مصر مع إسرائيل عبر شركة دولفيونس المصرية الخاصة من جانب وشركتي “ديليك دريلينج” وشريكتها الأمريكية “نوبل إنرجي” باتفاق وقع أوائل العام الماضي (2019) لتصدير الغاز الطبيعي بقيمة 15 مليار دولار من حقلي “تمار” و”لفثيان”، جرى تعديله في أكتوبر 2019 بزيادة الكميات المُصدرة لتبلغ 60 مليار متر مكعب من الغاز إلى مصر على مدى 15 عامًا، بدلًا من 32 مليار متر مكعب في الاتفاق الأصلي. ثم ارتبطت مصر مع قبرص باتفاقية لإنشاء خط غاز يربط بين البلدين لنقل الغاز القبرصي إلى محطات الإسالة المصرية، وقعت في العاصمة القبرصية نيقوسيا بتاريخ 19 سبتمبر 2018، وأصبحت هذه الاتفاقية سارية عقب نشرها في الجريدة الرسمية المصرية بتاريخ 5 يوليو 2019. (2) إتمام مشروع تداول الطاقة الكهربية، والذي سيكون بدون قيمة حقيقية دون الربط مع أوروبا عبر اليونان، حيث قامت القاهرة بتوقيع اتفاق للربط الكهربائي مع قبرص ومنها لليونان بما قيمته 2 مليار جنيه سنويًّا، بكابل كهربي بقدرة 3000 ميجا وات ساعة، تتجه للارتفاع مع زيادة عدد الكابلات والقدرات المصرية المُتنامية في مجال توليد الكهرباء. كذلك يُتيح الاتفاق للدولتين التعاون في مجال البحث والتنقيب عن النفط والغاز، في ظل وجود شركات يونانية ضخمة مثل Energean، بالتزامن مع شركات مصرية ناشئة مثل Egas وغيرها، وامتلاك الدولتين مساحات شاسعة غير مُستكشفة برًّا أو بحرًا، يُمكن من خلالها تعظيم دور هذه الشركات، ودفعها لتحقيق مكاسب اقتصادية تعود بالنفع على كلا الاقتصادين، اللذين يُعانيان في الوقت الحالي جراء جائحة كورونا، التي تضغط بشدة على قطاع السياحة أحد الدعائم الاقتصادية الأساسية لكلتا الدولتين[4]. (3) وإن كان السيسي يهدف من خلال ترسيم الحدود مع اليونان إلى تحقيق مكاسب اقتصادية، عبر إنهاء مشاكل مصر الحدودية البحرية؛ لاجتذاب مزيد من الاستثمارات في قطاعي الغاز الطبيعي والبترول، باعتباره القطاع الوحيد الذي تملك مصر سبل تحقيق نجاح اقتصادي كبير فيه من دون انتظار عشرات السنوات. كما يتمسك السيسي بإبرام مثل هذه الاتفاقيات، حتى لا يتكرر ما حدث عام 2011، عندما انسحبت شركة “شل” الهولندية من حقل “نيميد” المصري، الذي منحتها حكومة كمال الجنزوري حق امتيازه، بزعم تداخله التام مع…

تابع القراءة

تقرير المتابعة عن الفترة من 8 أغسطس إلى 14 أغسطس 2020

على الصعيد المصري : المشهد السياسي: انتخابات الشيوخ: إقبال ضعيف ورقص أمام اللجان وتهديد بالغرامة للممتنع عن المشاركة: جرت خلال الأسبوع الماضي انتخابات مجلس الشيوخ المصري، صوّت الناخبون على 200 من المقاعد الـ 300 المكونة للمجلس الجديد، 100 منها بنظام القائمة، التي تخوضها قائمة واحدة يهيمن عليها حزبا مستقبل وطن والشعب الجمهوري، كما يتنافسان على أغلب المقاعد الفردية التي تشكّل 100 مقعد أخرى، أما المئة الثالثة يعينها رئيس الجمهورية. “من الناحية الرسمية” يشترط لنجاح الانتخابات مشاركة 5% ممن لهم حق الانتخاب، أي نحو ثلاثة ملايين ناخب من أصل 63 مليون[1]. وكان ثمة ملامح رئيسة للمشهد الانتخابي، منها: رصد متابعون في أماكن متفرقة توزيع سلع غذائية على المشاركين في التصويت، فقد أشار مراقبون إلى لجوء أنصار مرشحي مستقبل وطن والشعب الجمهوري وعدد من المرشحين المستقلين، لتوزيع كراتين مواد غذائية ومبالغ مالية على الناخبين بعد التصويت. كما رصد صحفيون تضييقات تعرضوا لها عند محاولتهم الدخول للجان