تراشق إعلامي وسجال سياسي متصاعد شهدته الساحة المصرية والخليحية الأيام الماضية، عبر تصريخات اعلامية ومقالات صحفية وتغريدات لمقربين من دوائر السلطة.. دارت حول موضوع الدعم المالي الخليجي للنظام المصري، الذي يواجه أزمة اقتصادية غير مسبوقة، في ظل عجز الميزان التجاري واتساع الفجوة التمويلية لأكثر من 40 مليار دولار، وتصاعد الديون المصرية وخدماتها التي تبتلع العوائد الاقتصادية، وسط تزايد الفقر والجوع وارتفاع الأسعار بصورة غير مسبوقة، منذ تعويم الجنية المصري ما يهدد بغضب شعبي قد يقود لانفجار سياسي ومجتمعي يهدد نظام السيسي وكأحد الإفرازات المعبرة عن حجم التوتر الخفي بين الجانبين، تصاعد التراشق الإعلامي بشكل غير مسبوق، تحول الفضاء الإعلامي والرقمي في مصر والسعودية والإمارات والكويت إلى ساحة تراشق لفظي مستعر تبادل بموجبه إعلاميون مقربون من السلطات اتهامات قاسية وتذكيراً بـ”أفضال” كل بلد على الآخر.
فيما استمرت السلطات الرسمية تؤثر الصمت، إلى أن اعترف به السيسي، الخميس 9 فبراير الجاري، خلال افتتاحه المرحلة الثانية من مشروع المدينة الغذائية “سايللو فودز” بمدينة السادات بمحافظة المنوفية، التابعة للقوات المسلحة، حيث شدد عبد الفتاح السيسي على ضرورة وقف الاساءات الاعلامية والاتهامات التي تنشر عبر وسائل الاعلام، متذرعا بحرية الإعلام في مصر!!! ومتناسيا سيطرة أجهزته الأمنية على كل كلمة تقال عبر وسائل الإعلام المختلفة عبر الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، ومقراً بأفضال دول الخليج ودورها في دعم نظامه لسنوات طويلة..
أما السعودية؛ لازالت التصريحات العامة لمسئولين، بحجم وزير المالية محمد الجدعان، الذي كشف عن تغير استراتيجية بلاده في تقديم المساعدات لحلفائها والخاصة بتقديم منح مباشرة وودائع دون شروط ورغم أن التصريح جاء في صيغته العمومية، خلال مشاركتته بقمة دافوس، ولم يتحدث بشكل مباشر عن دولة بعينها، فإن كل التكهنات أشارت إلى أن المستهدف الرئيسي هو مصر بصفتها أحد أكبر زبائن المملكة في خريطة الدعم خلال السنوات الأخيرة، وهو ما أثار الكثير من التساؤلات بشأن دوافع هذه الخطوة وما تحمله من دلالات عن العلاقات المصرية والسعودية التي يبدو أنها تمر بمنعطف من التوتر وغياب التناغم.
الورقة التالية ، تتبع بدايات الأزمة ومكنونها وما تخفيه من توتر سياسي ، وأسبابه ودوافعه، وانعكاساته المستقبلية..
أولا: بدايات الأزمة:
توقيت بداية الأزمة يبدو غير محدد، إلا أن اللحظة الفارقة التي فجرت الخلافات والتوترات، كانت مع شهر ديسمبر الماضي، حينما أقر صندوق النقد الدولي، القرض الذي ظلت مصر تنتظره لسنوات، والمقدر بـ3 مليار دولار على 46 شهرا.. فبخلاف الأموال التي يقدمها الصندوق والمؤسسات المانحة الدولية، أشار الاتفاق الثنائي بين القاهرة وصندوق النقد أن باقي الفجوة التمويلية المصرية العاجلة (حوالي 14 مليار دولار) سوف يتم سدها عن طريق “بيع الأصول المملوكة للدولة إلى صناديق الثروة السيادية الخليجية” وتتكفل الدول الداعمة الحليجية بتوفير الدعم المالي اللازم لمصر.
فيما ترفض السعودية ودول الخليج التي قدمت للنظام المصري ما يربو على 90 مليار دولار منذ استيلاء الجيش على السلطة في صيف 2013، بحسب مصادر البنك المركزي المصري التي أظهرت هذا الرقم للعلن عام 2019، ترفض أن تواصل سياسة المساعدات غير المشروطة، وهو ما أشار إليه وزير المالية السعودي “محمد الجدعان” في تصريحاته الميرة، خلال مشاركتته قمة دافوس الدولية، في يناير المنقضي، حيث أكد أن “عصر المنح والمساعدات الاقتصادية ولّى” وأن المملكة سوف تربط مساعدتها التمويلية بإجراء إصلاحات اقتصادية.
وقد أشار مراقبون أن تصريحات “الجدعان” كانت رسالة إلى بعض دول المنطقة التي تعتمد على الدعم السعودي وفي مقدمتها مصر ولبنان، والأردن.
