اجتماعات مجلسي النواب والأعلي للدولة الليبي في القاهرة.. النجاحات والتحديات

تشهد القاهرة، منذ الثامن والعشرين من نوفمبر 2022، حالة نشاط واسعة على صعيد الملف الليبي، إذ استُقبل كل من مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا عبد الله باتيلي، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، وعلى مدار يومي 28 و29 نوفمبر، التقى المشري وصالح، في لقاءين متتاليين في القاهرة، أحدهما كان بحضور باتيلي، وذلك قبل أن يلتقيا بشكل منفصل رئيس جهاز المخابرات العامة المصري اللواء عباس كامل، الذي يشرف علي الملف الليبي، كما عقد باتيلي لقائين مع كلًا من وزير الخارجية المصري “سامح شكري”، والأمين العام للجامعة العربية “أحمد أبو  الغيط”.

وتتركز محاور هذه اللقاءات في “المناصب السيادية، وتوحيد شامل للسلطة التنفيذية، وملف القاعدة الدستورية”[1]. وتسعي هذه الورقة إلي الوقوف علي أبرز القضايا المطروحة علي أجندة هذه اللقاءات، وما تم التوافق عليه وما لم يتم بعد، وأخيرًا، توضيح أبرز التحديات التي قد تحول دون الاتفاق علي باقي القضايا بل وقد تتسبب في إفشال ما تم الاتفاق عليه بالفعل.

 

أولًا: الملفات المطروحة علي أجندة اللقاءات:

تركز هذه اللقاءات بصورة رئيسية علي مناقشة التفاصيل (الآلية والمدي الزمني والشخصيات) الخاصة بتشكيل حكومة جديدة بعيدة عن الحكومتين المتنازعتين حاليًا، وهما حكومة الوحدة الوطنية برئاسة “عبدالحميد الدبيبة”، والحكومة التي عينها مجلس النواب في طبرق برئاسة “فتحي باشاغا”[2].

إذ يرفض المشري الاعتراف بحكومة فتحي باشاغا المكلفة من مجلس النواب في فبراير الماضي، كما يؤمن في الوقت الحالي بفقدان حكومة الدبيبة الكثير من المؤهلات التي تمكنها من الاستمرار في قيادة السلطة التنفيذية بشكل يقود البلاد نحو الاستقرار، كما أن هناك تباين بين مكونات معسكر شرق ليبيا، بشأن حكومة باشاغا، ففيما ترى أطراف داخل ذلك المعسكر ضرورة التمسك بالحكومة التي كلفها مجلس النواب، لا تتمسك أطراف أخرى بها، معتبرة أن باشاغا لم يكن اختياراً موفقاً، خصوصاً بعدما فشل في الحصول على ثقة الكيانات القبلية والمجموعات المسلحة ذات التأثير الحاسم في غرب ليبيا[3].

كما ستناقش تلك اللقاءات استكمال ملف اختيار الشخصيات للمناصب السيادية بالحكومة الجديدة، وقد كان هناك خلاف قديم يتعلق بهذا الأمر يتعلق بتأكيد مجلس النواب علي أن المناصب السيادية في الأساس هي مؤسسات تابعة له وهي أذرع المجلس في مراقبة السلطة التنفيذية واختصاص تعيين أو عزل رؤسائها اختصاص أصيل لمجلس النواب، وفي المقابل، فإن المجلس الأعلي للدولة يؤكد علي أن الاتفاق السياسي (الموقع بين أطراف النزاع الليبي برعاية الأمم المتحدة عام 2015) ينص على التشاور معه فيما يتعلق بتغيير رؤساء المناصب السيادية[4].

وفي حين تم تجاوز هذا الخلاف القديم، إلا أن سرعان ما ظهر خلاف مستجد يتمثل في سعي قوى غرب البلاد (المجلس الأعلي للدولة) للحصول علي منصب محافظ المصرف المركزي، ورؤساء ديوان المحاسبة، والرقابة الإدارية، بالإضافة إلى منصب رئيس الحكومة، ووزارتي الدفاع والمالية، وفي المقابل، تري القوى في شرق البلاد (مجلس النواب) أن الغرب يستأثر بمقرات المؤسسات السيادية ثم يطالب برئاستها، وبالتالي؛ يرون أن في هذا الأمر إجحافاً واستبعاداً لمبدأ الشراكة في الوطن[5].

وأخيرًا، فإن هذه اللقاءات ستناقش المسار المتعلق بالقاعدة الدستورية، حيث لا يزال الخلاف حول تلك القاعدة قائمًا، وفي مقدمتها الاشتراطات التي يجب توافرها في الذين يرغبون في الترشح لمنصب الانتخابات الرئاسية[6].

