التصعيد الروسي السوري في إدلب…خلط للأوراق لافساد التفاهمات التركية الأمريكية

 


التصعيد الروسي السوري في إدلب…خلط للأوراق لافساد التفاهمات التركية الأمريكية

 

مجددا، ولأول مرة منذ 15 شهرا عادت إدلب إلى دائرة الأحداث على وقع تصعيد كبير في وتيرة الضربات العسكرية من جانب الروس وقوات نظام الأسد،

حيث قامت قوات النظامين السوري والروسي بـ5200 ضربة جوية وبرية على على أرياف إدلب وحماة ، وتسببت مع المعارك البرية بمقتل نحو 150 شخصاً بالإضافة لنزوح أكثر من 300 ألف من مناطقهم حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وقال المرصد ان التصعيد على ارياف إدلب وحماة تم عبر مشاركة «الضامن الروسي» طائراته الحربية والمروحية بعمليات القصف المكثف والعنيف.

في الوقت الذي وثقت فيه اللجنة السورية لحقوق الإنسان مقتل (292) شخصاً في سورية خلال شهر أبريل 2019، من بينهم (64) طفلاً و(34) سيدة و(30) شخصاً تحت التعذيب.

 

تطورات ميدانية

 

وسيطرت قوات النظام السوري، الأربعاء 15 مايو، على قرية الحويز في سهل الغاب غربي محافظة حماة بعد مواجهات مع الفصائل المسلحة، بينما تواصل القصف على مناطق مختلفة من ريفي إدلب واللاذقية.

وقالت مصادر محلية إن قوات النظام دخلت قرية الحويز وسط قصف مكثف إثر اشتباكات مع الفصائل بدأ الثلاثاء الماضي، وأسفر عن مقتل وإصابة العشرات من قوات النظام.

وقدرت المصادر التي نقلت عنها وكالة رويترز، تدمير 11 آلية لقوات النظام داخل الحويز بينها دبابتان، مشيرة إلى تراجع الفصائل إلى محيط الحويز لتتبع سياسة الكر والفر في محاولة لتجنب الضربات المكثفة من الطيران الروسي.

وكانت الفصائل العسكرية انسحبت الثلاثاء، من قرية الحماميات في حماة، بعد ساعات من السيطرة عليها، نتيجة اشتباكات وقصف مكثف من قبل قوات النظام.

وأطلق كل من الجيش الحر و"هيئة تحرير الشام" الاثنين 13 مايو، عملية عسكرية ضد قوات النظام والميليشيات الموالية لها شمال مدينة حماة، انطلقت من بلدة كرناز وقريتي الحماميات والجبين باتجاه بلدة كفرنبودة.

فيما سيطرت قوات النظام على قرى تل هواش والجابرية والتوبة والشيخ إدريس شمال مدينة حماة.

إلى ذلك، يتواصل القصف الجوي والمدفعي على مناطق مختلفة في الشمال السوري، حيث ألقى الطيران المروحي التابع للنظام الأربعاء الماضي  عشرات البراميل المتفجرة على مناطق كبانة في جبل الأكراد بريف اللاذقية الشمالي، والهبيط جنوب إدلب، والحويز بسهل الغاب، وأم نير وقرة جرن والحويجة وميدان غزال، فيما شنت الطائرات الحربية عشرات الغارات الجوية تركزت على محور كبانة وخان شيخون وأطرافها في ريف إدلب الجنوبي.

في غضون ذلك، ارتفعت يوم آلأربعاء الماضي حصيلة قصف طائرات النظام الحربية على مدينة جسر الشغور غرب مدينة إدلب إلى 17 قتيلا وجريحا. وقال الدفاع المدني إن عدد القتلى ارتفع إلى سبعة مدنيين والجرحى إلى عشرة، مشيرا إلى وفاة مدنيين اثنين متأثرين بجراحهما في مشافي مدينة إدلب.

وكانت طائرات النظام شنت الثلاثاء غارة على سوق السمك وسط مدينة جسر الشغور ما أسفر عن مقتل أربعة مدنيين وإصابة ثمانية آخرين بجروح كحصيلة أولية.

