ثانيًا: تأثير الأزمة الأوكرانية على القوى الاقليمية فى منطقة الشرق الأوسط
-
مصر:
قالت وزارة الخارجية المصرية فى بيان لها، فى 24 فبراير، تعليقاً علي الأزمة الأوكرانية بعد التحرك الروسي الأخير، إن جمهورية مصر “تتابع بقلق بالغ التطورات المُتلاحقة اتصالًا بالأوضاع في أوكرانيا، وتؤكد على أهمية تغليب لغة الحوار والحلول الدبلوماسية، والمساعي التي من شأنها سرعة تسوية الأزمة سياسيًا بما يحافظ على الأمن والاستقرار الدوليين، وبما يضمن عدم تصعيد الموقف أو تدهوره، وتفاديًا لتفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية وأثرها على المنطقة والصعيد العالمي”[1].
ومن الملاحظ أن بيان الخارجية، قد تفادى ذكر كلمة “حرب”، حتى لا تغضب الجانب الروسي. ويبدو من بيان الخارجية المصرية، أن الموقف الرسمى المصرى قد التزم الحياد في أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا، خاصة أن طرفي الأزمة الأساسيين (روسيا وأمريكا) يعتبران حليفين استراتيجيين للنظام المصرى وداعمين أساسيين لعبد الفتاح السيسي سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، ويمثلان شريان البقاء والشرعية الدولية للنظام العسكري في مصر[2].
وبحسب موقع “العربى الجديد”، فقد أكدت مصادر صحافية متعددة من داخل “المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية”، التابعة للمخابرات العامة المصرية، والتي تمتلك معظم وسائل الإعلام في مصر، أن تعليمات صدرت من قبل الجهاز إلى رؤساء تحرير ومسؤولي الصحف والمواقع والقنوات، بضرورة التعامل بحيادية تجاه الحرب الدائرة على الحدود الأوكرانية الروسية، وعدم تبني موقف أي من الجبهتين[3].
ويبدو أن هناك مجموعة من المحددات التى تقف خلف هذا الموقف المصرى المحايد من الأزمة الأوكرانية، والتى يأتى فى مقدمتها:
1- العلاقات القوية مع الطرفين:
حيث تمتد العلاقات المصرية الأميركية إلى مجالات واسعة، أهمها العلاقات العسكرية المتجذرة بين البلدين، حيث تمنح أميركا معونة عسكرية إلى الجيش المصري منذ توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، تقدر بـ1.3 مليار دولار سنوياً. والجيش المصري، باللغة العسكرية، يعتبر جيشاً أميركياً، نظراً لأن تسليحه الأساسي أميركي، هذا على الرغم من تأكيد القوات المسلحة المصرية دائماً على فكرة تنويع مصادر التسليح. فتنويع مصادر السلاح، لا ينفي أن الجزء الأعظم من تسليح القوات المسلحة المصرية، أميركي الصنع، وأنه حتى الآن تستورد القوات المسلحة المصرية قطع الغيار الأساسية لمعداتها العسكرية من الولايات المتحدة، لا سيما القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي.
كما أن صفقات السلاح بين مصر وأميركا لا تتوقف، وكان آخرها عندما وافقت واشنطن، نهاية الشهر الماضي (يناير 2022)، على صفقتي معدات عسكرية لمصر بقيمة 2.56 مليار دولار، تشمل طائرات نقل وأنظمة رادار. وتتضمن الصفقة الأولى، التي تبلغ قيمتها 2.2 مليار دولار بيع مصر 12 طائرة نقل “سي-130 جيه سوبر هيركيوليز” ومعدات أخرى تابعة لها. أما الصفقة الثانية فتتعلق بشراء القاهرة أنظمة رادار للدفاع الجوي بقيمة 355 مليون دولار لمساعدتها في التصدي للتهديدات الجوية.
ويأتي ذلك بالإضافة إلى أموال المعونة العسكرية الأميركية، التي جزء منها عبارة عن 300 مليون دولار أموال سائلة، والجزء الأكبر مخصص لشراء أسلحة ومعدات أميركية فقط. كما تقوم القاهرة كل عام بعد إقرار الميزانية الأميركية بالتفاوض مع واشنطن لشراء ما تحتاجه من أسلحة أميركية، على أن يخصم ثمنها من أموال المعونة العسكرية (1.3 مليار دولار) الموجودة في الخزانة الأميركية[4].
نمت التجارة بين مصر وروسيا بشكل كبير، من 3 مليارات دولار فى عام 2013 إلى 7.6 مليا دولار فى عام 2018، مما يجعل روسيا الشريك الثالث الأكثر أهمية لمصر بعد الاتحاد الأوروبى والصين، فيما تعد مصر حاليًا أكبر شريك تجارى لروسيا فى الشرق الأوسط وإفريقيا. وتهيمن المنتجات الزراعية والطاقة والأسلحة على هذه التبادلات التجارية. إذ تعد روسيا أكبر مصدر للحبوب لمصر، حيث توفر ما يقرب من 65% من طلبها. وفى مايو 2018، وقعت روسيا ومصر اتفاقًا لانشاء منطقة صناعية فى شرق بورسعيد، والتى من المتوقع أن تزيد من عدد الشركات والاستثمارات الروسية[5]. كما تعمل الشركات الروسية الكبرى مثل “روس نفط” و”لوك أويل” و”لادا” فى السوق المصرية باستثمارات تتخطى 7.4 مليار دولار. كذلك تقوم روسيا ببناء أول مفاعل نووي مصري في شمال غرب البلاد بقيمة 25 مليار دولار[6].
وعلى صعيد المجال العسكرى، شرعت روسيا فى تحديث الترسانة العسكرية المصرية وتزويدها بالسلاح الروسى فى إطار خطة تنويع التسليح التى أعلنتها مصر، خصوصًا أن 30% من الأسلحة الروسية التى حصلت عليها مصر فى فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، لا تزال فى الخدمة فى القوات المسلحة المصرية.
ويتركز التعاون العسكري بين مصر وروسيا فى السنوات الأخيرة الماضية على دعم قدرات الدفاع الجوى المصرى، عبر تحديث منظومة الدفاع الجوى قصير المدى إلى منظومة “تور إم 2″، ومنظومة الدفاع الجوى متوسطة المدى إلى منظومة “بوك إم 2″، هذا فضلًا عن إهداء مصر روسيا القطعة البحرية “مولينيا 32 بى” للقوات البحرية المصرية. بالإضافة للتسليح، شهد التعاون بين البلدين فى المجال العسكرى تدريبات مشتركة لوحدات المظلات تحت عنوان “حماة الصداقة”[7].
وعلى الصعيد السياسى، هناك نوع من التوافق فى الرؤي حول العديد من قضايا المنطقة، خاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب وفى القلب منها اعتبار الجماعات والحركات الإسلامية بشقها السياسى والعسكرى حركات “إرهابية”، والتعاون فى محاربة هذه الجماعات سواء فى سوريا عبر دعم نظام بشار الأسد ضد هذه الجماعات أو فى ليبيا عبر دعم الجنرال خليفة حفتر الذى يخوض هو الأخر معارك عسكرية وسياسية ضد هذه الجماعات.
2- مساومة أطراف الصراع:
إن مصر قد تربط بين إمكانية الإعلان عن دعمها لأحد أطراف الصراع (روسيا وأمريكا) بحجم ما ستحصل عليه من مكاسب أو تنازلات من جانب أى منهما. فقد تطلب القاهرة من إدارة بايدن إعادة النظر فى القرر الأمريكى الصادر مؤخراً بالاستمرار في تعليق 130 مليون دولار من المساعدات الأمريكية لمصر بسبب موضوع حقوق الإنسان الذي يشهره المشرعون الأمريكيون وكبار مسؤولي البيت الأبيض باستمرار في وجه أركان نظام السيسي[8].
كذلك فربما ترى القاهرة أن هذا هو الوقت المناسب لإعادة طرح قضية سد النهضة على مجلس الأمن، فقد قامت القاهرة بالفعل بتوجيه خطاب عاجل إلى مجلس الأمن، دعت فيه إلى جلسة جديدة بِشأن الأزمة، في أعقاب إعلان إثيوبيا أخيراً عن تدشين المرحلة الأولى من عملية توليد الكهرباء من السد.
وربما ترى القاهرة أن هذا الوقت مناسب؛ لإمكانية مقايضة الموقف المصرى من الأزمة الأوكرانية لصالح أى من روسيا أو أمريكا بموقفهما من أزمة سد النهضة، وإمكانية عدم قيام روسيا باستخدام الفيتو ضد أى قرار من جانب المجلس فى هذه القضية تقديرًا للدور المصرى المحايد وغير المنحاز لواشنطن (مثلما حدث عندما مررت موسكو قرار تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية تقديرًا للدور الإماراتى الممتنع عن التصويت على قرار مجلس الأمن بإدانة الغزو الروسى لأوكرانيا)، وإمكانية توجه القوى الكبرى إلى الضغط على أثيوبيا لعدم اتخاذ أى خطوات قد تثير الجانب المصرى وقد تدفع نحو تصعيد الأوضاع العسكرية بين الجانبين بما يفتح جبهة صراع أخرى، وأخيرًا، ربما تسعى مصر إلى استغلال تواجد الإمارات كعضو غير دائم فى مجلس الأمن وإمكانية أن يساهم ذلك فى تمرير قرار من مجلس الأمن لصالح مصر مثلما فعلت بتمرير قرار تصنيف الحوثيين “جماعة إرهابية”.
وفى المقابل، وبصورة عكسية، فقد تمارس القوى الكبرى ضغوط كبيرة على مصر لتبنى موقف داعم لأحد أطراف الصراع فى الحرب الأوكرانية الروسية. وفى هذا السياق، فقد دعا سفراء مجموعة الدول السبع الصناعية وسفير الاتحاد الأوروبي في القاهرة، في بيان مشترك، فى 28 فبراير، الحكومة المصرية للوقوف بجوار أوكرانيا وإدانة العدوان الروسي المسلح عليها، وذلك بعد ساعات من مطالبة السفير الأوكراني في القاهرة مصر بإجبار نظيره الروسي على سحب رسالته التي طالب خلالها المصريين بدعم موقف موسكو، والاعتذار عنها، معتبرًا أن الرسالة تحوي تحريضًا على الكراهية والفتنة.
ويعكس ذلك نوع من الضغط الغربى على مصر في هذه اللحظة المفصلية التي تحتاج فيها دعم واشنطن في ملف سد النهضة الشائك مع استمرار التعنت الإثيوبي وعدم الوصول إلى اتفاق حول ملء وتشغيل السد، ويبدو أن ممثلي الدول الأوروبية يُذكّرون مصر في مطالبهم بأنهم دعموا إثارة ملف سد النهضة أمام مجلس الأمن، فيما لم تفعل روسيا أو الصين الأمر نفسه. كذلك فإن مصر بحاجة لدعم أوروبا إذا ما دعت الحاجة للحصول على قرض جديد من صندوق النقد، فضلًا عن رغبة الحكومة المصرية في عدم تعطيل اتفاقية أولويات الشراكة المفترض توقيعها بين القاهرة والاتحاد الأوروبي صيف العام الجاري، فيما يتعلق بالتعاون بين مصر والمنظمة الأوروبية خلال سبع سنوات في مجالات اقتصادية[9].
3- التحول لمركز اقليمى للطاقة:
قد تحمل الأزمة الأوكرانية أخباراً جيدة لحركة تصدير الغاز المصري المسال. فمع توالي اكتشافات حقول الغاز، بدأت الدولة المصرية تنفيذ خطة طموحة لدخول فئة المصدرين الكبار للغاز الطبيعي المسال. وبحسب تقرير حديث صادر عن جهاز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري، فقد نجحت مصر في احتلال المركز الـ 14 عالمياً ضمن مصدري الغاز الطبيعي المسال.
وبلغ الفائض في العام الماضي 3.5 مليار متر مكعب جرى تصديرها للخارج. وبالنسبة للعائد، قفزت قيمة صادرات مصر من الغاز الطبيعي والمسال خلال 2021 بنسبة 550% لتصل إلى 3.9 مليارات دولار، مقابل 600 مليون خلال 2020، وفق تصريحات وزير البترول طارق الملا[10]. ما يعني أن أرباح تصدير الغاز الطبيعي قد تخفف من الضغط على الموازنة العامة من خلال خلق موارد يمكنها تغطية فاتورة الارتفاعات التي تواجهها مصر في استيراد السلع الإستراتيجية، وعلى رأسها المشتقات البترولية[11].
كذلك فقد تؤدى التوترات الراهنة إلى النظر للغاز المصري باعتباره بديلًا أفضل حال حدوث أي نقص بإمدادات الغاز الطبيعي الروسي لأوروبا. حيث تمثل مصر واحدة من عدة دول تعد بدائل محتملة للغاز الروسي، فمن ناحية نقلت وكالة بلومبيرغ الأميركية (Bloomberg)، أن البيت الأبيض تواصل مع منتجي الغاز، بما في ذلك قطر ونيجيريا ومصر وليبيا والشركات العاملة بالجزائر، بشأن زيادة الإنتاج حال اندلاع الأعمال “العدائية”[12].
وقد شجع الموقع الجغرافي لمصر على ساحل البحر المتوسط، وقربها من كل من قبرص وإسرائيل على التعاون في مجال الطاقة لربط حقول الغاز في كل من إسرائيل وقبرص واليونان ومصر للتصدير إلى الأسواق الأوروبية. وضمن السياق ذاته، فإن إحدى الميزات التنافسية لمصر هي إمكانية تسييل الغاز؛ حيث تمتلك مصر قدرة تسييل غاز غير مستخدمة لإنتاج 12 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويًا من خلال مجمعي تسييل إدكو ودمياط ، بالإضافة إلى ذلك حجم الفائض في إنتاج الغاز الطبيعي يصل إلى 1.6 مليار قدم مكعب يوميًا في عام 2021، وهو ما يعني فائض سنوي قدره 16 مليار متر مكعب، أي 12.2 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال وهو ما يشكل حوالي 15 ٪ من احتياجات الاتحاد الأوروبي[13].
ومع ذلك، لا تزال هناك عدة معوقات أمام الغاز المصرى ليكون بديلًا فعليًا للغاز الروسى، حيث تبقى هناك دول عدة تتجاوز الإنتاج المصري بمراحل، منها قطر التي جاءت في مقدمة أكبر الدول العربية المصدرة للغاز الطبيعي المسال خلال الربع الثالث من العام الماضي (2021) بنحو 19.1 مليون طن، الجزائر 2.4 مليون، عمان 2.5 مليون.
كما أن روسيا سترفض مد خطوط أنابيب مباشرة من حقول شرق المتوسط، لتكون بديلًا سواء لخطوطها الحالية الممتدة لأوروبا أو الجديدة مثل نورد ستريم-2، والذي يعد صلب المواجهة مع البلدان الغربية بشأن أوكرانيا. كذلك ستتضاعف كلفة تنمية حقول شرق المتوسط إذا اعتمدت على تسييل الغاز (فى محطتى أدكو ودمياط) وتصديره بناقلات لأوروبا، وهي نقطة الضعف الأساسية التي تعتمد عليها موسكو في الضغط على أوروبا[14].
4- تهديد الأمن الغذائى:
ثمة مخاوف من أن يؤدي النزاع إلى أزمات في سوق القمح العالمي، وانخفاض المعروض منه نتيجة توقف عرض القمح الروسي والأوكراني، ما يؤدى إلى ارتفاع الأسعار العالمية للقمح والدقيق. وكون مصر أكبر مستورد للقمح، يعني أن الأزمة ستزيد من الأعباء المالية على مصر، في ضوء المؤشرات التالية:
– كانت مصر وفقًا لتوقعات الخبراء واحدة من أكثر الدول المحتمل تأثرها بالأزمة؛ لكون مصر هي أكبر مستورد للقمح من بين دول العالم بنحو 13 مليون طن سنويًا، لتسد فجوة استهلاكية بين الاستهلاك الذي يتخطى 21 مليون طن سنويًا وبين الإنتاج المحلي الذي يقدر بحوالي 8.5 مليون طن. ولكن الأسوأ أن حجم استهلاك المصريين من القمح مرشح للزيادة العام الحالي ليصل إلى 23 مليون طن سنويًا مع ارتفاع عدد السكان وفقًا لتقرير لوزارة الزراعة الأمريكية.
– لم تتخطَ نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح حدود الـ 50% في أحسن أحوالها منذ 2015. وهو ما يزيد من خطر الأزمة على الداخل المصري، حيث تعتمد مصر على الاستيراد في تأمين احتياجاتها و85% منها من دولتي الصراع (روسيا وأوكرانيا) لكونه القمح الأقرب للمواصفات المصرية. وتُعد مصر أكبر دولة عربية مستهلكة للقمح الأوكراني؛ إذ استوردت منه أكثر من 3 ملايين طن، وهو ما يعادل حوالي 14% من إجمالي قمحها، كما اشترت مصر 8.9 مليون طن قمح من روسيا عام 2020. وقُدرت فاتورة استيراد القمح المصري عام 2019 بنحو 50.5 مليار جنيه، عن 12.5 مليون طن قمح.
