توحيد المؤسسه العسكرية الليبية : بين الممكن والمستحيل

 

توحيد المؤسسة العسكرية الليبية: بين الممكن والمستحيل
بقلم س س
مقدمة
انقضت سبع سنوات على الثورة الليبية، والتى أدت إلى إنقسام ليبيا ما بين ثلاث حكومات وبرلمانين يتنافسون على السلطة، مع وجود العديد من المليشيات المسلحة التى تضم مقاتلين محليين وأجانب. وقد أدى عدم وجود قوة عسكرية موحدة إلى إطالة الأزمة الليبية، ولذلك فإن هناك العديد من الجهود التى تبذل من أجل توحيد المؤسسة العسكرية، فقد انعقدت الجولة السادسة من الاجتماعات الخاصة بتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية فى القاهرة ،20 مارس 2018، بمشاركة 45 قائداً عسكرياً محسوبين على حكومة الوفاق وآخرين محسوبين على المشير خليفة حفتر، وبمشاركة اللواء عباس كامل، رئيس المخابرات العامة المصرية، وسامح شكرى، وزير الخارجية، واللواء مساعد وزير الدفاع للشئون الخارجية ( اللواء محمد الكشكى)، واللواء الشحات رئيس المخابرات الحربية، ورئيسى أركان الجيش الليبى، الفريق عبد الرازق الناطورى، واللواء عبد الرحمن الطويل (رئيس الاركان بحكومة الوفاق)، بالإضافة إلى رئيسى وفدى الجيش الليبى اللواء فرج الصوصاع، واللواء على عبد الجليل، أعضاء اللجنة الوطنية المعنية بالملف الليبى. وضم الوفد العسكري التابع لحكومة الوفاق إلى جانب الطويل كلا من: رئيس أركان القوات البرية، اللواء حسين خليفة، ورئيس أركان حرس الحدود، اللواء نوري المرمى أحمد شراطة، ورئيس أركان القوات الجوية، اللواء طيار علي الأبيض، ورئيس أركان الدفاع الجوي، اللواء عبد الباسط بن جريد، ورئيس أركان القوات البحرية، اللواء بحار سالم أرحومة. وتدور الاجتماعات حول طبيعة العلاقة بين السلطة المدنية والمؤسسة العسكرية، وكذلك عملية إعادة هيكلة وتنظيم المؤسسة العسكرية. وستدور هذه الورقة حول فرص وتحديات توحيد المؤسسة العسكرية الليبية؟
أولاً: فرص توحيد المؤسسة العسكرية
مسألة توحيد المؤسسة العسكرية أصبحت محل ترحيب بين عدد الفرقاء الليبيين. وهو ما عكسته مشاركة رئيس الأركان التابع لحكومة الوفاق الليبية، اللواء عبدالرحمن الطويل، في المفاوضات العسكرية حول توحيد الجيش الليبي، وتعتبر هذه المرة الأولى التي يحضر مسؤول عسكري رفيع تابع للحكومة الليبية هذه الاجتماعات، ويرى المتابعون للشأن الليبي، أن حضور رئيسي الأركان الليبيين يدل على أن جهود توحيد المؤسسة العسكرية ربما في مراحلها الأخيرة، وربما يتفقون على الهيكلية النهائية. وقد يكون هذا التطور الجديد بوادر تقارب بين سلطات شرق البلاد وغربها، وهو ما سيكون بداية لإنفراج الأزمة.
ويأتي هذا التطور في أعقاب تأكيدات أطلقها رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، فائز السراج، في وقت سابق من الشهر الجاري (مارس)،على ضرورة توحيد المؤسسة العسكرية في سبيل "تأمين حدود البلاد ومواجهة تحدياتها". وجاء ذلك خلال اجتماعه مع الأعضاء في اللجنة المكلفة ببحث توحيد المؤسسة العسكرية، والذى حضره اللواء علي عبدالجليل واللواء سالم جحا والعقيد عبدالباسط شريع أعضاء اللجنة بحسب بيان صدر عن المكتب الإعلامي للرئاسة.
كما عمل السراج، على امتداد أشهر، لاحتواء وتقريب عدة ضباط وكتائب قوية من مصراته للدخول في مفاوضات القاهرة، موفدا ممثلين عن مصراته، من بينهم اللواء سالم حجا، الذي يحظى بشعبية كبيرة بين ضباط وعسكريي مصراته، بالإضافة إلى ممثلين عن كتيبة الحلبوص، ولواء المحجوب، أقوى كتائب مصراته، والذين شاركوا في عدد من لقاءات القاهرة، بهدف تحييد وعزل المجموعات المسلحة التي تعارض التقارب مع حفتر، والتي لم تعد تمتلك مظلة شرعية تحميها سوى عملية "البنيان المرصوص" والتي اكتسبت رصيداً دولياً عقب تمكنها من طرد "داعش" من سرت".
وفي طرابلس، أفادت المصادر بأن قرار السراج تعيين عبد الباسط مروان آمرا لمنطقة طرابلس العسكرية وترقيته إلى رتبة لواء، يأتي في سياق المساعي ذاتها الرامية إلى تقريب شخصيات عسكرية مؤثرة في طرابلس من توجه بشأن التقارب مع حفتر.
تحركات كبيرة بالتزامن مع الإجتماعات. فقد عقد عمداء بلديات المنطقة الشرقية وعدد من الشيوخ والأعيان والحكماء والوجهاء بالمنطقة الشرقية  لقاء مع عمداء بلديات طرابلس والأعيان والحكماء بالمدينة، في العاصمة بعد وصولهم عبر مطار معيتيقة، 18/3/2018. وهو ما يشير إلى أن هناك ما يبدو أنه إتجاه حقيقى لتحقيق التقارب بين الشرق والغرب. 
دعم إقليمى لتوحيد المؤسسة العسكرية. فهناك دعم مصري إماراتى لإنجاح مفاوضات توحيد المؤسسة العسكرية بالقاهرة، بالإضافة إلى دعم جامعة الدول العربية. حيث قال سامح شكرى وزير الخارجية المصرى خلال مؤتمر صحافي جمعه بنظيره الإماراتي عبد الله بن زايد، إن "مصر تعمل بنطاق واسع في ليبيا لاستعادة الاستقرار وتدعيم المؤسسات الليبية، وتوفير الاستقرار والأمن للشعب الليبي الشقيق وتوحيد صفوف الجيش الليبي، ووصول العناصر المختلفة للجيش والتفاهم حول خطط التوحيد العسكرية". وهو الأمر نفسه الذي أكد عليه الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أب
 