لتغطية الفاعليات الانتخابية، فيما أعلن مسؤول في نقابة الصحفيين المصريين، اعتقال اثنين من الصحفيين أثناء تغطيتهما لانتخابات مجلس الشيوخ، التي بدأت الثلاثاء وتستمر ليومين[2]. كان ثمة اتفاق بين عدد من المراقبين أن الإقبال على التصويت كان متواضعًا[3]، وقد اختلفت التفسيرات حول الإقبال الضعيف؛ فهناك من اعتبرها نتيجة خوف الشارع من وباء كورونا، ومنهم من اعتبرها نتيجة لكون نتائج انتخابات الشيوخ محسومة مقدمًا لصالح الأحزاب المدعومة من النظام[4]. وفي مواجهة الغياب المتوقع للناخبين تلقى جميع العاملين المصريين في القطاع الحكومي تعليمات شفهية من رؤسائهم في العمل، بضرورة المشاركة في انتخابات مجلس الشيوخ، مع تهديدات بتوقيع جزاءات مالية وإدارية في حالة التخلف عن المشاركة من دون عذر[5]. كما هو معتاد في الفترة الأخيرة، فقد شهدت الانتخابات الحالية عروض رقص أمام اللجان؛ فقد بثت صحيفة اليوم السابع القريبة من السلطة مقطع فيديو عن عروض فنية شبابية أمام اللجان الانتخابية في منطقة التجمع الخامس شرقي العاصمة القاهرة؛ لتشجيع المواطنين على التصويت، وشملت تلك العروض فقرات بهلوانية. كما نشرت الصحيفة ذاتها تصريحات مصورة للمطربين الشعبيين محمود الليثي وحمو بيكا، تحث المواطنين على المشاركة في انتخابات مجلس الشيوخ[6]. لم يغب كالعادة التهديد بفرض غرامة على غير المشاركين في التصويت؛ فقد قال بهاء الدين أبو شقة، رئيس اللجنة التشريعية بمجلس النواب، إن السلطات ستوقع غرامة مالية قدرها 500 جنيه على من يتخلف عن الإدلاء بصوته الانتخابي دون عذر[7]. بينما هدد رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات لاشين إبراهيم، على أن جميع الجرائم الانتخابية لا تسقط بمضي المدة، متعهدًا بتطبيق الغرامة المنصوص عليها لمن يتخلف عن الإدلاء بصوته في انتخابات مجلس الشيوخ، وذلك وفقًا لقانون مباشرة الحقوق السياسية الصادر سنة 2014 والمعدل بالقانون رقم 140 لسنة 2020[8].   اقتصاد × سياسة: صندوق النقد في مصر: مزيد من القمع للفئات الأفقر وزيادة جديدة في امتيازات أصحاب المال: نشر صندوق النقد الدولي وثائق القرض الذي وافق على منحه لمصر، وتصل قيمته إلى 5.2 مليار دولار، والذي جاء بعد قرض آخر عاجل بقيمة  2.772 مليار دولار، بموجب آلية «أداة التمويل السريع». وقد تضمنت الوثائق المنشورة أبرز السياسات التي يفترض أن تشكل إطارًا لـ «الإصلاحات الهيكلية» للحكومة المصرية، والتي يمثل بعضها امتدادًا للبرنامج السابق للقرض الذي حصلت عليه مصر عام 2016. وتشمل تلك السياسات: (1) تعزيز شفافية إدارة الشركات المملوكة للدولة، عبر تحديث التقارير المنشورة عنها، والتي بدأ نشرها ضمن الإجراءات المرتبطة ببرنامج القرض السابق. (2) تعديل قانون الجمارك فيما يتعلق بالإجراءات غير المرتبطة بسعر الضريبة؛ لتسهيل التجارة عبر الحدود، في توقيت لا يتجاوز مارس 2021. (3) تعزيز المنافسة عبر تعديل قانون حماية المنافسة، في توقيت لا يتعدى ديسمبر من العام الحالي. (4) تعديلات تشريعية بشأن بنك الاستثمار القومي، ونموذج الأعمال الذي يتبعه. ويمثل بنك الاستثمار القومي، الذي تأسس عام 1980، أداة تمويلية لمشروعات الخطة الاستثمارية للدولة؛ إما عبر الإقراض، أو المشاركة في الملكية[9]. هذا الجدول يظهر الإجراءات التي يتضمنها برنامج الصندوق في مصر على صعيد الإيرادات والمصروفات، وهي تظهر هذا التحيز لصالح رجال الأعمال والمستثمرين على حساب غالبية المواطنين. (مصدر الجدول: مدى مصر – الرابط: https://is.gd/2m8Jfx).   