قراءة في مستجدات المشهد الميداني بسيناء خلال نوفمبر 2022

خلال شهر نوفمبر 2022م، شهد المسرح الميداني بشبه جزيرة سيناء عدة تحولات وإجراءات تستوجب الرصد والتحليل. فقد تزايدت معدلات الهجمات المسلحة من جانب تنظيم “ولاية سيناء”، والأهم هو شروع الجيش في تهجير سكان نحو 9” قرى بمنطقتي رفح والشيخ زويد من أجل إقامة مشروعات تتعلق بمخططات «صفقة القرن»، وهي الإجراءات التي تتزامن مع عودة بنيامين نتنياهو على رأس حكومة الاحتلال في نهاية شهر نوفمبر الجاري، بعدما فاز الليكود بانتخابات الكنيست الأخيرة.

وكان النظام يحظر الدخول والتواجد في منطقة رفح، بعد تهجير الجيش لكل سكّانها، بقرار من الدكتاتور عبد الفتاح السيسي في أكتوبر 2014، ليتم هدم المدينة بشكل كامل؛ حيث تم إنشاء منطقة عازلة بعمق 5 كم ما أدى إلى تدمير أكثر من 6 آلاف منزل، وجرف آلاف الأفدنة الزراعية، وتهجير ما لا يقل عن 85 ألف نسمة من سكان المدينة، لم يتلقّ جزءٌ كبير منهم أي تعويضات مقابل تهجيرهم من منازلهم حتى اليوم. وحتى السكان الذين تم تهجيرهم من رفح إلى مدن ومحافظات أخرى تتم ملاحقتهم أمنيا لأن بطاقات هويتهم مدون بها “شمال سيناء” ويجري اعتقال هؤلاء بشكل دوري لأتفه الأسباب دون توجيه أي تهم لهم لمجرد أنهم من شمال سيناء. عملية التهجير حولت رفح إلى مدينة أشباح وهو الوضع الذي استغله تنظيم “داعش” على نحو جيد واستوطن هذه المنطقة حتى اليوم.

إزاء هذه المعطيات، ما حقيقة ما يجري في سيناء؟ ولماذا عاد الجيش إلى تهجير سكان القرى من جديد؟ وما علاقة ذلك بعودة نتنياهو رئيسا لحكومة الاحتلال من جديد؟ وهل لهذه الإجراءات الجديدة علاقة بمخططات صفقة القرن؟

 

تزايد معدلات الهجمات المسلحة

الملاحظة الأولى والمهمة هي تزايد معدلات الهجمات المسلحة  التي يشنها تنظيم «ولاية سيناء»؛ فقد شهد نوفمبر عدة هجمات مسلحة أدت إلى سقوط عشرات القتلى والمصابين في صفوف الجيش والشرطة والمليشيات القبلية المساندة للجيش. وخلال شهر نوفمبر تم رصد الهجمات الآتية:

  • أولا، قتل مجندان وأصيب ضابط شرطة في هجوم شنه مسلحون صباح الأحد 27 نوفمبر على كمين «المثلث» الأمني بالقرب من قناة السويس؛ حيث بدأ الهجوم فجرا بتفجير انتحاري نفسه في الكمين، تبعه إطلاق نار من عدة جهات، فيما ردت قوات الجيش بإطلاق النار، واستمر الاشتباك حتى ساعات الصباح بعد أن وصلت تعزيزات عسكرية من المواقع القريبة لمكان الهجوم.[[1]]
  • ثانيا، في صباح السبت 19 نوفمبر 2022م، قُتل سبعة عسكريين،(ضابطان وخمسة جنود) في هجوم واسع لتنظيم “ولاية سيناء” على مدينة القنطرة شرق، التي تقع ضمن نفوذها قناة السويس، والتابعة إدارياً لمحافظة الإسماعيلية. حيث احتل المسلحون عدة مباني رسمية (مدرسة وكلية صيدلة وعدة مباني أخرى)، ودخلوا في اشتباك مباشر مع القوات النظامية في مدينة حساسة كالقنطرة شرق على بعد عدة كيلومترات مجرى قناة السويس؛ واستمر الاشتباك عدة ساعات إلى أن هرعت قوات كبيرة من الجيش والشرطة والمجموعات القبلية المساندة لها لصدّهم، بالتالي فإن الهجوم على هذا النحو ليس فقط رسالة تحد للنظام العسكري بل رسالة تهديد بأن التنظيم قادر على تهديد المجرى الملاحي لقناة السويس. [[2]]
  • ثالثا، وفي مساء الأحد 06 نوفمبر قتل ضابط وثلاثة من مليشيات القبائل المساندين للجيش؛ والضابط هو المقدم عاصم ويشغل منصب قائد “كتيبة 103 صاعقة” والمساندون الثلاثة هم عامر عميرة وحسين سالم وتوفيق شاهين.[[3]]