ويبدو أن التبرم من المساعدات لم يكن موقف المملكة وحدها، حيث خرجت أصوات خليجية مؤخرا تنتقد المساعدات الضخمة التي تلقتها القاهرة من دول الخليج خلال العقد الأخير، أبرزها ما صدر عن أمين سر مجلس الأمة الكويتي “أسامة الشاهين” الذي طالب حكومته بعدم الانصياع لمطالب الصندوق بتمويل مصر، معتبرا أن الكويت أولى بأموالها.
ثانيا: انطلاق شرارة
التلاسن والتراشق الإعلامي:
ومع استمرار تمسك الأطراف بمنطلقات معينة، سواء على الصعيد السيسي والاقتصادي، جاء الإذن -على ما يبدو- باطلاق حملات التشوية والاستهداف من قبل أطراف التوتر “الخليج من ناحية ومصر من جهة ثانية”، وجاءت البداية مع سلسلة تغريدات للكاتب والأكاديمي السعودي “تركي الحمد” تطرق خلالها للوضع السياسي والاقتصادي المصري، وقال إن “مصر بواقعها الحالي، هي مصر البطالة والأزمات الاقتصادية والسياسية ومعضلات المجتمع وتقلباته الجذرية العنيفة” وذكر في حديثه ثلاثة أسباب لتلك المشكلات تتعلق بـ”هيمنة الجيش المصري المتصاعدة على الدولة وخاصة الاقتصاد، والبيروقراطية المصرية الهرمة المقاومة للتغيير، والثقافة الشعبية المستسلمة والمستكينة”.
ووصف الحمد وضع مصر الحالي بأنه “الصعود إلى الهاوية”
وأثار حديث الكاتب السعودي الكثير من الجدل في الأوساط المصرية، واعتبر بعض النشطاء أن حديثه عن أزمات مصر يعد “تدخلا متعمدا في الشأن الداخلي المصري” في ظل قربه من دوائر صناعة القرار بالمملكة.
وبعد ذلك بأيام خرج الكاتب السعودي خالد الدخيل، ليتحدث عن الوضع السياسي والاقتصادي المصري، وقال في تغريدة عبر حسابه بموقع “تويتر” إن “ما يحصل لمصر في السنوات الأخيرة يعود في جذره الأول إلى أنها لم تغادر عباءة العسكر منذ 1952”.
وكتب “مصر انكسرت في يونيو 67 وتبخر وهج 23 يوليو كما عرفه المصريون والعرب، لكن سيطرة الجيش على السلطة وعلى اقتصاد مصر لم يسمح ببديل سياسي اقتصادي مختلف”.
ومن بعده الكاتب علي الشهابي، الذي يوصف بالمستشار الاعلامي لمحمد بن سلمان، والتي وصف مصر بأنها باتت “ثقب أسود” يبتلع أموال الخليج بصورة مستمرة بسبب فساد النظام والعسكر..
ثم جاءت تصريحات النائب الكويتي أسامة الشاهين، الذي طالب حكومته باسترداد أموالها المودعة بالبنك المركزي المصري، ومن بعده مقالات لكتاب كويتيون كأحمد السلامي، وعلي الفضالة وغيرهم، تنتقد توغل المؤسسة العسكرية المصرية في الاقتصاد، وسفه انفاق السيسي على مشاريع بلا جدوى اقتصادية..
وقبل شهر تقريبًا شن مستشار رئاسة أمن الدولة السعودي، والمقرب من ابن سلمان، اللواء بسام عطية، خلال مشاركته في ندوة في القصيم (وسط) هجومًا ساخرًا على الدولة المصرية، قائلًا بشكل مباشر: “احمدوا ربنا أننا مش زي مصر”، وتابع “من يستجدي قوت يومه على أبواب وأروقة دول العالم” وعقد مقارنة بين الوضع المصري الحاليّ والوضع السعودي.
وأمام تلك التصريحات الكاشفة، لا بد من الإشارة إلى أن تصريحات بتلك النبرة وهذا المستوى غير المسبوق من الهجوم على نظام السيسي والجيش المصري لا يمكن أن تكون مبادرة من تركي الحمد وبسام عطية أو غيرهم دون الحصول على ضوء أخضر بذلك، فهم مقربون من ابن سلمان، لا سيما أنه لم يعقبها أي تراجع أو اعتذارات أو اتخاذ أي رد فعل بشأنهما.
الرد المصري:
وعلى الجانب الآخر، شن الإعلامي المصري، نشأت الديهي، هجوما على تركي الحمد، وقال له “أنت مالك ومال مصر”، وفي حديثه ببرنامج “بالورقة والقلم” المذاع على قناة “تن” الفضائية المصرية، وجه حديثه لتركي الحمد قائلا: “أنا بقول لتركي الحمد وأمثاله عيب”، مضيفا “من أنت لكي تتحدث عن تاريخ مصر، مصر باقية، هذه الدولة خلقت لتبقى، وحديث تركي الحمد عبارة عن صفر كبير”
وتلاه هجوم من صفحات تابعة للجان الكترونية، تديرها جهات أمنية ومع استمرار الهجوم السعودي على الجانب المصري، يبدو أن مستوى التصعيد ارتقى لمستوى جديد، حيث نشر الكاتب الصحفي رئيس تحرير صحيفة الجمهورية “القومية الحكومية المصرية”، عبدالرازق توفيق، مقالا صحفيا تحت عنوان ” الأشجار المثمرة وحجارة اللئام والأندال” تحدث فيه عن هجوم من أسماهم بالأشقاء على الدولة المصرية.