 

كما ارتفعت حصيلة استهداف مدينة حلب شمالي سورية، بالقذائف الصاروخية إلى 28 قتيلا وجريحا.

وقالت مصادر محلية إن عشرة أشخاص غالبيتهم نساء وأطفال قتلوا وجرح 17 آخرين نتيجة سقوط قذائف صاروخية على مخيم النيرب للاجئين الفلسطينيين.

فيما تحدّث "المرصد السوري" ، مساء الأربعاء، عن تسبّب المعارك والقصف بمقتل 42 مقاتلاً خلال 24 ساعة بينهم 16 عنصراً على الأقل من قوات النظام، مقابل 19 من الفصائل.

 

 

ادلب وأهميتها

وبحسب تصريحات لقيادات المعارضة، حاء رد فعل قوى المعارضة ، لضرب خواصر قوات النظام المتمركزة في قلعة المضيق وكفر نبودة"، مضيفةً في حديث مع "العربي الجديد"، "يمكن القول إنّ هناك توازنا في الموقف العسكري، وأنه أُوقف زحف قوات النظام، وباتت مدن وبلدات الهبيط، وكفرزيتا، ومورك، واللطامنة، خارج دائرة الخطر".

 

من جانبه، أوضح العقيد مصطفى البكور قائد العمليات في جيش "العزة"، أبرز فصائل "الجيش الحر" في ريف حماة الشمالي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "كل المناطق مهمة، وخصوصاً منطقة ريف حماه الغربي بسبب تواصلها مع منطقة الغاب"، موضحاً أنّ "السيطرة عليها تقطع الطريق على الروس في إكمال مسعاهم للسيطرة على القسم الغربي من مناطق المعارضة".

وتسيطر قوات النظام السوري على كامل مدينة حلب ما عدا حي الراشدين غربها منذ نهاية عام 2016، بعد اتفاق أدى لتهجير الأهالي والمقاتلين منها.

 

وترجع الأهنية العسكرية لمحافظة إدلب كونها المعقل الأبرز لفصائل المعارضة المسلحة، خصوصاً بعد تهجير عدد كبير من مقاتلي ريف دمشق وجنوب سورية وريف حمص الشمالي إلى الشمال السوري. وكانت انضوت أغلب الفصائل تحت جناح "الجبهة الوطنية للتحرير" التي تضم 11 فصيلاً، هي: "فيلق الشام"، "جيش إدلب الحر"، "الفرقة الساحلية الأولى"، "الفرقة الساحلية الثانية"، "الفرقة الأولى مشاة"، "الجيش الثاني"، "جيش النخبة"، "جيش النصر"، "لواء شهداء الإسلام في داريا"، "لواء الحرية" و"الفرقة 23". وإلى جانب هذه الفصائل، هناك "جيش العزة" الفصيل الأبرز في ريف حماة الشمالي الذي يُعتبر من أقوى فصائل "الجيش الحرّ" لجهة التدريب والتسليح، ويضمّ ضباطاً منشقين عن جيش النظام يتولون قيادته وتدريب عناصره.

 

ولجأت فصائل الجيش السوري الحر في الآونة الأخيرة إلى تنفيذ كمائن لقوات النظام في ريف حماة الشمالي، حيث لا يكاد يمرّ يوم من دون تدمير آليات عسكرية لهذه القوات بمن فيها من عناصر، بصواريخ مضادة للدروع. وضغطت قوات النظام خلال الأيام الفائتة على محورين؛ الأول في ريف حماة الشمالي للسيطرة عليه إذ يضمّ مدناً تعدّ معقلاً بارزاً للمعارضة السورية المسلحة منها مورك وكفرزيتا واللطامنة، إلا أنّ هذه القوات تجد مقاومة من قبل فصائل المعارضة التي وضعت ثقلها في المعركة للحد من التراجع نتيجة اندفاعة مفاجئة من قبل قوات النظام ومليشيات محلية وطائفية تساندها، ولّدت مخاوف جدية على ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي. أما المحور الثاني، ففي ريف اللاذقية الشمالي، حيث تسعى قوات النظام إلى فتح طريق باتجاه مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي وتهديدها، ولكنها تلقت رداً قاسياً من فصائل "الجيش السوري الحر"، خصوصاً في قرية الكبانة، حيث تكبدت خسائر فادحة في الأرواح.