وبينما يدافع رئيس «الأعلى للدولة»، خالد المشري، بشراسة عن عدم ترشح العسكريين في الانتخابات، مدفوعاً برغبته في إقصاء حفتر من المشهد السياسي، يتمسك رئيس البرلمان، عقيلة صالح، بحق العسكريين في الترشح، لإفساح المجال أمام حليفه (حفتر)[7].

 

ثانيًا: التوافقات المشتركة:

يمكن الإشارة إلي مجموعة من التوافقات التي أسفرت عنها اجتماعات مجلسي النواب والأعلي للدولة – سواء المتعلقة بهذه اللقاءات الأخيرة أو اللقاءات السابقة – كما يلي:

– تغيير أصحاب المناصب السيادية: عقدت مباحثات للجنة “13+13” المشكّلة من مجلسي النواب والدولة في مدينة بوزنيقة المغربية في يناير 2021، بشأن ملف تعيين شخصيات للمناصب السيادية، وبحسب تقارير إعلامية، فقد نص اتفاق بوزنيقة على أن يكون محافظ المصرف المركزي ورئيس هيئة الرقابة الإدارية من المنطقة الشرقية، في حين يكون كل من رئيس ديوان المحاسبة والنائب العام ورئيس المفوضية الوطنية للانتخابات من المنطقة الغربية، بينما تتولى المنطقة الجنوبية رئاسة المحكمة العليا وهيئة مكافحة الفساد[8].

وفيما يبدو تنفيذًا لهذا الاتفاق، فقد أعلن “صالح” و”المشري”، في 21 أكتوبر الماضي، توصلهما إلى اتفاق حول تغيير شاغلي المناصب السيادية قبل نهاية العام الجاري (2022)، وبالتوافق مع المجلس الأعلى للدولة، عَيَّنَ مجلس النواب في 15 سبتمبر الماضي “عبد الله أبو رزيزة” رئيسا للمحكمة العليا خلفا لـ”محمد الحافي”، وعَيَّنَ في 20 أبريل 2021 “الصديق الصور” نائبا عاما للبلاد خلفا لـ”إبراهيم مسعود”.

وفي 15 نوفمبر الماضي، أعلن مجلس الدولة قبول ملفات الترشح للمناصب السيادية في 5 مؤسسات هي محافظ المصرف المركزي ومجلس إدارته ورئيس ووكيل ديوان المحاسبة ورئيس وأعضاء مجلس إدارة مفوضية الانتخابات ورئيس ووكيل هيئة الرقابة الإدارية ورئيس ووكيل وأعضاء هيئة مكافحة الفساد[9].

– التوافق علي مشروع الدستور: أعلنت المستشارة الخاصة للأمين العام بشأن ليبيا، ستيفانى ويليامز، في 20 مايو الماضي، أن لجنة المسار الدستوري المشتركة بين البرلمان ومجلس الدولة، تمكنت من التوصل إلى توافق مبدئي حول 137 مادة من أصل 197 مادة من مواد مشروع الدستور، إلى جانب البابين الخاصين بالسلطة التشريعية والقضائية، وبذلك فلا يتبقي سوي حوالي 50 مادة فقط هي محل الخلاف، وهي المواد التي سيتم مناقشتها في جولات قادمة، وتتعلّق بشروط الترشح فى الانتخابات الرئاسية وصلاحيات السلطة التنفيذية وكذلك المواد التي تتعلق بالحكم المحلي والسلطة التشريعية[10].

– الاتفاق علي تشكيل حكومة موحدة: سربت وسائل إعلام ليبية، خلال الفترة الماضية، اتفاق رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، خلال لقائهما على هامش زيارة صالح لأنقرة، على تشكيل حكومة ثالثة بديلة عن حكومتي الدبيبة وباشاغا، وأن المشري قدم مقترحاً لصالح، والأخير قبل به[11].

وحول المقترح الذي جرى تداوله بين صالح والمشري في أنقرة، كشف موقع المونيتور عن توافقات تنص على أن يختار البرلمان رئاسة المجلس الرئاسي، فيما يتولى مجلس الدولة اختيار رئاسة الحكومة[12].

