قراءة في المشهد الاحتجاجي بـ الأردن وهل يمكن استعادة الربيع العربي؟
كان قرار الحكومة في الأردن بتحويل مشروع قانون ضريبة الدخل إلى مجلس النواب مؤذناً باندلاع موجة احتجاج واسعة على مشروع القانون الذي جاء تتويجاً لعشرات القرارات الضريبية أو التي تتعلق برفع أسعار السلع والخدمات السابقة؛ بدعوى مواجهة التردي في الأوضاع الاقتصادية للأردن عبر فرض المزيد من الإجراءات التقشفية[1]، والتزاماً بتطبيق قرارات صندوق النقد الدولي. وفي حال إقراره كان القانون سيشمل المزيد من الشرائح الأقل دخلًا، وسترتفع بموجبه ضريبة الدخل على البنوك والمؤسسات المالية وشركات التأمين من 30% إلى 40%، ناهيك عن قطاع الزراعة وغيره من القطاعات. ولهذا فقد نفذت 33 نقابة وجمعيات أصحاب المهن، إضرابًا شاملًا عن العمل؛ فقد توقف 90% من المحامين عن الترافع في مختلف المحاكم، وشهدت وزارة الصحة ومستشفيات حكومية وأسواق مركزية وشركات زراعية وشركة الكهرباء إضرابا واسعاً، وبدت مرافق عامة وبعض مؤسسات تابعة للوزارات خالية من الموظفين، كما بدا السوق المركزي للخضار والفواكه خاليًا من التجار، فيما لوحت نقابات أخرى بالانضمام إلى الإضراب في حال لم تسحب الحكومة القانون الجديد[2]، كما أغلقت عدة محال أبوابها بالتزامن مع الإضراب الذي رفع مطلب سحب القانون من البرلمان، كما توجه الآلاف إلى ساحة مجمّع النقابات المهنية في عمّان، حيث تجمّعوا رافعين شعارات ترفض قانون ضريبة الدخل الجديد ونظام الخدمة المدنية وسياسات رفع الأسعار وفرض الضرائب[3].
تعاملت الحكومة بشئ من الاستخفاف مع الاحتجاجات فأعلنت عن رفع أسعار الوقود بنسبة تتراوح بين 4.7% و5.5%، لتنطلق الاحتجاجات من نقاط عديدة في عمان، وخارجها شمالًا وجنوبًا؛ لتتراجع الحكومة بعدها عن رفع أسعار الوقود، إلا أن الاحتجاجات استمرت ضد السياسات التقشفية التي تنتهجها حكومة هاني الملقي خلال السنوات الماضي، ما دفع حكومة "الملقي" للاستقالة، وتكليف عمر الرزّاز بتشكيل حكومة جديدة[4]، والذي صرح أن حكومته سوف تسحب مشروع قانون الضريبة بعد أدائها اليمين الدستورية، متعهداً بأن يأخذ القانون الضريبي بعين الاعتبار الخلل الموجود في الضرائب الأخرى؛ التي يحمٌل الكثير منها الفئات الفقيرة ومحدودة الدخل عبئًا كبيرًا وخصوصًا ضريبة المبيعات، وفي ضوء ذلك عقدت القوى الاحتجاجية اجتماع قررت فيه (تعليق الوقفات الاحتجاجية في الميادين لحين صدور البيان الوزاري)، مؤكدين أن مطالب الاحتجاجات الشعبية تبقى قائمة لحين صدور أسماء الفريق الوزاري ووضوح برنامجها وخطة عملها ومدى الاستجابة للمطالب الشعبية[5]، وفي هذا السياق، دعا ملك الأردن عبد الله الثاني الحكومة والبرلمان إلى الدخول في "حوار وطني شامل" للوصول إلى "صيغة توافقية" حول مشروع قانون الضريبة، مشدداً على "أهمية مشاركة الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني في الحوار بصورة فاعلة"، كما نبه الملك إلى أن "التحديات التي تواجه الاقتصاد الأردني سببها الظرف الإقليمي الصعب"[6].
