الصدام بين الحكومة والنقابات حول الفاتورة الإلكترونية.. سيناريوهات محتملة

تسبب إعلان مصلحة الضرائب المصرية في نوفمبر 2022 بإلزام أصحاب المهن الحرة بالتسجيل في منظومة الفاتورة الإلكترونية على جميع تعاملاتهم مع العملاء الأفراد والشركات، اعتبارا من منتصف ديسمبر 2022م في أزمة كبرى بين الحكومة من جهة والنقابات المهنية من جهة أخرى؛ وتظاهر آلاف المحامين في مقر النقابة الرئيس بالقاهرة وفي عدد من مقار النقابة الفرعية بالمحافظات رافضين إلزامهم بالفاتورة الإلكترونية، وصدرت بيانات رافضة من نقابات الأطباء والصيادلة والمهندسين وغيرها تؤكد رفض التعامل بالفاتورة بالإلكترونية.

أمام هذه التحركات النقابية وجرأة المظاهرات والهتافات المدوية  في وسط القاهرة وغيرها من المحافظات وخوف النظام من انتقال عدوى التظاهر من الإطار النقابي إلى الدائرة الشعبية في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والغلاء الفاحش الذي طال كل شيء؛ وجد النظام نفسه في حالة ضعف وأنه أمام خيارين: الأول، التمسك بإلزام أعضاء النقابات المهنية بالتسجيل في منظومة الفاتورة الإلكترونية إعمالا لنص القانون من جهة وحاجة النظام إلى زيادة موارد الدولة من الضرائب من جهة أخرى في ظل تراجع إيرادات الدولة، الثاني، ضرورة إطفاء نيران الاحتجاجات النقابية التي اشتعلت خوفا من انتقالها إلى الشارع واستقطاب ملايين الغاضبين بفعل الفقر والجوع والغلاء، وانتهت تقديرات الموقف داخل أجهزة النظام الأمنية إلى ضرورة تأجيل الصدام مع النقابات بمد فترة التسجيل في الفاتورة الإلكترونية من منتصف ديسمبر 2022 إلى 30 إبريل 2013م، وهو القرار الذي تم الإعلان عنه الخميس 08 ديسمبر 2022م، لكن المحامين تظاهروا في نفس اليوم رافضين للتأجيل معلنين إصرارهم على ضرورة الإلغاء وليس التأجيل.[[1]]

إزاء ذلك؛ كيف بدأت المشكلة؟ وما تفاصيل الصدام بين الحكومة والنقابات؟ وما أسباب رفض المحامين والنقابات الالتزام بالفاتورة الإلكترونية؟ ولماذا يُصر عليها النظام؟ وما علاقة الازمة بتدهور الوضع الاقتصادي في مصر؟ وما مآلات الصدام الدائر بين الحكومة والنقابات المهنية من جهة أخرى؟

 

موقف الحكومة

الحكومة من جانبها ترى أنها تنفذ القانون؛ حيث جاء قانون الإجراءات الضريبية الموحد رقم 206 لسنة 2020،الصادر في أكتوبر 2020، وتعديلاته بالقانون رقم 211 لسنة 2020 الصادر في ديسمبر بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الضريبية الموحد؛ لينص على وجوب إصدار الشركات وغيرها من الشخصيات الاعتبارية الطبيعية، فاتورة إلكترونية عن كل عملية بيع موقعة إلكترونيا من مُصدرها، وعلى الشركات وغيرها التعاقد مع إحدى الشركات المرخص لها من وزير المالية لتنفيذ النظام الإلكتروني.

وجاءت المادة 37 من القانون صريحة بأنه يجب على كل ممول أو مكلف وغيرهم ممن يفرض عليهم القانون ذلك، إصدار فاتورة ضريبية أو إيصال مهني بالنسبة لمن يزاول مهنة حرة، عند بيع السلعة أو أداء الخدمة، وحدد البيانات المطلوب أن تشتمل عليها الفاتورة أو الإيصال، ونص القانون بالمادة 71 منه على عقوبة بغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد على مئة ألف جنيه، في حالة عدم إصدار الفاتورة الإلكترونية أو الإيصال، ونفس العقوبة لعدم الالتزام بالبيانات التي يجب أن تحتويها الفاتورة أو الإيصال، ونفس العقوبة لعدم إمساك حسابات إلكترونية توضح الإيرادات والتكاليف السنوية.

