‫الرئيسية‬ العالم العربي مصر العمل الخيري تحت تأثير الأزمة الاقتصادية
مصر - مارس 13, 2023

العمل الخيري تحت تأثير الأزمة الاقتصادية

العمل الخيري تحت تأثير الأزمة الاقتصادية

في منتصف 2013م كانت نسبة الفقراء لا تزيد عن 25%  من مجموع الشعب المصري، ورثها المصريون من عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك (1981 ـ2011)، وفي أعقاب انقلاب 3 يوليو (2013) وصولا إلى سنة 2023م، وخلال هذه السنوات العشر، زادت نسبة الفقراء على نحو كبير لا سيما في أعقاب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر 2016م، وانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار وباقي العملات من نحو 8 جنيهات قبل التعويم إلى 16 جنيها بعد التعويم، في ظل هذه الأوضاع جاءت تقديرات البنك الدولي حول معدلات الفقر في مصر سنة 2019م لتصل بها إلى نحو 60%.

وفي 2020م جاءت جائحة كورونا لتضع الاقتصاد العالمي كله في أزمة كبرى مع عمليات الإغلاق الواسعة وتوقف طرق الشحن والمصانع وكافة أشكال النشاط الاقتصادي على مدار سنتين.

وفي فبراير 2022م اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية والتي أجهزت على ما تبقى من هشاشة في الاقتصاد المصري على نحو خاص؛ الأمر الذي دفع نظام الجنرال عبدالفتاح السيسي نحو تعويم الجنيه مرة أخرى في مارس 22م، فانخفض سعر الجنيه من 15.7 جنيها إلى نحو17 جنيها، ثم تراجع الجنيه على مدار شهور سنة، وفي 27 أكتوبر جرى تخفيض آخر للجنيه، فتراجعت قيمته إلى نحو 24 جنيها أمام الدولار.

وفي يناير 23م تم تخفيض ثالث للجنيه خلال سنة واحدة والرابع منذ 2016م حتى وصل إلى (30.65 جنيها) في منتصف فبراير23م.

هذه الانخفاض الهائل والمتواصل في قيمة الجنيه، خلق حالة غلاء فاحش غير مسبوقة طالت كل شيء؛ وارتفعت الأسعار خلال الفترة من (2013 ـ2023) على نحو غير مسبوق. والأرقام المجردة تكشف الأسعار زادت في عهد السيسي بنسبة تصل إلى 600% عما كانت عليه قبل يوليو 2013م في عهد الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، الذي استشهد في سجون الظالمين في يونيو 2019م.

فقد كان سعر كرتونة البيض  (30 وحدة) بنحو 15 إلى 18 جنيها فقط، أما اليوم فقد قفزت إلى 120 جنيها بزيادة قدرها 566%  ووصل سعر البيضة الوحدة إلى خمسة جنيهات في بعض المناطق الشعبية، وقفزت الدواجن من 14 جنيها للكيلو إلى 105 جنيهات في فبراير 23م، وبزيادة نسبتها 650%، والدواجن البلدية من 17 جنيهاً للكيلو جرام إلى 115 جنيهاً بزيادة 576%، وصدور البانيه من 30 جنيهاً للكيلوجرام إلى 220 جنيهاً بزيادة 633%.

وارتفعت أسعار اللحوم البلدية الطازجة من متوسط 55 جنيهاً للكيلوجرام إلى 270 جنيهاً، بزيادة نسبتها 390%، واللحوم البرازيلية المجمدة من 30 جنيهاً للكيلوجرام إلى 145 جنيهاً بزيادة 383%.

وأسعار السمك البلطي من 12 جنيهاً للكيلوجرام إلى 70 جنيهاً، بزيادة نسبتها 483%، والسمك البوري من 22 جنيهاً للكيلوجرام إلى 120 جنيهاً بزيادة 454%.

وزاد سعر اللتر من الألبان المعبأة من 5.5 جنيهات إلى متوسط 29 جنيهاً، بزيادة نسبتها 427%، والكيلوجرام من الجبنة البيضاء من 18 جنيهاً إلى 120 جنيهاً بزيادة 566%، والكيلوجرام من الجبن الرومي من 28 جنيهاً إلى 180 جنيهاً بزيادة 542%.

وارتفع سعر عبوة زيت الطعام من 6.50 جنيهات إلى 75 جنيهاً (0.8 لتر) بزيادة 1053%، والسكر الأبيض من 3 جنيهات إلى 24 جنيهاً للكيلوجرام بزيادة 700%، والأرز المعبأ من 3.75 جنيهات إلى 25 جنيهاً للكيلوجرام بزيادة 566%، والمعكرونة من 4.5 جنيهات إلى 40 جنيهاً للكيلوجرام بزيادة 987%، والدقيق (الطحين) من 3.50 جنيهات إلى 28 جنيهاً للكيلوجرام بزيادة 700%.[[1]]

كما ارتفعت أسعار الوقود والخدمات عل نحو مخيف؛ فأنبوبة غاز الطهي المنزلي ارتفعت من 8 جنيهات إلى 80 بمعدل زيادة (1000%)، ولتر الوقود الشعبي من (0.8 جنيها   إلى 8 جنيهات) بمعدل زيادة ألف في المائة أيضا، وتذكرة المترو من  جنيه واحد فقط لكل المحطات إلى 10 جنيهات بزيادة قدرها ألف في المائة.

كما ارتفعت فاتورة المياه والكهرباء وكروت شحن الهواتف بنسب تصل إلى (500%) على  الأقل.

