علي هامش مؤتمر باريس: ليبيا بين التصعيد العسكري والحل السياسي

 علي هامش مؤتمر باريس: ليبيا بين التصعيد العسكري والحل السياسي

مقدمة

تشهد ليبيا فى الآونة الأخيرة العديد من العمليات العسكرية، وهو ما دفع العديد من المراقبين إلى القول بأن الأزمة الليبية فى طريقها إلى مزيد من التأزم والصراع. وبالتزامن مع هذه العمليات العسكرية، تنعقد العديد من المبادرات والإجتماعات من أجل إيجاد حل سياسى للخروج من المأزق الليبى، وهو ما دفع العديد إلى القول بأن الأزمة الليبية فى طريقها للحل وأن عام 2018 سيشهد إنفراجة كبيرة فى الأزمة الليبية، أهمها إجراء إنتخابات برلمانية ورئاسية. وعليه تحاول هذه الورقة التعرف على المبادرات السياسية التى تمت خلال الأيام القليلة الماضية لحل الأزمة الليبية، وعوامل نجاح الحل السياسى للأزمة الليبية، والمعوقات التى تقف حائل أمام الحل السياسى.

التصعيد العسكرى

الهجوم على المفوضية العليا للإنتخابات، فقد تم شن هجوم انتحاري نفذه تنظيم الدولة الإسلامية في ٢ أيار/مايو استهدف المفوضية الوطنية العليا للإنتخابات في ليبيا[1]. وقد أسفر عن سقوط نحو 12 قتيلاً والعديد من الجرحى، وهو ما يثير الشكوك حول إمكانية إجراء الإنتخابات، حيث أن المفوضية العليا للإنتخابات هى المقر الرئيسى للإنتخابات التى من المفترض أن تكون مؤمنة بشكل جيد، فكيف سيتم تامين باقى المقرات الفرعية، فى حين أن هناك إخفاق فى حماية المقر الرئيسى.

الحرب على درنة، فقد قام حفتر بإعلان بدء العمليات العسكرية لإقتحام المدينة[2]، ليعقبها قصفاً جوياً ومدفعياً مكثفاً، عقب ارتفاع وتيرة الاشتباكات والتصعيد العسكري بين قوات مجلس شورى مجاهدي درنة (الذى قام بحل نفسه، وتشكيل قوة مسلحة تحت أسم قوة حماية المدينة) من جهة، وقوات عملية الكرامة في الجهة المقابلة، وأدت إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى من الجانبين[3].

الصراع فى الجنوب، تشهد مدينة سبها فى الجنوب الليبى اشتباكات طاحنة بين قبيلة أولاد سليمان وقبيلة التبو، أدت إلى مقتل حوالى 4 أشخاص وإصابة 15 أخرين[4]. وتنتشر فى الجنوب الليبى العديد من المليشيات المسلحة الأجنبية من السودان وتشاد والنيجر، كما هناك انقسام بين المليشيات التى تحارب فى الجنوب، فالبعض يدعم حكومة الوفاق، والبعض يدعم حفتر، والبعض الأخر لا يخضع لسيطرة أى منهما.

تفجيرات بنغازى، يقدرعدد قتلى التفجيرات في بنغازي منذ مطلع العام الجاري حتى التفجير الأخير فى 25 مايو الحالى بحوالى 46 مدنياً ، في وقت لم تعلن فيه أجهزة أمن المدينة عن نتيجة أي من التحقيقات المفتوحة في الحوادث المتكررة.

ففى 23 يناير قتل 37 مدنياً وأصيب أكثر من 80 في تفجير مزدوج، بواسطة سيارتين مفخختين، في شارع جمال وسط المدينة، عرفت إعلامياً بحادث مسجد بيعة الرضوان. وفي 8 فبراير/شباط سقط قتيلان و92 مصاباً في تفجير استهدف مسجد أبو هريرة. وكانت آخر هذه التفجيرات فى 24 مايو الحالى (إثر انفجار سيارة مفخخة في شارع جمال عبد الناصر وسط مدينة بنغازي، والذي وقع قرب فندق تيبستي) الذي راح ضحيته سبعة مدنيين وعشرة مصابين[5].