 

أهداف التصعيد الروسي السوري

سياسيا، وفي اطار خلط الأوراق، هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، قبل عدة أيام، إنه لا يستبعد شنّ عملية عسكرية شاملة على محافظة إدلب شمالي سورية، إلا أنه أشار إلى أن هذه العملية "ليست ملائمة الآن".

فيما دعت الولايات المتحدة روسيا إلى احترام التزاماتها وإنهاء "التصعيد" في منطقة إدلب، حيث قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية مورغان أورتاغوس "ندعو جميع الأطراف وبينهم روسيا والنظام السوري إلى احترام التزاماتهم بتجنّب شنّ هجمات عسكرية واسعة والعودة إلى خفض تصعيد العنف في المنطقة".

 

الاتحاد الأوربي أيضا حذر من مغبة التصعيد في محافظة إدلب وشمال حماة، وذلك جراء تكثيف الغارات الجوية من قبل نظام الأسد وروسيا هناك، داعياً روسيا وتركيا لتنفيذ التزاماتها بشأن منطقة خفض التصعيد في إدلب.

 

كذلك، بيان الاتحاد الأوربي دعا إلى احترام اتفاق خفض التصعيد في سوتشي وأستانا، "لأن التصعيد العسكري في إدلب يعرض حياة أكثر من ثلاثة ملايين مدني في المنطقة للخطر، وهو سيؤدي إلى تفاقم الكارثة الإنسانية وسيزيد من خطورة مواصلة زعزعة الاستقرار في سوريا وفي المنطقة". ولأن "الهجمات الأخيرة في إدلب استهدفت أحياء سكنية ومنازل ومستشفيات ومراكز لإيواء النازحين، الأمر الذي نتج عنه سقوط مزيد من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين العزل".

 

لكن جميع هذه الدعوات والتحذيرات لم تجد لها صدى لدى موسكو حتى اللحظة، بل إن المؤشرات تقول بأن المنطقة مقبلة على تصعيد خطير سيكون ضحيته المدنيون.

وكانت القمة بين الرئيسين الروسي "فلاديمير بوتين"، والتركي "رجب طيب أردوغان" بمدينة سوتشي الروسية، في سبتمبر عام 2018، أسفرت عن توقيع اتفاق بين الدولتين الضامنتين إلى جانب إيران لما أطلق عليها "عملية أستانا" لتسوية الأزمة السورية، ينص أحد بنودها على تمسك موسكو وأنقرة بالإبقاء على منطقة خفض التصعيد في محافظة إدلب السورية. لكن الطرف /الضامن الروسي لم يلتزم يوما واحدا بهذه الاتفاقية. بل قام بخرقها وانتهاك بنودها على الدوام بحجة الحرب على هيئة تحرير الشام المرتبطة بتنظيم القاعدة.

 

الطرف الروسي، ومن خلفه نظام الأسد والإيرانيون، يجيدون الالتفاف على جميع ما يتم التوصل إليه من تفاهمات واتفاقات في اجتماعات أستانا وغيرها. تارة من خلال اختلاق تفسيرات مختلفة ومخالفة لنص وروح الاتفاق، وتارة أخرى من خلال الادعاءات الكاذبة بأن قاعدتهم في حميميم تتعرض لهجمات من طرف الارهابيين، بالرغم من استحالة ذلك واقعيا، بسبب بعد المسافة بين القاعدة وإدلب، والمنطقة العازلة التي شكلت أساس اتفاق سوتشي.

 

فيما تطالب موسكو أنقرة بالقضاء على تنظيم القاعدة وإخراج عناصره من إدلب، لكن في الوقت ذاته لا موسكو ولا غيرها يمد يد العون لتركيا بهذا الصدد. في المقابل لم تلتزم موسكو بأي من تعهداتها. أكثر من ذلك فإن الروس لا يستهدفون هيئة تحرير الشام في هجماتهم، وكأنهم يريدون بقاء تلك العناصر في إدلب، لكي يستمروا في استخدامها شماعة من أجل خلط الأوراق كلما دعت الحاجة.

