مسألة إرسال قوات عربية إلى سوريا: خبراء يناقشون السيناريوهات

 مسألة إرسال قوات عربية إلى سوريا: خبراء يناقشون السيناريوهات

في تصريح للسيسي خلال مؤتمر الشباب الذي عقد قبل مطلع رمضان، أوضح بأن مصر ستحافظ على الأمن القومي المصري والخليجي، لكن دون أن تساهم في أي عمل عسكري من شأنه تأجيج الصراع الإقليمي، وأن "المنطقة لا تحتمل أي حرب جديدة".[1]

انطلاقا من هذا التصريح نُشر مقال في الأهرام ويكلي مقالاً تحت عنوان القاهرة استبعدت إرسال قوات برية إلى سوريا[2] لمناقشة فكرة تشكيل قوة عربية تحل محل القوات الأمريكية في سوريا، واستعانت بآراء خبراء ومتخصصين في هذه الفكرة.

التبس موقف القاهرة بعد انتشار الشائعات المتداولة بشأن الصراع السوري على خلفية اقتراح واشنطن بأن قوة عربية يمكن أن تحل محل القوات الأمريكية هناك، واكتسبت زخما بعد أن قال وزير الخارجية سامح شكري "هذا ممكن".

وفي بيان رسمي صدر يوم الجمعة، قللت وزارة الخارجية من التكهنات، وقالت بشكل قاطع إن القاهرة لن ترسل قوات إلى سوريا.

وجاء في البيان توضيح لملاحظات شكري: "ما كان يقصده بـ" ممكن "هو أن الفكرة قد تم طرحها على مصر من قبل الولايات المتحدة".

وفي ندوة أخيرة نظمتها مجلة السياسة الدولية في الأهرام قال شكري: "إن فكرة استبدال قوات الولايات المتحدة بالقوى الأخرى، وربما القوات العربية، ممكنة"، وجرت مناقشته في وسائل الإعلام وكذلك بين الحكومات ونحن نحاول تحديد مدى مساهمة هذه الأفكار في الاستقرار في سوريا وإنهاء أزمتها الحالية".

"لا أستطيع أن أقول ما إذا كانت الفكرة قد تشكلت بالكامل، أو قد تطورت إلى اقتراح يمكن اتخاذ قرار بشأنه".

واستشهدت صحيفة "وول ستريت جورنال" في 16 أبريل بمسؤولين أمريكيين يقولون إن إدارة ترامب تريد تجميع قوة عربية لتحل محل القوة العسكرية الأمريكية في سوريا والمساعدة في استقرار الجزء الشمالي الشرقي من البلاد بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

وأفادت المقالة بأن مستشار الأمن القومي الأمريكي المعين حديثًا جون بولتون اتصل مؤخرًا بمدير المخابرات المصرية "عباس كامل" لمعرفة ما إذا كانت القاهرة ستساهم في هذا الجهد أم لا.

بعد أقل من أسبوعين، وخلال الندوة التثقيفية الثامنة والعشرين للقوات المسلحة، والتي عقدت في 28 أبريل، ألمح السيسي إلى هذه القضية، قائلاً إن مصر لن تكرر تجربة التدخل العسكري المصري في اليمن من 1962 إلى 1967.

وأوضح أن القوات المصرية لن تقاتل على الأرض في الخارج كما كانت خلال الحرب الأهلية اليمنية.

الحرب الأهلية اليمنية في الستينيات هي نزاع أشار إليه السيسي من قبل، وخلال حملته الانتخابية لفترة رئاسية ثانية، قال إن مصر فقدت "غطاءها الذهبي" بسبب الإنفاق في اليمن.

وتقدر تكلفة تدخل مصر آنذاك بحوالي 40 مليون جنيه سنوياً، بالإضافة إلى حياة 26 ألف جندي مصري.

لكن في النهاية، لم يتم حل النزاع بالقتال بل من خلال التسوية السياسية مع المملكة العربية السعودية التي كانت تشن حرباً بالوكالة ضد الفصائل التي تقاتل من أجل الجمهورية اليمنية.

قال الملحق العسكري المصري الأول لليمن، الجنرال محمد قشقوش، أستاذ دراسات الأمن القومي في أكاديمية ناصر العسكرية العليا، لصحيفة الأهرام ويكلي: "الوضع السوري معقد، ويتبادر الدرس اليمني إلى الذهن عندما يتعلق الأمر بموضوع المشاركة المحتملة في الحرب خارج حدودنا".

"يبدو أن الإدارة الأمريكية تفكر في إدخال تغييرات على التحالف الذي تم تشكيله لمحاربة داعش في سوريا بمجرد انتهاء مهمتها". لا يبدو أن الرئيس ترامب مقتنع بأهمية إبقاء القوات الأمريكية هناك.

لكن حتى لو وافق العرب على المشاركة، فلا يمكنهم أن يكونوا بديلاً عن 2000 جندي أمريكي.

وقال مصدر مصري مطلع على التفاصيل لصحيفة "ويكلي" إنه من السهل تخمين رؤية القاهرة بإرسال قوات إلى سوريا في ضوء التحديات التي تواجهها مصر.

الجيش مشغول في سيناء وعلى طول الحدود الغربية، وفي الجنوب، هناك جبهة أخرى مرتبطة بالأمن في البحر الأحمر، كيف يمكن للجيش أن يفتح جبهة أخرى؟

ويقول قشقوش أن وجود تواجد قوات مصرية بالقرب من باب المندب في إطار التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن، يتماشى مع حسابات الأمن القومي المصري التي تشمل الحاجة إلى تأمين حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر والذي يرتبط بقناة السويس.

يشير قشوش إلى وجود اختلافات واضحة في مواقف الحكومات العربية التي قد يُطلب منها المساهمة في أي قوة عربية في سوريا، فتتبنى القاهرة والرياض، على وجه الخصوص، وجهات نظر مختلفة تجاه سوريا، ويخشى أن تتوتر العلاقات بين الاثنين إذا ما ضغطت الرياض على مصر لإرسال قوات برية.

في مؤتمر صحفي مشترك مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في 20 أبريل، قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن الرياض ستكون مستعدة لإرسال قوات كجزء من "تحالف إسلامي لمكافحة الإرهاب في سوريا"، كرر الجبير موقفه الذي عبر عنه في أبريل 2017.

ظهرت وجهات نظر متباينة بين القاهرة والرياض فيما يتعلق بالتطورات الأخرى في سوريا، في حين ردت المملكة العربية السعودية بشكل إيجابي على الضربة الأمريكية ضد سوريا رداً على مزاعم بأن النظام السوري استخدم الأسلحة الكيماوية في دوما، لكن لم تكن سعيدة بالضربة الأمريكية رغم عدم قدرتها علي اعلان ذلك بشكل صريح.

وفقا لتقرير وول ستريت جورنال، فإن دول الخليج ستدفع فاتورة أي عملية عسكرية عربية في سوريا، حيث قالت الرياض أنها مستعدة للمساهمة بمبلغ 4 مليارات دولار.

تعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مؤتمره الصحفي المشترك الأخير مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ذات أهمية في هذا الصدد، ففي إشارة إلى العرب، قال: "عليهم الآن أن يدفعوا ثمن ما يحدث… إن البلدان الموجودة هناك غنية جدًا، سيكون عليها أن تدفع ثمن ذلك… وسوف يدفعون مقابل ذلك، لن تستمر الولايات المتحدة في الدفع، وسوف يضعون أيضًا الجنود على الأرض".

في رؤية تعبر عن بعض دوائر السياسة الامريكية وليس مجمل حقيقتها الفعلية يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة محمد كمال أن واشنطن لم تعد تهتم بالشرق الأوسط كما كان في السابق، وأن "تصريحات ترامب تشير إلى أنه بينما كانت المنطقة مهمة بالنسبة للولايات المتحدة في الماضي، فإنها أقل أهمية اليوم، فهي لا تحصل على أي شئ مقابل ما تنفقه في المنطقة، بالإضافة إلى أنه يركز على أن الدول الغنية في المنطقة يجب أن تدفع التكاليف المتكبدة بسبب القضايا الإقليمية، وليس تكاليف الدفاع فقط".