 

ثالثًا: التحديات القائمة:

تتمثل أهم التحديات التي تواجه توافقات مجلسي النواب والأعلي للدولة بصورة رئيسية في:

– الخلاف حول أهم مواد الدستور: فقد كشف فشل مفاوضات اللجنة الدستورية المشتركة في القاهرة عن الأسباب الحقيقية للخلافات بين مجلسي النواب والأعلي للدولة، وإن كانت معروفة من قبل لكنها كانت مكتومة، وتتعلق بشروط الترشح الخاصة بالعسكريين ومزدوجي الجنسية، فقد تم الاتفاق على كلّ بنود القاعدة الدستورية باستثناء ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية، ما يعني أن الأزمة الدستورية في البلاد كانت طيلة السنوات الماضية تتمحور حول اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وأن من يقف وراء الأزمة إجمالاً وتفصيلاً، هو الشخصية العسكرية المختلف حولها، المرفوضة من قِبل أطراف، ومقبولة من أطراف أخرى[13].

وفي حين، أعلن عقيلة صالح، في 15 سبتمبر الماضي، أنه توصل إلى اتفاق مع رئيس مجلس الدولة “خالد المشري” على “استبعاد شروط الترشح للرئاسة من القاعدة الدستور وترك المسألة للمشرع الجديد (البرلمان القادم)”. لكن المشري أعلن، في 24 أكتوبر الماضي، تمسكه بعدم السماح للعسكريين بالترشح قائلًاـ في حوار تلفزيوني، إن: “هناك توافق بين المجلسين على كل شيء إلا ترشح العسكر.. عقيدتي السياسية هي عدم ترشح العسكريين إلا باستقالتهم قبلها بسنوات”[14].

وفي الأسبوع الأول من نوفمبر الماضي، صوت «المجلس الأعلى للدولة» بالإجماع على منْع العسكريين ومزدوجي الجنسية من الترشح في الانتخابات[15].

وفي آخر مستجدات الأزمة، صرح رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، أخيراً في القاهرة، بأن توافقاً قريباً سيحدث قبل نهاية العام الحالي. ويتعلق ذلك بتقاربه مع رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، بشأن المناصب السياسية والسلطة التنفيذية، لكنه عقّب بأن المسار الدستوري لا يزال شائكاً، وأن القاعدة الدستورية سيتم تداولها أيضاً في لقاءات مرتقبة مع المشري، من دون أن يشير إلى حسمها[16].

– هشاشة التوافقات بين المجلسين: فالمجلسين يقفان علي طرفي نقيض في الصراع الدائر داخل ليبيا، حيث وقف مجلس النواب في صف خليفة حفتر في حربه علي طرابلس ضد حكومة الوفاق السابقة المتحالفة مع المجلس الأعلي للدولة. وفي هذا السياق، فإن الطرفين لا يزالا في حالة صراع ضد بعضهما البعض وإن اخذ شكلًا سياسيًا بديلًا عن الشكل العسكري.

ولا يزال التقارب بين المجلسين يلقي معارضة شديدة من قبل بعض الأعضاء خاصة داخل المجلس الأعلي للدولة، فبعدما أبدي مجلس الدولة انحيازه الواضح للتعديل الدستوري الثاني عشر والتوجه نحو تشكيل حكومة جديدة بالتوافق مع مجلس النواب، غير أنه ما لبث أن تراجع (المشري) تحت تأثير خلافات بين الأعضاء لما اعتبروه تقارباً مع خليفة حفتر، وذلك باعتباره خروجاً على النسق السياسي لوريث المؤتمر الوطني وثورة فبراير (المجلس الأعلى للدولة)[17].

وفي هذا السياق، فقد عقد المجلس الأعلي للدولة جلسة برئاسة خالد المشري وحضور 97 عضوًا، في 7 ديسمبر الحالي، للتصويت علي أحد مقترحين؛ الأول يشترط تراتبية محددة في المسارات الثلاثة: القاعدة الدستورية، والمناصب السيادية، وحكومة موحدة في المفاوضات أو اللقاءات المزمعة مع البرلمان الليبي، وحاز على 40 صوتا ولم ينجح، والثاني ينص على أن يكون التعاطي مع تلك المسارات بشكل متزامن وحاز على 46 صوتا ولم يمر أيضًا.

وعليه، فإن الاتجاه الغالب داخل المجلس يميل إلي المقترح الثاني، وهو ما يراه مراقبون أنه سيؤثر سلبًا على لقاءات عقيلة والمشري، كون الرئيسين يخططان لتشكيل حكومة أولا ثم الانتقال إلى موضوع المسار الدستوري وتأجيل المناصب السيادية لما بعد الانتخابات.