 

وبحسب مراقبون ، يرجع سبب التصعيد الروسي في محافظة إدلب، إلى استشعار موسكو ملامح تفاهمات حول القضية السورية، يتم وضع لمساتها بين الولايات المتحدة وتركيا، وهذا قد يدفع روسيا إلى شن عملية واسعة في المحافظة، كما صرح بذلك الرئيس الروسي بوتين، لإعادة خلط الأوراق، رغم وجود تحذيرات دولية من مغبة اتخاذ هذه الخطوة، في ظل احتضان إدلب لأكثر من ثلاثة ملايين نسمة.

 

ولعل ابرز دوافع التصعيد العسكري من قبل النظام السوري وروسيا ، هو تواتر الاجتماعات وعمليات التنسيق بين تركيا والولايات المتحدة من جهة، وشخصيات من العشائر العربية في دير الزور شرق سورية، كانت زارت أنقرة في الأيام الماضية.

بجانب ذلك،  فقد ترافقت زيارة قيادات بعض العشائر السورية لتركيا، مع مظاهرات اندلعت خلال الأيام الماضية ضد وجود ميليشيات سورية الديمقراطية "قسد" في شرق البلاد، وعمليات بيعها نفط المنطقة إلى نظام الرئيس بشار الأسد الذي يعاني من أزمة وقود خانقة جرّاء الحصار الأميركي والعقوبات على إيران.

كما أن حضور شخصيات من العشائر العربية ضمن وفد المعارضة السورية في اجتماعات أستانا / نور سلطان الأخيرة، لا بد وأنه أعطى رسائل في أكثر من اتجاه.

وأيضا زيارة المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية جيمس جيفري لأنقرة في توقيت لافت، ولقاؤه ومباحثاته مع المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، التي تركزت على الملف السوري، لم يتم الإفصاح عن مخرجاتها. بل اقتصرت المعلومات التي قدمها المسئولون الأتراك على أن كالن وجيفري ترأسا اجتماعا لوفدي البلدين، وتناولا التطورات الأخيرة في الملف السوري.

 

ولعل ما يؤرق المسؤولين الروس أكثر، تصريحات الطرف الأمريكي بأنه سيتم إنهاء المخاوف الأمنية لتركيا عبر المنطقة الآمنة المزمع إقامتها في سورية، وسيتم تطهير تلك المنطقة من كافة التنظيمات الإرهابية. طبعا يقصد بذلك الميليشيات الكردية، لأن تنظيم داعش لم يبق له وجود هناك، سوى خلايا نائمة مبعثرة في بعض المناطق.

وسبق اللقاءات بين الوفدين التركي والأمريكي، اتصال هاتفي جرى بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والأميركي دونالد ترامب، شدد خلاله الطرفان على وجوب تعزيز التنسيق في الملف السوري.

فيما لا يريد الطرف الروسي خسارة تركيا كشريك اقتصادي هام في المنطقة، لكن في الوقت ذاته موسكو أمام تحد كبير، بخصوص قطف ثمار النصر العسكري المزعوم على المعارضة السورية و تحويلها إلى مكاسب سياسية واقتصادية.

وتخشى موسكو في حال الوصول إلى اتفاق كامل الجوانب بين أنقرة وواشنطن، أن تخسر جميع مكتسباتها في سورية، خصوصا مع الحصار الخانق الذي يفرضه الأمريكان على إيران، والضربات الموجعة التي تتلقاها الأخيرة في سوريا عبر الضربات الاسرائيلية.

 

كذلك تسبب فشل اجتماع أستانة الأخيرً، خصوصاً في ما يتعلق باللجنة الدستورية في استياء الروس، من الأتراك، لعدم ممارستهم الضغوط الكافية على المعارضة السورية، في ما تبدو موسكو حريصةً على إحداث اختراق في جدار هذا الملف، مع قرب ترتيب المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسون، أوراقه التفاوضية لبدء جولة جديدة في جنيف، بعدما تبين له عجز الروس في الإمساك بهذا الملف.

فيما اتهمت  تركيا على لسان الرئيس اردوغان النظام السوري بمحاولة تخريب التعاون التركي الروسي في إدلب، والإضرار بروح مسار أستانة، مشيراً إلى أنّ التوتر في إدلب يهدّد تأسيس لجنة لصياغة دستور جديد لسورية، ومن شأنه إفشال العملية السياسية.