وهناك من يرى أن من يقف خلف تفجيرات بنغازى مجموعات إرهابية وبقايا خلايا نائمة من شورى بنغازى التى قضى عليها حفتر. فى حين يرى البعض الاخر، أن هذه التفجيرات يقف خلفها حفتر من أجل إحكام سيطرته على بنغازى، وإيجاد مبرر لإحكام قبضته للتخلص من منافسيه بدعوى محاربة الإرهاب. كما أن هذه التفجيرات ربما تعكس حالة الصراع بين قوات حفتر، حيث كان هناك خلاف بين حفتر وقوات الصاعقة، إثر اعتقال حفتر أبرز قادتها وهو الرائد محمود الورفلي، كما أقيل آمرها الأعلى ونيس بوخمادة من رئاسة الغرفة الأمنية بالمدينة، وربما يكون أيضاً فى إطار التنافس على من يكون خليفة لحفتر كما حدث فى محاولة اغتيال رئيس الأركان عبدالرازق الناظورى، الذى كان أبرز المرشحين لخلافة حفتر عند غياب حفتر عن الساحة الليبية. كما أن هذه التفجيرات تأتى فى ظل تزايد السخط بين حفتر وبعض قبائل الشرق مثل قبيلة العواقير، وهو ما تمثل فى محاولة اغتيال صلاح بولغيب آمر إسناد الاستخبارات العسكرية السابق، الذى ينتمى لقبيلة العواقير.

 الحل السياسى

إجتماع دول الجوار، عقد وزراء خارجية دول الجوار الليبي (وزير الخارجية المصرى سامح شكرى ووزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل ووزير الخارجية التونسى خميس الجيهناوي) اجتماعاً تشاورياً في العاصمة الجزائر العاصمة، الأثنين (21 مايو)، حيث بحثوا تطورات الأزمة الليبية وسبل العمل على حلحلتها.

وأكد البيان الختامى للإجتماع على موقفهم الداعم للحل السياسى، ودعم خطة غسان سلامة للحل فى ليبيا التى اعتمدها مجلس الامن فى 10 أكتوبر 2017، ودعم الإتفاق السياسى المبرم فى 17 ديسمبر 2015 فى الصخيرات المغربية، كما رفضوا جميع التدخلات الخارجية فى ليبيا، وأتفق الوزراء على مواصلة التنسيق الأمني بين الدول الثلاث لتقييم التهديدات التي تمثّلها التنظيمات الإرهابية على أمن واستقرار ليبيا والدول الثلاث وكذلك بقية دول الجوار وتعزيز تبادل المعلومات ورصد أي انتقال لعناصر إرهابية إلى المنطقة من بؤر الصراعات الإقليمية والدولية[6].

وتلعب دول الجوار دوراً هاماً فى الأزمة الليبية، فمصر تدعم خليفة حفتر والجزائر وتونس أقرب إلى حكومة السراج، وقد تساعد ألية دول الجوار فى حلحلة الجمود السياسى، من خلال تنسيق الرؤى المختلفة بين هذه الدول. وإن كان هناك من يرى ان هذه الدول سبب فى تعقيد الأزمة من خلال دعم أطراف معينة، والسعى إلى تحقيق مصالحها حتى لو كانت على حساب الداخل الليبى.

إجتماعات داكار، تواصل حوالى عشرون سياسياً ليبياً يمثلون مختلف الفصائل الليبية فى مدينة داكار السنغالية، من أجل الوصول إلى حل سياسى بليبيا.

وأشرفت على هذه المشاورات مؤسسة برازافيل للسلم والأمن في إفريقيا التي يرأسها السياسي الفرنسي جان إيف أوليفييه، ورحب بها وتحدث فيها الرئيس السنغالي مكي صال. وتركزت المشاورات حول سبل التوصل لحل سياسي متوافق عليه يتجاوز الجمود الحالي في المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة والتي توقفت منذ نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي إثر فشل مفاوضين عن المجلسين المتنافسين (مجلس النواب في طبرق ومجلس الدولة الأعلى في طرابلس) فى تعديل إتفاق الصخيرات.

وشارك في هذه الاجتماعات عدد من كبار الشخصيات الليبية ذات التأثير الكبير والممثلة لمختلف الأطياف السياسية والإجتماعية في ليبيا بينهم مجموعة سبتمبر التي تمثل أنصار القذافي، ومجموعة فبراير التي تمثل ثوار الربيع العربي إضافة للوزيرين السابقين العجمي العتيري وخليفة الغويل. كما شارك في الاجتماع عبد الحكيم بلحاج الرئيس السابق للمليشيات الجهادية الذي أصبح شخصية سياسية في الواجهة.

وكان الدستور والإنتخابات والعدالة، هي القضايا الجوهرية الثلاث التي تناولتها المشاورات. وأكد المشاركون في الاجتماع استعدادهم التام لأي حل للأزمة الليبية بشرط ألا يكون من إملاء الدول الغربية.