فما تأثير هذه الأزمة الطاحنة على النشاط الخيري؟

وما أهم الأبعاد والعقبات التي تواجه مؤسسات المجتمع المدني وتحد من قدرتها على مواجهة هذه التداعيات الكارثية للأزمة الاقتصادية؟

وما دور الدولة في تفاقم الأزمة والحد من قدرة المجتمع على التفاعل الإيجابي مع الأزمات والمشاكل؟

وما النتائج والمآلات المحتملة لهذه المشكلة؟

 

تآكل النشاط الخيري

تبلغ عدد الجمعيات الأهلية المسجلة في مصر نحو 52 ألف جمعية ومؤسسة، وفق آخر إحصاءات رسمية معلنة أواخر (2021). وحسب دراسة حديثة بعنوان “واقع العمل الأهلي في مصر.. الفرص والتحديات”، فإن «الجمعيات الأهلية بمصر تمثّل دورًا رعائيًا كبيرًا تطوّر بتطورها، وذلك منذ نشأتها أواخر القرن الثامن عشر.

وقد كشفت الدراسة التي أعدّتها أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية -(جهة حكومية)- هويدا عدلي، أن «غالبية الجمعيات تركّز نشاطها على القرية أو النَّجْع الذي توجد فيه، كما أنها تميل للعمل الخيري بالأساس، غير أن الكثير منها يتم إنشاؤه من قبل عائلات وأسر، فضلًا عن الصبغة الدينية للكثير منها، بينما يعمل بعضها وكلاء لبعض المنظمات الخيرية الكبيرة؛ مثل: بنك الطعام، ودار الأورمان في توزيع الطعام والكساء على الفقراء في قرى مصر».

وأوضحت الدراسة -المنشورة على الموقع الرسمي للهيئة العامة للاستعلامات (جهة حكومية تتبع رئاسة الجمهورية)- أن «هذه الجمعيات تتمتع بمصادر تمويل متنوعة ومتدفقة، سواء من الداخل عبر تبرعات رجال الأعمال والزكاة والصدقات، أو عبر التمويل من جهات مانحة دولية، سواء حكومية أو غير حكومية، وتنتشر في جميع أنحاء البلاد مع التركيز على المناطق الأكثر فقرًا، وفقًا لخرائط الفقر؛ مثل: ريف الوجه القبلي».[[2]]

لكن  التدهور الحاد في قيمة العملة وسقوط عشرات الملايين في دائرة الفقر انعكس سلبا على النشاط الخيري؛  الأمر الذي رصدته وكالة «فرانس برس» في تقرير لها نشرته في 17 يناير23م؛ حيث تؤكد أن هذه الأوضاع الاقتصادية المتردية انعكست سلبا على النشاط الخيري، فتقلصت المساعدات التي تقدمها المؤسسات الخيرية للفقراء والمساكين؛ وتنقل الوكالة عن أحمد هشام، المسؤول في مؤسسة “أبواب الخير” الأهلية التي تساعد العديد من الأسر، أن جمهورا مختلفا بات يطرق أبواب المؤسسة.

ويضيف: “كثيرون كانت لديهم مدخرات يحتفظون بها من أجل أولادهم أو للمستقبل، يلجؤون إليها اليوم من أجل تغطية مصاريف صحية أو احتياجات يومية”، موضحا أن “غالبية هؤلاء يعملون في القطاع الخاص ويكسبون ما بين أربعة آلاف إلى ستة آلاف جنيه شهريا (133 إلى 200 دولار)”.

ويتابع: “بعض من يأتون لم يعرفوا هذا من قبل وكانوا يستطيعون تغطية احتياجاتهم بأنفسهم، ولأنها المرة الأولى التي يواجهون فيها هذا الموقف، يكون الأمر صعبا عليهم ويكادون لا يصدقون أنهم يحصلون على مساعدة من مؤسسة خيرية”.

وينقل هشام عن أحد الذين لجأوا الى المؤسسة قوله “كان يتعيّن عليه الاختيار بين أن يشتري الطعام لأبنائه أو أن يسدّد لهم مصاريف المدارس”. ولا تقتصر الصعوبات على العائلات، بل امتدت إلى جمعيات ومؤسسات أهلية زادت مصاريفها في حين قلت التبرعات.[[3]]

ومن هذه المؤسسات الخيرية التي تأثرت بالأزمة الاقتصادية مستشفى سرطان الأطفال 57357، التي أعلنت عبر مديرها شريف أبو النجا في يوليو 2022م، عن تراجع قيمة التبرعات؛ وهو ما وضع المستشفى الخيري أمام أزمة مالية صعبة؛ بسبب ارتفاع سعر الدولار، وتكلفة الأدوية، وباقي الأعباء المالية المترتبة على ذلك.

ودعا أبو النجار المواطنين إلى التبرع للمستشفي حتى ولو 10 جنيهات فقط، من أجل استمرار علاج الأطفال وطمأنة ذويهم.

نفس الأمر تكرر مع مؤسسة مرسال البارزة في المجال الطبي، حيث أصدرت بيانا أواخر نوفمبر الماضي (2022) ، كشف عن وجود أزمة تبرعات في الوقت الحالي، ما استدعى تدشين حملة بالتعاون مع أحد المواقع الإعلامية الرسمية، وأوضحت المؤسسة أن كل يوم يمرّ يزيد معه عدد المرضى، وتزيد تكلفة علاجهم أضعاف.