جدير بالذكر هنا، أن هذا التصويت يأتي بعد تقدم مجموعة من الأعضاء بأن تكون الأولوية في مناقشة الملفات المعروضة للمسار الدستوري ومن ثم باقي الملفات[18].

ومن هنا، فإن التوافقات بين المجلسين تبدو وقتية ولن تطول، وأن الخلافات بينهما ستطفو علي السطح مرة أخري عند أول مفترق طرق بينهما، وهو ما حدث بالفعل، عندما أعلن مجلس الدولة، في 2 ديسمبر الحالي، تعليق التواصل مع مجلس النواب وأعمال اللجان المشتركة، ردا على القانون الذي أصدره الأخير بإنشاء محكمة دستورية تنحصر أحقية التقاضي فيها على رئيس مجلس النواب و10 من النواب ورئيس الوزراء[19].

– رفض الدبيبة التخلي عن السلطة: فقد أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية “عبد الحميد الدبيبة”، في ملتقى لمخاتير المحلات بطرابلس، إنه لن يغادر إلا بعد اعتماد دستور لليبيا، ولو بقي 30 عاما، قائلا: “لا طريق لدينا للحل إلا الانتخابات والدستور”، وأنه سيعترف بمن ستأتي به الانتخابات[20].

وسبق أن أكد الدبيبة، في تصريحات صحافية أمام مؤتمر “المجتمع المدني نحو الانتخابات” في طرابلس، في 29 نوفمبر الماضي، إلى أن “ما يعطل الانتخابات هو قانون إجرائها، وهذا الأمر تتحمله الأجسام التشريعية والاستشارية التي تتعمد التعطيل الممنهج لها”، في إشارة إلى مجلسي النواب والدولة[21].

فيما رد رئيس مجلس الدولة خالد المشري علي كلام الدبيبة، في تغريدة على تويتر، قائلاً: “من جاء بالانتخابات يخرج بالانتخابات ومن جاء باتفاق سياسي يخرج باتفاق سياسي؛ رُفعت الأقلام وجفت الصحف”. ليوجه رسالة إلى الدبيبة أنه ليس من حقه اشتراط إجراء الانتخابات ليغادر بعد أن كان أول المنخرطين في الاتفاقات السياسية التي جاء عبر أحدها، وهو الاتفاق السياسي الليبي في جنيف السويسرية، وأفرز حكومته والمجلس الرئاسي الحالي[22].

وقد سبق أن وجّه رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، اتهامًا مباشرًا إلى رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، بعرقلة اجتماع المجلس في طرابلس بالقوة[23].

وبالتالي، فمن المتوقع أن يعمل الدبيبة علي عرقلة أي توافقات قد تسفر عنها اللقاءات المشتركة بين المجلسين، وفي هذا السياق، فقد أشار مراقبون إلي أن إعلان رئيس البعثة الأممية في ليبيا، عبد الله باتيلي، بتأجيل اللقاء المقرر بين عقيلة والمشري في الزنتان في 4 ديسمبر الحالي، قد جاء بعد قيام حكومة الدبيية بإجهاضه، حيث جاء قرار إلغاء اللقاء، بعد ساعات من إعلان عميد بلدية الزنتان، أن السلطات المحلية بالمدينة مستعدة لاستضافة الاجتماع، شريطة الحصول على موافقة من وزارة الحكم المحلي في حكومة الوحدة الوطنية[24].

وفي ذات السياق، يمكن قراءة اصطحاب الدبيبة لمحافظ البنك المركزي ورئيس ديوان المحاسبة معه في زيارته الأخيرة إلى تونس، وهما أهم شخصيتين في المناصب السياسية، كرسالة واضحة لرفض أي تغيير في ملف المناصب السيادية وفقًا للتوافقات الحالية بين مجلسي النواب والأعلي للدولة.

كذلك، فإن زيارة الدبيبة إلي تونس، في 30 نوفمبر الماضي، تأتي في سياق تقوية أذرعه في المغرب العربي وضمان موقف تونسي يعزز الموقف الجزائري الداعم لبقائه في السلطة، والهدف خلق توازن عربي مغاربي يوازي الثقل المصري الداعم لتحركات المجلسين[25].

فضلًا عن تعزيز تحالفه مع تركيا بتوقيعه اتفاقيتين عسكريتين واتفاقية للتنقيب عن الغاز.