وقبل ذلك كله، شن إعلاميون مصريون حملة انتقادات لاذعة تجاه زميلهم المصري عمرو أديب، مقدم برنامج “الحكاية” على قناة “MBC مصر” المملوكة للسعودية، إذ هاجم الإعلامي محمد الباز، أديب على خلفية انتقاد الأخير الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في مصر خلال الفترة الماضية، واعتبر الباز أن زميله يروج لما وصفه بأنه “المشروع السعودي” في المنطقة، سواء كان “حلو أو وحش”، بحسب تعبيره.
ونشر موقعي “الجمهورية” و”كايرو 24″ المقال قبل أن يتم “حذفه لاحقا”.، تضمن ألفاظا نابية من شاكلة “الأندال، رعاة الإبل، اللئام، الحفاة العراة….” وغيرها وتصدر الاعلاميون المقربون للسلطة من الجانبين المشهد المأزوم، بما لا يدع مجالا للشك حول حقيقة الأزمة الرسمية..
فالإعلام في مصر والسعودية والإمارات يخضع بالكامل للسيطرة الرسمية، كما أن الإعلاميين المشاركين في هذا التلاسن مقربون من السلطة هنا وهناك، إذ أن خالد الدخيل وتركي الحمد مقربان من الديوان الملكي، ويوصف “الحمد” في الإعلام المحلي بأنه “المتحدث الإعلامي باسم الأسرة الحاكمة”، أما عبد الرازق توفيق فهو رئيس تحرير صحيفة رسمية مصرية، وعبد الخالق عبد الله هو المستشار السابق لرئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد، وبالتالي من غير المتصور أن يخرج أي من هؤلاء الإعلاميين فجأة ليهاجم دولة حليفة هكذا من تلقاء نفسه.
فيما دخل الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله على خط التلاسن، واصفاً ما جاء في المقال بأنه “ردح رخيض”، ودعا الإعلامَ الخليجي إلى تجاهله.
ثالثا: مؤشرات التوتر:
واتخذ التوتر المصري مع دول الخليج عدة مظاهر ومواقف عبرت عن حقيقة الأزمة، ومنها:
– عدم تجاوب السعودية والكويت مع مطالبات صندوق النقد دعم مصر:
فمع تفاقم الأزمة الاقتصادية الممصرية الناجمة عن السياسات الاقتصادية التي يعتمدها نظام السيسي، الحريص على اقامة المنشآت والصروح المعمارية والمباني على حساب التنمية الاقتصادية الحقيقية أو الاهتمام بالبشر صحيا وتعليميا وتشغيليا، ما وضع مصر في مسار مأزوم لا مخرج منه، إلا بمزيد من الاقتراض والاستدانة، فتزايدت مطالباتته للسعودية ولدول الخليج بالددعم والمساعدة، التي يبدو أنها تحولت لحق مكتسب عبر سنوات من الدعم السخي من قبل الأنظمة الخليجية، التي انحازت للثورة المضادة في مصر، لتأمين عروشها من الربيع العربي.
ولم تجد القاهرة سوى التوسع في بيع أصولها الاقتصادية، وبالرغم من أن قرار القاهرة عرض الشركات المملوكة للدولة للبيع سعياً لجذب الاستثمارات بالعملة الصعبة يرجع إلى سنوات، لكن ذلك المسار يتحرك ببطء شديد بسبب عوامل متداخلة، أبرزها البيروقراطية وعدم وجود المناخ المشجع على الاستثمار.
لكن مع تفاقم الأزمة بشكل حاد خلال العام الماضي، اتخذ مسار بيع الأصول منحنى صعودياً كبيراً، وأصبحت جميع الشركات، المملوكة للحكومة أو للجيش، معروضة للمستثمرين لاختيار ما يشاؤون منها.
لكن معاناة الاقتصاد المصري استمرت وتفاقمت، وسعت القاهرة للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي، الذي وجه دعوات إلى الدول الخليجية بتقديم دعم مالي لمصر حتى تتمكن من سداد أقساط ديونها الخارجية، وهنا بدأت تظهر مؤشرات لم تكن متوقعة.
إذ التزم المسؤولون السعوديون والكويتيون الصمت، بينما جاء الرد من مصادر غير رسمية، وهو ما جاء بمثابة الصدمة للقاهرة، بحسب تقرير نشرته “ميدل إيست مونيتور”.
فقد طالب سكرتير مجلس الأمة الكويتي “أسامة الشاهين” حكومة بلاده بعدم الاستجابة لمناشدات صندوق النقد الدولي بشأن مصر، مُصراً على أن “الكويت تستحق أموالها أكثر من الآخرين”.
وفي غضون ذك، قال سالم عبد الله الجابر الصباح، وزير الخارجية الكويتي ورئيس الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، إن بلاده ستعيد النظر في سياساتها بشأن تقديم المساعدة للدول العربية والنامية.