وحسب المؤسسة، فإن الأعباء الإضافية على المواطنين بسبب زيادة الأسعار، دفعتها إلى رفع الكفالات الشهرية لنحو (400 جنيه) من عائلات المرضى بنسبة 30%، حتى يتمكّنوا من التعايش مع الأيام الصعبة الحالية، وفق وصف مدير المؤسسة هبة راشد. فالغلاء الفاحش جعل الأمور على غير ما يرام في مجمل العمل الخيري؛ حيث تتزايد الأسعار بينما تقلّ نسب التبرعات، وهو ما يؤثر في مستوى النشاط الخيري وعدم قدرة المجتمع المدني على احتواء طبقة الفقراء الجدد التي تبلغ عشرات الملايين من المصريين.

 

أبعاد الأزمة على النشاط الخيري

يمكن رصد هذه الأبعاد المؤثرة  على النشاط الخيري ومدى تأثير وتفاعل المجتمع المدني  وحدود الدور الذي يمكن القيام به لمواجهة التداعيات العنيفة على بنية المجتمع وتماسكه.

أول الأبعاد، أن طبقة الفقراء الذين كانوا قبل الأزمة التي بدأت مع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر 2016م، وعددهم نحو 30 مليون فقير باتوا يحتاجون إلى مساعدات أكثر لمواجهة الغلاء وتعزيز قدرتهم على توفير الاحتياجات الأساسية من طعام وملبس ومسكن وصحة وتعليم، فمن كان يدير بيته بألفي جنيه بات يحتاج إلى أربعة على الأقل وهذا عبء كبير لأنه يعني ببساطة أن المؤسسات الخيرية تحتاج إلى  ضعف حجم التبرعات التي كانت تصلها سابقا للوفاء بهذه الأعباء الإضافية.

ثاني الأبعاد، وهو الأشد خطرا  هو تزايد  نسبة وأعداد الفقراء والمساكين؛ لا سيما بعد سقوط عشرات الملايين من أبناء الطبقة الوسطى إلى طبقة الفقراء كنتيجة حتمية لانخفاض قيمة الدخول والمرتبات وتآكلها بفعل الغلاء والتضخم الجامح.

فعدد الفقراء والمساكين اليوم في مصر  غير معروف بسبب إحجام مؤسسات الدولة عن إصدار البيانات والأرقام الحقيقية الكاشفة لحجم وأعداد الفقراء.

لكن المؤكد أن  الازمة الاقتصادية  الحادة والعنيفة قد تسببت في إفقار نحو 30 مليونا على الأقل قد سقطوا بفعل الغلاء وتآكل  الدخول والمرتبات أو بفعل البطالة مع توقف عجلة الإنتاج والركود الذي ضرب جميع قطاعات الدولة بسبب شح الدولار وفساد وعدم كفاءة الإدارة الاقتصادية.

فمن أين تحصل المؤسسات الخيرية على تبرعات إضافية أخرى تكفي لكفالة هذا العدد الضخم الذي يفوق قدرة المجتمع المدني؟! فالمؤكد أن حجم الذين سقطوا في دائرة الفقر  حتى فبراير 2023م لا يمكن معرفة نسبتهم وأعدادهم على وجه الدقة؛ لأن أجهزة الدولة تمتنع عن إصدار البيانات  الرسمية الشفافة التي تكشف الأرقام الحقيقية، فآخر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، حول معدلات الفقر في مصر، تزعم أن معدلات الفقر تراجعت من 32.5% في 2018 إلى 29.7% في 2019، (نحو 30.6 مليون فقير)، وأرجع الجهاز ذلك إلى ما تسمى بالمشروعات القومية التي زادت معدلات التشغيل إلى جانب إجراءات الحماية الاجتماعية التي تقدمها الدولة ومنها برامج “تكافل وكرامة وفرصة ومستورة وسكن كريم” وغيرها من المبادرات.

لكن هذه الأرقام تناولت الفترة من أكتوبر 2019 حتى مارس 2020؛ وبالتالي لم تتناول مطلقا تداعيات تفشي جائحة كورونا ثم تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، ثم قراري التعويم في مارس 2022م ثم التعويم الثاني في أكتوبر 2022، والتعويم الثالث في يناير2023م؛ ومنذ ذلك الحين لم يصدر المركزي للتعبئة والإحصاء تقريرا جديدا بشأن معدلات الفقر في مصر؛ بما يعني ضمنيا أن المعدلات ارتفعت كثيرا بصورة تحرج النظام؛ فامتنع الجهاز عن إصدار بيانات جديدة بهذا الشأن، بخلاف أن الأرقام والبيانات الرسمية للحكومة مشكوك فيها من الأساس لعدم مصداقيتها.

وكانت  تقديرات البنك الدولي في 2019 وصلت بنسبة الفقر في مصر إلى 60%. وذلك كله قبل كورونا والغزو الروسي والانخفاض الضخم في قيمة الجنيه أمام الدولار خلال سنة 2022م! [[4]] يعزز من اقتراب تقديرات البنك الدولي من النسب الصحيحة للفقر، أن الجائحة قد تكفلت بانخفاض دخول نحو 91%  من القوة العاملة بمصر؛ وفقا لإحدى دراسات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في يناير 2022، حيث أوضحت الدراسة أن انتشار فيروس كورونا أثر على دخل الأفراد المشتغلين بنسبة 91.3% في حين أن 0.5% فقط زادت دخولهم بسبب الوباء.[[5]]

ثالث الأبعاد، هو تراجع حجم التبرعات رغم  تضاعف أعداد الفقراء؛ وذلك بفعل التعثر والقيود والصعاب التي تواجه الشركات والمصانع ورجال الأعمال وطبقة الموسرين  أو تآكل حجم الطبقة الوسطى بفعل هبوط عشرات الملايين منها إلى خط الفقر أو دونه، وعدم قدرة معظم من تبقى من هذه الطبقة على توفير فوائض مالية  كما كان الحال في السابق قبل موجات التضخم والغلاء التي تلت الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر 2016م.