– إمكانية دخول المجلس الرئاسي علي خط الأزمة: نتج المجلس الرئاسي الحالي ورئيس حكومة الوحدة “كقائمة واحدة” عن اتفاق ملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف وتونس، والذي نص على أن مدة ولايتهما كسلطة تنفيذية تمتد إلى 18 شهرا، يتم خلالها إجراء الانتخابات، والتسليم للسلطة المنتخبة، ويتكون المجلس الرئاسي من محمد المنفي رئيسا، وموسى الكوني وعبد الله اللافي كنائبين، وقد حاول طيلة سنتين انتهاج سياسة وسطية بين الأطراف، والنأي عن الخلافات السياسية.

ولكن مؤخرًا، أشارت تقارير إعلامية إلي أن ملف السلطة التنفيذية الذي يناقشه المشري وعقيلة قد شهد تطورًا جديدًا فيه، يتمثل في إمكانية أن يتم مناقشة “تشكيل مجلس رئاسي جديد”، كون المجلس الرئاسي يعد النصف الثاني للسلطة التنفيذية مع حكومة الدبيبة، وهو تطور لم يسبق أن تطرقت الأطراف السياسية إليه، في حين ركزت على وضع الحكومة فقط.

ومن غير المستبعد أن ينشأ خلال المدة القادمة حلف جديد بين المجلس الرئاسي والدبيبة، في حال أصبح مصير مغادرتهما المشهد مشتركا، فالمجلس الرئاسي لم يتنحَّ عن السلطة ولم يبين موقفه حيال الجدل الذي صاحب أجل انتهاء خارطة الطريق في يونيو الماضي، ما قد يدل على تشبثه بالسلطة أيضًا، أو أقله التماهي مع رغبات الدبيبة في الاستمرارية، لكن بشكل غير معلن.

وإذا ما توافق صالح والمشري على مجلس رئاسي جديد، فليس أمام المنفي وشركائه في المجلس الرئاسي إلا أن يتحالف مع الدبيبة، وهذا يعني مزيدا من تعقيد الخلاف الحكومي، ويعني أيضا تقوية شوكة الدبيبة، خصوصا وأن المنفي له ظهيره القبلي في شرق البلاد[26].

– تمسك حفتر بالترشح للانتخابات القادمة: فقد أعلن قائد قوات الشرق الليبي “خليفة حفتر”، في 5 ديسمبر الحالي، في كلمة له في مدينة أجدابيا (شرق)، رفضه منع العسكريين من الترشح للانتخابات الرئاسية المنتظرة في البلاد، قائلًا: إنه “لا يمكن لأحد انتزاع حقوق العسكريين الطبيعية والمشاركة في العملية الانتخابية فهم من يواجهون المخاطر دفاعا عن الوطن”.

مضيفًا “لو أن في نية العسكريين ضباطًا وجنودًا الانقلاب على المسار الديمقراطي لما استطاعت قوة أن تقف في طريقهم”. وقد سبق أن رشح حفتر نفسه لرئاسة البلاد في انتخابات كانت مقررة في 24 ديسمبر 2021، لكن تعذر إجراؤها بسبب خلافات بين مؤسسات الدولة لاسيما بشأن قانوني الانتخاب خاصة فيما يتعلق بالسماح للعسكريين بالترشح[27].

ومن المتوقع أن يلجأ حفتر إلي استخدام القوة العسكرية وعرقلة الانتخابات المقبلة في حالة عدم السماح له بالترشح. خاصة أنه قد فاجأ الجميع في الأول من نوفمبر الماضي بتلويحه مجددا بـ”حرب فاصلة” ضد من سماهم القوات الأجنبية والمرتزقة.

وقد جاء تلويح حفتر بالحرب من محافظة الجفرة وسط البلاد، والتي كانت القاعدة الخلفية التي انطلقت منها قواته في 4 أبريل 2019، نحو طرابلس للسيطرة عليها. كما جاء التصعيد الأخير من قبل حفتر في أعقاب اتفاقيتي التعاون العسكري التي كانت تركيا قد وقعتهما مؤخراً مع حكومة الدبيبة، واللتين يتوقع أن تعززا من النفوذ التركي العسكري في غرب ليبيا[28].

– عدم وضوح ونضج التفاهمات المصرية- التركية في الملف الليبي: فعلي الرغم من حالة التقارب بين مصر وتركيا الحالية، فخلال حفل افتتاح مونديال قطر 2022، في20 نوفمبر الماضي، ظهر الرئيسان المصري عبد الفتاح السيسي، والتركي رجب طيب أردوغان، في صورة وهما يتصافحان في الدوحة، بعد سنوات من التوتر بين البلدين، إلا أنه من غير المتوقع أن يكون لتحسن تلك العلاقات تأثير كبير وفوري علي الملف الليبي.

