في اطار الأوضاع المأزومة بمصر، على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية، جاء التسريب المقتضب الذي نشره موقع “أفريكا إنتليجنس” مؤخرا، ليثير المزيد من التكهنات في كافة الاتجاهات.. بل ويثير أيضا العديد من التساؤلات، حول صحة اللقاء الذي جمع بين جمال مبارك والسفير الأمريكي الستبق ورجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، وتوقيت الكشف عن اللقاء بعد نحو عام كامل، واحتمالات أن تكون ورائه جهات من الداخل أو الخارج، تسعى لوضع السيسي في ركن معين سواء لابتزازه أو إجباره على اتخاذ سياسات وقرارات معينة، أو أن هناك نوايا اقليمية ودولية معينة، أو أن هناك رأي وموقف يتبلور داخل المؤسسة العسكرية المصرية إزاء السيسي.
وغيرها من التساؤلات الاستراتيجية التي يزيد غموضها خروج دعوات سابقة من الداخل المصري بأن السيسي لن يترشح لانتخابات 2024، أو دعوات المعارضين بالخارج لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، زاعمين أن يوليو المقبل هو حده وموعدها …
السطور التالية تحاول استقراء المشهد السياسي المصري وصولا لتقدير موقف حول مستقبل تلك الدعوات واحتمالات وقوعها في ضوء المستجدات المحلية والاقليمية والدولية..
أولا : محتوى
التسريب:
قال موقع “أفريكا إنتليجنس” المقرب من الاستخبارات الفرنسية، إنّ الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر، تغذي طموح جمال مبارك، نجل الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، لمنافسة عبد الفتاح السيسي على الرئاسة.
وكشف الموقع عن لقاء سري عقده جمال مبارك مع السفير الأميركي، وأوضح أنّه في بداية أزمة النقص في العملة الأجنبية في مصر، تحدث جمال مبارك إلى الولايات المتحدة بشأن احتمال الترشح في الانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها عام 2024.
وقالت مصادر الموقع إنّ جمال مبارك عقد في مارس من العام الماضي اجتماعاً سرياً بقصر تابع لعائلة مبارك، مع السفير الأميركي وقتها، جوناثان كوهين، ورجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، ولكي يضمن دعمه من الجيش المصري، فقد أراد جمال مبارك أن يطمئن على استمرار المساعدة العسكرية الأميركية لمصر، والتي تبلغ قيمتها 1.17 مليار دولار، إذا ترشح للرئاسة.
وكان لافتا أنه بعد نحو شهر من اجتماع شرم الشيخ، رفعت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي العقوبات المفروضة على عائلة مبارك، فأنهت بذلك إجراءات التجميد لأصولهم والحظر الذي كان مفروضاً على دخول مواطني الاتحاد الأوروبي في معاملات مالية مع المقربين من حسني مبارك.
وجاء قرار الاتحاد الأوروبي بعد أكثر من عقد من ثورة عام 2011، التي أطاحت بالرئيس الراحل حسني مبارك من منصبه.
وفي تبريره لأسباب اللقاء السري، يرى الموقع الاستخباري أنه جاء محاولة من نجل مبارك للحصول على ضمان دعمه من قبل الجيش المصري، موضحا أنه أراد أن يطمئن على استمرار المعونات العسكرية الأمريكية لمصر، البالغة 1.17 مليار دولار سنويا، إذا ترشح للرئاسة.
بغض النظر عن صحة التسريب من عدمه، فإنه سيجري التعاطي مع الأمر وكأنه حقيقي، وأن اللقاء تم بالفعل وتماهى هدفه مع ما نشره الموقع، فسيجري تحليله والتعاطي معه.. أيا كان هدف نشر التسريب، سواء أكان للدفع باتجاه الضغط على السيسي لأهداف ما، أو لإحداث حراك مهندس ومتحكم فيه من قبل أطراف دولية أو محلية.
ثانيا: توقيت التسريب:
ويأتي التسريب في وقت يعد فيه نظام السيسي العدة لاعادة ترشيح السيسي في انتخابات 2024.. سواء بشكل منفرد أو باختيار مرشح محلل، كما في الجولتين السابقنين، حينما جاء بحمدين صباحي ورئيس حزب الغد موسى مصطفى موسى، لمنافسته بشكل صوري وكان السيسي قد هندس لنفسه إمكانية خوض الانتخابات لجولتين قاددمتين، ففي إبريل 2019، أجرى السيسي تعديلات على الدستور المصري، منحته الحق في الترشح لانتخابات رئاسية لدورة ثالثة ورابعة مدة كل منهما 6 سنوات، بعد دورتين فاز بهما عامي 2014 و2018.
