فوز أنور ابراهيم برئاسة الحكومة الماليزية بعد عقود من الإقصاء ..التحديات والرهانات مستقبلية

أدى، السياسي الماليزي المخضرم أنور ابراهيم “75 عاما” اليمين الدستورية ، رئيسا للوزراء، الخميس 24  نوفمبر، بعدما تدخل الملك سلطان عبدالله سلطان أحمد شاه، في حسم اختيار  رئيس الوزراء، بعد انتهاء انتخابات تشريعية مبكرة، أجريت السبت 19 نوفمبر ،  لم تسفر عن حصول أي من الأحزاب المتنافسة على أغلبية حاسمة، وجاء دور الملك الدستوري بعد 5 أيام من  النقاشات والمشاورات  السياسية، وعدم قدرة رؤساء التحالفات الحزبية على التوافق على شخص رئيس الوزراء.

وكان رئيس الوزراء الماليزي إسماعيل صبري يعقوب تعرض لضغوط متزايدة من فصائل في ائتلافه الحاكم لحل البرلمان في أكتوبر  الماضي والدعوة إلى انتخابات مبكرة، التي كانت مقررة بعد منتصف العام المقبل 2023، وهو ما تم بالفعل في 10 أكتوبر الماضي.

ولجأ الملك لاختيار حكومة أقلية، بعدما تعثر التوافق السياسي بين الأحزاب ، والتي كانت قد دفعت الملك لعقد لقاءات ثنائية ومتعددة مع قادة التحالفات الانتخابية الفائزة، لإقناعهم بالتحالف والالتفاف حول شخصية رئيس الوزراء، إلا أن رفض قادة الجبهة الوطنية وتحالف الأمل العمل سويا، دفع الملك لممارسة حقه الدستوري، حقنا للخلافات  السياسية.

وكان المشهد الماليزي الأشد غرابة، هو فشل رئيس الوزراء الماليزي الأسبق مهاتير محمد “97 عاما” في الحفاظ على مقعده البرلماني، للمرة الأولى منذ 53 عاما، رغم إنجازاته الاقتصادية والمجتمعية في ماليزيا، وهو ما جسد قيمة العمل الديمقراطي والرضا بنتائج الصندوق الانتخابي بكل شفافية.

ونقلت “المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة (أمنو)، التي حكمت ماليزيا منذ الاستقلال عن بريطانيا (1957)، وحتى 2018، 30 مقعداً بقيادة رئيس الوزراء الحالي إسماعيل يعقوب، ، فيما خسر رئيس الوزراء الأسبق مهاتير محمد، زعيم حزب “مقاتلو الوطن”، مقعده، لأول مرة منذ 53 عاماً، كما لم يفز حزبه بأي مقعد.

وأدى أنور إبراهيم ، الخميس الماضي، اليمين الدستورية بعد تكليف الملك له بتشكيل الحكومة الجديدة. وقال بيان للقصر الملكي أن تعيين أنور إبراهيم ليكون رئيس الوزراء العاشر في تاريخ البلاد جاء بعد موافقة الملك ومجلس حكام الولايات..

وتحليل نتائج الانتخابات وقراءة المشهد الماليزي، ينبغي التوقف عند عدة محددات وتطورات، في الورقة التالية:

أولا: الخارطة الحزبية الماليزية:

ويوجد في ماليزيا 69 حزبا سياسيا مسجلا لدى هيئة تسجيل المؤسسات والأحزاب، وهي موزعة على 5 كتل رئيسية:

1-تحالف الجبهة الوطنية:

وهو أقدم تحالف حزبي في البلاد، ويضم 3 أحزاب رئيسية هي المنظمة الملايوية القومية المتحدة (أمنو)، والجمعية الصينية الماليزية والمؤتمر الهندي الماليزي، وقد حكم البلاد منذ استقلالها عام 1957 إلى أن خسر انتخابات عام 2018.

2- تحالف الأمل:

وهو امتداد لتحالفات المعارضة بزعامة أنور إبراهيم منذ خروجه من السلطة عام 1998، ويضم 3 أحزاب رئيسية هي حزب عدالة الشعب، والعمل الديمقراطي (يهيمن عليه ذوو الأعراق الصينية)، وحزب الأمانة الوطنية المنشق عن الحزب الإسلامي الماليزي، وخرج منه حزب “برساتو” عام 2020.