في تفسير دوافع الاحتجاج:
الاقتصاد الأردني اقتصاد ريعي؛ يعتمد على عوائد السياحة والثروات المعدنية والاقتصاد الخدمي؛ ما يجعله شديد التأثر بالأوضاع الإقليمية والعالمية؛ وهو يشبه إلى حد كبير الإقتصاد المصري، بل يمكن القول (بقليل من التجاوز) أنه -إلى حد بعيد- نسخة كربونية ومكررة من كل الإقتصادات العربية، التي تتسم بأنها "ريعية" أي تعتمد في جزء جوهري من إيرادها على مصادر خارجية في شـكل ريع.
مع تراجع العوائد الريعية في الأردن، وتآكل حجم المعونات الخارجية -جراء توقف المساعدات المالية الخليجية للأردن لمدة عامين[7]، خاصة مع الضغوط الحالية على الأردن للقبول بصفقة القرن والمساهمة في تمريرها، والتوقف عن حالة التلكؤ التي اتصفت به ردة الفعل الملك حيال الترتيبات الجارية في الإقليم- تراجعت قدرة الدولة على إسكات المجتمع وشراء ولاءات الشخصيات النافذة فيه.
فعملت الدولة على التعاطي مع هذه التحديات -التي يغلب عليها الطابع الاقتصادي في الداخل- عبر التحول عن اقتصاد الريع صوب اقتصاد الجباية؛ وذلك من خلال الاستعاضة بالإيرادات الضرايبية عن العائدات الريعية، وذلك بدلاً من معالجة العجز عبر تحقيق إنتاج حقيقي ذات عوائد. وهو منطق نراه حاضراً في الدول ذات الإقتصاد المتراجع؛ خاصة مع تراكم الديون، والإكراهات التي يفرضها الدائنون، وبشكل خاص صندوق النقد، الذي يفرض سياسات التقشف والخصخصة كأدوات للخروج من الإقتصاد المتأزم، وللتحول من إقتصاد تقليدي وريعي في أحيان كثيرة إلى إقتصاد نيوليبرالي لا يعبأ بما ينجم عن هذا التحول. وهو عين ما نجده في مصر في وقتنا الراهن، نفس برامج "الإصلاح" وبإشرافٍ نفس صندوق النقد الدولي، ونفس البنود المعتادة، من إلغاء الدعم على السلع الغذائية والخدمات الأساسية، إلى خصخصة القطاع العام وزيادة الضرائب غير المباشرة (مثل ضريبة المبيعات) والتي تنخر في أجور ومستوى معيشة غالبية أفراد المجتمع[8].
لكن مع تسارع وتيرة إصدار قرارات ومشروعات قوانين اقتصادية، غير محسوبة النتائج، وشديدة السلبية على المجتمع الأردني، نجحت حكومة الملقي في توحيد كلّ الشّرائح والقطاعات، عموديًّا، وأفقيًّا، في مواجهتها، ودفع الطّبقة الوسطى، الوازنة والقادرة والمؤثّرة، والخاملة عادةً، إلى واجهة المعارضة.
حيث قامت التّعديلات المقترحة على قانون ضريبة الدّخل بدمج مصالح كبريات المؤسّسات الماليّة (البنوك، إذ ترفع التّعديلات المقترحة الضّريبة عليهم –كما على قطاع التأمين- إلى 40%)، بمصالح الطّبقة الوسطى من مهنيّين وموظّفين، إذ خفضّت ذات التعديلات الإعفاءات على هذا القطاع، لتشمل الضّريبة من يزيد دخله على 666 دينارًا شهريًّا من الأفراد، و1333 دينارًا شهريًّا من الأسر. فيما جاء قرار رفع أسعار الوقود والكهرباء (قبل أن يتمّ التّراجع عنه)، ليدفع بالشّرائح الفقيرة إلى ساحة الاحتجاج، وهي التي تلقّت الضّربات الأقسى خلال السّنوات الماضية في عهد حكومتي عبد الله النّسور وهاني الملقي، إذ توالت عليها ارتفاعات الأسعار، وتوسُّع ضريبة المبيعات على السّلع والخدمات، والرّفع المتتالي لأسعار المحروقات، وارتفاع الضّرائب الخاصّة على الاتّصالات، وإلغاء الدّعم عن السّلع الأساسيّة، ليتشكّل أوسع تحالف شعبيّ تشهده البلاد منذ تأسيسها، في مواجهة المجموعة الحاكمة، ومشروعها الاقتصاديّ[9].