بدون تعليق: وفاة عصام العريان في سجون النظام المصري والحكومة ترفض تسليمه لأسرته: عن عمر يناهز 66 عامًا، تُوفي فجر الخميس 13 أغسطس، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين عصام العريان، في محبسه بسجن «العقرب» بمجمع سجون طرة. أُلقي القبض على العريان في أكتوبر 2013، عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي بشهرين. ونال العريان حُكمًا نهائيًّا بالسجن 20 عامًا في القضية المعروفة إعلاميًّا بـ «أحداث الاتحادية»، وحُكم عليه أيضًا نهائيًّا بالسجن ثلاث سنوات في قضية «إهانة القضاء». كما نال أحكامًا بالمؤبد في عدة قضايا، بينها «اقتحام سجن وادي النطرون»، و«أحداث البحر الأعظم»، و«مسجد الاستقامة»، وصدر ضده حكمًا بالإعدام في القضية المعروفة إعلاميًّا بـ «فض رابعة»[10]. وقد رفضت السلطات المصرية تسليم جثمان العريان لدفنه في مسقط رأسه[11]، وأعلنت أن دفن العريان سيتم من خلال الأجهزة الأمنية، في مقبرة مرشدي الجماعة شرقي العاصمة القاهرة، كما أعلنت السلطات الأمنية موافقتها المبدئية على حضور 12 شخصًا فقط لمراسم دفن العريان[12]. وقد أثارت وفاة العريان المفاجئة موجة انتقادات للنظام، فيما نعاه عدد كبير من السياسيين والحقوقيين من كافة التيارات السياسية بالبلاد، كما نعته العديد من الشخصيات والرموز السياسية والإسلامية في العالم العربي[13]، فضلًا عن هاشتاغ (وسم) حمل اسمه، حظي بآلاف المشاركات والمقاطع المصورة[14]. وقد أوضح محامي العريان أن السلطات أبلغته أن سبب الوفاة طبيعي، موضحًا أنه وأسرة العريان لم يزوراه منذ نحو ستة أشهر[15]. بينما قالت مصادر أمنية مصرية إن القيادي بجماعة الإخوان عصام العريان توفي بأزمة قلبية. وكان الدكتور العريان قد اشتكى في جلسات محاكمة سابقة، من منعه من العلاج، وتعرضه للإهمال الطبي[16].   أخبار كورونا: تواصل أعداد المصابين بفيروس كورونا الانخفاض بحسب البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة، وذلك في الوقت الذي يشهد تحذيرات واستعدادت على مستوى العالم للتجهز للموجة الثانية من الفيروس، وهو ما يجعل الوضع في مصر مناقضًا للوضع في كل دول العالم. لكن ما يتماشى مع التحذيرات العالمية هو استمرار سقوط أطباء مصريين ضحايا للإصابة بالفيروس. هذه الضبابية التي تجعل الحقيقة غير معروفة، بين تصريحات حكومية تقول إن أعداد مصابي الفيروس في مصر في انخفاض مستمر، وبين تخوف وتحذيرات عالمية من موجة جديدة للفيروس، يمكن إحالتها للتأثيرات السلبية التي كانت لسياسات الإغلاق على الوضع الاقتصادي للدولة وللمواطنين؛ لكنها تبقى ضبابية في النهاية.     المشهد الخارجي – لماذا صعدت حماس ضد إسرائيل؟، وكيف ردت الأخيرة على هذا التصعيد؟: تصاعدت التوترات بين حماس وإسرائيل على خلفية قيام الأولى بإطلاق مئات البالونات المتفجرة والحارقة تجاه مستوطنات غلاف غزة؛ ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الحرائق، بحسب وسائل إعلام عبرية. وتسعى حماس من خلف هذا التصعيد إلى محاولة…

تابع القراءة

أحداث الشارع المصري