3-تحالف العقد الوطني:

يتزعمه رئيس الوزراء السابق محيي الدين ياسين، ويضم حزب وحدة الملايو (برساتو) والحزب الإسلامي الماليزي وأحزابا صغيرة، وأبرز ما يميز “برساتو” أنه توليفة للمنشقين عن مختلف الأحزاب الرئيسية في البلاد، خصوصا الحزبين الكبيرين أمنو وعدالة الشعب.

4-تحالف التجمع الوطني المحارب:

أسسه مهاتير محمد مؤخرا، ولم يسجل رسميا في هيئة الأحزاب، ويضم عدة أحزاب صغيرة ومنظمات غير حكومية.

5-أحزاب ولايتي “ساراواك” و”صباح” في القسم الشرقي للبلاد (جزيرة بورنيو):

وهي تجمع لأحزاب ساراواك الذي فاز بانتخابات مجلس الولاية العام الماضي، وأحزاب ولاية “صباح” يتقدمها حزب “التراث”. ويعتبر موقف أحزاب الولايتين حاسما في النتيجة النهائية، وذلك بترجيح كفة التحالف الفائز، نظرا لأن مجموع مقاعد الولايتين في البرلمان المركزي يبلغ 56 مقعدا، والتي تعادل 25% من مجموع المقاعد البالغة 222 مقعدا.

وتتبنى ماليزيا حكما برلمانيا وملكية دستورية على غرار النظام البريطاني، ومدة الدورة البرلمانية 5 سنوات، لكن البرلمان الأخير حُلّ مبكرا.

ثانيا: النظام الانتخابي الماليزي:

وينقسم البرلمان إلى مجلسين: النواب، وعدد أعضائه 222 يصلون بالانتخاب المباشر، والشيوخ ويضم 70 عضوا، ويقوم النظام الانتخابي على “ناخب واحد- مرشح واحد” بمعنى أن كل ناخب يختار مرشحا واحدا في دائرته لتمثيل الدائرة في مجلس النواب.

ويكلف الملك من يعتقد أنه قادر على الحصول على ثقة البرلمان، ولا يعقب التكليف تصويت على الثقة بالحكومة، كما أن الحسم بالفوز يكون بعدد المقاعد في البرلمان وليس بأغلبية الأصوات الانتخابية.

وقد أقر البرلمان في يوليو الماضي تعديلا دستوريا يمنع أعضاء البرلمان من تغيير ولاءاتهم الحزبية بعد الانتخابات، وذلك بعد أن تسبب تغيير الولاءات بانهيار حكومتين من الحكومات الثلاث التي شكلت بعد انتخابات 2018 وأبقت الثالثة في حالة عدم استقرار إلى أن حُلّ البرلمان في 10  أكتوبر الماضي.

ولا يشمل قانون حظر الانتقال من حزب إلى آخر أعضاء مجلس الشيوخ، إذ إنهم غير منتخبين مباشرة من الشعب، ويتم اختيارهم من قبل المجالس التشريعية في الولايات وتعيّنهم الأحزاب السياسية المشاركة في البرلمان ضمن حصص لكل حزب.

ثالثا: خارطة النتائج الانتخابية:

وأظهرت نتائج الانتخابات ، حصول تحالف ميثاق الأمل الذي يقوده أنور إبراهيم ويوصف بالتقدمي أو الليبرالي المتحالف مع أحزاب الأقلية الصينية على 82 مقعداً، تلاه التحالف الوطني المحافظ الذي يضم توجهات إسلامية برئاسة رئيس الوزراء السابق محيي الدين ياسين بـ73 مقعداً، من أصل 220 مقعداً. ويضم تحالف محيي الدين الإسلامي القومي الماليزي المحافظ

الحزب الإسلامي..

بينما فازت الجبهة الوطنية “المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة (آمنو)، التي حكمت ماليزيا منذ الاستقلال عن بريطانيا (1957)، وحتى 2018، والتي يقودها رئيس الوزراء الحالي إسماعيل صبري يعقوب ، بـ30 مقعداً، وهو أسوأ أداء انتخابي- ولكن كان من المتوقع أن تلعب الجبهة دوراً محورياً في تحديد من يشكل الحكومة، لأن دعمها ضروري لكل من أنور ومحيي الدين لوصول أي منهما إلى 112 مقعداً اللازمة لتشكيل الحكومة، إلا أنها رفضت الدخول في أية تحالفات مفضلة  مقاعد المعارضة فيما خسر رئيس الوزراء الأسبق مهاتير محمد، زعيم حزب “مقاتلو الوطن”، مقعده، لأول مرة منذ 53 عاماً، كما لم يفز حزبه بأي مقعد.

