نخبة معادية للشريعة والاخوان في مجلس الأمن القومي الأمريكي
اتبع ترامب خلال حملته الانتخابية خطابا عنصريا وكان منها ما وجهه ضد المسلمين، فلا وجود في خطابه لحضارة إسلامية وشعوب مسلمة، ويتعامل مع الأمر من منطلق استعلائي، ووجود شخصيات تؤيده في وجهات نظره داخل الفريق الرئاسي، يعني استمرار السياسة الأمريكية المعادية للإسلام في عهده، ومحاولة تغيير مسماها ولصقها بالإرهاب لتبرير ما سيتم اتخاذه من سياسات، ظهرت البدايات في قرار ترامب بحظر دخول اللاجئين السوريين للولايات المتحدة حتى إشعار آخر، وإيقاف إصدار تأشيرات دخول للولايات المتحدة لرعايا ست دول لمدة ثلاثة أشهر، هذه الدول ذات أغلبية مسلمة.
في ضوء هذه الأفكار، نشرت مجلة "ذي أتلاتنك" مقالا[1] حول شخصية جديدة تم تعيينها في فريق جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي، وهي فريد فليتز، الذي يأتي من خلفية مناهضة للإسلام والمسلمين، ويشير المقال إلى احتماليات تأثر جماعة الإخوان المسلمين بهذه التوجهات، وما إذا كان من الممكن اعتبارها كمنظمة إرهابية.
يؤكد المقال أن تشكيل مجلس الامن القومي الامريكي صار يضم رموز مثل جون بولتون من مركز السياسة الأمنية، والذي تم تجاهله بشكل كبير من قبل المحافظين في واشنطن، ولكنه يستعيد مكانته في عهد ترامب.
وقد اختار مستشار الأمن القومي جون بولتون فريد فليتز -الذي عمل طوال السنوات الخمس الماضية كنائب أول للرئيس في مركز السياسة الأمنية- ليكون السكرتير التنفيذي ورئيس الأركان في مجلس الأمن القومي.
الذي يجعل هذا الخيار غير عادي هو أن مركز السياسة الأمنية ظل لأكثر من عقد من الزمان يرى أن المسلمين الأمريكيين الذين يلتزمون بالشريعة الإسلامية، لا يستحقون الحماية الخاصة بالتعديل الأول.
"النخب الأمريكية لا تزال تتعامل مع الشريعة كنظام ديني فقط"، كما أعلن تقرير المركز لعام 2010، "في الواقع، هو بمثابة برنامج سياسي استبدادي مثلما كان في الشيوعية، والفاشية، والاشتراكية الوطنية، أو الإمبريالية اليابانية".
المسلمون الأميركيون الذين يرونهم المركز "ملتزمون بالشريعة"، يجب أن تتم معاملتهم على نحو أقل من اليهود الذين يلتزمون بالقانون اليهودي أو الكاثوليكيين الذين ينتمون إلى قانون الكنسي.
وكما قال رئيس المركز "فرانك جافني" لموظفي الكونجرس في عام 2010: "الشريعة تتعلق بالسلطة، وليس بالإيمان… بعيدًا عن الحق في حماية دستورنا وفقًا لمبدأ حرية الدين، فهو في الواقع تحريض على الدستور الذي نحن ملزمون بالاحتكام إليه وليس حمايته".
قدم المركز هذه الذرائع والاتهامات ضد الاسلام والشريعة الاسلامية في تقرير عام 2015 الذي وضع له عنوان "استراتيجية ضمان الحرية: خطة للنصر على حركة الجهاد العالمي". كان فليتز أحد المؤلفين المشاركين الستة عشر. دعى التقرير لإلغاء جنسية المسلمين الأمريكيين الذين يتبعون الشريعة الإسلامية، ويدعو التقرير الحكومة لأن "تستخدم الدعوة للالتزام بالشريعة كمقدمات قانونية للترحيل والتجريد من المواطنة الأمريكية". وأضاف التقرير أنه "يجب سحب جنسية الأمريكيين المتجنسين الذين يسعون إلى نشر المعايير المتوافقة مع الشريعة في المجتمع المدني، لأنهم انتهكوا بذلك قسم التجنس والولاء للدفاع عن دستور الولايات المتحدة".
لم يتوقف التقرير عند هذا الحد، فأشار إلى أن "أكثر من 80% من المساجد الأمريكية قد ثبت أنها متوافقة مع الشريعة، كما يتضح في مثل هذه الخصائص المرئية مثل اللباس واللحية والفصل بين الذكور والإناث، محتوى الوعظ والخطب والمواد المطبوعة، إنهم حاضنون للتخريب، والعنف وينبغي معاملتهم وفقا لذلك.
ولفهم ما ذكره التقرير، فإن الإشارة إلى رقم 80% تأتي بهدف منع السكان من بناء المساجد، ويرى التقرير أن هذه المساجد جزءاً من مؤامرة تقودها جماعة الإخوان المسلمون، التي تسيطر أيضاً سراً على بعض أكبر المنظمات الإسلامية في أميركا، بما في ذلك مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية، وجمعية أمريكا الشمالية، والصندوق الإسلامي في أمريكا الشمالية.
لذا يقترح التقرير تشريعًا جديدًا يحظر تعاملات الإخوان والتي تعادي النظام القانوني الأمريكي. وإن لم يكن ذلك ممكنًا، فعلى الحكومة إلغاء إعفاءاتها الضريبية، وأن تكون محفوظة لتلك المؤسسات التي لا تشجع الشريعة بأي شكل من الأشكال. كما يحث التقرير على أن تقوم المؤسسات الأكاديمية الأمريكية بتثبيط أي محاولة للحوار بين الأديان، وغيرها من البرامج التي تهدف إلى تعزيز التسامح بين المسلمين وغير المسلمين، لأن هذا يدعم الشريعة.