وتعد اللحظة الراهنة، من أخطر اللحظات الفارقة في تاريخ السيسي السياسي، اذ أنه يواجه تحديات جمة، وسط تراجع شعبيته في جميع الاوساط المصرية، كما تتفاقم الأزمات المجتمعية على وقع قراراته غير المدروسة، على المستوى الاقتصادي، ما يدفع ملايين المصريين لاتخاذ مواقف مضادة للسيسي وقراراته، سواء عبروا عنها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وجدوا المتنفس لهم بالانحياز لشخصية سياسية غير محسوبة على المعارضة، ولها امتدادات ما تلت قائمة في عمق الدولة المصرية والنظام السياسي.
كما أن ظهور جمال مبارك المتكرر في الساحة السياسية والشعبية بل والإقليمية بشكل متزايد، خلال الفترة الماضية يضع الكثير من القيود على السيسي.
بل إن استقبال جمال مبارك وأخيه علاء، بالإمارات استقبال الرؤوساء، لتقديم واجب العزاء لمحمد بن زايد في وفاة شقيقه، خليفة بن زايد، يثير الكثير من علامات الاستفهام، في ظل توارد الكير من الروايات حول اجبار السيسي على السماح بإجراءات سفر نجلي مبارك خارج مصر، لأول مرة منذ 2011، وهو ما قد يشيء إلى أنه يمكن أن يستخدم كورقة للضغط على السيسي، من قبل أطراف قليمية ودولية.
وعلى الرغم من عدم اعلان مبارك أو إشارته من قريب أو بعيد لمسألة ترشحه بعد إزالة كافة القيود على ترشحه قانونيا، الا أنه يمكن دراسة فرصه ومناقشتها وتأثيراتها على المشهد السياسي المصري ومواقف القوى المعارضة وتأثيرات الأمر عليها..
ثالثا: فرص جمال مبارك:
وتنقسم فرص منافسة جمال مبارك للسيسي، بين، فرص تتعلق بامكاناته الذاتية، وأخرى مرتبطة بالسيسي وسياساته وانعكاسات قراراته على الساحة المصرية..
أ-الظروف المحيطة بالمشهد المصري القائم:
-تفاقم الأزمة الاقتصادية :
ووفق تقديرات الموقع الفرنسي، فإن الأزمة الاقتصادية بمصر تغذي طموح جمال مبارك لمنافسة السيسي على الرئاسة، وذلك بعد نحو 12 عاما من الإطاحة بوالده عبر ثورة شعبية في يناير 2011.
إذ يعاني نظام السيسي من هروب نحو 20 مليار دولار من الأموال الساخنة من السوق المصرية إثر الحرب الروسية الأوكرانية 2022.
بجانب ارتفاع أسعار كل السلع والخدمات بشكل غير مشبوق، وارتفاع نسب التضخم لنحو 103% وفق تقديرات دولية، فيما الأرقام الرسمية تصل إلى 26%.. وهو ما ينعكس على حالة السخط الشعبي المتزايد، والذي لم يعد خافيا على السيسي نفسه، الثابت في التقارير الأمنية التي ترفع إليه..
-تصاعد الغضب الشعبي ضد السييسي:
ويتزامن الحديث عن احتمالات منافسة جمال مبارك للسيسي بالرئاسيات المقبلة، مع أزمات نظام السيسي الداخلية وعجزه عن توفير السلع والخدمات، مع تفاقم الديون الداخلية والخارجية، ووصول نسب التضخم أرقاما قياسية، وسط غضب شعبي متصاعد كما يأتي ذلك الحديث بالتزامن مع ما يعانيه نظام السيسي من أزمات خارجية تتفاقم، خاصة مع شركائه الإقليميين وممولي وداعمي انقلابه على الرئيس الراحل محمد مرسي عام 2013، وخاصة السعودية والكويت.
-موقف الأطراف الاقليمية والدولية:
ويمثل الموقف الاقليمي لدول الجوار العربي، عنصرا مهما في الأمر، ويرتبط مستقبل أي رئيس في الفترة المقبلة على رضاء دول الخليج ودور القوى الاقليمية وموقفها من المرشح.