– حال تزايد الأسعار على خلفية الأزمة الراهنة من المتوقع أن يزيد ذلك من فاتورة استيراد القمح المصري، فكل زيادة في سعر طن القمح عالميًا تنعكس على قيمة المخصصات اللازمة لشراء القمح، وكل زيادة بقيمة دولار واحد في الطن تصل تكلفتها بالموازنة العامة للدولة خلال العام المالي الحالي 2021-2022 إلى ملياري جنيه (نحو 128 مليون دولار أميركي).
وقد تكبدت الخزانة العامة للدولة أعباءً إضافية خلال النصف الأول من العام الماضي وصلت إلى 14 مليار جنيه (892 مليون دولار) بسبب الارتفاعات العالمية في أسعار القمح، ووفقًا للبيان المالي للموازنة العامة للدولة عن العام المالي الحالي 2021-2022، حددت الحكومة المصرية متوسط سعر لشراء القمح عالميًا عند 255 دولارًا للطن الواحد. وكان وزير المالية قد صرح بأن هناك توقعات بارتفاع تكلفة استيراد القمح في موازنة 21/22 بنحو 12 مليار جنيه، لظروف السوق العالمية[15].
– وبحسب مؤشرات ووقائع تاريخية، عادة ما ارتبطت أزمات الخبز بعدم استقرار سياسي واجتماعي في البلاد، وهو ما يدفع الحكومات المتعاقبة للتعامل معه باعتباره قضية أمن قومي[16]. فعلى سبيل المثال، فإن حظر موسكو تصدير القمح إلى الخارج عام 2010 كان سبب ارتفاع سعره عالميًا، مما دفع الحكومة المصرية آنذاك إلى رفع سعر الخبز، ليتصدر شعارات ثورة يناير 2011 “عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية” قبل أن تتوسع المطالب لتشمل تغيير النظام.
وعلى الرغم من أن هناك تحليلات تشير إلى أن مصر تستطيع مواجهة هذه الأزمة؛ وذلك لأن اعتدال المناخ في مصر هذا العام سيزيد من حجم محصول القمح، والذي سيبدأ موسم الحصاد خلال شهر ويستمر حتى منتصف العام،حيث أن هناك تزامن بين الصراع الروسي الأوكراني مع موسم حصاد القمح محليًا ما يحقق الاكتفاء الذاتي محليًا خلال الفترة المقبلة. كما أن الحكومة المصرية تحوطت ضد أزمة القمح العالمية، ورفعت أسعار شرائه من المزارعين محليا بنسبة 15% لتشجيعهم على الزراعة. وأن المخزون الاستراتيجي المصري من القمح في الوقت الحالي يكفى 5 أشهر، واعتبارًا من 15 إبريل المقبل سيتم ضم الإنتاج المحلي من القمح ليكون الإجمالي لمدة 9 أشهر.
كما تشير تلك التحليلات إلى أنه مع أن روسيا وأوكرانيا تعد أكبر الدول المصدرة للقمح لمصر، بنسبة تصل إلى 80% من حجم الواردات، فإن الحكومة المصرية تبحث استيراد القمح من 14 دولة أخرى بينهم دول خارج القارة الأوروبية مثل الولايات المتحدة، بحسب تصريحات تليفزيونية للسفير نادر سعد، المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري[17]. وفي حقيقة الأمر، إن الهيئة العامة للسلع التموينية تعتمد 15 دولة لاستيراد الأقماح وهي أمريكا، وكندا، وفرنسا، وأستراليا، وألمانيا، والأرجنتين، وروسيا، وأوكرانيا، ورومانيا، وبولندا، وبلغاريا، وصربيا، والمجر، وباراجواي، وكازاخستان[18].
ولكن بنظرة فاحصة، يمكن القول أن هناك صعوبة بالغة ستواجهها القاهرة لمواجهة تلك الأزمة، فبالإضافة إلى ما تم ذكره أعلاه عند توضيحه كيفية تهديد الأزمة للأمن الغذائى المصرى، فإن الأزمة الأوكرانية سوف تؤثر على التوريد والطاقة فتُرفع تكلفة الإنتاج محلياً خاصة مع إغلاق مصانع سماد محلية، وهذا ما قد يجعل سعر التوريد الحكومي غير مشجع للفلاحين على زراعة القمح. كما أنه في حالة الاعتماد على مصادر يُنقل منها القمح عبر مسافات أطول من تلك التي يُنقل منها من أوكرانيا وروسيا، سيكون هناك انعكاس على رفع الأسعار[19].
كذلك فأن الحكومة المصرية سوف تستغل هذه التوترات وارتفاع الأسعار العالمية وتتخذها سندا داعما لها لاتخاذ قرار برفع أسعار الخبز المدعم[20]. وفي سبتمبر الماضي، فاجأ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ملايين المصريين بعزمه رفع سعر رغيف الخبز التمويني من دون أن يقدم مبررات اقتصادية أو سياسية واضحة لهذا القرار، مطالباً المواطن بتحمل فاتورة التنمية التي تقودها الدولة[21].
ومع الأزمة الأوكرانية، تصاعدت وتيرة التصريحات الحكومية حول الأعباء التي تتحملها مصر لتوفير رغيف الخبز بأسعاره الحالية، ما يؤذن بقرب تراجع الدعم المقدم إلى غذاء المصريين الأساسي. فقد توقع رئيس جهاز تنمية التجارة الداخلية المصري، إبراهيم عشماوي، ارتفاع أسعار عدد من السلع في ظل التبعات السلبية للأزمة الروسية الأوكرانية. وأوضح عشماوي أن الزيادة متوقعة في كثير من السلع الأساسية بسبب زيادة سعر النقل والشحن وقلة حجم الإنتاج وغيرها من الأسباب[22].
5- رفع فاتورة الإمدادت النفطية:
نجحت مصر في نهاية العام الماضي في خفض فاتورة استيراد المشتقات البترولية نحو 16% إلى 17%، أي ما يوازي نحو مليار دولار، مع تزايد اعتمادها على الناتج المحلي وخفض معدلات الاستيراد. إلا أن ذلك النجاح بات مهدداً بعدما قفزت أسعار النفط خلال الساعات الأولى من الهجمة الروسية على أوكرانيا ليصل سعر البرميل من خام برنت إلى 105 دولارات لأول مرة منذ أغسطس 2018.
هذا الارتفاع لا يهدد الموازنة المصرية التي قدرت سعر برميل البترول بـ 61 دولاراً فقط، في وقت ارتفع السعر إلى 95 دولاراً ثم إلى 105 دولارات مع زيادات أخرى متوقعة إن طال أمد الحرب. وهذا ما يهدد الوضع الاقتصادي المصري الذي يعاني من تضخم وركود في إطار أزمة جائحة كوفيد-19، ومن المتوقع حدوث زيادات أكبر في أسعار السلع الأساسية والاستهلاكية نتيجة ارتفاع تكلفة التوريدات والتصنيع الناتجة عن ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج وسلاسل التوريد[23].
وإن كان هناك توقعات بتسوية الولايات المتحدة الأمريكية وإيران للخلافات بينهما، والسماح بدخول النفط الإيراني إلى الأسواق العالمية مما يزيد من المعروض وتخفيض الأسعار[24].
6- السياحة:
في أغسطس 2021، عمت الفرحة المنتجعات السياحية ووسائل الإعلام المصرية مع عودة نشاط السياحة الروسية إلى مصر عقب التوتر الناجم عن انفجار طائرة شرم الشيخ، ثم أزمة جائحة كوفيد-19. وقفزت إشغالات الفنادق في جنوب سيناء – الوجهة السياحية الأبرز للسياح الآتين من روسيا وشرق أوروبا- إلى 92%.
هذه الفرحة تراجعت مع بروز بوادر الحرب الروسية على أوكرانيا. إذ أعلنت غرفة السياحة قبل يومين من بدء الحرب أن الإشغالات الفندقية انخفضت 30% دفعة واحدة في شرم الشيخ والغردقة. ووفقاً لتصريحات صحافية، تشكل روسيا وأوكرانيا معاً “أهم الأسواق المصدرة للسياحة إلى مصر”. وبحسب البيانات الرسمية لوزارة السياحة يشكل الروس وحدهم 33% من إجمالي السائحين الذين تستقبلهم مصر سنوياً. وتوقعت مصر في أغسطس الماضي أن تصل أرباحها من السياحة الروسية إلى نحو ثلاثة مليارات دولار. ووفقاً لوكالة السياحة الحكومية الأوكرانية، فقد بلغ عدد الرحلات السياحية إلى الخارج التي قام بها المواطنون الأوكرانيون عام 2021 نحو 14.7 مليون رحلة، وجاءت مصر في المرتبة الثانية بنسبة 21%.
ومن المتوقع أن تؤثر العقوبات الغربية على المواطنين الروس، وقدرتهم على السفر والسياحة، وتالياً على الدخل المصري المتوقع من السياحة الروسية التي تعول عليها السلطات المصرية في تنشيط القطاع الذي يعاني تراجعاً منذ سنوات[25]. وكما كان متوقعا فقد تم إلغاء العديد من الحجوزات من البلدين (روسيا وأوكرانيا) لمصر ولبقية العالم والتقديرات تقول إن الفنادق سوف تتأثر بنسب تصل إلى ٢٥٪، والرهان الآن على عودة السائحين الإنجليز فى مارس مع الألمان. وللعلم فإن السياحة الأوكرانية هى التى أنقذت شرم الشيخ والغردقة طوال الفترة من ٢٠١٧ وحتى ٢٠٢٢، حينما توقف السائحون الروس عن المجيء بعد حادث تحطم الطائرة الروسية فوق سيناء فى اكتوبر ٢٠١٥، والبلدان يمثلان ٧٠٪ من إجمالى السائحين الذين تدفقوا إلى شرم الشيخ فى الشهور الخمسة الأخيرة. فضربة السياحة شديدة وإيجاد أسواق بديلة يحتاج إلى وقت أطول[26].
7- الطلاب المصريين فى أوكرانيا:
نشر طلاب مصريون في أوكرانيا استغاثات عبر مواقع التواصل، مطالبين بسرعة إجلاءهم وعودتهم إلى مصر. وبحسب منشورات المصريين والطلاب عبر مواقع التواصل، الذين أكدوا عبرها أنه لم يعد هناك أي وسيلة لتوصيل معاناتهم للحكومة المصرية غير فيسبوك بعد فشلهم في التواصل مع السفارة في كييف. وبدأ هاشتاج بعنوان «طلاب مصر في أوكرانيا» بالظهور على مواقع التواصل.
في المقابل، قالت نبيلة مكرم، وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، في بيانٍ إن الوزارة شكلت غرفة عمليات لمتابعة موقف الجالية المصرية في أوكرانيا، تتواصل مع رؤساء الجالية لمتابعة الموقف. وأضاف البيان على صعيد الطلاب والدارسين، أن مركز وزارة الهجرة للحوار لشباب المصريين الدارسين بالخارج يتواصل مع الدارسين في أوكرانيا المتواجدين بعدة مدن مختلفة، حيث يتم التنسيق مع الوزارات المعنية حول الحلول البديلة للطلاب وتوجيههم للبعد عن المناطق الخطرة[27].
-
الجزائر:
قام وزير الخارجية الإيطالي “لويجي دي مايو”، بزيارة إلى الجزائر، في 28 فبراير 2022، التقى خلالها بالرئيسَ الجزائري “عبدالمجيد تبون”، وهى الزيارة التى تهدف إلى تأمين الاحتياجات الإيطالية من الغاز الطبيعي الذي تصدره الجزائر لها (تستورد إيطاليا 90% من احتياجاتها من الغاز من الجزائر وروسيا) ولمعظم الدول الأوروبية والتي تمدها بنسبة 11% تقريباً من الغاز الطبيعي. ولعل تصريحات الرئيس الجزائري الأخيرة التي أشار فيها إلى قدرة بلاده على تغطية احتياجات الدول الأوروبية من الغاز الطبيعي تؤكد على طبيعة وهدف زيارة “لويجي دي مايو” للجزائر في هذا التوقيت الهام الذي تزامن مع إيقاف روسيا صادراتها من الغاز الطبيعي للدول الأوروبية.
فخلال الشهور الستة الأولى من عام 2021 ارتفعت إمدادات الغاز الجزائرية إلى ايطاليا بنسبة 190% حتى نهاية يونيو الماضي، وذلك مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2020، حيث حصلت إيطاليا خلال هذه الفترة على 11.18 مليار متر مكعب من الغاز الجزائري بعد أن كانت تحصل على 7.325 مليار متر مكعب خلال الفترة نفسها في عام 2020، وهو ما جعل الجزائر (سوناطراك) تستحوذ على حصة من السوق الإيطالية تقدر بحوالي ـ30.3%، والأمر الآن مرشح للزيادة بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية.
كذلك يهدف دى مايو إلى حسم موقف الجزائر من أزمة أوكرانيا، فقد جاءت زيارة وزير الخارجية الإيطالي للجزائر في ظلّ ما تواجهه الأخيرة من موقف حرج بين إبداء تأييدها لروسيا التي تعد المصدر الرئيسي لتسليح قواتها المسلحة، إضافة للدعم الروسي للموقف الجزائري في قضية الصحراء المغربية، كما تعد روسيا مصدراً رئيسياً لتأمين احتياجات الجزائر من القمح التي ارتفعت خلال الفترة الأخيرة بسبب حالة الجفاف وتداعيات جائحة كورونا، وبين الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية مع الدول الأوروبية، خاصة وأن الجزائر أصبحت المصدر الرئيسي لإمداد الدول الأوروبية باحتياجاتها من الغاز الطبيعي. ولعل زيارة “دي مايو” للجزائر كانت بهدف انضمام الجزائر إلى الإجماع الأوروبي الرافض للغزو الروسي لأوكرانيا، وحتى الآن لم يصدر عن الجزائر موقف سياسي واضح ومحدد تجاه هذه الأزمة، واقتصرت البيانات الصادرة عن وزارة الخارجية الجزائرية على متابعة أوضاع الرعايا الجزائريين في أوكرانيا[28].
ولا يخرج الموقف الجزائرى عن الموقف العام المحايد لدول الشرق الأوسط تجاه الأزمة الأوكرانية، ويرجع ذلك بصورة رئيسية إلى محددات رئيسية تحكم الموقف الجزائرى تتمثل فى:
المحدد الأول؛ تأثير الأزمة الأوكرانية على الأمن الغذائي العالمي وتحديدًا في السلع الاستراتيجية كالقمح. حيث تعد أوكرانيا تُعد واحدة من أهم مصدري الحبوب والزيوت واللحوم للدول في شمال إفريقيا عبر البحر الأسود، في حين تأتي روسيا لتُشكل المزود الرئيس للقمح إلى الجزائر وبعدها أوكرانيا.
ولعل تلك الحرب الدائرة ستدفع الجزائر إلى انتهاج سياسات تعزيزية إما برفع الدعم عن السلع الاستراتيجية أو عبر ضخ مزيد من الإنفاق المالي بها لمعالجة الخلل الناجم عن وقف عمليات الاستيراد من القمح وغيرها، وفي كلا الحالتين سوف تُمثل ضغطًا مضاعفًا على الوضع الاجتماعي والاقتصادي بها، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر على الاستقرار الداخلي، خاصة في ظل الوضعية الصعبة للاقتصاد الجزائري.
المحدد الثانى؛ عمليات التصدير للأسلحة الروسية للجزائر –تُعد روسيا المصدر الأول للسلاح للجزائر- حيث تُخصص الجزائر نحو 10 مليارات دولار لصالح استيراد السلاح الروسي، وهو الأمر الذي يخلق مساحة لإحداث خلل في ميزان القوى العسكرية في تلك المنطقة وتحديدًا بين المغرب والجزائر لصالح الأولى[29].
المحدد الثالث؛ الغاز، حيث تبرز الجزائر كخيار محتمل أمام الاتحاد الأوروبي باعتبارها المورد الرئيس للغاز لكل من إيطاليا وإسبانيا، وثالث أكبر مزود للغاز في الاتحاد بعد روسيا والنرويج، حيث صدرت حوالي 34 مليار متر مكعب من الغاز إلى الاتحاد الأوروبي عام 2021 (8% من إجمالي واردات الاتحاد) من خلال خطوط أنابيب عبر البحر المتوسط الواصلة إلى إسبانيا وإيطاليا، ومحطة للغاز الطبيعي المسال. وتُشير التقديرات إلى إمكانية أن توفر الجزائر 7 مليارات متر مكعب إضافية من الغاز إلى أوروبا عام 2022 من خلال زيادة الشحنات عبر خط أنابيب “ترانسميد” إلى إيطاليا، وكذلك عبر التوسع الأخير في خط أنابيب “ميدغاز” إلى إسبانيا وربما بعض شحنات الغاز الطبيعي المسال.
ومع ذلك، فإن زيادة الاستهلاك المحلي للغاز وعدم الاستقرار السياسي في البلاد وإغلاق خط الأنابيب المغاربي الأوروبي “GME” عبر المغرب إلى إسبانيا يحد من فاعلية البديل الجزائري على المدى القصير. لكن ربما يدفع هذا الاتحاد الأوروبي لممارسة ضغوط سياسية على المغرب والجزائر لتسوية الخلافات السياسية العالقة وإعادة تشغيل خط GME[30].