عناوين الأخبار:   السيسي يوجه بالاستعداد القتالي لحماية أمن مصر القومي   Alraimedia   مطالبات برفع الحد الأدنى للمعاشات في مصر بعد زيادة الأسعار Alaraby   استقالة أمين عام “أطباء مصر” بسبب نعي “العريان” Alamatonline   أعلى إصابات يومية بفيروس كورونا في مصر خلال شهر Alaraby     المضامين والإتجاهات:   تضمنت أخبار الصحف للداخل المصري عدد من الاتجاهات والمضامين الهامة، حيث اتجهت الأخبار لإبراز الجانب السياسية على المستوى الداخلي والخارجي، فأبرزت على المستوى الخارجي، تصريحات السيسي الموجهة للجيش المصري للإستعداد لتلقي مهام في أي وقت بالحرب خارج حدود البلاد، وتضمنت بذلك مساعي الجنرال السيسي للاتجاه للحل العسكري في القضية الليبية وعدم الموافقة على أي خيار يمكن الجانب التركي من خطوات أخرى داخل ليبيا في اتجاه سرت ومصراته، حتى وإن كان الخيار كالذي طرحته أمريكا، بإنشاء منطقة عازلة في منطقة النزاع.   وعلى المستوى الداخلي أبرزت مطالب المواطنين لرفع الحد الأدنى للمعاشات، وتضمنت الأخبار ماتوصلت إليه الحالة الاقتصادية للمواطن الفقير، حيث أنه لا يسطتيع مواجهة موجة الغلاء التي تزداد بفضل قرارات السلطة الحاكمة، كنتيجة لسياسات الإقتراض، مما دفع المواطنين للمطالبة بزيادة الإجور.   كما اتجهت الأخبار للتسليط الضوء على الجانب الحقوقي المصري، فأبرزت خبر استقالة آمين عام أطباء مصر، نتيجة الحملة التشويهية التي نالته بعد نشر النقابة منشور تنعي به الأمين السابق “عصام العريان”، وتضمنت الأخبار فجور الخصومة بين النظام وكل ما يتعلق بجماعة الإخوان التي انقلب على رئيسها الشرعي “محمد مرسي”، وتضمنت أيضا كتم الحريات بالبلاد وغلق كل مساحات الرأي.   واتجهت الأخبار في الجانب الصحي، لإبراز إرتفاع الإصابات بفيروس كورونا في صفوف المواطنين، وتضمنت الأخبار عودة الإصابات بشكل كبير داخل صفوف المواطنين، وعودة حالة الطوارئ داخل المستشفيات وفي صفوف الأطباء، خوفا الدخول في موجة ثانية، تطيح بالجانب الصحي الذي يلاقي ضعف في الإمكانيات والموارد.

تابع القراءة

رفع العقوبات الدولية..هل يكون ثمن التطبيع السوداني مع إسرائيل؟

في تسارع للأحداث، ينم عن جهود حثيثة تدار سرا بالمنطقة العربية، ترددت أنباء وتصريحات عديدة عن أن السودان والبحرين سيكونا المحطة التالية للتطبيع مع الكيان الصهيوني، ودخلت الساحة السودانية، بؤرة الأخداث الملتهبة، شعبيا وسياسيا، إصر تصريحات المتحدث بإسم الخارجية السودانية عن قرب توقيع اتفاق تطبيع بين إسرائيل والسودان. وعلى إثر التصريح، جرت إقالته من منصبه، فرد بشكل فاضح للدور العسكري في مسار الإعداد لتطبيع علني،حيث طالبـ، الأربعاء 19 أغسطس، المتحدث بإسم الخارجية السودانية المقال “السفير حيدر بدوي” رئيس المجلس السيادي الحاكم بالسودان عبدالفتاح البرهان، بمصارحة السودانيين بما يدور في الخفاء مع إسرائيل،وقال “بدوي” في رسالة وجهها لـ”البرهان” قبيل إعفاءه من منصبه: “احترموا شعبكم واكشفوا له ما يدور في الخفاء بشأن العلاقة مع إسرائيل”. وكان “بدوي” كشف  عن سعي بلاده لإقامة علاقات مع إسرائيل، قائلا قبل ساعات من إقالته، إن الاتصالات قائمة بين الخرطوم وتل أبيب من أجل تطبيع العلاقات، وأضاف أنه في “حال توقيع اتفاق سلام فإن السودان سيكون أهم بلد تطبّع معه إسرائيل، حتى أهم من مصر“. ووصف “بدوي” لقاء “البرهان” مع رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، قبل أسابيع، بأنه كان “خطوة جريئة فتحت الباب أمام اتصالات يمكن أن تتم بين الطرفين“ وأكد أن بلاده تطمح إلى تطبيع قائم على مكاسب للجميع، مشيرا إلى أن قرار السودان ليس تبعا لقرار الإمارات التطبيع مع إسرائيل.   