وحتى عندما تشارك الولايات المتحدة في العمليات العسكرية، فإنها تتوقع أن تدفع الدول العربية الغنية ثمن الصواريخ والقنابل التي تستخدمها.

وليس من المرجح أن تساهم الولايات المتحدة مالياً في إعادة الإعمار بعد الوصول إلى الاستقرار السياسي في دول مثل سوريا واليمن.

وقال عبد الخالق عبد الله، المحلل السياسي الإماراتي، لصحيفة "ويكلي" إنه يدعم فكرة إرسال قوات عربية إلى سوريا، وقال إن الفكرة كانت مطروحة على الطاولة منذ بداية الأزمة في سوريا، فيرى أن "الوجود العربي مهم على الرغم من تعقيدات الوضع الذي سيحل فيه محل القوات الأمريكية المتمركزة شرق الفرات بينما يوجد على الجانب الآخر إيران وحزب الله وروسيا".

وأضاف: "لا أعتقد أن الوقت قد فات على هذا النوع من التدخل، في الواقع الآن قد يكون الوقت المناسب، الأزمة السورية مستمرة وليست على وشك الانتهاء لأن الجميع أصبحوا متورطين فيها"، ويعتقد عبد الله أن "الأمن القومي العربي" يعد مبررا للتدخل، وقال أن "ما يجمعنا هو الأمن القومي العربي والحاجة إلى قيام العرب بتأسيس توازن استراتيجي بدلاً من ترك سوريا فريسة لتركيا وإيران، هناك بالفعل وجود عربي محدود على طول الحدود الأردنية مع سوريا، يجب تعزيزها من قبل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر".

ويجادل نائب رئيس الأركان السابق الجنرال محمد علي بلال، قائد القوات المصرية خلال حرب الخليج، بأنه مهما كانت مواقف الدول العربية الأخرى، فإن التدخل العسكري المصري في سوريا لن يخدم المصالح المصرية، وقال أنه "لا يمكن أن يكون هناك سؤال حول إرسال قوات مصرية، مصر ترسل قوات إلى الخارج في إطار من الشرعية، سواء كانت دولية أو عربية، أو للدفاع عن نفسها من خلال مواجهة تهديد، لقد طلب النظام السوري دعم روسيا وإيران وحزب الله، لذلك فإن وجودهم في سوريا مشروع، بغض النظر عن النتيجة. وبالمثل، عندما طلبت جامعة الدول العربية من منظمة حلف شمال الأطلسي التدخل لحماية المدنيين في ليبيا، فقد منحت الشرعية لهذا التدخل على الرغم من النتائج الكارثية".

شدد بلال على "الفرق الهائل" بين مشاركة مصر في حملة عاصفة الصحراء في أعقاب الغزو العراقي للكويت والوضع الحالي في سوريا، فقال: "ناشدت الكويت المساعدة ضد العدوان وطلبت السعودية قوات لحماية حدودها، تصرف المجتمع الدولي واحتشدت الجامعة العربية".

والخلاصة أن هناك توجه أمريكي خليجي لجلب قوات عربية إلي سوريا تعلب فيها مصر دوراً أساسياً، ولكن هذا التوجه لم يستقر بعد كما أن القاهرة حذرة للغاية من التورط في الملف السوري بشكل معادي للنظام وحلفائه في ايران وروسيا وبسبب الخشية من تقلبات السياسة الامريكية والخليجية إلي جانب التجارب التاريخية السلبية، ومن زاوية نفعية بحتة فقد تكون الاغراءات المالية القادمة من الخليج دافعاً لإرسال القوات إذا كان المشاركة محدودة والمردود المالي والاستراتيجي جيد بشكل عام.



[1] "السيسي وسياساته الإقليمية: ابتعاد عن المغامرة نحو الانكفاء"، العربي الجديد، 19/5/2018، متاح على الرابط: https://www.alaraby.co.uk/fullimage/9f48bcd0-a029-4e10-b363-6e2b89f51683/f350764b-5bb9-4174-baa8-800bd65629cc

[2] Ahmed Eleiba, "The question of sending Arab troops to Syria: Experts discuss scenarios", Ahramonline, 11/5/2018, available through: http://english.ahram.org.eg/News/299265.aspx

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022