وأوضح الصباح خلال الحفل السنوي للصندوق أن «الظروف الدولية تحتم علينا إعادة التقييم ومراجعة آليات وسياسات الصندوق الكويتي لكي تتفق مع سياستنا الخارجية… وتزامنت تصريحات الصباح مع زيارة “هالة السعيد” وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، ورئيس مجلس إدارة الصندوق السيادي المصري، لدولة الكويت، ضمن جولتها التي تشمل عددًا من الدول العربية للترويج لفرص استثمارية تابعة لـ«الصندوق السيادي»، بعد أيام من إعلان الحكومة المصرية عن طرح 32 شركة حكومية للخصخصة بشكل جزئي خلال العام المُقبل.
كما تأتي التصريحات الكويتية بعد شهر تقريبًا من تصريحات وزير المالية السعودي “محمد الجدعان” قال فيها إن المملكة العربية السعودية تسعى إلى تقليل المساعدات الخارجية غير المشروطة، وذلك خلال فعاليات مؤتمر دافوس، في 19 يناير الماضي، حيث قال إن المساعدات المستقبلية الموجهة للتنمية ستكون مشروطة بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.
– تحركات دبلوماسية سعودية:
غير أن السعودية لم تكتفِ بالرسائل الإعلامية على لسان كتابها، لكنها بدأت في التعبير عن ضيقها من السياسات المصرية والانتقادات المتصاعدة والمسيئة للمملكة، عبر رسائل دبلوماسية، لعل أبرزها غياب المملكة، مع الكويت، عن القمة الأخيرة التي استضافتها الإمارات في 19 يناير الماضي، وجمعت السيسي مع أمير قطر وملك البحرين وسلطان عمان وملك الأردن، وكان جزءا من جدولها هو بحث إغاثة مصر اقتصادي.. والغياب السعودي عن قمة أبوظبي كان هو الثاني بعد غياب عن تجمع سابق في مدينة العلمين المصرية، في أغسطس من العام الماضي، وهو التجمع الذي ضم أيضا قادة الإمارات والبحرين والأردن والعراق.
– تململ السعودية من الاستمرار في دعم التظام المصري:
وظلت السعودية لسنوات داعمًا رئيسيًا لاقتصاد مصر. وبعد تداعيات الحرب في أوكرانيا أرسلت وديعة بقيمة خمسة مليارات دولار إلى البنك المركزي المصري، كما تستثمر المملكة أيضًا بكثافة في السوق المحلية كدعم إضافي لوضع مصر الخارجي، حيث أسس صندوق الاستثمارات العامة السعودي العام الماضي ذراعًا له في مصر لشراء حصص بقيمة 1.3 مليار دولار في شركات مدرجة بالبورصة المصرية، وهي الاستثمارات الأولى من بين نحو عشرة مليارات دولار تعهد بها صندوق الاستثمارات العامة لمصر كجزء من جهود المملكة العربية السعودية لدعم الوضع الخارجي للبلاد. وكان البنك المركزي المصري، كشف في العام 2019 عن اجمالي الدعم الخليجي والسعودي لمصر وصل لـ 92 مليار دولار..
وقد ساعد استتباب الأمر لمحمد بن سلمان وتخلصه من القلاقل التي كانت تحيط بكرسي العرش، الذي يديره/ في التخرر على ما يبدو ، من متلازمة دعم السيسي، متوجها نحو ملفات أخرى، لتحقيق طفرات تنموية داخلية تحتاج تمويلات مالية كبيرة، كمشروع نيوم وخطط التنموية العشرية الجديدة، وهو ما دفع المملكة للاعلان عن استراتيجية جديدة، على لسان وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، خلال مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي في 18 يناير، مؤكدا تغير استراتيجية بلاده في تقديم المساعدات لحلفائها، والخاصة بتقديم مِنح مباشرة وودائع دون شروط، مطالباً بأن يقوم “الحلفاء” باعتماد برنامج إصلاح اقتصادي حقيقي أولاً.
-الهجوم الاعلامي المتصاعد:
ومن أبرز المؤشرات الدالة على تأزم العلاقات وتصاعد التوتر بين السعودية والخليج العربي من ناحية والجانب المصري، إذ أن الإساءات والشتائم والسباب المتبادل بين اعلاميين محسوبين على السلطات الحاكمة، علاوة على دخول صحيفة قومية مملوكة للدولة في الصراع، تعبر عن تراكم الخلافات وتصاعدها، حتى وان خفت صوتها في الأيام القليلة الماضية، ومحاولة رأس النظام المصري السيسي تلطيف الأجواء عبر تصريحاته إعلامية عن متانة العلاقات مع دول الخليج ودعمها لمصر، وهو ما كرره بالمنوفية وفي أبوظبي لاحقاً، والذي أتبعه بحديثه عن حاجة مصر لنحو تريليون دولار سنويا، وتأكيده أنه لولا فضل محمد بن زايد على مصر… كلها مؤشرات على استمرار الأزمة مستقبلا، ما دامت أسبابها مستمرة ..