كما تنخرط الجزائر بصورة كبيرة في التعاون في قطاع الطاقة مع روسيا. وفي هذا الشأن فقد تم الاتفاق في سبتمبر 2021 بين شركة سونطراك الجزائرية وشركة غازبروم الروسية للعمل في مجال إنتاج ونقل الغاز وذلك عبر تطوير بعض حقول الغاز، وهو ما يزيد الأمر تعقيدًا بين التجاوب مع التطلعات الأوروبية لسد احتياجاتها مع الغاز من الجزائر وما بين الحفاظ على الشراكة الاستراتيجية الروسية[31].
المحدد الرابع؛ باتت الجزائر تعتمد بصورة كبيرة على نهج التحالفات الجديدة وتعدد جبهات التعاون؛ فمن المحتمل أن تخلق مجالاً متزنًا في الحفاظ على علاقاتها مع موسكو، خاصة في إطار سياسة المحاور التي باتت تتشكل في الشمال الإفريقي ما بين الجزائر وموسكو وإيران في مواجهة محور المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وما بين إحداث اختراق في العمق الأوروبي نظير الحفاظ على التعاون الأمني بينهما في مجال مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء، وتعزيز وضعيتها في مواجهة المغرب خاصة فيما يتعلق بملف الصحراء الغربية.
وهو ما يحقق لها مكاسب متعددة، خاصة وأنه في حال تحقيق تلك المعادلة وتوجه الجزائر إلى تصدير الغاز والنفط لأوروبا سيساعد على تحسين إيراداتها من ذلك المورد بما يحسن الوضع الاقتصادي الداخلي هذا على المستوى المنظور (ويمكن توصيف ذلك بالمكسب الظرفي) واستغلال حالة ارتفاع أسعار النفط الحالية لتغطية عجز الموازنة بالجزائر. وعلى المستوى الاستراتيجي فالجزائر من الممكن أن تربط زيادة تصديرها للغاز إلى أوروبا بالحصول على دعمهم في ملف الصحراء[32].
-
السعودية:
عادةً ما استغلت الرياض قدرتها على زيادة إنتاج النفط من أجل خفض الأسعار متى احتاجت الولايات المتحدة ذلك. لكن السعوديين لم يتعاونوا في الأزمة الأوكرانية -حتى الآن على الأقل. وبحسب مجلة Foreign Affairs الأمريكية، فأن السعودية تتمنع أمام مناشدات حليفها الأمريكي، بزيادة انتاج النفط لتخفيض أسعاره التى وصلت إلى 120 دولار للبرميل مع الغزو الروسى لأوكرانيا.
فقد أجرى الرئيس بايدن محادثة مع الملك سلمان في 9 فبراير، وجاء في البيان الصادر من البيت الأبيض ما يلي: “كرّر كلا الزعيمين تأكيد التزام الولايات المتحدة والسعودية بضمان استقرار إمدادات الطاقة العالمية”. ووسّعت النسخة السعودية هذه العبارة مضيفةً: “… مع التشديد على دور اتفاق “أوبك بلس” التاريخي في هذا الصدد، وأهمية الحفاظ عليه”[33]. وبذريعة الحفاظ على اتفاقية الإنتاج بين “أوبك” والدول غير الأعضاء في “أوبك” “أوبك+”، رفضت السعودية دعوة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” لضخ المزيد من النفط حيث تجاوزت الأسعار علامة 100 دولار للبرميل بعد الهجوم على أوكرانيا. ومن المرجح أن يفسر الرئيس الأمريكي الموقف السعودي على أنه بمثابة تقويض للمحاولات الغربية لاستخدام العقوبات كأداة أساسية ضد موسكو[34].
ويمكن الإشارة إلى مجموعة من المحددات الرئيسية المؤثرة فى الموقف السعودى، تتمثل فى:
المحدد الأول؛ تقود الرياض وموسكو تحالف “أوبك+”، حيث تتحكم الدولتان بصرامة في إنتاج النفط لزيادة أسعاره في السنوات الأخيرة. وتخشى السعودية من أن يؤدى زيادة انتاجها للنفط إلى الإضرار بعلاقتها مع موسكو، وترى أن هناك ضرورة في الحفاظ على مشاركة روسيا في “أوبك+”؛ لأنها إذا تركت روسيا التحالف النفطي، فمن المحتمل أن ينهار الاتفاق برمته[35]، بما يؤثر على أسعار النفط بالانهيار تمامًا كما حدث في أوائل عام 2020[36].
المحدد الثانى؛ العلاقة بين السعودية والإدارة الأمريكية الحالية ليست فى أفضل أحوالها لأسباب عدة، منها تراجع حماسها في دعم الرياض في حرب اليمن، وهناك أيضا سبب أقرب إلى الشخصي: اندفاع الرئيس بايدن في أيامه الأولى إلى انتقاد ولي العهد محمد بن سلمان بسبب قضية جمال خاشقجي، دفع بالحاكم الفعلي للسعودية إلى اتخاذ موقف متشدد من بايدن ومساعديه[37].
ورغم أن بايدن تجنب فرض العقوبات على محمد بن سلمان على خلفية مقتل الصحفى جمال خاشقجى أو التورط السعودى فى حرب اليمن، لكنه رفض التعامل مع محمد بن سلمان في الوقت ذاته موكلاً تلك المهمة لوزير الدفاع لويد أوستن. ولهذا فاض الكيل بابن سلمان بعد عامٍ واحد من هذه المعاملة، وقرر في سبتمبر الماضي إلغاء زيارة أوستن للسعودية قبل يومٍ واحد من موعدها. في حين يشير عددٌ من مسؤولي الإدارة البارزين إلى أن بن سلمان في انتظار مكالمةٍ من الرئيس شخصياً قبل أن يفكر في الاستجابة لمناشدات الإدارة.
المحدد الثالث؛ لم تكن السعودية ستتردد في الماضي للاستجابة للمطالب الأمريكية بزيادة انتاج النفط، لعلمها أن مساعدة حليفها الأمريكي في وقت الحاجة هي أشبه بدفع قسط تأمين يضمن أن تهب الولايات المتحدة للدفاع عن السعودية عند الضرورة. لكن ذلك العقد انهار في سبتمبر عام 2019، حين تعرضت منشآت النفط السعودية في البقيق لهجومٍ بصواريخ وطائرات مسيرة إيرانية. وبدلاً من أن تهب الولايات المتحدة للدفاع عن السعوديين، وارب ترامب في موقفه مشيراً إلى أن الهجوم وقع ضد السعودية وليس الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد سار بايدن على نفس النهج حين أنهى “الحرب الأبدية” في أفغانستان وتوجه إلى الانسحاب من الشرق الأوسط؛ مما دفع قادة الشرق الأوسط إلى التوصل لاستنتاجٍ مفاده أن الولايات المتحدة لم تعُد شريكاً يُعتمد عليه في أمن المنطقة[38].
ولا يمكن بحال من الأحوال، فصل مباحثات وزير الخارجية السعودي الأمير “فيصل بن فرحان”، مع نظيره الفرنسي “جان إيف لودريان”، في العاصمة باريس، 28 فبراير، عن تطورات الحرب الأوكرانية، ومعها تقلبات سوق الطاقة عالميًا. وتأتي المباحثات، بعد اتصال هاتفي تلقاه “بن سلمان” من الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”؛ لبحث تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا على أسواق الطاقة، الأمر الذي يؤكد أن الزعيم الغربي حمل طلبا أوروبيا، وربما أمريكيا، بشكل غير مباشر للرياض بالتدخل للجم الأسعار.
من المؤكد أن اتصال “ماكرون” لن يرضي غرور الأمير الشاب، الذي يرفض الرئيس الأمريكي الحالي، التحدث إليه، منذ توليه مقاليد الأمور في البيت الأبيض مطلع العام الماضي، معلنا تبني سياسة إعادة “ضبط العلاقات” مع المملكة. ولكن مع قرب حلول موعد الانتخابات النصفية الأمريكية في نوفمبر المقبل، تزدادا الضغوط على إدارة “بايدن”حيث يتوقع تغيير السيطرة على أحد مجلسى الكونجرس أو كليهما، ومعها تزاداد الحاجة الملحة للحليف السعودي لضبط أسعار النفط، وتهدئة الأسواق.
وبلغة المكاسب والخسائر، يمكن القول، إن السعودية في حاجة ماسة لسعر مرتفع لبرميل النفط؛ لتعويض خسائرها التي منيت بها بفعل جائحة “كورونا” على مدار عامين. ووفق وكالة “بلومبرج”؛ فإنه إذا ظلت أسعار النفط (فوق 80 دولارا للبرميل) والإنتاج السعودي عند المستويات الحالية (أكثر من 10 مليون برميل يوميا)، فإن إجمالي عائدات المملكة من النفط سيتجاوز 300 مليار دولار في عام 2022. وتؤكد الوكالة الأمريكية، أن السعودية في طريقها في عام 2022 لتحقيق أكبر قدر من الأموال من عائدات النفط في 8 سنوات، ما يساعد على إنعاش خزائن المملكة بموجة من دولارات النفط، ودعم خطط “بن “سلمان” في الداخل لتحقيق رؤية 2030 الهادفة إلى تنويع الاقتصاد السعودي.
وإضافة إلى دولارات النفط، لا شك أن هناك رغبة سياسية لدى الرياض في جني مكاسب سياسية، أولها معاقبة “بايدن” بسبب موقفه المناهض لـ”بن سلمان”، وضرب الحزب الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي، جراء تحميله المسؤولية عن ارتفاع التضخم وزيادة أسعار الوقود. وربما يستجيب ابن سلمان لطلب بايدن بزيادة الانتاج، حيث يمكن للسعودية إرسال كميات من النفط إلى أمريكا بشكل منفرد بدون أن يؤثر ذلك على اتفاق “أوبك+”، ولكن ذلك سيكون بشروط، أهمها إغلاق ملف “خاشقجي”، واستعادة القبول الدولي لمحمد بن سلمان كملك محتمل للسعودية، خلفا لوالده.
وإن كان هناك خيار آخر يتمثل في رفع العقوبات عن إيران، وهي دولة مهمة في مجال إنتاج النفط ويمكن لـ”بايدن” العمل معها لتجاوز رفض الرياض زيادة معدلات إنتاج النفط. ولو عادت إيران إلى أسواق النفط، فإن ذلك سيحد من قدرة السعودية على إلحاق الضرر بالولايات المتحدة عبر سلاحها النفطي[39].
-
الإمارات:
أفادت وكالة الأنباء الرسمية في الإمارات، في 23 فبراير، عن اتصال هاتفي بين وزير الخارجية عبدالله بن زايد ونظيره الروسي سيرغي لافروف، مشيرةً إلى أنهما بحثا “عمق الصداقة” بين البلدين. كما أعرب عبدالله عن “تطلّع الإمارات إلى تعزيز آفاق التعاون في مختلف المجالات”. وعلى الرغم من أن الإمارات لم تعترف رسمياً بجمهوريتَي دونيتسك ولوهانسك الانفصاليتين[40]، إلا أن الوزير الإماراتي لم يشر إلى الأزمة فى أوكرانيا فضلًا عن عدم إدانة الغزو الروسى.
وبحسب صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، فإن وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” اتصل بنظيره الإماراتي “عبدالله بن زايد” للتأكيد على “أهمية بناء رد دولي قوي لدعم السيادة الأوكرانية”، ولكن عندما تعلّق الأمر بالتصويت في مجلس الأمن الدولي، فى 25 فبراير، تجاهلت الإمارات مناشدات واشنطن وانضمت بدلًا من ذلك إلى الصين والهند في الامتناع عن التصويت[41]. وامتنعت السفيرة الإماراتية “لانا نسيبة”، عن إدانة روسيا، ورفضت وصف روسيا كمعدتية أو أوكرانيا كضحية في خطابها. واكتفت “نسيبة” بالإشارة إلى أن “التطورات الخطيرة في أوكرانيا تقوض السلام والأمن في المنطقة”، وأن “الإمارات تؤكد التزامها بوحدة أراضي وسيادة واستقلال جميع الدول الأعضاء”[42].
ويمكن توضيح محددات الموقف الإماراتى كما يلى:
المحدد الأول؛ بدأت مؤخرًا معالم تشكيل تحالفات عسكرية وأمنية بين الإمارات ودولٍ مختلفة، في ظل المعطيات والمؤشرات التي توحي بخلافات جزئية مع الولايات المتحدة الأمريكية، مع مجيء إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وفى ظل الانسحاب الأمريكى من منطقة الشرق الأوسط.
وتدريجياً لجأت الإمارات خلال العام الأخير، إلى تنويع شركائها، خصوصاً في المجال العسكري والأمني، وكانت الاتفاقات التي وقَّعتها مع “إسرائيل” والصين، إضافة إلى روسيا، توحي بخيار إماراتي قائم على تنويع الشركاء العسكريين والاقتصاديين، والقطع مع الرهان التقليدي على الحليف الواحد[43].
وقد أصبحت العلاقة مع روسيا مهمة جداً للإمارات بالنّظر إلى تصاعد التأثير الروسي في قضايا المنطقة خلال السنوات الأخيرة. وعلى سبيل المثال، ففي العام 2018، وقعت الإمارات وروسيا إعلان “الشراكة الاستراتيجية” بين البلدين، وذلك خلال زيارة قام بها لموسكو ولي عهد أبوظبي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. وقال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، آنذاك، أنور قرقاش، في تصريحات صحفية: “الشيخ محمد بن زايد أنشأ علاقة شخصية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين”. وأضاف قرقاش، الذي يشغل حالياً منصب مستشار الشؤون الدبلوماسية للرئيس الإماراتي، أن الكرملين يؤكد أنّ مواقف البلدين “متطابقة أو قريبة جداً” في كل الملفات المطروحة والحيوية[44].
وخلال عام 2016 أصبح للإمارات والسعودية علاقات جيدة مع الروس بحكم أن الأخيرة بدأت تدخل في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة في ملفات سوريا وليبيا واليمن[45]. وعليه، تخشى دول الخليج أن تقوم بأى ردة فعل تغضب روسيا وتتسبب فى تحركها بما يضر بالمصالح الخليجية فى هذه الملفات، بل وترى أن موقفها المحايد – وربما المساند – لروسيا قد يدفع الأخيرة إلى مراعاة المخاوف الخليجية فى هذه الملفات.
وفيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية، فقد حقق التعاون الاقتصادي بين البدين قفزات مهمة في حجمه وتنوعه خلال السنوات القليلة الماضية، وتستحوذ الإمارات على 55% من تجارة روسيا الخليجية، وتصنف الإمارات ضمن أهم الدول العربية في التجارة الروسية، حيث تأتي بالمرتبة الثانية. وتعد الإمارات الوجهة الأولى عربياً للاستثمارات الروسية، وتستحوذ على 90% من استثمارات روسيا بالدول العربية. وفي المقابل فالإمارات هي أكبر مستثمر عربي في روسيا، وتساهم بـ 80% من الاستثمارات العربية فيها[46].
وامتداداً للعلاقات السياسية والاقتصادية ترتبط الإمارات بعلاقات عسكرية متينة مع روسيا، حيث تعد موسكو أحد أهم مصادر التسلح الإماراتية. فقد كشفت موسكو رسمياً، فى فبراير 2021، عن اتفاق مع أبوظبي لشراء مروحيات من طراز (VRT500)، وطائرات مسيرة من دون طيار من طراز (VRT300). وقال وزير الصناعة والتجارة الروسي دينيس مانتورف، في تصريحات صحفية بذلك الوقت، إن شرطة الإمارات أصدرت بالفعل أمراً أولياً لتوريد 100 طائرة مسيرة روسية و100 طائرة هليكوبتر.
كما وقعت الحكومة الإماراتية اتفاقاً في العام 2017 مع شركة “روستيخ” العسكرية الروسية؛ للحصول على سرب من طائرات سوخوي “سو 35”. وفي عام 2017 وقّعت الإمارات وروسيا اتفاقية تعاون مشترك في قطاع الصناعات العسكرية بشأن التفاوض حول دراسة مواصفات وقدرات أنواع من الطائرات الروسية المقاتلة الحالية والجديدة بما فيها طراز “سوخوي 35” وطائرات الجيل الخامس، إضافة إلى إجراء عمليات تطوير ودعم فني وصيانة مستدامة للطائرات. وتضمّنت الاتفاقية التعاون في مجالات تطوير وتصنيع وتوريد الأنظمة الجوية والبرية والبحرية ذات التوجيه الآلي، إضافة إلى التعاون في مجالات البحث والتطوير في الجوانب الدفاعية والأمنية[47].
المحدد الثانى؛ أن العلاقات الأمريكية- الإماراتية لا تمر بأفضل أحوالها، فالإمارات لن تغفر لإدارة بايدن تراجعها عن الدعم السخي الذي كانت (أبوظبي) تتلقاه من إدارة دونالد ترامب. تراجع بايدن تجسد في ضغط مستتر لوقف حرب اليمن، وسحب الحوثيين من قوائم الإرهاب، إضافة إلى إبطاء بعض فصول التعاون العسكري مثل صفقة مقاتلات «إف35» المتطورة[48]. كما تزايد التشكك الإماراتى فى قدرة حليفها الأمريكى فى حماية أمنها القومى بعد الهجمات الحوثية على أبوظبي خلال يناير وفبراير 2022.