وفي ضوء تعقد الموقف الخليجي الحالي مع السيسي، يمكن أن يغسل الخليج يديه من السيسي بدعم جمال مبارك، إلا أن الأمر يبدو صعبا مع الامارات، التي يتمتع السيسي بدعم قوي من قبلها، خاصة وأن انحياز السيسي للامارات ودور محمد بن زايد في المنطقة، وفي موازة الدور السعودي، يمثل مصدر قوة وترجيح لصالح السيسي..
وجاءت كلمة السيسي خلال قمة الحكومات في دبي، منتصف فبراير الجاري، دليل دامغ على ذلك.
أما السعودية، فمما لا شك فيه أن علاقتها متوترة بشكل كبير مع السيسي ومنظومته الحاكمة، وإذا تدهورت العلاقة بشكل أكبر الفترة المقبلة، فربما تأخذ خطوات أكثر صرامة مع السيسي، وفق تقديرات استراتيجية..
أما دوليا، فيمكن اعتبار رفع محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي العقوبات المفروضة على عائلة مبارك، بعد شهر من اجتماع شرم الشيخ، يعد مؤشرا على قبول أوروبي بجمال مبارك، وهو ما قد يدفع أمريكا للوقوف بقوة بجانب مبارك.. ويمثل الموقف الأمريكي والأوروبي قائدا للمواقف الاقليمية في أغلب قضايا الشرق الأسط، خاصة من قبل دول الخليج وإسرائيل الحاسمين غالبا بالملفات الاقليمية..
وهو ما يؤشر لإمكانية القبول بحمال مبارك، في ظل حالة السيولة السياسية الحالية في منطقة الشرق الأوسط ويأتي ذلك خاصة بعد الصراع الحادث بين التحالف الإماراتي بقيادة محمد بن زايد والتحالف السعودي بقيادة محمد بن سلمان، وربما كانت العلاقات السابقة لنظام مبارك مع تلك الدول عاملا مؤثرا في ذلك.
مشاركة هشام طلعت:
وكان لافتا بحضور رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، الذي قرر السيسي له إفراجا صحيا في يونيو 2017، بعد سجنه بقضية مقتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم، ومنحه مشروعات إنشائية بالعاصمة الإدارية الجديدة وفي جوارها.
ب- إمكانات جمال الذاتية:
-سهولة تواصل جمال مبارك مع الغرب:
ويتمتع جمال مبارك ومجموعة رجال الاعمال الداعمين لنظام والده، بقبول لدى الدوائر الغربية، وهو ما يتوافق مع حكم المحكمة الاوروبية الأخير، برفع التجميد على أمواله وامكانية التواصل مع المقربين من نظام مبارك وعقد المعاملات معهم.. وهو ما يمكن مبارك من تسويق نفسه في الدوائر الغربية كبديل للسيسي، حتى لا تدخل البلاد حالة الفوضى، وهذا استغلال للوضع الاقتصادي الصعب الذي تشهده مصر بسبب سياسات السيسي، مع قرب انتخابات الرئاسة 2024..
– ظهور مدروس لجمال:
ومنذ الإفراج عن نجلي مبارك (الأكبر علاء والأصغر جمال) أكتوبر 2015، لم يظهر جمال مبارك إلا نادرا وفي جنازات بعض المشاهير، وخلال جنازة والده في فبراير 2020.
بينما استمر ظهور علاء مبارك، عبر صفحته بـ”تويتر”، ليثير قضايا جدلية مع إعلاميين وناشطين، وينتقد النظام الحالي، ويدافع عن أسرته. لكن؛ وفي مايو 2022، خرج جمال مبارك وشقيقه علاء من مصر للمرة الأولى منذ الثورة على والديهما إلى الإمارات للمشاركة في تشييع جنازة رئيس الإمارات السابق، خليفة بن زايد.
كما ظهر جمال مبارك للمرة الأولى على الساحة السياسية في الشهر ذاته ومن الإمارات، عبر بيان مصور قاله باللغتين العربية والإنجليزية، عن انتهاء قضايا أموال عائلته ببنوك أوروبا، ورفع عقوبات الاتحاد الأوروبي، وإنهاء تجميد أموال عائلته، ما أثار جدلا واسعا حول نوايا مبارك الابن.