في تفسير تعاطي الدولة وأجهزتها العنيفة بسلمية مع الاحتجاجات:
تعاملت الدولة في الأردن بسلمية مع المشهد الاحتجاجي ونجحت في امتصاص سخط الشارع واستيعاب احتجاجاته؛ فقد تعاملت قوات الأمن "الدرك" بهدوء شديد مع الاحتجاجات بشكل يدلل بشكل واضح تعاطف هذه القوات مع تحركات الشارع ومطالبه. لكن هذا التعاطف والتضامن مع مطالبات الشارع واحتجاجاتهم، تجاوز حتى العساكر والقادة الميدانيين، وظهر جلياً لدى مسئولين كبار؛ فقد شوهد ولي العهد الامير حسين بن عبدالله وسط المحتشدين وحرس الدرك ويطالبهم بـ "حماية المعتصمين"، كما غابت تماماً مظاهر مألوفة في التصدي للاحتجاجات، من قبيل ملثمين يرتدون ألوان العلم، نواب موالاة يزاحمون على المايكروفونات، بلطجية يشاركون فجأة في المشهد لصالح الولاء للنظام، مواكب سيارات تخالف القانون وتهتف للقصر وتلقي بالحجارة على المعتصمين -وإن ظلت هناك محاولات هامشية لاستعادة الاسلوب النمطي في التصدي للحراك لكنها أجهضت ومنيت بالفشل. ما يدفعنا للتساؤل عن دوافع هذا التعامل السلمي والايجابي مع الاحتجاجات رغم التاريخ الطويل للجهاز الأمني في الأردن في الهيمنة على المشهد السياسي والسطو على مكوناته وفي مصادرة وتقييد العمل السياسي والتنظيمات النقابية في البلاد[10].
لا يوجد أساس للقول بأن الحرس الكلاسيكي في ادارة الدولة تحول فجأة للسلوك المدني، لذلك يبقى هناك اتجاهين في تفسير موقف الدولة الايجابي من المشهد الاحتجاجي، يركز الأول على جملة من العوامل الخارجية، بينما يركز الثاني على حزمة من المتغيرات ذات الطابع الوطني، هي التي حملت الدولة على التعامل بشكل سلمي مع الاحتجاجات:
الإتجاه الأول: يرى أن من العوامل الهامة المفسرة للموقف الرسمي المتسامح مع الحراك الاحتجاجي في الأردن وتجنّب قمعها، والاستجابة السريعة مع أحد أبرز مطالبها (إقالة حكومة الملقي)، وتعيين رئيس وزراء جديد، أن المجموعة الحاكمة في الأردن باتت اليوم –وأكثر من أي وقت مضى- عاريةً إقليميًّا ودوليًّا، ومنبوذةً نسبيًّا، بلا "سند"، بينما تفقد وظيفيّتها بتسارع كبير إثر تشكّل محور إقليميّ (أميركيّ-سعوديّ-إسرائيليّ)، دون دور لها فيه، يفاقم ذلك انسحاب نظام ترامب -إلى حدّ كبير- من الإدارة السياسيّة للمنطقة، مقابل دور أكبر لحلفائه المحليّين (السّعوديّة وإسرائيل) وعدم اكتراثه بالملفّ الفلسطينيّ، ما يعني عدم اكتراثٍ بالأردنّ ودوره، بحكم جواره لفلسطين، وتأثّره المباشر بما يحدث فيها، وتركيبته السكّانيّة، ومصالحه المرتبطة بنشوء "دولة فلسطينيّة" ما، وارتباط الهاشميّين بعلاقة خاصّة مع المقدّسات في القدس. لطالما قدّمت الأردن نفسها كقوّة معتدلة في المنطقة، تستطيع لعب دور الوسيط بين العالم العربيّ، خصوصًا الخليجيّ منه، وإسرائيل. أما الآن، وبعد التطور الكبير في علاقات التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج ولم يعد ثمّة داعٍ لأيّ وسطاء. ومع تفكك الدور الخارجي والتاريخ للأردن تجد المجموعة الحاكمة نفسها في وضع تحتاج فيه أن تُعيد تأسيس شرعيّتها على الدّاخل، الذي اختلف تمامًا منذ عشرينيّات القرن الماضي، وصارت مجموعاته الشعبيّة أكثر تعقيدًا، وتنوّعًا، وتضاربًا في المصالح، بعد أن عمدت المجموعة الحاكمة إيّاها إلى تفكيكه على مدار عقود، ووضعه في مواجهة بعضه البعض، وتصفية، أو إضعاف وإلحاق، مؤسساته الشعبيّة (أحزاب، نقابات، إلخ)، بينما دفعت الاقتصاد الوطنيّ إلى الانهيار نتيجة للفساد وسوء الإدارة، وتفاقم المديونيّة، ونهب جيوب المواطنين، واتخاذه شكل التبعيّة الكامل لبرامج الدائنين وصندوق النّقد الدوليّ، وتدمير الصّناعات المحليّة الإنتاجيّة لصالح الوكلاء والاستيراد[11].
