التغيرات في مجلس الأمن القومي الأمريكي وتداعياتها على السياسة الخارجية
نشرت دورية الفورين بوليسي الرصينة تقريراً هاماً عن طبيعة التفاعلات داخل إدراة الرئيس الأمريكي بما يطرحه من تأثيرات علي السياسة الخارجية الأمريكية في العالم العربي والاسلامي خلال الفترة المقبلة. ويشير التقرير إلى زيادة الخلافات داخل البيت الأبيض بين ما يمكن أن يطلق عليهم المعتدليين مثل جيمس ماتيس وزير الدفاع، والمتشددين مثل جون بولتون مستشار الأمن القومى. ومن مظاهر هذا الخلاف، قيام جون بولتون بتعيين ميرا ريكارديل نائبة لمستشار الأمن القومى، وهى التى سبق وأن أخرجها ماتيس من الإدارة الأمريكية، كما لعبت ريكارديل دوراً هاماً فى اسقاط المقربين لماتيس من المناصب العليا في البنتاغون، كما أوقف الخلاف بين ريكاردل وماتيس الترشيحات لمناصب سياسية رئيسية لعدة أشهر.
ويبدو أن الأمور تميل إلى ترجيح كفة المتشددين خاصة بعد خروج العديد من المحسوبين على التيار المعتدل فى إدارة ترامب مثل وزير الخارجية تيلرسون، وزيادة عدد المتشددين والذى يأتى على رأسهم جون بولتون، ومايك بومبيو مدير وكالة الاستخبارات المركزية ( والمرشح لأن يكون وزير للخارجية)، ففى الوقت الذى يتجه فيه المعتدلون إلى تقليل اللجوء إلى القوة العسكرية فى السياسة الخارجية، وهو ما ظهر فى نجاح ماتيس بإقناع ترامب بعدم القيام بعمل عسكري واسع النطاق ضد سوريا (فقد أفاد عدد من المراقبين الأميركيّين بأنّ اختلافاً وقع في وجهات النظر بين ماتيس وبولتون حول حجم الضربة الأميركيّة على سوريا، وهذا ما أخّر توافقهم على قرار نهائيّ حول طبيعة الردّ على استخدام السلاح الكيميائيّ)[1]، وعلى الجانب الأخر، يتجه المتشددون إلى مزيد من استخدام القوة العسكرية فى الخارج، فقد كان بولتون قد جادل في السابق من أجل شن ضربات استباقية على كوريا الشمالية وإيران.
كما يشير التقرير إلى حرص ترامب على الإتيان بأهل الثقة والولاء وليس أهل الكفاءة والخبرة، فقد أدرج ترامب عشرات من أبرز خبراء السياسة الخارجية الجمهوريين فى قائمة سوداء لمنعهم من الانضمام إلى إدارته رغم كفاءتهم بعد أن وقعوا سلسلة من خطابات "لا لترمب" قبل الإنتخابات أو لإنتقاد ترامب علناً خلال الحملة الإنتخابية. ومن بين من سُحب من وظائف بارزة في البيت الأبيض، جون ليرنر، الذي يشغل حاليًا منصب نائب السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة تحت إشراف نيكي هالي، والذى كان استراتيجيًا واستطلاعيًا جمهوريًا سابقًا.
ترجمة تقرير اختيار بولتون كنائب قد يوتر العلاقات مع البنتاجون[2]
يأتى إختيار جون بولتون كمستشار للأمن القومى كمزيد من ضمان الولاء للرئيس دونالد ترامب داخل البيت الأبيض، لكنه قد يؤدى إلى مزيد من الخلافات مع وزير الدفاع جيمس ماتيس.
ففي يوم الجمعة الماضي، عيّن بولتون ميرا ريكارديل، التي تشغل حاليًا منصب وكيل وزارة التجارة في إدارة التصدير ومدير تنفيذي سابق لشركة بوينج ، كنائب مستشار الأمن القومي. بعد أن عملت بحملة الرئيس ترامب عام 2016 وساعدت الفريق الإنتقالي للبيت الأبيض بعد الإنتخابات، وتاتى ريكارديل بأوراق اعتماد قوية باعتبارها مؤيدة لترامب.
وسوف يساعد تاريخها مع ترامب فى تدعيم ثقة ترامب فى بولتون، لكنها قد تخلق مزيدًا من الاحتكاك بين ماتس وبقية فريق الأمن القومي الجديد، وفقًا لأربعة مصادر ذات صلة بالإدارة. وتقول تلك المصادر إن رئيس البنتاجون قام بإخراجهم مع ريكارديل في وقت مبكر من الإدارة.
وقد أدى تعيين بولتون وإقالة وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون إلى خلق مشهد غير مؤكد لماتيس، الذي كان له في الغالب تأثير معتدل – بدعم من تيلرسون وغيره – على رئيس غير متمرس وعديم القوة. هذا الشهر، تم التاكيد على أن ماتيس أقنع الرئيس بنجاح بعدم القيام بعمل عسكري واسع النطاق ضد سوريا كان يفضله ترامب في البداية.
ويمتلك بولتون، وإلى حد ما، مدير وكالة الاستخبارات المركزية مايك بومبيو – المرشح ليكون وزير الخارجية القادم – وجهات نظر متشددة أكثر تشدداً من ماتيس. على سبيل المثال، كان بولتون قد جادل في السابق من أجل شن ضربات استباقية على كوريا الشمالية وإيران.
وتقول المصادر إن "ريكارديل" أكثر توافقاً مع "بولتون" من "ماتيس".
وعندما التقى بولتون بماتيس الشهر الماضي بعد أن عين مستشارًا للأمن القومي ، حاول وزير الدفاع إلقاء الضوء على صورة بولتون العامة كصقر متشدد.
وقال ماتيس مازحاً بينما كان الاثنان يستقبلان بعضهما البعض أمام الصحفيين خارج البنتاغون "سمعت أنك في الواقع الشيطان المتجسد، وكنت أرغب في مقابلتك".
وحتى لو كان ماتيس وبولتون قادرين على العمل معاً، يمكن أن يكون ريكاردل عقبة أمامهما. فبعد انتصار ترامب في الانتخابات عندما أشرفت ريكاردل على موظفي البنتاغون خلال الفترة الانتقالية، اشتبكت مع ماتيس ومساعديه حول من يجب أن يتم تسميته في وظائف مدنية عليا، كما يقول مسؤولون سابقون ومصادر أخرى قريبة من البيت الأبيض.
وقد تم إحضار ريكارديل كمسؤول رئيسي في البيت الأبيض عن قرارات الموظفين في وزارة الدفاع بعد تنصيبها، حيث كان فريق ترامب قد استبعد جون غاليغر، الذي كان يعتبر مقربًا جدًا من ماتيس وغيره من كبار الضباط ، كما يقول مساعد جمهوري في الكونغرس.
فقد ساعدت ريكارديل مبكراً فى اسقاط المقربين لماتيس من المناصب العليا في البنتاغون، بما في ذلك آن باترسون، وهي دبلوماسي كبير متقاعد عمل سفيراً في باكستان ومصر، لوكيل وزارة الدفاع لشؤون السياسة، وهو المنصب رقم 3 في وزارة الدفاع. كما انتهى ماتيس بالتخلي عن خطط تسمية ميشيل فلورنوي، التي خدمت في البنتاغون خلال إدارة الرئيس باراك أوباما، كنائب لوزير الدفاع.
وأوقف الخلاف بين ريكاردل وماتيس الترشيحات لمناصب سياسية رئيسية لعدة أشهر وتم الحديث عن احتمالية أن تقوم ريكاردل بدور وكيل وزارة الدفاع لشؤون السياسة. وفي النهاية، حصلت على وظيفة في وزارة التجارة، واختار ماتيس في وقت لاحق جون رود إلى منصب وكيل الوزارة.
ورفض البيت الأبيض والبنتاغون التعليق على ريكاردل أو علاقتها بماتيس.
تنتقل ريكارديل إلى دورها الجديد، حيث يقوم العديد من كبار المسؤولين في مجلس الأمن القومي (NSC) بالسير على خطى اتش ار ماكماستر، مستشار الأمن القومى السابق.
في الأسبوع الأول لعمل بولتون فى منصبه، كان مايكل أنطون، المتحدث الإعلامي الأعلى لمجلس الأمن القومي. نادية شادلو، نائبة مستشار الأمن القومي للاستراتيجية. وريكي واديل، نائب مستشار الأمن القومي الذي يشرف على العمليات اليومية. وكان شادلو، الذي كتب استراتيجية الرئيس للأمن القومي في منصب النائب فقط منذ يناير. كما أن توم بوسرت، مستشار الأمن الداخلي قد تم إخراجه بشكل غير متوقع من وظيفته هذا الشهر، بناءً على طلب بولتون، ونائبه، منسق الأمن الإلكتروني روب جويس، سيغادر أيضاً ويعود إلى وكالة الأمن القومي.
ليس من الواضح ما إذا كان آخرون في مجلس الأمن القومي، بما في ذلك مدير الشرق الأوسط مايكل بيل، سيبقون تحت حكم بولتون، حسبما تقول المصادر.
لقد تحول معدل دوران النخبة داخل البيت الأبيض فى عهد ترامب بوتيرة مذهلة وغير مسبوقة، حيث أصبح هناك ثلاث مستشارين للأمن القومي في أكثر من عام بقليل.
بالنسبة لبولتون، الذي تم إيقافه من حملة ترامب الرئاسية، فإن ريكاردل يمكن أن توفر رابطًاً مهمًا للرئيس وغيره في دائرته الداخلية.
في ربيع عام 2016 ، كان بولتون حريصًا على مقابلة المرشح الجمهوري وتقديم النصح له، ولكن تم رفضه، حيث كان ترامب يزدري على من اعتبرهم صقورًا في المؤسسة، كما يقول مستشار سابق في حملة ترامب.
"وعلى الرغم من أن ترامب لم يعطه شئ من وقته، إلا أنه حصل على اجتماع واحد على الأقل مع الحملة" ، كما يقول المصدر. فقد أخذ بولتون في قول أشياء إيجابية عن ترامب على التلفزيون، والتي قدرتها الحملة.
ريكاردل هى واحد من عدد قليل من مستشاري السياسة الخارجية من حملة ترامب الذين حصلوا على وظائف في الإدارة، كما يقول المصدر.
إن ريكارديل يناسبها نمط العديد من المعينين من ترامب الذين ليسوا لاعبين رئيسيين في دوائر السياسة الخارجية للجمهوريين". كما يقول مصدر أخر قريب من الإدارة الأمريكية، ونتيجة لذلك، فقد تجنبت ما يسمى حركة لا لترامب.
وقد أدرج ترامب في القائمة السوداء عشرات من أبرز خبراء السياسة الخارجية الجمهوريين من الانضمام إلى إدارته بعد أن وقعوا سلسلة من خطابات "لا لترمب" قبل الإنتخابات أو لإنتقاد ترامب علناً خلال الحملة الإنتخابية. فقد حذرت الرسائل من أن ترامب غير مؤهل ليكون قائداً عاماً وأنه سيعرض المصالح الوطنية الأمريكية للخطر.
ومن بين من سُحب من وظائف بارزة في البيت الأبيض، جون ليرنر، الذي يشغل حاليًا منصب نائب السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة تحت إشراف نيكي هالي، والذى كان استراتيجيًا واستطلاعيًا جمهوريًا سابقًا.
وقد خطط نائب الرئيس مايك بنس في البداية لتسمية ليرنر كمستشار جديد للأمن القومي. ومع ذلك، وضع ليرنر إعلانات حاسمة ضد ترامب نيابة عن السناتور ماريو روبيو المرشح الجمهوري للرئاسة في ولاية فلوريدا.
كان ترامب غاضبًا عندما ظهرت تقارير عن قرار بنس، ثم قام ليرنر بسحب اسمه.
وتصف مصادر مقربة من الإدارة ريكاردل بأنها أكثر اعتدالاً وخبرة، بعد أن قضت ما يقرب من عقد من الزمن كمدير تنفيذي رفيع في شركة بوينج. وقبل ذلك، شغلت مناصب رفيعة في البنتاغون خلال إدارة جورج دبليو بوش، بما في ذلك مساعد وزير الدفاع لسياسة الأمن الدولية ونائبة مساعد وزير الدفاع في أوراسيا.
وقال بولتون في بيان صدر يوم الجمعة الماضي: "لقد قمت باختيارها كنائب مستشار الأمن القومي لأن خبرتها واسعة النطاق وتشمل مسائل الأمن القومي المتعلقة بتحالفاتنا ، ووضع الدفاع، وأمن التكنولوجيا، والمساعدة الأمنية الخارجية، والتحكم في الأسلحة". "إن خبرتها في صنع السياسات والتجارب بين الوكالات ستجعلها إضافة عظيمة إلى مجلس الأمن القومي".