فعلي عكس ملفات العلاقات المصرية- التركية التي تشهد نوع من التقارب مثل ملف المعارضة المصرية المتواجدة علي الأراضي التركية والملف الاقتصادي وأخيرًا الملف الدبلوماسي الذي شهد طفرة بلقاء الرئيسين، إلا أن الملف الليبي علي العكس من ذلك، حيث أن التطورات علي أرض الواقع تشير إلي تزايد وترسيخ الخلافات بين البلدين في هذا الملف.

فعلي المستوي السياسي، لا تعترف مصر بحكومة الوحدة الوطنية برئاسة “عبدالحميد الدبيبة”، وتقصر اعترافها على الحكومة الأخرى التي عينها مجلس النواب برئاسة “فتحي باشاغا”. ولكن تركيا لا تزال متمسكة بشرعية “الدبيبة”.

وعلي المستوي العسكري، تتمسك مصر بضرورة سحب القوات الأجنبية بما فيها التركية، وفي تصريح سبق المصافحة بين الرئيسين المصري والتركي، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري، في معرض حديثه عن توقف الجولات الاستكشافية مع تركيا: “من الأمور التي تثير القلق عدم خروج القوات الأجنبية من ليبيا حتى الآن وعدم اتخاذ إجراءات حاسمة لتحقيق هذا الهدف”، وفق مقابلة مع قناة العربية (29 أكتوبر 2022).

ومؤخرًا، طالب شكري، في 28 نوفمبر الماضي، خلال استقباله رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، “عبدالله باتيلي”، بجدول زمني واضح ومحدد لخروج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا.

وفي المقابل، لا يزال هناك إصرار تركي على بقاء قواتها في ليبيا، قائلة إن قواتها ومستشاريها العسكريين متواجدون في ليبيا بموجب اتفاقية رسمية مع حكومة معترف بها دوليا، وهي الاتفافية التي لا تزال سارية حتى الآن[29].

وعلي المستوي الاقتصادي، تخشي القاهرة من إمكانية سيطرة أنقرة علي نصيب الأسد في عقود إعادة الأعمار في ليبيا. كما أن مصر تنظر بقلق شديد من عودة النفوذ التركي في المنطقة الشرقية، خاصة بعد أن بدأ مجلس النواب تنظيم زيارات عديدة إلى تركيا خلال الأشهر الماضية، لتوسيع دائرة التعامل معها، كما التقى السفير التركي، رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح في 19 من يناير الماضي، قبل أن يجري زيارة إلى بنغازي في 29 من الشهر نفسه مع وفد من رجال الأعمال الأتراك.

وتحتل تركيا المرتبة الثالثة في قائمة أكبر الدول المصدرة للشرق الليبي، وفق بيانات صادرة عن رئيس مجلس الأعمال التركي – الليبي، مرتضى قرنفل، وخلال اتصالاته مع المسؤولين في شرق ليبيا، كشف الجانب التركي عن «رغبة في استكمال المشاريع الاقتصادية التركية غير المكتملة في المنطقة، في أقرب وقت ممكن»، وقال رئيس مجلس الأعمال التركي – الليبي إن «ستاد بنغازي وميناءها والمطارات، وبعض المباني الجامعية، تندرج في إطار هذه المشاريع»، مشددًا على أن «الأتراك على استعداد لاستكمال المشاريع غير المنجزة في المنطقة»[30].

هذا، بجانب تمسك القاهرة بالتحفظات على اتفاقيات الغاز والنفط التي وقعتها تركيا مع حكومة الوحدة الوطنية التي تتخذ من غرب ليبيا مقرًا لها والتي انتهت ولايتها، وتجادل بأن الكثير مما تم الاتفاق عليه لا يفي بالمتطلبات القانونية، ليس فقط بسبب انتهاء ولاية حكومة عبد الحميد الدبيبة، ولكن أيضًا نظرًا لخلافات ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وأعضاء منتدى غاز شرق المتوسط والتي لم يتم حلها بعد.

والجدير بالذكر أيضا أنه في أكتوبر الماضي اتفق وزير الخارجية المصري سامح شكري ووزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس على موقف مشترك ضد جولة جديدة من الاتفاقات الموقعة بين تركيا والدبيبة[31].

– تعارض توافقات مجلسي النواب والأعلي للدولة مع رؤية البعثة الأممية: فمؤخرًا، أعلن المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، عن عدم إمكانية عقد اللقاء المرتقب بين رئيسي مجلسي النواب والدولة، عقيلة صالح وخالد المشري، في مدينة الزنتان، أقصى غرب البلاد، لـ”أسباب لوجستية خارجة عن إرادتنا”.