رابعا: دوافع التصعيد الاعلامي:
-استخدام مصر أساليب الابتزاز والتخويف للخليج:
يشار إلى أن السيسي منذ اعتلائه سدة الحكم، ويتبع الابتزاز والاستمالة والضغوط، من أجل تحصيل الأموال والمساعدات، وأنه قبل تلك الانتقادات الأخيرة بستة أشهر تقريبًا، شن تركي الحمدـ المقرب من دوائر السلطة السعودية هجومًا مشابهًا على الإعلامي المصري عماد الدين أديب بسبب مقال كتبه الأخير تحت عنوان “مصر: من يعوض الفاتورة المؤلمة للحرب الروسية الأوكرانية”، حيث اعتبر أن أديب يبتز دول الخليج عبر التلويح بورقة تصاعد النفوذ التركي الإيراني في المنطقة بسبب عدم دعم الخليج لمصر، موجهًا إليه رسالة قال فيها: “كان المفروض على هذا الكاتب أن يتساءل: ولماذا لا تستطيع بلاده (مصر) حل أزماتها المزمنة بنفسها بدل أن تصبح عالة على هذا وذاك”.
وكان أديب أيضا قد هدد السعودية ودول الخليج بأنه في حال انهيار مصر، فسيهاجم ملايين المصريين السعودية بقوارب الهجرة غير الشرعية، فرارا من الفقر والجوع..هذا الأسلوب يبدو أن السعودية سمأته..
– تصاعد الأزمة الاقتصادية المصرية:
ووفق موقع Middleeast Monitor البريطاني نشر تقريراً عنوانه “تصاعد التوتر بين مصر والسعودية”، رصد كيف أن بداية التوتر تعود إلى تفاقم أزمة الاقتصاد المصري بشكل خانق منذ بداية الحرب الروسية في أوكرانيا، والتي اندلعت قبل نحو عام.
فعلى الرغم من أن دول الخليج سارعت إلى ضخ عشرات المليارات من الدولارات في الاقتصاد المصري، للمرة الثالثة خلال عشر سنوات، فإن الأمور هذه المرة بدت مختلفة تماماً.
إذ قال محللون وقتها لوكالة رويترز، إن دول الخليج تبدو هذه المرة كأنها تشدد الشروط من خلال السعي إلى الاستحواذ على أصول بعينها، إضافة إلى ودائع البنك المركزي، وهي مطالب لها تكلفتها في مصر، وقتها قالت السعودية إنها أودعت 5 مليارات دولار لدى البنك المركزي المصري، ووعدت بضخ مزيد من الاستثمارات التي يمكن أن تجلب لمصر ما يصل إلى عشرة مليارات دولار من العملات الأجنبية، لكن المختلف هذه المرة هو أن تلك الأموال، أو الوعود بها، جاءت في صورة استثمارات وليست مساعدات.
وفي ظل حاجة مصر المُلحة للأموال وإعلانها عرض الشركات المملوكة للدولة للبيع، إضافة إلى وجود المستثمرين الخليجيين، لم يكن من المتوقع أن تحدث توترات.
وبالفعل سعت صناديق الثروة السيادية في الإمارات والسعودية إلى الاستحواذ على نسب أو الشراء الكامل من الشركات المصرية، خاصة في مجالات الأسمدة والطاقة والقطاع الصحي والمصرفي والمعلوماتي.
ومؤخراً استحوذت شركة “مواساة” السعودية للخدمات الطبية على مستشفى المراسم الدولية بنسبة 100%، وهي منشأة طبية رئيسية تقع في ضواحي القاهرة..
ومطلع أغسطس الماضي، استحوذت شركة الاستثمار السعودي المصري، ذراع صندوق الثروة السعودي في القاهرة، على حصة الحكومة المصرية في شركة “موبكو” لإنتاج الأسمدة، ومقرها ميناء دمياط شمال البلاد، كما اشترت الشركة السعودية نفسها حصص أقلية في شركة أبوقير للأسمدة والصناعات الكيماوية وشركة حاويات الإسكندرية للشحن، إضافة إلى حصة أسهم في شركة إي-فاينانس للاستثمارات المالية والرقمية.
وبلغ إجمالي قيمة تلك الاستثمارات السعودية في الشركات المصرية الأربع 1.3 مليار دولار. كما استحوذت الإمارات على شركات في مجال الأغذية وقطاع الخدمات المالية والمصرفية والمدفوعات الإلكترونية، وشركات أخرى في صناعة الأسمدة، إضافة إلى استثماراتها القائمة بالفعل.
وبلغت الاستثمارات الإماراتية في مصر أكثر من 712 مليون دولار في النصف الثاني من عام 2020، وارتفعت إلى أكثر من 1.9 مليار دولار في النصف الثاني من عام 2021، وذلك قبل موحة الشراء الأخيرة، مما يشير إلى أن الرقم قد يكون تضاعف بالفعل.
– تلكؤ مصر في تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية:
ومن الأمور والملفات التي ما زالت تثير الخلافات المكتومة بين مصر والسعودية تحديدا، هو ملف تسليم جزيرتي تيران وصنافير.
فبحسب تقرير لموقع Axios الأمريكي، ترتبط الخلافات بين البلدين، في جانب منها بجزيرتي تيران وصنافير، حيث ترى الرياض أن القاهرة تتباطأ في تسليمهما “لأسباب غير مقنعة”.