في وقت قريب، تسبب هذه الآراء في نبذ مركز السياسة الأمنية و"جافني"، ففي 2011 اتخذ اتحاد المحافظين الأمريكي قرار بحظر غير رسمي لـ"جافني" بعد اتهامه للناشط المناهض للضرائب جروفر نوركويست بـ "دعم جهود التخفي لإدخال الشريعة" إلى الولايات المتحدة. وفي 2013، خسر جافني عموده الطويل في صحيفة واشنطن تايمز. وفي 2015، لاحظت صحيفة "ديلي بيست" أن جافني تم تجنبه من قبل الجميع في الدوائر الفكرية المحافظة.
لكن هناك فرق كبير حدث، يتمثل في ظهور وزير الخارجية مايك بومبيو، الذي كان عضوا في الكونجرس، في برنامج جافني الإذاعي 24 مرة على الأقل، وأصبح مستشار الأمن القومي جون بولتون متحدثا متكررا في المناسبات التي يرعاها المركز، والذي كان له الفضل في إعادة جافني إلى مؤتمر العمل السياسي المحافظ (CPAC) في 2016.
هل يمكن للتوصيات الواردة في التقرير الذي شارك في تأليفه فليتز أن تصبح سياسة حكومية لإدراة ترامب؟ من المحتمل أن تكون الخطوة الأولى هي اعتبار جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، وهو أمر حث عليه مركز السياسة الأمنية لسنوات عديدة، والذي أيده كل من بومبيو وجيف سيسيسيون أثناء وجودهما في الكونجرس. إذا حدث ذلك ، يمكن لوزارة العدل المتحمسة أن تستهدف المنظمات الإسلامية الأمريكية، وحتى المساجد، من خلال الادعاء بأن لها علاقات مع الإخوان المسلمين.
كان هناك أمراً تنفيذياً في إدارة بوش يسمح للحكومة بإغلاق منظمة دون إشعار وعلى أساس أدلة سرية وبدون أي مراجعة قضائية، إذا كان المسؤولون يشكون في كونها مرتبطة بجماعة إرهابية. تم الاستشهاد بإحدى الشركات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة في مشروع قانون مجلس الشيوخ لعام 2015.
وينتهي التقرير بالقول أنه لا شيء من هذا مرجح في المناخ السياسي الحالي، لكن الأمريكيين لم يروا بعد كيف سيواجه الرئيس ترامب، مسترشداً بهؤلاء المستشارين المعادين للشريعة والاخوان في حالة حدوث هجوم إرهابي كبير على الأراضي الأمريكية. هناك توازٍ بين تصوير تقرير مركز السياسة الأمنية للمسلمين الأمريكيين كإرهابيين وتصوير ترامب الخاص لأمريكا اللاتينية كمغتصبين ومجرمين وأعضاء عصابات. بعد ثمانية عشر شهراً من رئاسة ترامب، يعاني المهاجرون اللاتينيون من عواقب هذا الخطاب. اختيار فريد فليتز يجعل من الأرجح أن المسلمين الأمريكيين في نفس الوضع يوما ما.
الخلاصة:
ليس من المستبعد أن تصبح هناك استراتيجية معلنة من الإدارة الأمريكية تخص التعامل مع المسلمين، سواء في الداخل الأمريكي، أو في الخارج، وسيساعد في هذا بالطبع السياسيون والفريق الرئاسي الذي يتبنى توجهات عدائية ضد المسلمين. فقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز في إبريل الماضي تقريرا ذكر أن مايك بومبيو وزير الخارجية له سجل طويل معادي للمسلمين والجماعات الدينية، فعندما كان عضوا بالكونجرس عقب تفجيري ماراثون بوسطن 2013، شن هجوما حادا على قادة العالم الإسلامي، واتهمهم بالتواطؤ في هذه الأعمال الإرهابية، وشارك في رعاية تشريع يعتبر الإخوان منظمة إرهابية.
وأشار التقرير إلى أن بومبيو وبولتون يرتبطون بجماعات تروج لأفكار لا تعتبر الإسلام دينا، بل كأيدولوجية تسللت للولايات المتحدة والغرب بهدف فرض الشريعة الإسلامية عليهم. [2] وفقا لهذه الأمور وللعلاقة التي تربط كل منهم بمركز السياسة الأمنية الوارد ذكره في النص المترجم، من المتوقع قرب إعلان الجماعة كنظمة إرهابية، ويتم ترسيخ هذه التوجهات مع زيادة عدد الشخصيات المعادية للمسلمين في فريق ترامب مثل فريد فليتز.
لكن هناك وجهة نظر ترى أن الإدارة الأمريكية ترجئ اعتبار جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية، ليس لعدم وجود قرائن واضحة كما ترى بعض المؤسسات الأمريكية، إنما لأن الإدارة لا تزال تسعى لتغيير واختبار سلوك الاخوان في قضية صفقة القرن والتحكم في عملية التغيير في العالم العربي والاسلامي.
[1] Peter Beinart, "A radical pick for the national security council", The Atlantic, 1/6/2018, available through: https://www.theatlantic.com/amp/article/561680/?__twitter_impression=true
[2] "نيويورك تايمز: كيف سيتعامل صقور ترامب الجدد مع الإخوان المسلمين؟"، مصراوي، 7/4/2018، متاح على الرابط: http://cutt.us/F7Me5