وكان النقص الوحيد الذي أصاب هذه المشاورات هو رفض ممثلي خليفة حفتر مع وجودهم في داكار، المشاركة في اللقاء. ومع أن هذه المشاورات لم تتمخض عن توقيع اتفاق للمصالحة، إلا أنها حسب مصدر سنغالي مقرب منها، هيأت الأنفس للقاءات ومشاورات أخرى قد تقود لصلح وطني شامل ومستقر[7].

المبادرة الفرنسية، فقد أعلنت الرئاسة الفرنسية الأحد (27 مايو الحالى) بشكل رسمي مبادرة سياسية جديدة تتضمن إجراء إنتخابات رئاسية وبرلمانية في ليبيا قبل نهاية عام 2018، واعتماد مشروع الدستور، وتوحيد المؤسسة العسكرية والمؤسسة المالية، وعقد مؤتمر سياسي شامل خلال ثلاثة أشهر[8].

ويشارك فى المؤتمر ممثلو 19 دولة معنية بالملف وهى دول الجوار (مصر وتونس والجزائر وتشاد) ودول أخرى (المغرب والسعودية والكويت والإمارات وقطر وتركيا) وإيطاليا والدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن (روسيا والصين وفرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة) إضافة إلى ألمانيا. كما تشارك أربع منظمات هى الأمم المتحدة والجامعة العربية والإتحاد الأوروبى والإتحاد الأفريقي[9].

ويعتبر جمع جميع ممثلى المؤسسات الليبية من العوامل الإيجابية، التى قد تدفع إلى التوصل إلى تفاهمات إيجابية. إلا أنه يمكن القول بأن هناك بعض الإشكاليات المتعلقة بالمؤتمر منها، ما أكدت عليه مجموعة الأزمات الدولية من أن المؤتمر قد يأتى بنتائج عكسية، خاصة أن هذا المؤتمر تغيب عنه بالخصوص مدينة مصراتة التي تعتبر فصائلها المسلحة من بين الأقوى في غرب ليبيا ويعتبر ساستها من الأكثر نفوذاً. وأضافت المجموعة أنه تمت دعوة عدد من الليبيين للمشاركة على هامش المؤتمر ولكن لن تتم دعوتهم للتوقيع على الإتفاق، وأوضحت أن هذا الترتيب لم يرق بالخصوص لوفد مصراتة الذي رفض التوجه إلى باريس ما أن أُبلغ بأنه لن يُعامل كبقية الوفود الأربعة[10].

كما أن المؤتمر قد شهد إنخفاضاً فى مستوى التمثيل لبعض الدول مثل إيطاليا وأمريكا ومصر (فقد شارك إبراهيم محلب مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية والاستراتيجية، ولم يشارك مثلاً السيسي أو رئيس الوزراء أو وزير الخارجية) على عكس مشاركة دول أخرى بوفود دبلوماسىة رفيعة المستوى مثل مشاركة الرئيس التونسى (قايد السبسى) ورئيس الوزراء الجزائرى (أحمد أويحيى)، ما يعنى أن هذه الدول قد تكون غير متحمسة لهذا المؤتمر، ولا تثق فى النوايا الفرنسية منه، وربما تعمل على إعاقة ما يتم الإتفاق عليه.

وتواجه المبادرة الفرنسية رفض من بعض الكتائب العسكرية فى الداخل الليبى، فقد أعلن عدد من المجالس والكتائب العسكرية بغرب ليبيا، رفضها للمبادرة الفرنسية، وجاء ذلك في بيان، حمل توقيع 13 كتيبة ومجلساً عسكرياً من غرب ليبيا، بعضها تابع لحكومة الوفاق، ووقع على البيان، كل من: المجلس العسكري جنزور، المجلس العسكري الزنتان، المجلس العسكري مصراتة، كتيبة شهداء سوق الجمعة، المجلس العسكري سوق الجمعة، المجلس العسكري غريان، غرفة عمليات المنطقة الغربية، كتيبة ثوار صبراتة، المجلس العسكري الخمس، كتيبة ثوار زلطن، المجلس العسكري جادو، ثوار مسلاتة، كتيبة الرحبة تاجوراء.

وتاتى أسباب رفضهم للمبادرة – كما جاء فى البيان- ، إلى أنها تهدف إلى توطين حكم العسكر، وتمثل تدخل أجنبى فى الشئون الليبية، كما رفض البيان أي إتفاق تقوم به المؤسسات المنبثقة عن الإتفاق السياسي[11].