إضافة لذلك هناك ثلاثة أحزاب صغيرة تهيمن على جزيرة بورنيو فازت بـ32 مقعداً، ومن المرجح أن تكون شريكة لمن يفوز بأغلبية المقاعد في شبه جزيرة ماليزيا الرئيسية.

رابعا: دلالات نتائج الانتخابات:

وتعبر تلك النتائج عن العديد من الحقائق على أرض الواقع السياسي بـ ماليزيا، التي تعد من أقوى اقتصاديات النمور الاسيوية، على الرغم من إشكالاتها السياسية والاقتصادية الأخيرة، على وقع الأزمات العالمية المتفاقمة، خلال السنوات الأربعة الأخيرة، من تداعيات فيروس كورونا وأزمة الاغلاقات الدولية، ثم الحرب الروسية الاوكرانية..ومن تلك الحقائق:

1-إعادة الاعتبار السياسي لـ أنور إبراهيم:

ويأتي تعيين أنور تتويجاً لرحلة طويلة في عالم السياسة استمرت ثلاثة عقود، تقلب فيها من وريث واضح للزعيم المخضرم مهاتير محمد إلى سجين، ثم زعيم للمعارضة لفترة طويلة.

وحُرم الرجل البالغ من العمر 75 عاماً مراراً من الوصول لرئاسة الوزراء، رغم اقترابه من المنصب على مدار السنين، وسبق أن شغل منصب نائب رئيس الوزراء في التسعينيات، وكان رئيس الوزراء المرتقب في عام 2018. واتهم بعدة تهم وضعته بالسجن، اللواط والفساد المالي..

فقد شكّلَ أنور إبراهيم ظلاً دائماً لمهاتير محمد، منذ لحظة صعوده السياسي وكان أحد أذرعه القوية التي كان يعتمد عليها كثيراً، منذ انضمام أنور إبراهيم لحزب الإتحاد القومي الماليزي عام 1982، وتبوّئه نيابة مهاتير في الحزب عدا عن تقلده عدة مناصب وزارية، للزراعة والشباب والتعليم، وفي تلك المرحلة بدأت بذور النهضة الماليزية بواكيرها بالتشكل.

وكان الالتقاء بين الزعيمين، مهاتير وإبراهيم، أهم لحظات التأسيس لنهضة ماليزيا الراهنة، تعليمياً وتنمويا واقتصادياً، حيث لعبَ أنور إبراهيم القادم من حقل الدراسات الإنسانية، شعبة الاجتماع تحديدا، دوراً كبيراً وبارزاً كأهم رواد هذه النهضة وبناتها، لإسهاماته الباكرة في تأسيس الجامعات واستقدام الخبراء في هذا المجال، وكان لتجربة الجامعة الإسلامية العالمية دور كبير في هذه النهضة، وهي الجامعة التي ساهم في بنائها وتأسيسها أنور إبراهيم، والذي استطاع، بعلاقاته الواسعة، استقدام أهم كوادرها منذ البداية، كعبد الحميد أبو سليمان وغيره من المفكرين والخبراء من مختلف أنحاء العالم.

وعكف أنور على القراءة والتأمل الطويل في السجن، ما جعله أكثر قوة وصلابة في وجه كل هذه المحن التي استهدفته واستهدفت حياته الخاصة والعامة

ووفق العديد من الآراء السياسية لخبراء السياسة والاجتماع، فإن ليس أنور إبراهيم مجرد سياسي هاو للسياسة التي بدأها في عمله مستشارا للشباب لدى الأمم المتحدة منذ تخرجه من الجامعة عام 1973، فالرجل قارئ نهم، ومفكّر كبير يمتلك شبكة علاقات واسعة حول العالم، ولديه مقاربات فكرية عدة وعميقة في ما يتعلق بالهوية والدولة والنهضة والحضارة والعلاقات بين الدين والدولة والديمقراطية والإسلام، والعلمانية، والتسامح والتعايش وكل هذه المفردات والمصطلحات الحاضرة اليوم في ميادين الدراسات الإنسانية الحديثة وحقولها.

يعدّ كتاب “النهضة الآسيوية” أهم بواكير أنور الفكرية والسياسية، وضع فيه تصوّراته ومقارباته للوضع الماليزي باكراً، وهي الرؤية التي لعب من خلالها كل ذلك الدور في تسيير مشاريع النهوض الماليزي، حتى لحظة إقصائه من منصبه نائبا لرئيس الوزراء وزيرا للمالية، عام 1998، ذلك الإقصاء الذي كان بداية إزاحة له من المشهد السياسي، بتهم الفساد و”اللواط” الكيدية، التي أُريد بها القضاء التام على مستقبل الرجل السياسي ودفنه إلى الأبد.