مصر من جانبها ترجع سبب التأخير في تسليم الجزيرتين “لأسباب فنية” تارة تتعلق بتركيب كميرات على الجزيرتين، وتارة بأسباب تتعلق بقطع واشنطن أجزاءاً من المعونة الاقتصادية لمصر تقدر بنحو 135 مليون دولار، لأسباب تتعلق بانتهاكات القاهرة الحقوقية وقضايا حقوق الانسان..
وفي الثامن من أبريل 2016، أبرمت القاهرة والرياض اتفاقية لترسيم الحدود نصت على “انتقال تبعية تيران وصنافير إلى السعودية” بعد جدل قانوني واسع في مصر وغضب وتظاهرات احتجاجية صغيرة تم قمعها على الفور، وفقا لـ”فرانس برس”. ووصل الأمر إلى القضاء المصري الذي “تضاربت قراراته”، فألغتها كلها المحكمة الدستورية العليا في يونيو 2017.
وفي الشهر نفسه، أقر البرلمان المصري اتفاقية ترسيم الحدود ثم صادق عليها، عبد الفتاح السيسي، ونشرت في الجريدة الرسمية.
– غضب مصري من مطالبة السعودية لها بسداد أثمان الشحنات البترولية السابقة:
وفي هذا السياق، ذكر موقع ميدل إيست مونيتور أن القاهرة “فوجئت مؤخراً بأن الرياض تطالبها بتسديد ديون مستحقة على الحكومة المصرية لشركة أرامكو السعودية مقابل شحنات مشتقات نفطية يرجع تاريخها لخمس سنوات مضت، وكانت القاهرة تعتقد أن تلك الشحنات مجانية كجزء من صفقة تسليم الجزيرتين للسعودية”… وهو ما أغضب القاهرة بشدة..
تلكؤ الجانب المصري في تسليم الجزيرتين رغم إنهاء كل الإجراءات القانونية والإدارية كان مثار تساؤل لدى الشارع السعودي، فيما تعللت القاهرة بالجزء المقتطع من المعونة الأمريكية والبالغ 130 مليون دولار بسبب وضع حقوق الإنسان، مشترطة أن تفرج واشنطن عنه نظير تسليم الجزيرتين، بجانب بعض المسائل الفنية، وهو السبب المعلن بحسب موقع “AXOIS” الأمريكي الذي نقل عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن مصر بدأت في الأسابيع الأخيرة تتقدم بتحفظات على بنود في الاتفاق، معظمها فنية، ومنها تركيب كاميرات في الجزر التي تتعلق بها الاتفاقية، فيما يفترض أن تستعين القوة متعددة الجنسيات الموجودة بالجزيرتين بتلك الكاميرات لمراقبة النشاط الجاري فيهما، وكذلك في مضيق تيران، بعد مغادرة الجزيرتين.
– التنافس بين السعودية والإمارات على الاستحواذ على المنطقة:
جاءت قمة أبوظبي التشاورية في سياق نشاط دبلوماسي ملحوظ للإمارات للتأكيد على دورها المحوري في الإقليم؛ في ظل خلاف مكتوم مع السعودية عبر عدد من الملفات أبرزها حرب اليمن وملف النفط الذي أعربت الإمارات عن ضيقها سرا من تفرد المملكة في اتخاذ القرارات بشأنه، في أعقاب قرار “أوبك بلس” خفض إنتاج النفط بمعدل مليوني برميل يوميا في 5 أكتوبر الماضي.
ويقع الملف الاقتصادي في قلب الخلاف السعودي الإماراتي أيضا، حيث تسعى الرياض لسحب البساط من تحت قدمي أبوظبي ولعب دور المركز الرئيسي للمال والأعمال في المنطقة.
ويمتد هذا الخلاف الاقتصادي للعلاقة مع مصر، حيث لا تشعر السعودية بالرضا عن الأفضلية التي تمنحها القاهرة لأبوظبي في الصفقات الاقتصادية والاستثمارية الحيوية خاصة في منطقة قناة السويس وقطاع الموانئ.
كما أنه ليس خافياً، فولي العهد السعودي يسعى جاهداً لتحويل الرياض إلى المركز المالي والتجاري الإقليمي في المنطقة، وهو ما يسحب البساط من تحت أقدام أبوظبي بطبيعة الحال. كما أن الخلافات بين الرياض وأبوظبي في ملف اليمن ليست خافية أيضاً، حتى في ظل الصمت الرسمي من الجانبين.
– نكران جميل من نظام السيسي:
كان عبد الفتاح السيسي أثنى أكثر من مرة على دعم «الأشقاء في الخليج» لمصر، وقال في سبتمبر الماضي إن «السعودية والإمارات والكويت كانت تحوّل السفن المحملة بالوقود من البحر المتوسط إلى الموانئ المصرية على مدار 18 شهرًا بدون مقابل» وكانت السعودية والإمارات والكويت قد تعهدت بتقديم مساعدات بنحو 12 مليار دولار عقب عزل الرئيس محمد مرسي، في يوليو 2013، في شكل منح وودائع بالبنك المركزي ومساعدات بترولية، لكن السيسي قال في 2014 إن المساعدات الخليجية تجاوزت 20 مليار دولار.