وتسببت الإدارة العشوائية من جانب الحكومة في تضاعف  حجم الأزمة وتفاقمها، فقد تم إهدار السيولة الدولارية  التي كانت تمتلكها البلد على مشروعات عبثية بلا جدوى اقتصادية حقيقية كما حدث بإهدار 8 مليارات دولار على مشروع التفريعة، ونحو 50 مليار دولار على الأقل على مشروع العاصمة الإدارية الجديدة وبناء مدن جديدة والقطار الكهربي والمونوريل وغيرها، رغم وفرة المعروض من المساكن والعقارات والوحدات السكنية.

وجاء قرار  قيود الاستيراد الذي وضعه البنك المركزي في نوفمبر 2022م ليدمر ما تبقى من قدرة داخل الاقتصاد المصري ويضع الجميع أمام خطر الانهيار، وعندما قررت الحكومة إلغاء هذه القيود في أواخر ديسمبر 2022، كانت تداعياته المدمرة قد طالت جميع قطاعات النشاط الاقتصادي؛ فانهار الجنيه على النحو المرعب الذي جرى من (15.7 جنيها في مارس 2022 إلى 30/65 جنيها في فبراير 23م)، وانهارت قطاعات اقتصادية بالغة الأهمية مثل صناعة الدواجن؛ ووفقًا لبيانات وزارة الزراعة، فإن إنتاج مصر من الدواجن يصل في الظروف الطبيعية إلى نحو 1.4 مليار طائر، منها 320 مليون دجاجة، في القطاع الريفي، في حين يصل إنتاج البيض سنويًا إلى حوالي 14 مليار بيضة سنويًا.

ويبلغ عدد المنشآت الداجنة حوالي 38 ألف منشأة ( مزارع – مصانع أعلاف – مجازر – منافذ بيع ادويه بيطريه ولقاحات )، يعمل بها نحو 4 ملايين عامل، باستثمارات تقدر بأكثر من 100 مليار جنيه.

هذا الانهيار يهدد حاليا نحو مليوني عامل بالتشرد والبطالة نتيجة غلق معظم مزارع صغار المربين والذي يمثلون نحو 70% من القوة الإنتاجية، جراء السياسات الحكومية الفاسدة التي تنحاز لحفنة قليلة من المحتكرين حسب عضو الاتحاد العام لمنتجي الدواجن في مصر، موسى صقر.[[6]] وتقريبا هذا عين ما حدث ما بقاي قطاعات النشاط الاقتصادي.

رابع الأبعاد، هو بعض مظاهر الفساد داخل بعض مؤسسات المجتمع الأهلي؛ والتي تثير الشكوك لدى كثير من المتبرعين حول مدى مصداقية توصيل تبرعاتهم للمحتاجين بكل وفاء وأمانة. ويرجح كثيرون أن يكون لحملات الدعاية الضخمة حول التبرعات في شهر رمضان تأثيرات عكسية؛ لأن حجم الإنفاق على الدعاية ضخم إلى الحد  الذي يثير شكوك الكثيرين؛ ما دفع أحمد إدريس، عضو مجلس النواب، إلى التقدم بسؤال برلماني إلى نيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعي، حول مصير تبرعات المواطنين خلال شهر رمضان، وأوجه مراقبة القائمين عليها ومجالات صرفها.

وأضاف أن هذه الظاهرة تثير حالة سخط واسعة بين المشاهدين، في ظل إمكانية توجيه هذا الإنفاق الضخم (تصل به بعض التقديرات إلى 300 مليون جنيه سنويا) لدعم الفقراء وتمويل المشروعات الصحية، ورغم الأسعار المرتفعة للإعلانات يقبل أصحاب الجمعيات والمؤسسات الخيرية للتنافس على أفضل الأوقات التي يعلنون بها من أجل هدفهم الواحد، وهو جذب المتبرعين إليهم، وهو ما أثار شكوك الكثيرين حول مصداقية وأمانة هذه المؤسسات في جمع واستغلال هذا الكم الكبير من التبرعات.[[7]]

وتستحوذ “7” جمعيات فقط على نحو (80%) من أموال التبرعات (تصل بها بعض التقديرات إلى 8 إلى10 مليارات جنيه سنويا) في مقدمتها رسالة وبنك الطعام ومصر الخير والأورمان.

وما يزيد الشكوك أيضا هو ارتفاع نسبة المخصصات من أموال التبرعات كأجور ومرتبات للقائمين على إدارة هذه المؤسسات (العاملون عليها)، والتي تصل في بعض الأحيان إلى 50% تنفق  على رواتب العاملين والدعاية والإعلانات وهي نسبة عالية إذا صحت فعلا.

بخلاف ما يتردد عن حصول بعض مديري هذه المؤسسات على مرتبات مجزية للغاية لا تتناسب مع طبيعة العمل الخيري بوصفه عملا موجها بالأساس إلى مرضاة الله.