الإتجاه الثاني: يرى أن المنظومة الامنية، ومن ورائها المجموعة الحاكمة، اضطرت للنعومة والاسترخاء؛ لأن كلفة التصعيد ضد تحركات الشارع كانت كبيرة، خاصة مع خوف السلطة من استثمار قوى خارجية معادية للنظام للاحتجاجات في تهديده وتقويض استقراره، وعليه تقرر "احتضان الشارع" أمنيًا بدلا من تركه للآخرين خصوصاً مع غموض تفاصيل "الإضراب الاول" الناجح الذي افلت الامور من عقالها. كما أن الدولة العميقة رصدت -مثل الجميع- حجم تعاطف كادر الامن مع المعتصمين، وتفهمه لحراك الناس؛ لأن الكادر الأمني كبقية المواطنين من ضحايا التضخم وارتفاع الاسعار، وبالتالي كان القرار بالتنفيس على الجميع[12].
سر غياب القوى السياسية عن المشهد الاحتجاجي:
كشفت الاحتجاجات الأخيرة غياب التأثير الفعلي للمعارضة الأردنية عن الساحة سواءاً كانت تلك المعارضة يمينية إسلامية أو يسارية، وثمة ثلاثة تفسيرات يمكن القول أنها متكاملة وليست متقابلة حاولت تفسير هذا الغياب:
التفسير الأول: أن غياب المعارضة جاء نتيجة حتمية لعدم قناعة المواطن بجدية تلك المعارضة، إما لضعف شخوص قياداتها أو لعدم عمق الأفكار والمبادئ المطروحة، وبذات الوقت لعدم استناد المعارضة أو تقديمها برامج واضحة المعالم تؤطر العمل بعيداً عن الأيدولوجيات التي لا تقدم الحل[13].
التفسير الثاني: أن النقابات أكثر قوة ونفوذاً وتأثيراً من الأحزاب، خاصة مع الصلاحيات والامتيازات التي حاذتها النقابات جراء تخوف الدولة هناك من انتقال عدوى الربيع العربي للأردن، فتم تحديث القوانين المنظمة للعمل السياسي ودمقرطتها؛ مثل قوانين الانتخابات وطريقة تشكيل الحكومة وتقليص بعض صلاحيات الملك، وقوانين المظاهرات والاحزاب والاجتماعات والمؤتمرات العامة، وكان من أهم مكتسبات هذه المرحلة انتزاع تواجد قوي للنقابات، ومن أهمها نقابة "المعلمين" اللي تم اقراراها رسمياً بعد اعتصام مفتوح طويل للمعلمين سنة 2012، وفي الوقت الراهن يضم مجلس النقابات المهنية في الأردن 16 نقابة، فيها اكثر من 300 ألف عضو، تنظم انتخاباتها بشكل دوري، وتلعب دور محوري في حماية مصالح اعضائها (المجتمعية والاقتصادية) في حال عجزت الأحزاب والبرلمان عن حماية مصالح المجتمع تحت ضغط التوازنات السياسية وموازين القوى القائمة[14].