وفى حوار لخالد المشرى وعقيلة صالح على قناة فرانس 24، أكد المشرى على أنه لا يعترف بحفتر كقائد أعلى للجيش الليبى، كما أنه أكد على أن عقيلة صالح يرغب فى الحفاظ على منصبه كرئيس للبرلمان أو الانتقال لمنصب أعلى – رئيس للدولة- بدون توافق. وأكد على أن البرلمان الليبى ليس له حق تعديل الدستور، فتعديل الدستور من حق الهيئة التشريعية المنتخبة، بينما يقتصر دور البرلمان فى إصدار القانون الإنتخابى فقط[12]. وفى المقابل أكد عقيلة صالح  على عدم إعترافه بحكومة السراج لعدم حصولها على ثقة البرلمان فى مرتين، وأكد على أن الهيئة التشريعية من حقها تعديل الدستور، ولكن مجلس النواب له الحق فى التعقيب على الدستور. وأكد أنه إذا لم يتم إصدار الدستور، فإنه سيتم إعتماد الإعلان الدستورى القائم بحيث يتم إجراء الإنتخابات فى الموعد المحدد[13].

ويتضح من حوار المشرى وصالح استمرار الخلافات الأساسية التى تتمثل فى شرعية المؤسسات القائمة، ومن يرأس الجيش الليبى هل السراج أم عقيلة صالح بالإضافة إلى وضع حفتر داخل الجيش، ومن له حق تعديل الدستور الذى يحدد المؤسسات واختصاصاتها.

عوامل نجاح الحل السياسى

فشل محاولات العزل السياسى، فمحاولات العزل السياسي ضد كل من كانت له علاقة بنظام القذافى لم تصل إلى غاياتها، فلم يكن قانون العزل السياسي (مايو/ أيار 2013) مؤثراً في السياسة الليبية، بل أصبح وجود أنصار النظام السابق أمر مقبول، ففى حوار المشرى على قناة فرانس 24، أكد على أنه لا يمانع وجود أنصار النظام السابق إلا من كان مطلوباً للعدالة[14]. كما فشل خليفة حفتر ومؤيديه بوضع أعضاء جماعة الإخوان المسلمين فى قوائم الإرهاب وعزلهم عن السياسة، فقد نجح خالد المشرى وهو من جماعة الإخوان المسلمين بالفوز برئاسة المجلس الأعلى للدولة في 8 إبريل/ نيسان 2018[15].

إنفتاح مجلسى الدولة والنواب، فقد دعا خالد المشري "رئيس المجلس الأعلى للدولة، رئيس مجلس النواب عقيلة صالح للقاء عاجل سواء في طرابلس أو في طبرق أو أي بقعة في ليبيا أو أي مكان.

ورحب صالح بدعوة المشري، قائلًا: إن موافقته على اللقاء تأتي حرصًا منه على إنهاء الأزمة السياسية الخانقة التي تمر بها البلاد، وبهدف الوصول لتوافق يفضي إلى تعديل الإتفاق السياسي وفقًا لما أقره مجلس النواب[16]. وكشف اللقاء بين رئيسى مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في المغرب (24/4/2018) عن وضوح الرغبة في تنمية الحوار على مستوى المؤسسات الوطنية، حيث كان التأكيد واضحاً على انعقاد اللقاءات من دون شروط مسبقة، والاستعداد لتقديم التنازلات اللازمة لدعم المسار السياسي[17].

المصالحة بين الزنتان ومصراتة، ففى مارس الماضى، عقد ممثلون عن مدينتي مصراتة والزنتان إتفاق صلح ينص على المحافظة على مدنية الدولة ورفض الإنقلابات العسكرية، وتحقيق أهداف ثورة فبراير التي أسقطت الاستبداد في ليبيا.

وقال عميد بلدية الزنتان مصطفى الباروني -في كلمته أمام الملتقى- إن هذا اللقاء خطوة أولى ستليها خطوات أخرى للوصول إلى مصالحة وطنية شاملة مع بقية المدن. كما أكد رئيس المجلس العسكري لمصراتة إبراهيم بن رجب أن الإتفاق سيكون لبنة أولى للتواصل مع جميع المدن، وبادرة للعمل على رمي البنادق والتصافح بالأيدي.

وأهم ما يميز إتفاق الصلح بين مصراتة والزنتان أنه جاء بدون وساطات أو تدخل من الأطراف السياسية، فهو ثمرة جهود حكماء وأعيان المدينتين، وعدد من القيادات العسكرية المحسوبة على تيار ثورة فبراير. وربما يدفع الصلح بين الزنتان ومصراتة (وهما أكبر قوتين عسكريتين فى الغرب الليبى) إلى تبنى المدن الأخرى للدخول فى عمليات التصالح، وتعتبر المصالحة الوطنية بين القبائل والمدن من أهم عوامل تحقيق الاستقرار الليبى[18].

