بمرور الأيام والأسابيع بدأت تنكشف بعض تفاصيل الغموض الذي يحيط بالمشروعات الاقتصادية والتحركات العسكرية والأمنية في منطقة الحدود المتأخمة مع قطاع غزة، والتعرف أكثر على المخطط المتخمالالمخطط الذي يتبناه النظام العسكري في مصر بخصوص تحولات الوضع الميداني في سيناء؛ فخلال الشهور الأخيرة ومنذ أكتوبر 2022م، شرع النظام في تهجير أهالي 9 قرى قسريا، واستأنف العمل في المشروعات الغامضة بشمال سيناء بوتيرة أسرع، وبدأ في إقامة (منطقة اقتصادية حرة) بين قطاع غزة ومحافظ شمال سيناء؛ وهو المخطط الذي يتضمن مشروعات بنية تحتية في محيط المنطقة وتسوية الأرض اللازمة لإتمامها.
هذه التطورات المتلاحقة والتي تزايدت وتيرتها منذ شهر نوفمبر 2022 حيث عاد بنيامين نتنياهو رئيسا لحكومة الاحتلال الإسرائيلي، أعادت الحديث والتساؤلات حول إجراءات خطة “السلام الاقتصادي”، التي طرحها منذ سنوات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وعقدت من أجلها ورش عمل، بمشاركة دول عربية، منها خليجية، وحكومة الاحتلال الإسرائيلي. وحسب هذا المخطط سيُسمح للفلسطينيين والمصريين بالدخول إلى المنطقة التجارية الحرة للتسوق وتبادل البضائع.
وتأتي التطورات عقب التصريحات الأميركية خلال مشاركة السيسي في أعمال قمة القادة الأميركيين والأفارقة، التي عقدت على مدار ثلاثة أيام في العاصمة واشنطن في ديسمبر 2022م، وتضمنت الإشادة بالدور المصري في حفظ الأمن لإسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة.
التسريبات حول تفاصيل تطورات المخطط في الأسابيع الأخيرة جاءت على لسان أحد المهندسين العاملين في هذه المشروعات:[[1]]
- المخطط بدأ العمل فيه مبكرا حين تم البدء في إقامة منطقة عازلة في 2014 والتي تمددت حتى سنة 2018م بإزالة أحياء مدينة رفح كافة.
- حاليا يتم إنشاء شبكة طرق ضخمة تربط مدينة رفح ببقية محافظة شمال سيناء من ناحية، ومن ناحية أخرى بقطاع غزة. والطواقم التي تعمل على إزالة الأنقاض، تابعة لشركة “أبناء سيناء”، التي يترأس مجلس إدارتها إبراهيم العرجاني، المعروف بشراكته مع جهاز الاستخبارات المصرية.
- من المقرر ــ وفق التسريبات ــ أن تستكمل الشركة تمهيد الأرض، ومن ثم رصفها، وتشييد سور كبير في محيطها، مجهز بأعلى درجات المراقبة والإضاءة، حرصاً على عدم تسلل أي فرد من خارج البوابات المخصصة لحركة التجار والمواطنين، حيث سيسمح للفلسطينيين والمصريين بالدخول إليها للتسوق وتبادل البضائع. موقع المنطقة التجارية سيكون في محيط بوابة صلاح الدين التاريخية، التي كانت ممراً للعبور من قارة آسيا إلى أفريقيا، ممثلة بفلسطين ومصر، فيما من المقرر أن يتم الاتفاق على برنامج لعمل هذه المنطقة الحرة، بالتوافق مع الجانب الفلسطيني.
- هذا الأمر مرهون بالانتهاء من إتمام جميع المشاريع المرتبطة بالمنطقة الحرة، سواء كان ذلك ميناء العريش أو مطار العريش، وكذلك سكة الحديد التي يجري العمل عليها، بالإضافة إلى شبكة الطرق التي تربط سيناء بغرب قناة السويس حيث بقية المحافظات المصرية.
- ولإتمام المخطط بدأت آليات هندسية مصرية منذ نوفمبر 2022م بإجراء إصلاحات على الجدار الفاصل بين قطاع غزة ومحافظة شمال سيناء، شرقي مصر، تمهيداً للبدء بإنشاء طريق دولي فاصل بين المنطقتين، بجهود وإشراف مصري، ضمن إطار تحسين العلاقات المصرية مع الجانب الفلسطيني في غزة، وضمن جهود رفع كفاءة شبكة الطرق الممتدة من القطاع لمصر، عبر معبر رفح البرّي. ووفي الـ22 من الشهر نفسه (نوفمبر)، كتب إبراهيم العرجاني، صاحب مجموعة شركات “الجبال السبعة” التي تعمل على تنفيذ المنحة المصرية لإعادة إعمار غزة، عن أن جزءاً من أعمال شركة “أبناء سيناء للتشييد والبناء” يضمّ تطوير الطريق الحدودي الشمالي الشرقي، وهو المقصود به الطريق الرابط بين ساحل بحر مدينة رفح المصرية والفلسطينية، وصولاً إلى المنطقة الجنوبية حيث الحدود مع الاحتلال الإسرائيلي.
- وفق المخطط [[2]] سيكون مطار العريش مخصصا لسفر الفلسطينيين من قطاع غزة إلى داخل مصر وخارجها، بعد التوسعات التي جرت للمطار خلال السنوات الماضية، ليتمكن من استيعاب عدد من الطائرات كبيرة الحجم بالإضافة إلى أعداد كبيرة من المسافرين بشكل. وهي العملية التي تسببت في هدم آلاف البيوت لتطوير المطار.[[3]] كذلك يجري حاليا إنشاء طريق خاص للفلسطينيين من غزة إلى سيناء عبر منفذ رفح البري، وهذا الطريق مغلق بجدار إسمنتي، لا يمكن للمسافرين تجاوزه للوصول إلى المطار أو إكمال الطريق إلى قناة السويس ومنها إلى المحافظات المصرية غرب القناة. وكان الأمين العام لحركة “الجهاد الإسلامي” زياد النخالة قد كشف في مقابلة تلفزيونية في نهاية نوفمبر 2021، نقلاً عن مسؤولين مِصريين التقاهم أثناء زيارته للقاهرة، أن القيادة المصرية تريد تحويل قطاع غزة إلى “دبي ثانية”. وأفاد بأن المرحلة المقبلة ستشهد تدفّق المِليارات لإنجاز هذا الهدف، وتطبيقه عملياً على الأرض، بالإضافة إلى تقديم تسهيلات لأبنائه بما في ذلك حرية السفر، ووقف إجراءات التفتيش المهينة على الحواجز الأمنية المصرية في معبر رفح وفي سيناء، علاوةً على المطارات المصرية. ولفت النخالة إلى وجود قرار مصري بإقامة مدينة ترفيهية ضخمة قبالة مدينة رفح على حدود القطاع مع سيناء، تكون مفتوحة لأبناء القطاع، ولا يتطلّب دخولها أي تصاريح أو إجراءات دخول، وتحتوي على فنادق خمس نجوم، وملاه ودور سينما ومنشآت ترفيهية أخرى.
تمويل سعودي
تمويل إنشاء هذه المنطقة الحرة بين غزة وشمال سيناء يقع على كاهل النظام السعودي، فقد تم الاتفاق على ذلك بالتوازي مع اتفاقية التفريط في سياد مصر على جزيرتي “تيران وصنافير” في إبريل 2016م؛ بما يعني أن هذه الإجراءات مترابطة وفق أجندة واحدة ومخطط واحد، وما هي إلا جزء من مخطط متعدد الأبعاد والأهداف لإعادة هندسية وتصميم المشهد الإقليمي على نحو يضمن المصالح الأمريكية والغربية، وتفوق (إسرائيل) على كل جيرانها العرب المسلمين؛ حيث اتفق الطرفان السعودي والمصري على إقامة منطقة اقتصادية حرة ضخمة في شمال سيناء يمولها صندوق الاستثمارات السعودي بقيمة 1.3 مليار دولار أمريكي.
وحسب الاتفاق فإن هذه المنطقة الاقتصادية الحرة ستمثل منفذا لوجستيا للصناعات السعودية في مشروع وعد الشمال و المشاريع التعدينية، إضافة لخلق منفذ جديد للبترول الخليجي المتجه لأوروبا، إذ سيتم نقله عبر جسر الملك سلمان إلى الميناء في المنطقة الحرة، ومنه إلى البحر الأبيض المتوسط.
أما مصر فسوف تستفيد بإقامة وتطوير البنية التحتية في شمال سيناء لضمان سلاسة نقل البضائع والمواد الأولية من وإلى هذه المنطقة، إضافة لإنشاء عدد من التجمعات السكنية، واستثمارات زراعية للاستفادة من البيئة الخصبة في سيناء.
وسيخلق هذا المشروع فرص عمل للطاقات البشرية في مصر، ويوجه بوصلة التنمية فيها باتجاه جديد. وتشكل هذه الاتفاقية أولى ثمار الإعلان عن إنشاء جسر الملك سلمان الذي يربط آسيا بإفريقيا، وسط إرادة من البلدين لاستكمال المشاريع التي تضمن استفادة الجانبين.[[4]]
وحسب تصريحات اللواء خالد فودة، محافظ جنوب سيناء سنة 2018م فقد تمت الموافقة على إقامة منطقة حرة في بمنطقة “نويبع” جنوب سيناء لكي تخدم مشروع “نيوم السعودي”، والتي توفر نحو 14 ألف فرصة عمل مباشرة، وهو المشروع الذي يخطط أن يقام على مليون م مربع.
وفي مارس 2018م، وقعت الرياض والقاهرة اتفاقية لتطوير أكثر من ألف كيلومتر مربع من أراضي جنوب سيناء، لتكون ضمن مشروع “نيوم”، وهي منطقة خاصة سيتم بناؤها على أراض سعودية وأردنية ومصرية، لتصبح وجهة حيوية جديدة على مستوى العالم، بتكلفة 500 مليار دولار.
وكشف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن المشروع الضخم في أكتوبر 2017، في إطار رؤية المملكة 2030 التي تهدف إلى تنويع مصادر ثروة البلاد، وتخفيف الاعتماد على النفط.[[5]]
أهداف المنطقة الحرة
مشروع المنطقة الحرة بين غزة وشمال سيناء ينطوي على مؤشرات سياسية كبرى أشد خطرا من المؤشرات الاقتصادية التي تمثل عنواناً للمشروع؛ فالمستهدف من المشروع هو ربط قطاع غزة اقتصادياً بمصر، وفك ارتباط القطاع بالجانب الإسرائيلي بشكل تدريجي باعتباره قوة احتلال ملزمة بتوفير كل احتياجات السكان الفلسطينيين في قطاع غزة، وبالتالي تصبح مصر هي البديل للاحتلال والملزم في ذات الوقت بتوفير احتياجات القطاع الغذائية والاقتصادية؛ مع إخراج حكومة الاحتلال من الصورة بشكل تدريجي وبما يقلل الانتقادات الحقوقية لإسرائيل وتبييض صورتها عالميا من جهة، والأشد خطورة هو مقايضة أمن الاحتلال بالاقتصاد ولقمة العيش لأهالي غزة؛ فالجانب المصري في هذه الحالة سيكون مسئولا عن الملف الاقتصادي لغزة وكذلك ضامنا للملف الأمني بما يضمن تأمين حدود الاحتلال والعمل على السيطرة على قوى المقاومة والعمل على تفكيكها بشكل تدريجي بناء على تعزيز القاهرة وجودها وسيطرتها على القطاع.
المخطط يجري بالتزامن مع وجود عشرات الطواقم الهندسية والفنية المصرية داخل القطاع تعمل في مدن غزة، لإتمام مشاريع ضخمة بُدئ بها في أعقاب العدوان الإسرائيلي على القطاع في مايو 2021، وتتمثل بمدن إسكانية، ومحور طرق رئيسي على الشريط الساحلي، وكذلك مشاريع أخرى للبنى التحتية، ضمن منحة السيسي لإعادة إعمار غزة، البالغة قيمتها 500 مليون دولار أميركي، وأُعلنَت بعد انتهاء العدوان.
في المقابل فإن نظام السيسي سوف يحقق بعض المكاسب الاقتصادية الناتجة عن حجم التبادل التجاري مع غزة وهي منطقة كثيفة السكان تصل إلى نحو مليوني إنسان، وكثيرة الاستهلاك.
وسياسياً، تستفيد القاهرة، من خلال تحسين علاقاتها بالإدارة الأميركية، التي ترغب في تفكيك معضلة قطاع غزة، كأولوية للأمن الإسرائيلي، وكذلك تحسين العلاقة مع الاحتلال، الذي يعتبر مفتاحاً لكل العواصم ذات الثقل في الشرق الأوسط وخارجه، إلا أن انعكاساته على القضية الفلسطينية حتماً ستكون سلبية، وتفقدها قوتها ومركزيتها، وتصبح قضية أمنية واقتصادية بحتة، بدلاً من كونها سياسية.
خطة سيناء والسلام الاقتصادي
نظام السيسي من خلال المشروعات الغامضة التي يشرف عليها الجيش في سيناء تحت لافتة “التنمية” ثم تواصل ما تسمى بالحرب على الإرهاب دون حسم رغم الإمكانات الهائلة للجيش المصري، يستهدف تمهيد الأوضاع لإعادة هندسة المنطقة وفقا للتصورات الأمريكية الإسرائيلية والتي تَكَشَّف بعضها في صفقة القرن التي تتبناها إسرائيل والأنظمة العربية حتى اليوم، وكانت ترعاها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وكان الكاتب البريطاني جوناثان كوك قال في تحليل موسع لصحيفة “ميدل إيست آي” البريطانية[[6]] إن أحد الأهداف الرئيسية “لصفقة القرن” هي وضع غزة وسكانها تحت إشارة إسرائيل دون أن تتحمل أي مسؤولية أو لوم. وستصبح مصر -حسب الصفقة- السجان الظاهر لغزة، “مثلما تحمّل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وسلطته عبء الخدمة كسجانين” في معظم مناطق الضفة الغربية المحتلة.
وبحسب الكاتب فإن الصفقة تتلخص في بناء مشروعات للبنية التحتية لقطاع غزة خارج القطاع، أي في شمال سيناء، لتوفير الكهرباء والمياه والوظائف والميناء والمطار والمناطق الصناعية ومنطقة للتجارة الحرة لسكان القطاع، وتشجيع الغزاويين الذين سيعملون في شمال سيناء للاستقرار نهائيا هناك، وذلك لحل مشكلة البطالة واللاجئين وأمن إسرائيل.
هذا الطرح يشير إلى تحولات كبرى حول ما تم تسريبه من صفقة القرن؛ فبدلا من اقتطاع جزء من شمال سيناء لضمه إلى غزة لتكون وطنا بديلا للفلسطينيين، فإن التحول الجديد هو العكس؛ أي بضم قطاع غزة إلى سيناء ليكون النظام المصري الذي تمكن من سحق الإخوان المسلمين بانقلاب عسكري دموي هو المكلف بسحق حركات المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس لأن قطاع غزة سيكون مسئولا من مصر لا الاحتلال.
وقبل سنوات ظهرت شكوك بأن السيسي كان قد أوشك على التسليم بهذا السيناريو، إذ أعلن محمود عباس في مقابلة مع التلفزيون المصري آنذاك أن خطة سيناء التي تتبناها إسرائيل قد تم -للأسف- الموافقة عليها هنا، “ولا تسألوني أكثر عن هذا الموضوع”.
وما يعزز من تصور خطة سيناء، أن السيسي اليوم بات أضعف قبل 4 سنوات كما أن قطاع غزة تضاعفت معاناته، وما كان تنازل السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير بخليج العقبة للسعودية، والذي قال عنه الخبراء إن الهدف منه هو تعزيز الأمن والتعاون الاستخباراتي بين إسرائيل والسعودية ومصر في مواجهة “الإسلاميين المسلحين” في سيناء، يُعتبر حاليا كأنه التمهيد لتنفيذ خطة سيناء.
وتستهدف الخطة الأمريكية “صفقة القرن” سيطرة السلطة على قطاع غزة أو أي جهة أخرى ترضى عنها “إسرائيل” بحسب نص الصفقة المنشور على موقع وزارة الخارجية الأمريكية؛ وهو ما يشير إلى وجود أو دراسة توجهات بضم قطاع غزة إلى مصر بحيث يتولى السيسي بشكل تدريحي القضاء على المقاومة الفلسطينية لحماية أمن الكيان الصهيوني على أن يتم إظهار السيسي بدور البطل الذي يوسع مساحة أرض مصر واستعادة قطاع غزة الذي كان تحت الحكم المصري حتى هزيمة 5 يونيو 1967م.
في هذا السياق، سبق أن كشف الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة “حماس” خالد مشعل، عن مقترحات غربية أُرسلت للرئيس الشهيد محمد مرسي بأن يضم غزة إلى مصر وتحل كل مشاكلها، شرط تحمله مسؤولية أي صاروخ ينطلق من القطاع، فرفض مرسي ورفضت حماس وانتهى الأمر.
وبحسب مصادر مطلعة بحكومة الانقلاب فإن نظام السيسي يرغب من الإدارة الأمريكية أن تدرك صعوبة مهمة تكليف مصر بإدارة الملف الأمني في غزة والسيطرة على حركة “حماس” وتحجيم قوتها العسكرية، والتي سبق للسيسي محاولة إنجازها في صورة “المصالحة الفلسطينية” والتي شهدت انتكاسة كبرى، وأن تسعى واشنطن لتأمين ودعم التحركات المصرية بمزيد من المساعدات المالية للقاهرة وغزة على السواء.[[7]]
الخلاصة أن هذه التطورات الميدانية الأخيرة بإقامة منطقة حرة بين غزة وسيناء تتسق تماما مع السياسات التي يكرسها نظام السيسي منذ يوليو 2013م، فخلال السنوات الماضية هناك مخططات محبوكة وغامضة يجري تنفيذها على قدم وساق في شبه جزيرة سيناء، هذه المخططات تتخفى وراء لافتتين كبيرتين، الأولى هي الحرب على الإرهاب.
والثانية هي التنمية المزعومة. لكن العامل المشترك في هذه المشروعات هو العمل على تغيير التركيبة السكانية والديموغرافية لسيناء من خلال تهجير آلاف السكان من مدنهم وقراهم في محافظة شمال سيناء لاسيما المنطقة المتأخمة للحدود مع قطاع غزة المحاصر.
وإلى جانب الغموض المفروض على أهداف تلك الأنشطة التنموية والاستثمارية مع إطالة أمد “الحرب على الإرهاب” وغياب الشفافية في ما يتعلق بأسباب الفشل في القضاء على تنظيم “ولاية سيناء” التابع لتنظيم “داعش”، تسود مخاوف من وجود روابط بين إصرار النظام العسكري على تغيير الهوية المجتمعية والتركيبة السكانية لسيناء وبين المخططات التي سبق وتضمنها الشق الاقتصادي من مشروع “صفقة القرن” (خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية) الذي روّجت لها الإدارة الأميركية السابقة.
وكان من بين المشروعات إقامة مجتمعات صناعية وزراعية لتشغيل الفلسطينيين في شمال سيناء، بدعم مالي مباشر للقاهرة. على أن تتولى مصر إدارة القطاع اقتصاديا وأمنيا على أساس مقايضة غزة بفك الحصار وتوفير فرص العمل ولقمة العيش مقابل ضمان أمن الكيان الصهيوني.
هذه المخططات تتفق تماما مع مشروع رئيس حكومة الاحتلال السابق ” نفتالي بينت” والتي طرحها غز غزيائير لبيد، وزير الخارجية في حكومة الاحتلال السابقة، تحت عنوان «رؤية مرحلية للتقدم في تسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، تبدأ بقطاع غزة».
وكشف لبيد، في نفس يوم لقاء السيسي ــ بينت (الإثنين 13 سبتمبر 2021م). يعتمد مشروع بنيت على إجراءات لتعزيز قوة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، وتسهيلات اقتصادية في قطاع غزة، مقابل «الحفاظ على الأمن والهدوء». وقال إن «الظروف السياسية في إسرائيل ولدى الفلسطينيين، تمنع التقدم في المحور الدبلوماسي، غير أن تهدئة طويلة الأمد في غزة قد تخلق ظروفاً أكثر ملاءمة للمفاوضات السياسية المستقبلية (التي قد تنطلق) عندما تكون الظروف مواتية».
وأشار إلى أن المقترح الأولي الذي يطرحه يتكون من مرحلتين:
- الأولى إعادة إعمار مقابل منع تعاظم قوة «حماس».
- الثانية إعطاء دور كبير للسلطة الفلسطينية، حسب قرار مجلس الأمن الدولي، لتنفيذ مختلف المشاريع، وتولي السلطة الإدارة الاقتصادية والمدنية للقطاع.
وعندما سئل عن حل الدولتين، أجاب: «المخطط المقترح لا يشير إلى حل الدولتين، لكن موقفي من القضية معروف جيداً، وهو أنه على إسرائيل أن تعمل على تقوية السلطة الفلسطينية، والتفاوض معها بهدف الانفصال إلى دولتين»، واستدرك أن «الظروف السياسية -في كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية- لا تسمح بإحراز تقدم على المحور السياسي حالياً، ولكن في غزة يمكننا، ويجب علينا التحرك الفوري».[[8]]
من الواضح أن السيسي اقتنع بهذا السيناريو على أن تكون سيناء هي موطن المشروعات التي ستسهم ــ وفقا للخطة الأمريكية الإسرائيلية ــ في حل أزمة القطاع من الناحية الاقتصادية مقابل هدنة أو تهدئة طويلة الأمد مع الاحتلال، معنى ذلك أن الخطة تستهدف أولا إعادة قطاع غزة إلى سيطرة السلطة من أجل استنساخ نموذج الضفة في القطاع المحاصر من أجل تقويض قدرات المقاومة في غزة.
فإن فشل هذا الطرح يتم العمل على ضم قطاع غزة إلى سيناء ليكون تحت سيطرة النظام العسكري في مصر؛ ولذلك تم تنفيذ مشروعات الصفقة في سيناء لا غزة حتى يتمكن نظام السيسي من ابتزاز المقاومة والضغط عليها اقتصاديا حتى تتنازل وترضخ لسيناريوهات التركيع التي تضمن ليس فقط وجود إسرائيل وضمان أمنها بل تفوقها على كل جيرانها العرب الذين يتحولون بالتدريح إلى قطيع من المنبطحين الأذلاء.
[1] محمود خليل/ خطوات عملية لإنشاء منطقة حرة بين غزة وسيناء/ العربي الجديد ــ الأحد 25 ديسمبر 2022
[2] محمود خليل/ ترتيبات سيناء: مطار وسكة حديد ومنطقة حرة للفلسطينيين/ العربي الجديد ــ 22 ديسمبر 2021
[3] أعمال تطوير ميناء العريش تُهدد بإخلاء أكثر من ألف منزل بـ«الريسة»/ مدى مصر ــ الخميس 29 ديسمبر 2022م
[4] عقيل بوخمسين/ السعودية: اتفاق تاريخي لإنشاء منطقة حرة بشمال سيناء/ العربية نت ــ 11 إبريل 2016م وآخر تحديث 20 مايو 2020م
[5] آدم أحمد/مصر توافق على إقامة منطقة حرة جنوبي سيناء تخدم مشروع “نيوم” السعودي..المنطقة الحرة ستوفر 14 ألف فرصة عمل مباشرة، بحسب محافظ جنوب سيناء ــ وكالة الأناضول التركية ـ 31 مارس 2018م
[6] ميدل إيست: للسيسي دور رئيسي بخطة إلحاق غزة بسيناء/ الجزيرة نت 06 يوليو 2018
[7] السيسي يوفر ظهيراً إقليمياً لخطة ترامب: انكفاء سياسي وخلاف حول 3 نقاط/ العربي الجديد 30 يناير 2020
[8] لقاء شرم الشيخ: إحداث انعطافة في العلاقات الإسرائيلية ـ الفلسطينية ..بنيت امتدح دور مصر في استقرار المنطقة/ الشرق الأوسط ــ الثلاثاء 14 سبتمبر 2021 مـ رقم العدد [ 15631]