فيتعين ألا تزيد مخصصات الإدارة  عن 10 إلى 15% كحد أقصى، وتوجيه الباقي للمحتاجين، وكان إعلان القبض على بعض مسئولي الجمعيات واكتشاف فساد في بعضها عاملا إضافيا لتزايد الشكوك وإثارة الشبهات حول العمل الأهلي، كما حدث مع مؤسسة “معا لإنقاذ إنسان”.[[8]]

والبعض يرى أن ذلك جزء من الحملة الأمنية لتشويه المؤسسات الخيرية التي لا تنضوي تحت “التحالف الوطني للعمل الأهلي” من أجل دفع المواطنين إلى التبرع لمؤسسات التحالف دون غيرها.

خامس الأبعاد هو الحرب التي شنها النظام في أعقاب انقلاب يوليو 2013م على المجتمع المدني بشكل عام والنشاط الخيري على نحو خاص، وقد انحصرت هذه الحرب في مظهرين بارزين:

  • الأول، هو نسف وتدميرالمؤسسات الخيرية التي كان يديرها الإخوان المسلمون، والتي كانت تمتد بمظلة الرعاية والتكافل إلى ملايين الفقراء والمحرومين، ولم يتوقف عند حدود غلق هذه المؤسسات الخيرية ومصادرة أموالها بل امتد الانتقام والتنكيل إلى القائمين عليها فمنهم من قتل ومنهم من اعتقل ومنهم من صودرت أمواله وحيل بينهم وبين حرية التصرف في أموالهم لا لتهمة فعلوها سوى الإصرار على رفض انقلاب قادة المؤسسة العسكرية على المسار الديمقراطي والرئيس المنتخب والإجهاز على ثورة 25 يناير بالمحو والإزالة، وتم حل مئات الجمعيات الخيرية، وتجميد أرصدتها بناء على حكم من محكمة الأمور المستعجلة في سبتمبر 2013م بحل جمعية الإخوان والتحفظ على أموالها. وتوسع نظام 30 يونيو في قرار الحل والتجميد حتى وصلت إلى تعليق عمل ما بين 1055 إلى 1300 جمعية، وحرم القرار ملايين البسطاء من الانتفاع بخدمات تلك الجمعيات الصحية والتعليمية والخيرية أيضا. وكان نشاط تلك الجمعيات منصبا على رعاية الفقراء وتقديم خدمات صحية وتعليمية وخيرية، مثل الإعانات المالية الشهرية، وتجهيز العرائس للزواج، وتوزيع كسوة وأغطية الشتاء على المحتاجين، وإطعام الطعام، وإغاثة الملهوفين سواء في الظروف العادية أو الصعبة. ويكفي أن نشير إلى مصادرة «الجمعية الطبية الإسلامية»، التي كانت تمثل صرحا خيريا عظيما من أعظم المؤسسات الخيرية في العالم؛ تضم أكثر من 38 مستشفى ومستوصفا و10 مراكز متخصصة للغسيل الكلوي و12 صيدلية، وتعالج أكثر من 3 ملايين مريض، وتجري أكثر من 75 ألف عملية جراحية سنويا، وتتركز فروعها في المناطق الشعبية الفقيرة، حيث يشكل الفقراء غالبية المستفيدين من خدماتها، وتقدم خدماتها للجميع بالمجان، ولم يتمكن النظام مطلقا من ملء الفراغ الذي تركته هذه المؤسسات الخيرية بفروعها الممتدة في آلاف المدن والقرى والأحياء، بخلاف تجميد النشاط الخيري في المساجد الصغيرة خشية الملاحقات الأمنية التي لم تتوقف ساعة واحدة منذ الانقلاب حتى اليوم.([9])
  • الثاني، هو إصرار الدولة على فرض وصايتها على النشاط الخيري واحتوائه عبر بسط يد الأجهزة الأمنية على مجمل النشاط الخيري ليتحول من نشاط مدني أهلي صرف يختص به المجتمع إلى نشاط شبه رسمي تضع الدولة يدها عليه من الألف إلى الياء. وقد تم ذلك على محطات متتالية؛ بدأت بحصر العمل الأهلي والخيري في المقربين من النظام والمرضي عنهم من جانب الأجهزة الأمنية التي باتت تهمين على كل شيء؛ فبعد غلق آلاف الجمعيات وتجميد نشاطها ونهب أموالها وأصولها خلت الساحة من الجمعيات إلا التي يديرها موالون للنظام مثل جمعية رسالة والأورمان وبنك الطعام ومؤسسة مصر الخير وكلها جمعيات يديرها لواءات سابقون أو شيوخ موالون للنظام. وحتى الجمعية الشرعية التي أعلن عن تجميد نشاطها في أعقاب الانقلاب تم إعادة نشاطها بعد وضع آليات تضمن سيطرة الأمن الوطني على جميع أنشطتها سواء في المقر الرئيس أو المقار الفرعية في جميع المحافظات خصوصا المشروعات الخيرية التي تقوم بها الجمعية.  وكان الخطوة التالية هي إنشاء صندوق «تحيا  مصر» في نوفمبر2014، بقرار جمهوري بقانون رقم 139 لسنة 2014م، ثم جرت تعديلات أخرى على القانون في يوليو 2015، حيث صدر قرار آخر بقانون رقم 84 لسنة 2015 بتعديل بعض أحكام القرار بقانون رقم 139 لسنه 2014 بإنشاء “تحيا مصر” بحيث يتمتع بالاستقلال المالي والإداري؛ بهدف تكريس وضعه باعتباره قاطرة العمل الخيري في مصر، بما يعني تأميم العمل الخيري وجعله شأنا حكوميا لا مدنيا ويقوم عليه النظام وأجهزته الأمنية وليس المجتمع وقواه الحية الفاعلة. وبالتالي فكان الهدف من الصندوق هو تعزيز قبضة السلطة على حساب إضعاف المجتمع وتهميش دوره حتى يبقى دائما تحت وصاية السلطة والاحتياج الدائم والمستمر لها. وقد صادق السيسي في 15 يونيو 2021م على قانون رقم 68 لسنة 2021م بتعديل بعض أحكام القانون رقم 84 لسنة 2015م بإنشاء صندوق “تحيا مصر”.[[10]] وبنظرة أكثر عمقا، يمكن الجزم بأن التعديل الأخير يستهدف بالأساس إعطاء الصندوق أولوية لقيادة العمل الأهلي في مصر من المنظور الخاص بالنظام، وليس بالمعنى التقليدي للعمل الأهلي، بأن يكون هذا العمل موازياً لممارسات الحكومة، وليس نابعاً من المجتمع كشريك للدولة في التنمية. ووفقاً للتعديل، لن تكون أي منظمة أهلية، بما في ذلك ما يتبع المخابرات العامة وغيرها من الأجهزة الحكومية، قادرة على منافسة “صندوق تحيا مصر” في أي مجال.[[11]]