إجراء الإنتخابات البلدية، فقد بدأت اللجنة المركزية لإنتخابات المجالس البلدية استعداداتها لبدأ العمليات الانتخابية على نطاق عدد من البلديات.

واعلنت اللجنة أن الإنتخابات ستبدأ بإنتخاب المجلس البلدي الزاوية يليه المجلس البلدي بني وليد. على أن تبدأ اللجنة في إنتخاب مجالس البلديات التي انتهت الفترة القانونية لصلاحيتها ولم تخض مرحلة الانتخابات خلال الدورة الأولى والدورة الثانية[19]. وبالفعل تم إجراء الإنتخابات البلدية فى مدينة الزاوية فى 12 مايو الحالى، وهى أول انتخابات بلدية تشهدها المدينة[20]. وهو ما يمكن أن يعطى دافعاً قوياً للسير فى المسار الإنتخابى، خاصة إذا ما تم احترام هذه النتائج وتم إتاحة الفرصة للمجالس المنتخبة للقيام بعملها، وإذا نجحت هذه المجالس فى القيام بوظائفها فى تلبية مطالب المواطنين، فإن ذلك سوف يدفع فى إتجاه المسار الإنتخابى.

ميثاق الشرف السياسى، فقد صدر ميثاق "شرف العمل السياسى الليبى" الذى عقد فى تونس برعاية منظمة مبادرة إدارة الأزمات ( CMI) الفنلندية، والتي يرأسها الرئيس الفنلندي الأسبق مارتي اهتيساري الحائز على جائزة نوبل للسلام .

وصدر الميثاق عن مجموعة من الأحزاب الليبية أبرزها: "جبهة النضال الوطني وحركة المستقبل وهي تنظيمات موجودة خارج ليبيا، بالإضافة إلى العدالة والبناء وتحالف القوى الوطنية وحركة المستقبل والتكتل الوطني الفيدرالي وحزب التغيير وحزب الوطن".

وتتمثل أهم مزايا الميثاق فى تأكيده على مدنية الدولة والتداول السلمي على السلطة والاحتكام لصندوق الإنتخاب وتحييد المؤسسة العسكرية، وتأكيده على أن الوصول للمناصب يجب أن يكون عن طريق الأحزاب وليس الإنتماء القبلى أو الجهوى او المناطقى. كما أنه شمل العديد من الاحزاب السياسية على تنوع إتجاهاتها.

إلا أن هناك بعض المعوقات التى تقف حائلاً أمام الاحزاب السياسية فى ليبيا مثل، عدم استعداد الأحزاب بعد فى عقد لقاءات مباشرة فيما بينها، فاللقاءات كانت تتم مع منظمة مبادرة إدارة الأزمات، وظهر رفض اللقاءات المباشرة فى نفى التكتل الإتحادي الوطني الفيدرالي وجود لقاءات مباشرة بين الاحزاب الليبية في تونس، لافتاً إلى أن اجتماعاته تمت مع منظمة مبادرة إدارة الأزمات[21].

كما أن هناك عدم ثقة فى قدرة الأحزاب على الإسهام فى حل الأزمة الليبية، وهو ما تمثل فى تجاهل غسان سلامة للأحزاب. فقد أكدت الأحزاب على أن هناك تجاهل من جانب المبعوث الدولى غسان سلامة للعمل الحزبى، فلم يقدم سلامة دعوة للأحزاب لحضور الاجتماعات التحضرية لعقد المؤتمر الوطنى الجامع[22].

معوقات الحل السياسى

عدم تحقيق تقدم فى خطة غسان سلامة، فلم يتم التوصل إلى إتفاق بين المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب حول تعديل الإتفاق السياسى كخطوة أولى فى الخارطة التى طرحها سلامة (والتى تتكون من 3 مراحل: تعديل الإتفاق السياسى، عقد مؤتمر وطنى، استفتاء على الدستور وإنتخابات برلمانية ورئاسية). وقد أكد غسان سلامة فى الإحاطة التى تقدم بها إلى مجلس الأمن على تراجع أهمية تعديل الإتفاق السياسى، لأن الأطراف غير مستعدة لتقديم التنازلات اللازمة[23]. وهو ما يعنى طى صفحة تعديل الإتفاق السياسى، والتركيز خلال الفترة القادمة على الاستعداد للإنتخابات. وربما تواجه المراحل القادمة نفس المعوقات التى واجهت تعديل الإتفاق السياسى، والتى لم يتمكن غسان سلامة من وضع حلول وبدائل لها.