لكن الرجل بما يمتلك من يقين، وصفاء روحي، ويقظة ضمير وشفافية مطلقة في مسيرته السياسية، جعل كل هذه التهم التي أودت به إلى السجن تبدو أشبه بمنحة وليس محنة، فقد عكف على القراءة والتأمل الطويل في السجن، ما جعله أكثر قوة وصلابة في وجه كل هذه المحن التي استهدفته واستهدفت حياته الخاصة والعامة.

 

2-تشرذم سياسي ألجأ الملك لتشكيل حكومة أقلية كمخرج غير آمن سياسيا:

ومع  إعلان النتائج وعدم الحسم من قبل أي من التحالفات السياسية للأغلبية المريحة بالبرلمان، ومع تمسك كلا من تحالف الأمل، والتحالف الوطني المحافظ بعدم العمل مع بعضهما، وتفضيل الجبهة الوطنية  الحاكمة  للانتقال إلى مقاعد المعارضة، جاء الاتجاه من قبل الملك  للحسم السياسي، بعيدا عن النتائج الرقمية، باختيار أنور ابراهيم لتشكيل الحكومة.

وكان محيي الدين قد رفض اقتراح الملك للعمل مع أنور، مؤكداً أن تحالفه الوطني يحظى بدعم 115 نائباً، أي أكثر من 112 ترشيحاً مطلوباً لتشكيل أغلبية بسيطة، حيث أكد  رئيس الوزراء السابق محيي الدين: “أرسلنا بالأمس إعلانات قانونية من 115 عضواً في البرلمان (الأغلبية 112 عضواً) وقد أقر بذلك السكرتير الخاص للملك”.

ويضيف: “ومع ذلك، عندما التقيت بالملك ، قيل لي إن هذا ليس كافياً لأسباب غير معروفة”.

وقال محيي الدين، في وقت لاحق،  إن الملك عبد الله أحمد شاه اقترح لكسر حالة التعادل بعد الانتخابات الماليزية أن يعمل المتنافسان معاً لتشكيل “حكومة وحدة”، لكنه أضاف أنه لن يعمل مع أنور، مشيراً إلى أن قضايا رئيسية تمنع تشكيله الحكومة مع أنور إبراهيم، كما اقترح الملك.

ورغم ذلك، فضل  الملك تكليف أنور إبراهيم، لعدة اعتبارات، منها على ما يبدو؛ القبول الغربي بشخصية أنور ابراهيم، وعمل أنور ابراهيم بانفتاح سياسي ومجتمعي مع الأقليات الصينية والهندية بالبلاد وهو ما يضمن استقرارا ما في محيط ماليزيا الإقليمي والدولي، كما أن تحالف محي الدين مع الحزب الاسلامي، الذي حصل لوحده على 48 مقعدا ، ما قد يفرض توزير عدد أكبر من الحزب الاسلامي، المطالب بكمال تطبيق الشريعة الإسلامية على عموم الماليزيين دون استثناء الأقليات الصينية والهندية، قد يسبب حرجا سياسيا لماليزيا، وسط إقليمها الجغرافي، قد يحرك الغرب لاتخاذ مواقف مضادة أوسع مع الاسلاميين في ماليزيا، المضطربة اقتصاديا بالفترة الأخيرة..

فيما قال رئيس الوزراء الماليزي المهزوم  إسماعيل صبري يعقوب على تويتر، إن تحالف الجبهة الوطنية الحاكم الحالي سيكون في المعارضة، بعد أن قرر عدم دعم أي تحالف لتشكيل حكومة.

ومع اعتماد الملك الماليزي تشكيل حكومة اقلية، فمن المتوقع أن لا تحظى حكومة أنور ابراهيم بالاستقرار، وأن تلاقي سياساتها معارضة برلمانية شديدة من قبل التحالف الوطني المحافظ، والذي يضم في عضويته الحزب الاسلامي ، اذ يرفض التحالف العمل مع غير المسلمين..

3-تقلبات سياسية قد تستمر:

ومع التشظي السياسي وعدم الحصول على أغلبية حاسمة، لأي من التحالفات السياسية الرئيسة في ماليزيا، فإن تلك النتائج ستقود الأوضاع إلى إطالة عدم الاستقرار السياسي في الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا، والتي كان لها ثلاثة رؤساء وزراء خلال بضع سنوات، وتهدد بتأخير قرارات السياسة اللازمة لتحفيز الانتعاش الاقتصادي.