ومن جهة أخرى، تسعى  واشنطن لممارسة  ضغوط أمريكية على الحكومة اللبنانية، لدفعها لرفع غطائها الرسمي عن حزب الله اللبناني الذي يشكل ذراع إيران في الشرق الأوسط. مما اضطر كلا من القوات الايرانية، وميليشيات حزب الله اللبناني لإجراء عملية إعادة تموضع، والانسحاب من مناطق ذات قيمة استراتيجية حساسة بالنسبة لهما في دمشق وضواحيها والجنوب السوري.

كذلك، يستهدف التصعيد الروسي السوري أيضا ابعاد الفصائل العسكرية عن مناطق التماس الحالية، أو لإجبارها على القبول بتسيير دوريات روسية ـ تركية مشتركة، اتفق عليها في اجتماع أستانا أخيراً.

 

سيناريوهات مسقبلية

ويمكن التنبؤ بمسار التصعيد الأخير نحو تهدئة قد تكون هشة، مرتبطة بطبيعة التفاهمات لباي قد تحدث بين رةسيا وتركيا، أو تركيا وواشنطن…

 

ولعل ما يدفع نحو تهدئة ولعل استقراء تصريحات  وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، بأن الرئيس رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير وبوتين، اتفقا على ضرورة اجتماع مجموعة العمل بشأن منطقة خفض التصعيد في شمال غرب سورية، في أسرع وقت ممكن.. وتضم المجموعة إيران، إضافة إلى روسيا وتركيا.

 

وقال جاووش أوغلو إن هجمات قوات النظام السوري تضر بفرص تشكيل لجنة برعاية الأمم المتحدة لوضع مسودة دستور جديد لسورية، مشيرا إلى أن تركيا كثفت جهودها لتشكيل هذه اللجنة، لكن يجب أولًا أن يوقف "النظام حملته العسكرية، وعلى روسيا وإيران، باعتبارهما دولتين ضامنتين، الالتزام بإيقاف التصعيد".

إلا أن حدة التصعيد العسكري الميداني مرتبط بمدى التوصل لاتفاق روسي تركي ، خاصة مع اقتراب الأتراكوالأمريكان من الاتفاق على شكل المنطقة الأمنية في شمال شرقي سورية، بعد محادثاتٍ أجراها المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، جيمس جيفري، مع الأتراك والأكراد.

ومن شأن أي تفاهم تركي ـ أميركي في شرق سورية أن ينعكس سلباً على الدور الروسي الذي يعمل جاهدا من أجل أن يكون له دور في هذه المنطقة، فضلا عن أن حصول تركيا على بقعة جغرافية جديدة في سورية من خارج البوابة الروسية يسمح لأنقرة بدور أكبر في عموم المنطقة الشمالية، الأمر الذي يمنحها قدرةً أكبر على الموازنة بين القوتين الروسية والأميركية، وهو في الوقت نفسه ما يدفع روسيا لتخفيض مستوى التصعيد العسكري في ادلب.

وفي السياق نفسه ، فإن إعلان قيادي في قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أنها تجري مفاوضات غير مباشرة مع تركيا، مع إبداء الاستعداد لحل كل المشكلات العالقة بين الطرفين. وتشكل هذه المفاوضات التي تجري بوساطة أميركية تطوراً مهماً جداً، يشكل قطيعة سياسية مع المرحلة السابقة.

ومع أن الشروط التركية والشروط الكردية المضادة تجعل من الصعب توصل الطرفين إلى  

تفاهم بشكل سريع، إلا أن لهذه المفاوضات أبعاداً استراتيجية على الصعيدين، المحلي والإقليمي، فبالنسبة لـ "قسد"، سيعني ذلك أنها تمتلك خيارات عدة لترتيب أوراقها، وليس خياراً واحداً هو النظام السوري. وبالنسبة لتركيا، ستعني هذه المفاوضات، إذا ما نجحت، تغيير الترتيبات والتحالفات في الشمال السوري، سيكون بالضرورة على حساب موسكو ودمشق.