لكن خلال المؤتمر الاقتصادي، المنعقد في أكتوبر الماضي، قال السيسي: «حتى الأشقاء أصبح لديهم قناعة بأن الدولة المصرية غير قادرة على الوقوف مرة أخرى، والدعم والمساندة عبر سنوات شكّل ثقافة الاعتماد عليها لحل الأزمات والمشاكل».
وحصلت مصر على ودائع خليجية خلال الربع الأول من 2022 بقيمة 13 مليار دولار، إضافة إلى الودائع القائمة بقيمة 15 مليار دولار، ليسجل إجمالي الودائع الخليجية نحو 28 مليار دولار، ما يمثل 75.5% من احتياطي النقد الأجنبي المعلن في نهاية العام الماضي.
ومن ثم فإنه بععد تلك المساعدات، فإن موقف السيسي الذي تعود على التسول للمساعدات، يمل نكرانا للجميل، إذ يريد تحويل تلك المساعدات إلى حقوق مكتسبة على السعودية والخليج الاسمرار با إلى ما لا نهاية، وهو أمر بات مستحيلا، على صعيد الخليج والسعودية، وسط أزمات اقتصادية عالمية..
– التنافس المصري الخليجي على قيادة المنطقة العربية:
ومن ضمن الدوافع والمخحفزات التي تدفع نحو التوتر السياسي والاعلامي بين الجانبين، مسألة قيادة دول المنطقة، التي باتت إلى حد كبير خليجية، نظراً لتراجع الدور المصري، وتفاقم أزماتها المعيشية التي أرت على أدوارها الاقليمية، في مقابل تعاظم الدور الخليجي..
– رغبة السعودية في الاستحواذ على القطاع الخاص المصري عكس إرادة السيسي لبيع القطاع الحكومي:
شكل الاستثمارات السعودية في مصر، و التي أثرت بشكل كبير في مستوى العلاقات بين البلدين خلال الأيام الأخيرة، فالمملكة ترغب في توسيع نفوذها الاستثماري داخل السوق المصري، عبر مسارين: الاستثمار المباشر والاستحواذ على أصول وممتلكات الدولة، لكن وفق شروط خاصة بها، سواء في حجم التغلغل الرأسي وقاعدته التوسعية.
الرياض ووفق السياسة التي تتبعها القاهرة خلال الأشهر الماضية في ضوء “وثيقة سياسة ملكية الدولة” تريد شراء العديد من الأصول، وفي مجالات معينة، بما يعزز نفوذها داخل مصر من جانب، ويدر أرباح عليها من جانب آخر، وهو ربما ما لم يجد قبولًا من السلطات المصرية لا سيما المؤسسة العسكرية التي تتحفظ نسبيًا عن إستراتيجية المملكة في الاستثمار التي تعتمد على شراء الكيانات الرابحة بالفعل ومن ثم تحقيق الأرباح السريعة وتحويل عوائدها للخارج، ما يفقد الاقتصاد المصري المكاسب المتوقعة.
وهنا تستشعر الرياض أن هناك وصاية حكومية عليها في خريطة استثماراتها في مصر، وهو ما يفسر عدم ضخ السعودية إلا أقل من مليار ونصف دولار فقط في السوق المصري رغم تعهدها بضخ 10 مليارات دولار وفق الاتفاقية الموقعة بين البلدين التي أقرها مجلس الشيوخ السعودي في أبريل 2022.
سادسا: التداعيات المستقبلية:
وأمام الأزمة المتصاعدة، بين مصر والسعودية، فإن قواعد اللعبة قد تغيرت بشمل كبير بين الجانبين المصري والسعودي.. إذ أن التحول في الموقف السعودي من دعم القاهرة وتصاعد الخطاب الإعلامي المصري الذي يستهدف الرياض، ليس من قبيل المصادفة، ولا عنترية جوفاء من هنا أو هناك، بل هو تطور طبيعي لتوازنات المعادلة بين البلدين، فالأوضاع التي كانت تحكم تلك المعادلة قبل 5 سنوات مثلًا ليس كما هي حاليًّا.
فمنذ تولي السيسي مقاليد الحكم في 2014 كانت المملكة -مع الإمارات والبحرين- أحد الأضلاع الرئيسية في إنجاح هذا النظام إقليميًا عبر دعمه اقتصاديًا ومساعدته في عبور المأزق الدولي الذي كان يُعاني منه بسبب انقلابه على نظام الرئيس الراحل محمد مرسي، خشية انتقال عدوى ثورات الربيع العربي إلى أنظمة الخليج الحاكمة.
ومع تولي ابن سلمان ولاية العهد تلاقت المصالح مع النظام المصري رغم تباين وجهات النظر بين ولي العهد السعودي والسيسي في كثير من الملفات، لكن البرغماتية كانت لغة الحوار الأكثر حضورًا، فدولة الثالث من يوليو 2013 بحاجة إلى المال الخليجي، لذا ليس هناك حرج من تقديم التنازلات أيًا كان مستواها، وعليه كان التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود والتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير وفتح الباب أمام النفوذ السعودي للتغلغل داخل مفاصل الدولة المصرية سياسيًا واقتصاديًا وإعلاميًا.