وفي مايو (2022) شن التنظيم عدة هجمات مسلحة أسفرت عن مقتل نحو 23 عسكريا بينهم ثلاثة ضباط بخلاف المصابين والجرحى ردا على اعتقال عدد من زوجات عناصر التنظيم.[[4]]

وهو ما دفع الجيش في (يونيو  2022) إلى شن حملة جديدة على أوكار التنظيم بمساعدة مليشيات القبائل، في ظل تصاعد المواجهات الأمنية في مدينة رفح بمحافظة شمال سيناء.

وشهدت قرى بلعا والمطلة والحسينيات اشتباكات ضارية بين “ولاية سيناء” وقوات الجيش والقبائل، لكن الكمائن والفخاخ والعبوات الناسفة واستخدام تكتيكات حرب العصابات من جانب التنظيم ببراعة، ألجأت الجيش إلى استخدام الطيران الحربي كما تم الدفع بقوات خاصة ومشاة لدعم تقدم عناصر المليشيات القبلية المساندة للجيش التي تتقدم الصفوف ويقع بها أكثر القتلى والمصابين.

وتأتي هذه الهجمات المسلحة بعد فترة من الهدوء النسبي امتدت لأسابيع؛ كما تأتي في أعقاب حملة دعائية من جانب نظام السيسي وآلته الإعلامية تروج  بأن الجيش قد بسط  سيطرته الميدانية كاملة على شمال سيناء وخاصة منطقة رفح بالقرب من الحدود مع قطاع غزة والمناطق المحيطة بها، لا سيما بعد شن الجيش حملة عسكرية مكبرة في يونيو 2022 بمساعدة مجموعات قبلية مسلحة موالية للسلطة على هذه المنطقة التي تضم الشريط الساحلي والتي تبلغ مساحتها نحو خمسة كم باتجاه الغرب نحو مدينة الشيخ زويد.

وللبرهنة على ذلك أدى قائد الجيش الثاني الميداني اللواء محمد ربيع في يوليو 2022م، صلاة عيد الأضحى بهذه المنطقة؛ لكن داعش بعدها شن مزيدا من الهجمات المتتالية على المنطقة التي أدت إلى وقوع ضحايا في صفوف المجموعات القبلية وقوات الجيش.

وهي الهجمات التي تزعزع الصورة التي تحاول المؤسسة العسكرية رسمها والترويج لها  بالسيطرة والتحكم في الميدان، حيث برهنت هذه الهجمات أنها صورة مخالفة للواقع.

وكانت القوات المسلحة تمتنع عن دخول أحياء رفح منذ الانتهاء من هدمها، خصوصاً الشمالية منها القريبة من شاطئ البحر، وكذلك تمنع المجموعات القبلية من التنقل فيها طيلة السنوات الماضية، إلى أن سمحت بذلك منذ أيام، فيما لاقت هجمات عنيفة من التنظيم، أجبرتها عن إيقاف التمشيط حتى إشعار آخر.[[5]]

 

تسهيلات لتحسين معيشة المواطنين

الإجراء الثاني في الوضع  الميداني بشمال سيناء تضمن تسهيلات للسكان بشأن القيود الصارمة المفروضة على تحركاتهم ومعيشتهم منذ سنة 2014م، ومن هذه الإجراءات:

أولا، تم  فتح محطات الوقود أمام السيارات بشكل كامل، بعدما كان يُسمح للمواطنين بالتعبئة مرة إلى مرتين أسبوعياً وبكميات محدودة للغاية، وبحضور قوة من الجيش المصري، والجهات الحكومية المختصة. كذلك تم السماح بدخول الزيوت المخصصة للسيارات بشكل دائم، من دون الحاجة إلى تنسيق مسبق كما كان الحال طيلة السنوات الماضية.

ثانيا، فتح عدة طرق ومفترقات هامة في مركز مدينة العريش، بعدما كانت مغلقة منذ ستة أعوام متتالية، ما يخفف من معاناة المواطنين في التنقل بين أحياء المدينة التي تمثل عاصمة لمحافظة شمال سيناء، وتحوي المراكز الحيوية لكافة سكان المحافظة.