وتلعب تركيا في هذه الترتيبات  السابقة دوراً رئيسياً، ما يعني أن كلاً من موسكو وواشنطن بحاجة إليها بشدة لتمتين حضورهما وأوراقهما في هذه المنطقة الواسعة.

وعلى النقيض من احتمالات التفاهم التركي الروسي، فمن غير المعروف المدى الذي يمكن أن تذهب إليه روسيا عسكريا في هذه المرحلة، خصوصا مع وجود تفاهمات أميركية ـ تركية، ذلك أن أي ضغط عسكري لتغيير الخريطة الجغرافية العسكرية في منطقة إدلب، قد يدفع تركيا أكثر نحو الولايات المتحدة، وهذا ما لا ترغب به روسيا. كما أن هذه العملية العسكرية البرية، إن جرت، ستضعف من قدرة أنقرة على ضبط الفصائل العسكرية وتوجيهها. والنتيجة، وضع اتفاق سوتشي أمام حافة الهاوية، وهذا ما لا يقبل به راعيا هذا الاتفاق.

ستبقى الاحتمالات في منطقة إدلب مفتوحة، طالما بقيت المباحثات التركية ـ الأميركية ـ الكردية، هي الأخرى، مفتوحة على الاحتمالات كافة.

حيث يتكهن معارضون للنظام السوري بعجز الضامن التركي عن تحقيق أي انفراجة في أزمة إدلب، أو إحداث تحويل يتماشى مع آمال السورين هناك بما يتقاطع مع مخاوف تركيا الأمنية، وفي هذا الصدد قال الباحث السوري فراس فحام لـ «القدس العربي» إن الخيارات التركية في سوريا من الأصل ضيقة بسبب الصراع الدولي الكبير والنزاع بين الدول المسماة (أصدقاء الشعب السوري) وهي عندما تدخلت عسكرياً في درع الفرات وغصن الزيتون فكان هذا لانقاذ ما يمكن انقاذه وعمليات دفاعية عن أمنها القومي أكثر من كونها مبادرات هجومية، وذات الشيء ينطبق على نشر نقاط المراقبة في إدلب.

وحسب مخللون،  لا بد من إدراك أن أنقرة تسعى لاستغلال هامش الصراع الروسي والأمريكي في سوريا، وهي تحتاج للطرفين معاً لضمان مصالحها وبالتالي لا يمكن تصور تصعيد عسكري مباشر من طرفها. والأمر الأهم أن التدخل التركي كان قراراً خاصاً بأنقرة بدون مظلة دولية كقرار من مجلس الأمن أو غطاء التحالف الدولي، وإنما بموجب تفاهمات هشة لا توفر لها مساحة الحركة المناسبة، وبالتالي الخيارات المتاحة لها للرد هي عبر تحريك الفصائل السورية المتحالفة معها وإطلاق يدها بشن العمليات العسكرية.

مضيفين أن روسيا وإيران تتصرفان كدول مارقة، وروسيا لديها من الأوراق العسكرية والسياسية سواء من سلاح أو حق نقض الفيتو في مجلس الأمن ما يسمح لها بالتحرك دون حساب للعواقب، والأمر مختلف عند تركيا التي تعمل على تجنب التصرف بشكل غير شرعي، خاصة أنه حتى جامعة الدول العربية أدانت مؤخراً دورها في سوريا وساوتها بإيران.

وبحسب المحلل السياسي صلاح قيراطة المقرب من النظام السوري، على ما يجري في إدلب بانه مؤشر يوحي باقتراب ساعة الصفر التي «قد حددت فعلاً لبدء هجوم بري مستفيداً من تمهيد جوي ومدفعي وصاروخي استمر لما يقارب الاسبوعين تقريباً، بهدف دخول محافظة ادلب بالقوۃ علی خلفيتين، الأولى فشل الجولة 12 من استانة وعدم تمكنها من إحراز أي تقدم يذكر وهذا يؤكد تباين وجهات النظر بين طرفي الصراع السوري، وهو ما يستعجل حسماً عسكرياً يمكّن النظام السوري من املاء شروطه أكثر وأكثر على طاولة أي محادثات مقبلة». إضافة إلى «فشل تفاهم سوتشي في انجاز اي تقدم لجهة ما كان قد التزم به التركي وفق التفاهم الذي طالما قلنا انه اجّل المعركة ولم يلغها وكذا لم يسقطها من حسابات الثلاثي السوري – الروسي – الإيراني».