المحدد الثالث؛ أن امتناع الإمارات عن التصويت على قرار مجلس الأمن بشأن أوكرانيا يأتى فى ظل تركيزها على قرار آخر لمجلس الأمن، يُطرح بعد أسبوع، يتضمن عقوبات ضد الحوثيين في اليمن، وهي بحاجة إلى دعم روسيا فيه[49].
المحدد الرابع؛ لا تزال الإمارات تخشى من انعكاس العقوبات الأمريكية على روسيا بصورة سلبية على اقتصادها. فمن المتوقع أن تتأثر الشركات والبنوك الشرق أوسطية بالعقوبات التي فرضت على روسيا، وفى هذا السياق، فقد توقف بنك المشرق الإماراتى عن اقراض البنوك الروسية خشية العقوبات الغربية[50]. كما سيكون تأثير تلك العقوبات هائلاً عند استهداف المصارف الحكومية الروسية، إذ أنشأ مصرف Sberbank الروسي، الذي يمتلك نصف الروس حساباتٍ فيه، مقراً في أبوظبي مؤخراً. كما وقّع المصرف كذلك في عام 2020 على شراكةٍ مع شركة “مبادلة للاستثمار”، الذراع الاستثمارية لحكومة أبوظبي. في حين قال رئيس فرع بنك Sberbank في الشرق الأوسط لصحيفة The National الإماراتية وقتها، إنّ العديد من الشركات التابعة للمصرف بدأت الاستثمار في المنطقة بالفعل[51].
-
قطر:
قطر بدورها شجبت العنف، وامتنعت عن توجيه انتقادات لروسيا بسبب غزوها لأوكرانيا. وأجرى وزير الخارجية القطري “محمد بن عبدالرحمن” مكالمتين هاتفيتين منفصلتين مع نظيره الروسي “سيرجي لافروف” ووزير الخارجية الأوكراني “دميترو كوليبا”، وأعرب خلالهما عن قلق بلاده من التطورات الجارية.
في غضون ذلك، دعا أمير قطر “تميم بن حمد” جميع أطراف الأزمة الروسية الأوكرانية إلى ممارسة ضبط النفس وحل الأزمة بالطرق الدبلوماسية. وقد بعث “بوتين” برسالة إلى أمير قطر “تميم بن حمد” توضح السبل التي يمكن للبلدين من خلالها دعم العلاقات الثنائية وتعزيزها. كما سلم الرسالة وزير الطاقة الروسي “نيكولاي شولجينوف” الذي كان في الدوحة لحضور منتدى الدول المصدرة للغاز السنوي[52].
وفي أعقاب الطلبات الأمريكية بإعادة توجيه الغاز الطبيعي إلى أوروبا في حال التصعيد في أوكرانيا، صرّح وزير الدولة القطري لشؤون الطاقة سعد الكعبي في 22 فبراير أن بلاده لا تملك القدرة على التعويض عن إمدادات الغاز الروسي إلى القارة، ما يشير إلى رغبة قطر بأن يكونوا على الحياد وألا ينحازوا لطرف على حساب آخر، سواء في منع الغاز أو في ضخه. وبعد الغزو، اتصل زيلينسكي بأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني؛ وجاءت المحادثة بعد يومين من إرسال موسكو رسالة إلى الدوحة بشأن تعزيز العلاقات مع روسيا. واستناداً إلى حسابات وسائل الإعلام الخليجية بشأن الاتصال الهاتفي مع زيلينسكي، دعا الأمير “كافة الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس وحل النزاع من خلال الحوار البناء والوسائل الدبلوماسية… وعدم اتخاذ أي خطوات من شأنها أن تؤدي إلى مزيد من التصعيد”[53].
ولا يخرج الموقف القطرى عن المواقف الخليجية التى أخذت موقف محايد من تلك الأزمة – وإن كانت قطر تبدو أكثر انحيازًا للجانب الأمريكى عكس السعودية والإمارات الأقرب للجانب الروسى- وهو ما يرجع لمجموعة من المحددات منها:
المحدد الأول؛ تأتى قطر فى صدارة الدول المرشحة لأن تكون بديلًا عن الغاز الروسى إلى أوروبا، فهي تمتلك ثالث أكبر احتياطات من الغاز الطبيعي، والمنتج الثاني الأكبر للغاز المسال عالميًا، لا سيمَّا أنها تخطط لزيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 64% بحلول عام 2027 من خلال مشروع توسعة حقل الشمال.
ومع ذلك، فهي بديل محدود الفاعلية على المدى القصير، حيث إنها تنتج بطاقتها القصوى وترتبط حوالي 90% من صادراتها بعقود طويلة الأجل مع العملاء الآسيويين تتراوح مدتها بين 20 و25 عامًا، فيما ستكون قادرة على تحويل ما بين 8% إلى 10% فقط من غازها الطبيعي المسال إلى أوروبا بعقود فورية، وحتى هذا الخيار سيستغرق وقتًا، حيث يستغرق شحن الغاز الطبيعي المسال من قطر إلى أوروبا وقتًا أطول منه إلى آسيا، وتُشير التقديرات إلى أنه إذا أرسلت قطر جميع إمداداتها غير المتعاقد عليها إلى أوروبا فسوف تُقدر بنحو 60 ألف متر مكعب في اليوم، وهو جزء بسيط من صادرات روسيا اليومية.
ويظل الخيار الوحيد أمامها هو تعديل بعض العقود الآسيوية مع الصين أو اليابان لإعادة توجيه تلك الإمدادات إلى أوروبا، لكن هذا يتطلب منها دفع تعويضات للعملاء الموافقين، كما أن هذا السيناريو يحمل مخاطر خسارة بعض الأسواق الآسيوية. لكن على المدى البعيد يُمكن أن يجد الغاز المسال القطري طريقه إلى الشبكة الأوروبية التي رفعت قدرتها لاستقبال الغاز المسال وإعادة تغييزه بقدرة بلغت 150 مليون طن سنويًا بحلول نهاية عام 2021[54].
وفى سياق متصل، تحتضن الدوحة اجتماعات القمة السادسة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، برعاية أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، التي يشارك فيها قادة ورؤساء حكومات ووزراء طاقة وخبراء من 18 دولة دائمة العضوية أو تحظى بصفة عضو مراقب، بينها أربع دول عربية هي مصر والجزائر والإمارات بالإضافة إلى قطر مستضيفة المقر.
وقد تأسس المنتدى في سنة 2001 ضمن هدف مركزي أول هو حماية مصالح الدول المصدرة للغاز الطبيعي والحفاظ على استقرار الأسواق والأسعار، خاصة وأن دول المنتدى تمتلك 70٪ من إجمالي احتياطات الغاز الطبيعي على مستوى عالمي، ويشير الموقع الرسمي للمنتدى إلى أن الدول المنخرطة في عضويته تؤمّن 51٪ من صادرات الغاز الطبيعي، وتحوز على 52٪ من إجمالي خطوط الغاز، و44٪ من التسويق.
وبالتالي فإن على جدول أعمال هذه القمة السادسة للمنتدى البحث في حلول احتياطية بديلة إزاء احتمال اختلال الصادرات الروسية من الغاز الطبيعي، أو خضوع الأسواق إلى ارتدادات عاصفة في الأسعار، وهذه حال تشدد من جديد على المكانة الإيجابية الخاصة التي أخذت قطر تشغلها في معالجة مشكلات دولية مستعصية، لا تبدأ من التوسط والتحرك المتنوع الفاعل في أفغانستان، ولا تنتهي عند أنبوب الغاز وتنظيم إيصال الطاقة خاصة وأن العام 2026 سوف يشهد احتلال قطر المرتبة الأولى عالمياً في إنتاج الغاز الطبيعي وتصديره. وليس من دون دلالة خاصة أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي اختار قطر لتدشين أولى زياراته إلى الخليج العربي، وأن جدول اعمال الزيارة يتجاوز قمة المنتدى إلى بحث علاقات الجوار وأشكال التعاون الاقتصادية والتنموية بين طهران والدوحة[55].
المحدد الثانى؛ وجود علاقات اقتصادية قوية مع روسيا، ففي عام 2019 أصبح صندوق الثروة السيادية القطري وجهاز قطر للاستثمار مساهماً في شركة “روسنفت” في أعقاب خصخصة شركة النفط الروسية العملاقة التي تسيطر عليها الدولة، في أواخر عام 2016. ويمتلك جهاز قطر للاستثمار الآن حصة 19% في تلك الشركة. كما أن الاستثمارات الروسية الأخرى لقطر -ومن ضمن ذلك شراؤها عام 2013 حصة بقيمة 500 مليون دولار في بنك VTB، وحصة بنسبة 25% في مطار بولكوفو في سانت بطرسبرغ- يضع قطر في موقف صعب بشأن مع من تقف في الوقت الحالي.
المحدد الثالث؛ القواعد العسكرية، فقد رفعت القواعد العسكرية الأمريكية في منطقة الخليج حالة التأهب، ومنها قاعدة العديد الجوية فى قطر، مع بوادر الحرب المحتملة بين روسيا وأوكرانيا الحليفة للولايات المتحدة. وتنقل شبكة “روسيا اليوم” عن المحلل السياسي ألكسندر نازاروف، في مقالة نشرت في 11 فبراير 2022، أنه في حالة نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا فإن أي استخدام لقواعد واشنطن في شرق البحر الأبيض المتوسط أو الخليج في الهجوم سوف يجعل من تلك المناطق الواقعة في نطاق الصواريخ الروسية “مرمى مناسباً لهذه الصواريخ”.
ويحذر المحلل الروسي من أن استخدام هذه القواعد “يجعل هذه الدول أهدافاً مشروعة للرد العسكري الروسي، كما أنها توفر ذريعة مشروعة لتدمير منشآتها النفطية والغازية بشكل كامل”، على حد قوله. ويستدرك بالقول إن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يمنع روسيا من القيام بذلك هو أن تظل دول الخليج مورداً رئيسياً للنفط والغاز للصين الصديقة لروسيا، لكن هذا يعني رفضها لواشنطن في محاولاتها لاستبدال الإمدادات الروسية في أوروبا، وهذا يعني صراعاً حاداً بين هذه الدول وواشنطن[56].
-
إسرائيل:
في أول بيان رسمي لها في 23 فبراير، أعربت وزارة الخارجية الإسرائيلية عن دعمها لسيادة الأراضي الأوكرانية دون الإشارة إلى روسيا صراحةً. وبعد يوم على ذلك البيان، أدلى كل من رئيس الوزراء نفتالي بينيت ووزير الخارجية يائير لابيد بتصريحين مختلفين بشكل ملحوظ – عبّر بينيت عن تضامنه مع المدنيين في أوكرانيا من دون ذكر وحدة الأراضي أو إدانة موسكو، في حين وصف لابيد الغزو بأنه “انتهاك خطير للنظام الدولي”. وبعد وصوله إلى اليونان لعقد اجتماعات مع شركاء أجانب، كرّر الرئيس إسحاق هرتسوغ موقف وزارة الخارجية الداعي إلى دعم وحدة أوكرانيا دون إدانة روسيا. ومؤخراً، أصدر مكتب بينيت بياناً في 25 فبراير جاء فيه أنه ناقش المساعدات الإنسانية مع زيلينسكي وأكّد دعمه للشعب الأوكراني. لكن ما يثير الاهتمام هو أنه لم يُقدم على إدانة الغزو[57].
كما أن لابيد، سرعان ما تراجع عن تصريحاته التى أكد فيها أن تل أبيب ستقف إلى جانب حليفها الأمريكي التقليدي في حالة إقدام روسيا على غزو أوكرانيا، مؤكداً أنه قد أسُيء فهم تصريحاته، بل نفى ما هو متداول في الأوساط الإعلامية الإسرائيلية أن إسرائيل بصدد المشاركة في فرض عقوبات على روسيا.
وأكد لابيد أن بلاده والولايات المتحدة لديهما علاقة خاصة ولغة مشتركة، إلا أنه أكد أن الموقف الإسرائيلي سيستند إلى الرؤية والقيم الإسرائيلية والتقييمات الاستخباراتية من قبل دوائر صنع القرار الإسرائيلي، وليس انسياقاً مع موقف الحلفاء، وأنها بحاجة للتصرف بحذر إزاء تلك الأزمة. وشدد لابيد على ضرورة امتناع وزراء الحكومة عن الحديث بشأن هذا الأمر، وأن يمتنعوا عن التعقيب على تطورات الأزمة الأوكرانية[58].
كذلك فقد ظهرت خلافات دبلوماسية محدودة بين تل أبيب وكييف، فقد انعكست تطورات الأزمة الأوكرانية بوضوح على العلاقات الإسرائيلية–الأوكرانية، التي تُعتبر علاقات قوية تقليديّاً؛ حيث شهدت العلاقات بعض “الخلافات الدبلوماسية” المحدودة في الأسابيع الأخيرة؛ فقد استدعت تل أبيب السفير الأوكراني لديها لجلسة “توبيخ” يوم 4 فبراير 2021؛ وذلك بعد انتقاد الأخير السياسة الإسرائيلية تجاه الأزمة؛ حيث سبق أن اتهم السفير الأوكراني وزير الخارجية الإسرائيلية “يائير لابيد” بأنه يتبنَّى وجهات النظر الروسية تجاه الأزمة، كما انتقد السفير الأوكراني وصف “لابيد” للأزمة بأنها “نزاع” بين روسيا وأوكرانيا، وليست “حرباً” أو “غزواً” روسيّاً لبلاده. وفي 17 من فبراير 2021، استدعت كييف السفير الإسرائيلي لديها لجلسة “توبيخ” كذلك؛ حيث طلبت الخارجية الأوكرانية من السفير الإسرائيلي توضيحاً بشأن التقارير التي كشفت عن طلب تل أبيب من روسيا المساعدة في توفير ممرات آمنة لرعاياها في أوكرانيا إذا حدث غزو روسي لأوكرانيا.
وأخيرًا، فقد رفضت تل أبيب تزويد كييف بالأسلحة الإسرائيلية، حيث تُشير المعطيات إلى أنه مع تصاعُد التوترات بين موسكو وكييف، منذ ضم الأولى شبه جزيرة القرم، ثم الحرب في دونباس؛ حرصت الحكومات الإسرائيلية على التدقيق في تعاونها الدفاعي مع الجانب الأوكراني، وقد تجلَّى ذلك بوضوح في الأزمة الحالية؛ إذ أشارت صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية إلى أن تل أبيب رفضت تزويد أوكرانيا بمنظومة القبة الحديدية. وفي رسالة طمأنة أخرى إلى موسكو، أشارت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن تل أبيب حظرت على الدول التي تشتري السلاح الإسرائيلي إعادة تصديره إلى أوكرانيا، لا سيما دول البلطيق؛ حيث يبدو أن كييف كان تنوي الحصول على صواريخ مضادة للدبابات وطائرات وأسلحة إسرائيلية أخرى من دول البلطيق.
جدير بالذكر أن إسرائيل قد سعت إلى لعب دور الوساطة بين موسكو وكييف، فقد سعت –أكثر من مرة– إلى لعب دور الوساطة وتقريب وجهات النظر بين الطرفين؛ حيث حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت عقد قمة أوكرانية روسية؛ وذلك أثناء زيارته إلى روسيا في شهر أكتوبر الماضي، وهو ما رفضه الرئيس الروسي. كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو قد عرض الأمر نفسه على الرئيس الروسي الذي رفض طلبه أيضاً[59].
وعليه يمكن القول إن إسرائيل تتبنى مبدأ الحياد العلنى وتسعى لتجنب تبني موقف واضح من الأزمة الأوكرانية، وذلك لكي تحافظ على علاقاتها مع كل من الولايات المتحدة وروسيا، ويمكن تفهم هذا الموقف الإسرائيلى فى ضوء مجموعة من المحددات تتمثل فى:
– العلاقات القوية مع الطرفين:
حيث تدرك تل أبيب أن لها العديد من المصالح الأمنية والدفاعية مع الولايات المتحدة، خاصة في ضوء اعتماد الجيش الإسرائيلي على الدعم العسكري الأمريكي، والذي تحصل بموجبه على نظم عسكرية متطورة[60]، بالإضافة إلى علاقاتها الاستراتيجية بالولايات المتحدة وحلف الناتو، ترتبط إسرائيل بعلاقات اقتصادية وسياسية متميزة مع أوكرانيا، وهو ما تجلَى في اعتراف كييف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” عام 2020[61]، وما يزيد من تمتين العلاقة بين البلدين أن الرئيس الأوكرانى فلاديمير زلينسكى هو يهودى فى الأصل.
كما ترتبط روسيا وأوكرانيا بعلاقات اقتصادية وثيقة، وصلت إلى حد التوقيع على اتفاق إقامة منطقة التجارة الحرة، الأمر الذي سوف يعظم من حجم التعاون الثنائي الاقتصادي، لتصل قيمته إلى ملياري دولار سنويا خلال السنوات من عام 2019-2024، بل وأكثر من ذلك؛ ففي عام 2018 اعتبرت “إسرائيل” الدولة الثانية التي وصل منها سياح إلى أوكرانيا، وفي المتوسط الشهري يتنقل 40 ألفا بينهما، رغم أن عدد “الإسرائيليين” أكثر، كما أقنعت أوكرانيا رجال الأعمال “الإسرائيليين” بقدرتها على أن تكون مصدرا خارجيا لشركاتهم في مجال الهايتك، وليس فقط مصدرا لتصدير الزراعة، وهناك 15 ألف مهندس أوكراني يعملون في مجال المشاريع التقنية والتكنولوجية الإسرائيلية، وقد تضاعف عددهم إلى 30 ألفا في السنوات الأخيرة.
