يبدو ان العلاقات المصرية السعودية تسير من سيء الي أسوأ، بعد ان فشلت كل الوساطات التى حاول النظام استخدامها لاعادة الامور الي نصابها، بل ولقد تعدى الامر السوء الي المكايدة واللعب بالاوراق السياسية التى يملكها كل طرف، وإن كان الطرف السعودي هو الاقوى حتى الان، علي اساس ان النظام المصري قد سبق وأن لعب بأوراقه في الخفاء، بعد ان عمد الي دعم بشار الاسد والحوثيين، وتهديد الامن القومي السعودي، الامر الذي لم تملك المملكة ازاءه، خاصة بعد أن اتضحت الامور، سوى وقف امداد النظام بالمواد البترولية التى سبق وان تعهدت بتزويده بها لمدة خمس سنوات مقبلة، فضلا عن وقف كل المشاريع التى تم الاتفاق عليها في السابق، الامر الذي يمثل مشكلة كبيرة للنظام لم تتضح مخاطر ولا انعكاساتها السلبية حتى الان، نظرا لان الامر قد يستغرق بعض الوقت حتى تظهر انعكاساته السلبية.
وفي الواقع ان التساؤل الذي يفرض نفسه في هذا الصدد، إنما يتمثل في الدوافع الحقيقية التى حدت بالسيسي لان ينحوا هذا المنحى الخطير في العلاقة مع اكبر داعميه في الشرق الاوسط ويميل صوب ايران وروسيا ونظام بشار الاسد والحوثيين بالرغم من عمله بحساسية وخطورة هذا الامر علي العلاقات المصرية السعودية، وما قد يترتب عليه من نتائج خطيرة ومؤثرة علي مستقبل نظامه السيسي، واعتقد ان الحسابات التى تم البناء علي اساسها لم تكن صحيحة، وان السيسي قد تورط في هذا الامر بإيعاز من حلفاءه الدوليين وقد تكون الولايات المتحدة في مقدمة من اعطى الضوء الاخضر للسيسي لكي يقدم علي تلك الخطوات الغير مدروسة، أو أن السيسي قرأ البوصلة الامريكية خطأ وبني علي اساسها حساباته التى تتوافق في الغالب مع ما يريده، حيث كانت اغلب التحليلات السياسية تشير الي تقارب امريكي ايراني كبير، وان الرئيس اوباما يحاول اعادة ايران للمشهد السياسي الاقليمي من جديد، وأن يجعل منها شرطي المنطقة وهو نفس الدور الذي كانت تمارسه في الماضي، وأن الحلف التاريخي ما بين امريكا ودول الخليج في طريقه الي الانهيار والاستبدال بحلف اخر، ولذلك حاول السيسي اتخاذ خطوات استباقية سواء كان ذلك بضوء اخضر امريكي او برؤية شخصية منه، معتمدا في ذلك علي دعم امريكي كبير، وأنه في حالة انكشاف الامر او حدوث تحول في المواقف السعودية مثلما هو حادث الان فإن بمقدور الراعي الامريكي ان يعيد الامور الي نصابها من جديد، وأن يضغط علي السعودية وبقية الممالك الخليجية لاستمرار تقديم الدعم لنظامه.
ولكن يبدو ان انتخاب ترامب قد قلب الموازين راسا علي عقب، خاصة وأنه يتبني فكرة استمرار فرض العقوبات الاقتصادية علي ايران، بل وقد اختار احد مستشاريه من الد اعداء ايران وممن يعتبرونها مصدر الارهاب الاساسي في المنطقة، الامر الذي قد يفتح الباب لاعادة العلاقات مع السعودية من جديد، يضاف الي ذلك ان ما يطلبه ترامب من السعودية ودول الخليج لا يجدوا فيه اي غضاضة خاصة وانهم يقومون بالفعل بذلك، فالخدمات الامنية الامريكية لدول الخليج لم تكن مجانية بل بمقابل ومقابل كبير، ليس هذا فحسب، بل وتعرف السعودية جيدا التعامل مع لغة ترمب التجارية، وهذا كله يصب في صالح المملكة وليس ضدها.
وقد يكون ذلك سبب اقدام المملكة علي استخدام بعض اوراق اللعب ضد السيسي، ومنها زيارة سد النهضة وزيارة اوغندا والانفتاح علي افريقيا، دون خوف من ردة فعل نظام السيسي، االذي بات يكتفي باظهار الغضب في وسائل الاعلام دون تخطي الحدود الحمراء، وذلك علي امل استعادة ثقة تلك الدول مرة اخرى، الامر الذي يعني النظام يعاني من ورطة حقيقية وانه في حال الي دعم شركاءه الدوليين لاعادة العلاقة مع السعودية الي مسارها القديم، خاصة وان نظامه بدون الدعم الخليجي لا يمكنه الاستمرار لفترة طويلة، لان البديل سيكون فرض المزيد من الاعباء الاقتصادية علي المواطن المصري الفقير والذي قد لا يتحمل ذلك طويلا مما قد يدفعه للانفجار في اي لحظة.
ويبقى السؤال هل سيستمر العداء السعودي لنظام السيسي لفترة طويلة وتزداد وتيرته، وفي الواقع ان الامر سوف يستمر ولن يتوقف الا اذا حصلت السعودية علي المقابل المناسب لكل ما دفعته، وهذا مالن يقدر النظام المصري علي دفعه الا بمشاركة حلفاءه الدوليين، لان السعودية لن تقبل باقل من موقف امريكي قوي لوضع حد للصراع اليمني والضغط علي جماعة الحوثي للقبول بالشروط السعودية الخاصة باستعادة الامن والاستقرار في اليمن، وهذا لن يحدث الا بعد استلام ترمب لمقاليد الامور في الولايات المتحدة وتحديد رؤيته لشكل الصراع الدائر في المنطقة وتحديد اولوياته ومصالحه في هذا الشأن.