التفسير الأخير: أن غلبة الحضور النقابي على الحضور السياسي مسألة طبيعية في ضوء الطبيعة الإقتصادية والاجتماعية للاحتجاجات، فهي احتجاجات على السياسات الإقتصادية للدولة ومردوداتها السلبية على المجتمع، فهي أكثر اتساقاً وانسجاماً مع الكيانات النقابية المعبرة عن المجتمع وطبقاته وفئاته المهنية. لذلك من المضلل القول بغياب المكون الحزبي؛ لكن يمكن القول أن الحضور الحزبي جاء تحت هويات اجتماعية وطبقية وليست سياسية؛ بما يحول دون حدوث انقسامات في صفوف المحتجين ودون تشويه الحراك واتهامه بأن له أجندات سياسية؛ وأنه يوظف هموم الناس لتحقيق تطلعاته.
الخاتمة: هل تؤذن الاحتجاجات الأردنية باستعادة المسار الثوري في المنطقة:
يرى متابعون، أن أحداث الأردن تؤكد أن السنوات الماضية -مع أفول نجم الربيع العربي- لم تكن صعبة على الشعوب والأفرادٍ والقوى طامحة للتغيير، بقدر ما كانت صعبة على الحكومات والنّظام العربيّ الرسميّ؛ فلم تَؤُلِ الأمور بعد الربيع العربيّ إلى أحوال مستقرّة في أيّ بلد عربيّ، وما تزال الاختلالات الضّخمة التي أنتجتْه موجودة، بل تعمّق بعضُها -حتّى الخليجُ الأكثر بُعدا ونأيا عن الربيع، وجدَ نفسِه على حافة حرب- مما انعكس على الجميع، شعوبا وحكومات وحركاتِ تغيير ووعيا فرديّا وجمعيّا[15]، وهو ما يعني أن احتمالات التغيير ما زالت قائمة (وجذوة الفعل الثوري مازالت متقدة) خاصة مع احتفاظ مجتمعات عربية بقدرتها على المشاركة والتغيير، ومع بقاء دوافع الانفجار ومحفزاته قائمة دون أية معالجة حقيقية تتجاوز حدود المعالجات الأمنية القائمة على القمع العاري من أية شرعية تبرره، فالأزمة اجتماعية واقتصادية عميقة ناجمة عن الطبيعة الطبقية والسياسية للدول العربية وعن السياسات النيوليبرالية التي جرى تطبيقها في هذا الإطار بما أدّى إلى تفاقم بطء النمو الاقتصادي والأزمة المعيشية والبطالة، لاسيما بطالة الشباب، وهي جميعاً سمات محكومة بمزيد من التفاقم ما دامت طبيعة الدول وسياساتها الاقتصادية على حالها. وقد بدأ عام 2018 بامتداد الغليان الاجتماعي إلى إيران والسودان وتونس التحاقاً بالمغرب والحراك المزمن فيها، وأخيراً الأردن[16].
على خلاف هذا الرأي، هناك من رأى في الاحتجاجات الأردنية الأخيرة أنها من بقايا مرحلة ما قبل الربيع العربي، عندما كانت الأنظمة تقرر التراجع أمام الانتفاضات اجتماعية الطابع، وتقوم في هذا الصدد بالتضحية بالحكومة لتهدئة الاحتجاجات، وأن هذا النمط من تعاطي السلطة مع الاحتجاجات مشهد دائم التكرار خلال الفترة من 1977 إلى 2008 تقريبا؛ من انتفاضة الخبز في مصر، إلى انتفاضة المحلة، مرورا بانتفاضات الخبز في المغرب وتونس والجزائر والأردن[17].
في النهاية، تبقى هناك نتيجة هامة ويصعب التشكيك في صحتها، أَكَّدْتُهَا الاِحْتِجَاجَاتِ الأُرْدُنِيَّةَ، وهي أن سياسات الإفقار التي تحاول حكومات المنطقة فرضها يمكن مواجهتها بل وإجبار الأنظمة على التراجع عنها من خلال المقاومة الجماعية المنظمة[18].