 

تدشين التحالف الوطني

ونحو مزيد من هيمنة السلطة على النشاط الخيري، تم تدشين ما يسمى بـ«التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي» في 13 مارس 2022م، حيث توقيع ميثاق التحالف تحت مظلة مبادرة «حياة كريمة» التي أطلقها السيسي، ويضم التحالف ٢٤ جمعية، ومؤسسة أهلية وكيانًا خدميًا وتنمويًا، منها الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية والذي يضم في عضويته 30 اتحادًا نوعيًا و27 اتحادًا إقليميًا، والتي تعمل في مختلف مجالات التنمية على تنوعها من خدمية وصحية وتوعوية، وتعليمية، وعمرانية، وغيرها.

وإلى جانب الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية يضم التحالف أيضا مؤسسة حياة كريمة ومؤسسة بيت الزكاة والصدقات المصري ومؤسسة الجود الخيرية وجمعية الأورمان وبنك الطعام المصري ومؤسسة مصر الخير ومؤسسة مجدي يعقوب والمعهد القومي للأورام بكل فروعه والهيئة القبطية الإنجيلية ومؤسسة بهية ومؤسسة أهل مصر ومؤسسة صناع الحياة ومؤسسة راعي مصر وجمعية رسالة وجمعية الباقيات الصالحات وجمعية رعاية مرضى الكبد ومستشفيات جامعة القاهرة، وكذلك مؤسسة العربي لتنمية المجتمع وجمعية الدكتور مصطفى محمود ومؤسسة صناع الخير ومؤسسة كير ومؤسسة عدالة ومساندة ومؤسسة أبوالعينين.[[12]]

وحاليا يتبنى هذا التحالف فلسفة النظام وتصوراته عن العمل الأهلي من أجل خدمة أهداف النظام وأجندته؛ ويتم توظيف أنشطته من أجل الدعاية للنظام وخدمة أجندته السياسية.

ورغم مرور نحو سنة من تدشينه، ومطالبة النظام للقائمين عليه بضم جمعيات جديدة له، لم يكشف السيسي أو أي من أجهزة الدولة أو الجمعيات المنضمة له عن القرار أو القانون أو اللائحة التي تنظم عمله، وماهية الهيكل الإداري والمؤسسي له، ومن الذي يحدد أنشطته، وأوجه صرف أمواله، وأوجه صرف المليارات العشرة التي وجه السيسي بتخصيصها لأنشطته من موازنة الدولة خلال سنة 2022م.

وحسب طلعت عبدالقوي، رئيس الاتحاد العام للجمعيات الخيرية وعضو التحالف، فإن الفترة المقبلة ستشهد تقنين وضع التحالف بإشهاره ككيان أهلي يضم مجموعة من الجمعيات الأهلية ذات الأهداف المشتركة، بموجب المادة 19 من قانون الجمعيات، وإنشاء صندوق جديد للعمل الأهلي يشارك في رأس ماله الجمعيات المنضمة حاليًا أو التي ستنضم خلال الفترة المقبلة له، لاستثمار نسبة من أموال الجمعيات وتوجيه عوائدها لدعم الأسر الأكثر احتياجًا.[[13]]

ليس للمؤسسات والجمعيات المدعوة للانضمام للتالف حرية الاختيار في القبول من عدمه؛ فالجميع مكره على  الانضمام والاذعان؛ فشيخ الأزهر نفسه الدكتور أحمد الطيب لم يملك رفاهية الاختيار حين دعي إلى ضم «بيت الزكاة والصدقة» للتحالف؛ بل أبدى الطيب أعلى صور الإذعان حين استجاب لتوجيهات القائمين على التحالف بتعيين وزيرة الاستثمار السابقة “سحر نصر” كمستشارة للشيخ للتطوير المؤسسي لصندوق بيت الزكاة والصدقات، ومديرة تنفيذية له، بما يعطيها الحق في مشاركة الطيب في إدارة الموارد المالية للصندوق.