وعقب صدور قانون الإجراءات الضريبية الموحدة في أكتوبر2020، بدأت مصلحة الضرائب في إلزام عدد من الشركات الكبيرة بتطبيق الفاتورة الإلكترونية في منتصف نوفمبر2020، ضمن مرحة أولى، تلتها مرحلة ثانية بعدد أكبر من الشركات في منتصف فبراير 2021، وكان التزام الشركات الكبيرة الحجم به واسعا خاصة مع تصريح الوزير بتحويل شركات للنيابة لعدم التزامها بالفاتورة الإلكترونية، واستمرت المراحل حتى وصلت إلى المرحلة الأخيرة منتصف ديسمبر 2022، مع منح تلك الشركات مهلة للتجربة حتى بداية مارس المقبل “2023”؛ لتصبح الفاتورة الإلكترونية ملزمة للجميع مع بداية أبريل المقبل “2023”، ولإظهار الجدية ذكرت وزارة المالية أن الجهات الحكومية لن تتعامل في تعاقداتها مع غير الشركات المنضمة إلى منظومة الفاتورة الإلكترونية.

والفاتورة الإلكترونية تكون بين شركة وشركة أخرى، أما الإيصال الإلكتروني فيكون بين تاجر أو مقدم خدمة والمستهلك النهائي، ومن هنا فإن أصحاب المهن الحرة ممن لديهم شركات ملزمون بالفاتورة الإلكترونية.

أما من لديهم مكاتب فردية أو عيادات خاصة أو يعملون لحسابهم، فإن الإلزام بالإيصال الإلكتروني لهم ما زال أمامه بعض الوقت، حيث تمر الوزارة فيه حاليا بمرحلة التجارب، وربما تستغرق تلك التجارب عدة شهور وقد تستغرق عاما، تكون خلالها قد استطاعت زيادة الوعي به بين أصحاب المهن الحرة وتيسير إجراءات تنفيذه بينهم.[[2]]

منظومة الفاتورة الإلكترونية تستهدف فقط ـ بحسب الحكومة ومصلحة الضرائب ـ التحول من النظام الورقي إلى النظام الإلكتروني، من خلال إجراءات بسيطة، وبلا أعباء إضافية من مصلحة الضرائب؛ للتيسير على الممولين، والحد من التدخل البشري، ومن ثم القضاء على التقديرات الجزافية، وتسهيل إجراءات الفحص الضريبي، وتحقيق العدالة الضريبية، وضمان تحصيل حق الخزانة العامة للدولة.

منظومة الفاتورة الإلكترونية لن تضيف أي أعباء، وهي عبارة عن تحول الفاتورة الورقية إلى فاتورة إلكترونية، وبالتالي لا يصح ولا يوجد بها استثناءات في تطبيقها، حتى تساعد في القضاء على الشركات الوهمية، وكذلك القضاء على المنافسة غير العادلة، بالإضافة إلى دمج الاقتصاد غير الرسمي في الاقتصاد الرسمي.[[3]]

وحسب بيانات مصلحة الضرائب المصرية، بلغ إجمالي عدد الشركة المنضمة لمنظومة الفاتورة الإلكترونية أكثر من 135 ألف شركة، قاموا بإرسال 412 مليون فاتورة على المنظومة منذ تفعيلها في نوفمبر 2020.

القانون الذي طرحته الحكومة سنة 2020، وتسعى لتطبيقه بشكل نهائي عام 2025، على المنشآت الفردية -سواء كانت تجارية أو صناعية أو خدمية أو مهنية-، تستهدف منه تحقيق إيرادات ضريبية تاريخية بنحو 1.065 مليار جنيه (43.3 مليون دولار)، لدعم موازنتها العامة التي تعاني من العجز وتفاقم الديون.[[4]]

وتعتبر مصلحة الضرائب أن الأطباء والمحامين والمهندسين والمحاسبين والفنانين وأصحاب المهن الحرة جزء من المجتمع الضريبي الملزم بالتسجيل في نظام الفاتورة الإلكترونية في موعد أقصاه 15 ديسمبر وإرسال فواتير إلى مكاتب مصلحة الضرائب، عبر المنظومة الإلكترونية، وفي حال تعاملهم مع العملاء، عليهم اصدار إيصال إلكتروني. وهو الموعد الذي جرى تأجيله حتى 30 إبريل 2023 لامتصاص حالة الغضب بين المهنيين.

وتتهم وزارة المالية الرافضين للمنظومة بأنهم يسعون إلى التهرب من أداء الضريبة على الدخل، وأن أغلب الأطباء يحصلون على قيمة العمليات الجراحية من مرضاهم نقدا، بينما يتهم الأطباء وأرباب المهن الحرة مأموري الضرائب بوضع تقديرات جزافية على أعمالهم سنويا.[[5]]

بعض الداعمين لموقف الحكومة يستنكرون موقف المحامين والنقابات المهنية الرافضة للتسجيل في منظومة الفاتورة الإلكترونية؛ وذلك استنادا إلى  أن القانون يجب أن ينفذ على الجميع  وألا يستثنى منه أحد؛ فالفاتورة الإلكترونية هي منظومة قانونية وإدارية لا تضيف أعباء ضريبية جديدة وإنما تُحسّن من قدرة السلطات الضريبية على رصد الالتزام أو التهرب الضريبى؛ وبالتالي فلا مبرر مطلقا لرفض تطبيق نظام الإخطار الإلكترونى لأنه، من جهة أولى وسيلة لتحسين قدرة مصلحة الضرائب على ضبط التحصيل ومكافحة التهرب، ومن جهة أخرى هو جزء من النظام الضريبي للدولة الملزم قانونا، فلا مبرر للاستثناء منه أو رفض تطبيقه على أى فرد فى المجتمع.

هذه الآراء ترى ضرورة أن تأخذ الحكومة في الحسبان الانتقادات والتحفظات التي أبدها المحامون وباقي النقابات المهنية مثل ارتفاع تكلفة الاشتراك فى المنظومة، والحاجة لمزيد من الوقت للتسجيل والاستعداد، كذلك التحفظ على تعقد إجراءات القيد وفيها ازدواج فى المعاملات، وهنا قد يكون من المفيد إعادة النظر فى هذه الإجراءات وتبسيطها.

كذلك يأخذ هؤلاء على المحامين تصدر المشهد الاحتجاجي على قانون ملزم وهو ما يتنافي مع طبيعة رسالتهم التي تقوم بالأساس على الدفاع عن القانون وسيادته داخل المجتمع؛ فكيف يطالبون استثناء أنفسهم من القانون؟! فسداد الضرائب هو عنوان المواطنة الاقتصادية، والتنصل منها أسوأ جريمة وأسوأ سلوك.[[6]]

 

موقف النقابات

نقابة المحامين رفضت الانضمام للمنظومة ونظمت عدة احتجاجات في مقرها الرئيس بالقاهرة ومقارها بالمحافظات، بينما أبدت نقابتا الأطباء والمهندسين اعتراضهما على المنظومة؛ ورفعتا  دعوى بهذا الشأن أمام المحاكم للطعن في قرار وزارة المالية بعدما تعثرت المباحثات المشتركة بينهما، وباحتجاجات المحامين تشجعتا وأصدرت كل منهما بيانا ترفض فيه الانضمام إلى المنظومة.

وتشجع بعض الإعلاميين والفنانين الموالين للنظام كإبراهيم عيسى بإعلان رفضهم للمنظومة، كذلك أبدت نقابات الصيادلة والأسنان تباعا رفضها تطبيق القانون، أما نقابة التجاريين فقد اعلنت التزامها بالفاتورة الإلكترونية. وكانت النقابة العامة لصيادلة مصر، قد أرسلت خطابا في 30 نوفمبر 2022، إلى وزير المالية لمطالبته بإعفاء الصيدليات من منظومة الإيصال الإلكتروني، “نظرا لأن معظم الصيدليات منشآت صغيرة يرتكز عملها في الاتجار في سلع مسعرة جبريا بناء على فواتير شراء مذكور بها مجمل ربح محدد واعتبار كل المشتريات مبيعات، بالإضافة إلى كثرة عدد الاصناف المتداولة في الصيدلية، والتى تصل 15 ألف صنف، منها الخاضع وغير الخاضع لضريبة القيمة المضافة، مما يصعب تقديم فاتورة عن كل عملية بيع، وكذلك صعوبة خطوات الاشتراك والتفعيل الحالية على كثير من الصيادلة”.

وقرر مجلس نقابة الأطباء تكليف المستشار القانون للنقابة بالطعن على قرار مصلحة الضرائب ومطالبة رئيس الوزراء استثناء الأطباء من دفع رسوم التسجيل للفاتورة الإلكترونية، مشيرا إلى أنها تتضمن معلومات غير مفهومة، وأضافت تكاليف مالية باهظة على الأطباء والممولين من أصحاب المهن الحرة، تقيد أعمالهم، التي يستهدفون بها خدمة المواطنين.

وأشارت دعوى قضائية رفعها أطباء ومحامون إلى أن أرباب المهن الحرة لا يبيعون سلعا مثل التجار أو الصناع، وأن خضوعهم للنظام الجديد، يمس مراكزهم المالية المستقرة، ويؤثر على أداء مهمتهم.

 

أبرز التحفظات

وحسب النقابات المهنية فإن وزارة المالية نظرت نظرة أحادية للمسألة، وهى ما سوف تتحصل عليه من إيرادات إضافية، ولكن تناست، أو تجاهلت، المشكلات السلبية الكثيرة التى ستحدث عند تطبيق هذا النظام”؛  ومن أبرز هذه السلبيات:

أولا، تكاليف المنظومة نفسها، فالتسجيل خلال فترة المهلة سيكون مجانا ولكنه هذا يخص التسجيل فقط، وبعد تفعيل المنظومة هناك رسوم  كثيرة سوف يدفعها كل مهنى سنويا، ومنها رسوم الإشتراك ورسوم التوقيع ورسوم التصديق وسعر الجهاز وغيرها من تكاليف التعاقد مع متخصصين والاحتياج لعاملين متدربين وغيرها، وهذه ليست ضرائب بل هى رسوم سيدفعها حتى لو كان دخله محدودا ولا تفرض عليه ضرائب، وبالطبع سوف يضاف إلى ذلك الضرائب المستحقة نفسها”.

وبالتالي فإن كل وحدة ضمن المنظومة سوف تدفع رسوما سنويا تصل إلى 10 آلاف إلى 20 ألف جنيه (نحو 400 إلى 800 دولار)، رغم أن نشاطها قد يكون محدودا وغير ملزمة بسداد ضرائب وبالتالي تتحول الرسوم إلى ضريبة ثابتة بحد ذاتها. فكيف لمحامي أو طبيب مبتدئ أن يدفع كل هذه الرسوم؟! [[7]]

ثانيا، جميع الإيرادات ستكون مسجلة رسميا بموجب الإيصال أو الفاتورة الإلكترونية، أما المصروفات الواجب خصمها من هذه الإيرادات، فلن يتم تسجيل العديد منها، لأنها لن تكون مثبتة بإيصال إلكترونى.

فمثلا كيف يسجل الطبيب مصروفاته فى بعض المستلزمات الطبية وإيجار العيادة ومستحقات المساعدين والتمريض والسكرتارية وإصلاح الأجهزة وتكاليف نقل المخلفات وأجر عاملة النظافة واشتراك اتحاد الشاغلين وقيمة الكشوفات المجانية والإكراميات وغير ذلك الكثير.. وكيف يستطيع المحامى إثبات مصروفاته فى أجور المساعدين وتكاليف الانتقالات وتصوير ملفات القضايا والإكراميات الكثيرة التى أصبحت واقعا لا يمكن تجنبه وغير ذلك الكثير أيضا؟!

ثالثا، سوف تؤدي هذه المنظومة تلقائيا إلى ارتفاع تكاليف كل شيء؛ سوف يحمل المهنيون (أطباء ـ مهندسون ــ محامون ـ سناتر دروس خصوصية ــ محاسبون وغيرهم) المستهلكين كل شيء؛ لتغطية النفقات الإضافية، سترتفع أجور الأطباء والمحامين وغيرهم، وهي الارتفاعات التي تتزامن مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والغلاء الذي طال كل شيء؛ معنى ذلك أن الحكومة تنظر إلى الأزمة من جانب واحد فقط هو تعظيم الإيرادات الضريبية وتتجاهل في المقابل الجوانب الأخرى التي قد تكون لها تداعيات خطيرة على المجتمع وقد تفضي إلى مشاكل لا حصر لها.

ومن هذه المشاكل أيضا أن هذه المنظومة قد تخلق نزاعات مستمرة بين فئات المواطنين؛ فالطبيب أو المحامى سيطلب من كل شخص أو عامل أو فنى  يتعامل معه أن يقدم له فاتورة إلكترونية حتى يستطيع خصم قيمتها ضمن المصروفات، وبالطبع فمعظم هؤلاء سيرفضون لأنه ليس لهم ملفات ضريبية مما سيتسبب فى نزاعات جديدة قد تصل لساحات القضاء المثقلة بالقضايا بالفعل. وهو ما يؤدي حتما إلى تعطل النشاط الاقتصادي ومزيد من الركود والتضخم والبطالة.

رابعا، المنظومة لا تعالج مشاكل واقعية يتعرض لها المهنيون؛ فالمحامي مثلا قد يعمل على قضية لعدة سنوات، يتقاضى بعض الأتعاب والباقي على فترات، وقد يحدث خلاف مع الموكل فيتفق مع محام آخر.

وهكذا فكيف يمكن تسجيل ذلك في المنظومة الإلكترونية. وتقدم النائب المحامي ضياء الدين داوود بالفعل  بطلب إحاطة وقال أمام جلسة عمومية في البرلمان: “لابد أن ننتبه عندما يكون هناك 700 ألف محامي في مصر يمثلون 4 ملايين شخص لا يحصلون على مرتبات ولا تأمين صحي من الدولة ولا يعملون مع القطاع الحكومي وإنما يقدمون خدمات بامتياز يتحملون أنفسهم بأنفسهم، يلوذون الآن بالبرلمان لنزع فتيل هذه الأزمة لتطبيق القانون بشكله الصحيح.

خامسا، البنية التحتية الإلكترونية في مصر ليست جيدة، ومن ثم فإن كثرة التسجيل على الشبكة من كل تلك الفئات خلال أيام قليلة قد يدمر شبكة الإنترنت”، بخلاف أن القانون نفسه غير مكتمل الأركان، وغير مفهوم بالنسبة للشعب، ولا للمهن المتعاملة به، ولم يحدد كيفية إدراج المصروفات لتلك الفئات، ولم يحدد كيفية الخصومات فيه، ولا كيفية الدفع النقدي أو الدفع الآجل، وغيرها من الأمور.

سادسا هناك شبهات فساد تلاحق إسناد الحكومة إشراف شركة معينة على إجراءات التسجيل في المنظومة، وهي إحدى النقاط التي يمكن الطعن على القانون من خلالها، وتحت عنوان: “خصخصة مصلحة الضرائب”، كشف الخبير الاقتصادي المصري الدكتور إبراهيم نوار، أن الذي يتولى إدارة منظومة الفاتورة الإلكترونية شركة خاصة اسمها (إي تاكس)، من حقها تحديد الرسوم والأتعاب من الممولين، وتسلم الحصيلة للحكومة، مقابل نسبة، ويحذر عبر صفحته بـ”فيسبوك”، من تبعات وضع بيانات الممولين في يد شركة قد يتم بيع أسهم منها إلى شركات ودول أجنبية، واصفا الأمر بأنه: “شغل خفافيش في الظلام أبعد ما يكون عن الشفافية، وقرارات خصخصة استراتيجية وحساسة”.

سابعا، من الانتقادات الموجهة للقانون والمنظومة كذلك استثناء بعض الجهات التي تسمى (سيادية) من القانون؛ فالحكومة التي تضغط على أصحاب المهن الحرة وتتهمهم بالتهرب الضريبي تستثني خلال تطبيق القانون فعليا ما تسمى بالجهات السيادية وهي الجيش والهيئات التابعة له، والمخابرات العامة والجهات التابعة لها، وصندوق هيئة الشرطة وأسرهم، وشركة “تحسين” ومنظومة “أمان” التابعتين للشرطة.

وبالتالي فالحكومة نفسها التي تدعي أنها ضد الاستثناء تمارس أبشع صور الاستثناء والتمييز وتستخدم المعايير المزدوجة. حيث تعاظمت الإمبراطورية الاقتصادية لهذه الجهات التي تحظى بامتيازات واسعة أبرزها الإعفاءات الضريبية والجمركية وغيرها. وبالتالي فالحكومة التي تدعي حماية الدستور والقانون هي أول من ينتهك الدستور والقانون؛ فالجهات والناس أمام الدستور والقانون في مصر ليسوا سواء.

ثامنا، الإشارة إلى فشل نظام مبارك في إقرار الفاتورة للمهنيين؛ فالإيصال الذي تظاهر المحامون احتجاجًا عليه، منصوص عليه في المادة 73 من القانون 187 لسنة 1993، أي منذ 29 عاما. وهو يلزم الممول بتسليم كل من يدفع إليه مبلغا مستحقا له بسبب ممارسة المهنة أتعابًا أو عمولة أو مكافآت أو أي مبلغ آخر خاضع لهذه الضريبة، إيصالا موضحا به التاريخ وقيمة المبلغ المحصل موقعا عليه منه، ويستخرج هذا الإيصال من دفتر ذي قسائم مسلسلة تسلمه مصلحة الضرائب لكل ممول.

وتكرر النص على ذلك الإيصال بقانون الضرائب على الدخل رقم 91 لسنة 2005 الساري حتى الآن في المادة 78 منه، بل إن نفس المادة تحدثت عن إمساك الممولين حسابات إلكترونية توضح الإيرادات والتكاليف السنوية، ولقد حاول وزير المالية يوسف بطرس غالي الذي صدر القانون في عهده، تطبيق مسألة الفاتورة على أصحاب المهن الحرة لكنه وجد مقاومة شديدة، خاصة أنه استهدف توسيع دائرة تطبيقه بين كل من يقدم خدمه حتى محلات الكوافير وصالونات الحلاقة.

تاسعا، انتهاك الحقوق الشخصية بدعوى مكافحة التهرب الضريبي؛ فالحكومة تتجه نحو إجراء تعديل جديد على قانون الإجراءات الضريبية الموحد رقم 206 لسنة 2020 يقضي بالإفصاح عن المعلومات لدى البنوك بشأن الأرصدة والودائع بهدف تبادل المعلومات حتى مع الدول الأخرى؛ وقد أحال البرلمان في جلسته العامة الثلاثاء 06 ديسمبر 2022 مشروع تعديلات قانون الإجراءات الضريبية الموحد إلى لجنة مشتركة من لجنة الخطة والموازنة، ومكتبي لجنتي الشئون الدستورية والتشريعية، والشئون الاقتصادية.

ووفقا للتعديل المقدم يكون لمصلحة الضرائب المصرية تبادل المعلومات لأغراض الضريبة بين السلطات الضريبية في الدول التي تكون بينها وبين مصر اتفاقيات ضريبية دولية، وفي حدود ما تنص عليه أحكام هذه الاتفاقيات، كما لها أن تبرم بروتوكولات أو اتفاقيات مع الجهات الحكومية والهيئات العامة والنقابات والجمعيات وغيرها من الأشخاص الاعتبارية تسمح بتبادل المعلومات فيما بينها لأغراض تطبيق القانون وفي حدود عدم الإخلال بالأسرار التجارية أو الصناعية المهنية للممول.

ويتضمن التعديل مادة وحيدة تنص على: “تضاف فقرة ثانية إلى نص المادة رقم (78) من قانون الإجراءات الضريبية الموحد الصادر بالقانون رقم 206 لسنة 2020، نصها الآتي: مادة (78) فقرة ثانية: ولا تخـل أحكام المادتين رقمي 140، 142 مـن قـانون البنك المركزي والجهاز المصرفي الصادر بالقانون رقم 194 لسنة 2020 بالإفصاح عن معلومات لدى البنوك، لأغراض تبادل المعلومات تنفيذاً لأحكام الاتفاقيات الضريبية الدولية النافذة في مصر.[[8]]

 

الحكومة في ورطة

أمام هذه الانتفاضة من جانب النقابات المهنية، فإن الحكومة ممثلة في وزارة المالية تجد نفسها في ورطة كبرى؛ حيث قدرت العجز الكلي بالموازنة العامة للعام الحالي (2022/2023) بنحو558 مليار جنيه، ومع زيادة سعر الفائدة خلال النصف الأول من العام المالي بنسبة 2%، وتوقعات بزيادته مرة أخرى؛ سوف يؤدي ذلك إلى زيادة تكلفة فوائد الدين الحكومي البالغة أصلا 690 مليار جنيه، كما انخفض سعر صرف الجنيه أمام الدولار؛ مما يزيد من تكلفة فوائد وأقساط الدين الخارجي في موازنة تستحوذ تكلفة الدين الحكومي من فوائد وأقساط على 54% من إنفاقها، كما تسببت تداعيات عدم تمويل البنوك للواردات وآثار الحرب الروسية الأوكرانية والركود والتضخم، في تراجع إيرادات وأرباح الكثير من الشركات؛ مما سيؤثر في الإيرادات الضريبية.

فوزارة المالية توقعت حسب أرقام الموازنة بأن تزيد الإيرادات الضريبية من 983 مليارا و10 ملايين جنيه، في العام المالي الماضي (2021/2022) إلى (1.168) تريليونا، بزيادة تقدر بنحو 185 مليارا و785 مليون جنيه في الموازنة الحالية؛ لذلك تسعى الحكومة إلى زيادة الإيرادات الضريبية في ظل تراجع إيرادات الدولة والتهام  بند خدمة الدين جميع إيرادات الدولة.

ولذلك تسعى وزارة المالية لزيادة الحصيلة الضريبية بوسائل شتى، منها السعي لزيادة حصيلة الضرائب المحصلة من المهن الحرة، التي تجلب حصيلة لا تتناسب مع كبر حجم تلك المهن وارتفاع دخول كثير من العاملين بها، ففي العام المالي 2018/ 2019 بلغت حصيلتها الضريبية 2.5 مليار جنيه بنسبة ثلاثة بالألف من إجمالي الحصيلة الضريبية في ذلك العام.

وفي العام المالي التالي بلغت 2.8 مليار جنيه بنسبة أربعة بالألف، وفي العام المالي 2020/ 2021 بلغت نحو 4.2 مليارات جنيه بنسبة خمسة بالألف، وفي العام المالي 2021/ 2022 بلغت نحو 5.6 مليارات جنيه بنسبة ستة بالألف، وبلغت تقديرات الوزارة للحصيلة في العام المالي الحالي 6.2 مليارات جنيه بنسبة خمسة بالألف من مجمل الضرائب المتوقعة.

ولا توجد بيانات محددة عن عدد أصحاب المهن الحرة، والمتاح فقط هو عدد أعضاء النقابات المهنية البالغ 9.1 ملايين عضو عام 2019 حسب بيانات جهاز الإحصاء، لكن نسبة كبيرة من هؤلاء يعملون بالحكومة أو بشركات القطاع الخاص ويتم خصم ضرائب الدخل منهم من المنبع، وهناك نسبة قليلة لديهم مكاتب ومشروعات خاصة وهؤلاء هم المستهدفون بتحصيل ضرائب المهن الحرة منهم.

وحسب تلك البيانات يبلغ عدد أعضاء نقابة المهندسين 725 ألف مهندس، والأطباء البشريين 275 ألف طبيب، ويصل عدد أعضاء نقابة المهن الموسيقية 21 ألف موسيقي، وأعضاء نقابة المهن السينمائية 14 ألف، وأعضاء نقابة المهن التمثيلية أقل من أربعة آلاف.[[9]]

وتعمل الحكومة على زيادة إيرادات الضرائب بدمج الاقتصاد الموازي (غير الرسمي) إلى المنظومة الرسمية؛ ويبلغ حجم الاقتصاد الموازي 55% من حجم اقتصاد مصر الرسمي، وهو غير مرخص وغير مسجل ضريبيا، بحسب وزير المالية، ويرتفع إلى 60% في بعض الدراسات وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالدول النامية الأخرى.

وقد أكد وزير المالية الدكتور محمد معيط -وفق تصريحات صحفية- أن هناك 55% من الاقتصاد والشركات غير رسمي، وليس لديه رخص وغير مسجل ضريبيا لدى الدولة. معنى ذلك أن الحكومة تستهدف إيرادات قد تصل إلى نحو تريليون جنيه سنويا. معنى ذلك أن الحكومة تستهدف الوصول بإيرادات الضرائب إلى نحو تريليوني جنيه سنويا بضم الاقتصاد الموازي إلى المنظومة الضريبية.[[10]]

 

 الاقتصاد

سيناريوهات

الأول، المزيد من التأجيل،  فالحكومة حاليا في موقف ضعف؛ مضغوطة وتعاني من مشكلات لا حصر لها، وبالتالي فتقديرات الموقف داخل الأجهزة الأمنية قد تفضل المزيد من التأجيل وعدم الصدام مع النقابات المهنية.

معنى ذلك أن المهلة التي مددتها الحكومة حتى 30 إبريل 2023 للتسجيل في المنظومة الإلكترونية قد يتم تأجيلها مجددا في إبريل المقبل لمنع الصدام مع النقابات بوصفها كيانات منظمة ثقيلة الوزن داخل المجتمع تضم نحو 9 ملايين عضو.

الثاني، الصدام،  فالحكومة تواجه مشكلات مستعصية في التمويل وضعف الإيرادات وضخامة فوائد الديون وأقساطها، وبالتالي فإنها لن تقدر على المزيد من التأجيل لأنها مجبرة على ضرورة زيادة الإيرادات الضريبية التي تمثل نحو 80% من قيمة الإيرادات العامة للدولة.

وبالتالي فالحكومة  لن تقدم على التأجيل مرة أخرى وسوف تدخل في صدام مباشر مع النقابات المهنية واتهام أعضائها بالخيانة وعدم الوطنية والتهرب الضريبي.

الثالث، تراجع الحكومة، وإلغاء هذه القوانين كلية والحد من القيود والإجراءات الصارمة التي وضعتها؛ وذلك لن يحدث إلا حدثت خرجت احتجاجات ضخمة في الشارع والنقابات المهنية؛ لا سيما وأن الحكومة بدأت فعليا  في تطبيق قانون المحال التجارية بداية من 12 ديسمبر الجاري “2022”، وهو القانون الذي سيصنع صداما واسعا بين الحكومة وأصحاب المحلات والذين يقدرون ما بين 3 إلى 4 ملايين محل تجاري.

معنى ذلك أن الحكومة وحتى إبريل المقبل ستكون في معركة مع ملايين المصريين من أصحاب المحلات لا سيما وأن القانون يفرض غرامة من 20 إلى 100 ألف جنيه على كل محل غير مرخص.

لا يوجد ترجيح احتمال على آخر، لكن كل  السيناريوهات قائمة بذات النسبة، لكن المؤكد أن الوضع يزداد تأزما وتدهورا والتنبؤات تشير إلى أن الشهور المقبل قد تحمل تحولات  ضخمة في المشهد المصري في ظل عدم وجود نهاية لنفق الغلاء الفاحش وتراجع قيمة الجنيه وتآكل قيمة الأجور والمرتبات وزيادة معدلات الفقر والبطالة والجريمة.

 

 

 

 

[1] نهاية أسبوع الاحتجاجات على «الفاتورة الإلكترونية».. «المالية» تمد مهلة التسجيل حتى أبريل/ مدى مصر ــ الخميس 08 ديسمبر 2022م// عادل صبري/ تأجيل الفاتورة الإلكترونية في مصر تلافياً لتحركات الأطباء والمحامين/ العربي الجديد ــ 08 ديسمبر 2022// محسن عبد الرازق/«المالية» تشكل لجنة لحل مشاكل«الفاتورة الإلكترونية»/ بوابة الشروق ــ الخميس 08 ديسمبر 2022م

 

[2] ممدوح الولي/ ماذا تعرف عن “الفاتورة الإلكترونية”؟/ الجزيرة مباشر ــ الخميس 08 ديسمبر 2022م

[3] سارة حمزة/ الضرائب: الفاتورة الإلكترونية تستهدف التحول من النظام الورقي للإلكتروني دون أعباء إضافية/ بوابة الشروق ــ الإثنين 12 ديسمبر 2022

[4] إصرار حكومي وغضب شعبي.. ما مصير تطبيق الفاتورة الإلكترونية في مصر؟/ “عربي 21” ــ 09 ديسمبر 2022

[5] عادل صبري/ مصر: الفاتورة الإلكترونية تفجر أزمة بين النقابات المهنية ووزارة المالية/ العربي الجديد ـ 22 نوفمبر 2022

[6] انظر مقال :زياد بهاء الدين/ الضريبة على الجميع.. ودون تفرقة/ المصري اليوم ــ الخميس 08 ديسمبر 2022م

[7]مصادر: «تكلفة التسجيل» أحد أكبر الاعتراضات على «الفاتورة الإلكترونية».. ومد المهلة حتمي/ مدى مصر ــ   الثلاثاء 06 ديسمبر 2022م  //مصطفى هاشم/ “التأجيل ليس الحل”.. جدل الفاتورة الإلكترونية يحتدم في مصر/ الحرة ــ الاحد 11 ديسمبر 2022

[8] ياسمين فواز/ لمكافحة التهرب.. مناقشة تعديلات قانون الإجراءات الضريبية الموحد بالنواب خلال أيام (مستند)/ المال نيوز ــ الأربعاء, 7 ديسمبر 22

 

[9] ممدوح الولي/ ماذا تعرف عن “الفاتورة الإلكترونية”؟/ الجزيرة مباشر ــ الخميس 08 ديسمبر 2022م

[10] يبلغ 55% من حجم اقتصاد مصر الرسمي.. هل يمكن للحكومة دمج الاقتصاد الموازي؟/ الجزيرة نت  ــ السبت  29 أكتوبر 2022م

 

Editor P.S.

كاتب ومدون

جميع المشاركات

المنشورات ذات الصلة

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

الأكثر قراءة

اتبعنا

التصنيفات

آخر المقالات

Edit Template

رؤية تحليلية للأخبار السياسية والاقتصادية في العالم العربي والإسلامي والعالمي، ودراسات استراتيجية للوضع السياسي المحلي والإقليمي والعالمي

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا لتلقي التحديثات على البريد الإلكتروني الخاص بك

You have been successfully Subscribed! Ops! Something went wrong, please try again.

جميع الحقوق محفوظة لرؤية للتخطيط والدراسات الاستراتيجية ©2022