وعلى الجهة الأخرى كانت المملكة في أمس الحاجة لدعم القاهرة لولي العهد الشاب الذي كان يُعاني من استهدافات داخلية وخارجية تهدد مستقبله السياسي، لذا كان الاحتياج للجيش المصري وقوة النفوذ المصري الإقليمي مسألة حيوية لدعم الموقف السليماني في مواجهة سهام النقد الأمريكية والتركية والأوروبية بسبب الأوضاع الحقوقية والسياسية في المملكة.
في تلك الأثناء، لم تفكر القاهرة في حجم ومستوى التنازلات المقدمة للمملكة، إذ كان الهدف (الدعم الاقتصادي) مقدم على المرتكزات الوطنية، الوضع نفسه لدى الرياض التي لم تتوان عن تقديم الدعم لنظام السيسي دون أي شروط مسبقة، رغم سياساته الاقتصادية التي أقر الجميع بفشلها وورطت مصر وحولتها لإحدى الدول الأكثر استدانة في العالم.
في تلك الأجواء الضبابية وفي حالة السيولة السياسية والاقتصادية والأمنية التي تشهدها الساحة العالمية من الصعب التكهن بمستقبل العلاقات المصرية السعودية، وما إذا كان سيتصاعد إلى مستويات متطرفة أم يتجمد عند هذا الحد لكن اليوم تغير الوضع بصورة كبيرة، فتراجعت الحاجة السعودية للدعم المصري بعد النجاحات التي حققتها الرياض في مسار توسيع نفوذها الإقليمي والدولي، وترسيخ أركان حكم ولي العهد، مستغلة الأوضاع والمستجدات الدولية الأخيرة، لتخرج الأصوات الإعلامية والأمنية التي تهاجم القاهرة بهذا الشكل، كذلك انخفض نسبيًا الاحتياج المصري للمال السعودي رغم الأزمة، في ظل تعدد نوافذ الاقتراض الأخرى، لتُوصف المملكة على لسان إعلاميين موالين للسيسي بأنها دولة صاحبة أجندة ولها أهداف أخرى تريدها من مصر، وعليه تغير الخطاب بين البلدين، سجال وتناطح يعكس حجم التوتر الدفين بين القوتين طيلة السنوات الماضية.
إلا أن حلحلة الأزمة يبدو سهلا، وقابل للتسريع أيضا، وسط تأزم الأوضاع السياسية والاقتصادية حول السيسي، وهو ما قد يدفع النظام نحو القبول بشروط السعودية للاستمار بمصر، عبر توسيع استحوذات السعودية على الشركات الخاصة، وأجود أنواع الشركات الرابحة بمصر، بما يحقق لها ارباحا ترضى بها..
وذلك في اطار أحادي تتردد عن مصادرة مرتبطة بالسفارة السعودية بالقاهرة، بأن الحكومة المصرية ترغب في أن تكون عمليات الاستحواذ السعودية على شركات تابعة للحكومة أو للأخيرة نسبة فيها، ما يسمح بدخول الدولار إلى السوق المصرية بشكل مباشر، في حين تفضل الحكومة السعودية الاستحواذ على شركات مملوكة للقطاع الخاص، حسبما أوردته صحيفة “الأخبار” اللبنانية.
وأضافت أن التفاوض جرى، في الأسابيع الماضية، على عمليات استحواذ، استهدفت السعودية من خلالها شركات مملوكة لرجال أعمال مصريين يريدون إخراج أموالهم من مصر، وهو ما تعارضه القاهرة.
من جانبهم، يعتقد المسؤولون السعوديون أن إتمام العمليات عبر شركات تطرحها الحكومة المصرية، ومن بينها شركات وبنوك لا تحقّق عائدات كبيرة اقتصادياً، إنما يمثّل خسارة لاستثماراتهم التي تستهدف تحقيق عائد مالي مجزٍ في السنوات المقبلة. وفي المقابل، طلبت الرياض من القاهرة وعوداً بفرص استثمارية مجزية في شركات تابعة للجيش المصري، سواء كان من خلال الطرح في البورصة أو خارجها عبر مستثمر رئيس.
إجمالا:
فعلى الجانب السعودي تحديدا، تسعى الرياض لمراجعة سياستها المالية الخارجية والالتزام بالقواعد التي تضعها المؤسسات المالية الدولية من أجل الإبقاء على تصنيفها مرتفعا، حتى لا تتأثر خططها التنموية المستقبلية التي تقوم في جزء منها على جذب استثمارات أجنبية.
يعني ذلك أن الجدوى الاقتصادية باتت تتفوق على الاعتبارات السياسية فيما يخص ملف المنح والمساعدات والاستثمارات، وهي يعني بالتبعية أن المملكة ستمارس مزيدا من الضغوط على مصر لتلبية طلباتها وشروطها الاستثمارية وهو ما قد يعرض العلاقات الثنائية للمزيد من الضغوط…وهو ما ستكشف عنه الأيام المقبلة..