إذ أن الدعوة لإجراء انتخابات عامة مبكرة في ماليزيا، جاء بالأساس لمحاولة إنهاء السياسات الفوضوية التي  تربك ماليزيا،  منذ الهزيمة التاريخية للتحالف الحاكم (الجبهة الوطنية) قبل أربع سنوات، والتي أنهت هيمنته على السلطة.

ومنذ الاستقلال عن بريطانيا عام 1957، هيمن حزب باريسان والمنظمة الوطنية الماليزية المتحدة (UMNO)، على حكم البلاد، وبلغ التحالف أوجه تحت قيادة رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد، الذي قاد البلاد لتحقيق معجزتها الاقتصادية التي جعلتها أعلى دول جنوب شرق آسيا في الدخل الفردي.

ولكن بعد خروج الأخير من السلطة قبل سنوات، تورط تحالف باريسان في قضية فساد، وعاد مهاتير محمد للسياسة مرة أخرى ولكن ليس كعضو في  “باريسان”، حيث تحالف مع خصمه السابق أنور إبراهيم للإطاحة برئيس الوزراء المتهم بالفساد نجيب عبد الله عام 2018، وأدى ذلك إلى مرحلة جديدة في ماليزيا تتسم بعدم اليقين، حتى بعد عودة الجبهة المتحدة للحكم في عهد إسماعيل في عام 2021، قبل أن تمنى بأسوأ هزيمة لها في الانتخابات الأخيرة.

4-تصاعد احتمالات تفكك تحالف مهاتير محمد:

كما تشيء النتائج الأخيرة للانتخابات التشريعية،  باحتمالات تفكك تحالفات سياسية، وحركة موزاييك سياسي بين الأحزاب والسياسيين، تقود نحو مزيد من التشرذم والانقسام السياسي..

وتنذر بتفكك تحالف مهاتير ، وهو تحالف شكل مؤخرا ويضم أحزابا صغيرة ومنظمات أهلية.

ورغم التعويل على نسبة اقتراع عالية، فإن محللين سياسيين رصدوا عوامل عدة تفيد بفقدان كثير من المواطنين ثقتهم بالسياسيين، أهمها: الفساد الذي أصبح خارجا عن السيطرة، وتغيير الولاءات والقفز من حزب لآخر لتحقيق المصالح الشخصية.

ولذلك صادق البرلمان  مؤخرا، على قانون بالإجماع يحظر تغيير ولاءات النواب بعد الانتخابات، وغياب كثير من النواب عن دوائرهم وإهمالها بعد وصولهم إلى البرلمان، ثم الترشح في دائرة مختلفة في الانتخابات التالية، بما يجعل الناخبين يتساءلون عن نجاحات السياسة في دوائرهم السابقة، وعن سبب تغيير مكان الترشح.

وأخيرا حملات التشويه وطعن الساسة ببعضهم، وعدم الوفاء بالوعود والتعهدات فيما بينهم، ومثال ذلك أن مهاتير لم يجد من يتحالف معه في هذه الانتخابات وفقد شعبيته إلى حد كبير، حتى أن استطلاعات رأي ومراكز أبحاث توقعت نهاية تاريخه السياسي وتاريخ أسرته، وتفكك حزبه الجديد “بجوانا” بعد الانتخابات مباشرة.

وخاض مهاتير، الذي كان يراهن على حاجة الأحزاب إليه، لأول مرة  الانتخابات دون تحالف حزبي متماسك يمكنه من العودة إلى السلطة للمرة الثالثة، حيث لم يتمكن مهاتير محمد من تسجيل تحالفه الجديد رسميا لدى هيئة تسجيل الأحزاب.

ويضم أحدث التحالفات الحزبية “التجمع الوطني المحارب” بقيادة مهاتير محمد عدة أحزاب صغيرة ومنظمات غير حكومية، وقد أقر بأن حظوظ تحالفه الذي يتصدره حزب بيجوانغ (المحارب) لا تبدو واعدة بسبب حداثة التحالف والحزب كما قال في تصريحات للجزيرة نت، في 3 نوفمبر ، قبل أسبوعين من إجراء الانتخابات.