وفى المقابل، فقد وصلت العلاقات التجارية والاقتصادية بين تل أبيب وموسكو إلى مستويات متقدمة بالنظر للأبعاد السياسية والدبلوماسية، ويمكن تتبعها مع دخول اتفاقية إلغاء الحاجة لتأشيرة السياح بينهما حيز التنفيذ عام 2008، وساعدت بزيادة عدد السياح الروس ل”إسرائيل”، حيث يزورها سنويا ما يقارب مليوناً، كما زاد التبادل السلعي بين موسكو وتل أبيب بعد عام 2011 عن 20%، وتضاعف حجمه ليبلغ 6 مليارات دولار، وهذه النسب التجارية آخذة في الارتفاع، وتتضمن السلع الروسية المستوردة من “إسرائيل” بجملتها الماكينات وأجهزة الاتصال الهاتفي والتلغرافي واللاسلكي، ومنتجات الصناعة الكيميائية والغذائية والمستحضرات الطبية[62].
– الملف النووى الإيرانى:
أكد وزير المالية الإسرائيلي ليبرمان في تصريحات إذاعية عن أن الأزمة الأوكرانية لا تهم إسرائيل بالمقام الأول، فالأولوية للملف النووي والخطر الإيراني. وتخشى إسرائيل أن يؤدي الانشغال العالمي بتطورات الأزمة الأوكرانية إلى تعثر إنجاز الاتفاق النووي الإيراني، في الوقت الذي تستفيد فيه إيران عبر كسب المزيد من الفرص لتطوير قدراتها النووية[63].
وقد أربكت الأزمة الروسية الأوكرانية الحسابات الإسرائيلية تجاه الملف النووي الإيراني، وخلطت الأوراق في توقيت حساس بالنسبة إلى مفاوضات الملف النووي، بحيث باتت هناك عدة سيناريوهات تخشاها “إسرائيل”::
1- عدم فصل روسيا وأميركا خلافاتهما في الأزمة الروسية الأوكرانية عن مسار التفاوض في فيينا مع إيران، وبالتالي، تعرقل الأزمة المفاوضات، عدة أشهر على الأقل، أو توقفها، الأمر الذي يمنح إيران وقتاً إضافياً لمسارعة مشروعها النووي، بحسب المخاوف الإسرائيلية.
أن تذهب الولايات المتحدة الأميركية، تحت ضغط الأزمة الأوكرانية، إلى اتفاق متعجّل مع إيران، لا يلبّي الشروط الإسرائيلية التي قدمتها إلى إدارة بايدن، بل وقد تقدم أمريكا تنازلات لأيران من أجل احتوائها، لا سيما أن طهران تمتلك ثاني أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم، ومن ثم قد تساهم في مد أوروبا بالغاز إذا تطور الصراع حول أوكرانيا وقطعت موسكو إمدادات الغاز عن أوروبا.
3- أن تفشل المفاوضات. وعلى الرغم من أن هذا كان هدفاً إسرائيلياً في السابق، فإن فشل التفاوض الآن، في هذه الظروف، لن يدفع، بالتأكيد، الأميركيين إلى الذهاب إلى الخطة “ب”، في العمل العسكري ضد إيران في ظل الحرب الروسية الأوكرانية. وبالتأكيد، لن تستطيع “إسرائيل” شن عملية عسكرية ضد إيران بمفردها، في ظل هذه الظروف الدولية[64].
4- تخشى تل أبيب أن تعيد الدول العربية المطبّعة حساباتها، نتيجة تفسير السلوك الأميركي تجاه الأزمة الروسية الأوكرانية، والذي اكتفى بخطوات محدودة ضد روسيا، ولم يردع الأخيرة عن مهاجمة أوكرانيا، الأمر الذي يعزّز مخاوف حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، ويزيد في مستوى الشكّ وانعدام اليقين تجاه الدفاع عنهم، وهو التقدير الذي أعقب الانسحاب الأميركي من أفغانستان. وبالتالي، قد تسعى دول التطبيع للتفاهم مع الجار الإيراني، الذي سيتمتع بنفوذ أكبر، بعد توقيع الاتفاق بشأن الملف النووي[65].
5- أن العقوبات الاقتصادية على روسيا ستدفعها إلى تعزيز العلاقات التجارية والمالية والسياسية بآسيا. ونتيجة ذلك، سيتعمّق التحالف الإيراني الروسي، وخصوصاً إن إيران لم تُدِنِ الموقف الروسي. وبالتالي، تحت شعار “العقوبات الأميركية توحّدنا”، سيتم فتح ثُغرة مهمة في جدار الحصار الاقتصادي على الجمهورية الإسلامية في إيران، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على كامل محور المقاومة، ناهيك بأن تعزيز التحالف الروسي الإيراني سيمنح إيران مزيداً من أوراق القوة في التفاوض بشأن ملفها النووي. والأهم، يُعَدّ ذلك ضربة قاسية للمساعي الإسرائيلية لمواجهة الوجود الإيراني في سوريا، من خلال استراتيجية اللعب على مساحات اختلاف المصالح بين إيران وروسيا هناك[66].
6- تقرأ “إسرائيل” في موقف الولايات المتحدة تجاه ما تسميه “العدوان الروسي” على أوكرانيا، وامتناعها عن مجرد التلويح باستخدام الأداة العسكرية لردع روسيا عن القيام بخطوتها العسكرية، إشارةً إلى ما سيكون عليه الموقف الأميركي، لو تعرضت “إسرائيل” لهجوم عسكري إيراني، أو تعرّضها لتهديد متعدد الجبهات، الأمر الذي يدفعها إلى مزيد من الاعتماد على قوتها الذاتية في مواجهة التهديدات الخارجية، وهو ما سيفرض عليها تخصيص موازنات مالية مرتفعة على ترسانتها العسكرية، وسيدفع في المقابل “أعداءها”، وفواعل المنطقة بصورة عامة، إلى مستوى أعلى من التسلح وبناء القوة العسكرية[67].
– التنسيق الميداني في سوريا:
أكد وزير الخارجية الإسرائيلى يائير لابيد أن لبلاده حدوداً استراتيجية مع روسيا، في إشارة إلى سوريا، وهو ما يؤكد المخاوف الإسرائيلية إزاء فقدان التنسيق الميداني مع روسيا بما يضر بالأمن القومي الإسرائيلي، حيث يسهم التنسيق المشترك في تحجيم مخاطر إيران ومليشياتها في الأراضي السورية للحيلولة من دون استهداف إسرائيل من الجبهة الشمالية.
ويستند الموقف الإسرائيلي إلى حقيقة أن موسكو تُعد الآن لاعباً رئيسياً في المنطقة، لا سيما في سوريا. وبالتالي، تحتاج إسرائيل إلى تبني سياسات حذرة تجاه موسكو إذا أرادت الاستمرار في التمتع بحرية العمل التي تتمتع بها حالياً في ضرب الأصول الإيرانية في سوريا لمنع إيران وحزب الله توطيد أقدامهم في العمق السوري، خاصة أن موسكو قد أقدمت لفترة على اعتراض الهجمات الإسرائيلية على سوريا، مما أثر على فاعليتها، وهو ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت إلى زيارة موسكو، في أكتوبر 2022، لاستعادة التفاهمات مع موسكو حول تنفيذ عمليات إسرائيلية في الأجواء السورية، وهو ما تحقق له.
وتدرك تل أبيب أن تبني أي مواقف إسرائيلية معادية لموسكو في الأزمة الأوكرانية قد يترتب عليه خسارة هذا التنسيق مجدداً، وهو أمر لا ترغب إسرائيل في حدوثه، خاصة في ظل تنامي التهديدات الإيرانية للأمن الإسرائيلي، سواء عبر حزب الله اللبناني، أو حتى بشكل مباشر من إيران[68].
جدير بالذكر هنا، أنه عندما أدان وزير الخارجية الإسرائيلية يائير لابيد الغزو الروسى لأوكرانيا، فقد نشرت البعثة الروسية في الأمم المتحدة تغريدة جديدة لها على حسابها الرسمي في “تويتر”، أعلنت من خلالها أن روسيا لا تعترف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، وأكدت أن الهضبة جزء لا يتجزأ من الأراضي السورية[69]. وفي يناير 2022، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن المقاتلات الروسية والسورية نفذت دوريةً مشتركة فوق هضبة الجولان، وأن هذه الدوريات سوف تستمر. وكانت هذه بمثابة طلقةٍ تحذيرية رمزية لإسرائيل، حتى تعلم تل أبيب أن بوتين يستطيع بسهولة إنهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا إن أراد ذلك. أي أن موسكو تخبر إسرائيل بأن انحيازها علناً للولايات المتحدة في مسألة أوكرانيا سيعني دفع إسرائيل لثمنٍ استراتيجي باهظ[70].
– الجاليات اليهودية فى روسيا وأوكرانيا:
تضم روسيا وأوكرانيا جاليات يهودية كبيرة، وهو ما يمثل تحدياً يدفع إسرائيل للمزيد من الحرص في قراراتها إزاء الأزمة، ومحاولة تبني مواقف محايدة نسبياً، مع محاولة الاستفادة من الأزمة عبر إيجاد مصدر جديد للهجرة اليهودية إلى الدولة العبرية[71].
ومن جانب أخر، تخشى إسرائيل من إمكانية حدوث أزمات داخلية بها على خلفية تلك الأزمة، حيث يُقدر عدد المواطنين اليهود في أوكرانيا بما بين 150 و250 ألفًا، منهم نحو 10–15 ألف إسرائيلي. وتخشى تل أبيب من أن يؤدي تفاقُم الأزمة الأوكرانية إلى موجة هجرة يهودية جديدة إلى إسرائيل بموجب قانون “العودة”؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى أزمة في إسرائيل ويُقلِّص النفوذ الذي تحظى به في أوكرانيا في ظل وجود هؤلاء المواطنين. وفي هذا الصدد، أفادت عدة تقارير بأن الحكومة والجيش الإسرائيلي، بالإضافة إلى الوكالة اليهودية، وضعوا “خطة طارئة” لاستيعاب موجة هجرة جديدة من أوكرانيا، كما يعيش في إسرائيل نحو مليون يهودي من أصل روسي، ويتوقع أن يدعم هؤلاء روسيا بصورة أساسية، وقد يعترضون على أي دعم إسرائيلي لأوكرانيا ضد روسيا[72].
– الغاز الطبيعي وأمن الطاقة:
علقت ألمانيا تشغيل خط الغاز “نورد ستريم – 2″، وتثور مخاوف أوروبية من أن تصاعد العقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا قد يدفع الأخيرة إلى الرد عبر تقليص صادراتها من الطاقة، وهو ما قد يترتب عليه تهديد أمن الطاقة الأوروبي. وهنا تبرز أهمية الغاز بمنطقة الشرق الأوسط وتحديداً شرق المتوسط، وهو ما قد يدفع الولايات المتحدة إلى إعادة مراجعة موقفها بشأن خط الغاز “إيست – ميد” الذي كانت إسرائيل تعتزم تأسيسه لتصدير الغاز إلى أوروبا عبر قبرص، والذي سبق أن رفضته[73].
-
تركيا:
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال مؤتمر صحفي بعد محادثات مع نظيره الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، في 10 أبريل 2021، إنه أبلغ نظيره الأوكراني الزائر زيلينسكي أن أنقرة لن تعترف بـ “ضمّ شبه جزيرة القرم”، وأضاف نحن ندافع عن وحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها. وقال، أيضًا، إن أحد العناصر المهمة للتعاون مع أوكرانيا هو التعاون في الصناعات الدفاعية. وأكّد أنّ هذا التعاون ليس مبادرة تستهدف دولة ثالثة (روسيا)، وأعرب عن ضرورة خفض التصعيد والتوتر في أسرع وقت ممكن وإعادة إحلال السلام مرة أخرى في إطار اتفاقيات مينسك، مبديًا الاستعداد لدعم هذه العملية. وتزامن الاجتماع التركي الأوكراني رفيع المستوى مع تصاعد التوترات في شرق أوكرانيا، وتعزيز حشود عسكرية روسية على حدودها المشتركة مع أوكرانيا وفي شبه جزيرة القرم.
وخلال زيارة أردوغان كييف، في 3 فبراير 2022، وقّعت تركيا وأوكرانيا ثماني اتفاقيات، بما في ذلك اتفاقية التجارة الحرة (FTA)، التي وصفها زعيمَا البلدين بالـ “تاريخية” وقالا إنها ستعزز التجارة الثنائية السنوية لتصبح حوالي 10 مليارات دولار. وأعلن زيلينسكي أيضًا عن صفقة جديدة مع تركيا تهدف إلى توسيع إنتاج الطائرات دون طيار في أوكرانيا[74]. وخلال تلك الزيارة، وفى مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأوكراني، أكد أردوغان استمرار دعم تركيا لسيادة ووحدة الأراضي الأوكرانية بما في ذلك شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا في عام 2014. وأعلن استعداد تركيا للقيام بما يلزم من أجل إنهاء الأزمة بين أوكرانيا وروسيا، مجدداً مبادرته لعقد لقاء قمة بين رئيسي روسيا وأوكرانيا أو محادثات على المستوى الفني في أنقرة، لتجاوز الأزمة الراهنة بين البلدين[75].
وعندما تحدث الرئيس رجب طيب أردوغان مع نظيره فولوديمير زيلينسكي في اليوم التالي للغزو الروسى لأوكرانيا، فى 24 فبراير، كرر معارضة أنقرة لأي خطوة تنتهك سيادة أراضي أوكرانيا. وشكر زيلينسكي الرئيس التركي على دعمه المستمر ومساعيه إلى الدعوة لعقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي بشأن الأزمة. كما أصدرت الحكومة التركية، فى 24 فبراير، بياناً وصفت فيه الغزو بأنه “غير عادل وغير قانوني”، مشيرةً إلى أنه “يشكل تهديداً خطيراً لأمن منطقتنا والعالم”.
فيما أصدرت وزارة الخارجية التركية، في 21 فبراير، بياناً رفضت فيه اعتراف موسكو بالجمهوريتين الانفصاليتين. في الموازاة، وبعد أن طلبت كييف من أنقرة “إغلاق الممرات المائية في البحر الأسود المؤدية إلى روسيا”، أجابت تركيا في 25 فبراير بأنه “لا يمكنها منع السفن الحربية الروسية من الدخول إلى البحر الأسود عبر المضائق التركية، كما طلبت أوكرانيا، بسبب بند في معاهدة دولية”[76]. وبعد أيام قليلة، وبالتحديد فى 28 فبراير، أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو، أن بلاده أخطرت جميع الدول بألا ترسل سفنها الحربية من أجل عبور المضايق التركية، بموجب اتفاقية مونترو. وأوضح جاوش أوغلو في تصريح صحفي عقب اجتماع الحكومة، أن “اتفاقية مونترو تمنح تركيا صلاحية مطلقة في إغلاق المضايق إذا كانت طرفاً في الحرب.. أما إذا لم تكن تركيا طرفاً في الحرب، فلديها صلاحية عدم السماح لسفن الدول المتحاربة بالعبور من مضايقها”[77].
وفيما يتعلق بالعقوبات الغربية على روسيا وإمكانية مشاركة تركيا فيها، فقد أكد جاوش أوغلو في تصريحات لقناة “خبر تورك” المحلية: “لم نشارك في العقوبات الغربية على روسيا بشكل عام من حيث المبدأ، ولا نميل إلى المشاركة في العقوبات الحالية أيضاً”. وأكّد أن العقوبات المفروضة على موسكو قد تؤثر سلباً على أعضاء الاتحاد الأوروبي والدول الأخرى أيضًا بجانب الاقتصاد الروسي. وذكر أن تركيا تدرس بشكل مفصل جميع القرارات المتعلقة بالعقوبات، وبخاصة فيما يتعلق بتأثيرها على اقتصاد البلاد وأمن إمدادات الطاقة لديها. وشدّد على أن بلاده لم تتلق أي طلب أو ضغوط من الدول الأخرى للمشاركة في العقوبات على روسيا.
كما أكد المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن أن تركيا تعتبر بالنسبة إلى الغرب حليفاً مهماً يُرجع إليه لطلب المساعدة والدعم والاتصال في الأوقات الصعبة. وذكر أن محاوري تركيا الغربيين يطلبون منها إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع روسيا، وألا تهدم جسور التواصل في هذا الصدد. وأوضح أن تركيا تقول للغرب إنها لا تقبل تصرفات روسيا لكن لا نية لديها لهدم جسور التواصل معها. وشدّد على أن أنقرة مضطرة لأن تأخذ أولوياتها بعين الاعتبار فيما يخص المصالح، وعلى الجميع إدراك أهمية تركيا في تحقيق التوازنات[78].