وأبدى باتيلي، في بيان نشرته البعثة الأممية على موقعها الرسمي، في 3 ديسمبر الحالي، سعادته باتفاق رئيسي المجلسين على “عقد اجتماع تحت رعاية الأمم المتحدة في مدينة الزنتان في 4 ديسمبر”، مشيراً إلى أنّ هدف اللقاء تفعيل عملية تفضي إلى إجراء الانتخابات، بما في ذلك استكمال الإطار الدستوري.

وحثّ باتيلي مجلسي النواب والدولة على الاتفاق على مكان وموعد “مقبولين للطرفين” لعقد اجتماعهما، مشدداً على ضرورة أن يخرج الاجتماع بـ”مقترحات ملموسة وقابلة للتنفيذ وذات أطر زمنية محددة لإيجاد مخرج توافقي” من أزمة البلاد.

ودعا باتيلي أيضاً جميع المؤسسات الليبية، بما فيها مجالس النواب والدولة والرئاسي إلى “الدخول في حوارٍ سعياً إلى إيجاد حل وتسريع الجهود الجارية”، مؤكداً أنّ “شعب ليبيا يستحق الفرصة للإدلاء بصوته واختيار قادة المستقبل”[32].

ويري البعض أن إعلان المبعوث الأممي عن تأجيل اللقاء يأتي بعد حدوث تباين في الرؤى حول محور اللقاء بين صالح والمشري من جهة، وباتيلي من جهة أخرى، ففي حين يريد باتيلي تفعيل عملية تفضي إلى إجراء الانتخابات، يريد صالح والمشري جعل الأولوية لملفي المناصب السيادية، وتوحيد السلطة التنفيذية.

وفي هذا السياق، فإن بيان باتيلي يحمل أحد أمرين: الأول، أن تغيير الحكومة لم يكن واردا ضمن بنود اللقاء، وعقيلة والمشري هما من دفعا به، وبالتالي تراجع باتيلي وألغى الاجتماع، وفضل أن يخرج بهذا البيان للتأكيد على براءة البعثة مما كان يحضر له عقيلة والمشري بشأن الحكومة.

أما الأمر الثاني، فهو أن بند تغيير الحكومة كان مقررا أن يكون بعد بند الانتخابات وإطارها الدستوري، لكن صالح والمشري جعلا تغيير الحكومة ضمن أولويات النقاش، وهذا ما دفع باتيلي لإلغاء الاجتماع، ولسان حاله يقول لعقيلة والمشري إن الاتفاق على موعد للانتخابات وقاعدة دستورية شرط لتغيير الحكومة[33].

 

 

 

 

[1] ” زحمة لقاءات ليبية في القاهرة… القاعدة الدستورية وحكومة جديدة”، العربي الجديد، 3/12/2022، الرابط: https://bit.ly/3Bcb3yn

[2] “اجتماعات مهمة حول ليبيا في مصر بمشاركة أممية.. هذه تفاصيلها”، الخليج الجديد، 28/11/2022، الرابط: https://bit.ly/3FxzoBz

[3] ” زحمة لقاءات ليبية في القاهرة… القاعدة الدستورية وحكومة جديدة”، مرجع سابق.

[4] “ليبيا.. مجلس النواب يعلن التوافق مع “الأعلى للدولة” لتغيير أصحاب المناصب السيادية”، الخليج الجديد، 28/11/2022، الاربط: https://bit.ly/3P5yeQX

[5] “هكذا تتقاطع المصالح والاتجاهات بين القاعدة الدستورية والمناصب السيادية في ليبيا”، العربي الجديد، 26/11/2022، الرابط: https://bit.ly/3Fv8EBF

[6] “اجتماعات مهمة حول ليبيا في مصر بمشاركة أممية.. هذه تفاصيلها”، مرجع سابق.

[7] “مفاوضات الحلّ الليبي: مساعي الإقصاء تصعّب الانتخابات”، الأخبار، 12/11/2022، الرابط: https://bit.ly/3UEAbEQ

[8] ” 8 سنوات عجاف.. هل ينجح فرقاء ليبيا في إنهاء الصراع السياسي؟”، الجزيرة نت، 23/10/2022، الرابط: https://bit.ly/3iIj7km

[9] “ليبيا.. مجلس النواب يعلن التوافق مع “الأعلى للدولة” لتغيير أصحاب المناصب السيادية”، مرجع سابق.