ورفض مهاتير الاعتراف بأخطاء قد تكون السبب وراء إقصائه من الخارطة السياسية عشية الانتخابات الـ15، خصوصا في ما يتعلق بسيناريو استقالته من رئاسة الحكومة في فبراير 2020، وعدم تسليم السلطة إلى أنور إبراهيم بحسب اتفاق سابق لانتخابات 2018، وبرر الاستقالة بخسارته ثقة حزبه السابق “وحدة الملايو” المعروف باسم “برساتو”.

كما تسبب انقلاب مهاتير على حلفائه في 2018، عندما رفض تسليم رئاسة الوزراء لأنور إبراهيم، في انفضاض الأحزاب والتحالفات عنه..

خامسا: أبرز التحديات التي التي تواجه  رئاسة  أنور إبراهيم الحكومة:

1-توترات عرقية:

ومع تمكن أنور إبراهيم ، أخيراً، من الوصول إلى قيادة حكومة ماليزيا، وإثبات صلابته وصبره للحصول على المنصب، الذي واجه ربما من أجله السجن، يخشى أن تواجه حكومته أزمة جديدة في البلاد، عنوانها التوترات العرقية، إذ يعد إبراهيم بحكومة جامعة، وهو ما يمكن أن يستنفر الأغلبية من إثنية المالاي. ويشكل المالاي (معظمهم مسلمون ومجموعات من السكّان الأصليين) حوالي 70% من سكّان ماليزيا الذين يبلغ عددهم حوالي 33 مليون نسمة، فيما يتوزع الباقون بين إثنيات صينية وهندية.

2-تقلبات سياسية ضد إبراهيم:

ومع اعتلاء أنور ابراهيم منصب رئاسة الوزراء، ولأول مرة في تاريخه السياسي الممتد، يتجاوز المعضلة التاريخية، التي كانت تطيح به كل مرة، حيث كان قد اقترب من هذا المنصب مرات عديدة..إلا أنه كان يطيح به، وقد زج به بالسجن، بتهمتي الفساد واللواط، وهما اتهامان ظلّ يؤكد أن أهدافهما سياسية، لاسيما بعدما وصلت العلاقة بينه وبين مهاتير محمد، إلى حدّ القطيعة، بعد تقارب شديد بينهما، ويعد مهاتير عرّابه السياسي.

وكاد زعيم المعارضة الماليزية الإصلاحي، مرات عدة، أن يقترب جداً من تبوّء رئاسة الحكومة، حين تسلّم منصب نائب رئيس الحكومة في تسعينيات القرن الماضي، ولاحقاً رئيس الوزراء المرتقب في 2018. وبينهما، أمضى إبراهيم حوالي عقداً من الزمن في السجن، وخرج للمرة الثانية منه في مايو 2018 إثر طلب مهاتير من الملك العفو عنه.

حينها، كانت المصالحة بين مهاتير محمد ورئيس الوزراء السابق نجيب عبد الرزاق قد بلغت طريقاً مسدوداً، حيث تمّت الإطاحة بالأخير، الذي كان سجن إبراهيم للمرة الثانية (بتهمة اللواط) في 2015. وبدعم من أنور إبراهيم، قاد مهاتير محمد “تحالف الأمل” للفوز في انتخابات مايو 2019، وهزيمة عبد الرزاق وحزب “أمنو” الذي خسر الحكم للمرة الأولى منذ 6 عقود. يذكر أن المحكمة العليا في ماليزيا، كانت قد صادقت في شهر أغسطس الماضي، على إدانة نجيب والحكم عليه بالسجن 12 عاماً على خلفية فضيحة اختلاس أموال من صندوق التنمية الحكومي “أم دي بي 1”. ؟؟ وتنطوي الفضيحة، على اختلاس واسع النطاق من أموال الصندوق الذي كان من المفترض أن يساهم في تنمية البلاد، لكنها حوّلت في نهاية المطاف إلى حساب نجيب المصرفي.

وفُتحت تحقيقات في الولايات المتحدة وسويسرا وسنغافورة، حيث يشتبه باستخدام مؤسسات مالية لغسل مليارات الدولارات. أما بالنسبة لأنور، فقد كان الاتفاق مع مهاتير يقضي بأن ينقل الأخير في النهاية السلطة إليه، وهو ما لم يحصل.

ومع صعوبة تشكيل الحكومة التي يقودها إبراهيم، وتعدد الخلافات حول إبراهيم، تتعاظم الصعوبات السياسية أمام إبراهيم في الفترة المقبلة، خاصة في ضوء التشرذم الاجتماعي والاختلافات العرقية الماثلة بالبلاد..

كما أن بارونات الفساد الذين سجنوا ابراهيم سابقا، لم ينتهي دورهم بشكل كامل من الحياة السياسية في ماليزيا..

علاوة على امتلاك انور وتحالفه الانتخابي، أقلية برلمانية في مواجهة التحالفين الأخرين، الذين قد ينسقا مواقفهما ضد إبراهيم وسياساته ،  خاصة فيما يتعلق بـ العرقيات الصينية والهندية، حيث بدت تشهد الساحة الماليزية نداءات بالحفاظ على حقوق الاغلبية الماليزية، التي قد تهضم من قبل الأقليات الداعمة لأنور..وهو ما يثير العديد من المخاوف أمام وزارة إبراهيم، التي تعد حكومة أقلية مدعومة من الملك، فقط.

4-تفجر صراعات المحافظين والإصلاحيين:

ووفق دوائر سياسية، يعتبر أنور إبراهيم الزعيم المعارض الأكثر كاريزمية الذي عرفته ماليزيا في تاريخها السياسي، وهو وجه قيادي مسلم وديمقراطي، في آن، من شأن وصوله إلى السلطة، أن يرسل إشارات إيجابية للدول الغربية.

وقاد أنور إبراهيم في التسعينيات عشرات الآلاف من المواطنين إلى الشارع، اعتراضاً على سياسة حليفه السابق الذي تحول إلى خصمه، مهاتير، علماً أن علاقة الرجلين طبعت المشهد السياسي في البلاد لحوالي 3 عقود. وكانت الخلافات قد طفت خصوصاً حول كيفية إدارة الأزمة المالية الآسيوية (1998 – 2000)، ووصف مهاتير لأنور بأنه “غير مؤهل للقيادة بسبب طبعه”، لكن مطالبة أنور بالإصلاح، وصورته الدائمة إصلاحي، حافظتا على شعبيته.

وتعوّل ماليزيا على زعيم المعارضة السابق، لإعادة الاستقرار للبلاد، وقيادتها في مرحلة التعافي ما بعد كورونا، وفي الوقت ذاته قيادة كتلة شعبية منقسمة، بين جناح يرى أنه تحديثي ومتعدد الثقافات والإثنيات، وآخر محافظ مسلم. ولا يعجب ضمّ أنور في تحالفه لأعضاء إثنيين صينيين، الأكثرية من المالاي، ما أدى إلى رفض التحالف الوطني بزعامة محيي الدين ياسين التحالف معه وتشكيل حكومة وحدة، بعد انتخابات السبت 20 نوفمبر.

 

ولطالما دعا أنور إلى حكومة جامعة، وإنهاء العمل بالسياسات التي تقدم امتيازات ضخمة، ونظام المحسوبيات الذي أبقى ائتلاف “الجبهة الوطنية” (باريسان ناسيونال)، والذي يعد حزب “أمنو” الأكبر فيه، في الحكم لفترة طويلة. ولطالما استفاد “الجبهة الوطنية” من الطبيعة “المتطرفة” إثنياً، للسياسة الماليزية، ما أغرقه أيضاً في الفساد، لكن التحالف لم يحصل في الانتخابات الماضية سوى على 30 مقعداً، أما “التحالف الوطني” بقيادة ياسين، فقد تمكّن من الوصول للمرتبة الثانية، خصوصاً بفضل الحزب الإسلامي الماليزي، الذي حصد لوحده 49 مقعداً.

5-التحديات الاقتصادية:

ومع إعلان توزير ابراهيم، شهدت الأسواق تفاعلاإيجابياً ، مع انتهاء الأزمة السياسية فيما سجلت عملة الرينغيت أفضل أداء يومي في أسبوعين وزادت الأسهم 3%، مع تدخل الملك لاختيار حكومة أقلية..

إلا أنه بصفة عامة، كانت قد ضربت حالة عدم اليقين سوق الأسهم في كوالالمبور ،  والتي هبطت الثلاثاء قبل الماضي ، وزادت المكاسب الانتخابية الكبيرة التي حققها الحزب الإسلامي من مخاوف بعض المستثمرين، لا سيما بشأن السياسات المتعلقة بالمقامرة واستهلاك الكحول، إضافة إلى أن طبيعة البلاد المتعددة الثقافات، والتي لديها أقليات عرقية صينية وأقليات عرقية هندية كبيرة تتبع ديانات أخرى. ودعا الحزب الإسلامي الماليزي الإسلامي إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، علماً بأن ماليزيا تطبق الشريعة بشكل كبير على المسلمين.