خليفة حفتر، فحفتر معارض عنيد للمصالحة بسبب طلبه أن يترأس جيشاً جديداً موحداً بدون أي إشراف مدني، كما صرح حفتر أكثر من مرة عن رغبته في السيطرة على كامل ليبيا من خلال حملة عسكرية[24]. وعندما غاب حفتر عن المشهد السياسى بسبب مرضه ظهرت مؤشرات على إمكانية تطوير الحوار السياسي والانتقال السريع إلى الانتخابات، تمثلت فى الإنفتاح بين مجلسى النواب والأعلى للدولة من خلال اللقاء بين الطرفين فى الرباط بالمغرب. غير أنه وبمجرد عودته، حدث تراجع واضح في التطلعات السياسية، فقد انهارت محادثات عقيلة صالح والمشرى في المغرب، واعتبرها رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، غير رسمية. وظهرت العديد من التحركات العسكرية مثل إعلانه الحرب على درنة، وتزايد الصراع فى الجنوب الليبى، والتفجيرات فى بنغازى[25]

رفض أى دور للإسلاميين، فالمشروع السياسي ـ العسكري لفريق الكرامة قائم على قاعدة استبعاد أي دور لجماعة الإخوان المسلمين، وتصنيفها منظمة إرهابية، وهو ما قد يعنى التشدد فى الحوار مع المجلس الأعلى للدولة بسبب إنتماء رئيسه خالد المشرى للإخوان[26].

تحديات أمام الإنتخابات، على الرغم من أن "المفوضية الوطنية العليا" للإنتخابات رفعت تسجيل الناخبين من ١.٥ إلى ٢.٥ مليون ناخب بحلول آذار/مارس ٢٠١٨، وهو عدد يقرب من الرقم المسّجل في عام ٢٠١٢، إلا أن هناك عقبات كبيرة أمام إجراء الإنتخابات هذا العام تتمثل فى:

 التسلسل، فلم تحدد بعد بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على وجه الدقة ترتيب الإنتخابات وأيهما أولاً: استفتاء دستوري، أم برلمان، أم رئاسة. وسوف يتطلب الاستفتاء وضع قانون خاص به وحملة توعية عامة تُغطي كافة محتويات الدستور المقترح. وعلاوة على ذلك، قد يؤدي إجراء إنتخابات برلمانية أو رئاسية قبل الاستفتاء الدستوري إلى المخاطرة بانتخاب هيئة قبل معرفة السلطات الدستورية التي ستتمتع بها. بالإضافة إلى ضيق الوقت، فلا يوجد في التقويم بعد رمضان ٢٠١٨ ما يكفي من الأيام لاستيعاب كل من الاستفتاء والإنتخابات، مع السماح بفترات كافية للحملات، ناهيك عن المتطلبات اللوجستية لإعداد البطاقات الانتخابية وتوزيعها.

القانون الانتخابي. فمن المرجح أن يكون لدى "مجلس النواب" و"المجلس الأعلى للدولة" تفضيلات مختلفة لنظام إنتخابى معين قد يتيح دور أكبر للأحزاب فى مقابل المستقلين، وقد يسعى إلى تقسيم الدوائر إلى دوائر كبيرة فى مقابل الدوائر الصغيرة إذا كانت تصب فى مصلحة أى منهما. فمثلاً كان المرشحون المنتسبون إلى الإسلاميين أكثر نجاحاً في الترشح كمستقلين غير مرتبطين بحزب إسلامي.

الأمن. تشكّل العملية الإنتخابية في ليبيا مشكلة أمنية خطيرة، كما أظهر الهجوم الإرهابي في ٢ أيار/مايو الذي استهدف مقر "المفوضية الوطنية العليا للإنتخابات". فبينما يمكن ضمان أمن "المفوضية العليا" بشكل أفضل وتأمين مرافق تخزين البيانات الخاصة بها، فإن حماية أكثر من ١٥٠٠ مركز اقتراع – الرقم المستخدم خلال إنتخابات "مجلس النواب" عام ٢٠١٤ – إلى جانب توزيع بطاقات الاقتراع وجمعها قد تؤدي إلى ضغوط لوجستية كبيرة[27].