وبالنظر إلى الموقف التركي، منذ بداية التصعيد حول أوكرانيا في أواخر العام الماضي، نجد أن تركيا تتبنى موقفاً مزدوجاً، ففي الوقت الذي تؤكد فيه رفضها أي غزو عسكري روسي لأوكرانيا مع إبداء الاستعداد لتقديم الدعم لكييف، بصفتها عضواً في التحالف الغربي وحليفاً في الناتو، تطرح أنقرة نفسها وسيطاً بين روسيا وأوكرانيا لحل الأزمة بينهما. وهو ما يكشف عن حسابات تركيا المعقدة تجاه الأزمة، ويرجع ذلك لمجموعة من الاعتبارات المتعلقة بعلاقات تركيا مع كل من الغرب وأوكرانيا وروسيا، بالإضافة لخشية تركيا من التداعيات السلبية لاندلاع حرب بين أوكرانيا وروسيا على مصالحها. ويمكن فهم الموقف التركى من تلك الأزمة فى ضوء مجموعة من المحددات تتمثل فى:
– العلاقات التاريخية مع البلدين:
اتسمت العلاقات التركية-الروسية عبر التاريخ بالتنافس والصراع في عدة ساحات شملت البلقان والبحر الأسود والقوقاز، وقد تواصل التوتر بين البلدين عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث طلبت موسكو من أنقرة منحها مدينة قارص شرق الأناضول وإعادة النظر في اتفاقيات العبور بمضيقي البوسفور والدردنيل مما دفع تركيا، في عام 1952، للانضمام إلى حلف الناتو للاحتماء به من التهديدات السوفيتية، وظلت أنقرة خلال حقبة الحرب الباردة تتحرك ضمن الاستراتيجيات الغربية ليقتصر دورها على العمل كحاجز أمام تمدد موسكو نحو البحار الدافئة بالتوازي مع إهمال ساحات التأثير التاريخية في البلقان وآسيا الوسطى وشمال إفريقيا.
انهيار الاتحاد السوفيتي، في عام 1991، قلب المشهد رأسًا على عقب؛ إذ وجدت تركيا أمامها مساحات فراغ جيوسياسية واسعة استثمرتها للانفتاح خارجيًّا وبالأخص مع وصول حزب العدالة والتنمية للحكم، عام 2002، حيث تبنَّى الحزب بقيادة أردوغان سياسة خارجية مرنة اعتمدت خلال العقد الأول من حكمه على تصفير المشاكل مع دول الجوار، وبالتالي بدأت حقبة جديدة في العلاقات التركية-الروسية وبالتحديد بعد رفض مجلس النواب التركي السماح للجيش الأميركي، في عام 2003، باستخدام الأراضي والأجواء التركية في غزو العراق مما أرسل رسالة لموسكو بأن أنقرة أصبحت تعتمد سياسات مستقلة بعيدًا عن الكتلة الغربية، ومن ثم زار بوتين تركيا، عام 2004، في أول زيارة لرئيس روسي للبلاد منذ زيارة الرئيس السوفيتي، بودغورني، عام 1972.
وقد تعمَّقت العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية بين تركيا وروسيا وبالأخص في مجال نقل الطاقة وإن ظل التنافس بينهما قائمًا في العديد من الملفات مثل سوريا وليبيا وقبرص وإقليم ناغورني قرةباغ لكن ظلَّت تلك الخلافات ضمن مساحة مقبولة من الطرفين، وهو ما كفل لهما التجاوز السريع لأزمة إسقاط تركيا لطائرة حربية روسية في عام 2015 قرب الحدود السورية؛ حيث عادت العلاقات الوثيقة مجددًا وبالأخص بعد وقوف بوتين بجوار الرئيس التركي في وجه الانقلاب العسكري، عام 2016، ومن ثم انتقل التعاون بين البلدين إلى مربع العلاقات العسكرية مع شراء أنقرة، في عام 2019، لمنظومة الدفاع الجوي الروسي إس400 رغم التهديدات والعقوبات الأميركية بخصوص إتمام تلك الصفقة.
وعلى الطرف الآخر، تمتعت تركيا بعلاقات وثيقة مع أوكرانيا تعود إلى العهد العثماني حيث تحالف العثمانيون مع القوزاق الأوكرانيين وتتار القرم ضد الإمبراطورية الروسية. وعقب استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفيتي وقَّعت معها تركيا بروتوكول لإقامة علاقات دبلوماسية، في فبراير 1992، وقد أسهم اعتراف أوكرانيا بحقوق تتار القرم ذوي الخلفية المسلمة السُّنِّية، ومنحهم حق الحكم الذاتي في بناء الثقة بين البلدين. وبمرور الوقت، تعمَّقت العلاقات التركية-الأوكرانية على المستويات الاقتصادية والتجارية والسياسية والأمنية[79].
وضع الغزو الروسي لأوكرانيا مؤخرًا تركيا بين فكي كماشة في ظل تمتعها بعلاقات قوية مع طرفي الحرب. فرغم رفض تركيا منذ عام 2014 الاعتراف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وتأكيدها على ضرورة احترام وحدة الأراضي الأوكرانية، فإن أنقرة حافظت خلال السنوات الماضية على علاقاتها مع موسكو، ولم تنخرط في فرض أية عقوبات اقتصادية على روسيا على خلفية دورها في انفصال لوغانسك ودونيتسك بشرق أوكرانيا، بل انخرط البلدان معًا في مشروع خط أنابيب “السيل التركي” الذي دخل مرحلة التشغيل في عام 2020 بنقل الغاز من روسيا إلى تركيا والبلقان بعيدًا عن أوكرانيا التي ظلَّت لسنوات تنفرد بخط المرور الأساسي للغاز الروسي إلى أوروبا[80].
– العلاقات الاقتصادية والعسكرية مع الجانبين:
ففى ظل تراجع الاقتصاد التركى الذى ظهرت أبرز ملامحه فى انخفاض قيمة الليرة التركية بصورة حادة، تبرز أوكرانيا باعتبارها شريكًا اقتصاديًا لأنقرة لا ترغب في خسارتها، حيث أصبحت تركيا مؤخرًا المستثمر الأجنبي الأول في أوكرانيا بإجمالي استثمارات تركية بلغت 3.6 مليارات دولار عام 2020، ونمت التجارة الثنائية بين البلدين بنسبة 50% تقريبًا خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2021 لتصل إلى 5 مليارات دولار، ويتطلع الجانبان لرفع حجم التجارة الثنائية السنوية إلى ما يزيد على 10 مليارات دولار في غضون السنوات القليلة المقبلة. وفي هذا الصدد، وقع الطرفان اتفاقية تجارة حرة خلال زيارة أردوغان الأخيرة بموجبها يتم استيراد 95% من البضائع الأوكرانية معفاة من الرسوم الجمركية، ومن شأن الوصول التركي السهل إلى القمح الأوكراني ترسيخ مكانة الأولى كأحد أكبر مصدري منتجات الدقيق في العالم، لذلك تخشى أنقرة أن تعطل الضغوط الاقتصادية الناجمة عن أي حرب محتملة الصفقات التجارية وتضعف الاستثمارات المتبادلة[81].
وتعتبر أوكرانيا تركيا شريكها الأهم في الصناعات الدفاعية، وتعتمد عليها في تحديث قواتها المسلحة، وانتقالها من الأنظمة السوفياتية إلى معايير تمكّنها من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. كما أجج الدور الذي أدته تركيا في قلب التوازن لمصلحة أذربيجان ضد أرمينيا خلال حرب كاراباخ الثانية أواخر عام 2020، النقاش داخل أوكرانيا حول إمكانية تكرار التجربة الأذربيجانية في استعادة السيطرة على إقليم دونباس شرق البلاد. وتتصدر تركيا اليوم قائمة الدول التي تستورد منها أوكرانيا الطائرات المسيرة لقواتها المسلحة، وترغب أوكرانيا اليوم في الاستحواذ على مزيد من الطائرات التركية دون طيار. كما تحتاج أنقرة الهندسة التقنية الأوكرانية التي يُنتظر أيضًا أن يكون لها دورٌ أساسي في تطوير صواريخ تركية من الجيل الثاني[82].
كذلك لا يقدر الاقتصاد التركي المضطرب على تحمل تبعات سيناريو 2015 عندما علقت موسكو السياحة القادمة لتركيا وأوقفت الواردات الزراعية إثر إسقاط الأخيرة طائرة سوخوي روسية على الحدود السورية. وتعتبر روسيا الواجهة الأولى لتدفقات الخضروات والفواكه الطازجة التركية مسجلة مليارًا و13 مليون دولار خلال 2021 ارتفاعًا من 948 مليونًا و817 ألف خلال 2020، كما يشكل السياح الروس والأوكرانيون مكونًا رئيسيًا للمنتجعات السياحية على ساحل بحر إيجه. وعليه سيكون من شأن أي معركة مع موسكو الإضرار بالاقتصاد التركي وبآفاق إعادة انتخاب أردوغان.
علاوة على ذلك، تخشى الحكومة التركية تعطل المشاريع الاقتصادية المشتركة ذات الطابع الاستراتيجي كمشروع بناء محطة الطاقة النووية “أكويو” الذي تنفذه شركة “أكويو نوكليار” التابعة لـ”روساتوم”، أو تقليل إمدادات الغاز الطبيعي الروسي المتدفقة عبر خطي أنابيب “السيل الأزرق” و”تورك ستريم” اللذين يؤمنان النسبة الأكبر من احتياجات البلاد من تلك السلعة الاستراتيجية (من جملة استهلاكها السنوي البالغ 48.1 مليار متر مكعب تشتري تركيا 33.6 مليار متر مكعب من موسكو) بما يشكل ضربة قاصمة لمحاولات إنعاش الاقتصاد التركي[83].
وسيوفر إنجاز محطة أكويو للطاقة النووية مساهمات جادة لأمن الطاقة في تركيا ويعزز اقتصادها. كما أن خط أنابيب ترك ستريم (السيل التركي) – دشنه رئيسَا تركيا وروسيا رسميًا في 8 يناير 2020 – الذي ينقل الغاز الطبيعي الروسي إلى تركيا وجنوب أوروبا عبر تركيا في إطار جهود موسكو لخفض الشحنات عبر أوكرانيا، يمثل جاذبية لتركيا على الصعيدين المالي والجيوسياسي، حيث استفادت من الخصومات على إمدادات الغاز وكذلك من رسوم العبور، وفي الوقت نفسه، يُنظر إلى انخراط أنقرة في المشروع، لا سيما منذ حلّ الأزمة مع روسيا في عام 2016، على أنه دليل على قدرتها على فرض نفسها ضد الغرب[84].
– البحر الأسود والمضائق:
تشترك تركيا مع أوكرانيا وروسيا في الإطلال على ساحل البحر الأسود رفقة بلغاريا وجورجيا ورومانيا. وتعد الأزمة الأوكرانية الأخيرة تحديا حقيقيا لاتفاقية مونترو ومعقِّدة لحسابات تركيا، فهي أزمة بين دولتين من دول الحوض، فضلا عن انخراط الناتو في الأزمة بشكل غير مباشر، وهو ما يعني أن البحر الأسود قد يكون إحدى جبهات الحرب. ولذلك تحديدا طلبت كييف من أنقرة تطبيق اتفاقية مونترو ومنع السفن العسكرية الروسية من المرور بالمضائق.
في المقام الأول، ثمة حاجة لتوصيف التطورات الحالية، هل هي “حرب” أم “تصعيد عسكري” أم “عملية عسكرية” روسية جزئيا في أوكرانيا؟ ذلك أن البعض يرى في تجنب توصيف “الحرب” مخرجا لحرج تركيا إزاء قرار المضائق. ولربما كان ذلك ممكنا في البدايات الأولى، لكن مع وصول القوات الروسية إلى مشارف العاصمة كييف، سيكون من الصعب على تركيا ألا تصف ما يحدث بالحرب.
فإذا ما كانت حربا فعلا، ستكون تركيا أمام 3 حالات رئيسة وفق الاتفاقية. إذا كانت هي طرفا في الحرب فلها الحق -وفق المادة 20- في وقف الملاحة عبر المضائق تماما بدون استثناء، لكنها ليست الحالة هنا ولا يبدو أنها احتمال مرجح في المدى المنظور.
الحالة الثانية هي أن تشعر تركيا أنها “مهددة بخطر وشيك” للحرب، وهنا -وفق المادة 21- سيكون لها الحق في منع مرور القطع العسكرية للطرفين المتحاربَين باستثناء السفن التي كانت غادرت حوض البحر الأسود وتريد العودة لموانئها. أكثر من ذلك، تعطي هذه المادة لتركيا الحق في عدم منح هذا الحق (عودة السفن) للدولة التي ترى أنها تسببت بتفعيل هذه المادة، وإن كان قرار تركيا في مثل هذه الحالة مقيدا ويمكن -بقرار أغلبية ثلثي عصبة الأمم (لم تعد قائمة) أو أغلبية الدول الموقعة على الاتفاقية- ثنيُها عن إجراءاتها.
الحالة الثالثة هي حرب بين دولتين أو أكثر تركيا ليست طرفا فيها ولا تشعر أنها في خطر وشيك بسببها، وهي الأشبه بالحالة القائمة. وهنا، وفق المادة 19 من الاتفاقية، يحق لتركيا منع القطع الحربية من الدول المتحاربة من المرور عبر المضائق، بيد أن ذلك لا يمنع “عودة” السفن إلى موانئها.
ستكون تركيا حريصة على التطبيق شبه الحرفي لاتفاقية مونترو، وهو ما يعني -في حال توصيف التطورات بالحرب- منع مرور القطع الحربية عبر المضائق. هذا نظريا، أما عمليا، فيمكن لروسيا دائما أن ترسل قطعها العسكرية البحرية من خارج البحر الأسود إلى داخله من باب أنها “عائدة” لموانئها، وهي على ما يبدو ثغرة في بنود الاتفاقية لصالح روسيا بهذه الحالة.
في الخلاصة، بظروف حساسة وبالغة التعقيد مثل الحالية ستكون تركيا أكثر حرصًا على التطبيق الدقيق للاتفاقية، بغض النظر عن رأيها في الأحداث وأطراف النزاع، ما لم تكن طرفا أساسيا فيه. ذلك أن أي ثغرات أو أخطاء في التطبيق سوف تفتح الباب على انتقادات لها وربما مطالبات بتعديل الاتفاقية.
وقد حصل ذلك سابقا في محطات وأزمات سابقة، خصوصا من طرف روسيا، وهو أمر قابل للتكرار، وتسعى أنقرة بكل الوسائل لتجنبه؛ ذلك أن الضغط باتجاه تعديل الاتفاقية، من باب تقاعس تركيا عن تنفيذها بدقّة مضافا للتغيرات الجيوسياسية الكبيرة في حوض البحر الأسود منذ توقيعها، يمكن أن يفقد تركيا أوراق قوة كبيرة تمتعت بها واستفادت منها لعقود طويلة فيما يتعلق بالملاحة في البحر الأسود[85].
ومع ذلك، فقد تتخذ أنقرة خطوات تصعيدية ضد روسيا عبر منع السفن الروسية من العودة والمرور عبر مضيق البسفور والدردنيل أو السماح بدخول عدد أكبر لسفن حلف الناتو إلى البحر الأسود عبر هذه المضائق، خاصة مع تنامى القلق التركي بشأن استمرار التمدد الروسي بالقرب من حدودها في البحر الأسود ومناطق جنوب القوقاز بشكل يخل بميزان القوة العسكرية لصالح موسكو، بحيث يتحول البحر الأسود تدريجيًا إلى بحيرة روسية.
فقد غير ضم القرم ميزان القوة العسكرية في تلك المنطقة لصالح روسيا، ففي عام 2014، اقتطعت موسكو شبه جزيرة القرم من أوكرانيا، وهو ما وفَّر لموسكو قاعدة بحرية استراتيجية في سيفاستوبول بالقرم تمثل ثاني أهم نقطة في البحر الأسود بعد المضايق التركية، وتتيح لموسكو الانطلاق إلى البحر الأبيض المتوسط عبر مضيقي البوسفور والدردنيل. وعندما نضم المشهد في القرم وأوكرانيا إلى مشهد الوجود الروسي في منطقة ترانس دنيستر الانفصالية في مولدوفا، والوجود العسكري الروسي في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية بعد اعتراف موسكو بانفصالهما عن جورجيا، نجد أن موسكو أصبحت صاحبة النفوذ الأكبر في البحر الأسود[86].
ومن ناحية ثانية، فقد ألغت موسكو الاتفاقيات السابقة مع أوكرانيا التي حدت من أسطول البحر الأسود وعززت أسطولها بالسفن السطحية والغواصات المطورة لتمتلك 49 سفينة سطحية مقارنة بـ 26 سفينة قبل عام 2014، محققة تفوقًا على الأسطول التركي المكون من 44 سفينة، وقد تم تجهيز السفن والغواصات بصواريخ كاليبر كروز القادرة على إصابة أهداف على بُعد 2400 كم.
علاوة على تركيب شبكة من المنظومات التسليحية المتطورة في شبه جزيرة القرم كمنظومات “S-400″ و”S-300″ و”Pantsir-S1” المضادة للطائرات ومنظومة “Bastion-P” المضادة للسفن، وغيرها من أنواع الرادارات وأنظمة الحرب الإلكترونية، بحيث أصبح البحر الأسود بأكمله يقع ضمن نطاق هذه الشبكة. وتنظر تركيا للتوسع العسكري الروسي كتهديد لأمنها الجيوسياسي، ولعل ذلك كان الدافع الأكبر لتأييد تركيا تمدد الناتو في أوروبا الشرقية وتوسيع عضويته ليضم أوكرانيا وجورجيا وأذربيجان ومقدونيا الشمالية لموازنة النشاط الروسي المتزايد في المنطقة[87].