وكانت المشاكل الاقتصادية هي الشغل الشاغل للناخبين، حيث يكافح الماليزيون مع ارتفاع تكاليف المعيشة وضعف عملة البلاد الوطنية الرينغيت والمخاوف من تباطؤ عالمي العام المقبل. وقال حوالي 70% من الأسر ذات الدخل المنخفض في استطلاع أجراه البنك الدولي، إنهم غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية الشهرية، كما تعهد كل حزب بإنهاء حالة عدم الاستقرار السياسي الحالية.

وعلى الرغم من عدم الاستقرار السياسي شبه المستمر والأضرار التي سببها الوباء، انتعشت ماليزيا بسرعة. وتفتخر الدولة بواحد من أسرع برامج التطعيم ضد Covid-19 في العالم، كما فاجأت ماليزيا الجميع بتسجيلها زيادة بنسبة 8.9% في إجمالي الناتج المحلي في الربع الثاني من عام 2022 حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Washington Post الأمريكية.

وتهدف خطة الإنفاق التي تم تمريرها مؤخراً والتي تبلغ 80 مليار دولار لعام 2023 إلى خفض الضرائب، مع استمرار تضييق العجز المالي من خلال المزيد من الإعانات الموجهة.

فيما أدى ارتفاع أسعار الطاقة هذا العام إلى زيادة أرباح شركة النفط الحكومية الماليزية Petroliam Nasional Bhd، مما ساعد الحكومة على دفع فاتورة الدعم المتضخمة. لكن حالة عدم اليقين بشأن مصير الميزانية أوجدت رياحاً معاكسة جديدة للعملة الوطنية “الرينغيت”، الذي يقبع بالفعل عند أدنى مستوى له منذ 24 عاماً مقابل الدولار، العملة الضعيفة هي أنباء سيئة لماليزيا، خاصة أنها مستورد صاف للغذاء.

خامسا: رهانات مستقبلية:

وعقب أداء أنور اليمين الدستورية،  باتت تتعلق أمال الماليزيين، في أن تتمكن حكومة أنور من منع عودة التوتر التاريخي بين الأغلبية المسلمة التي تنتمي لعرق الملايو والأقليات العرقية الصينية والهندية.

وقال أنور في مقابلة قبل الانتخابات إنه يسعى حال تعيينه رئيساً للوزراء لتعزيز الحوكمة ومكافحة الفساد، وتخليص البلاد من العنصرية والتعصب الديني..

كما أن الرهانات الأكبر تظل معلقة حول نهجه الإصلاحي، لتجاوز أزمة الهوية التي تلوح في أفق المشهد الماليزي، وأزمة الاقتصاد التي خبرها في منتصف تسعينيات القرن الماضي، عدا عن استنهاض ماليزيا لاستعادة دورة جديدة من الرفاه والازدهار والاستقرار الحقيقي الذي يستند على مشروعية حقيقية، تتجاوز حالة الركود والاختزال للتنمية بمجموعة ناطحات السحاب وأبراج بتروناس في قلب كوالالمبور، فالرجل صاحب مشروع حضاري كبير، ذلك المشروع الذي يكثر الخصوم من حوله، أكثر مما يتزايد الأصدقاء والحلفاء، وهو ما يتطلّب جهدا كبيرا من أنور إبراهيم وطاقم عمله المتنوّع والعابر الإثنيات الحاكمة للسياسة الماليزية، وهو مشروع الأمة الماليزية القائم على مواطنة متساوية وعدالة وحرية وهوية حضارية لكل أبنائها، ولا يستبطن امتيازات ما لهذه الاثنية  أو تلك في إطار الدولة الماليزية الواحدة والموحّدة،

ولعل ما يبعث الاطمئنان في قلوب الماليزيين، رغم تحديات عديدة تواجه البلاد، أنه  لدى أنور إبراهيم، بكلّ هذه التجربة الكبيرة والثرية، كثيرٌ من الحكمة والخبرة والمعرفة للنجاح، وإعادة الاعتبار بتاريخه ونضاله والمؤمنين به، وللشعب الماليزي الذي يكن لهذا الرجل كثير من التقدير والاحترام.

وتبقى ماليزيا الفائز الأول بالانتخابات التشريعية، إذ تحترم الديمقراطية ، مهما كانت نتائجها ، وهو ما يمثل حافزا لأي حكومة جديدة لإثبات قدراتها في تحقيق إنجازات للشعب الماليزي، وسط تحديات اقليمية وعالمية كبيرة.

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022