ورطة وتسببت تصريحات الناطق بإسم الخارجية السودانية، في حرج بالغ للحكومة السودانية، ما دفع وزير الخارجية السوداني المكلف “عمر قمر الدين” إلى نفيها، ولاحقا إعفاء “بدوي” من منصبه. وقال “قمر الدين” في تصريح صحفي، إن الوزارة “تلقت بدهشة تصريحات السفير حيدر بدوي صادق الناطق بإسم الوزارة عن سعي السودان لإقامة علاقات مع إسرائيل، وأوجدت هذه التصريحات وضعا ملتبسا يحتاج لتوضيح“. وشددت الخارجية السودانية على أن “أمر العلاقات مع إسرائيل لم تتم مناقشته في وزارة الخارجية بأي شكل كان، ولم يتم تكليف السفير حيدر بدوي للإدلاء بأي تصريحات بهذا الشأن“.   ترحيب إسرائيلي وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، رحب بتصريحات المتحدث بإسم الخارجية السودانية، قائلا إنها “تعكس القرار الشجاع الذي اتخذه رئيس مجلس السيادة السوداني، والذي دعا للعمل على تعزيز العلاقات بين البلدين“. والثلاثاء الماضي، رجح رئيس الموساد الإسرائيلي “يوسي كوهين” أن يكون السودان والبحرين أول دولتين تحذوان حذو الإمارات في التطبيع.   تنسيق بين سيسي مصر وبرهان السودان ويكشف الجدل القائم عن مخططات العسكر السودانيين بالتعاون مع قدوتهم بمصر عبد الفتاح السيسي، الذي يقود ومخابراته تسويقا واسع المدى مع الدول العربية والأفريقية لتطبيع شامل مع الكيان الصهيوني، من أجل إقامة نظام إقليمي يضم إسرائيل، ويحاصر من خلاله النفوذ التركي والإيراني والقطري. وقد زار عباس كامل مدير مخابرات السيسي السودان عدة مرات مؤخرا، للتسويق وترتيب اتفاق سلام شامل على شاكلة الاتفاق مع الإمارات، ووصل التمدد العسكري المصري التطبيعي إلى موريتانيا، التي هنئت بدورها الإمارات بقرار التطبيع مع إسرائيل. فيما أعربت، الأحد الماضي، السفيرة الإسرائيلية في القاهرة، “أميرة أورون” عن تقديرها لعبدالفتاح السيسي، بسبب دعمه اتفاقية التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، جاء ذلك في تغريدات لها على “تويتر” تعليقا على موقف القاهرة من اتفاق تطبيع العلاقات الإماراتي الإسرائيلي الذي تم برعاية أمريكية، الخميس الماضي، وزعمت “أميرة” أن مصر هي “رائدة عملية السلام منذ عام 1979″، مضيفة أن تل أبيب “على دراية بأهمية هذه الاتفاقية التاريخية وتسعى باتخاذ الخطوات الصادقة نحو تحقيق السلام في الشرق الأوسط”. ولعل موقف الخارجية السودانية يبدو مفهوما، في ضوء استفراد العسكر بقيادة البرهان، في التحكم في مفاصل الحكم داخليا وخارجيا، بالرغم من اتفاق تقاسم السلطة، وهو ما دفع المتحدث باسم الخارجية لفضح البرهان ونظامه العسكري، الذين يستفردون بملف التطبيع بعيدا عن الخارجية السودانية.   مسار ممتد تمهيدا للتطبيع وبحسب مراقبين للشأن السوداني، يوشك قطار التطبيع بين الخرطوم وإسرائيل على بلوغ محطته الأخيرة بعد ترحيب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتصريحات المنسوبة للخارجية السودانية التي تؤكد وجود اتصالات متبادلة وتتطلع للسلام مع إسرائيل، وتؤكد التصريحات السودانية والإسرائيلية على وجود حوار بين البلدين يجري في الخفاء تمسك بأطرافه شخصيات غير معروفة في الحكومة السودانية بعد وفاة عرابة التطبيع نجوى قدح الدم في مايو الماضي. واللافت أن ملف التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب ما زالت خيوطه تدار خارج وزارة الخارجية السودانية