 
و الغيط، من خلال تأكيده على دعم الجامعة لليبيين نحو التوصل إلى حل شامل للوضع في البلاد، وتشكيل المؤسسات الدائمة والموحدة للدولة الليبية. وجاء ذلك خلال لقاء نائب رئيس المجلس الرئاسي، علي القطراني، مع أبو الغيط في القاهرة، وهو اللقاء الذى جاء بالتزامن مع لقاء وزير الخارجية المصرى والإماراتى. 
ثانياً : معوقات توحيد المؤسسة العسكرية
إنتشار الميليشيات المسلحة:
 حيث تنتشر العديد من الميليشيات المسلحة بليبيا، وهى المليشيات القادرة على إفساد أى حل يتم التوصل إليه إذا لم يحقق مصالحها. فقد أكد الخبير الأمني المصري اللواء فؤاد عبدالله إن “الأزمة في توحيد الجيش الليبي بخلاف تقسيم المناصب والصلاحيات، هي انتشار الميليشيات وقدرتها على إفساد أي اتفاقات من خلال العمليات النوعية والاغتيالات”، لافتًا إلى أن “الحل يكمن في سحب السلاح من تلك الميليشيات”. وشدد عبدالله على أن “توحيد المؤسسة العسكرية الليبية يحتاج للكثير من الجهد خاصةً على أرض الواقع وليس في الاجتماعات”. وربما يقصد الخبير الجماعات المسلحة ذات الجذور الإسلامية المعارضة لسيطرة حفتر.
رفض بالمنطقة الغربية:
يعود موقف  جانب الغرب الليبى  إلى رفض أن يكون حفتر هو قائد الجيش الليبى، بل ورفض أن تكون مفاوضات توحيد المؤسسة العسكرية فى مصر، حيث أن هؤلاء يرون مصر بأنها أحد أطراف الصراع والداعم الأساسى لحفتر. وتمثل هذا الرفض فى إعلان المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الأعلى للدولة، عبد الرحمن السويحلي، استقباله، عدداً من ضباط عملية "البنيان المرصوص"، ورأى العديد من الخبراء أن ذلك يأتي كخطوة احتجاجية لتقارب السراج مع حفتر.
وقد أكد مكتب السويحلي، أنه استقبل وفداً من "البنيان المرصوص"، على رأسهم العميد عبدالفتاح قنيدي، وهو ضابط سبق وأن أعلن السراج فصله من الخدمة العسكرية بسبب تصريحاته التي هدد فيها القاهرة، بعد قصف طائراتها مدينة درنة، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حيث تضمّن لقاء السويحلي بالقيادات العسكرية، تصريحات اتهمت السراج بـ"تهميش "البنيان المرصوص" وإهمال جرحاها ووقف دعمها".
كما عكس قرار حكومة السراج، بإقالة محمد الغصري، الضابط البازر في عملية "البنيان المرصوص" كمتحدث باسم وزارة دفاع حكومة الوفاق، جزءا من الخلافات الدائرة في طرابلس، لا سيما بعد تصريح الغصري رفضه لقاءات القاهرة ونتائجها، معلنا بشكل صريح رفضه لوجود حفتر ضمن المؤسسة العسكرية.
ورغم أن الخلافات الناجمة عن تقارب السراج وحفتر لم تتفجّر على نحو علني، إلا أن إعلان مديرية أمن طرابلس، عن تحذيرها مما وصفته بـ"محاولات دنيئة هدفها غرس الفتن وزعزعة الأمن، من خلال استغلال حق التظاهر وحاجات المواطن البسيط لتحقيق مآربهم"، قد تعكس شيئا مما يدور في كواليس الخلافات، حيث أشيع أن الحكومة رفضت طلباً للإذن بإطلاق مظاهرات رافضة لاجتماعات القاهرة.
كما أكد رئيس المجلس العسكري فى صبراتة، الطاهر الغرابلي، أن "الاجتماع ليس معروضاً على الجيش الليبي، بل بضغوطات خارجية من بعض الدول من دون خطة واضحة"، مضيفا أن "أي اتفاق بين السراج وحفتر هو تعميق للانقسام، ونرفض أي اتفاق بين مدني وعسكرى خارج الأطر القانونية، ونطالب بتنفيذ القوانين العسكرية"، مشيرا إلى أن "مشاركة الساسة في هذه الاجتماعات غرضها التسويق السياسي".
وقال المتحدث باسم المجلس العسكري مصراتة، إبراهيم بيت المال "لا نثق في قدرة حفتر وحياديته حتى يتمكن من تكوين الجيش"، مضيفاً "لن نقبل بأسير حرب مطلوب دولياً لقيادة الجيش الليبي، ونوجه الدعوة لكل الضباط الشرفاء إلى الاجتماع والالتفاف لتكوين جيش على الأراضي الليبية وليس خارجها".
غياب مشاركة الجنوب. فى فبراير الماضى صرح الفريق ركن علي كنة قائد ما يسمّى بـ”القوات المسلحة الليبية في المنطقة الجنوبية” وهي قوات ذات جذور قبلية ما زالت تدين بالولاء للعقيد الراحل معمر القذافي، إنه لم يتم استدعاء ضباط من المنطقة الجنوبية للمشاركة في مفاوضات توحيد الجيش الوطني التى ستعقد فى القاهرة. وتسيطر قوات كنة المدعومة بقوة قبلية، على أغلب مناطق الجنوب بما في ذلك غات وسبها وحوض مرزق والشاطئ وأوباري. 
ويرى مراقبون بأن عدم استدعاء كنة لتلك المفاوضات يعود إلى علاقاته الوثيقة بالنظام الجزائري الذي يتنافس مع مصر على زعامة المنطقة انطلاقاً من الأزمة الليبية.
فقد أثنى كنة خلال تصريحاته على الموقف الجزائري من الأزمة الليبية. وقال “الجزائر تعتبر الدولة الوحيدة من الدول المجاورة التي لم تساهم في تدمير ليبيا ولم تفتح حدودها لأي قوة لدخول ليبيا ولم تتعاون مع حلف الناتو الذي دمّر البنية التحتية للبلاد. موقف الجزائر كان موقفا قوميا مشرّفا ولن ينساه الليبيون”.
خاتمة
يبدو أنه أصبح هناك قناعة من جانب أطراف الصراع الليبى الداخلى والخارجى بأنه ليس بإستطاعة أى طرف حسم الموقف لصالحه بالقوة العسكرية. وهو ما أدى إلى إتجاه هذه الأطراف إلى الحلول السياسية والدبلوماسية والتى تمثلت فى اللقاءات المتعاقبة بين
 