التدخلات الإقليمية، حيث هناك تدخل كبير من جانب مصر والإمارات فى ليبيا، وهو ما ظهر فى دعم حفتر فى عملية اقتحام درنة. ويظهر الدعم المصرى من خلال، بدء العملية فور عودة حفتر من زيارته  للقاهرة. وتنقل مصادر عن المبعوث الدولي لليبيا غسان سلامة حديثه عن أن درنة لم تكن أولوية لدى حفتر، وأنه كان يرغب في التوجه لمهاجمة العاصمة طرابلس، وأن مصر هي من دفعت حفتر نحو درنة. كما أن حضور رئيس اللجنة المصرية المكلفة بالملف الليبي اللواء محمود الكشكي الاحتفال  بـعملية الكرامة، الذي أعلن فيه حفتر حربه على درنة، بمثابة رسالة دعم مصري لحرب حفتر[28]. كما ظهرت تقارير تشير إلى أن ضباطاً مصريين وصلوا أكثر من مرة إلى معسكر لملودة القريب من درنة، في إطار إعداد الخطط العسكرية اللازمة لاقتحام المدينة[29]. كما قامت مصر بالقصف الجوي على أهداف محددة في درنة، فى 7 مايو الحالى. وتقوم مصر بإمداد حفتر بالذخيرة والأسلحة الخفيفة والمتوسطة، في ظل حظر التسليح على ليبيا، المفروض من قبل مجلس الأمن[30].

وفيما يتعلق بالدعم الإماراتى،  فتشارك الإمارات في الحرب عبر طائرات مسيرة تنطلق من قاعدة الأبرق التي تبعد نحو مئة كيلومتراً عن درنة، وتم نقل هذه الطائرات من قاعدة الخادم العسكرية التي أقامتها الإمارات في شرق ليبيا إلى مطار الأبرق، وقد شاركت هذه الطائرات في القصف الذي طال المدينة فى بداية مايو الحالى[31].

التنافس الدولى، فهناك تنافس فرنسى إيطالى حول ليبيا، كان أخرها ما لقيته المبادرة الفرنسية الجديدة من رفض إيطالى كبير، حيث حذر السفير الإيطالي لدى ليبيا جوزيبي بيروني، من أن الانقسامات والمبادرات غير المنظمة تساهم في عودة قوارب الموت، في إشارة إلى المبادرة الفرنسية لحل الأزمة الليبية.

إلى جانب ذلك، اتهمت صحيفة "إل جورنالي" الإيطالية، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمحاولة سرقة ثروات ليبيا، واتهمته بالسعي لضرب المصالح الإيطالية في ليبيا خاصة في حقول الغاز والنفط.

فضلاً عن ذلك يرى مسؤولون إيطاليون أن فرنسا أهملت دور بلادهم الفعال في ليبيا، وذلك من خلال عدم تشريكها في صياغة هذه المبادرة، ويؤكّد هؤلاء أن باريس تسعى من خلال تجاهل دور بلادهم إلى البحث عن نفوذ لها في المنطقة، وهو ما يتعارض مع التوجه الإيطالي.

هذا الصراع الفرنسي الإيطالي بخصوص الملف الليبي من شأنه أن يزيد تعقيد الأزمة، ويظهر عدم إتفاق باريس وروما على رؤى موحدة في ليبيا من خلال حالة التضارب في آليات حل الأزمة لكلا البلدين، ففي الوقت الذي تدعم فرنسا خليفة حفتر عسكريًا وماليًا، تدعم روما حكومة الوفاق الوطني وتعتبرها المعبر الشرعي الوحيد عن الشعب الليبي[32].



[1] بين فيشمان، "معضلة الانتخابات الليبية"، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 21/5/2018، الرابط التالى:  http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/libyas-election-dilemma

[2] صحفيو رويترز، " حفتر يعلن "ساعة الصفر" لحملة "تحرير" مدينة درنة بشرق ليبيا"، رويترز، 7/5/2018، الرابط التالى: https://ara.reuters.com/article/ME_TOPNEWS_MORE/idARAKBN1I827U

[3]   سراج الدين عبدالحميد، "حل مجلس "شورى درنة" في ليبيا وتأسيس قوة جديدة"، عربى21، 11/5/2018، الرابط التالى: http://cutt.us/I6jsE

[4] أحمد جمعة، " مقتل 4 وإصابة 15 آخرين فى اشتباكات بين أولاد سليمان وقبائل التبو جنوب ليبيا"، اليوم السابع، 12/5/2018، الرابط التالى: http://cutt.us/p3Qd7