على الرغم من توصية بإحالة الملف للخارجية إثر أزمة داخلية تسبب فيها لقاء رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعنتيبي الأوغندية في فبراير الماضي، بسبب ما اعتبرته الحكومة السودانية عدم إطلاعها المسبق باللقاء. ويحاط ملف التطبيع بحرج بالغ مع وجود أصوات تسانده جهرا، وطبقا لدبلوماسي في الخارجية السودانية فإن الوزارة خالية حتى الآن من أي إدارة مختصة بإسرائيل، ويقول الدبلوماسي لـ”الجزيرة نت” إن هناك إدارات في وزارة الخارجية مثل الإدارة العربية والأفريقية والأوروبية والآسيوية والأميركتين، دون استحداث أي دائرة تعنى بالتطبيع مع إسرائيل،وظلت نجوى قدح الدم تدير في صمت ملف التطبيع إبان حقبتي البشير والبرهان كسفيرة في القصر الرئاسي، قبل أن تلقى حتفها متأثرة بجائحة كورونا. كما أن ما نقلته هيئة البث الإسرائيلي عن وزير الاستخبارات الإسرائيلي “إيلى كوهين” بشأن توقيع اتفاقية سلام بين الخرطوم وتل أبيب قبل نهاية العام الجاري يدل على أن الحوار لم ينقطع بوفاة قدح الدم وثمة شخصية سودانية أخرى تمسك بالملف، وكانت الهيئة قد أفادت بأن الاتصالات بين البلدين مستمرة، كما أن بعثات من الطرفين تواصل الاستعدادات على قدم وساق للتوصل إلى هذا الاتفاق. وايضا جاء عبور أول طائرة إسرائيلية قادمة من الأرجنتين فبراير الماضي، دليل آخر على عملية حوار متصلة ربما تسفر عن اتفاق يقنن لعبور الطيران التجاري الإسرائيلي أجواء السودان، فيما نقلت وسائل إعلام -على صلة وثيقة بصناع القرار في الحكومة الانتقالية- أن ثمة تطورا مهما سيحدث في ملف علاقات السودان وإسرائيل قبل نهاية العام الجاري مصحوبا برفع اسم السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب. ومن المرجح أن يكون رفع العقوبات الأميركية عن السودان في غضون أسابيع بعدها سيكون الطريق ممهدا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ولعل عودة ملف التطبيع من مجلس السيادة لوزارة الخارجية مؤخرا، بعد لقاء البرهان ونتنياهو، لتدارس التفاصيل الدقيقة، إلا أن جمودا طرأ على الملف لعدم إقدام تل أبيب على خطوة تقابل قرار البرهان بلقاء نتنياهو، وهو ما يمكن تفسيره بعامل التوقيت الخاص بالانتخابات الإسرائيلية فضلا عن قلة المعلومات التي تحتاجها وزارة الخارجية السودانية للإمساك بالملف الذي بدأ خارج أروقتها. الرفض الشعبي ولعل ما يفسر قرار إقالة المتحدث باسم الخارجية السودانية، هو حالة الثورة التي ما زال بعض السودانيين يتشبثون بها، كما تتسع جبهة الرفض للتطبيع مع إسرائيل بين القوى السياسية السودانية، يسارا ويمينا، وأيضا نسبة مقدرة ترفض التطبيع وصوتها أعلى، تتمثل في حزب الأمة القومي والحزب…

تابع القراءة

استشهاد الدكتور عصام العريان في سجون العسكر.. قراءة في تفاصيل الجريمة

استشهاد الدكتور عصام العريان، عضو مكتب الإرشاد السابق لجماعة الإخوان المسلمين ونائب رئيس حزب الحرية والعدالة، في سجن العقرب شديد الحراسة، يوم الخميس 13 أغسطس 2020م بالإهمال الطبي من جانب سلطات الانقلاب في مصر، يحمل كثيرا من الألغاز كما ينطوي على بعض الدلالات والرسائل. واعتبرت جماعة الإخوان المسلمين في بيان لها أن “العريان” شهيدا لقي ربه في ظروف غير إنسانية، وقالت إنها تنعي ابنًا بارًا من أبنائها، وعلمًا بارزًا من أعلامها”.[[1]] ويمثل العريان نموذجا من نماذج الثبات والتضحية وثمرة من ثمرات  التربية الشاملة داخل جماعة الإخوان المسلمين مثله مثل الكثيرين من قادة وأعضاء الجماعة وشبابها الذين يواجهون ظلم المستبدين بثبات مدهش ويقين بالله وثقة به، لا يتسلل إليه شك، فالعريان بدأ نشاطه الدعوي سنة 1974م، وكان أول من بدأ نشاط الأسر التربوية للإخوان بمحافظة الجيزة مع الدكتور سناء أبو زيد -رحمة الله-، وانتخب أمينا عاما لاتحاد طلاب كلية الطب، ثم أصبح مسؤولاً عن اتحاد طلاب جامعة القاهرة، وانتخب رئيساً للاتحاد العام لطلاب الجامعات المصرية، حتى تخرج سنة 1977م، وانتخب عضوا بمجلس نقابة الأطباء سنة 1986م، ثم انتخب أمينا عاما لصندوق النقابة لعدة دورات، وانتخب عضوا بمجلس الشعب في دورة 1987م على قوائم التحالف الإسلامي(الإخوان ــ العمل ــ الأمة)، وكان أصغر أعضاء البرلمان سنا وقتها، ولفت إليه الأنظار بشدة بأخلاقه الدمثة ووعيه الواسع، وقدراته العالية على التواصل والإقناع، ولإيمانه بأهمية العلم، لم يكتف العريان بتخرّجه من كلية الطب، ولكنه حصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة عام 1992، ثم التحق بكلية الآداب في الجامعة (قسم التاريخ)، وحصل على بكالوريوس الآداب عام 2000، وفي العام نفسه حصل على إجازة تلاوة القرآن الكريم، كما درس في الأزهر ونال الإجازة العالية بالشريعة الإسلامية من تلك الجامعة العريقة، وحتى وفاته كان مسجلا لنيل درجة الدبلوم في القانون العام بجامعة القاهرة. العريان عضو مؤسس للمؤتمر الإسلامي القومي العربي، وعضو مؤسس بالمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، وعضو مشارك بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان، كما شارك بالعديد من الندوات والمؤتمرات الثقافية والسياسية على مستوى العالم، في أوروبا وأميركا والعالم العربي والإسلامي، وكتب خلال حياته (66 عاما) لعدة صحف ومجلات ودوريات محلية وعربية ودولية، في موضوعات مختلفة. قبل ثورة يناير، كان عضوا بمكتب الإرشاد للجماعة ومسؤول المكتب السياسي، ومع تأسيس حزب الحرية والعدالة المنبثق عن الإخوان المسلمين بعد ثورة 25 يناير تولى العريان منصب الأمين العام ونائب رئيس الحزب، ثم اختير عضوا في برلمان الثورة ومستشار للرئيس الشهيد محمد مرسي بعد انتخابه. واعتقل العريان بسبب نشاطه الدعوي والسياسي والنقابي عدة مرات؛ البداية كانت مع أحداث سبتمبر سنة 1981م، وأفرج عنه في أغسطس 1982م، وسنة 1995 قضت محكمة عسكرية اسثنائية بسجنه خمس سنوات قضاها حتى يناير 2000م، كما اعتقل في 18 مايو/أيار 2006 على خلفية مشاركته في تظاهرات مناصرة لاستقلال القضاء، وجُدد حبسه لفترات متعددة لحين الإفراج عنه في 10 ديسمبر/كانون الأول 2006، غير أنه اعتقل مجدداً في يوليو/تموز 2007، وأفرج عنه في أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام، واعتقل العريان من دون اتهام قبل جمعة الغضب (28 يناير/كانون الثاني 2011)، وخرج بعدها بأيام قليلة من سجن وادي النطرون، برفقة مجموعة من قيادات الجماعة، من بينهم الرئيس الشهيد محمد مرسي، في حين ألقت سلطات الانقلاب القبض عليه فجر 30 أكتوبر/تشرين الأول 2013، من داخل شقة سكنية في حي التجمع الخامس بالقاهرة، وقضى بسجون الانقلاب نحو 7 سنوات، وبذلك قضى العريان نحو 15 سنة في سجون المستبدين في عهود السادات ومبارك والسيسي. عرفت شخصية الشهيد عصام العريان بالنزعة الصوفية، وحرصه البالغ على صلاة الجماعة مهما كانت الظروف والعوائق، وطالما عرف بهذه النزعة خصوصا لمن سبق وشاركوه محنة السجن حيث كان يختار لهم يوميا حكمة من حكم ابن عطاء الله السكندري، معرجا -مع الشرح- إلى معانٍ تحلق بهم بعيدا عن كآبة الحبس، ومن عجائب القدر أن آخر تدوينة كتبها العريان على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” والتي دونها قبل اعتقاله مباشرة في 30 أكتوبر 2013م هي حكمة من حكم ابن عطاء الله: «لا يشككنك في الوعد عدم وقوع الموعود، وإن تعين زمنه، لئلا يكون ذلك قدحا في بصيرتك وإخمادا لنور سريرتك”، ثم يتبعها بعبارة :”اطمئنوا وإلى لقاء”.[[2]]   أبرز الدلالات والرسائل أولا، ما جرى مع العريان هو جريمة قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد؛ ذلك أنه قيل إنه تعرض لوعكة صحية مفاجئة ليلة الخميس في حبسه الانفرادي؛ ومع عدم توافر أي مقومات صحية لعلاج مثل هذه الحالات داخل السجون بخلاف بطء تحرك إدارة السجن في الاستجابة للاستغاثة كلها عوامل تؤكد أن ما جرى هو قتل عمد، ووفقا لمصدر بأسرة العريان فإن وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب أخبرتهم، عبر أحد المحامين، بالوفاة، موضحاً أن مسؤولاً في الوزارة قال إن الوفاة طبيعية، من دون أن يقدم أية تفاصيل حول ملابساتها، وفي كثير من المرات التي أتيح للعريان فيها أن يتحدث أمام القضاء، شكا من افتقاده للعلاج الذي يحتاجه، وتحدث عن وفاة العديد من المعتقلين نتيجة غياب الرعاية الطبية في السجون، موضحا أنه أصيب داخل السجن بفيروس “سي”، وطلب السماح بعلاجه في معهد الكبد، لكن مسؤولا في السجن أبلغه أن الأمن الوطني رفض إرساله إلى المستشفى، ولذلك؛ طالبت منظمة «العفو الدولية» في بيان لها، بفتح تحقيق عاجل في ملابسات وفاة «العريان»، وقالت المنظمة في بيانها: “وفاة العريان بمثابة تذكير بالظروف القاسية التي يعانيها السجناء، خاصة في ظل تدهور خدمات الرعاية الطبية، والمخاطر الإضافية التي يمثلها انتشار كورونا بالنسبة للسجناء”، وأضافت: “يجب على السلطات المصرية الإفراج -فورًا- عن جميع الأشخاص المحتجزين بشكل تعسفي، من بينهم النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان”. ثانيا، حاولت سلطات الانقلاب التغطية على الجريمة بالزعم أن العريان أصيب بأزمة قلبية في أعقاب إدارته لحلقة نقاشية شارك فيها عدد من قادة الجماعة بسجن العقرب شديد الحراسة، حيث نشبت بينه وبين أحد القيادات مشادة كلامية بشأن الأزمة التي تمر بها الجماعة حاليا والخطط المستقبلية للخروج من هذا الوضع، وهي الرواية الأمنية التي روجت لها الآلة الإعلامية للنظام العسكري على نطاق واسع بعد الإعلان المفاجئ عن الوفاة،[[3]] كما أن هناك أدلة وبراهين تعصف بهذه الرواية الأمنية الركيكة ومنها: نشرت صحيفة “عربي بوست” رواية مختلفة نقلا عن مصادر أمنية خاصة بسجن العقرب؛ حيث أكدت هذه المصادر أن المشادة وقعت بالفعل، لكنها لم تكن مع أحد قيادات الإخوان، كما تناقلت وسائل الإعلام، إلا أن المصادر رفضت التوضيح أكثر من ذلك، وبالتالي فإن هذه التصريحات تحتمل بشكل شبه مؤكد أن المشادة وقعت من جانب قيادة أمنية رفيعة مارست البطش والتهديد وربما أكثر من ذلك؛ وهو ما أفضى إلى استشهاد العريان. الرواية الأمنية تفتح الباب حول معرفة من هو القيادي الإخواني الذي نشبت بينه وبين العريان مشادة كلامية، ولما لم يتم الإفصاح…

تابع القراءة

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022