ومن ناحية ثالثة، فقد أصبحت روسيا بعد ضم القرم تمتلك منطقة اقتصادية خالصة مساوية تقريبًا لتركيا. ويأتى ذلك بالتزامن مع الأهمية المتزايدة للبحر الأسود في الاستراتيجية التركية بعد اكتشاف احتياطيات ضخمة من الغاز تبلغ 540 مليار متر مكعب، وتأمل أنقرة في أن تخفض تلك الاحتياطيات من فاتورة استيراد الغاز سنويًّا والتي يُرجَّح أن تصل إلى 55 مليار دولار بحسب وزير الطاقة والموارد الطبيعية، فاتح دونماز[88].
– توظيف الأزمة لإصلاح العلاقات مع الغرب:
تسعى تركيا لتوظيف الأزمة الأوكرانية للتأكيد على مركزية دورها بالنسبة للأمن الأوروبي وأهمية موقعها في استراتيجية الولايات المتحدة وحلف الناتو لاحتواء روسيا، وذلك بعدما تسببت سياسات تركيا الإقليمية وتقاربها مع روسيا، على مدار السنوات الماضية، في توتر علاقاتها بالقوى الغربية وخروج أصوات مناديه بطرد تركيا من الناتو. فتركيا تتحكم في حركة المرور من وإلى البحر الأسود، الذي تشترك في حدوده مع روسيا، عبر مضيقي الدردنيل والبوسفور، حيث تسمح تركيا للسفن التابعة للناتو بالمرور إلى البحر الأسود، وتتحكم في مضيق البوسفور الذي يعد نقطة المرور الرئيسية لروسيا نحو البحر المتوسط. وتاريخياً كان يُنظر لتركيا كخط الدفاع الأول لأوروبا أمام التهديدات السوفييتية.
وتراهن تركيا على أن تبنيها موقفاً داعماً لأوكرانيا ومتماهياً مع الناتو سيؤدي لتحسين علاقاتها بالولايات المتحدة وحل خلافاتها معها، والتي يأتي على رأسها استبعاد تركيا من برنامج مقاتلات “إف-35” لاقتنائها منظومة “إس-400” الدفاعية الروسية. وتسعى تركيا الآن للاستفادة من الأزمة الأوكرانية في تمرير صفقة لشراء 40 مقاتلة أمريكية جديدة من طراز “إف-16″، مقابل مليار و400 مليون دولار دفعتها في السابق للحصول على مقاتلات “إف-35”. وذلك تحت دعوى مواجهة الخطر المتزايد في البحر الأسود من جانب روسيا، غير أن عملية البيع تواجه معارضة من أعضاء الكونجرس الذين ينتقدون علاقات تركيا المتنامية مع روسيا وسياساتها في منطقة شرق المتوسط.
– الخوف من إغضاب روسيا:
ترجع مبادرة تركيا للتوسط بين روسيا وأوكرانيا إلى رغبة أنقرة في إنهاء الأزمة بين البلدين سلمياً وعدم تطور الأمر إلى حرب تضطر فيها للانحياز إلى أحد الطرفين، والذي سيكون بالتبعية أوكرانيا وحلفاؤها الغربيين باعتبارها عضواً في حلف الناتو، وهو ما سيؤدي لانهيار علاقاتها المتنامية مع روسيا على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية. فتركيا تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي لسد احتياجاتها من الطاقة، ويزور تركيا عدد كبير من السياح الروس سنوياً، وتعتبر روسيا سوقاً مهماً للمنتجات الزراعية التركية. كما قامت تركيا بشراء نظام الدفاع الروسي “إس-400”.
كما تخشى تركيا من الانعكاسات السلبية لاندلاع حرب بين روسيا وأوكرانيا على التنسيق القائم بين موسكو وأنقرة في مناطق الصراعات، في سوريا وليبيا وجنوب القوقاز وآسيا الوسطى، واشتعال جبهات القتال مجدداً كرد على الانحياز التركي المحتمل للغرب في مواجهة روسيا، خاصة أن هذه المناطق محل تنافس بين روسيا والغرب أيضاً. وهو ما سيشكل تحدياً كبيراً لتركيا التي لن تستطع تحمل تكلفة تفجر هذه الصراعات من جديد[89].
فقد طور الطرفان التركي والروسي نمطًا فريدًا للعلاقات أُطلق عليه “التعاون التنافسي”، فبينما يدعمان أطرافًا متعارضة في النزاعات الليبية والسورية وجنوب القوقاز، إلا أنهما استطاعا الوصول إلى مجموعة من التفاهمات المتبادلة والمستقرة داخل المسارح الإقليمية المختلفة، مظهرين مستوى تنسيقي عاليًا وقدرة على إدارة خلافاتهما واحترامهما لمساحات نفوذ الآخر، وهو النمط الذي تود أنقرة الحفاظ عليه لارتباط مصالحها داخل بعض مسارح العمليات بموافقة موسكو.
فعلى سبيل المثال، ستدفع تركيا ثمنًا باهظًا في سوريا حال انقلاب روسيا عليها بسبب موقفها من أوكرانيا، إذ يُمثل الرضاء الروسي ضمانًا لاستمرار السيطرة التركية على المنطقة الآمنة التي أنشأتها القوات التركية بفعل العمليات العسكرية الثلاث المنفذة شمال البلاد، علاوة على أن تنفيذ روسيا بضع طلعات جوية في إدلب كافيًا لإجبار ملايين السوريين على التوجه نحو الحدود التركية، وهو أمر لا تستطيع الأخيرة تحمله نظرًا لاستضافتها أربعة ملايين لاجئ سوري. ولا يتوقع أن تُبدي روسيا تفهمًا أو تسامحًا مع أي نشاط تركي مزعزع للاستقرار في جوارها المباشر بعكس درجات المرونة الاستراتيجية التي قد تُبديها حيال بعض قضايا الشرق الأوسط، كونها تطلع للأخيرة من منظور استعادة المكانة الدولية وتعزيز القوة الجيوسياسية، بينما تنظر إلى مسائل الجوار المباشر باعتبارها فناء خلفيًا لها وقضية تمس أمنها القومي[90].
وفي قائمة الرابحين والخاسرين من الأزمة الروسية ـ الأوكرانيّة، صنف البعض تركيا في خانة الرابحين على اعتبار أن الأزمة أتاحت لها التحرك دبلوماسياً والتأكيد على دورها المحوري والفاعل في حلف شمال الأطلسي. وكان الجانب التركي قد اقترح الوساطة بين موسكو وكييف عدّة مرات مع تأكيده على ضرورة النظر في المخاوف الروسية من جهة، والتأكيد في نفس الوقت على دعم سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها.
لكن وبنظرة فاحصة للتداعيات المترتبة عن غزو روسيا لأوكرانيا، سيتبين أنّ الموقف الروسي يُرتب تكاليف باهظة على تركيا على أكثر من صعيد. على المستوى السياسي والدبلوماسي، لم يستجب الجانب الروسي لدعوات أنقرة المتكررة للحوار والوساطة وتجاهلها تماماً، وهو ما قلل من قيمة تركيا. بمعنى آخر، بوتين قابل قادة دول أوروبا الغربية ليقول إنّه ليس لدى أنقرة ما تقدّمه في هذا المجال.
بعد العام 2015، اتّبعت أنقرة سياسة معقّدة في علاقاتها مع موسكو، وكان من بين ركائزها التقرّب بحذر منها، وتطوير علاقات بينيّة أقوى، والتأكيد على عضوية تركيا في الناتو، ومحاولة تمتين العلاقة مع الغرب، وتطوير علاقات أقوى مع أوكرانيا لتحقيق نوع من التوازن مع موسكو. لكن في ظل التطورات التي تجري اليوم، فإنّ خلق دولة عميلة لروسيا في أوكرانيا يعني أنّ تركيا ستخسر على الأرجح القدرة على توظيف العلاقة مع كييف لتحقيق توازن في العلاقة مع موسكو.
علاوةً على ذلك، فقد طورت تركيا وأوكرانيا خلال السنوات الماضية تفاهماً واعداً في قطاع الصناعات الدفاعية، قوامها التعاون في الإنتاج المشترك للمسيّرات القتالية، والتعاون في مجال إنتاج المحرّكات المتطورة والتكنولوجيا العسكرية. سعت أنقرة من خلال هذه الشراكة إلى الحصول على بعض التكنولوجيا اللازمة لتطوير المحركات وربما الصواريخ وتقديم الدعم العسكري لأوكرانيا بشكل يهدّد الانفصاليين الروس بشكل جدّي. لكن مع الغزو الروسي لأوكرانيا وشروط الاستسلام التي تسعى موسكو لفرضها على كييف، فإنّ مصير الشراكة الاستراتيجية مع أوكرانيا في مجال الصناعات الدفاعية سيصبح في مهب الريح.
من الناحية الجيو ـ سياسية، فإنّ احتلال أوكرانيا يعزز من تواجد روسيا العسكري على البحر الأسود للمرّة الثانية بعد احتلال وضم موسكو لشبه جزيرة القرم في العام 2014. تعزيز الوجود الروسي على شريط أوسع في البحر الأسود يقوّض من توازن القوى في تلك المنطقة الحيوية، ويميل الكفّة إلى موسكو بما يشكّل تهديداً حقيقياً لتركيا. التداعيات الجيو ـ سياسية لغزو أوكرانيا سيتجاوز مداها شرق أوروبا. الدول الصغيرة على حدود تركيا والقريبة جغرافيا من روسيا ستصبح في وضع أضعف وستخشى اتباع سياسات لا تتماشى مع الأجندة الروسية، وهذا قد يضعف من موقف أنقرة في القوقاز وآسيا الوسطى أيضاً بعد الإنجازات التي كانت قد حققتها في السنوات القليلة الماضية في تلك المناطق.
إذا لم تتم معاقبة روسيا بشكل حازم، فمن المتوقع أن ينتشي “حلفاؤها” بغزوها لأوكرانيا، وأن تكتسب المزيد من الثقة بمواقفها الخارجية وقد يشكل ذلك عقبة إضافية لأنقرة، لاسيما في سوريا. خلال الأيام القليلة الماضية، استقبل بوتين على سبيل المثال نائب رئيس مجلس السيادة الحاكم في السودان حميدتي، كما أوردت بعض التقارير وصول حفتر إلى موسكو. وفي أول رد فعل من قبل نظام الأسد في سوريا، فقد اعترف النظام الذي يقع فعلياً تحت سيطرة روسيا وإيران بالمناطق الانفصالية الأوكرانية كدول مستقلة.
من الناحية الاقتصادية، تعتمد تركيا بشكل كبير على روسيا في الغاز والنفط والسياحة والبرنامج النووي السلمي. الأزمة الروسية ـ الأوكرانية رفعت أسعار الغاز والنفط إلى مستويات غير مسبوقة مؤخراً. من المتوقع أن يزيد ذلك من حجم فاتورة الطاقة المستوردة والتي عادة ما تزيد على الـ40 مليار دولار، وهو ما سيزيد من الضغط على العملة المحلية وعلى الاقتصاد التركي وسيكون لذلك تداعيات اجتماعية.
العقوبات التي سيتم فرضها بشكل متصاعد على روسيا قد تضر بتركيا أيضاً نظراً لحجم التبادل التجاري علاوةً على واردات النفط والغاز. توقيت هذه الأزمة جاء في وقت كانت فيه أنقرة تحاول أن تخرج من دوامة انخفاض سعر الصرف وارتفاع التضخم في محاولة لتعويض الخسائر في مرحلة الوباء. لكن المؤشرات الأولية الناجمة عن الأزمة الروسية ـ الأوكرانية لا توحي بأنّ الأمور قد تكون سهلة أو قد تسير في المسار الصحيح[91].
-
إيران:
أبلغ الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسي، في 24 فبراير، بوتين بأن “توسّع حلف “الناتو” يمثل تهديداً خطيراً لاستقرار وأمن الدول المستقلة في مناطق مختلفة”. وكان مسؤولون إيرانيون آخرون قد أعلنوا عن معارضتهم للحرب لكنهم ألقوا باللوم على الغرب في الوقت نفسه في تأجيج النزاع. وفي هذا السياق، غرّد وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان بأن “أزمة أوكرانيا متجذرة في استفزازات “الناتو”. ونحن لا نعتقد أن اللجوء إلى الحرب هو الحل. ومن الضروري التوصل إلى وقف لإطلاق النار وإيجاد حل سياسي وديمقراطي”. وبالمثل، عزا المتحدث باسم وزارة الخارجية سعيد خطيب زاده الأزمة إلى “الخطوات الاستفزازية لحلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة”[92]. وعليه، فكما هو متوقع فإن الموقف الإيرانى هو موقف داعم للموقف الروسى، ولكن مع ملاحظة أنه لم يكن ضد أوكرانيا ولكن ضد الناتو.
ويشير العديد من المراقبين أن إيران ستكون من أكثر الدول المستفيدة من هذه الأزمة لمجموعة من الأسباب منها:
– مباحثات فيينا النووية:
يُنظر إلى الملف النووي الإيراني بوصفه أحد أبرز القضايا التي يمكن أن تتأثر بالأزمة الأوكرانية؛ وذلك لأن كافة الأطراف المنخرطة في المفاوضات تلعب بدرجات متفاوتة دورًا على مسرح الأزمة الأوكرانية، ومن هنا يمكن أن يؤثر التصعيد المحتمل بين روسيا والغرب على الملف النووي الإيراني في ضوء قيام موسكو بتوظيف دورها المؤثر في تلك المباحثات للضغط على الولايات المتحدة والغرب، وفقًا لهذا التصور فلن تقوم روسيا بممارسة أية ضغوط على طهران للتوصل إلى تفاهمات سريعة كورقة يمكن أن تساوم بها الغرب.
هذا بجانب أن توقيت الأزمة الأوكرانية وتشابك الأطراف قد يؤدي إلى إعادة ترتيب الأولويات لدى الولايات المتحدة والقوى الغربية، بحيث ينصب تركيزها على الأزمة الأوكرانية، ما يمنح طهران مزيدًا من الوقت لإطالة أمد المفاوضات، ومحاولة انتزاع مزيد من التنازلات من الولايات المتحدة الأمريكية.
من ناحية أخرى، رأت بعض التقديرات أن الأزمة الأوكرانية قد تدفع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب إلى التوصل إلى اتفاق نهائي؛ إذ يفتح الاتفاق حال حدوثه الباب أمام إيران لضخ النفط في الأسواق العالمية، ما قد يؤدي إلى تخفيف أزمة الطاقة في أوروبا والتي يمكن أن تتصاعد في حالة الغزو ومع فصل الشتاء[93]. حيث تمتلك إيران حاليًا ثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي، والذي يمكنها -نظريًا- من التصدير إلى أوروبا وتزويدها بالطاقة، وتوفير ما لا يقل عن 20% من احتياجات أوروبا من الغاز.
– استعادة القوة الاقتصادية والسياسية:
تتوقع طهران أن أزمة أوكرانيا قد تسرع من إنهاء المحادثات النووية، بما ينهي العقوبات الغربية على إيران من جانب، وإعادة السماح لإيران بضخ ما يقارب 1.3 مليون برميل من النفط يومياً، كما أعلنت وكالة الطاقة الدولية سابقاً، حيث يمكن لإيران أن تضيف إمدادات 1.3 مليون برميل يومياً في 2022، إذا ألغيت العقوبات المفروضة عليها، ما يعنى مزيد من المداخيل المالية من جانب أخر، ومن ثم ستسطيع طهران الإنفاق مرة أخرى على مليشياتها العسكرية لاستعادة دورها دورها الإقليمي ومشروعها السياسي[94].
ومع ذلك، فهناك مخاوف إيرانية من أن تؤثر تلك الحرب بالسلب عليها، وتتمثل أبرز هذه المخاوف فيما يلى:
– تتخوف إيران من اعتراف روسيا بمنطقتين انفصاليتين (لوغانسك ودونيسك) في أوكرانيا واعتبرته تهديداً خطيراً على دول المنطقة، لاسيما تلك الدول التي تتمتع بتنوع عرقي مثل إيران، وهو ما يفرض ضرورة عدم دعم هذه الدول، وتأييدها لما قامت به روسيا، حيث ما فعلته روسيا يعتبر لدى بعض الساسة الإيرانيين حث وتحريض للقوميات المختلفة للعمل على مشاريع انفصالية.
– تخشى إيران من أن تسرق الأزمة في أوكرانيا الاهتمام وتصرفه عن ملفها النووى، خصوصاً أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منخرطان بالكلية في الأزمة الأوكرانية، مما جعل واشنطن تكثف اتصالاتها مع حلفائها في الخليج من أجل أوكرانيا أولاً، قبل الملف النووي الذي كان سابقاً في صدارة هذا النوع من الاتصالات، كالذي أجراه الرئيس “جو بايدن” بالملك “سلمان” مؤخراً، ومن الناحية الأخرى، قد تبدو حاجة واشنطن الملحة إلى حلفائها في الخليج التي ظهرت مجدداً، في طلب دعم جهودها الرامية إلى تأمين الخليج تدفق الطاقة في الأسواق العالمية، خاصة بعد عدوان روسيا الأخير واستخدام الطاقة كسلاح، قد ينقلب فرصة لتعزيز الخليج موقفه هو الآخر، المتعلق بالاتفاق النووي المرتقب مع إيران[95].