[10] ” ليبيا.. البرلمان ومجلس الدولة يقتربان من الاتفاق على مشروع الدستور”، العربية نت، 21/5/2022، الرابط: https://bit.ly/3P82J8T

[11] ” ملامح اتفاق على حكومة جديدة في ليبيا”، العربي الجديد، 7/8/2022، الرابط: https://bit.ly/3VELezb

[12] “ما علاقة ليبيا بمصافحة السيسي وأردوغان؟”، أبعاد، 21/11/2022، الرابط: https://bit.ly/3PnUDct

[13] “الانتخابات الليبية رهينة حفتر”، العربي الجديد، 1/12/2022، الرابط: https://bit.ly/3h4t3nQ

[14] “حفتر: لا يمكن انتزاع حق العسكريين بالترشح للانتخابات الليبية”، الخليج الجديد، 6/12/2022، الرابط: https://bit.ly/3VGaLIy

[15] “مفاوضات الحلّ الليبي: مساعي الإقصاء تصعّب الانتخابات”، مرجع سابق.

[16] “الانتخابات الليبية رهينة حفتر”، مرجع سابق.

[17] ” الحكومة الثالثة واختلال الوظيفة التشريعية في ليبيا”، العربي الجديد، 7/12/2022، الربط: https://bit.ly/3F2jOw4

[18] ” “الأعلى الليبي” يصوت على “التفاوض”.. هل يفشل صفقة عقيلة والمشري؟”، عربي21، 7/12/2022، الرابط: https://bit.ly/3UFfqcu

[19] “مجلس الدولة يعلق التواصل مع مجلس النواب”، أبعاد، 7/12/2022، الرابط: https://bit.ly/3UCX1wL

[20] ” الدبيبة يلوح بالبقاء لعقود والمشري يرد.. ما القصة؟”، أبعاد، 6/12/2022، الرابط: https://bit.ly/3FyvqIW

[21] ” زحمة لقاءات ليبية في القاهرة… القاعدة الدستورية وحكومة جديدة”، مرجع سابق.

[22] ” الدبيبة يلوح بالبقاء لعقود والمشري يرد.. ما القصة؟”، مرجع سابق.

[23] ” اتفاق بين المشري وصالح بتشكيل حكومة جديدة يدفع بالخلافات مع الدبيبة لذروتها”، صدارة للمعلومات والاستشارات، 18/11/2022، الرابط: https://bit.ly/3UDbJUs

[24] ” ليبيا… معارك السلاح تهدأ و”حرب الإلغاء” تشتعل”، إندبندنت عربية، 4/12/2022، الرابط: https://bit.ly/3HlaciT

[25] “صالح والمشري في القاهرة.. هل يتمكنان من حسم ملفات ليبيا العالقة؟”، العربي الجديد، 30/11/2022، الرابط: https://bit.ly/3uwzAuo

[26] “صالح والمشري في القاهرة.. هل يتمكنان من حسم ملفات ليبيا العالقة؟”، المرجع السابق.

[27] “حفتر: لا يمكن انتزاع حق العسكريين بالترشح للانتخابات الليبية”، الخليج الجديد، 6/12/2022، الرابط: https://bit.ly/3VGaLIy

[28] [28] “ليبيا.. مخاض لكسر الجمود وحفتر يلوح بالحرب (تحليل)”، الأناضول، 8/11/2022، الرابط: https://bit.ly/3P6fUHp

[29] ” رغم مساعي تطبيع العلاقات مع تركيا.. مصر تضغط لخروج القوات الأجنبية من ليبيا”، الخليج الجديد، 28/11/2022، الرابط: https://bit.ly/3iMQOkR

[30] “هل تفك مصافحة السيسي وإردوغان عقدة الأزمة الليبية؟”، بوابة الوسط صوت ليبيا الدولي، 4/12/2022، الرابط: https://bit.ly/3FILh7X

[31] “انفراجة منتظرة في الأزمة الليبية مع تطورات العلاقات المصرية التركية”، زمان العربية، 3/12/2022، الرابط: https://bit.ly/3VGKGJc

[32] “المبعوث الأممي إلى ليبيا يعلن تأجيل لقاء صالح والمشري ويدعو لتحديد مكان وموعد “مقبولين””، العربي الجديد، 4/12/2022، الرابط: https://bit.ly/3hbtCvR

[33] ” هل تأجل لقاء صالح والمشري في الزنتان أو تم إلغاؤه؟”، العربي الجديد، 5/12/2022، الرابط: https://bit.ly/3F6OzjH

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022