تبع ذلك إبرام نصر بروتوكول تعاون بين «بيت الزكاة» وبين صندوق تحيا مصر، يتضمن تبرع البيت للصندوق بـ105 ملايين جنيه لتطوير القرى الأكثر احتياجًا، وهو ما يؤكد على مدى إصرار النظام على السيطرة على  أموال النشاط الخيري.

وتذهب تفسيرات إلى أن التأثير السياسي ورغبة السلطة في تعويض غياب الحزب الحاكم بمركزة وتعبئة موارد الجمعيات الأهلية لصالح تحسين صورتها، هو أبرز أهداف التحالف، لا سيما وأن التداخل بين الأنشطة الخيرية وبين «الشبكات الزبونية» هو أمر قديم ومعروف.

بمعنى أن التحالف قد يكون الهدف منه هو سد فراغ عدم وجود حزب حاكم قوي له تأثير على المجتمع، إنما جمعيات أهلية ضخمة لها مراكز وفروع كثيرة تمكنها من الوصول إلى عدد كبير من المواطنين، مثل «مصر الخير» أو «رسالة» أو «بنك الطعام» أو «الأورمان»، وكلها مؤسسات مليارية، تستغل السلطة مواردها وقدرتها لكسب ولاء عدد أكبر من المواطنين كجزء من مواجهة فشلها في إدارة موارد الدولة على نحو صحيح.

الخلاصة

تتكون الدول وفق أدبيات التنمية من ثلاثة قطاعات رئيسية: الأول هو الحكومة بجميع أجهزتها ومؤسساتها على المستويين المركزي والمحلي. والثاني هو القطاع الخاص، الذي يمثل رافدا أساسيا من روافد التنمية؛ وتمتد مظلته لتشمل قطاعات واسعة من الصناع والتجار ورجال الأعمال والمهنيين والحرفيين وأصحاب المشروعات الكبيرة والمتوسطة وحتى الصغيرة، والثالث هو المجتمع المدني بمنظماته وجمعياته الأهلية الخيرية ومبادراته ومؤسساته المحترفة على المستوى الوطني أو منظمات المجتمع المحلي.

وتحظى منظمات المجتمع المدني برعاية خاصة من جانب حكومات الدول الديمقراطية التي تسن القوانين التي تضمن لمنظمات المجتمع المدني البقاء والنمو لما لها من دور شديد الأهمية في الوصول إلى شرائح مختلفة لا تحظى بالرعاية الكافية من جانب الحكومات؛ ولذلك ترى الحكومات الديمقراطية أن للمجتمع المدني دورا عظيما مكملا لدور الحكومة في تلبية الاحتياجات الأساسية لشرائح مختلفة من الناس من الفقراء والمهمشين وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية لملايين الفقراء والمحرومين.

ويبدو المجتمع المدني المصري  صغير الدور والتأثير إذا علمنا أن منظمات المجتمع المدني في المجتمعات الديمقراطية تسهم بما يعادل 5 – 10% من الناتج القومي الاجمالي لهذه الدول.

ويوجد في بريطانيا وحدها 170 ألف منظمة خيرية عاملة تدير تمويلات وأموال تزيد عن 50 مليار دولار سنوياً. ويوجد أكثر من 129 ألف منظمة في دول الاتحاد الاوروبي تنفق أموال وتبرعات تزيد عن 63 مليار دولار سنوياً في الدول النامية بخلاف ما تنفقه داخل الاتحاد نفسه.

كما يوجد أكثر من 1.4 مليون منظمة غير حكومية في الولايات المتحدة تشغل أكثر من 11.4 مليون شخص وتدير أموال وتبرعات تزيد عن 1.7 ترليون دولار. أما استراليا ففيها 600 ألف منظمة توظف 8% من القوة العاملة في استراليا.

وتنشط منظمات المجتمع المدني في تعزيز التنمية داخل مجتمعاتها والإسهام في تحسين مستوى معيشة الملايين من الفقراء والمحرومين عبر مشروعات الكفالة والتدريب والدعم وتستطيع الوصول بطرق فعالة للفئات الأكثر احتياجا وتنشط بشكل خاص في تقديم الخدمات في قطاعات الصحة والتعليم ودعم الفقراء وتوفير أساسيات الحياة لملايين الفقراء والمحرومين؛ ولهذه الأسباب تشجع الحكومات المختلفة على تعزيز الدور الفعال للمجتمع المدني وتسن القوانين التي تضمن تنمية هذه المؤسسات وتوسيع أنشطتها في خدمة الناس.

حاليا، يواجه النشاط الخيري في مصر عقبات كثيرة في مرحلة ما بعد انقلاب يوليو 2013م، أبرزها الحرب التي شنها النظام على المؤسسات الخيرية التي كان يديرها الإخوان المسلمون، وهي مظلة ضخمة كانت تمتد بامتداد القطر المصري كله تبعا لانتشار الجماعة بكثافة في جميع المحافظات المصرية، ثم تعرض النشاط الخيري لضربة ثانية مؤلمة بسبب الأزمة الاقتصادية التي بدأت مع اتفاق النظام مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر 2016م، وما تلى ذلك من موجات التضخم والغلاء التي لم تتوقف وانهيار قيمة الجنيه أمام الدولار وباقي العملات الأجنبية، حتى تراجعت قيمة الجنيه أمام  الدولار من 8 جنيهات في (2013) إلى (30.65) في فبراير2023م.

وتمثل القيود التي وضعتها الدولة على النشاط الأهلي والخيري عقبة كؤودا في ظل أطماع النظام في السيطرة على أموال التبرعات، وتأميم العمل الأهلي وبسط أجهزة الدولة الأمنية يدها عليه من الألف إلى الياء من خلال إنشاء صندوق “تحيا مصر” في 2014، ثم إنشاء «التحالف الوطني للعمل الأهلي»، في مارس 2022م.

وهو التحالف الذي يستهدف به النظام المزيد من «تأميم العمل الأهلي»، وخلق كيان موازٍ لوزارة التضامن الاجتماعي يكون أقوى منها، تتبعه فئة مختارة من المؤسسات والجمعيات المحسوبة على النظام، وبدلًا من أن تدعم الدولة الجمعيات وتزيل معوقات عملها، تقوم بالسيطرة على بعضها وتستقطع من ميزانيتها لتحقيق سياسات الحكومة بأموال التبرعات لخدمة الأجندة السياسية للنظام في ظل فشله في إدارة موارد الدولة بكفاءة واحترافية.

وقد تحمل الأيام والشهور المقبلة سيناريوهات بالغة التعقيد في ظل تضاعف أعداد الفقراء وتضاعف احتياجاتهم لسد العجز الذي يواجهونه بفعل تآكل قيمة الجنيه وتآكل قيمة الأجور والمرتبات إلى النصف، بالتزامن مع تراجع قيمة التبرعات بفعل تآكل قيمة العملة أو بفعل الأزمة الاقتصادية التي تواجه قطاعات واسعة من الأثرياء والموسرين وعدم قدرة قطاعات واسعة من الطبقة الوسطى على توفير فوائض كانت تضحها لمشروعات التكافل والعمل الخيري.

سيكون لهذا الوضع انعكاسات مخيفة؛ لأن الدولة من جهة ومؤسسات المجتمع المدني من جهة ثانية لن يكونوا قادرين على مواجهة التداعيات الكارثية  للأزمة الاقتصادية وتضاعف أعداد الفقراء والمساكين عما كان عليه الوضع قبل 2016م.

قد يؤدي ذلك إلى مزيد من تفكك المجتمع وتزايد معدلات الجريمة  والانتحار والطلاق، وقد ينتهي الأمر بانتفاضة جياع كما جرى أمام أحد معارض “أهلا رمضان” في إحدى المحافظات مؤخرا خلال فبراير الجاري “23م”.

 

 

 

 

[1] تضاعف أسعار السلع الغذائية بنسبة 600% في عهد السيسي/ العربي الجديد ــ الإثنين 20 فبراير 2023

[2] كريم محمود/ أبرزها مستشفى 57357 لسرطان الأطفال.. هكذا أثّرت الأزمة الاقتصادية في العمل الخيري بمصر/ الجزيرة نت ــ  21 ديسمبر 22م

[3]

[4] انظر: ممدوح الولي/ خط الفقر لا يكفي ساندويتشات الفول والطعمية.. كيف خلقت الحكومة المصرية “شعباً من الفقراء”؟/ عربي بوست ــ 16 مارس 2022م//طارق الشال/ هل تراجع معدل الفقر في مصر فعلاً كما تقول الحكومة؟ هذا ما يقوله الخبراء/ عربي بوست ــ 23 ديسمبر 2020م

[5] دعاء عبد اللطيف/ مصر.. انخفاض دخل 91% من العاملين بسبب تداعيات كورونا/ الجزيرة نت ــ31  يناير 2022م

[6] مصر: أزمة الأعلاف تدفع مليوني عامل في قطاع الدواجن إلى البطالة/ العربي الجديد ـ  الإثنين 20 فبراير 2023

[7] أحمد صلاح سلمان/قبل أن تدفع أموالك .. لمن تذهب أموال تبرعات رمضان؟/ صحيفة المشهد ــ 26 إبريل 22م

[8] «التضامن» تحقق في شبهات فساد مالي بجمعية أهلية لإيواء المشردين/ مدى مصر ــ الإثنين 09 يناير 23م// أحمد حافظ/التبرع للمؤسسات الخيرية بمصر في مرمى الشبهات.. ارتفاع نسب الفقر والمرض مع زيادة عدد الجمعيات الخيرية يثير الشكوك/ العرب اللندنية ــ الجمعة 13 يناير2023م// الكشف عن سرقة أموال التبرعات داخل مؤسسة تابعة للحكومة بمصر/ “عربي 21” ــ 11 يناير23

[9] ملايين المتضررين من كورونا.. هل تدفع الحكومة المصرية ثمن تأميم العمل الأهلي؟/ الجزيرة نت 3 إبريل 2020

[10] إعفاءات من الرسوم والضرائب.. السيسي يصدق على تعديلات قانون صندوق تحيا مصر/ بوابة الشروق ــ  الثلاثاء 15 يونيو 2021

[11] أهداف غير معلنة لتعديل قانون “صندوق تحيا مصر”/ العربي الجديد 04 فبراير 2021

[12] نيرمين قطب/ توحيدا للجهود التنموية فى عام المجتمع المدنى.. توقيع ميثاق التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى/ الأهرام اليومي ــ الإثنين 11 من شعبان 1443 هــ 14 مارس 2022 السنة 146 العدد 49406

[13] رنا ممدوح/«التحالف الوطني» وتأميم العمل الأهلي/ مدى مصر ــ 2 فبراير 2023

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

منافسة محتملة بين جمال والسيسي بالانتخابات الرئاسية المقبلة 2024

في اطار الأوضاع المأزومة بمصر، على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية، جاء التسريب المقتضب …