 
السراج وحفتر فى الإمارات وفرنسا وروسيا من أجل إحداث نوع من التقارب بينهما. وأسفرت هذه الجهود إلى دعم خارطة غسان سلامة، التى تقضى بتعديل الإتفاق السياسى، وإجراء مصالحة بين الأطراف الليبية، وإجراء إنتخابات برلمانية ورئاسية. ويأتى ذلك بالتوازى مع تلك الجهود المبذولة فى القاهرة من أجل توحيد المؤسسة العسكرية والتى شهدت عقد 6 إجتماعات على مدار الشهور الماضية، كما أن مشاركة أطراف رفيعة المستوى من حكومة السراج ومن جانب حفتر والمتلثة فى رئيسى الأركان تشير إلى أن الإجتماعات وصلت إلى مراحلها النهائية، وقد تكون قادرة على تحقيق الهدف المنشود بتوحيد المؤسسة العسكرية. ولكن لا تزال هناك مجموعة من العقبات التى تحول دون تحقيق هذا الهدف، والتى تتمثل فى موقف الغرب الليبى من موقع حفتر فى المشهد السياسى الليبى وبالأخص داخل الجيش الليبى، كما أن عدم مشاركة الجنوب فى المفاوضات يعتبر عائق أخر، بالإضافة إلى العائق الكبير المتمثل فى إنتشار المليشيات المسلحة والقادرة على إعاقة أى حل قد لا يتفق مع مصالحها.

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022