ثالثا، السماح بإعادة ترميم محطات للوقود في مدينة الشيخ زويد التي يضطر سكانها وسكان قرى رفح إلى تعبئة سياراتهم بالوقود من مدينة العريش، في ظل عدم عمل أي محطة وقود فيها منذ عام 2013، بعدما هدم الجيش المصري جزءاً منها، والجزء الآخر تعرض للتلف نتيجة تركها بلا عمل طيلة الأعوام الماضية.

رابعا، تم تشغيل أبراج الاتصالات في مدينتي رفح والشيخ زويد، ما أدى إلى وصول شبكات الاتصال والإنترنت إلى كافة مناطق شمال سيناء، للمرة الأولى منذ عام 2013.

خامسا، فتحت قوات الجيش عدداً من الطرق في نطاق مدينة بئر العبد، وعدداً من الكباري (الجسور) الفرعية التي كان يستخدمها السكان في التنقل بين القرى والظهير الصحراوي.

وتم أيضاً السماح للمواطنين بالدخول إلى بعض القرى والمناطق الزراعية والمبيت فيها، بدلاً من الدخول والعودة في اليوم نفسه، ما يساعد المواطنين على العمل في مزارعهم وقراهم بأريحية، من دون الاضطرار للتنقل في اليوم نفسه. وكل هذه الطرق والكباري والمناطق كانت مغلقة بأمر عسكري منذ عام 2017م.

لكن بعض الأهالي يتخوفون من أن تكون هذه التسهيلات مؤقتة؛ لأنها تزامنت مع انعقاد قمة المناخ(كوب 27 تحت رعاية الأمم المتحدة) في شرم الشيخ (6 : 18 نوفمبر 2022) فهذ السلسلة من التسهيلات المتعلقة بحياة المواطنين، ومستلزماتهم اليومية، كانت من المطالب الأساسية لسكان شمال سيناء، منذ فرْض حالة الطوارئ في المحافظة عام 2014، بالإضافة إلى إلغاء وجود بعض الكمائن الأمنية والعسكرية.[[6]]

 

إجلاء قسري لـ«9» قرى جديدة برفح

الإجراء الثالث والأهم على الإطلاق، هو قرار الجيش بإخلاء تسع قرى جديدة تابعة لمدينة رفح؛ فقد عقدت قيادات بالجيش مع عدد من شيوخ القبائل مساء الجمعة 18 نوفمبر 2022م؛ اجتماعا مغلقا، طلبت منهم خلاله إقناع أهالي قرى شيبانة والمهدية وجنوب الطايرة، بالرحيل عن قراهم في أقرب وقت؛ بحجة تطهيرها من اﻷلغام والعبوات الناسفة على أن يعودوا إليها بعد انتهاء عملية التطهير، مطالبة أهالي القرى الثلاثة بالرحيل يأتي بعد أسابيع من تهجير سكان (6) قرى أخرى في رفح، أهمها: الخرافين وقوز أبو رعد والمقاطعة والوفاق، بناءً على تعليمات من قيادات الجيش، وصولًا إلى إبعاد نحو 20 أسرة قسريًا من تجمع الجرايشة بقرية المقاطعة، بعد رفضهم إخلاء تجمعهم القروي، لكن وجهاء القبائل أبلغوا الأهالي أن قرار ترحيلهم عن قراهم حتمي ولن يوقفه أحد!

أهالي القرى الثلاثة لم يقتنعوا بالأسباب التي نقلها لهم مشايخ القبائل، ورفضت أسر تلك القرى الرحيل عنها، قبل أن يدعوا لاجتماع أبناء «السواركة» في قرية«شيبانة» لبحث قرارات الجيش. وشيبانة هي أول قرية في رفح عاد إليها أهلها مع بداية 2022 وسط زفة إعلامية غير مسبوقة، بعد سنوات من النزوح. واعتمادًا على الجهود الذاتية قام الأهالي بترميم المسجد والزاوية الصوفية والمدرسة، التي استأنف أطفال القرية الدراسة فيها قبل شهرين.