– أن إمدادات الغاز الإيراني لأوروبا يحتاج إلى تركيا وشبكتها لخطوط أنابيب الغاز، في وقت تبدو فيه العلاقات بين القوتين الإقليميتين أنقرة وطهران ليست على ما يرام. ونقل الغاز من إيران إلى أوروبا مع تجاوز تركيا أمر مكلف للغاية، وسيكون من الضروري بناء خط أنابيب غاز عبر أذربيجان إلى جورجيا، أو بناء خط أنابيب غاز عبر البحر الأسود، أو بناء محطة للغاز الطبيعي المسال. وكلا الخيارين مكلف للغاية، وقد يحجم المستثمرون عن الدخول في مثل هذا المشروع بسبب العقوبات الأميركية المحتملة على الجهات التي ستشارك فيه (إذا لم يحصل تقدم في مفاوضات الملف النووي)[96].
كما ترددت أنباء على استحياء بشأن رغبة إيران إحياء مشروع “خط الصداقة” الهادف لتصدير الغاز الإيراني إلى أوروبا عبر العراق وسوريا ولبنان، إلا أن تحديات جيوسياسية بالغة تعترض هذا المسار، لعل أهمها الهيمنة الروسية على القرار السوري، فلطالما تقلق روسيا من المنافسة الجيواستراتيجية لإيران في مجال تصدير الغاز، وتحرص على إبعاد صادراتها من الغاز عن أوروبا، علاوة على الأوضاع الأمنية والسياسية الهشة داخل الدول الثلاث وعرقلتها لتنفيذ أي مشاريع تكامل إقليمي. وحتى إن سمحت روسيا مستقبلًا بمشروع كهذا فإنها ستكون شريكًا أساسيًا به يؤهلها للتحكم بعائداته الاقتصادية. هذا بجانب، أن الولايات المتحدة وأوروبا هى الأخرى لن تكون راغبة فى استبدال الغاز من دولة معادية (روسيا) بدولة أخرى لا تقل عدائية عنها (إيران).
أضف إلى ذلك، فخلال السنوات الماضية كان الغاز الطبيعي خارج استراتيجية الطاقة الإيرانية ولم يتجاوز حجم صادراته 7% من الإنتاج الكلي مقابل استهلاك 244 مليار متر مكعب محليًا ضمن استراتيجية إحلال الغاز محل النفط لتعظيم الصادرات النفطية، وبالتالي فإنها لم تهتم لإقامة بنية تحتية لشبكات نقل وتسيل الغاز[97].
[1] “الخارجية : مصر تدعو لتغليب لغة الحوار بين أطراف الأزمة الأوكرانية”، اليوم السابع، 24/2/2022، الرابط:
[2] “لماذا التزمت مصر الحياد في أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا؟”، عربى21، 26/2/2022، الرابط:
[3] “الغزو الروسي لأوكرانيا: مصر تائهة بين المعسكرين الروسي والغربي”، العربى الجديد، 25/2/2022، الرابط:
[4] المرجع السابق.
[5] “شراكة استراتيجية: العلاقات المصرية الروسية منذ 30 يونيو 2013، 5/7/2021، الرابط:
[6] “لماذا التزمت مصر الحياد في أزمة الغزو الروسي لأوكرانيا؟”، مرجع سابق.
[7] “مناورات مشتركة تعزز التعاون العسكرى بين مصر وروسيا”، الشرق الأوسط جريدة العرب الدولية، 22/10/2021، الرابط:
[8] “ما هو موقف مصر وإسرائيل والسعودية من أزمة أوكرانيا؟ أمريكا تدفع ثمن انسحابها من الشرق الأوسط”، مرجع سابق.
[9] ” الحرب الدبلوماسية بين روسيا وأوكرانيا تنتقل إلى مصر | مد فترة السماح باستيراد قمح يحتوي نسبة رطوبة 13.5% عام آخر”، مدى مصر، 1/3/2022، الرابط:
[10] “الخبز والغاز.. مخاوف ومصالح مصر من الأزمة الروسية الأوكرانية في سؤال وجواب”، الجزيرة نت، 11/2/2022، الرابط:
[11] ” “عيش” وغاز وسياحة… مكاسب مصر وخسائرها من الغزو الروسي لأوكرانيا”، مرجع سابق.
[12] “الخبز والغاز.. مخاوف ومصالح مصر من الأزمة الروسية الأوكرانية في سؤال وجواب”، مرجع سابق.
[13] “مسارات الصعود: مصر والمنافسة على الغاز في الأزمة الأوكرانية”، المركز العربى للبحوث والدراسات، 11/2/2022، الرابط:
[14] “الخبز والغاز.. مخاوف ومصالح مصر من الأزمة الروسية الأوكرانية في سؤال وجواب”، مرجع سابق.
[15] “تداعيات الأزمة الأوكرانية على سوق القمح والبدائل المصرية الممكنة”، المرصد المصرى، 12/2/2022، الرابط:
[16] “الخبز والغاز.. مخاوف ومصالح مصر من الأزمة الروسية الأوكرانية في سؤال وجواب”، مرجع سابق.
[17] “ما تداعيات الأزمة الأوكرانية على مصر؟.. خبراء يجيبون”، سى إن إن عربى، 24/2/2022، الرابط: https://cnn.it/3hkXwKG
[18] “تداعيات الأزمة الأوكرانية على سوق القمح والبدائل المصرية الممكنة”، مرجع سابق.
[19] ” “عيش” وغاز وسياحة… مكاسب مصر وخسائرها من الغزو الروسي لأوكرانيا”، مرجع سابق.
[20] “الخبز والغاز.. مخاوف ومصالح مصر من الأزمة الروسية الأوكرانية في سؤال وجواب”، مرجع سابق.
[21] ” “عيش” وغاز وسياحة… مكاسب مصر وخسائرها من الغزو الروسي لأوكرانيا”، مرجع سابق.
[22] “بسبب الحرب في أوكرانيا.. مصر تتوقع زيادة في الأسعار واحتياطي القمح يكفي 4 أشهر”، الجزيرة نت، 24/2/2022، الرابط:
[23] ” “عيش” وغاز وسياحة… مكاسب مصر وخسائرها من الغزو الروسي لأوكرانيا”، مرجع سابق.
[24] “ما تداعيات الأزمة الأوكرانية على مصر؟.. خبراء يجيبون”، مرجع سابق.
[25] ” “عيش” وغاز وسياحة… مكاسب مصر وخسائرها من الغزو الروسي لأوكرانيا”، مرجع سابق.
[26] “هكذا ستتأثر مصر بالأزمة الأوكرانية”، الشروق، 27/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3hpwRww
[27] “كييف تحت القصف.. وطلاب مصريون يستغيثون”، مدى مصر، 24/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3sqkfLF
[28] ” تأمين الطاقة: لماذا زار وزير خارجية إيطاليا الجزائر؟”، الحائط العربى، 2/3/2022، الرابط: https://bit.ly/3IRK25v
[29] “الجزائر والمعادلة الصعبة.. الأزمة الروسية الأوكرانية ومخاطر الانحياز”، المرصد المصرى، 26/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3ID3T84
[30] “التأثيرات الجيوسياسية: الغاز والشرق الأوسط في الأزمة الأوكرانية”، المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، 20/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3pwJ8n5
[31] “الجزائر والمعادلة الصعبة.. الأزمة الروسية الأوكرانية ومخاطر الانحياز”، مرجع سابق.
[32] “الجزائر والمعادلة الصعبة.. الأزمة الروسية الأوكرانية ومخاطر الانحياز”، مرجع سابق.
[33] “لماذا تحتاج الولايات المتحدة إلى السعودية لمساعدتها في الضغط على روسيا”، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، 25/2/2022، الرابط: https://bit.ly/36LUlJT
[34] ” أين تقف دول الخليج إزاء الحرب الروسية ضد أوكرانيا؟”، الخليج الجديد، 1/3/2022، الرابط: https://bit.ly/3hzdjFK
[35] المرجع السابق.
[36] “ما هو موقف مصر وإسرائيل والسعودية من أزمة أوكرانيا؟ أمريكا تدفع ثمن انسحابها من الشرق الأوسط”، مرجع سابق.
[37] “لهذه الأسباب «خذل» العرب أمريكا في أوكرانيا”، القدس العربى، 21/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3vrnuo1
[38] “ما هو موقف مصر وإسرائيل والسعودية من أزمة أوكرانيا؟ أمريكا تدفع ثمن انسحابها من الشرق الأوسط”، مرجع سابق.
[39] “الغزو الروسي لأوكرانيا يعيد بن سلمان للواجهة عبر بوابة النفط”، الخليج الجديد، 1/3/2022، الرابط: https://bit.ly/3IAxCyu
[40] ” ردود دول الشرق الأوسط على أزمة أوكرانيا”، مرجع سابق.
[41] “ف.تايمز: لماذا تقف السعودية والإمارات على الحياد في حرب أوكرانيا؟”، الخليج الجديد، 1/3/2022، الرابط: https://bit.ly/3pnzIub
[42] ” حرب أوكرانيا ودول الشرق الأوسط.. حلفاء الولايات المتحدة يتقربون من روسيا”، الخليج الجديد، 27/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3IzJDnW
[43] ” بعد الامتناع الإماراتي أممياً.. إلى أين تسير علاقات أبوظبي وواشنطن؟”، الخليج أونلاين، 26/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3sxsCW0
[44] ” لماذا امتنعت الإمارات عن إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا في مجلس الأمن؟”، الخليج أونلاين، 26/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3IyFjp7
[45] “مصالح متشابكة.. كيف ستتعامل دول الخليج مع حرب روسيا وأوكرانيا؟”، الخليج أونلاين، 24/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3K2YibC
[46] ” لماذا امتنعت الإمارات عن إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا في مجلس الأمن؟”، مرجع سابق.https://bit.ly/3IyFjp7
[47] المرجع السابق.
[48] “لهذه الأسباب «خذل» العرب أمريكا في أوكرانيا”، مرجع سابق.
[49] ” بعد الامتناع الإماراتي أممياً.. إلى أين تسير علاقات أبوظبي وواشنطن؟”، مرجع سابق.
[50] “خشية عقوبات غربية.. بنك المشرق الإماراتي يوقف إقراض البنوك الروسية”، الخليج الجديد، 2/3/2022، الرابط: https://bit.ly/3py4K2B
[51] “ليس القمح والنفط فحسب.. 7 طرق تؤثر بها الحرب الروسية الأوكرانية على الشرق الأوسط”، مرجع سابق.
[52] ” أين تقف دول الخليج إزاء الحرب الروسية ضد أوكرانيا؟”، مرجع سابق.
[53] ” ردود دول الشرق الأوسط على أزمة أوكرانيا”، مرجع سابق.
[54] ” التأثيرات الجيوسياسية: الغاز والشرق الأوسط في الأزمة الأوكرانية”، مرجع سابق.
[55] ” منتدى الغاز في الدوحة وموقع قطر الدولي الفاعل”، القدس العربى، 21/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3ps7778
[56] “مصالح متشابكة.. كيف ستتعامل دول الخليج مع حرب روسيا وأوكرانيا؟”، مرجع سابق.
[57] ” ردود دول الشرق الأوسط على أزمة أوكرانيا”، مرجع سابق.
[58] ” حياد نسبي: تضارب التصريحات الإسرائيلية من العقوبات الأمريكية على روسيا”، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 25/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3HuPObm
[59] “سياسة اللا موقف: لماذا تخشى تل أبيب من تفاقُم الأزمة الأوكرانية؟”، إنتريجونال للتحليلات الاستراتيجية، 22/2/2022، الرابط: https://bit.ly/35yIjTG
[60] ” حياد نسبي: تضارب التصريحات الإسرائيلية من العقوبات الأمريكية على روسيا”، مرجع سابق.
[61] “سياسة اللا موقف: لماذا تخشى تل أبيب من تفاقُم الأزمة الأوكرانية؟”، مرجع سابق.
[62] “قراءة في تأثيرات الأزمة الأوكرانية الروسية على “إسرائيل””، مركز رؤية للتنمية السياسية، 14/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3hmyCdP
[63] ” حياد نسبي: تضارب التصريحات الإسرائيلية من العقوبات الأمريكية على روسيا”، مرجع سابق.
[64] “تأثير الأزمة الروسية الأوكرانية على الأمن القومي الإسرائيلي”، الميادين، 27/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3Ip4wCd
[65] “ما الذي تخشاه “إسرائيل” من الصراع الروسي الأوكراني؟”، الميادين، 26/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3Hyl3m2
[66] “تأثير الأزمة الروسية الأوكرانية على الأمن القومي الإسرائيلي”، مرجع سابق.
[67] “ما الذي تخشاه “إسرائيل” من الصراع الروسي الأوكراني؟”، مرجع سابق.
[68] ” حياد نسبي: تضارب التصريحات الإسرائيلية من العقوبات الأمريكية على روسيا”، مرجع سابق.
[69] “تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على (إسرائيل)”، فلسطين أونلاين، 27/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3K4mVVu
[70] “ما هو موقف مصر وإسرائيل والسعودية من أزمة أوكرانيا؟ أمريكا تدفع ثمن انسحابها من الشرق الأوسط”، مرجع سابق.
[71] ” حياد نسبي: تضارب التصريحات الإسرائيلية من العقوبات الأمريكية على روسيا”، مرجع سابق.
[72] “سياسة اللا موقف: لماذا تخشى تل أبيب من تفاقُم الأزمة الأوكرانية؟”، مرجع سابق
[73] ” حياد نسبي: تضارب التصريحات الإسرائيلية من العقوبات الأمريكية على روسيا”، مرجع سابق.
[74] “هل تستطيع تركيا موازنة العلاقات بين روسيا والغرب في أزمة أوكرانيا؟”، المركز العربى للأبحاث ودراسة السياسات، 7/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3trVy0W
[75] “الموقف التركي من الأزمة الأوكرانية وتداعياته على العلاقات مع روسيا والغرب”، مركز الجزيرة للدراسات، 1/3/2022، الرابط: https://bit.ly/3vNr3W3
[76] ” ردود دول الشرق الأوسط على أزمة أوكرانيا”، مرجع سابق.
[77] ” بعد تطبيق تركيا اتفاقية مونترو.. تعرّف سفن روسيا العسكرية خارج البحر الأسود”، تى أر تى عربى، 1/3/2022، الرابط: https://bit.ly/35HMOey
[78] ” تركيا: مشهد أوكرانيا لا يبعث على الأمل ولا نميل للمشاركة بالعقوبات ضد روسيا”، تى أر تى عربى، 2/3/2022، الرابط: https://bit.ly/3huHHBc
[79] “الموقف التركي من الأزمة الأوكرانية وتداعياته على العلاقات مع روسيا والغرب”، مرجع سابق.
[80] المرجع السابق.
[81] “حسابات دقيقة.. حدود الدور التركي في الأزمة الأوكرانية”، المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، 24/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3K1wtQS
[82] “هل تستطيع تركيا موازنة العلاقات بين روسيا والغرب في أزمة أوكرانيا؟”، مرجع سابق.
[83] “حسابات دقيقة.. حدود الدور التركي في الأزمة الأوكرانية”، مرجع سابق.
[84] “هل تستطيع تركيا موازنة العلاقات بين روسيا والغرب في أزمة أوكرانيا؟”، مرجع سابق.
[85] “الحرب الأوكرانية والمضائق.. ماذا ستفعل تركيا؟”، الجزيرة نت، 26/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3K6kvpk
[86] “الموقف التركي من الأزمة الأوكرانية وتداعياته على العلاقات مع روسيا والغرب”، مرجع سابق.
[87] “حسابات دقيقة.. حدود الدور التركي في الأزمة الأوكرانية”، مرجع سابق.
[88] “الموقف التركي من الأزمة الأوكرانية وتداعياته على العلاقات مع روسيا والغرب”، مرجع سابق.
[89] “حسابات شائكة: كيف تفكر تركيا في الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا؟”، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 14/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3Iy3Eep
[90] “حسابات دقيقة.. حدود الدور التركي في الأزمة الأوكرانية”، مرجع سابق.
[91] “الغزو الروسي لأوكرانيا.. التكاليف المترتبة على تركيا”، عربى21، 26/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3stzAey
[92] ” ردود دول الشرق الأوسط على أزمة أوكرانيا”، مرجع سابق.
[93] “أصداء مرتقبة.. موقع الشرق الأوسط في معادلة الحرب والتهدئة بين روسيا والغرب”، مرجع سابق.
[94] ” إيران رابحة أم خاسرة من “حرب بوتين”؟”، مركز رع للدراسات الاستراتيجية، 28/2/2022، الرابط: https://bit.ly/3KbkuAv
[95] المرجع السابق.
[96] ” أزمة أوكرانيا.. فرص أم قيود لإيران؟”، الجزيرة نت، 28/1/2022، الرابط: https://bit.ly/3sH6iJH
[97] ” التأثيرات الجيوسياسية: الغاز والشرق الأوسط في الأزمة الأوكرانية”، مرجع سابق.