وفي أكتوبر الماضي، حقق جمال مبارك ظهورا شعبيا لافتا ومثيرا للجدل اعتبره البعض إشارة قوية بقدومه كمنافس للسيسي، ودشنت على إثره صفحات باسم جمال مبارك رئيسا لمصر عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
حينها، تجمع مئات المصريين حول جمال مبارك، خلال مشاركته بجنازة محامي عائلته فريد الديب، وسط هتافات باسمه ومناداته بلقب رئيس مصر القادم، وهو ما أغضب السيسي، بحسب تقدير الموقع الفرنسي.
وفي يناير 2023، ظهر جمال مبارك خلال جلسة تصوير لصالح وكالة “جيتي” الأمريكية، في صورة شبه رسمية، ما أثار تفاعلا كبيرا وتكهنات بقدوم محتمل لنجل مبارك، وتسويق خارجي له.
رابعا: صعوبات في طريق مبارك:
-موقف الجيش الرافض لرئاسة مدني:
وعلى الرغم من أزمات نظام السيسي الاقتصادية، إلا أن الموقع الفرنسي أشار إلى أنه لا يوجد حتى الآن ما يشير إلى أن كبار الضباط المصريين قد يتخلون عن السيسي.
ومع وضع السيسي الحالي السيئ، واحتمالات تعرض البلاد للإفلاس الاقتصادي، وتعرضه شخصيا لغضب شعبي وثورة جياع، فإن جمال مبارك لو فكر في الترشح، فإن أمامه عقبات تتمثل في رفض الجيش له، وفي احتمال تعامل السيسي الأمني معه، كسابقيه من المرشحين للرئاسة بمواجهته.
وكانت قيادات الجيش المصري على خلاف مع حسني مبارك بسبب مشروع التوريث، وقطعت عليه كل الطرق لفرض هذا الأمر، والتي كانت تراه خروجا على قواعد الحكم العسكري وكانت قيادات الجيش المصري حينها ترى أن جمال مبارك ومجموعته الاقتصادية كانت ستتغول على اقتصاد الجيش وتقترب من امتيازاته إذا وصلت للحكم وهذا ما قاومه الجيش بكل قوة، واستغل حراك يناير 2011، للتخلص من مبارك ونجله، الذي كان يدير البلد فعليا أواخر فترة والده.
ووفق التقديرات الاستراتيجية، فإن ما رفضه الجيش في الماضي لن يقبل به في أي وقت وذلك على الرغم من العلاقات القوية بين الجيش المصري والبنتاجون الأمريكي، إلا أن تلك العلاقة تعمل في ظل خصوصية العقيدة القُطرية للجيش المصري، والتي تتنافى مع المشروع الأمريكي لجمال مبارك، والذي كان يقضي بتحول مصر لولاية أمريكية في الشرق الأوسط..
-الموقف الشعبي المضطرب وغير المأمون:
ويمثل القبول الشعبي، عنصرا حاسما لترشح جمال، في ظل الظروف المأزومة التي تحياها مصر عامة، ومؤسسة الرئاسة خاصة.
إلا أن قبول الشعب المصري بجمال كمرشح ينحاز إليه، رغم التكلفة السياسية والأمنية لهذا الانحياز، يمكن أن يرتبط بالذاكرة التاريخية للشعب المصري، الذي ما زال قريبا من أحداث ثورة يناير 2011، حيث خرج الشعب ضد مشروع جمال مبرك ولجنة السياسات ورجال الأعمال المحيطين به آنذاك.
فحراك يناير ليس ببعيد، فنظام مبارك الذي كان أحد أركانه نجله جمال تسبب أيضا في معاناة المصريين، وهو ما يؤشر إلى أنه لن يكون هناك تكتل شعبي وراءه بشكل كبير…
-القبضة الأمنية للسيسي:
والذي سبق أن أشار إليها في فترات سابقة، مهددا بمحو من يقترب من كرسي الحكم وهو ما يشيء باحتمالات فشل سعي نجل مبارك نحو حكم مصر، “بفرض إذا استطاع جمع التوكيلات وسمح له النظام بأن يكون منافسا للسيسي، ولم ينكل به كما فعل في انتخابات 2018 مع الفريق سامي عنان والفريق أحمد شفيق“ حيث أن اللجنة العليا للانتخابات في مصر، التي ستدير العملية الانتخابية، تدار من قبل السيسي، ومدير مخابراته اللواء عباس كامل، وهو ما يؤكد بأن النتيجة محسومة للسيسي.