[5] أسامة على، "تفجيرات بنغازي المتكررة… هل يقف خلفها حفتر؟"، العربى الجديد، 27/5/2018، الرابط التالى: https://www.alaraby.co.uk/politics/baf3f9f6-19fd-4b6a-b4b9-677be73bced9

[6] محمد ربيع، "ننشر نص البيان الختامي لاجتماع دول الجوار بشأن حل الأزمة الليبية"، سى بى سى، 21/5/2018، الرابط التالى: http://cutt.us/RQKV  

[7] القدس العربى، " السنغال تستضيف أول مشاورات مباشرة بين أطراف الأزمة في ليبيا"، 16/5/2018، الرابط التالى: http://www.alquds.co.uk/?p=935657

[8]   فؤاد دياب، "مبادرة فرنسية لحل أزمة ليبيا.. ما حظوظها؟"، الجزيرة نت، 27/5/2018، الرابط التالى: http://cutt.us/BwgJM

[9] محمود غراب، "مؤتمر باريس الدولى.. هل تحقق الرؤية الفرنسية الحل السياسى فى ليبيا؟"، النادى الدولى، 29/5/2018، الرابط التالى: http://cutt.us/YbqXv

[10] المرجع السابق.

[11] عربى21، " كتائب مسلحة من غرب ليبيا ترفض توقيع المبادرة الفرنسية"، 28/5/2018، الرابط التالى: http://cutt.us/7N8RD

[12] فرانس24، " ليبيا- رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري: أنا من الإخوان المسلمين ولن أعترف بحفتر"، 31/5/2018، الرابط التالى: https://www.youtube.com/watch?v=n7wMBgJo-KA

[13] فرانس24،" رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح: حفتر خط أحمر وحكومة السراج مرفوضة"، 30/5/2018، الرابط التالى: https://www.youtube.com/watch?v=WqamA55J4r4

[14] فرانس24، " ليبيا- رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري: أنا من الإخوان المسلمين ولن أعترف بحفتر"، مرجع سابق.

[15] خيرى عمر، " هشاشة المؤسسات وفرصة الحل السياسي في ليبيا"، العربى الجديد، 21/5/2018، الرابط التالى: http://cutt.us/O5z3X

[16] بوابة فيتو، " «المشري» يدعو عقيلة صالح للقاء عاجل لبحث «المصالحة الشاملة» في ليبيا"، 12/4/2018، الرابط التالى: http://www.vetogate.com/3140273

[17]خيرى عمر، مرجع سابق.

[18] فؤاد دياب، " هل بدأت مصراتة والزنتان مسار المصالحة الوطنية بليبيا؟"، الجزيرة نت، 31/3/2018، الرابط التالى: http://cutt.us/orlFI

[19] موقع 218، " تحضيرات انتخابات المجالس البلدية"، 28/2/2018، الرابط التالى:  http://cutt.us/DbBaT  

[20] موقع 218، " الزاوية تشهد أول انتخابات بلدية"، 12/5/2018، الرابط التالى: http://cutt.us/uoRo5  

[21] عربى21، " ما حقيقة توقيع أحزاب ليبية على ميثاق شرف للعمل السياسي؟"، 18/4/2018، الرابط التالى: http://cutt.us/9inVK

[22]المرجع السابق. 

[23]للإطلاع على النص الكامل للإحاطة التى قدمها غسان سلامة لمجلس الامن فى 21 مايو الحالى، انظر الرابط التالى: http://alwasat.ly/news/libya/206521 

[24] كريم ميزران وإيرين نيل، "نحو مؤتمر وطني حول مستقبل ليبيا"، مركزرفيق الحريرى للشرق الأوسط، 8/5/2018، الرابط التالى: http://www.achariricenter.org/national-conference-for-libyas-future-ar/

[25]خيرى عمر، مرجع سابق.

[26] المرجع السابق.

[27] بين فيشمان، مرجع سابق.

[28] محمد النجار، " لماذا دفعت مصر والإمارات حفتر للحرب على درنة؟"، الجزيرة نت، 8/5/2018، الرابط التالى: http://cutt.us/uCQv3

[29] عبدالله الشريف، "معركة درنة: إشرافٌ مصري كامل ودعم جوي لقوات حفتر"، العربى الجديد، 12/2/2018، الرابط التالى: http://cutt.us/nLCal

[30]محمد النجار، مرجع سابق.

[31]   المرجع السابق.

[32] عائد عميرة، " إيطاليا تكثف هجومها ضد فرنسا.. هل حبًا في ليبيا؟"، نون بوست، 28/5/2018، الرابط التالى: https://www.noonpost.org/content/23484

adminu

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022