المبرر حسب قيراطة «موجود، ولو لم يكن (موجوداً) لتم ايجاده فلم يتم الدفع بكل من رفض تسليم سلاحه واصر علی مواجهة الادارۃ السورية، إلى ادلب من فراغ، وعليه فقد جاءت جبهة النصرة لتزيد من طين محافظة ادلب بلّة حيث تم الترويج الی انها تشكل 95% من حجم الفصائل المسلحة الأخرى وبذا فهي تشكل العمود الفقري لكل المسلحين المتمترسين في ادلب، ومعلوم أن الجبهة مجرمة دولياً وموضوعة على لائحة الإرهاب بموجب قرار لمجلس الأمن الدولي».

 

ويتوقع البعض وفق المعلومات الواردة من الميدان انتهاء الاستعدادات لبدء العملية العسكرية بشقها البري والهدف هو إدلب ريفاً ومدينةً فالمعلومات تؤكد أن الحشود العسكرية التي تم زجها في محيط المحافظة، توحي بقرب بدء الحراك العسكري فعلاً.

مستقرئين الاستراتيجية الروسية، التي تنطلق من أنه بعد كل هذا التمهيد الناري الجوي والبري من قبل المدفعية والصواريخ الذي استهدف خطوط المسلحين الدفاعية، كله يؤكد قرب بدء الهجوم، وطبعاً هذا اسلوب معتمد تكتيكياً لجس نبض خطوط دفاع الخصم من خلال التمهيد المدفعي قبل الاندفاعة البرية إذ أن هكذا اشتباكات تخدم القوات المهاجمة، وتمكّنها من الحصول على معلومات وافية عن نقاط الضعف في خطوط المواجهة المرتقبة، بحيث يتم تحديد النقاط التي يمكن من خلالها بدء الاقتحام انجازاً لخطة الهجوم بأقل الخسائر». وجزم بأن «المعركة ستكون في غاية الصعوبة، ولن يؤثر في مجرياتها وجود كثافة سكانية كبيرة في المحافظة، ولا أظن أن هذا داخل في الحسابات سيما بعد ان أمهل المسلحون ثمانية اشهر لإلقاء سلاحهم وخلق منطقة عازلة بعمق 15 كم في محيط ادلب».

وفي السياق ذاته، أكدت «هيئة تحرير الشام» التي تشكل جبهة النصرة مركز ثقلها، رفضها لما وصفته بالابتزاز السياسي الذي تمارسه روسيا على المناطق المحررة عبر الضغط العسكري، لتحصيل مكتسبات يدفع ثمنها الشعب السوري، متوعدة بمفاجآت كبيرة.

وبين التفاهمات والتمهيد لتدخل بري سوري روسي في المناطق المحررة، تبقى الأيام القادمة حبلى بتطورات عديدة في ضوء ادانات دولية ضعيفة، لن تثني روسيا عن خططها العسكرية، ان قررت الاستمرار بالتصعيد، في ضوء تحول سوريا لجزء من معادلة الصراع الأمريكي الايراني المشتعل حاليا..

ومن ثم يبقى ملف الشمال السوري مفتوح على سيناريوهات عدة، ما بين عملية عسكرية كبرى على الشمال قد تكون مستبعدة بسبب تكاليفها العالية الإنسانية منها والمادية ، بينما تظل المخططات متجهة نحو تطبيق سياسة الضغوط المتزايدة لمحاولة تفكيك هيئة تحرير الشام رويداً رويداً وتقليص نفوذها عبر بوابة اتفاقية أستانة، ولكن هذه قد تأخذ فترة زمنية طويلة، وبالتالي ابقاء إدلب على الحالة التي هي عليها اليوم، وهو ما يراه بعض الخبراء والمراقبون أن  إدلب اليوم تشبه غزة في فلسطين بالنسبة لإسرائيل، فكل فترة هناك عملية جزئية، ولا هجوم نهائي.

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022