خامسا: موقف السيسي ووضعه في المعادلة المصرية:
ويمثل السيسي الطرف الأهم في مصر في الوقت الحالي، وخلا الانتخابات المقبلة، بل وفي عموم المرحلة المقبلة ولعل قياس قوته، وتوقع مآلاته السياسية، يتطلب معرفة ما يحيطه من تحديات، خاصة فيما يتعلق بالمنافسة السياسية المقبلة، إذ يحاط السيسي إلى جانب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، بالعديد من التحديات والمتغيرات، ومنها:
-قلاقل سياسية حول السيسي:
حيث يدور حول الانتخابات والعملية السياسية المقبلة، احتمالان بشأن الانتخابات القادمة، الأول: ازدياد الضغوط الخارجية، مع بعض الضغوط من الداخل فيؤدي الأمر إلى نشأة بعض المساحات السياسية الجديدة.
أما الاحتمال الثاني: بعد مرور الأزمة الاقتصادية أو تحسنها بشكل ما من خلال بعض الدعم الخارجي الدولي أو الإقليمي فربما ستدخل البلاد في موجة قمع عنيفة جدا خلال العام الجاري بحيث تمر الانتخابات الرئاسية بسلاسة…
وعلى أية حال، فأن ملف الانتخابات القادمة لن يكون سهلا بالنسبة للسيسي، وسيكون أمام النظام بعض التحديات التي يواجهها بالفعل، وهو وحيدا، وقوته مُستمدة من ضعف الآخرين، أو من عدم اهتمام الخارج بقضية الديمقراطية في مصر بشكل كبير؛ ففور مجيئه للسلطة وجّه السيسي ضربات عنيفة جدا للمعارضة السياسية، وبالتالي فلا يوجد بديل قوي جاهز..
وربما نرى خلال العام الجاري بعض التفاعلات أو التحديات، لكن أي تحديات نوعية ستحدث ستكون من داخل النظام؛ فإذا كان هناك رضا من الجيش، ورضا من الدوائر المُشكّلة للدولة العميقة في مصر فلا خوف.
ترجيحات:
ومما سبق فإنه من المرجح أن الانتخابات الرئاسية المقبلة، المُقرر إجراؤها منتصف العام المقبل، لن تكون على غرار الانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلاد في عامي 2014 و2018.
لأن السيسي كان لديه طموح عندما جاء للسلطة بتقديم نموذج تنموي جديد، بمعنى أن الدولة فيها قمع للحريات لكنها تحقق معدلات من التنمية، مثل نماذج مماثلة في الصين وكوريا الجنوبية في وقت ما، لكنه فشل في ذلك بشكل جلي.. بل بات هناك اختلالات بنيوية في الاقتصاد المصري، وهذه الاختلالات تسبّب فيها النظام نفسه لعوامل مختلفة، بجانب التغيرات الإقليمية والدولية وما إلى ذلك..
كما أن شرعية الإنجاز غير موجودة، وفي نفس الوقت بدأت تظهر بعض الأصوات التي يبدو عليها عدم الرضا من أداء السيسي، وهنا لا نقصد المعارضة، وإنما خطابات بعض الدوائر القريبة من السلطة؛ وذلك من عينة البيان الذي أصدره النائب السابق أنور السادات، وكذلك الظهور المتكرر لجمال مبارك، وكذا البيانات التي تصدر من بعض الأحزاب التي تضم شخصيات محسوبة على النظام الأسبق بالرغم من كونهم مؤيدين للنظام في السنوات السابقة، كأحزاب التيار المدني والمشاركين فيما يسمى “الحوار الوطني” غير المكتمل..
وكان رئيس حزب “الإصلاح والتنمية”، محمد أنور عصمت السادات، قد توقع، في بيان أصدره في 19 أكتوبر الماضي، إعلان السيسي عدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، واصفا ذلك بأنه سيكون “الحدث الأكبر“.
وعلى أية حال، يصبح ترشح جمال فرصة للمعارضة للتوحد والبحث عن بديل يمكنه المشاركة في العملية السياسية، وهو ما يرجحه البعض، في ضوء تسريبات عن استعدادات يجريها النائب السابق أحمد طنطاوي، للمشاركة في المنافسة المقبلة، وهو ما قد يصحبه تفاعلات متسارعة، قد توحد المعارضة لاسقاط الخيارين الفاسدين، السيسي ومبارك..
أما المعارضة الاسلامية ورافضي العملية السياسية في ظل الانقلاب العسكري، يبقى عليهم حسم أمورهم ، على الأقل بعدم اضاعة أصواتهم الانتخابية ودوائرهم، من أجل خلخلة النظام العسكري القائم..