ونشر أهالي من المنطقة مقطعًا مصورًا لاجتماع القبيلة يتحدث خلاله الشيخ إبراهيم أبو عليان، أحد وجهاء القبيلة وقرية شيبانة، مؤكدًا على العلاقة الوثيقة بين أهل سيناء والجيش، ومشددًا على أن الشراكة الوطنية بين الأهالي والدولة بمؤسساتها تفرض على الأخيرة أن تكون واضحة في ما يخص أراضي المواطنين، متسائلًا: «ألا يشفع تاريخنا لنكون شركاء في دراسة مستقبل هذه المنطقة؟»، مشددًا في الوقت نفسه: «نحن مع الجيش والاتجاه الوطني، ولكننا مع الأرض أيضًا». خلال الاجتماع حضرت بعض القيادات العسكرية، وأكدت للحاضرين أنه لن يكون هناك ترحيل لأحد، لكن الشائع بين الأهالي أن «تصرفات الجيش غير كلامه» للأسباب الآتية:

  • أولا، ما جرى أثناء عملية تهجير سكان (6) قرى في شهر أكتوبر الماضي (2022)؛ ففي 24 أكتوبر، مرت وحدات من مكتب مخابرات حرس الحدود على قرى: الماسورة والوفاق والخرافين وجوز أبو رعد والمهدية والمقاطعة، والتجمعات التابعة لها، وطلبت من الأهالي إخلاءها، ومنحتهم مُهلة ثلاثة أيام. وفي حين استجاب أغلب القرى والتجمعات، رفض تجمعا: الخرافين في رفح، والجرايشة في الشيخ زويد، الرحيل، بحسب موقع «مدى مصر» نقلا عن مصادر محلية.

وتواصل بعض شيوخ «السواركة والرميلات» المقربين من القوات المسلحة مع قيادات في الجيش الثاني الميداني للاستفسار عن سبب القرار، فأشارت عليهم تلك القيادات بالانتظار وعدم تنفيذ القرار. في اليوم التالي، تكرر مرور وحدات مكتب المخابرات ومطالبتها الأهالي بالإخلاء في أسرع وقت، ليرد الأهالي معلنين رفض تنفيذ تلك التعليمات، وهو ما استدعى تدخل شيوخ الرميلات مجددًا، ولكن هذه المرة طلبت القيادات العسكرية الامتثال للأوامر بوصفها «جاية من فوق قوي ومافيش حاجة في إيدينا». ضمن محاولات الإقناع، أبلغ بعض شيوخ القبائل سكان الخرافين والجرايشة أن الإخلاء سببه تطهير القرى من العبوات الناسفة، وأنهم سيعودون لقراهم في ديسمبر المقبل، وهو ما لم يقتنع به الأهالي. وقوف تجمعا الخرافين والجرايشة في وجه القرارات الـ«جاية من فوق» لقى دعمًا واسعًا من أبناء السواركة والرميلات. الشيخ عرفات خضر، أحد رموز السواركة، والمقيم في قرية الجورة، كتب على فيسبوك: «لن أبرح الأرض التي عشت عليها»، «يا ناس اصمدوا في أرضكم لا تتحركوا والله معكم لانكم أصحاب حق إن ساعة من الثبات لكفيلة بالنصر»، «يا أهلنا في المناطق لا تبرحوا أراضيكم ومزارعكم». وفي خطبة الجمعة أعلن شيخ الجامع تمسك الأهالي بأرضهم وأرض أجدادهم وهي الخطبة التي تم بثها على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” ثم جرى رفعها لاحقا بتعليمات أمنية. في اليوم التالي مباشرة، طوّقت وحدات عسكرية تجمع الجرايشة، ونقلت سكانه إلى مدينة الشيخ زويد، بعدما وضعتهم قسرًا في سيارات رُبع نقل، وهو الخبر الذي تبعه إخلاء سكان الخرافين تجمعهم.  يقول أهالي قرية الخرافين:«ما حدث معنا ليس مطلب بالإخلاء ولكنه عملية طرد من أرضنا بالقوة»![[7]]

  • ثانيا، قيام الجيش بإغلاق كل الطرق المؤدية للقرى الثلاثة(شيبانة والمهدية وجنوب الطايرة)، مع منع عبور اﻷهالي من ارتكاز «الجهيني» العسكري الواقع في مدخل الطريق المؤدي للقرى. كانت كمائن القوات المسلحة بدأت، منذ أكتوبر، في التضييق على أهالي قرى رفح، عبر منع دخول أي مستلزمات تُستخدم في إعادة البناء أو الزراعة، قبل أن تمر وحدات من حرس الحدود على القرى، في 20 أكتوبر، وتعمم تنبيهًا بمنع بناء أو ترميم أي مبنى بالطوب والإسمنت، والسماح باستخدام الخوص واﻷخشاب فقط.[[8]]
  • ثالثا، تزايدت شكوك الأهالي حول سلوك الجيش؛ بعدما تواصلت لجان مجلس المدينة في ترقيم وحصر منازل القرى المهدمة ووضع علامات عليها خاصة في مناطق شمال رفح؛ وهي اللجان التي كانت وضعت، خلال الشهر الجاري، كتلًا خرسانية تحمل أعلامًا حمراء وأرقامًا في مناطق مختلفة على مسافات متباعدة، دون توضيح للأهالي عن طبيعة ذلك الإجراء المختلف عن عمليات حصر المنازل والمزارع بغرض التعويضات التي كانت تتم من قبل.
  • رابعا، كما تزايدت شكوك الأهالي في سلوك الجيش بعدما تزامنت تعليمات الإخلاء مع قيام لجان هندسية بعمليات رفع مساحي في محيط قرى جنوب رفح، في نهاية سبتمبر وبداية أكتوبر2022، تحت إشراف القوات المسلحة. واللافت في الوضع الميداني أن إحدى لجان الجيش الهندسية أبلغت سكان قرية التومة جنوب الشيخ زويد عن مخطط لإقامة محطة صرف صحي عملاقة على كامل أراضي القرية، تلتها لجنة أخرى عاينت المنطقة الواقعة بين قرى المقاطعة والخرافيين وقوز أبو رعد والماسورة والوفاق، وأخبرت اﻷهالي بوجود مخطط لإقامة منطقة صناعية كبرى في المنطقة.

إزاء هذه المعطيات فإن الغضب يسود بين أهالي قرى رفح وشمال سيناء بعدما تبين لهم أن النظام وجيشه لا عهد لهم ولا ميثاق؛ وأن دماء أبنائهم التي أريقت إلى جانب الجيش والشرطة ضد تنظيم “ولاية سيناء” ذهبت هدرا ولا يضع الجيش أو النظام لها اعتبارا، ولا يقدر التضحيات التي قامت بها القبائل في حربه ضد تنظيم «ولاية سيناء».

ورغم وعود قيادات من القوات المسلحة بإعادة النازحين لبيوتهم مقابل حمل أبناء القبائل السلاح وتطهير أراضيهم، إلا أن الأهالي لم يعودوا يثقون في كلمة أي قيادات عسكرية أو سياسية.

وكان السيسي قرر، قبل نحو عام، فرض تدابير إضافية في شبه جزيرة سيناء، تتطابق غالبيتها مع التدابير التي كانت مطبقة وقت سريان قانون الطوارئ، سواء الخاصة بفرض حظر تجول أو الإقامة أو التردد على أماكن معينة، أو إخلاء بعض المناطق أو غيرها، فيما منح القرار الأخير وزير الدفاع سلطة مطلقة في تحديد المناطق الخاضعة لتلك التدابير، التي وصفها مصدر قضائي حينها بأنها استكمال لسلسلة من القرارات التي تُتخذ بشأن ترتيب وضع أمني واقتصادي جديد في سيناء.

اللافت أن مخطط هذه المشروعات يتطابق مع مخطط تنموي منشور على موقع محافظة شمال سيناء بعنوان «الخطة الاستراتيجية – رؤية المحافظة 2030»، يتضمن إقامة منطقة صناعية كبرى في أجزاء من رفح والشيخ زويد تضم: مجمع صناعي قائم على زراعة الموالح على مساحة 25 فدانًا، ومجمع صناعي قائم على النخيل على مساحة 125 فدانًا، ومجمع صناعات غذائية على مساحة 175 فدانًا، إلى جانب مركز خدمات لوجستية في رفح الجديدة، كذلك تضمن المخطط إقامة خمس محطات صرف صحي في الشيخ زويد، مع تأكيد أن المحافظة تعمل على إزالة التعديات على تلك الأراضي.

خلال اجتماع في مقر جهاز المخابرات بسيناء حضره قيادات عسكرية نواب المحافظة وشيوخ قبائل ورجل الأعمال السيناوي المقرب من أجهزة الدولة، إبراهيم العرجاني، نهاية سبتمبر 2022م، عرضت خلاله القيادات اﻷمنية تصورًا لإعادة تخطيط المنطقة الشرقية من شمال سيناء؛ الشيخ زويد ورفح، بإلغاء تقسيم المدينتين القديم بعد استبعاد المناطق التي ستدخل في المخطط التنموي، على أن يتم إنشاء تجمعات سكنية مشابهة لتلك التي أقيمت في وسط سيناء خلال 2021م، بهدف توطين عدد من سكان وسط وشمال سيناء، خاصة من رفح والشيخ زويد، والتي تم تقسيمها لمنازل كل منها ملحق به خمسة أفدنة، غير أنها لم تلق إقبالًا من أبناء سيناء، لطبيعة تقسيمها التي فصلت بين المنازل واﻷراضي الزراعية، وقُرب المنازل من بعضها على عكس الخصوصية المعتادة في البيئة البدوية، فضلًا عن ارتفاع أسعار التملك فيها، التي وصلت إلى 800 ألف جنيه للمنزل وخمسة أفدنة.

في ذات الوقت فإن إبراهيم  العرجاني يشتري قطع أراضي من أصحابها الأصليين في المنطقة المخصصة لهذه المشروعات  بأسعار مرتفعة؛[[9]] ما يثير كثيرا من الألغاز والتساؤلات حول علاقة هذه المخططات بصفقة القرن  وعودة نتنياهو رئيسا لحكومة الاحتلال.

 

مشروعات إسرائيلية بسيناء

الحدث أو الإجراء الرابع الذي يكشف عن حجم التحولات الجارية في سيناء هو ما كشفته وسائل الإعلام الإسرائيلية حول دخول”مجموعة أبراهام السياحية” في شراكة أولى من نوعها بمنتجع في سيناء باسم “أكوا صن”، في أول تعاون من نوعه بين رجال أعمال إسرائيليين ومصريين.

ويكشف هذا المشروع السياحي الإسرائيلي في سيناء عن عودة تصاعدية للسياح الإسرائيليين فيها، حيث تمتلئ شواطئها بهم في فصل الصيف، مع توقع بعودة موجة ضخمة منهم في ضوء الاتفاقية الموقعة مع مصر لتوسيع الرحلات الجوية المباشرة من تل أبيب إلى شرم الشيخ، بعد أن خفض الاحتلال مستوى التحذير لسيناء، لأول مرة منذ عقد، حين عانت سيناء من عدم الاستقرار، مما أدى لانخفاض السياحة، بسبب الهجمات المسلحة فيها.[[10]]

 

الخلاصة، ما يقوم به الجيش حاليا من تهجير أهالي قرى رفح والشيخ زويد، وإقامة مشروعات مشبوهة يثير كثيرا من التساؤلات والألغاز؛ إذ كيف تقيم مشروعات خدمية من مياه وصرف صحي وتجمعات صناعية في الوقت الذي تقوم فيه بتهجير السكان؟! فلمن إذا هذه المشروعات؟! هل هي ضمن مخططات الوطن البديل التي تستهدف توطين عدد من سكان فلسطين وربط غزة بسيناء؟!

هذه القرارات الأخيرة (تهجير سكان رفح والشيخ زويد) تتسق تماما ما السياسات التي يكرسها نظام السيسي منذ يوليو 2013م، فخلال السنوات الماضية هناك مخططات محبوكة وغامضة يجري تنفيذها على قدم وساق في شبه جزيرة سيناء، هذه المخططات تتخفى وراء لافتتين كبيرتين،  الأولى هي الحرب على الإرهاب، والثانية هي التنمية المزعومة.

لكن العامل المشترك في هذه المشروعات هو العمل على تغيير التركيبة السكانية والديموغرافية لسيناء من خلال تهجير آلاف السكان من مدنهم وقراهم في محافظة شمال سيناء لاسيما المنطقة المتأخمة للحدود مع قطاع غزة المحاصر. وإلى جانب الغموض المفروض على أهداف تلك الأنشطة التنموية والاستثمارية مع إطالة أمد “الحرب على الإرهاب” وغياب الشفافية في ما يتعلق بأسباب الفشل في القضاء على تنظيم “ولاية سيناء” التابع لتنظيم “داعش”، تسود مخاوف من وجود روابط بين إصرار النظام العسكري على تغيير الهوية المجتمعية والتركيبة السكانية لسيناء وبين المخططات التي سبق وتضمنها الشق الاقتصادي من مشروع “صفقة القرن” (خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية) الذي روّجت لها الإدارة الأميركية السابقة، وكان من بين المشروعات إقامة مجتمعات صناعية وزراعية لتشغيل الفلسطينيين في شمال سيناء، بدعم مالي مباشر للقاهرة.

نظام السيسي من خلال المشروعات الغامضة التي يشرف عليها الجيش في سيناء تحت لافتة “التنمية” ثم تواصل ما تسمى بالحرب على الإرهاب دون حسم رغم الإمكانات الهائلة للجيش المصري، يستهدف تمهيد الأوضاع لإعادة هندسة المنطقة وفقا للتصورات الأمريكية الإسرائيلية والتي تَكَشَّف بعضها في صفقة القرن التي تتبناها إسرائيل والأنظمة العربية حتى اليوم، وكانت ترعاها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

وكان الكاتب البريطاني جوناثان كوك قال في تحليل موسع لصحيفة “ميدل إيست آي” البريطانية[[11]]، إن أحد الأهداف الرئيسية “لصفقة القرن” هي وضع غزة وسكانها تحت إشارة إسرائيل دون أن تتحمل أي مسؤولية أو لوم. وستصبح مصر -حسب الصفقة- السجان الظاهر لغزة، “مثلما تحمّل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وسلطته عبء الخدمة كسجانين” في معظم مناطق الضفة الغربية المحتلة.

وبحسب الكاتب فإن الصفقة تتلخص في بناء مشروعات للبنية التحتية لقطاع غزة خارج القطاع، أي في شمال سيناء، لتوفير الكهرباء والمياه والوظائف والميناء والمطار والمناطق الصناعية ومنطقة للتجارة الحرة لسكان القطاع، وتشجيع الغزاويين الذين سيعملون في شمال سيناء للاستقرار نهائيا هناك، وذلك لحل مشكلة البطالة واللاجئين وأمن إسرائيل. هذا الطرح يشير إلى تحولات كبرى حول ما تم تسريبه من صفقة القرن؛ فبدلا من اقتطاع جزء من شمال سيناء لضمه إلى غزة لتكون وطنا بديلا للفلسطينيين، فإن التحول الجديد هو العكس؛  أي بضم قطاع غزة إلى سيناء ليكون النظام المصري الذي تمكن من سحق الإخوان المسلمين  هو المكلف باحتواء حركات المقاومة الفلسطينية أو سحقها إذا لزم الأمر.

 

 

 

 

 

 

 

 

[1] قتلى ومصابون من الأمن المصري بهجوم لـ”داعش” قرب قناة السويس/ العربي الجديد ــ 27 نوفمبر 2022

[2] مقتل 7 عسكريين مصريين في هجوم واسع لـ”داعش” على مدينة القنطرة شرق/ العربي الجديد ــ  السبت 19 نوفمبر 2022

[3] مقتل قائد كتيبة في الجيش المصري بهجوم لـ”داعش” في سيناء/ العربي الجديد ــ 06 نوفمبر 2022

[4] محمود خليل/ زيادة عدد قتلى الجيش المصري في سيناء: الأسباب والنتائج/ العربي الجديد ــ 14 مايو 2022

[5] محمود خليل/ استمرار هجمات “داعش” في رفح يثير علامات الاستفهام/ العربي الجديد ــ 20 أكتوبر 2022

[6] محمود خليل/ تفاؤل حذر تجاه تسهيلات غير مسبوقة للمواطنين في سيناء/ العربي الجديد ــ 15 نوفمبر 2022

 

[7] أهالي رفح والشيخ زويد.. وعد العودة مقابل التطهير ينتهي بالإجلاء للتطوير/ مدى مصر ــ 3 نوفمبر 2022

[8] مصادر: قلق بين أبناء «السواركة» بعد تعليمات بإخلاء قرى جديدة في رفح/ مدى مصر ــ الثلاثاء 22  نوفمبر 2022م

[9] مرجع سابق/ أهالي رفح والشيخ زويد.. وعد العودة مقابل التطهير ينتهي بالإجلاء للتطوير/ مدى مصر ــ 3 نوفمبر 2022

[10] مشروع سياحي إسرائيلي في سيناء يستعد للتوسع بدول عربية/ “عربي 21” ــ الجمعة، 25 نوفمبر 2022

 

[11] ميدل إيست: للسيسي دور رئيسي بخطة إلحاق غزة بسيناء/ الجزيرة نت 06 يوليو 2018

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022