[1] فلقد ارتفعت أسعار الوقود للمرة الخامسة منذ بداية العام 2018، كما أن أسعار الكهرباء زادت أكثر من مرة خلال الأعوام السابقة. ورفعت الحكومة، في مطلع العام الحالي 2018، الدعم عن الخبز، فضلًا عن فرض ضرائب جديدة على العديد من السلع والمواد بهدف خفض الدين العام. كما تخضع معظم السلع والبضائع بشكل عام في الأردن لضريبة مبيعات قيمتها 16%، إضافة إلى رسوم جمركية وضرائب أُخرى تفوق أحيانًا 3 أضعاف قيمة الأسعار الأصلية للسلع. رابط المصدر:
[2] مصراوي، الأكبر منذ الربيع العربي.. تفاصيل يوم من الاحتجاجات في الأردن، 30 مايو 2018، الرابط:
[3] حبر، بالصور: آلاف يشاركون في إضراب عام رفضًا لمشروع قانون ضريبة الدخل، 30 مايو 2018، الرابط:
[4] ريم المصري، حصاد الدوار الرابع: في اليوم السابع، النقابيون يدفعون مجلسهم للمواصلة، ومحتجو المحافظات إلى عمّان، حبر، 7 يونيو 2018، الرابط:
[5] حبر، حصاد الدوار الرابع: في اليوم الثامن، الرزاز يتعهد بسحب قانون الضريبة، والحراك يحتفل بتحقيق جزء من المطالب ويعلّق الاحتجاجات، 8 يونيو 2018، الرابط:
[6] BBC عربي، ملك الأردن يدعو إلى "حوار وطني شامل" مع استمرار الاحتجاجات، 3 يونيو 2018، الرابط: https://bbc.in/2MbskwN
[7] عبدالباري عطوان، الخَوف من الأُردن ولَيس الخَوف عليه وراء انعقاد قِمّة مكّة الرُّباعيّة.. سِتّة أسباب تَقِف خلف هذا الانقلاب في المَوقِف السُّعوديّ الخَليجيّ.. والعاهِل الأُردني في المَوقِف الأَقوَى مُنذ تَولِّيه العَرش قبل 20 عامًا لماذا؟، 10 يونيو 2018، الرابط:
[8] الاشتراكي، الأردن.. إمكانية المقاومة، 6 يونيو 2018، الرابط:
[9] هشام البستاني، لحظة التّغيير الحاسمة: كيف نحوّل احتجاجات «إضراب الأردن» إلى مكاسب شعبيّة، حبر، مرجع سابق.
[10] بسام البدارين، الأمن وهو «يحتضن الشارع»… أسرار وخفايا «الربيع الأردني» وزراء التأزيم ينتحلون «رجال القصر» و«مظاهر الولاء الخشن» اختفت فجأة.. لماذا تعاطف العسكر مع احتجاجات الطبقة الوسطى؟، القدس العربي، 7 يونيو 2018، الرابط: http://www.alquds.co.uk/?p=949997
[11] هشام البستاني، لحظة التّغيير الحاسمة: كيف نحوّل احتجاجات «إضراب الأردن» إلى مكاسب شعبيّة، حبر، 6 يونيو 2018، الرابط:
[12] بسام البدارين، الأمن وهو «يحتضن الشارع»… أسرار وخفايا «الربيع الأردني» وزراء التأزيم ينتحلون «رجال القصر» و«مظاهر الولاء الخشن» اختفت فجأة.. لماذا تعاطف العسكر مع احتجاجات الطبقة الوسطى؟، القدس العربي، مرجع سابق.
[13] عبادة صبيح، ماذا يفعل القذافي في إحتجاجات الأردن؟، مدونات الجزيرة، 31 مايو 2018، الرابط: https://bit.ly/2L7xaK6
[14] الموقف المصري، الإضراب في الأردن .. إيه اللي ممكن تعمله نقابات قوية؟، 3 يونيو 2018، الرابط: https://bit.ly/2sLytHG
[15] همام يحيي، الرابط: https://bit.ly/2Jx02yX
[16] جلبير الأشقر، الربيع الأردني والسيرورة الثورية الإقليمية، القدس العربي، 6 يونيو 2018، الرابط: https://bit.ly/2JMqMLh
[17] همام يحيي، الرابط: https://bit.ly/2Jx02yX
[18] الاشتراكي، الأردن.. إمكانية المقاومة، 6 يونيو 2018، الرابط: