دراسة: المشهد السياسي المصري بعد انتخابات مجلس الشيوخ كبروفة لمجلس النواب المقبل
انتهت جولة انتخابات مجلس الشيوخ بمصر، دون ضجيج، قطاعات كبيرة من المصريين لم يسمعوا بها، وفي محاولة من قبل النظام لخلق حالة، وتصوير مشهد ديمقراطي، لعبت وسائل الاعلام المصرية دور الحملات الانتخابية، وخلق أعراسا تمثيلية لمشاركة شعبية، في الانتخابات التي جرت هندسة معالمها بدوائر الاستخبارات والأمن الوطني. أخطاء دستورية وجرت الانتخابات لاختيار 100 مقعد بالنظام الفردي، و100 مقعد بنظام القوائم المغلقة المطلقة، ويحق للأحزاب والمستقلين الترشح في كل منهما، على أن يُعيّن السيسي 100 عضو، ليكون المجلس مكوناً من 300 عضو، وبحسب قانون الانتخابات، تقسم مصر إلى 27 دائرةً تُخصص للانتخاب بالنظام الفردي، و4 دوائر تُخصص للانتخاب بنظام القوائم. وبحسب المستشار عصام الإسلامبولي، الفقيه الدستوري، هناك عدة أخطاء تتعلق بمشهد الانتخابات في مجلس الشيوخ، أولها الأخذ بنظام القائمة المغلقة التي تعني أنه سيكون هناك تكتل سياسي مدعوم من الحكومة وهو الذي سيفوز في هذه الانتخابات، مضيفا في تصريحات صحفية، “كنا نتمنى أن تكون القائمة الانتخابية مفتوحةً لأنها كانت ستعطي الفرصة للأحزاب السياسية للمشاركة بقوة”، كاشفاً عن أنّ الخطأ الثاني يتعلق بأن مجلس الشيوخ سيكون استشارياً يؤخذ برأيه في بعض القوانين المكملة للدستور، وفي هذا السياق، يشير الباحث عمرو هاشم ربيع إلى أن معظم دول العالم هجرت الانتخاب بنظام القوائم المغلقة، لأنه يهدر أصوات الناخبين التي قد تمنح لقوائم أخرى، ويتابع قائلًا “وجود قائمة واحدة في الانتخابات مؤيدة للحكومة هو “تعيين مقنع”، بحسب تعبيره. النتائج الرسمية وبحسب الأرقام الرسمية، قدرت نسبة المشاركة بنحو 14 %، هو ما أرجعها المتحدث بإسم مجلس النواب إلى اتساع الدوائر الانتخابية!! فيما تُجرى جولة الإعادة يومي 6 و7 سبتمبر بالخارج، و8 و9 من الشهر ذاته بالداخل، على أن يتم إعلان النتائج النهائية في موعد أقصاه 16 سبتمبر المقبل، ووفق هيئة الانتخابات يحق لنحو 63 مليون ناخب التصويت لانتخاب 200 نائب في المجلس، مناصفة بين النظام الفردي والقائمة المغلقة، فيما يحق لرئيس الجمهورية تعيين ثلث أعضاء المجلس البالغ 300 عضو، وتنافس 787 مرشحا في النظام الفردي، فيما لم تترشح سوى قائمة واحدة موالية للنظام، ولم تحتاج سوى 5 % ممن لهم حق التصويت ليُعلن فوزها المحسوم سلفا. وأعلنت الهيئة حسم 74 مقعدًا على المقاعد الفردية بانتخابات مجلس الشيوخ 2020، وإجراء جولة الإعادة على 26 مقعداً آخر، كما أعلن المستشار لاشين إبراهيم نائب رئيس محكمة النقض ورئيس الهيئة الوطنية للانتخابات، عن فوز القائمة الوطنية من أجل مصر في الدوائر الأولى والثانية والثالثة والرابعة، وذلك لحصولها على نسبة تجاوزت 5% من إجمالي الأصوات الصحيحة وفقًا للقانون، مضيفا، بلغ نسبة الحضور 14.23% من إجمالي من يحق لهم التصويت، فيما بلغ نسبة إجمالي الأصوات الصحيحة 84.58%، فيما بلغت الأصوات الباطلة 15.42%. مجلس بلا صلاحيات وجاء مجلس الشيوخ نتاج تعديلات دستورية أُقرت في أبريل 2019، تسمح ببقاء السيسي في السلطة حتى 2023، وسط رفض واسع من المعارضة، ويتشابه المجلس الجديد مع “مجلس الشورى” (1980: 2012) الذي تم إلغاؤه نهائيا في 2014، بدعوى اتهامه بـ”الفساد السياسي” وانعدام الصلاحيات” و”تحميل موازنة الدولة أعباء مالية”، إضافة إلى أن ثلث نوابه معينون من رئيس البلاد، وبحسب مراقبين، جاءت انتخابات مجلس الشيوخ بمثابة محاولة لإحياء مجلس أعلنت السلطات نفسها وفاته قبل 6 سنوات، بينما تقول هي إنها تستهدف بإعادة هذا المجلس “إثراء التجربة النيابية”، ويمكن أخذ رأي مجلس الشيوخ من دون أن يكون ملزما في أمور، بينها “مشاريع القوانين، ومعاهدات الدولة، واقتراح مادة أو اثنتين لتعديل الدستور”. ونصت المادة 8 على أن “يؤخذ رأي مجلس الشيوخ في ما يأتي: الاقتراحات الخاصة بتعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، مشروع الخطة العامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة، مشروعات القوانين ومشروعات القوانين المكملة للدستور، التي تحال إليه من رئيس الجمهورية أو مجلس النواب، ما يحيله رئيس الجمهورية إلى المجلس من موضوعات تتصل بالسياسة العامة للدولة، أو بسياستها في الشؤون العربية أو الخارجية” ويرى نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عمرو هاشم ربيع، أنها الصلاحيات الأقل تاريخيا للغرفة الثانية للبرلمان المصري، كما يقول الباحث السياسي لبي بي سي: إن جميع الدساتير المصرية السابقة أقرت صلاحيات أوسع لمجلس الشيوخ، مضيفا أن هذا الضعف في الصلاحيات سيجعلها “تجربة فاترة”. هندسة أمنية وكشفت التحركات السريعة التي صاحبت “هندسة” المشهد الانتخابي الخاص بـ”مجلس الشيوخ”، عن تصميم السلطة على الخروج بمجلس موالٍ تماماً، وخالٍ من معارضة حقيقية قد تكون مثيرةً للقلق، وجرت هذه الهندسة عن طريق تشكيل ما يُعرف بـ”تحالف القائمة الوطنية من أجل مصر”، برعاية حزب “مستقبل وطن”، الكيان المعروف في الأوساط السياسية بدعمه من قبل “الأجهزة السيادية” في الدولة، والذي يرأسه رئيس المحكمة الدستورية العليا الأسبق المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، والذي حصل على “نصيب الأسد” من المقاعد في هذه القائمة، فضلاً عن مرشحيه على المقاعد الفردية في جميع محافظات مصر. وضم “تحالف القائمة الوطنية من أجل مصر” أحزاب: مستقبل وطن، الشعب الجمهورى، الوفد، مصر الحديثة، حماة الوطن، المؤتمر، المصري الديمقراطي الاجتماعي، الحركة الوطنية المصرية، الإصلاح والتنمية، الحرية المصري، التجمع، واللافت للنظر في هذه التشكيلة أنه جرى استبعاد أحزاب محسوبة على السلطة مثل “الغد” الذي يقوده المهندس موسى مصطفى موسى، المرشح الرئاسي السابق، بدون أسباب معروفة، وكذلك “المصريين الأحرار”. وكشفت أسماء المرشحين لمجلس الشيوخ في تحالف “القائمة الوطنية من أجل مصر”، أو المرشحين على المقاعد الفردية، أنّ النظام يريد شخصيات معيّنة في هذا المجلس، وهي الشخصيات القادمة من كيانات سياسية أغلبها صنعتها “السلطة” نفسها، وأفسحت لها المجال في الشارع، ووفرت “ماكينةً إعلاميةً” تُروّج لها على نطاق واسع، فقد جاء من بين المرشحين رجال أعمال بارزون يستخدمون المال للولوج إلى الحياة السياسية، ثم “فلول” الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان مسيطراً على الحياة السياسية في عصر الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، والذي حُل رسمياً غداة حكم قضائي صدر عن المحكمة الإدارية العليا في 16 إبريل 2011، أما العنصر الثالث فيترّكز في عدد من القيادات الأمنية. وجاء الدور الكبير الذي لعبه رجال الأعمال المقرّبون من السلطة في الأحزاب السياسية ، وكان عاملاً مهماً في الدفع بهم سواء على القائمة أو الفردي، ومن أشهرهم الملياردير أحمد أبو هشيمة، نائب رئيس حزب “الشعب الجمهوري”، والذي ترشح عن محافظة بني سويف في “قائمة الصعيد”، وكذلك الملياردير محمد حلاوة، والملياردير محمد منظور، المرشحان ضمن القائمة الوطنية من أجل مصر عن القاهرة وشمال ووسط الدلتا، ورجل الأعمال عبد القادر الجارحي، المرشح ضمن القائمة الانتخابية الثالثة والتي مثلت قطاع شمال ووسط وجنوب الصعيد، وحتى المرشح حسام الخولي، الأمين العام لـ”مستقبل وطن”، وهو أيضاً رجل أعمال بجانب أنه سياسي بارز، وكان من قيادات حزب “الوفد” قبل خروجه منه. أما المرشحون عن حزب “مستقبل وطن” والذين كانوا في الأصل نواباً وأعضاءً سابقين…